الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: النص محققًا معلقًا عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم
حمدًا لله تعالى على ما علّم، وشكره على ما هدى إليه من سبيل الرشد وألهم، وأعان عليه من حمل سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، التي هي عن هداه تَبْسِم (1) وعن مَشْدَاه (2) تَنْسِم (3) والصلاة والسلام على نبيه محمد، الداعي بعزمه الأقوى إلى صراطه الأقوم، على بصيرة تجلو ما ادْلَهم (4) وتوضح ما أُبهِم، وآله وصحبه الذين استضاؤوا من
(1) من "بَسَم يَبْسِم، ويَتَبسَّم، إذا فتح شفتيه كالمُكاشِر"، ومن المجاز: تبسَّم السحابُ عن البرق: انفرج عنه/ اللسان والمعجم الوسيط، مادة "بسم" والمراد بالعبارة هنا: أن سنته صلى الله عليه وسلم تتفتح عن هداه للعالمين، فهي مخرج الهدى ومنطلقه إلى الناس.
(2)
من "الشدا" وهو يطلق على بقية الشيء وعلى حَدِّه/ اللسان، مادة "شدو".
(3)
"المَنسِم" من الأمر العَلامة والأثَر، يقال: رأيت مَنْسِمَا من الأمر أعرف به وجهه، أي أثرًا منه وعلامة، وهو مجاز/ تاج العروس، مادة "نسم".
(4)
من ادلَهَمَّ الظلام إذا كَثف، وادلَهمَّ الليلُ إذا اشتدَّ ظلامه"/ المعجم الوسيط مادة "دلهم".
سَنَاه (1) بأنور مَعْلَم (2) واستماحوا (3) من هداه ما أضفى عليهم ثوب الثواب المُعلَّم. والرضى عن تابعيهم بإحسان على المنهج المُبهِج، والمسلك الأسلم.
ومَن خَلَفهم من سلف العلماء (4) الذين تُعزى إليهم معرفة السنن (5) وتُسلَّم.
[أما بعد](6) فأَولى ما صُرِفَت العناية إليه، ووجب الاعتماد عليه - ما وقف الجائز به (7) حَسيرًا؛ ليرتد إليه طَرْف بَصيرته بصيرًا، فَيَثْني من أغصانه عنان عِطفِه، ويجني من أفنانه ثمار قطفه -بعد كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- من رياض السنن النبوية التي أبدعَت الحكمةُ الإِلهية في إنشائها أحسن الإِبداع، وأودَعتِ الأسرارُ النبوية في خزائنها ما شاءت من الإيداع، ذخائر تستخرجها العقول من مَكامنها، وتستنبطُها العلوم من معادنها، وتغوص في طِلَابِها لُجَّة عُبابها، فتبوء من دَرِّ سَحابِها بِدُرِّ سِخَابِها (8)
(1) من "السنا" ويطلق على الضوء كما هنا، يقال سنا البدرُ والبرقُ، وأسِنى: أضاء سناه/ أساس البلاغة، مادة "سنو".
(2)
المَعْلَم: العلامة، ومن كل شيء: مَظِنتُه/ المعجم الوسيط مادة "علم".
(3)
استماحه: سأله أن يُعطيه، وهو من المجاز/ المعجم الوسيط وأساس البلاغة، كلاهما مادة:"مَيَح".
(4)
بالأصل "والذين" ويستقيم المعنى بحذف الواو.
(5)
في الأصل "السنين" ولا يستقيم المعنى عليها.
(6)
ليست بالأصل وزدتها ليتضح السياق.
(7)
من جاز الموضع، سلكه وسار فيه/ مختار الصحاح / 117 مادة: جوز.
(8)
هو القلادة سواء كانت ذات جوهر أم لم تكن / اللسان، مادة "سخب".
متحلية بحمله، متخلية لصونه إلا عن أهله، وطالما جاب أربابُها القفار في اقتفاء الآثار، واقتناء سُنة النبي صلى الله عليه وسلم المختار، فتؤُم فَرِيقَها لِتلُم تَفريقها، وتسهل على السالك طريقها، وتبين مهجورها من مسلوكها، وتُعَيِّن مقبولَ السنن -لمن رامها- من متروكها، وما حمله العدل، مما نقله الجريح، ليميز السقيم من السليم الصحيح (1).
وأين الجامح على عِنَانه (2) ممن هو بذات الطَّلْح مليح (3) حماية لحمى المصطفى، ودراية ترفع ذلك الشقاء عمن هو على شفا،
(1) بالأصل "ليميز السليم الصحيح من السقيم من الصحيح" ولا يستقيم المعنى عليه.
(2)
الجامح: اسم فاعل من جمح، إِذا أسرع إِسراعًا لا يرده شيء، ويطلق مجازًا على ركوب الرجل هواه فلا يمكن رده، والعِنان -بكسر العين المهملة وفتح النون- سَيْر اللِّجام، فشبه الشخص، بالجَمُوح من الخيل وهو الذي لا يرده لجام/ النهاية لابن الأثير 1/ 291، 3/ 213 وتاج العروس 2/ 132 ويلاحظ أن هذه العبارة ونحوها مما اشتملت عليه تلك المقدمة تمثل نزعة المؤلف الأدبية التي عرفت عنه، وإن كان الأولى تجنب ذلك في التأليف العلمي لاحتياجه لتحديد المعنى المقصود مباشرة دون مجاز أو كناية ونحوها مما يصبح المعنى بوجوده خفيًا.
(3)
الطلح، بفتح الطاء المشددة وسكون اللام- في الأصل: شجر عظام من شجر العضاة، أو شجر الموز، ويقال: موضع ذو طَلَح -بفتح أوله وثانيه- أي ذو نعمة يتمتع بها المقيم فيه، والطِّلْح -بكسر أوله وسكون ثانيه- المهزول المُجهَد من السير، "ومليح" من "ألَاح"، فهو"مليح"؛ ومقابلة هذه العبارة بما قبلها يشير إِلى أن معناها: ممن هو على جواده، شاهرًا سيفهُ، حماية لحمى المصطفى
…
الخ/ انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس 3/ 418 وتاج العروس 2/ 219، 231 والنهاية لابن الأثير 3/ 131، 4/ 276، ومعجم البلدان 4/ 38 ولسان العرب/ مادتي:"طلح"، "لوح".
وعناية يُلْمِح (1) آمالهم نُجحُ (2) سعايتها، ويُوضح أنهم أوتوا السنن فرعوها حق رعايتها.
وإذا كانت هذه الطريقة المُثلى للشريعة الفُضلى، فأولى ما ثَنَى طالبها إليه عنانه، وأفنى في تطلبه زمانه، ما جمع له فنونها، وشرفه بِغَني أسانيدها ومتونها، ونزه طرفه في أساليبها، وصرّفه بين صحيحها، وحَسنِها وغريبها، وعرَّفه مردودها من مقبولها، ومقطوعها من موصولها (3)، وأهدى إليه ارسال مرسلها، أو علة معلولها (4)، وأبدى لديه ما تضمنته السنن من نسخ وأحكام، ومعان أحكام، إلى غير ذلك مما تأتي الإشارة اليه، والتنبيه بحسب الامكان عليه.
ولما كان كتاب الجامع للِإمام أبي عيسى الترمذي الحافظ رحمه الله، ورضي عنه- هو الذي أباع جامعه وما أبعد، والذي
(1) يلمح -ضبطت في الأصل بضم الأول وسكون الثاني وكسر الثالث. من اللمح، وهو سرعة إبصار الشيء، وقيل: لا يكون اللمح إلا من بعيد، وألمحت المرأة، أظهرت محاسنها بسرعة ثم أخفتها، وسيأتي ذكر مجمل معنى العبارة في التعليق التالي/ وانظر تاج العروس 2/ 218 ولسان العرب 3/ 420.
(2)
النُجْح -بوزن الصبح، إصابة المطلوب والظفر به، ونَجَح أمرُه: سهل وتيسر/ النهاية 5/ 18 ومختار الصحاح / 646 ومعنى العبارة: أن نجاح السعي والعمل في سبيل السنة يشير إلى تحقق الآمال المرجوة منها.
(3)
مطموسة بالأصل وأثبتها بمعونة السياق.
(4)
القياس (مُعلها) وقد انتقد اللغويون المحدثين والأصوليين والمتكلمين في قولهم (معلول) لكن الحافظ ابن حجر رجحها فقال: الأولى عندي أن يقال: "معلول"؛ لأنها وقعت في عبارات أهل الفن
…
وهي لغة كما في كلام أبي إسحاق -يعني الزجاج- وعلى ما خرجه سيبويه/ النكت الوفية / 156 ب.
حظي بتعداد هذه العلوم، فكان بها من غيره أقعد. فذلل جوامحها وسهل طوامحها وأرسل لواقحها، وأسأل بأعناق المَطِيِّ أباطحها (1) واستلان صعبها، وأبان لمن ظن بُعدَها قربَها: كان حقًا على طالب هذا الشان أن يلحظ من حقوقه واجبها، ويحفظه حفظ الأكف رواجبها (2) فاتفق من مدة أنه قرئ رواية فلم يخلُ مجلس الرواية والسماع من فائدة تستفاد، ونكتة ربما تُستجاد، مما نقلته من كتاب أعزوه إليه، أو سمعته من عالم أرويه عنه، مما حضرتي ذكْرُ قائله أو غاب عني -لبعد العهد به- اسم ناقله، أو مما جاء به الذهن الركود (3) وجادت به القريحة وقل أن تجود، أو مما أنتجته المذاكرة واستحضرته المحاضرة. فكنت أرى من ذلك تقييد ما أَسْتحسِنُه، ولست أضمن (4). أن يَمُر بي داء وَرِم (5)، يُمرّ لي، فأستَسْمِنُه (6) ثم عن لي أن أضم لتلك الفوائد ما يضارعها، ليشفع ماضيها مضارعها، ويجمعها تعليق، من طلبها به
(1) الأباطح جمع أبطح وهو المسيل الواسع فيه دقاق الحصى، وأبطح مكة مسيل واديها/ مختار الصحاح/ 55 والنهاية 1/ 133، 134.
(2)
جمع "راجبة" وهي ما بين عقد الأصابع من الداخل، أو مفاصل الأصابع/ النهاية، والمعجم الوسيط/ مادة: رَجَبَ.
(3)
صيغة مبالغة من ركد إذا سكن ولم يتحرك/ النهاية 2/ 258 ومختار الصحاح / 254.
(4)
[أضمن] متكررة بالأصل مرتين.
(5)
وَرِمٌ، مبالغة من أَوْرَمهُ، إذا ساءه وأغضبه/ تاج العروس 9/ 92 ومعنى العبارة فيما يبدو: ولست أضمن أن يعرض لي مرض مسيء يكدرني.
(6)
كذا ضبطت بالأصل، والمعنى: أظنه سمينا، من استسمن الشيء عده سمينا، وفي المثل: استسْمَنت ذا ورَم، يضرب لمن يغتر بالظاهر المخالف لحقيقة الواقع/ المعجم الوسيط 1/ 451 مادة "سمن".
ألفاها، ومن نَشَدَها وجد عنده [مُغَيَّاهَا](1).
فكَثيرًا ما تمر الفائدة بمن يسمعها (2) أو يطلبها فينأى عنها (3) مغزاها، ومن قيد العلم بالكتاب أَمِنَ من هذا اللبس والارتياب.
ولنقدم بين يدي هذا المرام مقدمتين:
1 -
من التعريف بأبي عيسى الترمذي، وبمن (4) بيننا وبينه في إسناد هذا الكتاب إليه، على سبيل الاختصار.
2 -
ثم من التعريف بكتابه وثناء الناس عليه، وتعظيمهم له؛ تقريظًا يجلو على ذي العلم فضلَه، ويحله من ذهن المقلد محله.
وهذا حين الشروع فيما نحونا إليه وقصدنا، والله المسؤول أن يعصمنا فيما أوردنا، مما أردنا، بمنه وكرمه.
فنقول: أبو عيسى، محمد بن عيسى بن سَوَرَة بن موسى ابن الضحاك السُّلمي، الترمذي، الحافظ، كذا نسبه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله البخاري -غُنْجار (5) - فيما حكاه عنه
(1) كلمة مطموسة لم يظهر فيها غير الميم في أولها والألف في آخرها فأثبتها هكذا بمعونة السياق والمراد: وجهُها الذي تُفهم وتُحمل عليه. وهو موافق لسجعة الكلام السابقة.
(2)
مطموسة بالأصل وأثبتها بمعونة السياق أيضًا.
(3)
كذا الأصل والأقرب للمعنى "عنه".
(4)
بالأصل "وأن" وما أثبته أقرب لوضوح المعنى، ومطابق لما سيأتي من كلام المؤلف بقوله: وأما من بيننا وبينه
…
الخ.
(5)
في تاريخ بخارى له، كما في البداية والنهاية لابن كثير 11/ 76 وغُنْجار لقب له وهو بضم الغين المعجمة وسكون النون، وفتح الجيم وفي آخرها الراء، هكذا =
الحافظ أبو القاسم بن عساكر بسنده، وقال: دخل بخارى وحدث بها، وهو صاحب الجامع والتاريخ.
وذكره ابن عساكر أيضًا -فيما حكاه عن الإِدريسي (1) -، فقال: الحافظ الضرير (2)، أحد الأئمة الذي يقتدى بهم في علم الحديث، صنف كتاب الجامع، والتاريخ، والعلل، تصنيف رجل عالم متقن، كان يضرب به الثل في الحفظ، وقال الإِدريسي: سمعت أحمد بن عبد الله بن داود المَرُّوزي يقول: سمعت أبا عيسى محمد بن عيسى الحافظ يقول: كنت في طريق مكة، وكنت قد كتبت جزأين من أحاديث شيخ، فمر بنا
= ضبطه في الأنساب، وذكر أنه لقب اشتهر به اثنان
…
وذكرهما، وليس أبو عبد الله المذكور منهما/ 10/ 77 ولكن ذكره الذهبي في تذكرة الحافظ فقال: غُنجار الحافظ العالم، محدث ما وراء النهر، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل البخاري صاحب تاريخ بخارى
…
مات سنة 412 هـ تذكرة الحافظ / 3/ 1052. وكذا ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 11/ 76 عند نقل هذا الكلام عن تاريخ بخارى له.
(1)
وهكذا أورده أبو الفضل ابن طاهر بسنده عن الإدريسي/ شروط الأئمة الستة لابن طاهر/ 17، والإدريسي هو الحافظ العالم أبو سعد بن عبد الرحمن ابن محمد بن عمد بن عبد الله بن إدريس الإستراباذي، محدث سمرقند ومصنف تاريخها وتاريخ أستراباذ، وألف الأبواب والشيوخ، وثقهُ الخطيب، وقد توفي سنة 405 هـ/ تذكرة الحفاظ 3/ 1062، 1063 وقد أحال ابن رجب في شرح العلل الصغير بعض التراجم على تاريخ سمرقند المذكور/ شرح العلل 1/ 101.
(2)
قال الذهبي: اختلف فيه؛ فقيل ولد أعمى، والصحيح أنه أَضَر في كبره، بعد رحلته وكتابته العلم/ سير أعلام النبلاء/ 13/ 270، أقول: وقصته الآتية في الشرح مع أحد شيوخه تؤيد هذا.
ذلك الشيخ، فسألت عنه، فقالوا: فلان، فذهبت إليه وأنا أظن أن الجزأين معي، وحملت معي في محملي جزأين كنت أظن أنهما الجزآن اللذان له؛ فلما ظفرت به وسألته أجابني الى ذلك، فأخذت الجزأين فإذا هما بياض، فتحيرت!، فجعل الشيخ يقرأ علي من حفظه، ثم ينظر إليّ، فرأى البياض في يدي فقال: أما تستحْي مني؟ قلت لا، وقصصت عليه القصة، وقلت: أحفظه كله، فقال: اقرأ، فقرأت جميع ما قرأ علي على الولاء، فلم يصدقني، وقال: استظهرت قبل أن تجيئني (1)، فقلت: حدثْني بغيره، فقرأ علي أربعين/ حديثًا من غرائب حديثه، ثم قال: هات، فقرأت عليه من أوله إلى آخره كما قرأ، فما أخطات في حرف منه، فقال لي: ما رأيت مثلك (2).
وذكره ابن السمعاني فقال: سورة بن شداد، بدل الضحاك (3)،
(1) قوله "قبل أن تجيـ" ذاهبة من الأصل بسبب الترميم، وأثبتها من شروط الأئمة الستة لابن طاهر/ 11 وتؤيدها المصادر التالية بعد.
(2)
ساق هذه القصة من طريق الإدريسي، مع بعض اختلاف واختصار في الألفاظ، كثير ممن ترجم للترمذي كالسمعاني في الأنساب 2/ 362 والذهبي في تذكرة الحفاظ 2/ 635 وفي سير أعلام النبلاء 13/ 273، وابن حجر في تهذيب التهذيب 9/ 388، وأقربها لما أورده المؤلف ما في شروط الأئمة لابن طاهر 17، 18. ولو صرح الترمذي باسم شيخه هذا وبمضمون الجزأين لكان أولى وأفيد.
(3)
الأنساب / 2/ 361، 3/ 41، وفي تهذيب الكمال 3/ 1255 وسير أعلام النبلاء 13/ 270: محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك وقيل: محمد بن عيسى بن يزيد بن سورة بن السكن، وكذا في البداية والنهاية 11/ 76 وزاد: ويقال: محمد بن عيسى بن سورة بن شداد بن عيسى السلمي هـ. ولعل في اتفاقهم على تقديم الأول إشارة لترجيحه.
وقال: البوغي -بضم الموحدة وسكون الواو وغين معجمة-[وهذه النسبة إلى بُوغ وهي](1) قرية من قرى تِرْمِذ (2)، على ستة فراسخ، منها الترمذي (3) -بفتح التاء [وكسر الميم](4) ثالثة الحروف، ويقال بضمهما ويقال بكسرهما، والمتداول بين أهل تلك المدينة بفتح التاء وكسر الميم، والذي كنا نعرفه قديمًا، كسر التاء والميم جميعًا والذي يقوله المتنوقون (5)، وأهل المعرفة: بضم التاء (6) والميم وكل واحد يقول لها معنى يدعيه، وهي مدينة قديمة على طرف نهر بلخ (7) - الإمام الحافظ الضرير أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، صنف الجامع والعلل، تصنيف رجل متقن، وكان يضرب به المثل في الحفظ والضبط (8) وتَلْمذ لمحمد بن اسماعيل البخاري،
(1) ما بين المعكوفتين ليس بالأصل، فأثبته من المصدر الذي أحال عليه المؤلف وهو الأنساب للسمعاني 2/ 361.
(2)
في الأنساب "الترمذ" 2/ 362.
(3)
الأنساب 2/ 361.
(4)
في الأصل بدون هذه العبارة ولا يستقيم المعنى بدونها، وذكر الذهبي نقل المؤلف فتح التاء فقط/ سير النبلاء / 13/ 274.
