الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكره صاحب كشف الظنون من مختصرات جامع الترمذي. وتبعه المباركفوري (1) ثم فؤاد سزكين (2).
ولعل مما يبعد هذا أمران:
أحدهما: تقدم وفاة البالسي على وفاة ابن سيد الناس كما ترى.
وئانيهما: أن ابن سيد الناس لم يتم شرحه حتى يتجه غيره إلى اختصاره.
5 - منهج المؤلف في الشرح، وموازنته إجمالًا بمناهج أهم الشروح لجامع الترمذي:
(أ) أهم مناهج الشروح عمومًا:
إن ما تيسر لي الاطلاع عليه من شروح كتب السنة عمومًا، ومن كتابات العلماء والباحثين عن مناهجها قد أظهر لي أن الشروح من حيث منهجها العام ترجع إلى الآتي:
1 -
الشرح الموضوعي.
2 -
الشرح المَوضِعي، ويعرف بالشرح بالقول.
3 -
الشرح الممزوج.
أما الشرح الموضوعي فهو الذي يقسم الشارح فيه الحديث سندًا ومتنًا، ومايتبعهما في الكتاب المراد شرحه، إلى موضوعات، ثم يشرح ما يتعلق بكل موضوع على حدة، حتى لو اقتضى ذلك شرح المتأخر في سياق الحديث قبل المتقدم منه، تبعًا لجمع الجزئيات المتعلقة بموضوع واحد لأجل شرحها فقط، فمثلًا الكلام على الرواة يتكلم عنه الترمذي بعد سياق الحديث سندًا ومتنًا، ويتناوله ابن العربي في الشرح في أول كلامه عن الحديث لا في آخره (3)، وقد بشرح عدة أبواب متتابعة عند ذكر أول حديث من أول باب (4).
(1) مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 385.
(2)
تاريخ التراث العربي له 1/ 397 ط المصرية.
(3)
عارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي 1/ 3، 5.
(4)
انظر العارضة 2/ 2 - 13، 5/ 227 وما بعدها.
ويعتبر شرح ابن سيد الناس من هذا النوع، وكذلك شرح ابن العربي السابق عليه، وأيضًا تكملة العراقي لشرح ابن سيد الناس، وكذا شرح الحافظ ابن رجب الحنبلي، وشرح ابن الملقن لزوائد الترمذي على الصحيحين وسنن أبي داود.
وسأبين هنا مجمل منهج بن العربي في شرحه، نظرًا لسبقه وتداوله، حتى يتسنى لي بعد ذلك مقارنة منهج المؤلف به، أما غير ابن العربي ممن قدمت ذكرهم، فسأكتفي ببيان المحتاج إليه من منهجهم عند مقارنة شرح المؤلف بغيره إن شاء الله.
وقد افتتح ابن العربي شرحه هذا المسمى (عارضة الأحوذي) ببيان سبب تأليفه للشرح، وهو طلب طائفة من طلاب العلم منه ذلك، وذكر أنه كان يود التوسع والاستيفاء ولكن شواغله لم تسمح له إلا بالشرح المختصر عمومًا، وإن أطال في بعض المواضع (1) ثم انتقل إلى مقدمة لشرحه بين فيها منزلة جامع الترمذي بين كتب السنة، وعدّد ما اشتمل عليه من فنون علم الحديث، فبلغ بها أربعة عشر علمًا (2)، ثم أجمل منهجه في شرحه فقال:(ونحن سنورد فيه إن شاء الله بحسب العارضة: قولًا في الإِسناد، والرجال، والغريب وفنًّا من النحو، والتوحيد، والأحكام، والآداب، ونكتًا من الحِكَم، وإشارات إلى المصالح)(3).
ثم ذكر سنده بجامع الترمذي، ومنه انتقل إلى الشرح (4).
وبمراجعتي لأبواب متعددة خلال هذا الشرح من أوله إلى آخره، تبين لي مطابقة منهجه في الجملة لما رسمه في القدمة السابقة، كما ان معظم العناصر التي
(1) المصدر السابق 1/ 5.
(2)
عارضة الأحوذي 1/ 5، 6.
(3)
المصدر السابق 1/ 6.
(4)
المصدر السابق 1/ 6، 7.
ذكرها جعل لكل منها عنوانًا في شرح كثير من الأبواب، ثم ساق تلك العناصر الموضوعية حسب الترتيب الذي ذكره في المقدمة.
