المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 ــ الجانب العملي التطبيقي: - النظرات الماتعة في سورة الفاتحة

[مرزوق بن هياس الزهراني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌منهج البحث

- ‌المقدمة

- ‌سبب اختيار البحث

- ‌النظرة الأولىحول سورة الفاتحة:

- ‌النظرة الثانيةلماذا تعددت أسماء الفاتحة

- ‌النظرة الثالثةنزول جبريل عليه السلام بالفاتحة:

- ‌النظرة الرابعةمكية أو مدنية

- ‌النظرة الخامسةعدد آياتها:

- ‌النظرة السادسةصلتها بالكتب السماوية:

- ‌النظرة السابعةما ورد في فضلها:

- ‌النظرة الثامنةالفاتحة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وأمته:

- ‌النظرة التاسعةالفاتحة تحاور بين العبد وربه:

- ‌النظرة العاشرةالفاتحة شفاء وأخذ الأجرة على الرقية بها جائز:

- ‌النظرة الحادية عشرةمقاصد الفاتحة:

- ‌النبوات:

- ‌الأحكام:

- ‌المعاد:

- ‌المقصد الأول:

- ‌المقصد الثاني:

- ‌المقصد الثالث:

- ‌المقصد الرابع:

- ‌المقصد الخامس:

- ‌المقصد السادس:

- ‌المقصد السابع:

- ‌المقصد الثامن:

- ‌المقصد التاسع:

- ‌المقصد العاشر:

- ‌النظرة الثانية عشرةوجوب قراءتها في كل ركعة:

- ‌النظرة الثالثة عشرةجواز الزيادة على الفاتحة من القرآن:

- ‌النظرة الرابعة عشرةسقوط قراءتها عن العاجز المتعذر عليه إدراكها:

- ‌النظرة الخامسة عشرةاحتواء الفاتحة على علوم القرآن:

- ‌النظرة السادسة عشرةما في الفاتحة من العلوم الأخرى:

- ‌النظرة السابعة عشرةالمنهج التربوي في سورة الفاتحة:

- ‌1 ــ الجانب العلمي المعرفي النظري:

- ‌2 ــ الجانب العملي التطبيقي:

- ‌النظرة الثامنة عشرةأقسام الناس حسب فهم الفاتحة:

- ‌النظرة التاسعة عشرةحكم الاستعاذة:

- ‌النظرة العشرونتفسير الاستعاذة:

- ‌النظرة الحادية والعشرونالقول في تفسير: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

- ‌تفسير {الرَّحْمَنِ}:

- ‌تفسير: {الرَّحِيمِ}

- ‌النظرة الثانية والعشرونتفسير: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

- ‌لنظرة الثالثة والعشرونتفسير: {اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

- ‌النظرة الرابعة والعشرونتفسير: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}

- ‌النظرة الخامسة والعشرونتفسير: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}

- ‌النظرة السادسة والعشرونتفسير: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}

- ‌النظرة السابعة والعشرون{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}:

- ‌النظرة الثامنة والعشرونمعنى آمين:

- ‌في "آمين" لغتان:

- ‌النظرة التاسعة والعشرونحكم قول آمين:

- ‌النظرة الثلاثونأهمية قول آمين:

- ‌النظرة الحادية والثلاثونالجهر بآمين:

- ‌النظرة الثانية والثلاثونكيف يصل المسلم إلى أعلى درجات التقرب:

- ‌الخاتمة

- ‌التوصيات

الفصل: ‌2 ــ الجانب العملي التطبيقي:

‌النظرة السابعة عشرة

المنهج التربوي في سورة الفاتحة:

لقد تضمنت سورة الفاتحة جوانب تربوية عظيمة منها:

‌1 ــ الجانب العلمي المعرفي النظري:

يتمثل ذلك في معرفة المدعو إلى عبادته وحده لا شريك له، وهو الله عز وجل فقوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ} عرّف العباد أن الله عز وجل هو المختص بالحمد على وجه الكمال، فوجب على كل مسلم أن يعي هذا، وينطلق في تربية نفسه ومن ولاه الله أمرهم من مبدأ أن الله تعالى رب العالمين، الذي أوجدهم ورعاهم وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، ولذلك تضمن اسمه الكريم {رَبِّ} ثلاثة أمور:

الرب بمعنى المعبود، والرب بمعنى المربي والمنعم، والرب بمعنى المالك المتصرف.