(5)
كذا في اللباب 1/ 213، والذي في الأنساب:"المتوقون"، والمتأنق والمتنوق بمعنى واحد، وهو المتحري المدقق؛ والمتوقي: المتحفظ/ مختار الصحاح 676، 773.
(6)
وقال ابن دقيق العيد: إن الكسر هو المستفيض على الألسنة حتى يكون كالمتواتر/ تذكرة الحافظ/ 6342 وسير النبلاء 13/ 274.
(7)
بقية النص في الأنساب: الذي يقال له: جيحون، وكذا في اللباب 1/ 213 وزاد ياقوت: من جانبه الشرقي/ معجم البلدان 2/ 26.
(8)
ليست بالأصل، وأثبتها من المصدر الذي أحال عليه المؤلف، وهو الأنساب / 3/ 42 وفي تهذيب التهذيب "في الحفظ" / 9/ 388 وكذا في شروط الأئمة لابن طاهر / 17.
وشاركه في شيوخه، مثل قتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، وبُنْدار (1) وغيرهم.
كما روى عنه أبو العباس المحبوبي (2) والهيثم بن كليب الشاشي (3) وغيرهما، توفي بقرية بوغ (4) سنة نيف وسبعين
(1) الذي في الأنساب: وهَنَّاد بن السري، بدلًا من "بندار" وذكر بعد "هناد" أربعة آخرين من شيوخه، ثم قال: وجماعة كثيرة من أهل العراقيين، والحجاز / 3/ 42 وبُندار هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي وهو وهناد من شيوخ الترمذي والبخاري/ تهذيب الكمال / 3/ 1177، 1450 وتهذيب التهذيب / 9/ 70، 11/ 70 والتقريب / 2/ 321 والخلاصة / 414.
(2)
هو محمد بن أحمد بن محبوب، مسند "مرو" راوية جامع الترمذي عنه، وكان شيخ أهل الثروة من التجار بخراسان. وإليه كانت الرحلة، الأنساب / 12/ 112 والتذكرة / 3/ 863 وأرخ وفاته في سنة 326 هـ كما سيأتي في ترجمة الشارح له بعد ص 183.
(3)
هو أبو سعيد الهيثم بن كُليب بن شريح بن مَعقِل الشاشي، ونسبته إلى الشاش، مدينة وراء نهر سَيْحون، وقد توفي أبو سعيد فيها سنة 335 هـ الأنساب 8/ 16.
(4)
في تهذيب الكمال / 3/ 1256 وتذكرة الحفاظ / 2/ 625 وفي غيرهما أنه توفي بترمذ، والذي في الأصل ذكره السمعاني في الأنساب / 3/ 43 وابن الأثير في اللباب / 1/ 174، ولا تناقض في ذلك؛ لأن ترمذ هي المدينة الكبيرة أو العاصمة و"بوغ" إحدى القرى التابعة لها على بُعد ستة فراسخ منها، ومن المتعارف عليه أنه ينسب إلى المدينة والعاصمة ما هو لبعض القرى التابعة لها؛ فمن قال "ترمذ" ذكر المدينة التي تتبعها قرية "بوغ" ومن ذكر "بوغ" تحرى الدقة في تحديد موضع الوفاة الحقيقي/ انظر/ الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين للدكتور/ نور الدين عتر/ 30 / أقول ويحتمل أن يكون توفي بترمذ ثم نقل إلى قرية "بوغ" ليدفن بها كما هو معروف أيضًا من نقل بعض المشاهير بعد وفاتهم إلى موضع آخر ليدفن فيه، بناء على وصيته أو لكون هذا الموضع مسقط رأسه، أو لغير ذلك من الاعتبارات والدواعي.
ومائتين (1)، وذكر ابن حزم في كتاب الفرائض من الإيصال (2): أبو عيسى الترمذي السُلَمي مجهول (3)، قال أبو الحسن بن القطان (4) في بيان
(1) كذا في الأنساب / 3/ 43 والذي في تهذيب التهذيب/ "تسع وسبعين ومائتين"/ 9/ 388 وكذا ذكر بهامش الأصل نقلا عن تهذيب الكمال للمزي، وعن الذهبي، وهو فعلًا في تهذيب الكمال 3/ 1255، 1256 وتذكرة الحفاظ / 2/ 635 وسير النبلاء 13/ 277 ومثله في الإكمال لابن ماكولا 4/ 396، وقال ابن كثير: إنه توفي في رجب 279 هـ على الصحيح المشهور/ البداية والنهاية 11/ 76، 77 وكما سيجيء، ونقل هو وابن كثير عن غُنْجار في "تاريخ بخارى" التحديد بليلة الاثنين 13 رجب/ سير النبلاء 13/ 277 البداية والنهاية 11/ 76 ومثله للمؤلف.
(2)
قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: هو كتاب كبير في فقه الحديث، وسماه "الإيصال إلى فهم كتاب الخصال"/ التذكرة / 2/ 1147 وقد وقفْتُ على قطعة منه مخطوطة، صورتها بمكتبة جامعة الإمام برقم 4856 من ورقة 182 - 205 وعنوانها "كتاب الجامع من الايصال".
ولم أجد فيها كتاب الفرائض هذا، وفي المحلى 9/ 295 ذكر ابن حزم حديثًا للترمذي وضعفه لكن لم يطعن في الترمذي الطعن المذكور ولا غيره، وقال ابن كثير: إن ابن حزم قال في مُحَلَّاه: ومَن محمد بن عيسى بن سورة؟ فإن جهالته لا تضع من قدره عند أهل العلم/ البداية والنهاية / 11/ 76 ولم أقف علي ذلك في المحلى المطبوع بين أيدينا وسألت بعض الباحثين المختصين في الاشتغال بالمحلى فنفى وقوفه على ذلك، فالله أعلم.
(3)
ومثله في تهذيب التهذيب نقلًا عن الإيصال/ والتهذيب 9/ 388.
(4)
هو الحافظ الناقد أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك الفاسي الشهير بابن القطان، مصري الأصل، مراكشي الدار، توفي في ربيع الأول سنة 628 هـ - قال الذهبي: طالعت كتابه المسمى "بالوهم والإيهام" الذي وضعه على الأحكام الكبرى، لعبد الحق، يدل على حفظه وقوة فهمه؛ لكنه تعنت في أحوال الرجال فما أنصف
…
اهـ. تذكرة الحفاظ بتصرف 4/ 1407.
الوهم والإيهام (1)، هذا كلام من لم يَبحَث عنه؛ قد شهد له بالامامة والشهرة: الدارقطني، وابن البَيِّع: محمد الحاكم، وقال أبو يعلى الخليلي: هو حافظ متقن ثقة، وذكره الأمير أبو نصر (2) وابن الفرضي (3) والخطابي.
وقال الرُّشَاطي (4) وغيره: توفي ليلة الإثنين، لثلاث
(1) انظر بيان الوهم والإيهام لابن القطان 2 / ق 240 أوما هنا مختصر عبارته، ونصها: أبو عيسى: محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك، السُّلَمي، الترمذي، وترمذ بخراسان، جهله بعض من لم يبحث عنه، وهو أبو محمد ابن حزم، فقال في كتاب الفرائض من الإيصال -إثر حديث أورده-: إنه مجهول؛ فأوجب ذلك في ذكره من تعيين من شهد له بالإِمامة، ما هو مستغن عنه بشاهد علمه وسائر شهرته: فَمِمَّن ذكره في حَمَلَة الأحاديث: أبو الحسن الدارقطني، وأبو عبد الله بن البِيَّع، وقال أبو يعلى، الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي الحافظ، في كتابه: أبو عيسى، محمد بن عيسى بن سَوَرة ابن الضحاك، الحافظ، ثقة متفق عليه، وممن ذكره أيضًا: الأمير ابن ماكولا، وابن الفرضي، وأبو سليمان الخطابي، وذكر وفاته جماعة منهم: أبو محمد الرشاطي، قال: أنه توفي ليلة الاثنين لثلاث عشرة مضت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين اهـ.
(2)
وهو علي بن هبة الله بن جعفر، ويعرف بابن ماكولا، ويلقب بالأمير وتوفي سنة 487 هـ على الأرجح/ البداية والنهاية / 12/ 133 ومقدمة الإكمال 1/ 7، 8 وذكره للترمذى في كتابه الإكمال 4/ 396.
(3)
بالأصل القرظي وما أثبته من "بيان الوهم والإيهام" 2/ 240 أوهو الصواب، وابن الفرضي هو أبو الوليد عبد الله بن محمد بن الفرضي له كتاب "المؤتلف والمختلف" وهو الذي ذكر فيه الترمذي ونبّه على قدره، وقد توفي ابن القرضي هذا سنة 403 هـ/ تذكرة الحفاظ 2/ 1077 وتهذيب التهذيب 9/ 388.
(4)
هو أبو محمد عبد الله بن علي المعروف بالرشاطي، له كتاب كبير في أنساب الرواة يسمى اقتباس الأنوار، وتوفي سنة 542 هـ/ تذكرة الحفاظ / 4/ 1307 ومقدمة الإكمال 1/ 16.
عشرة مضت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين (1)، رحمه الله وإيانا. والسلمي (2): منسوب إلى سليم بن منصور، وإلى سليم بن فهم بن غنم بن دوس (3) وغيرهما، والترمذي منسوب للأول. قاله شيخنا أبو محمد الدمياطي (4).
وأما مَن بيننا وبينه:
فأولهم: شيخنا أبو عبد الله محمد بن ابراهيم بن ترجم (5) ابن حازم المازني الشافعي، سمع -بإفادة والده- كتاب/ الجامع للإمام أبي عيسى الترمذي الحافظ رحمه الله.
من الشيخ أبي الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك بن البنا (6) وهو آخر من حدث به، وكانت روايته عنه انقطعت بالسماع
(1) البداية والنهاية / 11/ 76.
(2)
بضم السين المهملة وفتح اللام، نسبة إلى سُليم بن منصور، وهي قبيلة من العرب مشهورة/ الأنساب/ 7/ 180، 181 والإنباه على قبائل الرواة لابن عبد البر/ 90 ضمن مجموعة الأنساب الكمالية.
(3)
جمهرة الأنساب لابن حزم ص 381.
(4)
وانظر الأنساب للسمعاني 7/ 180، 181 والدمياطي هو أبو محمد شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي الشافعي الفقيه النسّابة الناقد، توفي في ذي القعدة سنة 705 هـ/ طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة / 2/ 287، 288 والرسالة المستطرفة / 103.
(5)
بالأصل "ترحم" بالحاء المهملة ولكنه في مصادر الترجمة بالجيم المعجمة، كما أثبته، وقد وصفه الذهبي في التذكرة بأنه راوي جامع أبي عيسى الترمذي، وقال: إنه توفي في 692 هـ وله تسعون عامًا/ تذكرة الحفاظ 4/ 1477 وسيأتي في الأصل ذكر المؤلف لتاريخ وفاته وموضع دفنه ص 172.
(6)
توفي في 18 ربيع الأول، أو في صفر سنة 622 هـ وقد علَتْ سِنُّه/ التكملة في وفيات النقلة للمنذري 3/ 140 ترجمة/ 2021 والتقييد لابن نقطة/ ق 186.
بعد شيخنا الإمام قطب الدين أبي بكر محمد بن أحمد القسطلاني رحمه الله (1) ثم ظهر سماع هذا الشيخ ولم يكن للناس به عهد ولا عندهم منه علم، غير أنه كان معروفًا بالرواية عن غير هذا الشيخ، وسمع من أبي بكر بن باقا (2)، مُسنَد الشافعي، ومن أبي البركات عبد القوي بن عبد العزيز بن الجَبَّاب (3)، وغيرهم، وكان صحيح السماع، سمعت عليه الجامع للترمذي، وغيره. وأجاز لي ما يرويه غير مرة.
مولده يوم الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستمائة بالقاهرة وتوفي بها صبيحة يوم الأحد، التاسع والعشرين من شهر رجب، سنة اثنَتَين وتسعين وستمائة ودفن من الغد بمقبرة باب النصر (4)، رحمه الله.
(1) تولى مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة إلى أن توفي في المحرم سنة 686 هـ ومولده سنة 614 هـ / شذرات الذهب 5/ 397 وقد عده المؤلف من أحفظ من لقيه/ لحظ الألحاظ/ ضمن ذيول تذكرة الحفاظ/ 77.
(2)
هو عبد العزيز بن أحمد بن سالم بن محمد بن باقا، البغدادي، التاجر، صفي الدين، أبو بكر، توفي بمصر سنة 630 هـ وله 75 سنة/ تذكرة الحفاظ 3/ 1456.
(3)
بالأصل "الخشاب" وما أثبته من "التكملة" مضبوطًا بالحروف وهو عبد القوي ابن عبد العزيز بن الجَبَّاب التميمي السعدي الأغلبي المالكي العدل، توفي بالقاهرة ليلة سلخ شوال سنة 621 هـ، قال المنذري: حَدّث، وسمعت منه، ثم قال: والجباب بفتح الجيم وتشديد الباء الموحدة، وآخره باء موحدة أيضًا/ التكملة للمنذري 3/ 132 والمشتبه للذهبي/ 205.
(4)
إحدى المدافن العامة خارج القاهرة ويصل إليها شارع باب النصر المعروف الأن بشارع الجمالية الذي يبدأ من باب النصر وينتهي الى السكة الجديدة تجاه المشهد الحسيني بحي الأزهر/ الخطط التوفيقية/ لعلي مبارك 1/ 99، 2/ 64.
قال أَبَنا ابن البنا وهو أبو الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك بن محمد بن أبي السيد المكي (1) - قال ابن نُقطة (2): هكذا أملى عليَّ نَسبَه بمكة في ذي الحجة من سنة خمس عشرة وستمائة. وقال لي: والدي من أهل بغداد، وأصلي من واسط. وسألته، فأخرج إليّ خط. [أبي الفتح عبد الملك بن أبي القاسم](3) أنه سمع منه جميع كتاب الجامع للترمذي، وكتاب العلل في آخره، وهُو ثَبَت، صحيح، وسمعت منه حديثًا واحدًا، قال: ثم عدت في سنة عشرين وستمائة وهو في الأحياء وقرئ عليه بمكة الكتاب في هذه السنة. فسمعه منه جماعة وقرأت لهم بعضه، وسماعه صحيح.
بلغنا أنه توفي في ثامن ربيع الأول سنة اثنتَين وعشرين وستمائة بمكة، شرفها الله تعالى.
عن الكَرُوخي (4)، هو أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم
(1) تقدمت ترجمته.
(2)
في التقييد ق/ 186 حرف العين، جـ 2/ 211 من المطبوعة وابن نقطة: هو محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي الحنبلي، ابن نقطة حافظ امام متقن، وقد سئل عن "نقطة" فقال: هي جارية ربت جد أبي، ومولده سنة نيف وسبعين وخمسمائة، وتوفي سنة 648 هـ / التذكرة بتصرف 4/ 1411.
(3)
زيادة من التقييد، الموضع السابق.
(4)
بفتح الكاف وضم الراء، وفي آخرها الخاء المعجمة، نسبة إلى كُروخ وهي بلدة بنواحي هراة، على عشرة فراسخ منها. خرج منها جماعة من أهل العلم والخير منهم أبو الفتح المذكور قال السمعاني: قرأت عليه جميع الجامع لأبي عيسى الترمذي وسمع بقراءتي منه جماعة كثيرة وذكر باقي ترجمته كما ستأتي في الأصل، ص 174. وأرخ وفاته في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة 548 هـ / الأنساب 11/ 91.
عبد الله بن أبي سهل بن أبي القاسم بن أبي منصور، الكَروخي، الهروي البزار الصوفي، سمع من شيخ الإسلام عبد الله بن محمد الأنصاري (1)، وأبي عبد الله العميري، وحكيم بن أحمد الاسفرايني، وغيرهم (2) حدث (3) بكتاب الجامع لأبي عيسى الترمذي عن/ أبي عامر، محمود بن القاسم الأزدي، وأبو بكر أحمد بن عبد الصمد التاجر، وأبي نصر عبد العزيز بن محمد الترياقي (4) سوى الجزء الأخير ليس عند الترياقي، وهو من أول مناقب ابن عباس إلى آخر الكتاب. سمعه الكَرُوخِي من أبي المظفر عبد الله (5) بن علي بن ياسين الدهان.
(1) هو شيخ الإسلام الحافظ الإمام الزاهد أبو اسماعيل عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي
…
الأنصاري الهروي من ذرية أبي أيوب الأنصاري، وكان إمامًا متقنًا قائمًا بنصر السنة ورد المبتدعة، سيفا على الجهمية، حافظًا للحديث، شيخ خراسان غير مدافَع، آية في التصوف والوعظ، ألف ذم الكلام، ومنازل السائرين، وسمع الحديث من أبي عبد الجبار الجِراحي، وأبي منصور محمد بن محمد بن الأزدي، وتوفي في ذي الحجة سنة 481 هـ / طبقات الحفاظ للسيوطي / 441 والعبر للذهبي 3/ 297 وتذكرة الحفاظ له 3/ 1183.
(2)
الأنساب/ 11/ 92.
(3)
يعني الكروخي/ انظر الأنساب 11/ 92.
(4)
انظر في ترجمة الكروخي من أولها إلى هنا/ الأنساب 11/ 91، 92 وتذكرة الحفاظ للذهبي وأرخ وفاته بسنة 548 هـ / 4/ 1312، 1313 وانظر ضبط نسبة الترياقي فيما يأتي بعد ص 181 هامش 1 وكذا ترجمة أبي عامر الأزدي ص 176 أصل وأبي بكر التاجر ص 180 أصل وهامش 5.
(5)
في الأنساب: عُبيد الله، وفي هامشه نقلًا عن نسخة أخرى "عبد الله" مكبَّرًا وسيأتي ذكره في الأصل "عبيد الله" مصغرًا، ص 181، 182 وفي برنامج التُّجيبي مكبَّرًا / 101.
قالوا جميعًا (1): حدثنا عبد الجبار بن محمد الجِرَاحي (2) أَبَنا المحبوبي (3) أبنا (4) الترمذي.
كان الحافظ أبو الفضل بن ناصر (5) يقول: سمعنا هذا الكتاب منذ سنين كما سمعتموه أنتم الآن من هذا الشيخ (6) قال: فَرغِب جماعة من أهل الثروة في مراعاة عبد الملك، فحملوا إليه الذهب فرده ولم يقبله، وقال: بعد التسعين واقتراب الأجل آخذ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب؟، وردَّه مع احتياجه إليه، ثم انتقل في آخر عمره إلى مكة، وكان يكتب النُّسَخ من جامع أبي عيسى، ويأكل من ذلك ويكْتسِي وهو من جُملَة من لحقه بركة شيخ الاسلام الأنصاري (7)، ولازَم الفقر والوَرع إلى أن تُوفي بمكة في
(1) يعني من حدث عنهم الكَرُوخِي بالجامع وهم: أبو عامر محمود بن القاسم الأزدي، وأبو بكر أحمد بن عبد الصمد التاجر، وأبو نصر عبد العزيز الترياقي، وأبو المظفر عبيد الله الدهان.
