الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(1)
تقديم
أهمية تحقيق كُتب السنة عمومًا، وتحقيق هذا الشرح خصوصًا
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين، ورحمة الله للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
…
وبعد:
فإن تحقيق وضبط نصوص السنة سندًا ومتنًا، هو أساس العناية بها، وطريق الإفادة منها منذ فجر الإسلام؛ حيث قام الصحابة رضوان الله عليهم، ثم من جاء بعدهم بالجمع بين حفظ السنة وضبطها في الصدور، وبين كتابتها وضبطها في المسطور، مع الحرص على صيانة المكتوب عن الدس فيه، وعن تطرق الدخيل إليه.
ونقل اللاحقون من الأصول الخطية للسابقين نسخًا فرعية، وقابلوها بأصولها المنقولة عنها، وبغيرها، وصار لهم في ذلك أعراف واصطلاحات يعمل بها للتحقق من صحة الفرع، ومطابقته للأصل، مع تصويبهم لما يوجد في صلب النص من خطأ أو مَحْوِهم له، وتداركهم للسقط، وتوضيحهم في الحواشي لفروق النسخ، وللغامض -في نظرهم- من النص.
وعلى ضوء ذلك تحملوا الثابت المحقق ثم أدوه لمن بعدهم موثقًا بطرق التحمل المعتبرة، فكان ذلك إحياء وحفظًا للسنة ونشرًا لها في كل جيل، وصقع وقبيل، وواكبه إرساء قواعد واصطلاحات للمحدثين في كتابة الحديث وضبطه، وكانت وما زالت تمثل أصول وقواعد تحقيق النصوص عمومًا ونشرها.
وإيمانًا مني بهذه الأهمية والأصالة لتحقيق نصوص السنة وعلومها، اتجهت -بعد الاستخارة- إلى تحقيق ما تيسر لي من هذا الكتاب، مع التعليق عليه بما رأيت أنه يخدم النص، ويساعد على فهمه والاستفادة منه بإذن الله.
كما كان اختياري لهذا الشرح دون غيره، لما بدا لي من أهمية خاصة له أُجمِلُها في الآتي:
1 -
إِن هذا من شروح أحد الكتب الستة المشهورة، التي هي: الصحيحان وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ولم أقف حتى الآن على شرح من شروح تلك الكتب -فضلًا عن غيرها- محققًا تحقيقًا علميًا، حيث إن كل المطبوع بين أيدينا -رغم؛ فائدته الكبرى- مصحح فقط على بعض نسخه الخطية، ومعظم التصحيح، إِن لم يكن كله، بواسطة غير المختصِّين، وكثيرًا ما يضن الطابعون لتلك الشروح بذكر النسخة أو النسخ الخطية التي اعتُمدَتْ قي الطبع حتى يمكننا تحديد درجة الوثوق بتلك الطبعة، ومراجعة أصلها عند الحاجة.
2 -
إن مؤلف هذا الشرح معدود من حفاظ الحديث الذين يعول عليهم، كما سيأتي في التعريف به، وقد صار كثير من آرائه التي أودعها في شرحه هذا، محورًا دارت حوله مناقشات وآراء من جاء بعده، وخاصة ما جاء في مقدمته الثانية لهذا الشرح من المسائل والقواعد المتعلقة بمصطلح الحديث وقواعده عند الترمذي وعند غيره، ويمكن التحقق من ذلك بمراجعة تلك المقدمة مع تعليقي عليها.
3 -
إن هذا الشرح يمثل في عمومه رأس حلقة من حلقات شروح الترمذي بين من تقدم وبين من تاخر من شراحه، كما سيأتي تفصيله، وتلك الحلقة بعضها مفتقد، وإن وجدت بعض نسخه الخطية، وبعضها مفقود حتى الآن.