‌2 ــ الجانب العملي التطبيقي:

ويتمثل في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .

إن المسلم إذا تقرر لديه الجانب النظري، بادر إلى الجانب العملي فإن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فتكون عبادته خالصةً لله عز وجل، وتوكله عليه وحده، واستعانتة به سبحانه في كل شؤونه، ولا معارضة فيما يحصل بين المسلمين من تعاون فإنه من

ص: 76

باب العون والمساعدة بالنسبة للمخلوق، ومن باب العبادة والتوكل بالنسبة للخالق سبحانه.

تحديد ثمرة التلازم بين الجانبين السابقين؛ ولا تحصل الثمرة إلا باجتماعهما، وهي: الهداية إلى الطريق المستقيم: ويتمثل في قول الله سبحانه وتعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فطلب الهداية يستلزم البعد عن الضلال، وكل ما يغضب الله عز وجل، وتحمل المسؤولية: في سبيل إظهار الحق المشار إليه بقوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} والذين أنعم الله عليهم هم المطيعون لله ورسوله، أعلاهم الأنبياء والرسل، ثم الصديقون والشهداء والصالحون، الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وهذا يجعلنا نتعرف على المسؤوليات المنوطة بنا شرعا، ونربي عليها أنفسنا وأسرنا، وبها يقوم المجتمع الإسلامي، ويمارسها واقعا عمليا على قدر الطاقة، ومن خلال الوسائل التي تستخدم في تحقيق الأهداف، ويحسن أن نقدم للقارئ الكريم مثالين لتوضيح ما أسلفنا القول فيه:

ص: 77

المثال الأول: ما وردت الإشارة إليه في قول الله سبحانه وتعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} وقلنا: أعلاهم الأنبياء والمرسلون، حصل لهم ما حصل من الكرامة والنصر والجزاء في الدنيا والآخرة، لأنهم حققوا الجانبين المتلازمين في التربية: الجانب المعرفي النظري، والجانب التطبيقي العملي، فصبروا وصابروا، وقد فصّل الله ذلك في سورة الصافات، إذ ذكر نبيه نوحا عليه السلام، وذكر من ثمرة معرفته بالله، وتطبيقه عمليا لعبادة ربه، أن استجاب الله دعوته (1)، فحصلت له ولأهله النجاة (2)، وختم الله ذلك بقوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي

ص: 78

الْعَالَمِينَ} (1)، وهكذا ذكر الله عز وجل الرسل وأثنى عليهم واحدا واحدا، فذكر إبراهيم وتاريخه، وما لقي من المحن، وختم بقوله تعالى:{سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (2)، ثم ذكر موسى وهارون ونجاتهما من فرعون وقومه، وختم بقوله تعالى:{سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} (3)، ثم ذكر إلياس وقصته مع قومه، وختم بقوله سبحانه وتعالى:{سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} (4)، ومن هذا نعلم أن الله عز وجل ذكر ذلك تربية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتعليما لأمته أن الله عز وجل يجعل الثناء للمجاهدين الأبطال من المكافآت العاجلة، وذلك لإقتدائهم بأنبياء الله ورسله، واستقامتهم على منهج الله، ومن هذا يجب على الأمة الإسلامية أن تعلن فضل الفضلاء من أبنائها، وأن تشيد بعلم العلماء منهم، وحكمة الحكماء، وجهاد الأبطال الذين يعلون كلمة الله في

(1) الآية (79) من سورة الصافات.

(2)

الآية (109) من سورة الصافات.

(3)

الآية (120) من سورة الصافات.

(4)

الآية (130) من سورة الصافات ..