(2)
سيأتي ترجمته وضبط نسبته بعد قليل.
(3)
تقدمت ترجمته ص 168 هامش 2 وانظر الأصل ص 183.
(4)
هذا رمز لـ (أخبرنا) وقد فعله البيهقي وغيره، ولكنه منتقد لالتباسه برمز "أنبأنا" فتح المغيث للسخاوي 2/ 190، غير أن الناسخ مشى عليه كما ترى، وانظر متن جامع الترمذي المطبوع مع عارضة الأحْوذِي 1/ 7.
(5)
هو محمد بن ناصر بن محمد
…
أبو الفضل البغدادي، ولد ليلة السبت 25 من شعبان سنة 467 هـ، وسمع الحديث وأسمعه وهو من أبرز شيوخ الإمام ابن الجوزي في علم الحديث، طعن فيه أبو سعد السمعاني بأنه يقع في الناس، فردَّ ذلك ابن الجوزي ووثقه، ثم أرخ وفاته في يوم الثلاثاء 18 شعبان سنة 550 هـ وقال: دفن بمقبرة باب حرب -يعني ببغداد. المنتظم / 10/ 162، 163.
(6)
يعني عبد الملك الكروخي، كما يتضح من باقي الكلام بعده.
(7)
تقدمت ترجمته ص 174 هامش 1.
خامس عشرين ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. بعد رحيل الحاج بثلاثة أيام، وقال ابن السمعاني: مولده بهراة في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وتوفي بمكة- مُجاوِرًا- في [الخامس](1) والعشرين من ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، بعد رحيل الحاج بثلاثة أيام (2) وكان شيخًا صالحًا، سديدًا عفيفًا (3).
عن أبي عامر محمود بن القاسم بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد بن مقاتل بن صبيح بن ربيع بن عبد الملك بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة (4). الأزدي القاضي الهروي، حدث بكتاب الجامع لأبي عيسى عن الجراحي (5).
(1) بالأصل "في الحادي والعشرين" وما أثبته من المصدر الذي أحال عليه المؤلف وهو الأنساب للسمعاني 11/ 92 وهو الموافق لما ذكره المؤلف قبل سطور بنفسه.
(2)
التحديد بثلاثة أيام ليس في الأنساب 11/ 92.
(3)
الذي في الأنساب: سديد السيرة، كثير الخير والعبادة 11/ 91.
(4)
انظر هامش الطبقات الكبرى لابن السبكي 5/ 327 نقلًا عن الطبقات الوسطى لابن السبكي أيضًا. وبرنامج التجيبي/ 101، والتقييد لابن تقطة 2/ 243.
(5)
بالأصل "الجراجي" بالجيم المعجمة قبل آخره والصواب ما أثبته كما ذكر السمعاني في الأنساب حيث ضبطه بالجيم وتشديد الراء وفي آخره الحاء المهملة، ثم قال: هذه النسبة إلى "الجراح" وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه، وهو أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الجراح المروزي الجراحي، شح ثقة صالح، راوية كتاب أبي عيسى الترمذي عن صاحبه أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب التاجر المحبوبي/ الأنساب 3/ 229 وستأتي بقية ترجمته في الأصل ص 182 وانظر كذلك الطبقات الكبرى لابن السبكي 5/ 327، 328.
حدث به عنه الحافظ المؤتمن الساجي (1)، وصاعد بن سيار (2)، واليُونَارْتِي (3)، في جماعة، آخرهم [موتا](4)، القاضي أبو الفتح نصر بن سيار بن صاعد بن سيار (5)، وقد حدث عنه محمد بن طاهر المقدسي (6).
(1) الإمام الحافظ أبو يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن بن بحر
…
البصري الساجي توفي سنة 307 هـ التذكرة 2/ 710.
(2)
الحافظ العالم المحدث أبو العلاء صاعد بن سيار بن محمد بن عبد الله
…
الدهان
…
قرأ عليه الحافظ ابن ناصر جامع أبي عيسى، فسمعه منه أبو الفتوح ابن كليب
…
مات بقرية غورج على باب هراة في ذي القعدة سنة 520 هـ / تذكرة 4/ 1270.
(3)
الحافظ المُجود أبو نصر، الحسن بن محمد بن ابراهيم الأصبهاني اليونَارْتي، نسبة إلى يونارت، قرية على باب أصبهان، ولد ببغداد سنة 524 هـ وحدث بها بجامع الترمذي
…
وكان حسن الصوت بقراءة الحديث، مجدًا في السُّنة، ولد في آخر سنة 466 هـ، وتوفي في شوال سنة 527 هـ/ التذكرة 4/ 1287، 1288.
(4)
كذا في الطبقات الكبرى لابن السبكي 5/ 328.
(5)
الكتاني الهروي الحنفي القاضي شرف الدين، قال في الشذرات: سمع من أبي عامر الأزدي، والكبار وتفرد في زمانه وعاش 97 سنة، وتوفي يوم عاشوراء سنة 572 هـ وهو آخر من روى جامع الترمذي عن أبي عامر، وعزى ذلك الى العبر- للذهبي/ الشذرات 4/ 244.
(6)
هو محمد بن طاهر بن أحمد بن علي الشيباني أبو الفضل - يعرف بابن القيسراني، وهو من أهل بيت المقدس، كان حافظًا متقنًا حسن التصنيف، صنف كثيرًا، ومن مصنفاته المطبوعة: شروط الأئمة الستة، والسماع، وتوفي ببغداد ضحى يوم الخميس عشرين من ربيع الأول سنة 507 هـ / المستفاد من تاريخ بغداد لابن الدمياطي 31 - 33.
وزاهر الشحامي (1)، والفُراوي (2)، وغيرهم، قال يوسف بن أحمد البغدادي: سمعت أبا الفتح محمد بن عمر الأنصاري -بهراة- يقول/: سمعت أبا النصر (3) المُزَكِّي، يقول: محمود بن القاسم (4) أبي منصور بن أبي بكر الأزدي، كان عديم النظير، زُهدًا وصلاحًا وعفة، ولم يزل على ذلك من ابتداء عمره إلى انتهاء عمره، وكانت إليه
(1) في الأصل بالسين المهملة والصواب أنه بالشين المعجمة كما في مصادر ترجمته: كالمستفاد من ذيْل تاريخ بغداد لابن الدمياطي، وقد عرّف به فقال: زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد، أبو القاسم الشحامي، حدث بالكثير، وكتب عنه الحفاظ، ورحل في رواية الحديث ونشره، وكان صحيح السماع، وغمزه تلميذه أبو سعد ابن السمعاني بالاخلال بالصلوات اخلالًا ظاهرًا، ثم قال: وقيل له في ذلك فقال لي عذر وأنا أجمع بين الصلوات كلها، ولعله تاب ورجع عن ذلك في آخر عمره، وتوفي ليلة الرابع عشر من ربيع الآخر سنة 533 هـ بنيسابور. المستفاد / 118 - 120 وانظر المنتظم 10/ 79 والعبر 4/ 91.
(2)
وهو محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أحمد، أبو عبد الله الفراوي ثم النيسابوري الملقب بفقيه الحرم، إمام، مفت، مناظر، واعظ، عالي الإسناد، والفُراوي بضم الفاء وفتح الراء بعدها الألف وفي آخرها الواو، نسبة الى فُراوة، بُلَيدة على الثغر مما يلي خُوارزم/ الأنساب / 10/ 166 روى عنه ابن السمعاني وابن عساكر وغيرهما، توفي في شوال ضحوة يوم الخميس 21 من شوال 530 هـ الطبقات الكبرى لابن السبكي 6/ 166 - 170 والشذرات 4/ 96 والكامل لابن الأثير 11/ 21.
(3)
في الأصل "النضر" بالضاد المعجمة، وما أثبته من الشذرات / 3/ 382 والطبقات الكبرى لابن السبكي / 5/ 328.
(4)
بالأصل "أبي القاسم" وما أثبته هو الذي تقدم في الأصل ص 176 والموجود في الشذرات 3/ 382 والطبقات الكبرى لابن السبكي / 5/ 327.
الرحلة من الأقطار، والقصد (1) لسماع الأسانيد العالية.
ولد في شهور سنة أربعمائة، وتوفي يوم السبت الثامن من جمادي الآخرة سنة سبع وثمانين وأربعمائة (2) ودفن بباب بُسْت بهراة، وقال يوسف أيضًا: قرأت على عمر بن أحمد بن محمد الفقيه: أخبركم أبو جعفر محمد بن الحسن بن محمد الحافظ، قال: كان شيخنا أبو عامر الأزدي من أركان مذهب الشافعي بهراة، وكان إمامُنا شيخُ الإسلام (3)، يزوره في داره ويعوده في مرضه، ويتبرك بدعائه (4)، وكان نظام المُلْك، يقول: لولاه في هذه البلدة لكان لي ولهم شأن (5)
(1) بعض هذه الكلمة ممحو من الأصل بالترميم، فأثبتها بمعونة السياق، ثم وجدتها هكذا في الطبقات الكبرى لابن السبكي / 5/ 328.
(2)
الشذرات / 3/ 382 وهامش الطبقات الكبرى لابن السبكي / 5/ 328 نقلًا عن الطبقات الوسطى له أيضًا / مخطوط.
(3)
أبو اسماعيل الأنصاري تقدمت ترجمته ص 174 هامش 1.
(4)
في الطبقات الكبرى لابن السبكي زيادة بعد هذا نصها: إما اعتقادًا فيه، وإما إظهارًا لمحبة ما الناس عليه من تعظيم هذا الرجل، فإنه كان معظمًا عند الموافق والمخالف / 5/ 328.
(5)
المقصود بالبلدة "هراة" وبمن له ولهم شأن "المجسمة" على ما يبدو فقد جاء في ترجمة المذكور أن هراة كان قد غلب عليها التجسيم، فنقم عليهم نظام الملك/ الطبقات الكبرى لابن السبكي 5/ 328 أصل وهامش. ونظام الملك هو: الحسن بن علي بن إسحق أبو علي، كان وزيرًا للملك ألب أرسلان، وولده ملكشاه، 29 سنة وكان من خيار الوزراء، قرأ القرآن في صغره واشتغل بالقراءات والفقه الشافعي وسمع الحديث، وتعلم اللغة والنحو، ثم ترقى حتى نال الوزارة فسار فيها سيرة حسنة وقرب العلماء منه وبنى المدارس ببغداد، ونيسابور وغيرها، وعرفت بالنظامية نسبة إليه، وأثنى عليه غير واحد وتوفي مقتولًا سنة 485 هـ/ البداية والنهاية/ 12/ 151.
يهددهم به- وكان يعتقد فيه اعتقادًا عظيمًا؛ لكونه لم يقبل منه شيئًا قط (1) ولما سمعت منه مسند الترمذي (2) هنأني شيخ الإسلام، وقال: لم تخسر في رحلتك إلى هراة. [و](3) عن أحمد بن عبد الصمد الغُورَجي (4) وهو أحمد بن عبد الصمد بن أبي الفضل بن أبي حاتم: التاجر، الغُورَجي، توفي فجأة يوم الثلاثاء التاسع عشر من ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمائة (5) قرأت على أبي سعيد البنا: أخبركم
(1) ولحسن عقيدته/ الطبقات الكبرى وهامشها نقلًا عن الطبقات الوسطى كلاهما لابن السبكي 5/ 328.
(2)
يقصد بالمسند هنا "جامع الترمذي" باعتبار أن أحاديثه مذكورة بأسانيدها كما أطلق البخاري على صحيحه "المسند الصحيح".
(3)
ليست بالأصل، وأثبتها من عندي ليستقيم المعنى؛ لأن أحمد بن عبد الصمد هذا، هو ومحمود بن القاسم الذي قبله، كلاهما شيخا الكروخي في رواية جامع الترمذي، كما مر، وكما سيأتي تفصيله قريبًا من الأصل.
(4)
بضم الغين وسكون الواو وفتح الراء، وفي آخرها جيم، نسبة إلى غُوْرَج، وأهل هراة، يسمونها: غُورَة، والأصل فيه أن العرب تبدل الهاء جيمًا في الأسماء الفارسية، وهي قرية من قرى هراة، منها أحمد الغورجي هذا/ انظر اللباب لابن الأثير 2/ 393 ومعجم البلدان لياقوت 4/ 216 والأنساب 10/ 91 هامش.
(5)
انظر اللباب 2/ 393 ومعجم البلدان/ 4/ 216، وانظر هامش الأنساب 10/ 91.
وفي المنتظم قال: أحمد بن أبي حاتم عبد الصمد بن أبي الفضل التاجر الغُورَجي الهروي أبو بكر، سمع أبا محمد الجراحي، حدثنا عنه أبو الفتح الكَرُوخي، وقال الذهبي: راوي جامع الترمذي عن الجِرَاحي، وأرخ ابن الجوزي وفاته -فجأة- في يوم الثلاثاء تاسع عشر ذي الحجة سنة 481 هـ/ المنتظم/ 9/ 44 العبر 3/ 297.
أبو الحسن علي بن حمزة الموسوي -إجازة- قال: سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين بن الجُنيد الغُورَجي، يقول: أحمد بن عبد الصمد الغورَجي، أبو بكر بن أبي حاتم، شيخ ثقة صدوق.
قال الكَرُوخي: وثنا بجميعه -خلا الجزء الأخير، وهو من أول مناقب ابن عباس رضي الله عنه، إلى آخر الكتاب- أبو نصر عبد العزيز بن محمد الترياقي (1)، وحدثني (2) بالجزء الأخير المذكور أبو المظفر عبيد الله بن علي بن ياسين الدهان. فأما الترياقي: فهو أبو نصر عبد العزيز بن محمد بن علي بن ابراهيم بن ثمامة بن الليث بن الخضر (3) المروزي، مات في السادس عشر من شهر رمضان يوم الثلاثاء سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة (4) وترياق قرية من قرى هراة (5)
(1) بكسر التاء المنقوطة بإثنتين من فوقها، وسكون الراء، وفتح الراء، وفتح الياء المنقوطة بإثنتين من تحتها، وفي آخرها القاف. نسبة إلى عمل "الترياق" وهو شيء ينفع من السموم ويدفعها
…
وإلى "ترياق" قرية من قرى هراة، وأبو نصر عبد العزيز بن محمد الترياقي، منها/ الأنساب 3/ 47، 48.
(2)
قوله "وحدثني" ممحوة بالأصل، وأثبتها من عندي بناء على ما تقدم أن الجزء الأخير من الكتاب وهو من أول المناقب إلى آخر الكتاب - قد سمعه الكروخي من أبي المظفر المذكور.
(3)
بالأصل بحاء مهملة، وما أثبته من هامش الأنساب نقلًا عن التقييد لابن نقطة، وانظر التقييد 2/ 126.
(4)
بهراة، ودفن بباب (خشك) الأنساب 3/ 49 وفي المنتظم أنه توفي في رمضان سنة 482 هـ 9/ 50 ولكن ما في العبر 3/ 301، 303 وفي الشذرات 3/ 368 كما ذكر المؤلف.
(5)
الأنساب 3/ 48 والشذرات لابن العماد 3/ 368، والعبر 3/ 303.
قال يوسف البغدادي: كان ثقة (1) / خَيِّرًا (2) وله حظ وافر من الأدب، ولد سنة تسع (3) وثمانين وثلاثمائة، وكان سماعه في مسند أبي عيسى (4) من أوله على التوالي إلى أول مناقب ابن عباس، ومن ثَم فاته إلى آخر الكتاب (5).
وأما ابن ياسين الدهان، فهو: عبيد الله بن علي بن ياسين بن محمد بن أحمد الدهان الهروي (6). قالوا أربعتَهم (7): أبنا عبد الجبار، هو ابن محمد بن عبد الله بن أبي الجراح المرزُباني (8) ولد سنة احدى وثلاثين وثلاثمائة، قال ابن السمعاني، توفي سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، إن شاء الله، وهو صالح ثقة (9).
(1) الشذرات لابن العماد وزاد أنه كان أديبًا 3/ 368 وكذا في العبر للذهبي 3/ 303.
(2)
ممحوة بسبب ترميم النسخة ولم يظهر منها الا "را" فأثبتها بمعونة السياق.
(3)
ليست بالأصل وأثبتها اعتمادًا على قول الذهبي في العبر أنه عاش 94 سنة، وتوفي سنة 483 هـ العبر 3/ 303.
(4)
يعني جامع الترمذي كما في الأنساب 3/ 48.
(5)
الأنساب 3/ 48 والعبر 3/ 303.
(6)
التقييد 2/ 122.
(7)
انظر ص 175 هامش 1.
(8)
في الأنساب: المروزي بدل "المرزباني" 3/ 229، وكذا سيأتي في الأصل ص 183 وبعدها في الأنساب: الجراحي، وهي النسبة المشهورة له. وفي التقييد 2/ 103 جمع له النسبتين: المروزي، والمرزباني.
(9)
الأنساب/ 3/ 229 مع تصرف من المؤلف بالتقديم والتأخير والاختصار.
وعبد الله بن أبي الجراح هو: عبد الله بن محمد بن أبي الجراح بن الجنيد بن هشام بن المرزبان، أبو محمد بن أبي بكر المروزي الجراحي (1).
قال (2): أبنا محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل (3) التاجر، أبو العباس المحبوبي من أهل مرو، حدث عنه الحافظ أبو عبد الله بن مندة، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وأثنوا عليه خيرًا، توفي في شهر رمضان السابع والعشرين من سنة ست وأربعين وثلاثمائة، ولد سنة تسع وأربعين ومائتين، وثقهُ الحاكم وغيره، وسماعاته صحيحة، مضبوطة بخط خاله أبي بكر الأحول (4).
…
(1) الأنساب/ الموضع السابق.
(2)
أي: عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن أبي الجراح، لأنه هو راوية الجامع عن المحبوبي كما تقدم، وانظر التقييد 2/ 103.
(3)
كذا في سير أعلام النبلاء "فضيل" بالتصغير / 15/ 537 وبالأصل "فضل" مكبرًا، وموضعه بياض في الأنساب 12/ 112. ولكن في التقييد كما في السير/ التقييد 1/ 203، 2/ 103
(4)
سير أعلام النبلاء للذهبي 15/ 537. وكان الأولى أن يقول المؤلف بعد ذكر المحبوبي: عن الترمذي، به، أي بالجامع. ولكنه اكتفى بذكر الترمذي ص 175 أصل.
"المقدمة الثانية: في ذكر كتاب الجامع لأبي عيسى وفضله"
قال ابن عساكر: أبنا المبارك بن أحمد بن عبد العزيز، ثنا محمد بن طاهر المقدسي، قال (1): سمعت الإمام أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري بهراة -وجرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذي وكتابه- فقال: كتابه عندي أنفع (2) من كتاب البخاري ومسلم؛ لأن كتابي البخاري ومسلم لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم، وكتاب أبي عيسى يصل إلى الفائدة منه كل أحد من الناس (3)، وذكر عن أبي عيسى، قال: صنفت هذا الكتاب وعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته
(1) في كتابه "شروط الأئمة الستة/ 16 وعزاه الذهبي في السير لكتاب آخر لابن طاهر
…
اسمه "المنثور"/ سير النبلاء 13/ 277 وذكره ابن كثير من رواية ابن عطية عن أبي طاهر/ البداية والنهاية 11/ 76.
