الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وضبط كلمتي: "الخلاء والخبث" ولم يتعرض لشرح لفظ "أعوذ" ثم زاد شرح لفظأ "الحُشوش" وهو مذكور في رواية لزيد بن أرقم، وهي مما أشار إليه الترمذي في الباب، وخرجها المؤلف بالعزو إلى علل الترمذي وغيره (1)، وأيضًا توسع ابن العربي في شرح كلمة (الخلاء) أكثر من ابن سيد الناس.
وأيضًا في باب الرخصة في استقبال القبلة ببول أو غائط، أخرج الترمذي حديث ابن عمر قال:"رَقَيت يومًا على بيت حفصة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة" فلم يتعرض ابن العربي لشرح شيء من مفرداته (2)، ولكن ابن سيد الناس شرح ألفاظ "رقيت" و"الشام" و"لَبِنَتَينْ" الواردة في إحدى روايات الحديث عند غير الترمذي (3) أما المباركفوري فشرح لفظ "رقيت" بقوله: أي علوت وصعدت (4).
وبهذا تفاوتت فائدة الشروح الثلاثة بتفاوت ما تضمنته من المشروح.
(ز) بيان الأحكام المستفادة من الحديث وحكمة تشريعها:
يعتبر هذا العنصر من شرح الأحاديث عمومًا عنصرًا أساسيًا، وهدفًا أعلا، وقد عده علماء الحديث نوعًا قائمًا بذاته من أنواع علوم الحديث، فقال الحاكم أبو عبد الله؛ النوع العشرون من هذا العلم
…
معرفة فقه الحديث؛ إذ هو ثمرة هذه العلوم، وبه قوام الشريعة (5) وتتأكد أهمية بيان فقه الحديث وأحكامه بالنسبة لجامع الترمذي، لأنه راعى فيه ذكر الأحاديث المعمول بها عند طوائف العلماء (6)، كما عني فيه بنقل مذاهب الفقهاء حتى عصره، والمتعلقة بما يدل عليه الحديث من أحكام وآداب، ومن هنا كان على من يتصدى لشرحه
(1) الشرح / ق 23 ب، 24 أ، ب.
(2)
العارضة 1/ 26.
(3)
الشرح/ ق 34 ب، 35 أ.
(4)
تحفة الأحوذي 1/ 65.
(5)
معرفة علوم الحديث للحاكم/ 63.
(6)
شرح العلل لابن رجب 1/ 4، 5 والشرح/ ق 5 ب.
أن يجعل من منهجه العناية بهذا الجانب، وقد نُسب إلى الإِمام البُلْقيني (ت 805 هـ) كما تقدم، تأليف شرحين لجامع الترمذي، أحدهما صناعة، والآخر فقه (1).
وقد قام ابن سيد الناس في شرحه هذا ببيان ما دلت عليه الأحاديث وما يستنبط منها من أحكام وآداب، وأورده بعد عنصر المفردات السابق ذكره. وفي المواضع التي عني فيها بذكر عناوين تفصيلية للشرح عنون هذا العنصر تارة بقوله:"المباحث والفوائد"(2) وتارة بقوله: "الكلام على ما يستفاد من هذه الأحاديث، ويستنبط منها من الأحكام"(3) وهذا شبيه بعنونة ابن العربي لهذا العنصر كما تقدم. وفي هذا القسم الذي حققته لم أجد المؤلف عنون هذا العنصر بمثل ما عنونه به في مواضع أخرى من الشرح، لكنه يصدِّر بيانه للأحكام بعبارات متعددة تفيد ذلك، سواء كانت من عنده أو من نقله عن غيره، فمن ذلك قوله: في الحديث دليل على كذا (4) وقوله: الحديث دل على كذا (5) وقوله: في الحديث بيان كذا (6). وقوله: وقد يَستدِل بهذا (7) وقوله: وفيه دليل لمالك وابن نافع (8) وقوله: استدل أبو حنيفة بهذا الحديث (9) وقوله: فيه من الفقه كذا (10)، وقوله: الحديث نص في كذا (11) وقوله: تمسك بعضهم بهذا الحديث (12)
(1) وانظر ذيول تذكرة الحفاظ/ 216.
(2)
الشرح/ ق 129 ب.
(3)
الشرح/ ق 148 أ - 149 أ.
(4)
الشرح/ ق 29 ب.
(5)
الشرح/ ق 31 أ.
(6)
الشرح/ ق 22 ب.
(7)
الشرح/ ق 19 ب.
(8)
الشرح/ ق 16 أ.
(9)
الشرح/ ق 20 ب.
(10)
الشرح/ ق 14 ب.
(11)
الشرح/ ق 15 أ.
(12)
الشرح/ 15 ب.
وقوله: ينبني عليه كذا (1).