ص: 79

الأرض، من أمثال الأئمة الأربعة، ومن تلاهم من علماء الطب والفلك، والرياضيات، والكيمياء، ومن بعدهم من المجاهدين من أمثال صلاح الدين، وشيخا الإسلام ابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم كثير، وعلى الأمة الإسلامية أن تقوم بنشر فضائلهم، وكشف محاسنهم التي خدموا بها أمتهم الإسلامية، لتقتدي بهم الأجيال المتعاقبة، لكن الأمة الإسلامية اليوم صرفت هذا لأصحاب الرقص والغناء، وغيرهم ممن لا يتفق عملهم مع كتاب ولا سنة، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.

المثال الثاني: ما وردت الإشارة إليه في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} وقعوا في الضلال المبين، وهو ما قص الله عز وجل عن أهل النار {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} (1)، إلى قوله سبحانه وتعالى:{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} (2)، أنذرهم لشذوذهم في الفكر والسلوك وعدم قبولهم الدعوة التي جاء بها الرسل، فاشتغلوا بالهوى والشهوات، وغرتهم الأماني، وهذا حال الأمة

(1) الآية (27) من سورة الصافات.

(2)

انظر الآيات من (50 ـ 73) من سورة الصافات.

ص: 80

الإسلامية اليوم في غالب أمرها، سُلبت مقدساتها، انتهكت الأعراض في كثير من بلاد المسلمين، تطاول الكذبة من أعداء الإسلام، على كتاب الله عز وجل، وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، "والمليار" من المسلمين يتفرجون، ويحوقل (1)، الصالحون منهم.

من هذا المثال يجب أن يعي المسلمون الخطر المحدق بهم، حينما تكون الأهواء دستورا والشهوات منهجا، وحرية الفكر لا حدود لها، أو مطموسة وممنوعة من قول الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومن هنا نعلم أهمية طلب الهداية والتوفيق، وأنها من أعظم الوسائل لتحقيق الغايات النبيلة، فقوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إدراك الغاية وهي: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بسبب طلب الهداية، وقصة أصحاب الكهف (2)، من أبرز الأمثلة على ذلك، ومن السنة قصة أصحاب الغار (3)، والسبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله (4)، كان ثمرة لتحمل

(1) الحوقلة: أن يقول الإنسان: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا ما يملكه الصالحون اليوم، وهي معهم في الرخاء والشدة، وهي كنز من كنوز الجنة، وقد صح هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

انظر (القرآن الكريم، سورة الكهف، الآيات: 9 ـ 22).

(3)

انظر: صحيح البخاري، حديث (2272).

(4)

انظر: صحيح البخاري، حديث (660) وإحالاته.

ص: 81

المسؤولية، والصبر عليها، فنتج عن ذلك ما حصل من العاقبة الحسنة، ودوام الذكر الحسن والثناء عليهم إلى يوم الدين.

وهنا نلحظ قاعدتين تربويتين: تضمنتهما سورة الفاتحة؛ وهي أن التربية لا تقوم إلا على أساسين هامين: هما منهجان إسلاميان تربويان يجب اعتمادهما في حياة الفرد والجماعة:

1 ــ الرحمة: وإليه الإشارة بقوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وقد جعل الله تعالى هذا الجانب من التربية غريزة في الأم، فان الطفل يجد عندها الحنان والرأفة والرحمة في منتهى صورها، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لله أرحم بعباده من هذه بولدها)(1).

2 ــ الثواب والعقاب: وهو أساس هام في التربية، له دور بارز في البناء والإصلاح، ونشوء العدل، والعدل فيه الشدة وإعطاء كل ذي حق حقه، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} الجزاء والحساب، وقد جعل الله عز وجل هذا الجانب غريزة في الأب، فانه أحزم في تربية الابن من الأم وأحكم، وهذا يستدعي التوازن في التربية، فلو جعل الأبوين رحيمين مطلقا لفسدت التربية، ولو جعلهما شديدين لفسدت أيضا.

(1) أخرجه البخاري، حديث (5999).

ص: 82