فعنصر الإِسناد يتناول فيه كلام الترمذي وغيره عن سند الحديث، ودرجته من القبول أو الرد (1)، كما قد يخرج في هذا العنصر حديث الباب من عند غير الترمذي (2)، وقد يخرجه بسنده عن شيوخه (3)، وقد يعرض لبيان حال بعض الرواة (4) وقد يخرج بعض ما أشار إليه الترمذي بقوله: وفي الباب (5)، ولكنه كثيرًا ما يُخلّ بذلك، كما أنه لا يتوسع في التخريج، ولا يستوعب أكثر المشار إليه، وربما ذكر ما أشار إليه الترمذي من أحاديث الباب، لكن لا يعزوها إلى مصدر (6)، وقد يذكر أحاديث أخرى تتعلق بالباب، ولم يشر إليها الترمذي (7).
وأما عنصر الرجال الذي أشار إليه، فيعرض فيه لبيان أحوال بعض الرّواة لحديث الباب، والتعريف بهم أو بغيرهم ممن يتكلم عنه الترمذي (8)، لكن لم أجد ابن العربي يجعل لهذا العنصر عنوانًا مستقلًا، بل كثيرًا ما يدخله مع عنصر الإسناد السابق ذكره.
وأما عنصر الغريب فتارة يعنونه بـ "الغريب"(9)، وتارة يعنونه بـ "العربية"(10) وتارة باللغة (11) ويتناول فيه شرح الألفاظ أو العبارات الواقعة في
(1) انظر العارضة 1/ 130، 236، 239، 6/ 72، 73.
(2)
انظر العارضة 1/ 128، 7/ 52، 293، 11/ 114.
(3)
1/ 251، 6/ 4، 7
(4)
العارضة 7/ 25، 285.
(5)
العارضة 1/ 20، 59 - 61.
(6)
العارضة 7/ 33، 34.
(7)
العارضة 7/ 41، 42.
(8)
العارضة 8/ 275، 276، 1/ 15، 16.
(9)
عارضة الأحوذي 12/ 67، 1/ 237، 12/ 189.
(10)
انظر العارضة 5/ 171، 7/ 52، 11/ 114 - 115، 1/ 244 وما بعدها.
(11)
العارضة 1/ 309، 2/ 131.
متن الحديث ويراها هو بحاجة إلى شرح أو توضيح، إما لغرابة لفظه، أو لكونه مشكلًا، أو له معنى اصطلاحي عند الفقهاء أو الأصوليين أو غيرهم (1)، كما أنه يضبط ما يراه بحاجة إلى ضبط (2).
وأما عنصر النحو الذي أشار إليه فهو قليل التعرّض له، وقد يذكره ضمن المبحث السابق (3).
وأما التوحيد: فإنه يذكره في كثير من الأحيان تحت عنوان (الأصول)، ويتناول أيضًا تحت هذا العنوان مباحث أصول الفقه المتعلقة بالحديث، والتي يرى هو التعرض لها، وبذلك يطلق هذا العنوان على ما يتعلق بأصول الدين، وهو التوحيد وباقي مسائل العقيدة، وعلى ما يتعلق بالحديث من علم أصول الفقه أيضًا (4)، وقد يعنون لمسائل العقيدة بعنوان (التوحيد)، ويذكر تحته ما يتعلق بالعقيدة فقط (5).
وأما الأحكام والأداب: فتارة يذكرها تحت عنوان (الأحكام)(6)، وتارة تحت عنوان (الفقه)(7)، وأخرى تحت عنوان (الفوائد)(8)، وقد يقول: أحكامه وفوائده (9)، وهذا العنصر يعتبر أهم العناصر عنده، باعتبار أنه المقصود الهام من
(1) انظر العارضة 11/ 109، 110، 7/ 67، 1/ 16، 17، 5/ 134، 135، 6/ 22، 23.
(2)
العارضة 1/ 20، 21، 2/ 277.
(3)
انظر العارضة 1/ 22.
(4)
انظر العارضة 7/ 67 - 69، 283، 288، 12/ 68 وما بعدها، 5/ 143، 8/ 276، 2/ 71.
(5)
1/ 10.
(6)
العارضة 1/ 134، 5/ 82 وما بعدها، 171 وما بعدها.
(7)
انظر العارضة 1/ 235، 237، 240، 245.
(8)
العارضة 5/ 235، 7/ 139، 140.
(9)
العارضة 1/ 289، 290، 2/ 42، 1/ 296 - 299، 7/ 28 - 31، 12/ 118 - 130.