(2)
في البداية والنهاية: "أنور" 11/ 76.
(3)
زاد في رواية ابن كثير: من الفقهاء والمحدثين وغيرهم/ البداية والنهاية 11/ 77.
هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم (1)، وقال يوسف بن أحمد: لأبي عيسى فضائل تُجمع، وتُروى وتُسمع، وكتابُه (2) من الكتب الخمسة التي اتفق أهل العقد والحل والفضل والفقه من العلماء والفقهاء وأهل الحديث/ النبهاء، على قبولها والحكم بصحة أصولها (3)، وما ورد في أبوابها وفصولها، وقد شارك البخاري ومسلمًا في عدد كثير من مشايخهما، وهذا الوضع يضيق عن ذكرهم وإحصائهم وعددهم، ورزق الرواية عن أتباع الأتباع متصلًا بالسماع، ثم قال (4): -بعد كلام-: وكتب عنه إمام أهل الصنعة محمد بن إسماعيل البخاري وحسبه بذلك فخرًا.
قلت: أما الثلاثي فلا نعلم له في جامعه منه إلا حديثًا واحدًا (5)، وأما رواية البخاري عنه، فحديثه عن علي بن المنذر عن علي بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة عن عطية عن أبي سعيد قال
(1) في البداية والنهاية "ينطق" ثم قال: وفي رواية "يتكلم" 11/ 76 وانظر تذكرة الحفاظ 2/ 634، وتهذيب التهذيب 9/ 389 وسير أعلام النبلاء 13/ 274 وجامع الأصول 1/ 194.
(2)
في الأصل "وكافيه" ولا يستقيم المعنى عليه.
(3)
من قوله: "الكتب الخمسة" إلى هنا، عزاه العراقي إلى السلفي، ثم علق عليه بما سيأتي عند نقل المؤلف نحوه عن السلفي أيضًا ص 190 أصل وهامش.
(4)
يعني: يوسف بن أحمد، التقدم ذكره.
(5)
وهو حديث: "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر/ كتاب الفتن - باب منه/ الترمذي مع تحفة الأحوذي 6/ 538، 539 حديث 2361، ووهم الشيخ علي قاري في مرقاة المفاتيح فعده ثنائيًا / المرقاة 1/ 21، 22.
[قال] صلى الله عليه وسلم لعلي: لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك.
قال علي بن المنذر (1): قلت لِضِرَار بن (2) صُرَد: ما معنى هذا الحديث؟ قال: لا يحل لأحد يستطرفه جنبًا غيري وغيرك، قال الترمذي: سمع مني محمد هذا الحديث [واستغربه](3).
(1) شيخ الترمذي في هذا الحديث، وسيأتي تخريجه، وهذا التفسير غير موجود بنسخة الترمذي المطبوعة مع التحفة ولا طبعة المكتبة السلفية بالمدينة 5/ 303 ولا ط شاكر 5/ 303 ولكنه في تحفة الأشراف 3/ 417 ح 4203 نقلًا عن الترمذي.
(2)
بالأصل إثبات ألف "ابن" وهكذا يثبتها الناسخ في أغلب الأحيان، والصواب حذفها طبقًا لقواعد الإملاء.
(3)
ليست بالأصل وأثبتها من نسخة الترمذي المطبوعة مع التحفة وغيرها كطبعة شاكر/ 5/ 303 والحديث أخرجه الترمذي وذكر سماع البخاري له منه/ أبواب المناقب - باب منه، وعبارته في المطبوع مع التحفة: وقد سمع محمد بن إسماعيل مني هذا الحديث واستغربه/ الترمذي مع التحفة 10/ 331 هـ قلت: هناك حديث آخر هو في تفسير "اللِّينة" بالنخلة وذلك في كتاب التفسير في تفسير قوله تعالى في سورة الحشر: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} الآية. فقد قال الترمذي عقب حديث سعيد بن جبير مرسلًا: سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث/ الترمذي مع التحفة / 9/ 197 وط/ شاكر 5/ 82، فلعل من قال إن البخاري سمع من الترمذي حديثًا واحدًا لم يكن قد وقف على هذا الحديث الثاني، كالشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تقديمه لجامع الترمذي 1/ 83، ويبدو أن حكاية الترمذي لسماع هذا الحديث الثاني، ثبتت في بعض الروايات دون بعض؛ حيث لم يوردها المزي في التحفة كما أورد سماع الحديث الأول/ انظر تحفة الأشراف 4/ 408 ح 5488، 13/ 202 ح 18684.
وقال يوسف بن أحمد: قرأت على أبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف (1) في كتابه الموسوم، بمذاهب الأئمة، في تصحيح الحديث قال (2): وأما أبو عيسى فكتابه على أربعة أقسام: صحيح مقطوع بصحته، وهو ما وافق فيه البخاري ومسلمًا، وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بَيَّنَّاه، وقسم أخرجه للضدية (3).
وأبان عن علته (4)، وقسم رابع أبان عنه، فقال (5): ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثًا قد عمل به بعض الفقهاء (6)
(1) له ترجمة في التقييد 2/ 118.
(2)
ومثله مع تصرف يسير في شروط الأئمة، دون عزو إلى أبي نصر المذكور/ شروط الأئمة الستة لابن طاهر/ 13 أما في سير النبلاء 13/ 274 فعزاه إليه.
(3)
بالأصل "الصدر" وما أثبته من شروط الأئمة الستة لابن طاهر/ 13 وسير النبلاء 13/ 274 وعليه يستقيم المعنى والمراد: أنه يخرج الحديث المستدل به على الرأي الراجح في المسألة، ثم يخرج دليل المذهب المخالف ويوازن بينهما ويبين علة الحديث المستدل به للرأي المخالف/ الإمام الترمذي للدكتور عتر 154.
(4)
في شروطه الأئمة/ 13 زيادة "وَلم يُغفِلْه".
(5)
بالأصل "وقال" وما أثبته من شروط الأئمة/ 13 ومن سير النبلاء / 13/ 274 وهو المتسق عليه المعنى.
(6)
بقية كلام الترمذي: ما خلا حديثين، وذكرهما
…
ثم قال: وقد بينا علة الحديثين جميعًا في هذا الكتاب هـ، يعني الجامع نفسه/ العلل مع شرحه لابن رجب 1/ 4 والحديثان في الجامع، وأولهما في كتاب الصلاة - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، ولفظه: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف، ولا مطر، جامع الترمذي/ 1/ 354، 355 حديث / 187، وفي نسخة العلل: من غير خوف ولا سقم/ العلل مع شرحها 1/ 4.
قال: وهذا شرط واسع؛ فإن على هذا الأصل، كل حديث
= والحديث الثاني حديث معاوية: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه/ جامع الترمذي/ كتاب الحدود - باب ما جاء من شرب الخمر الخ 2/ 449، 450 حديث 1472 وشرح العلل 1/ 4، وقد علق ابن رجب على قول الترمذي: "ما أخرجت في كتابي هذا الا حديثًا قد عمل به بعض الفقهاء
…
الخ"، بقوله: كأن مراد الترمذي رحمه الله تعالى، أحاديث الأحكام. شرح العلل 1/ 5 أقول فكأن شرط الترمذي هذا ليس منسحبًا على كل أبواب الجامع وإنما هو مختص بأبواب أحاديث الأحكام فقط، ومن نظر في أبواب الجامع وما ورد تحت كل منها، وجد أن أحاديث الأحكام تقارب نصف أحاديث الكتاب، والباقي للأبواب الأخرى من عقائد وآداب وغيرهما، مع التوسع في أبواب المواعظ والرقائق والآداب والتفسير والمناقب/ الإمام الترمذي/ د. عتر/ 43، ثم إن ابن رجب ذكر أن الحديثين اللذين استثناهما الترمذي قد عمل بكل منهما بعض العلماء شرح العلل / 1/ 5 وقرر الخطابي والنووي ذلك بالنسبة للحديث الأول وتابعهما الشيخ شاكر على ذلك/ انظر تعليق الشيخ شاكر على جامع الترمذي 1/ 357 - 359، وأما الحديث الثاني فممن عمل به ابن حزم. المحلى 11/ 442، ثم ذكر ابن رجب أن اقتصار الترمذي على استثناء هذين الحديثين غير مسلم، لوجود أحاديث أخرى عنده لم يؤخذ بها وذكر منها ثلاثة أحاديث وكلها من أحاديث الأحكام، شرح العلل مع تعليق د. عتر عليها 1/ 8 - 15، ولعل هذا ما جعل ابن رجب يميل إلى أن شرط الترمذي المذكور خاص بأحاديث الأحكام فقط الخ. من الجامع دون بقية أحاديث الكتاب التي تقارب نصفه كما تقدم ولعل هذا الذي مال إليه ابن رجب يقوي معارضة المؤلف الآتية في أن الترمذي توسع في شرطه في الكتاب كله كما قرره أبو نصر المذكور ومن وافقه، وليس في أحاديث الأحكام فحسب/ انظر شروط الأئمة لابن طاهر/ 13 والإمام الترمذي للدكتور عتر 56، 99، 152، 155.
احتج به محتج، أو عمل به (1) عامل، [أخرجه](2) سواء صح طريقه أو لم يصح، وقد أزاح عن نفسه الكلام، فإنه شفَى في تصنيفه، وتكلم على كل حديث بما فيه (3).
قوله: وهذا شرط واسع، ليس كما ظهر له، إلا لو كان الترمذي التزم (4)، أن يذكر كل حديث هو بتلك المثابة (5)، وأما قوله: وما أخرجت في كتابي إلا ما كان كذلك، فلا يلزم منه ذلك المراد.
وقد أطلق عليه الحاكم أبو عبد الله: الجامع الصحيح (6)،
(1) في شروط الأئمة/ 13 "بموجبه".
(2)
من شروط الأثمة لابن طاهر/ 13.
(3)
في شروط الأئمة/ 13 "بما يقتضيه".
(4)
بالأصل "ألزم" وما أثبته هو المستقيم عليه المعنى.
(5)
بالهامش تعليق على هذا بالآتي: [لم يقل]: إنه يخرج كل حديث بهذه المثابة؛ وإنما قال: إنه توسع في كتابه، بأنه لم يشترط فيما أخرجه زيادة على: أن قال به بعض الفقهاء، قلت: على أن الترمذي قد استثنى حديثين من هذه القاعدة فقال في العلل: إنه لم يقل بهما أحد من أهل العلم، والله أعلم هـ.
(6)
مقدمة ابن الصلاح مع التقيد والإيضاح/ 60 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 83 والتدريب/ 95 وقد وجّه ابن الصلاح ومن بعده الحافظ ابن حجر إطلاق الحاكم هذا بأنه سائغ بناءًا على أن الحاكم ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن، ومجموعهما في جامع الترمذي أكثر من المردود، فيكون هذا الإطلاق من الحاكم مرادًا به أغلب ما في الجامع، ومراده بالصحيح في كلامه: المقبول الذي يشمل الصحيح والحسن، وإلا فإن الصحيح فقط في الجامع أقل من مجموع الحسن والضعيف/ الإفصاح على مقدمة ابن الصلاح ونكت العراقي/ ق 61.
وأطلق الخطيب أبو بكر عليه أيضًا اسم: الصحيح (1). وذكر الحافظ أبو طاهر السِّلَفي (2) الكتب الخمسة، وقال: اتفق على صحتها علماء/ المشرق والمغرب (3). وهذا محمول منه على ما لم يصرح بضعفه منها
(1) فتح المغيث للسخاوي 1/ 83 والتدريب/ 95 ومقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 60 وتاريخ بغداد 2/ 42.
(2)
السِّلفي -بكسر السين المهملة وفتح اللام وفي آخرها الفاء، نسبة إلى "سِلْفة" جَدُّ أبي طاهر المذكور، فهو أحمد بن محمد بن أحمد بن ابراهيم بن سلفة الأصبهاني، عني بجمع الحديث وسماعه من الحفاظ المشهورين، وبعد ترحاله في طلب الحديث استقر بالاسكندرية وانتهى إليه علو الإسناد، ثم توفي بالاسكندرية في خامس ربيع الآخر سنة 576 هـ الأنساب/ 7/ 171 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 3، 4 وهامش الاكمال / 4/ 468، 469.
(3)
مقدمة السلفي لمعالم السنن للخطابي مع معالم السنن 8/ 146، وفتح المغيث للسخاوي 1/ 83 والتدريب/ 95 وكذا أطلق ابن الأثير عليه اسم الصحيح/ جامع الأصول 1/ 193 وقول السِّلَفي هذا نقله عنه أيضًا ابن الصلاح/ 60 المقدمة مع التقييد والإيضاح، وتعقبه بقوله: وهذا تساهل، لأن فيها -يغني سنن أبي داود والترمذي والنسائي- ما صرحوا -أي مؤلفوها- بكونه ضعيفًا، أو منكرًا، أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف
…
والترمذي مصرِّح فيما في كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن هـ. وقد تعقب العراقي ابن الصلاح فقال: وإنما قال السلفي: بصحة أصولها وكذا ذكره في مقدمة الخطابي، فقال: وكتاب أبي داود فهو أحد الكتب الخمسة التي اتفق أهل الحل والعقد من الفقهاء وحفاظ الحديث الاعلام النبهاء على قبولها والحكم بصحة أصولها. قال العراقي: ولا يلزم من كون الشيء له أصل صحيح أن يكون هو صحيحًا
…
التقييد والإيضاح/ 62؛ لكن الحافظ ابن حجر انتصر لابن الصلاح فعقب على قول العراقي المتقدم، فقال: قلت: وحاصله توهيم ابن الصلاح في نقله لكلام السلفي، وهو في ذلك تابع للعلامة مغلطاي، وما تضمنه -يعني كلام العراقي- من الانكار ليس بجيد، إذ العبارتان جميعًا موجودتان في كلام =
مُخَرّجُه أو غيره (1).
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: وليس في قدر كتاب (2)
= السلفي؛ لكن ما نقله مغلطاي وتبعه شيخنا -يعني العراقي- أسبق، ثم عاد السلفي وقال ما نقله ابن الصلاح عنه بزيادة، قال ابن حجر: ولفظه: وأما السنن فكتاب له [صيت] في الآفاق، ولا يُرَى مثله على الإطلاق، وهو أحد الكتب الخمسة التي اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب
…
".
ثم قال ابن حجر: وإذا تقرر هذا ينبغي حمل كلام السلفي على نحو ما حملنا عليه كلام الحاكم، قال: وقد سَبَق إلى نحو ذلك الشيخ محيي الدين -النووي- فقال إثر كلام السلفي: مراده بهذا أن معظم الكتب الثلاثة يحتج به، أي صالح لأن يحتج به؛ لئلا يَرِدُ على إطلاق عبارته المنسوخ والمرجوح عند المعارضة، والله أعلم هـ./ مقدمة ابن الصلاح والتقييد والايضاح/ 62 ونكت الحافظ ابن حجر/ ل 63 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 84، أقول: وما ذكره العراقي من أن كلام السلفي السابق مذكور في مقدمة الخطابي، وأقره تلميذه ابن حجر وزاد عليه، ومِن بعدِهما السخاوي، هو موجود فعلًا في مقدمته لمعالم السنن للخطابي كما تقدمت الإحالة عليها، ومنها صوبت نص ما نقله الحافظ ابن حجر عنها بلفظه كما مر.
(1)
نقل السخاوي عن الحافظ العراقي في شرحه الكبير لألفيته: أن حمل ابن سيد الناس قول السلفي على هذا يقتضي أن ما كان في الكتب الخمسة مسكوتًا عنه، ولم يصرح بضعفه، يكون صحيحًا، ثم قال العراقي: وليس هذا الاطلاق صحيحًا، بل في كتب السنن أحاديث لم يتكلم فيها الترمذي أو أبو داود، ولم نجد لغيرهم فيها كلامًا ومع ذلك فهي ضعيفة، ثم قال: وأحسن من هذا قول النووي
…
وساق كلام النووي السابق ثم قال: ويجوز أن يقال: إنه لم يعتبر الضعيف الذي فيها لقلته بالنسبة الى النوعين هـ فتح المغيث للسخاوي 1/ 83، 84.
(2)
عبارة ابن العربي: وليس فيهم مثل كتاب أبي عيسى: حلاوة مقطع
…
الخ/ عارضة الأحوذي 1/ 5.
أبي عيسى مثله.، حلاوة مَقْطَع، ونفاسة مَنْزَع، وعذوبة مَشْرَع، وفيه أربعةُ عشر علمًا فرائد: صَنَّف (1)، وذلك أقرب إلى العمل، وأسند وصحح، وأشهر (2)، وعدد الطرق، وجَرَّح وعدَّل، وأَسْمَى، وأكْنَى، ووصَل وقطَع، وأوضح المعمول به والمتروك، وبين اختلاف العلماء في الرد والقبول لآثاره، وذكر اختلافهم في تأويله.
وكل علم من هذه العلوم أصل في بابه، فرد في نصابه (3). قال الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن رُشَيْد (4) رحمه الله: هذا الذي قاله القاضي أبو بكر رحمه الله في بعضه تداخل، مع أنه لم يستوفِ تعديد علومه، ولو عدد ما في الكتاب من الفوائد -بهذا
(1) أي: بوب ووضع عناوين للأبواب مستنبطة من معاني الأحاديث، كقوله: أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك ثم وزع الأحاديث أصنافًا تحت الأبواب الدالة عليها، وبذلك سهل على الأمة العمل بتلك الأحاديث فيما دلت عليه/ انظر الجامع للخطيب البغدادي 2/ 284، 285، ط الطحان.
(2)
عارضة الأحوذي / 1/ 6 وفيها "أسلم" ولكن المعنى عليه غير واضح.
(3)
العارضة 1/ 6.
(4)
هو الإمام المحدث محب الدين أبو عبد الله، محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن إدريس أو (أويس) بن سعيد بن مسعود بن حسن بن محمد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي، كان عالي الإسناد، صحيح النقل تام العناية بصناعة الحديث قَيِّمًا عليها بصيرًا بها، محققًا فيها، قرأ ببلده، ثم رحل إلى مصر والشام والحجاز، ومن شيوخه: الدمياطي، والقُطْب القسطلاني، وله رحلة سماها "مِلْء العَينة" ضمنها شيوخه ورحلاته، ومن مؤلفاته: تَرْجُمان التراجم على أبواب البخاري - مولده سنة 657 هـ بسبتة ووفاته بفاس في محرم سنة 721 هـ/ طبقات الحفاظ للسيوطي 524، 525 ولحظ الألحاظ لابن فهد/ ضمن ذيول تذكرة الحفاظ 96 - 99.