وقد وضعت من عندي عنوانًا يشمل هذا العنصر وما قبله وهو (المعاني والأحكام) ولم يقتصر المؤلف في بيان الأحكام على ما خرجه الترمذي في الأبواب، بل قد يتناول أيضًا بعض الروايات التي أشار إليها في الباب، أو التي اسَتدركها عليه هو (2) ويُعنَى المؤلف مع بيان الأحكام ببيان ما ظهر له أو لغيره من علة الحكم، وحكمة التشريع (3)، ويبين الناسخ والمنسوخ (4) كما أنه يبين ما تيسر له من أهم آراء الفقهاء، ابتداء بالصحابة وحتى عصره، مع بيان ما يكون لكلٍ من أدلة غير الحديث موضع الشرح، ولا يتقيد المؤلف في ذلك بمذهب إمام معين، وإن كانت عنايته بأقوال الشافعية واضحة، باعتباره مذهبه الفقهي، ودرايته به أكثر، ويعبر عن الشافعية بأصحابنا (5)، وقد يفصل الأقوال والآراء في الحكم، ثم يلخصه في النهاية في كلمات حتى يسهل استيعابه (6) ولا تبلغ عنايته بذكر آراء الشافعية مبلغ عناية ابن العربي في عارضته بتفصيل آراء المالكية، كما تقدمت الإِشارة إلى ذلك. ويعتبر الحافظ العراقي في تكملته لهذا الشرح أكثر عناية بذكر آراء الشافعية المتعلقة بما يدل عليه الحديث، ولم ألحظ من المؤلف في هذا القسم المحقق انحيازًا لأصحابه الشافعية، ولا تحاملًا على غيرهم من بقية أصحاب المذاهب الأخرى.
وكما ذكرت تفاوت الشراح في العنصر السابق من منهج الشرح، فإني أقرر أن تفاوتهم في هذا العنصر أكثر، تبعًا للتفاوت في نظر العلماء وقدراتهم العلمية
(1) الشرح/ ق 24 ب.
(2)
انظر الشرح/ ق 14 ب، 15 أ، ب، 16 أ، 19 ب، 23 أ.
(3)
الشرح/ ق 26 أ، 30 أ - 32 أ.
(4)
الشرح 30 أ.
(5)
الشرح/ ق 20 أ، ب، 21 أ، 22 ب، 23 أ، ب، 24 أ، ب، 29 ب، 30 أ، ب، 31 أ، 35 ب، 36 أ.
(6)
الشرح/ 15 ب، 20 ب.
والشخصية على الاستنباط، وسعة الاطلاع على آراء واستنباط الآخرين، والإفادة منهما.
فمثلًا حديث ابن عمر في الرخصة في استقبال القبلة ببول أو غائط، قد أخرجه الترمذي وغيره بلفظ: أن ابن عمر قال: "رَقِيتُ يومًا على بيت حفصة" الحديث.
فلم يتعرض ابن العربي ولا المؤلف لما يستفاد من إضافة ابن عمر رضي الله عنهما البيت إلى حفصة مع كونه ملكًا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم في حين تعرض له الحافظ ابن حجر في الفتح وأجاب عن ذلك بأجوبة (1)، أما البخاري فإنه بما عُرف عنه من دقة الاستنباط للأحكام من خلال تراجمه على الأحاديث في الصحيح، قد أخرج الحديث في موضع دلالته الظاهرة، وذلك في كتاب الوضوء، وبوب عليه بقوله:"باب من تبرز على لَبِنَتِينْ"(2) ثم أخرج الحديث مرة أخرى بنفس اللفظ في كتاب "فرض الخمس" تحت "باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وما نُسِب من البيوت إليهن"(3) وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى وجه ذكر البخاري للحديث تحت هذه الترجمة فقال: إن ابن عمر حيث أضاف البيت إلى حفصة كان باعتبار أنه البيت الذي أسكنها صلى الله عليه وسلم فيه، واستمر في يدها إلى أن ماتت فورِث عنها، ثم قال: وسيأتي انتزاع المصنف -يعني البخاري- لذلك من هذا الحديث في كتاب الخمس إن شاء الله (4) وقال ابن المُنير في بيان غرض البخاري بترجمة نسبة البيوت إلى أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم والتي أعاد إخراج الحديث تحتها: غرضه بهذه الترجمة أن يُبين أن هذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن للبيوت ما بَقِين؛ لأن نفقتهن وسكناهن من خصائص النبي-صلى الله عليه وسلم والسر فيه، حَبسُهن عليه (5).
(1) الفتح 1/ 247.
(2)
البخاري مع الفتح 1/ 246.
(3)
البخاري مع الفتح 6/ 210.
(4)
الفتح 1/ 247.
(5)
الفتح 6/ 211.