الحديث ومن شرحه، وقد تناول فيه ابن العربي ما يتعلق بالحديث من الأحكام الفقهية والآداب الشرعية المستفادة من الحديث وما يظهر له من حكمة تشريعها، وكثيرًا ما يبيّن آراء العلماء في ذلك وبعض أدلتهم مع العناية بآراء المالكية باعتباره مالكيًا (1)، وقد قال أبو الطيب السندي: إن ابن العربي أطال في هذا الشرح الكلام على مذهب الإِمام مالك، كما أشرت لذلك فيما تقدم.
وأما نكت الحِكَم وإشارات المصالح، فلعل مراده بذلك تعليل الأحكام الشرعية وبيان حكمة التشريع حسبما يظهر له، وهذا العنصر يذكره ابن العربي كثيرًا، تبعًا لعنصر الأحكام والفقه (2).
ومما يجدر التنبيه إليه أن ابن العربي لا يلتزم بذكر تلك العناصر جميعها في كل الأبواب والأحاديث التي يشرحها، وإنما قد يذكر عنصرًا واحدًا فقط منها (3)، وقد يذكر عنصرين (4)، وقد يذكر ثلاثة (5)، وقد يستوفي العناصر السابق ذكرها جميعًا أو أغلبها (6) وقد يترك بعض الأبواب دون تعليق عليها بشيء (7).
وعمومًا فإن هذه الطريقة يتفاوت الشراح فيها في استيفاء ما في الحديث من العناصر التي يتعرضون لها، حسب كفاءة واطلاع كل منهم، وحسب قصده أيضًا، من التوسع أو الاختصار أو التوسط، ولهذا فقد يكون في الحديث جوانب هامة ولا يتعرض لها أحد الشراح، في حين يتصدى لها غيره، سواء كانت متعلقة بالإِسناد أو اللغة أو الأحكام أو غير ذلك.
(1) العارضة 2/ 44، 5/ 83، 239، 240، 272 وما بعدها.
(2)
انظر العارضة 1/ 11، 24، 34، 10/ 2.
(3)
العارضة 1/ 289، 290، 2/ 42، 1/ 296 - 299، 7/ 28 - 31، 12/ 118 - 130.
(4)
العارضة 1/ 291 - 293، 2/ 74، 75، 318، 319، 5/ 225.
(5)
العارضة 6/ 10 - 13، 1/ 15 - 19.
(6)
نفس المصدر 2/ 48 - 51.
(7)
العارضة 7/ 119، 125، 126 - 130، 160.
ثم إن هذا المنهج في الشرح هو أنسب المناهج لعصرنا الحاضر، ويقبله طلبة العلم أكثر من غيره من مناهج الشرح الأخرى، واستيعاب شرح الحديث من خلاله أيسر على القارئ.
أما الشرح الموضِعي أو الشرح بالقول، فهو الذي يتصدى فيه الشارح لمواضع معينة من سند الحديث ومتنه، فيذكر اللفظ أو العبارة من سند الحديث أو متنه، ويصدرها بكلمة (قوله) ثم بعد ذلك يشرح اللفظ أو العبارة من مختلف جوانبها، وإن تعدد موضوعها وبهذا تفترق تلك الطريقة عن سابقتها، التي يُراعَى فيها وحدة الموضوع، ويجمع الشارح فيها ما يتعلق بموضوع واحد في مبحث واحد من مباحث الشرح، كما أسلفت.
وأيضًا يتفق منهج الشرح بالقول مع منهج الشرح الموضوعي في أنه لا يتناول من السند والمتن إلا المواضع التي يراها الشارح تحتاج إلى شرح أو إيضاح، أو التي يتيسّر له من المادة العلمية ما يفي بشرحه.
ومن أمثلة هذا النوع من شروح المتقدّمين على المؤلف، كتاب (معالم السنن) شرح سنن أبي داود، للخطابي، وهو مطبوع متداول، ويعتبر من مصادر ابن سيد الناس في هذا الشرح.
ومن أمثلته من شروح المتأخرين، (فتح الباري، شرح صحيح البخاري) للحافظ ابن حجر العسقلاني، ومن شروح الترمذي:(قوت المُغتذِي، على جامع الترمذي) للحافظ جلال الدين السيوطي، وهو مطبوع أيضًا.
ومنها: (شرح أبي الحسن بن عبد الهادي السندي المدني) المتوفى سنة 1139 هـ، قال في كشف الظنون: هو شرح لطيف بالقول (1)، والمراد بقوله:(لطيف) أنه موجز، وهو مطبوع بمصر (2).
وأما الشرح الممزوج: فهو الذي يذكر نص الحديث سندًا ومتنًا ممزوجين
(1) كشف الظنون 1/ 559، ومقدمة تحفة الأحوذي 1/ 385.
(2)
مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 385.