الاعتبار- لكانت علومه أكثر من أربعة عشر؛ فقد حسَّن، واستغرب، وبَين المتابعة والانفراد، وزيادات الثقات وبين المرفوع من الموقوف، والمرسَلَ من الموصول، والمزيدَ في مُتصلِّ الأسانيد، ورواية الصحابة بَعضِهم عن بعض، ورواية التابعين بَعضِهم عن بعض، ورواية الصاحب عن التابع، وعدد من روى ذلك الحديث من الصحابة ومن تثبت صحبته ومن لم تثبت، ورواية الأكابر عن الأصاغر إلى غير ذلك، وقد تدخل رواية الصاحب عن التابع تحت هذا، وتاريخ الرواة.
وأكثر هذه الأنواع قد صُنف في كل نوع منها، وفي الذي بيناه ما هو أهم للذكر.
والأجْرَى على واضح الطريق أن يقال: إنه تضمن الحديث مصنفًا على الأبواب، وهو علم (1) برأسه، والفقه عِلْم ثان، وعلل الأحاديث، ويشتمل على بيان الصحيح من السقيم، وما بينهما من المراتب، علم ثالث، والأسماء والكنى، رابع، والتعديل والتجريح، خامس، ومن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ممن لم يدركه ممن أسند عنه في كتابه، سادس، وتعديد من روى ذلك الحديث، سابع. هذه علومه الجُمْلية.
وأما التفصيلية/ فمتعددة، وبالجملة فمنفعته كبيرة، وفوائده كثيرة، انتهى مما ذكره ابن رشيد.
ومما لم يذكراه أيضًا ولا أحدهما: ما تضمنه من الشذوذ وهو نوع ثامن، ومن الموقوف، وهو تاسع، ومن المدرج، وهو عاشر، وهذه
(1) بالأصل: "على" ولا يستقيم المعنى عليها، والمثبت من مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 356.
الأنواع مما يكثر في فوائده التي تُسْتَجاد منه، وتُستفاد عنه.
وأما ما يقل فيه وجوده من الوفيات، أو التنبيه على معرفة الطبقات وما يَجري مجرى ذلك، فداخِل فيما أشار إليه من فوائده التفصيلية. وسيأتي الكلام على هذه الأنواع، وما للناس فيها من تعريفات ورسوم تامة أو ناقصة، عند ذكر العلل في آخر الكتاب، حيث هو موضوع فيه، حاشا الحسن وما قد يقترن به من صحيح تارة، وغريب أخرى، في قوله: حسن صحيح، وآخر: غريب، أو الجمع بينهما (1) وما استدعى ذلك الكلام عليه مما هو واقع في طريقه على سبيل الاختصار، فإني أذكره هاهنا لغرضين.
أما الأول: فلأنه -أعني الحسن- كثير في كتابه، قليل عمن تقدمه، لا سيما على الوضع المصطلَحِ عليه عنده (2).
(1) أي بين الصحة وبين الغرابة مع الحُسن كقوله: حسن صحيح غريب، وانظر شرح العلل لابن رجب 1/ 342.
(2)
قوله: "قليل عمن تقدمه لا سيما على الوضع المصطلح عليه عنده" يفيد أن الحسن استُعمِل ولو قليلًا عند من تقدموا على الترمذي على الوضع المصطلح عليه عنده، وهذا ما يُفهَم مما نقله المؤلف بعد قليل عن ابن الصلاح، من أن الترمذي أكثر ذكر الحسن في جامعه، وأنه يوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبلهم، وكذا قرر غير واحد من علماء المصطلح الذين اشتغلوا بشرح جامع الترمذي كما سيأتي ذكره عنهم، لكن المؤلف سيأتي بعد هذا تصريحه أكثر من مرة بأن الترمذي لم يسبقه أحد إلى مراده بالحديث الحسن، وهذا كما ترى مخالف لما يُفهَم من عبارته هنا، فصار بين قوليه تناقض، وقوله الأول هنا هو الصواب إن شاء الله، ولذا سنردُّ عليه قوله الثاني بالدليل عند أول موضع يرد فيه بعد قليل/ ص 196 وما بعدها.
الثاني: أنه ربما جر الكلام عليه، إلى ما يقتضي الجواب عما ظاهره التناقض من تصرفاته في مواضع (1).
أحدها: الحكم بالإسناد الواحد -أو ما هو في معناه- على الحديثين، أو الأحاديث، بالحُسن في أحد الطرفين، والصحة في الأخر، مما يُوْرَد ذلك عليه (2)، كما فعله ابن القطان وغيره، لِمَا هو المعروف من أن جُل الحكم على الحديث إنما هو تبع للحكم على سنده.
الثاني: حيث يقول: حسن صحيح، في الحكم على الحديث الواحد؛ لما هو مستقر من مرتبة الصحيح، وما قرره الترمذي في (3) قصور الحسن عنده عن مرتبة الصحيح، فأثبتَ له من الصحة ما نفاه عنه بالحُسْن.
الثالث: حسن غريب؛ لا قرر في الحسن، من أنه لا يكون شاذًا وأن يروى من غير وجه نحو ذلك (4)، وهذا ظاهره ينافي الغرابة، وربما جمع فقال: صحيح حسن غريب (5).
فنقول: قال الإمام أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله كتاب الترمذي أصل في معرفة الحسن، وهو الذي نوه باسمه، وأكثر من ذكره في جامعه، ويوجد في متفرقات، من كلام بعض مشايخه، والطبقة التي قبلهم.
(1) بالأصل "موضع" وما أثبته هو الذي يستقيم المعنى عليه.
(2)
أي يُعتَرضُ عليه فيه.
(3)
كذا الأصل والأقرب "من".
(4)
انظر جامع الترمذي/ كتاب العلل / 5/ 413.
(5)
انظر مثلًا الجامع 2/ 9 ح 506، / 100، 101 ح 689.
[كأ](1) حمد بن حنبل، والبخاري -المفضل (2) -؛ ولكن لم يذكر الإمام أبو عمرو: هل هو في مصطلح من تقدم الترمذي كما هو في مصطلحه، أو لا؟ بل لعله عند قائليه من المتقدمين يجري مجرى الصحيح، ويدخل في أقسامه؛ فإنهم لم يرسموا له رسمًا يقف الناظر عنده، ولا عرَّفوا مُرادهم منه بتعرِيف يجب المصير إليه ولم يذكر الترمذي في التعريف به ما ذكر حاكيًا عن غيره، ولا مشيرًا إلى أنه هو الاصطلاح المفهوم من كلام مَن تقدمه (3)؛ بل ذَكر مَا ذَكر مِن
(1) مَمحُوَّة بالأصل وأثبتها من كتاب ابن الصلاح/ 32.
(2)
قوله "المفضل" ليست في كلام ابن الصلاح ولعل المؤلف زادها لتحصل السجعة مع: أحمد بن حنبل/ مقدمة ابن الصلاح/ 32.
(3)
قرر المؤلف هنا:
1 -
أن الترمذي وابن الصلاح لم يتعرضا لبيان اصطلاح الحسن عند المتقدمين على الترمذي، ولا لبيان علاقة الحسن عنده بالحسن عندهم.
2 -
أعرب عن ميله إلى أن الحسن عند قائليه من المتقدمين على الترمذي قسم من الصحيح، وسيأتي بعد قليل قطعه بذلك صراحة حيث نقل قول ابن الصلاح: إن من أهل الحديث من يجعل، لحسن مندرجًا في أنواع الصحيح، ثم عقب على ذلك بقوله: وإشارة من أشار إلى أن ما وقع من ذلك في كلام أحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما محمول على الصحيح، جديرة بالصحة، خليقة بالعثور على المراد، ص 296.
وسيأتي أيضًا قوله: إن الترمذي لم يسبقه أحد إلى مراده بالحسن، ص 278.
وقوله: وليس وضع الحسن على هذا النوع من الحديث مما تقدم الترمذي وضعه، حتى يُشاحَحَ في إطلاقه ويُطلبَ منه اطراد رَسْمه منفردًا أو مُقتَرِنًا بالصحة، وأيد ذلك بقول ابن الصلاح المتقدم انظر ص 295.
هذه خلاصة ما قرره المؤلف هنا وفيما سيأتي، ولكننا نجد من العلماء الذين مارسوا جامع الترمذي وعلم المصطلح في عصر المؤلف وما بعده، نجد من هؤلاء =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= من تعرض لبيان ما أغفله الترمذي وابن الصلاح، مع مخالفتهم للمؤلف فيما قرره من أن الحسن عند قائليه من المتقدمين قسم من الصحيح، وأن الترمذي لم يسبق إلى مراده بالحسن، وأهم من وقفتُ على كلامه في هذا، الحافظ ابن رجب -وهو معاصر للمؤلف ومن شراح الترمذي- ثم الحافظ ابن حجر وهو من شراح الترمذي أيضًا والمشتغلين المحققين في علم مصطح الحديث.
وخلاصة كلامهما: أن العلماء قبل الترمذي منهم من أطلق الحسن على غير المعنى الاصطلاحي له بنوعيه، أعني الحسن لذاته ولغيره عند الترمذي ومَن بعده. ومنهم من اختلف اطلاقه للحسن فلم يتعين مراده به، ومنهم من أطلقه بالمعنى الاصطلاحي للنوعيين، وعن بعض هؤلاء أخذ الترمذي واستمد.
1 -
فَمِمَّن أطلق الحسن على غير المعنى الاصطلاحي بنوعيه: ابراهيم النخعي، وشعبة بن الحجاج، ومالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد رضي الله عنهم، وبيان ذلك أن الخطيب البغدادي والرامهرمزي قد رويا بسنديهما عن إبراهيم النخعي قال: كانوا -يعني المحدثين- يكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن حديثه، أو أحسن ما عنده، قال الخطيب: عَنَى ابراهيم بالأحسن: الغريب؛ لأن الغريب غير المألوف يستحسن أكثر من المشهور المعروف، وأصحاب الحديث يعبرون عن المناكير بهذه العبارة، ولهذا قال شعبة بن الحجاج، لما سئل: ما لَكَ لا تروي عن عبد الملك بن أبي سليمان، وهو حسن الحديث؟، فقال: من حسنها فررت، ويؤيد ذلك ما رواه الرامهرمزي بسنده عن ابراهيم النخعي أيضًا، قال: لا تحدث الناس بأحسن ما عندك فيرفضوك.
ومن ذلك أيضًا ما حكى عن سفيان الثوري أنه كان إذا كان الحديث حسنًا لم يكد يحدث به، ولذلك أورد الخطيب قول إبراهيم النخعي الأول تحت باب "استحباب الرواية عن المشاهير والصدوف عن الغرائب والمناكير"، وبَوَّب الرامَهرمزي على ما تقدم عن ابراهيم وسفيان: باب من كره أن يَرْوي أحسن ما عنده/ انظر الجامع للخطيب 2/ 100، 101 والمحدث الفاصل للرامهرمزي 561 - 564 بتصرف والجرح والتعديل 1/ 146.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأما الإمام مالك فأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن ابن وهب قال: سمعت مالكا سئل: عَن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء فقال: ليس ذلك على الناس. قال [ابن وهب]: فتركته حتى خف الناس فقلت له: عندنا في ذلك سنة، فقال: ما هي؟ قلت: حدثنا الليث بن سعد، وابن لهيعة، وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحُبلي عن المستورد بن شداد القرشي، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه فقال: ان هذا الحديث حسن، وما سمعت به قط إلا الآن.
قال [ابن وهب]: ثم سمعته بعد ذلك يُسأل فيأمر بتخليل الأصابع/ الجرح والتعديل 1/ 31، 32 وعندما ندرس اسناد هذا الحديث، فإننا نجده حسنًا لغيره؛ لأن ابن لهيعة مقرون بعمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة/ التقريب 2/ 67 وبقية رواته ثقات ما عدا يزيد بن عمرو المعافري، فقد وثقه ابن حبان وقال أبو حاتم: لا بأس به وقال الحافظ ابن حجر صدوق/ التهذيب 11/ 351 والتقريب 2/ 369، لكن سياق القصة السابقة يفيد أن مالكًا قصد بحسنه غرابته عليه مع أنه أخذ به؛ وأيضًا فإن المؤلف قد أورده ضمن أنواع الحديث الغريب كما سيأتي مع حكمه بصحته/ ص 312، 313.
وأما الإمام الشافعي فقد أخرج بسنده حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: إن ناسًا يقولون: إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس.
قال ابن عمر: ولقد ارتقيت على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلًا بيت المقدس لحاجته،
ثم قال الشافعي: وحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، مسند حسن الإسناد، اختلاف الحديث بهامش الأم 7/ 269، 271، 272 والإفصاح لابن حجر 51 ب، والتقييد والإيضاح للعراقي/ 52 والنكت الوفية للبقاعي/ 71 ب/ وسيأتي في الأصل ذكر المؤلف له/ ص 871. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وكذا قال عن حديث منصور عن ابراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، في السهو في الصلاة/ الافصاح/ 51 ب، ويلاحظ أن هذين الحديثين صحيحان، متفق عليهما، فالأول أخرجه البخاري/ مع الفتح - كتاب الوضوء، باب من تبرز على لبنتين، وباب التبرز في البيوت 1/ 246، 250 ومسلم - كتاب الطهارة باب الاستطابة 1/ 225، وأخرجه الترمذي في جامعه، كتاب الصلاة - باب الرخصة في استقبال القبلة ببول أو غائط، وقال: حديث حسن صحيح/ جامع الترمذي 1/ 16، والحديث الثاني أخرجه البخاري -مع الفتح كتاب الصلاة- باب التوجه نحو القبلة حيث كان 1/ 503، ومسلم في كتاب المساجد - باب السهو والسجود له 1/ 400 أحاديث/ 89، 90، والإفصاح 51 ب.
ولهذا قال الحافظ ابن حجر: إن حكم الشافعي هذا بالحُسْن خلاف الاصطلاح/ 51 ب. يعني اصطلاح المتأخرين.
وأما الإمام أحمد فإنه سئل فيما حكاه الخلال - عن أحاديث نقض الوضوء بمس الذكَر، فقال: أصح ما فيها حديث أم حبيبة رضي الله عنها/ الإفصاح/ 51 ب والحديث أخرجه ابن ماجه في سننه -كتاب الطهارة- باب الوضوء من مس الذكر 1/ 162 من طريقين عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة، وقد أخرج الترمذي في جامعه سنده، ولم يسُق متنه لذكره قبله حديث بُسرة الآتي، وهو بنحو حديث أم حبيبة، ثم قال: قال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب صحيح، ثم قال: وقال محمد -يعني البخاري- لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة، قال الترمذي: وكأنه -أي البخاري- لم ير هذا الحديث صحيحًا 1/ 56 وذكر هذا الخلاف في تصحيح الحديث في كتاب العلل الكبير أيضًا ولم يرجح شيئًا / ترتيب العلل الكبير/ ق 9 وقد أعل البوصيري الحديث بالانقطاع لعنعنة مكحول وهو مدلس، ولقول البخاري السابق: إن مكحولًا لم يسمع من عنبسة عن أم حبيبة/ مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للبوصيري 1/ 69، وبمثله قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان/ المراسيل لابن أبي حاتم/ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 211 وعلل الحديث له / 1/ 38، 39، لكن الحافظ ابن حجر رد على القول بعدم سماع مكحول من عنبسة، ومال إلى تصحيح الحديث، التلخيص الحبير 1/ 124 وقال الخلال: إن أحمد سئل عن حديث بسرة رضي الله عنها في نقض الوضوء من مس الذكر أيضًا فقال: صحيح/ الإفصاح/ 51 ب والحديث أخرجه أبو داود -كتاب الطهارة- باب الوضوء من مس الذكر 1/ 125، 126 حديث 81 والنسائي -كتاب الطهارة- باب الوضوء من مس الذكر 1/ 100، 216 وابن ماجه كتاب الطهارة - باب الوضوء من مس الذكر 1/ 161 حديث 479 والترمذي -كتاب الطهارة- باب الوضوء من مس الذكر، وقال: حديث حسن صحيح، ونقل عن البخاري قوله: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة 1/ 126 - 129 حديث 82، وقد أخرج أحمد الحديث من طريق الترمذي التي صححها، وغيرها/ المسند 6/ 406، 407.
وقال الخلال: حدثنا أحمد بن أصرم أنه سأل أحمد عن حديث أم حبيبة السابق ذكره في الوضوء من مس الذكر، فقال: حديث حسن/ الإِفصاح/ 51 ب، ويلاحظ أنه تقدم قوله عن نفس الحديث: إنه أصح ما في الباب، وقال عن حديث بسرة في الباب: صحيح، فمقتضى ذلك أن يكون حديث أم حبيبة عنده أصح من حديث بسرة الصحيح، مع أنه وصف حديث أم حبيبة بأنه حسن، ولذا قال الحافظ ابن حجر: فظاهر هذا أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي؛ لأن الحسن لا يكون أصح من الصحيح/ الإفصاح/ 51 ب.
2 -
وممن اختلف اطلاقه للحسَن: أبو حاتم الرازي، ففي ترجمة عمرو بن محمد، الذي يروي عن سعيد بن جبير قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: هو مجهول والحديث الذي رواه عن سعيد بن جبير، حسن/ الجرح والتعديل 6/ 262، قال الحافظ ابن حجر تعليقًا على هذا: وكلام أبي حاتم هذا محتمل؛ فإنه يُطلِق المجهول على ما هو أعم من المستور وغيره، فيحتمل أن يكون حكم على هذا الحديث بالحسن؛ لأنه روي من وجه آخر، فيوافق كلامه كلام =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الترمذي -يعني في تعريف الحسن، كما نقله عنه المؤلف- قال الحافظ: ويحتمل أن يكون حكم بالحسن وأراد المعنى اللغوي أي أن متنه حسن والله أعلم/ الإفصاح 51 ب/ أقول وسيأتي موقف الشارح من إطلاق الحسن بالمعنى اللغوي على المتن ومناقشته بعد قليل.
ثم إنه قد جاء عن أبي حاتم أنه قال عن عمرو بن حصين البصري: هو ذاهب الحديث ليس بشيء، أخرج أول شيء أحاديث مشبهة خسانًا، ثم أخرج بعدُ لابن عُلَاثة -أحد شيوخه- أحاديث موضوعة فأفسد علينا ما كتبنا عنه؛ فتركنا حديثه/ الجرح والتعديل 6/ 229، وقد اعتبر السيوطي قول أبي حاتم هذا من إطلاق الحسن بالمعنى الاصطلاحي/ التدريب 1/ 178 مع أن سياقه يدل على أن مراده به المقبول، وهو أعم من الحسن كما هو معروف؛ لكن نقل عنه البقاعي إطلاقه الحسن بمعنى غير المحتج به، وهوعكس قوله المتقدم فقد ذكر البقاعي عن ابن أبي حاتم أنه قال: سألت أبي عن حديث فقال: إسناده حسَن، فقلت يحتج به؟ فقال: لا/ النكت الوفية للبقاعي/ 165 وجاء عنه أيضًا وصف بعض الأحاديث بقوله: صحيح حسن غريب/ شرح العلل لابن رجب 1/ 343.