فلعل تحقيق ونشر ما وُجد من هذا الشرح ينبه أذهان المختصين بعلوم السنة، والغيورين عليها إلى الشروع في تحقيق الموجود من تلك الحلقة،
وإلى البحث الدائب عن المفقود منها، ثم إحياء ما يوجد، بالتحقيق والنشر.
4 -
وأيضًا فإن تحقيق هذا الشرح ونشره يبين عمليًا الفارق العلمي الكبير بين تحقيق نصوص الشروح، وبين تصحيحها فقط دون توثيق أو تعليق.
وصلتي بهذا الشرح لابن سيد الناس، وبتكملته للحافظ زين الدين العراقي (ت 806 هـ) وما يتعلق بهما من بحوث، كل ذلك يرجع إلى أزيد من خمس عشرة سنة ماضية، عندما كنت أُعِدُّ رسالتي للعالمية (الدكتوراه) بكلية أصول الدين -جامعة الأزهر- في موضوع (الحافظ العراقي وأثره في علوم السنة)، فقد وقفت حينذاك على مجلد وحيد بدار الكتب المصرية من تكملته لهذا الشرح (1)، وهو من مسودة العراقي بخطه، كما يظهر ذلك خلاله بوضوح، ورغم صعوبة قراءة المسوَّدات عمومًا، فإني قد قرأت المجلد بأكمله، كما أن ظروف حرب مصر مع إسرائيل آنذاك قد اقتضت نقل كل المخطوطات إلى مستودعات حصينة لحفظها من أي عدوان مفاجئ، ومُنِع الاطلاع عليها لأجل غير مسمى، فاضطررت خلال فترة الإِنذار بالمنع إلى نسخ معظم هذا المجلد بيدي، واستكمال نسخ الباقي بواسطة بعض إخواني الأفاضل، مع مراجعتي، وقد كان ذلك مما نبهني إلى قيمة تكملة العراقي هذه بالنسبة إلى المتداول من شروح الترمذي حاليًا، ونبهني أيضًا إلى ضرورة البحث عن أول الشرح الذي أنجزه ابن سيد الناس، قبل تكملة العراقي، وكذا البحث عن باقي المجلدات التي لا توجد في القاهرة من تكملة العراقي.
وقد تبين لي بالبحث في فهارس المخطوطات أن أكبر قدر من نُسخ هذا الشرح لابن سيد الناس، وتكملته للعراقي موجود في مكتبات تركيا والمكتبة المحمودية بالمدينة المنورة، وبمعونة صادقة من بعض زملائي الذي كان يعمل آنذاك بالسعودية، حصلت على صورة ميكروفيلمية للموجود بالمكتبة المحمودية،
(1) مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (2504) حديث.
وكذلك حصلت على صورة مماثلة للموجود بتركيا بمعونة كريمة من أحد الأساتذة الذي التقيت به في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، وأسال الله تعالى له الرحمة الواسعة.
وبقراءتي لمعظم الموجود في شرح ابن سيد الناس هذا، ولعدة مجلدات من تكملة العراقي، لمست أهميتهما، مع أنهما غير كاملين، ووجدت أن غيرهما من شروح الترمذي، السابق منها واللاحق حتى الآن، لا يغني عنهما.
ومن هنا اتجهت بعد الفراغ من مرحلة (الدكتوراه) إلى مواصلة العمل في تحقيق ونشر الموجود من هذا الشرح وتكملته للعراقي.
وأحمد الله تعالى على توفيقي لذلك -رغم تعدد الصوارف الضرورية- حيث استكملت نسخ الباقي من نسخة تركيا لهذا الشرح، وقابلت جزءًا غير قليل منه، وحققته تمهيدًا لنشره بعد هذا القسم في أقرب وقت بإذن الله.
كما أني نسخت مجلدين من تكملة العراقي، تمهيدًا لتحقيقها وموالاة نشرهما إذا امتد بي الأجل، مع العافية، وخفة الشواغل العلمية الأخرى، والله الموفق.
***