الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صبحنا أرضهم بالخيل حتى تركناها أدق من الصراط (1)
النظرة السابعة والعشرون
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} :
هذا بيان لنوع الصراط المطلوب الهداية إليه، والثبات عليه، وأنه كما قال ابن عباس: طريق من أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك، من الملائكة والنبيين، والصديقين والشهداء والصالحين، الذين أطاعوك وعبدوك (2)، فيكون المعني به: وفقنا للثبات على ما ارتضيته، ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قول وعمل، وذلك هو الصراط المستقيم، لأن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليه، من النبيين والصديقين والشهداء، فقد وفق للإسلام وتصديق الرسل، والتمسك بالكتاب والعمل بما أمر الله به، والانزجار عما زجر الله عنه، واتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهاج أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم، وكل عبد الله صالح، ذلك من الصراط المستقيم (3).
(1) منسوب لأبي ذؤيب الهذلي، وليس في ديوانه هذا البيت، وهو في تفسير القرطبي (1/ 103) وتفسير الطبري (1/ 170) والدر المصون (1/ 64).
(2)
أسنده الطبري رحمه الله (جامع البيان 1/ 178).
(3)
انظر جامع البيان (1/ 171).
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} وهنا يتكرر السؤال وطلب العافية، فكما سألوه تعالى أن يهديهم سبيل المؤمنين، سألوه تعالى ألا يضلهم، كما دعوه فقالوا:{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (1).
والمغضوب عليهم: هم العصاة بمختلف معاصيهم، داخلون في غضب الله عز وجل بتفاوت، فأعلاهم اليهود، وأدناهم مرتكب الذنب، فالله عز وجل يغضب من عمل الذنوب وإن قلَّت.
والضالون: هم الجهّال، أعلاهم النصارى، ضلوا طريق الحق، وأدناهم الجهال من العوام، الذين يجهلون أمور دينهم ودنياهم، وقد ذهب الجمهور من العلماء رحمهم الله إلى أن {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} هم اليهود لتكذيبهم وقتلهم الأنبياء بغير حق، ولقولهم في عيسى عليه السلام: إنه ابن زانية، فكذبوا الله، ورموا عيسى وأمه، وتجاسروا على الله سبحانه وتعالى فقالوا:{إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} (2)، وقالوا: {يَدُ اللَّهِ
(1) الآية (8) من سورة آل عمران.
(2)
من الآية (181) من سورة آل عمران.
مَغْلُولَةٌ} (1)، فباؤوا بغضب من الله، وهم رأس من غضب الله عليهم من عباده من الإنس، قال الله تعالى:{وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (2).
أما الضالون: فقال الجمهور: هم النصارى لأنهم اتبعوا الهوى فضلوا في أمر عيسى عليه السلام، وقالوا بالتثليث فأفرطوا في اعتقادهم، وجاوزوا الحد في دينهم، وغلوا في أمر نبيهم المسيح عليه السلام، فقالوا: إنه إله، وزعموا أنه ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، قال الله عز وجل:{قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (3).
أما المسلمون: فهم أصحاب الصراط المستقيم، والحمد لله كانوا وسطا بين اليهود والنصارى، فاعتقاد اليهود تفريط، واعتقاد النصارى إفراط، والمسلمون وسط بينهم، آمنوا بالله تعالى وما جاء به أنبياؤه ورسله.
اللهم أحينا مسلمين مؤمنين، وأمتنا مسلمين مؤمنين، وابعثنا مسلمين مؤمنين، غير خزايا ولا نادمين، والحمد
(1) من الآية (64) من سورة المائدة.
(2)
من الآية (61) من سورة البقرة، وفي آيات أخر من كتاب الله العزيز.
(3)
الآية (77) من سورة المائدة.