3 -
وممن وافق اطلاقه للحسن المعنى الاصطلاحي لنوعي الحسن، الإمام علي بن المديني؛ فإنه -كما قال الحافظ ابن حجر- قد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن، في مسنده، وفي علله، قال الحافظ: وظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي، وكأنه الإمام السابق بهذا الاصطلاح، وعنه أخذ البخاري، ويعقوب بن شيبة، وغير واحد وعن البخاري أخذ الترمذي.
فمن ذلك ما ذكره الترمذي في العلل الكبير/ ترتيب العلل/ ل 10 / أنه سأل البخاري عن أحاديث التوقيت في المسح على الخفين، فقال: حديث صفوان بن عَسَّال صحيح، وحديث أبي بكرة حسن.
وحديث صفوان أخرجه الترمذي في جامعه في لطهارة باب المسح على الخفين =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= للمسافر والمقيم 1/ 159 - 162 حديث 96، وفي الدعوات - باب ما جاء في فضل التوبة والاستغفار 5/ 204 - 206 حديثي 3601، 3602، وهو في كلا الموضعين من طريق عاصم بن أبي النجود، ومع هذا قال الترمذي في الموضعين: حسن صحيح، وفي باب المسح على الخفين نقل عن البخاري قوله: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عَسَّال المُرادي، مع أنه نقل عنه في العلل كما تقدم: أنه صحيح. وكذا قال الحافظ ابن حجر: وحديث صفوان المشار إليه موجود فيه شرائط الصحة/ الإفصاح 25 أ، مع أن في سنده كما قدمت: عاصمًا بن أبي النجود وقد قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام، وحديثه في الصحيحين مقرون/ التقريب 1/ 283، فلعل تصحيحه لما وُجِد من متابعات لعاصم تفيد خروج هذا الحديث عما وَهِم فيه، فقد قال الترمذي بعد تخريج الحديث وتصحيحه: وقد رُوِي هذا الحديث عن صفوان بن عَسال أيضًا من غير حديث عاصم/ الترمذي 1/ 162 ط شاكر، وذكر الحافظ في التلخيص بعض من تابعوا عاصمًا عليه، وأشار إلى غيرهم/ التلخيص الحبير 1/ 157.
وأما حديث أبي بكرة فقد أخرجه ابن ماجه -كتاب الطهارة- باب التوقيت في المسح 1/ 184 حديث 556، وابن الجارود في المنتقى -كتاب الطهارة- باب المسح على الخفين/ 39 حديث 87، والدارقطني في سننه - كتاب الطهارة باب الرخصة في المسح على الخفين 1/ 194 حديث 1، ثلاثتهم من طريق المهاجر بن مخلد أبو مخلد، كما ذكر ابن حجر أن ابن حبان أيضًا قد أخرجه وكذا الشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي والترمذي في العلل المفرد/ التلخيص الحبير 1/ 157. قلت: ولكني لم أجده من طريق المهاجر في ترتيب العلل/ ل 10، ولم أجد تخريج البيهقي له من طريق المهاجر المذكور؛ ولكنه أشار إليها فيه فقط وقال: انها الأولى أن تكون محفوظة السنن 1/ 276، باب التوقيت في المسح، ووجدت تخريج ابن حبان له من طريق المهاجر/ الإحسان 2/ 447 حديث 1318.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر تحسين البخاري للحديث، وتخريجه من ابن ماجه من طريق المهاجر كما تقدم ثم قال: والمهاجر، قال وهيب: إنه كان غير حافظ، وقال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ابن معين: صالح، وقال الساجي: صدوق، وقال أبو حاتم: لين الحديث، يكتب حديثه، فهذا على شرط الحسن لذاته كما تقرر/ الافصاح 52 أ / أقول: وقوله: كما تقرر، إشارة إلى أنه قبل هذا بقليل قال: إن رواية الصدوق الذي لم يوصف بتمام الضبط والاتقان، مع اتصال السند، فهذا هو الحسن لذاته وهو الذي لم يتعرض الترمذي لضبطه -يعني تعريفه كما عَرَّف الحسن لغيره / الافصاح 47 أ، ثم لما انتهى الحافظ إلى تحسين الحديث لذاته من طريق المهاجر، قال: وإن كان ابن حبان أخرجه في صحيحه فذاك جرى على قاعدته في عدم التفرقة بين الصحيح والحسن، فلا يُعتَرَض به/ الافصاح 52 أ.
أقول: لكن بقي على الحافظ أنه قال عن المهاجر المذكور في التقريب 2/ 278: إنه مقبول، واصطلاحه في هذا الكتاب لا يفيد أن من قال عنه: مقبول، يكون حديثه حسنًا لذاته/ انظر مقدمة التقريب 1/ 5.
ثم ذكر الحافظ ممن أطلق الحسن بالمعنى الاصطلاحي عند الترمذي، الامام البخاري فقال: وذكر الترمذي أيضًا -في الجامع- أنه سأل البخاري عن حديث شريك بن عبد الله النخعي عن أبي إسحق عن عطاء بن أبي رباح عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من زرع في أرض قوم بغير أذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته -وهو من إفراد شريك عن أبي إسحق- فقال البخاري: هو حديثه حسن/ الإفصاح/ 52 أ.
أقول: والحديث أخرجه الترمذي في كتاب الأحكام - باب من زرع في أرض قوم 3/ 639، 640 حديث 1366 وبقية كلام البخاري عنه: لا أعرفه من حديث أبي إسحق إلا من رواية شريك، وساق سنده به من طريق عقبة بن الأصم عن عطاء عن رافع بن خَديج، وقد حسن الترمذي الحديث وتقاربت عبارته من عبارة البخاري السابقة، فقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث أبي إسحق إلا من هذا الوجه من حديث شريك بن عبد الله اهـ. قال الحافظ ابن حجر: وتفرد شريك بمثل هذا الأصل عن أبي إسحق، مع كثرة الرواة عن أبي إسحق مما يوجب التوقف عن الاحتجاج به، لكنه اعتضد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بما رواه الترمذي أيضًا -يعني عن البخاري كما تقدم- من طريق عقبة بن الأصم عن عطاء عن رافع رضي الكه عنه فَوَصَفه -أي البخاري- بالحُسن لهذا، وهذا على شرط القسم الثاني-يعني الحسن لغيره- فبان أن استمداد الترمذي لذلك إنما هو من البخاري، ولكن الترمذي أكثر منه، وأشاد بذكره، وأظهر الاصطلاح فيه، فصار أشهر من غيره والله أعلم، الافصاح/ 52 ب.
أقول وهذا الذي قرره الحافظ ابن حجر ودعمه بالأمثلة التطبيقية، وإن كان في بعضها نظر كما قدمت، فقد قرر نحوه الحافظ ابن رجب أيضًا من قَبْلِه، وذلك بعد ممارسته لشرح جامع الترمذي كاملًا ووصوله إلى كتاب العلل الصغير الذي في آخره، حيث ذكر تقسيم الترمذي الحديث في جامعه إلى صحيح وحسن وغريب، وأنه قد يجمع تلك الأوصاف الثلاثة لحديث واحد وقد يذكر اثنتين منها أو واحدًا، ثم قال: وقد نسب طائفة من العلماء الترمذي إلى هذا التفرد بهذا التقسيم، ولا شك أنه هو الذي اشتهرت عنه هذه القسمة، وقد سبقه البخاري إلى ذلك كما ذكره الترمذي عنه في كتاب العلل: أنه قال في حديث البحر "هو الطهور ماؤه": هو حديث حسن صحيح، وأنه قال في أحاديث كثيرة: هذا حديث حسن، هـ انظر شرح العلل لابن رجب 1/ 342، 343 وجامع الترمذي - كتاب الطهارة باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور 1/ 100، 101 حديث 69، وقال: حسن صحيح، وفي ترتيب العلل/ ل 7 أن البخاري قال: صحيح، فقط وفي هامشه تعقب لابن عبد البر على تصحيح البخاري للحديث بهذا الإسناد. والله أعلم.
وقد ذكر السخاوي أن ابن المديني أطلق الحسن على ما يعتبر حسنًا لذاته وأطلقه البخاري على ما يعتبر حسنًا لغيره، ثم ذكر أن الترمذي هو الذي أكثر من التعبير به ونوه بذكره، ثم ذكر مثالًا لما حسنه البخاري وصححه الترمذي وغيره (انظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 69، 72، 73).
أما ما ذكره المؤلف من أن الترمذي لم يشر إلى أن هذا هو الاصطلاح المفهوم من كلام من تقدمه، فسيأتي الجواب عليه في التعليق على نص عبارة الترمذي من تعريف الحسن، في الصفحة التالية، وما بعدها.
ذلك حاكيًا عن مصطلحه مع نفسه في كتابه الجامع، فقال: وما ذكرنا في هذا الكتاب: حديث حَسن، فإنما أردنا حُسْن إسناده، عندنا كُلُّ حديث يُروَى لا يكون في إسناده من يُتهَمُ بالكذب، ولا يكون الحديث شاذًا، ويروى من غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن (1).
فهذا كما ترى - إخبار عن مصطلحه في هذا الكتاب، فلو قال في كتاب غير هذا عن حديث بأنه حسن، وقال قائل: ليس لنا أن نفسر الحسن هناك بما هو مفسر به هنا إلا بعد البيان، لكان له ذلك (2).
(1) العلل الصغير مع شرحه لابن رجب / 1/ 340.
(2)
هذا الذي قرره المؤلف من أن كلام الترمذي السابق حكاية عن مصطلحه مع نفسه وفي كتابه الجامع فقط عَده العراقي استشكالًا على من اعتبر تعريف الترمذي المذكور للحسن اصطلاحًا عامًا لأهل الحديث كابن الصلاح حيث اعتبر تعريف الترمذي تعريفًا اصطلاحيًا عامًا لأحد نوعي الحسن عند أهل الحديث/ المقدمة مع التقييد والإيضاح/ 46، 47 وقد تابعه على هذا من جاء بعده، ومنهم الحافظ العراقي في ألفيته وشرحها له 1/ 84، 85، 88، 89 فلما نقل العراقي تعريف الترمذي المذكور للحسن علق عليه بقوله: ولكن استشكل أبو الفتح اليَعْمُري -في شرح الترمذي- كَوْنَ هذا الحد الذي ذكره الترمذي اصطلاحًا عامًا لأهل الحديث، ثم ساق -أي ابن سيد الناس- عبارته -أي عبارة الترمذي- ثم قال: أي ابن سيد الناس - فَقيَّد الترمذي تفسير الحسن بما ذكره في كتاب الجامع، قال العراقي: فلذلك قال أبو الفتح اليعمري، في شرح الترمذي: إنه لو قال قائل: إن هذا إنما اصطلح عليه الترمذي في كتابه هذا ولم ينقله إصطلاحًا عامًا كان له ذلك، ثم قال العراقي: فعلى هذا لا ينقل عن الترمذي حد الحديث الحسن بذلك مطلقًا بالاصطلاح العام/ التقييد والإيضاح/ 45 بتصرف يسير، والنكت الوفية/ 62 أ، ولم يجب العراقي عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= هذا في النكت على ابن الصلاح. وكذا ساقه السيوطي ولم يجب عنه/ التدريب 1/ 156 أما السخاوي فقد نقل عن العراقي في شرحه الكبير لألفيته أنه قال: الظاهر أنه -أي الترمذي- لم يرد بقوله: "عندنا كل حديث الخ"، حكاية اصطلاحه مع نفسه، وانما أراد أهل الحديث، كقول الشافعي: وإرسال ابن المسيب عندنا، أي أهل الحديث، فإنه كالمتفق عليه بينهم هـ فتح المغيث للسخاوي 1/ 64 ونحو هذا ذكر الحافظ ابن حجر فقال: إن الترمذي احتمل أن لا يوافقه غيره، على اصطلاخ الحسن لغيره أو يبادر أحد بالإنكار عليه إذا وَصَف في جامعه حديث الراوي الضعيف أوما إسنادُه منقطع بكونه حسنًا! فاحتاج إلى التنبيه على اجتهاده في ذلك وأفصَح عن مصطلحه فيه، ولهذا أطلق الحسن لَمَّا عرف به فلم يُقيده بغرابة وغيرها، ونسبه إلى نفسه وإلى من يرى رأيه فقال: عندنا كل حديث، إلى آخر كلامه/ الإفصاح/ 45 أ.
وقد عقب السخاوي على كلام العراقي السابق بأنه يُبعِدُه قول الترمذي: "وما ذكرناه في هذا الكتاب" وقوله: "فإنما أردنا به"، ثم قال: وحينئذ فالنون -يعني نا- في كلام الترمذي المذكور - لإظهار نعمة التلبس بالعلم المتاكد نعظيمُ أهلهِ، عملًا بقوله تعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (سورة الضحى آية 11).
مع الأمن من الإعجاب ونحوه المذموم معه مثل هذا/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 64، 65. أقول: ويمكن الجواب عن تعقيب السخاوي هذا بان كلام الترمذي عبارة عن فقرتين: الفقرة الأولى قوله: "وما ذكرنا في هذا الكتاب: حديث حسن فإنما أردنا حُسن إسناده" وهذه الفقرة يُحمل فيها الضمير "نا" على الترمذي وحده، على الاعتبار الذي ذكره السخاوي وهو إظهار نعمة التلبس بالعلم، ومقصود الترمذي بهذه الفقرة التنبيه على أن مقصوده بالحَسَن في جامعه عمومًا حُسْن الاسناد.
وأما الفقرة الثانية فهي قوله: عندنا كل حديث يروى
…
الخ. "وهذه جملة مستأنفة لبيان تعريف النوع المُشكِل -في نظره- مِنْ حُسن الإسناد عند أهل =
وأما غير الترمذي من طبقته وما قاربها، فإن الإِمام أبا عمرو رحمه الله زعم أن من مظان الحسن، كتاب أبي داود (1).
وإنما أخذ ذلك من قوله: ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه، وما يقاربه (2)
= الحديث كما ذكر العراقي، أو عند الترمذي ومن يرى رأيه كما قال ابن حجر، وعليه يكون ما وقع في جامع الترمذي من هذا -وهو عبارة- عن تطبيق من الترمذي لهذا التعريف العام، ويؤيد هذا ما نجده في غير موضع من الجامع، حيث يحكم الترمذي على الحديث بالحُسن ثم يتبع ذلك بنقل تحسينه أيضًا عن غيره، وأحيانًا تتقارب عبارته اللفظية مع عبارة مَن نَقل عنه، كما تقدم في حديث شريك: مَن زرع أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، راجع جامع الترمذي كتاب الأحكام باب مَن زرع في أرض قوم .... / 3/ 639، 640 حديث 1366؛ لكن الترمذي لما أكثر من تطبيق هذا الاصطلاح في جامعه وَنوَّه به صار أشهر به من غيره
…
والله أعلم.
(1)
مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 52.
(2)
قال السخاوي: لفظه فيما رويناه في تاريخ الخطيب 9/ 57 من طريق ابن داسة عنه: "ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه" وذكر أن مقتضى العطف هنا المغايرة، فما يشبه الشيء وما يقاربه ليس به، ولذا قيل: إن الذي يشبهه هو الحسن، والذي يقاربه الصالح، ولزم منه جعل الصالح قِسْمًا آخر، وقول يعقوب بن شيبة:"إسناد وسط ليس بالثبْت ولا بالساقط، هو صالح"، قد يساعده" / فتح المغيث للسخاوي/ 73 وقال البقاعي: الصحيح يمكن أن يريد به الصحيح لذاته، الثاني: شبهه، ويمكن أن يريد به الصحيح لغيره، الثالث مُقارِبه ويحتمل أن يريد به الحسن لذاته/ النكت الوفية/ 72 أ، وعلى أي من التفسيرين لا يكون تفسير المؤلف الآتي بعد قليل، من أن المراد بالجميع الصحيح مع تفاوته، غير مُسلم، وعبارة أبي داود هذه، بعض كتب المصطلح ذكرتها منسوبة =
وقد قال أبو داود: إنه يذكر في كتابه، في كل باب، أصح ما عرفه في ذلك الباب (1)، وقال: ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض (2)، فلم يرسم شيئًا بالحُسن، وعمله في ذلك شبيه بعمل مسلم -الذي لا ينبغي أن يحمل كلامه على غيره- أنه اجتنب الضعيف الواهي، وأتى بالقسمين: الأول والثاني (3)، وحديث مَن مَثَّل
= لأبي داود بدون تحديد مصدر لها مثل: مقدمة ابن الصلاح 52، وتقريب النووي 1/ 167 مع شرحه التدريب، وفتح المغيث للعراقي 1/ 45، وبعضها يعزوها إلى أبي داود في رسالته إلى من سأله عن اصطلاحه في كتابه (السنن) مثل: التقييد والإِيضاح/ 55، والنكت الوفية 72 أ، وكشف الظنون 2/ 1004، 1005، لكني رجعت إلى رسالة أبي داود المطبوعة طبعة محققة على نسخة موثقة وغيرها بواسطة الدكتور محمد الصباغ، فلم أجد بها هذا النص، وقال الحازمي في شروط الأئمة: وقد روينا عن أبي بكر ابن داسة أنه قال: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنت هذا الكتاب
…
وذكرت الصحيح، وما يشبهه وما يقاربه / شروط الأئمة للحازمي/ 55 ويفهم من تصرف الحازمي أن هذا الكلام ليس من رسالة أبي داود كما ذكرت المصادر السابقة، لأنه نقل أولًا نصًا من الرسالة وقال في نهايته: وذكر -أي أبو داود- باقي الرسالة، ثم قال: وقد رَوينا عن أبي بكر ابن داسة
…
الخ، وكما ذكر الحازمي ذكر الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن ابن داسة/ تاريخ بغداد، 9/ 57.
(1)
رسالة أبي داود الى أهل مكة/ 22.
(2)
رسالة أبي داود/ 27.
(3)
هذا تعبير من المؤلف عن معنى كلام مسلم، وذلك أنه في مقدمة صحيحه قال: ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت، وتأليفه على شريطة سوف أذكرها لَك، وهو: أن نعمد إلى جملة ما أُسنِد من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقسمها ثلاثة أقسام، وثلاث طبقات من الناس: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فأما القسم الأول: فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى، من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث، وإتقان لما نقلوا، لم يوجد في رواياتهم اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش
…
ثم قال:
فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارًا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان، كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم وإن كانوا -فيما وصفنا- دونهم فإن اسم الستر والصدق، وتعاطي العلم يشملهم، كعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سُلَيم وأضرابهم
…
فعلى نحو ما ذكرنا من الوجوه، نؤلف ما سألت من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون، أو عند الأكثر منهم، فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم، كعبد الله بن مِسْوَر، أبي جعفر المدائني، ثم قال: وكذلك مَن الغالب على حديثه المنكر أو الغلط، أمسكنا أيضًا عن حديثهم/. صحيح مسلم 1/ 4 - 7. وكلام الإمام مسلم صريح في أنه ذكر في صحيحه حديث القسم الأول استقصاءًا، وأتبعه ببعض أحاديث القسم الثاني وترك -كُلية- أحاديث القسم الثالث بأنواعه المذكورة، وهكذا قرر المؤلف، مع الإشارة إلى مطابقة ذلك لواقع الصحيح؛ ولكنه لم يوضح كيفية إيراد مسلم لحديث الطبقة الثانية، مع أن ذلك فهم في بيان ما هدف إليه من اثبات مشابهة عمل مسلم في صحيحه، لعمل أبي داود في سننه، ولكن قد أشار إلى ذلك القاضي عياض مِن قَبله، حيث قال: ووجدته -يعني مسلمًا- ذكر في أبواب كتابه حديث الطبقتين الأوليين، وأتى بأسانيد الطبقة الثانية منها على طريق الاتباع للأولى والاستشهاد، أو حيث لم يجد في الباب من الأولى شيئًا، ثم أضاف القاضي عياض قسمًا رأى أن مسلمًا لم يذكره عند تقسيم الطبقات، ولكنه ذكر بعضًا من حديثه على طريقة المتابعة والاستشهاد أيضًا في صحيحه، وذلك القسم هو المختلَف فيه من الرواة، فبعضهم اتهمه، وبعضهم صحح روايته، وبذلك يصبح عدد الأقسام التي ذكر مسلم حديثها ثلاثة، ويصبح القسم الذي تركه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= رابعًا، إلا أن القاضي عياضًا بعد أن ذكر هذا قال: ويحتمل أن يكون -يعني مسلمًا- أراد بالطبقات الثلاث: الحفاظ، ثم الذين يلونهم، والثالثة هي التي طرحها
…
/ شرح النووي لمسلم 1/ 33، 34 وتوضيح الأفكار 1/ 104، 105، وعلى كلا الاحتمالين فالقاضي عياض أوضح -كما ترى- أن ذكر مسلم لأحاديث الطبقة الثانية، أو القسم الثاني أغلبُه في المتابعات والشواهد، وهذا خلاف ما قرره الحافظ ابن حجر من أن الأمر اشتبه على القاضي عياض ومَن تبعه في أحاديث أهل القسم الثاني الموجودة في صحيح مسلم، وبالتالي رد عليهم بما سيأتي بعد قليل.
أما المؤلف فإنه ذكر إخراج مسلم للقسمين دون تفريق في كيفية الرواية عنهما، وبالتالي سوى بينه وبين أبي داود، وهذا هو المستحِق للرد الذي وجهه الحافظ ابن حجر للقاضي عياض ومَنَ تبعه كما أشرت من قبل، فقد قال الحافظ: الرواية عن أهل القسم الثاني موجودة في صحيحه -يعني مسلمًا- لكن فَرض المسألة هل احتج بهم كما احتج بأهل القسم الأول أم لا؟ ثم قال: والحق أنه لم يخرج شيئًا مما انفرد به الواحد منهم، وإنما احتج بأهل القسم الأول سواء تفردوا أم لا، ويخرج من أحاديث أهل القسم الثاني ما يترفع به التفرد عن أحاديث أهل القسم الأول، وكذلك إذا كان لحديث أهل القسم الثاني طرق كثيرة يعضُد بعضها بعضًا، فإنه يخرج ذلك، وهذا ظاهر بَيِّن في كتابه، ولو كان يخرج جميع أحاديث أهل القسم الثاني في الأصول؛ بل وفي المتابعات لكان كتابه أضعاف ما هو عليه، ألا تراه أخرج لعطاء بن السائب في المتابعات، وهو من المكثرين؟ ومع ذلك فما له عنده سوى مواضع يسيرة، وكذا محمد بن إسحق، وهو من بحور الحديث، وليس له عنده في المتابعات إلا ستة أو سبعة مواضع، ولم يخرج لليث بن أبي سُلَيم ولا ليزيد بن أبي زياد، ولا لمجالد بن سعيد، إلا مقرونًا، وهذا بخلاف أبي داود، فانه يخرج أحاديث هؤلاء في الأصول محتجًا بها، ولأجل ذا تخلف كتابه عن شرط الصحة / الإفصاح 53 ب، 54 أوفتح المغيث للسخاوي 1/ 78.
ومن هذا يظهر أن ابن حجر اقتصر على القول: بأن مسلمًا ذكر في كتابه حديث =
به من الرواة من القسمين موجود في كتابه، دون القسم الثالث (1)، فَهلَّا ألْزَم الشيخُ أبو عمرو مسلمًا من ذلك ما أَلزمَ به أبا داود؟، فمعنى كلامهما واحد، وقول أبي داود: وما يشبهه يعني: في الصحة، وما يقاربه، يعني: فيها أيضًا (2) وهو نحو قول/ مسلم: إنه ليس كل الصحيح نجده عند مالك، وشعبة، وسفيان. فاحتاج إلى أن ينزل إلى مثل حديث ليث بن أبي سليم (3) وعطاء بن
= القسم الأول احتجاجًا، والقسم الثاني استشهادًا غالبًا، والقسم الثالث تركه تمامًا، كما ذكر في مقدمة صحيحه.
أما البقاعي -وهو تلميذ ابن حجر- فمع تصريحه بأن مسلمًا لم يأت من حديث القسم الثالث بشيء كما سيأتي نقله عنه قريبًا، إلا أنه في رده التفصيلي على المؤلف -كما سيجيء- قرر أن مسلمًا قد يروي عن القسم الثالث في المتابعات، ولم يحدد مقصوده بالقسم الثالث، هل هو ما ذكره القاضي عياض زيادة على ما ذكره مسلم، وهم الرواة المختلف فيهم قبولًا وردًا -كما تقدم - أو هو- ما ذكره مسلم نفسه، وهم المتروكون لتهمة أو غلبة الخطأ والنكارة على حديثهم؟. أو هو ما ذكره الحازمي في شروط الأئمة وهم من لم يسلم من غائلة جرح - كما سيأتي بيانه قريبًا؟.
(1)
وهو الضعيف الواهي/ انظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 77.
(2)
تقدم جواب السخاوي والبقاعي عن هذا في الهامش رقم 3 ص 208 وما بعدها.
(3)
قال الذهبي: فيه ضعف يسير من سوء حفظه، وبعضهم احتج به، مات سنة 148 هـ. وقال المزي: استشهد به البخاري في الصحيح، وروى له مسلم مقرونًا بأبي إسحاق الشيباني/ الكاشف 3/ 14 وتهذيب الكمال 3/ 1155. قلت: ورواية مسلم التي أشار إليها المزي هي في كتاب اللباس والزينة - باب تحريم استعمال آنية الذهب وغيرها / صحيح مسلم 3/ 636 حديث 3 مكرر، وانظر تحفة الأشراف 2/ 63، 64 حديث 1916؛ لكن الحاكم عده فيمن أخرج له مسلم دون البخاري وذكر الرواية السابق ذكرها / المدخل إلى معرفة الصحيحين 1/ 407.
السائب (1)، ويزيد بن أبي زياد (2)، لما يشمل الكلَّ من اسم العدالة
(1) قال الذهبي: ثقة ساء حفظه بآخره، وقال أبو حاتم: سمع منه حماد بن زيد قبل أن يتغير، وأخرج البخاري له متابعة/ الكاشف - 2/ 265 ورواية البخاري التي أشار إليها الذهبي، في كتاب الرقاق - باب في الحوض ح 6578، مقرونًا بأبي بشر جعفر بن أبي وحشية، أحد الأثبات. وقال ابن حجر: ماله -يعني عطاء- عند البخاري إلا هذا الموضع - البخاري مع شرحه فتح الباري 11/ 463، 470 وهدي الساري/ 425 والمدخل إلى معرفة الصحيحين للحاكم 2/ 502، 653. وأما رواية مسلم له فقد أثبتها الحاكم فقال: روى له مسلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، في زيارة القبور، وغير هذا في الشواهد ونقل عن ابن معين قوله في عطاء مرة: لا يحتج بحديثه، ومرة أخرى قال: كان قد اختلط؛ فمن سمع منه قبل الاختلاط فهو جيد، ومن سمع منه بعد الاختلاط فليس بشيء، ثم قال الحاكم تعقيبًا على هذا: فمسلم لم يجاوز في معناه شرطه في الخطبة، في الاستشهاد بأمثاله من المحدثين/ المدخل إلى معرفة الصحيحين 2/ 563. أقول: ورواية مسلم التي أشار إليها الحاكم موجودة فعلًا في صحيحه - كتاب الجنائز/ باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه في زيارة قبر أمه 2/ 672 ح - 106 مكرر، ولم يوردها مسلم احتجاجًا، بل متابعة لرواية محارب ابن دِثَار -أحد الثقات- التي أخرجها مسلم قبل رواية عطاء المذكورة. ولعل تحديد الحاكم لموضع هذه الرواية في مسلم ولرواية ليث المتقدمة، وجوابه السابق عن تخريج مسلم لعطاء، لعل هذين الأمرين يفيدان أن قوله: إن مسلمًا عزم على تخريج الحديث على ثلاث طبقات من الرواة، فلم يُقدِّر له رحمه الله إلا الفراغ من الطبقة الأولى منه/ المدخل 1/ 27، ليس مقصوده به نفي رواية مسلم كلية عن الطبقة الثانية، كما فهم ذلك القاضي عياض وغيره وردوا على الحاكم بوجود أحاديث الطبقة الثانية هذه في مسلم، كعطاء بن السائب، وليث بن أبي سليم ويزيد بن أبي زياد/ انظر شرح النووي على مسلم بهامش القسطلاني 1/ 33 - 35 وتوضيح الأفكار 1/ 104 - 107.
(2)
رمز ابن حجر والمزي لتخريج البخاري له تعليقًا، وقا المزي والذهبي: أخرج =
والصدق، وإن تفاوتوا في الحفظ والإِتقان، ولا فرق بين الطريقين، غير أن مسلمًا شرط الصحيح، فَتَحَرَّج (1) من حديث الطبقة الثالثة، وأبا داود لم يشترطه، فذكر ما يشتد وَهنه عنده، والتزم البيان عنه وفي قول أبي داود: إن بَعضَها أصح من بعض، ما يشير إلى القدر المشترك بينهما من الصحة، وإن تفاوتت فيه، لما تقتضيه صيغة "أَفْعَل" في الأكثر (2).
= له مسلم مقرونًا، وعده الحاكم ممن انفرد مسلم عن البخاري به، وذكر أن مسلمًا أخرج له استشهادًا، وقال الذهبي: صدوق رديء الحفظ، لم يُترَك/ تهذيب الكمال 3/ 1534 الكاشف 3/ 278 والتقريب 2/ 365 والمدخل للحاكم 1/ 473.
(1)
قال البقاعي: قوله: فتحرَّج -بمهملتين وجيم- أي أن الحرج وهو الضيق الواقع من تلك الجهة [واجهه]، فتركه واجتنبه، فلم يأت بشيء من حديثهم لئلا يلزمه بذلك ضيق لقلة الوثوق بكتابه لطرد احتمال الضعف في كل حديث منه/ النكت الوفية/ 74 ب. لكن سيأتي عنه أن مسلمًا قد يخرج لأهل الطبقة الثانية في المتابعات، فلعل المقصود هنا ترك مسلم ذكر أحد من هذا القسم احتجاجًا، لأنه هو المتنازع فيه، أو لعل قصده فيما يأتي، الطبقة الثالثة حسب تقسيم الحازمي في شروط الأئمة كما سيأتي ذكره.
(2)
من قول المؤلف: "إن الإمام أبا عمرو -يعني - ابن الصلاح- زعم
…
إلى قوله: "في الأكثر" نقله عنه العراقي في شرحه لألفيته في المصطلح، وعزاه إلى شرح الترمذي هذا/ شرح التبصرة والتذكرة 1/ 98 - 100 وكذا نقله في التقييد والإيضاح/ 53، 54.
والكلام بطوله يعتبر تعقبًا على ابن الصلاح وقد اختلفت أنظار العلماء فيه، وأكثرهم رده، فقد قال السخاوي: قال بعض المتأخرين: وهو تعقب وجيه، ورده شيخنا -يعني ابن حجر- بقوله: بل هو تعقب واه جدًّا لا يساوي سماعه، قال السخاوي: وهو كذلك
…
/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 77. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وبيان هذا أن الكلام المذكور يفيد أمرين:
1 -
أن ابن الصلاح يفرق بين ما اشتمل عليه صحيح مسلم، وبين ما اشتمل عليه سنن أبي داود من الأحاديث، بناء على أن شرط مسلم في صحيحه يفترق عن شرط أبي داود في سننه. وذلك من جهة أن مسلمًا اشترط الصحة في عموم كتابه، وأبا داود لم يشترط الصحة، وإنما يدخل في شرطه الصحيح والحسن والضعيف، وبالتالي يكون كتاب أبي داود من مظان الحديث الحسن، بخلاف كتاب مسلم، فعامته صحيح.
2 -
أن المؤلف يعارض ابن الصلاح في هذا، فيرى أن كلام أبي داود عن شرطه في سننه، لا يفيد ذكره لشيء من الحديث الحسن فيها حتى تكون من مظانه؛ بل كلامه يفيد أنه يذكر فيها الصحيح مع تفاوت درجاته، ويذكر الضعيف مع التنبيه على ضعفه وبالتالي يكون شرط مسلم في صحيحه مساويًا لشرط أبي داود في سننه، ما عدا الأحاديث التي بين أبو داود ضعفها، وعليه فلا يصح اعتبار سنن أبي داود مظنة للحديث الحسن، إلا إذا اعتبرنا صحيح مسلم كذلك مظنة له، وبذلك يلزم ابن الصلاح أن يقول: إن في صحيح مسلم غير الصحيح، أو أن كل ما في سنن أبي داود صحيح ما عدا الذي بين هو ضعفه/ النكت الوفية/ 74 ب.
وقد نظم الحافظ العراقي في ألفيته في المصطلح اعتراض المؤلف ولم ينظم جوابًا عنه/ الألفية مع فتح المغيث للسخاوي 1/ 60. لكنه ذكر الاعتراض مرة أخرى في نكته على ابن الصلاح وتصدى للجواب عنه: بأن مسلمًا شرط تخريج الحديث الصحيح، بل الصحيح المجمع عليه في كتابه، فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه بأنه حسن عنده؛ لما عرف من قصور الحسن عن الصحيح، وأبو داود قال: إن ما سكتُ عنه فهو صالح، والصالح يجوز أن يكون صحيحًا ويجوز أن يكون حسنًا -عند من يرى الحسن رتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف- ولم ينقل لنا عن أبي داود: هل يقول بذلك، أو يرى ما ليس بضعيف صحيحًا؟ فكان الأولى؟ بل الصواب ألا يُرتَفَع بما سكت عنه إلى الصحة حتى يُعلَم أن رأيه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= هو الثاني، ويحتاج هذا إلى نقل/ التقييد والإيضاح/ 54 وفتح المغيث للعراقي 1/ 47 و 48 والنكت الوفية/ 74 أ، والتدريب 1/ 169. وقد أضاف الحافظ ابن حجر إلى جواب شيخه العراقي جوابًا آخر فقال: قد أجاب الحافظ صلاح الدين العلائي عن كلام أبي الفتح اليعمري بجواب أمتن من هذا فقال ما نصه: "هذا الذي قاله ضعيف، وقول ابن الصلاح أقوى، لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت فلا يُعنَى بالحسن إلا الدرجة الدنيا منها، والدرجة الدنيا منها لم يُخرج مسلمٌ منها في الأصول شيئًا؛ إنما يخرجها في المتابعات والشواهد، ثم قال الحافظ ابن حجر: قلت: وهو تعقب صحيح، ثم بين وجه صحته بأنه ينبني على تقسيم مسلم في مقدمة صحيحه للرواة، وبيان من أخرج لهم منهم على الترتيب، ومن ترك حديثهم، وعلى ما قرره العلماء في ذلك من التفريق بين من خرج لهم مسلم احتجاجًا، ومن خرج لهم متابعة واستشهادًا، واختلاف أبي داود عنه في ذلك كما تقدم تفصيله عن القاضي عياض وابن حجر، وكما سيأتي في كلام البقاعي، حيث إنه أورد قول المؤلف عن أبي داود: إن عمله في سننه شبيه بعمل مسلم، في أنه اجتنب الضعيف الواهي
…
الخ، ثم قال البقاعي: والجواب عنه من أوجه:
الأول: لا نُسلم أن العملين متشابهان من الحيثية التي ذكرها، وليس بينهما اشتباه إلا في أن كلا أتى بثلاثة أقسام، وهي في سنن أبي داود راجعة إلى متون الحديث، وفي مسلم إلى رجال الحديث، وليس بين ضعف الرجل وصحة حديثه منافاة
…
بل قد يكون حديثه صحيحًا لاعتضاده من طرق أخرى، وهذا عمل مسلم؛ فأين هو ممن قسم الحديث نفسه في كتابه إلى صحيح وغيره؟.
الثاني: بعد تسليم ما قاله -أي المؤلف- من اتحاد العملين، [فالجواب] هو ما ذكره الشيخ -يعني العراقي- من أن مسلمًا التزم الصحة في كتابه دون أبي داود.
الثالث: أن أبا داود قال: وما كان فيه وهن شديد بينته، فَفُهِم من تقييده بـ (شديد) أن ثَم شيئًا فيه وهن غير شديد لم يلتزم بيانه. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الرابع: وهو أرضاها: أن مسلمًا إنما يروي عن الطبقة الثالثة في المتابعات، ويعتني حينئذ بتكثير الطرق، بحيث ينجبر ذلك القصور الذي في رواية ذلك الراوي الذي من الطبقة الثانية، ومع ذلك فإنه يقل من حديثهم جدًّا، بحيث إنه ليس في كتابه لليث بن أبي سليم وأنظاره إلا نحو من عشرة أحاديث.
وأما أبو داود فإن صنعه في ذلك مخالف لصنعه في الأمرين معًا؛ يسوق أحاديث نحو هؤلاء للاحتجاج ويُكِثر منها جدًّا، بحيث إن كتابه طافح بذلك. ووراء هذا كله أن مسلمًا لا يذكر حديثًا لأهل هذه الطبقة وهو يجده عند الطبقة الأولى؛ مثال ذلك: ابن عون، وعوف الأعرابي، كلاهما رويا عن ابن سيرين، وابن عون من الطبقة الأولى، والأعرابي من الثانية، فلا يروي مسلم عنه وعن أمثاله شيئًا وهو يجده لابن عون وأمثاله، ومراده بالاتيان بحديث الطبقة الثالثة تقوية حديث الطبقة الثانية، بحيث يرقيه إلى درجة الأولى، فالحاصل: أن عمدة مسلم أهل الطبقة الأولى، فإن لم يجدها أتى بالثانية، فإن لم يجد لمن ساق حديثه منهم متابعًا من تلك الطبقة أتى بمتابعة من الثالثة، فبين العملين فرق كبير كما ترى، والله الموفق/ النكت الوفية/ 74 أوب.
ويلاحظ أن البقاعي قد مثل لأهل الطبقتين الأولي والثانية، ولكن لم يمثل لأهل الثالثة حتى نعرف مقصوده بها ونعرف على ضوء ذلك مقصوده بقوله السابق ذكره نعليقًا على قول المؤلف:"إن مسلمًا تحرَّج من حديث الطبقة الثالثة". حيث قال البقاعي: إن مسلمًا لم يأت من حديث الطبقة الثالثة بشيء، والله أعلم.
ثم قال هنا: إنه قد يخرج لها في المتابعات. ولعله لا يقصد هنا الطبقة الثالثة في تقسيم مسلم؛ بل الثالثة في تقسيم الحازمي في شروط الأئمة وهم: من لم يسلموا من غوائل الجرح، فهم بين الرد والقبول، قال الحازمي: وهم شرط أبي داود والنسوي/ شروط الأئمة/ 44 و 45. وقد صرح السخاوي بهذا مع التمثيل ببعض رواة هذه الطبقة، فقد أشار لتقسيم الحازمي لطبقات الرواة ومن أخرج لهم البخاري ثم قال: وأما مسلم فيخرج أحاديث الطبقتين على سبيل الاستيعاب، وقد يخرج حديث من لم يسلم من غوائل الجرح إذا كان =
قال الإِمام أبو عمرو: فعلى هذا، يكون ما وجدناه في كتابه -يعني أبا داود- مذكورًا مطلقًا وليس في واحد من الصحيحين،
= طويل الملازمة لمن أخذ عنه، كحماد بن سلمة في ثابت البُنَاني، فإنه لكثرة ملازمته له وطول صحبته إياه، صارت صحيفة ثابت على ذكره وحفظه بعد الاختلاط كما كانت قبله، وعمل مسلم في هذه كعمل البخاري في الثانية، يعني من كانوا دون الطبقة الأولى في الاتقان والحفظ/ انظر فح المغيث للسخاوي 1/ 41 و 42، وشروط الأئمة للحازمي 43 و 44.
أما ما ذكر المؤلف من أن قول أبي داود عن أحاديث سننه: "وبعضها أصح من بعض" فيه ما يشير إلى القدر المشترك بينهما في الصحة وإن تفاوتت فيه
…
الخ.
فقد أجاب عنه البقاعي أيضًا فقال: قوله -أي المؤلف-: "أصح
…
ألخ" لا ينهض له به حجة؛ وذلك لأن إطلاق "أفعَل" يكون حينئذ بحسب الأكثر، لأن غير الصحيح أقل، والعرب تقول: هذا أحلى من هذا ويكون في الثاني الحلو وغيره، وأن "أصح" ليست على بابها، وأهل هذا الشأن -يعني المحدثين- يكثرون من استعمالها كذلك، فهذا الترمذي يكثر من أن يروي عن ضعيف حديثًا ثم يروي آخر عن ضعيف، ويقول: هذا أصح من حديث فلان، أو يكون ضَمّن "أصح" معنى: أولى أو أرجح، ونحو ذلك/ النكت الوفية/ 74 ب، 75 أوقال أيضًا: إن أبا داود يرى الاحتجاج بالضعيف إذا لم يوجد في الباب غيره، فلا يخفى عليك أن تصريحه بهذا يوضح أن مراده المفاضلة بينها في الاحتجاج أي وبعضها أقوى في باب الاحتجاج من بعض، لا المشاركة في نفس الصحة.
ثم قال: وعن ابن كثير ما حاصله: أن قول أبي داود: "بعضها أصح من بعض"[لا] يقتضي الصحة، إلا أن يُجاب بأنه على رأي المتقدمين في تسمية الحسن صحيحًا، أو أن المراد بالأصحية الأمر النسبي، أي أن بعضها أقل وَهنًا من بعض،
…
قال البقاعي: فظهر بهذا أن "أصح" ليست على بابها/ النكت الوفية 72، 73 أمع تصرف يسير.
ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن، عرفناه بأنه من الحسن عند أبي داود، وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره (1). وقد تعقب أبو عبد الله بن رُشَيْد (2) هذا، بأن قال: ليس يلزم أن يستفاد من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود بضعف، ولا نص عليه غيره بصحة، أن الحديث عند أبي داود حسن؛ إذ قد يكون عنده صحيحًا، وإن لم يكن عند غيره كذلك.
وهذا تعقب حسن (3)؛ لكنه ربما نبه عليه قول الإمام
(1) مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 53، وقال الحافظ ابن حجر تعليقًا على هذا: ويمكن أن يكون فيه ما ليس بحسن عند أبي داود نفسه، وهو الذي فيه وهن ليس بشديد، ويقال لابن الصلاخ: إذا جاز ذلك فكيف يطلق عليه اسم الحسن؟ وإن قلت: حسن عنده، فأين ذلك والحال أن قوله:"صالح" يصلح لأن يُجعَل مُتَعلّقهُ الاحتجاج والاعتبار؟ / النكت الوفية 73 أ.
(2)
تقدم التعريف به ص 192 هامش 4.
(3)
نظم العراقي اعتراض ابن رشيد هذا واستحسان المؤلف له فقال في ألفيته: وابن رشيد قال -وهو متجه- قد يبلغ الصحة عند مُخرِجه ثم قال في شرحها: وقد يجاب عن اعتراض ابن رُشَيد بأن ابن الصلاح إنما ذكر ما لنا أن نعرف الحديث -أي المسكوت عنه- به عنده، أى عند أبي داود، والاحتياط ألا يُرتَفع به إلى درجة الصحة وإن جاز أن يبلغها عند أبي داود؛ لأن عبارته "وهو صالح" أي للاحتجاج به، فإن كان أبو داود يرى الحسن رتبة بين الصحيح والضعيف، فالاحتياط -زاد في النكت- بل الصواب ما قاله ابن الصلاح، وإن كان رأيه كالمتقدمين أن الحديث ينقسم الى صحيح وضعيف، فما سكت عنه فهو صحيح - والاحتياط أن يقال:(صالح) كما عبر هو عن نفسه./ شرح التبصرة والتذكرة للعراقي 1/ 96 و 97 و 98 والتقييد والايضاح/ 53. قال السيوطي: وبهذا التقرير يندفع اعتراض ابن رُشَيد/ التدريب 1/ 167. ودَفْع العراقي ذلك لاعتراض ابن رُشَيد يفيد موافقته =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لابن الصلاح على أن ما سكت عنه أبو داود وليس في الصحيحين أو أحدهما ولم يصححه أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن، يعتبر حسنًا عنده؛ لكن السخاوي -كما تقدم- ذكر أن العراقي قال في شرحه الكبير لألفيته:
…
بل في كتب السنن أحاديث لم يتكلم فيها الترمذي أو أبو داود، ولم نجد لغيره فيها كلامًا، ومع ذلك فهي ضعيفة/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 84، فكان على العراقي أن ينبه على ذلك هنا عقب جوابه على اعتراض ابن رُشَيد حتى يستفاد من مجموع كلامه أنه يرى أن ما سكت عنه أبو داود منه ما هو محتج به عنده وعند غيره، ومنه ما هو ضعيف فيعتبر به، ولايحتج به إلا عنده وعند من يرى الاحتجاج بالضعيف في بعض الأحوال، وبذلك كان يَسْلَم من الانتقاد الموجه لابن الصلاح ومَن وافقه، وكذا لابن رُشَيد وللمؤلف هنا، حيث إن خلاصة تعقب ابن رشيد: أنه يرى أن قول أبي داود: "وما لم أذكر فيه شيئًا -أي سكت عن ذكر علة له- فهو صالح" يَحتِمل أن يكون صحيحًا أو حسنًا لا حَسَنًا فقط كما قرر ابن الصلاح، وقد استحسن المؤلف قول ابن رُشَيد كما ترى، وبناء عليه يكون موافقًا له في أن ما سكت عنه أبو داود ولم نعرف صحته من عند غيره فإنه لا ينزل عن درجة الحسن، وهذا ليس بِمُسلَّم؛ بل الصواب ما دل عليه مجموع كلام العراقي كما تقدم، وقد فصل ذلك الحافظ ابن حجر وبعض تلاميذه على النحو التالي:
أما الحافظ ابن حجر فقال: وفي قول أبي داود: "ما كان فيه وهن شديد بينته" ما يفهم أن الذي فيه وهن غير شديد أنه لا يبينه، ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي، بل هو على أقسام:
1 -
منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة.
2 -
ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته.
3 -
ومنه ما هو من قبيل الحسن اذا اعتضد.
وهذا القسمان كثير في كتابه جدًّا.
4 -
ومنه ما هو ضعيف؛ لكنه من رواية من لم يُجمع على تركه غالبًا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وكل هذه الأقسام -عنده- تصلح للاحتجاج بها، كما نقل ابن منده عنه: انه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، وأنه أقوى عنده من رأي الرجال، وكذلك قال ابن عبد البر: كل ما سكت عليه أبو داود فهو صحيح عنده، لا سيما إن كان لم يَذكُر في الباب غيره
…
ثم قال الحافظ: ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود، فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج، ويسكت عنها، مثل: ابن لَهِية، وصالح مولى التوأمة، وعبد الله بن محمد بن عقيل
…
وغيرهم، فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه أن ينظر، هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به، أو هو غريب فيتوقف فيه؟ لا سيما إن كان مخالفًا لرواية من هو أوثق منه، فإنه ينحط الى قبيل المنكر.
وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير، كالحارث بن وجيه، وصدقة الدقيقي، وعثمان بن واقد العمري
…
وأمثالهم من المتروكين، وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة، وأحاديث المدلسين بالعنعنة، والأسانيد التي فيها من أُبهِمَت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود؛ لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه، وتارة يكون لذهول منه، وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي، واتفاق الأئمة على طرح روايته، كأبي الحويرث، ويحيى بن العلاء، وغيرهما، وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه -وهو الأكثر-، فإن في رواية أبي الحسن بن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي، وإن كانت روايته أشهر
…
وقد يتكلم على الحديث بالتضعيف البالغ خارج السنن، ويسكت عنه فيها
…
أما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام، ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة
…
فالصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته، لما وصفنا أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة ويقدمها على القياس، إن ثبت ذلك عنه، والمعتمد على مجرد سكوته لا يرى الاحتجاج بذلك فكيف يقلده؟. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وهذا جميعه، إن حملنا قوله:"وما لم أقل فيه شيئًا فهو صالح" على أن مراده أنه صالح للحجة، وهو الظاهر.
وإن حملناه على ما هو أعم من ذلك وهو الصلاحية للحجة أو للاستشهاد، أو للمتابعة فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف.
ويُحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي يسكت عليها وهي ضعيفة، هل فيها أفراد أم لا؟ إن وجد فيها أفراد تعين الحمل على الأول (يعني إرادة الاحتجاج)، وإلا حُمل على الثاني (يعني الأعم). وعلى كل تقدير فلا يصلح ما سكت عليه للاحتجاج مطلقًا.
فقد نبه على ذلك الشيخ محيي الدين النووي -رحمه الله تعالى- فقال: "في سنن أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها، مع أنه متفق على ضعفها، فلا بد من تأويل كلامه، يعني قوله: "فهو صالح" ثم قال: أي النووي: والحق أن ما وجدناه في سننه مما لم يُبينه ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد فهو حسن، وإن نص على ضعفه من يعتمد، أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف، ولا جابر له، حكم بضعفه، ولم يلتفت إلى سكوت أبي داود".
قال ابن حجر: قلت: وهذا هو التحقيق، لكنه -أي النووي- خالف ذلك في مواضع في شرح المهذب وغيره من تصانيفه، فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها، فلا يغتر بذلك، والله أعلم/ الإِفصاح/ 55 ب، 56 أ.
أقول: ومع اعتماد ابن حجر لكلام النووي هذا فإنه يلاحظ أن النووي جعل للعارف النظر في قسم واحد مما سكت عليه أبو داود وهو ما وصفه أحد غيره بالضعف، وقد تعقبه السخاوي في هذا فقال: وما أشعر به كلامه من التفرقة بين الضعيف وغيره فيه نظر، والتحقيق التمييز لمن له أهلية النظر، ورد المسكوت عليه إلى ما يليق بحاله من صحة وحسن وغيرهما كما هو المعتمد، ورجحه هو -أي النووي- في بابه، وإن كان رحمه الله قد أقر في مختصريه -أي الارشاد والتقريب- ابن الصلاح على دعواه هنا -أي بتحسين ماسكت عليه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أبو داود
…
ثم قال السخاوي: وممن لم يكن ذا تمييز فالأحوط أن يقول في المسكوت عليه: صالح، كما هي عبارته -أي عبارة أبي داود-/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 76.
أما البقاعي فقال:
…
فليس بمُسَلَّم أن كل ما سكت عليه أبو داود يكون حسنًا؛ بل هو وهم أتى من جهة أن أبا داود يريد بقوله "صالح" الصلاحية للاحتجاج.
ومِنْ فَهْم أن "أصح" في قوله: "وبعضها أصح من بعض" تقتضي اشتراكًا في الصحة، وكذا قوله:"إنه يذكر في كل باب أصح ما عرف فيه"، وليس الأمر في ذلك كذلك. أما من جهة قوله:"صالح" فلأنه كما يحتمل أن يريد صلاحيته للاحتجاج فكذا يحتمل أن يريد صلاحيته للاعتبار؛ فإن أبا داود قال في الرسالة التي أرسلها إلى من سأله عن اصطلاحه في كتابه: "ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما فيه وهن شديد بينته وما لا فصالح، وبعضها أصح من بعض"،ثم قال البقاعي: واشتمل هذا الكلام على خمسة أنواع:
الأول: الصحيح، ويجوز أن يريد به الصحيح لذاته.
الثاني: شبهه، ويمكن أن يريد به الصحيح لغيره.
الثالث: مقاربه، ويحتمل أن يريد الحسن لذاته.
والرابع: الذي فيه وهن شديد.
وقوله: "وما لا"، يفهم منه: أن الذي فيه وَهَن ليس بشديد، فهو قسم خامس. فإن لم يعتضد كان صالحًا للاعتبار فقط، وإن اعتضد، صار حسنًا لغيره، أي الهيئة المجموعة، وصلح للاحتجاج، وكان قسمًا سادسًا.
وعلى تقدير تسليم أن مراده صالح للاحتجاج، لا يستلزم الحكم بتحسين ما سكت عليه؛ فإنه يرى الاحتجاج بالضعيف إذا لم يوجد في الباب غيره
…
اقتداء بأحمد رضي الله عنه.
وأما من جهة "أصح" فلا يخفى عليك أن تصريحه بأنه يحتج بالضعيف يوضح أن =
أبي عمرو: وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره؛ فمن هنا يلوح لقائل أن يقول: وقد يكون في ذلك ما هو صحيح عنده، وليس صحيحًا عند غيره؛ لأنه جوز أن يخالف حكمه حكم غيره في طرف، فكذلك يجوز أن يخالفه في طرف آخر (1).
قد ذكرنا ما نُقِل عن الترمذي في الحسن.
وقال الإِمام أبو سليمان الخطابي: الحسن: ما عُرِف مَخْرَجُه (2)،
= مراده المفاضلة بينها في الاحتجاج، أي وبعضها أقوى في باب الاحتجاج من بعض، لا المشاركة في نفس الصحة،
…
إلى أن قال كما في التعليق الذي قبل هذا بتعليق: فظهر بهذا أن "أصح" ليست على بابها.
ثم قال: ونقل عن ابن كثير أنه قال: ويروى عن أبي داود أنه قال: "وما سكت عنه فهو حسن" وعلى تقدير صحة الرواية عنه بذلك يَطْرقُه احتمال أنه حسن للاحتجاج به، وأن ما يسكت عنه قد يكون ضعيفًا، وليس في الباب غيره، فيكون مما يحتج به عنده، فلا يفيد ذلك الحسن الاصطلاحي/ النكت الوفية 72 ب، 73 أبتصرف قليل، واختصار علوم الحديث لابن كثير مع الباعث الحثيث/ 41.
(1)
قال السخاوي: وفيه -أي في هذا الاحتمال الذي ذكره المؤلف- نظر؛ لاستلزامه نقض ما قرره -أي ابن الصلاح/ فتح المغيث 1/ 76.
(2)
بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء مُخَفّفة، وأصْلهُ في اللغة: مكان الخروج وأُطلق على الموضع الذي برز منه الحديث/ توضيح الأفكار 1/ 154 والبحر الذي زخر للسيوطي/ 46 أوقال البقاعي: قوله: "ما عرف مخرجه" أي رجاله الذين يدور عليهم، فكل واحد من رجال السند مَخْرَج خرج منه الحديث/ النكت الوفية/ 59 أومثله ذكر الأنصاري/ فتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة للعراقي 1/ 84 ويبدو أن هذا تعريف للمخرج بالاصطلاح العام الشامل لكل رجال السند. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والذي يفهم من كلام ابن العربي والعراقي: أن المراد في تعريف الخطابي مخرج واحد خاص، وهو الراوي المشتهر برواية حديث أهل بلده/ التقيد والإيضاح/ 44 وعارضة الأحوذي 1، 14، 15 وقد مثل له ابن العربي، بقوله: كحديث البصريين عن قتادة، والكوفيين عن ابن اسحاق، والمدنيين عن ابن شهاب، والمكيين عن عطاء/ عارضة الأحوذي 1/ 14، 15 ولعل مما يؤيد هذا التفسير للمخرج هنا، إشارة الخطابي بعده لشرط ثان في بقية رجال السند بقوله:"واشتهر رجاله"، فهذا يشير إلى أنه ليس المراد بالمخرج كل رجال السند كما ذكر البقاعي والأنصاري، وإلا كان في التعريف ترادف بين قوله:"عرف مخرجه" وقوله "اشتهر رجاله".
وقد مشى على تفسير المخرج بالراوي المشهور برواية حديث أهل بلده الحافظ ابن حجر/ الإفصاح 46 ب والسخاوي/ فتح المغيث 1/ 61 وشرح التقريب/ 10 أ، والقاري/ شرح شرح النخبة/ 77، وذكر ابن حجر أن عرفان المخرج بهذا المعنى قيدٌ في التعريف، يخرج به الحديث الشاذ، وذلك أنه بعد ذكر كلام ابن العربي السابق، قال: فإن حديث البصريين مثلًا إذا جاء عن قتادة ونحوه كان مخرجه معروفًا، وإذا جاء عن غير قتادة ونحوه كان شاذًا/ الإفصاح 46 ب ثم نقل البقاعي عنه -كما سيأتي-: أن معرفة المخرج كناية عن اتصال السند، فيخرج به المنقطع انقطاعًا ظاهرًا أو خفيًا، لكن الصنعاني تبعه على الأول فقط/ توضيج الأفكار / 1/ 155 ونحوه ما نقله العراقي عن بعض المتأخرين أنه قال: إن الشاذ ينافي عرفان المخرج، وإن قول الخطابي:"عُرف مَخْرَجُه" كقول الترمذي في تعريف الحسن: "ويروى نحوه من غيره وجه"؛ لكن العراقي رد ذلك فقال: إنه لا يدل عليه كلام الخطابي أصلًا/ التقييد والإِيضاح/ 44.
أما الطيبي فجعل عرفان المخرج كناية عن اتصال السند، وعليه فلا يخرج به الشاذ كما قال ابن حجر وغيره فيما تقدم، بل يخرج به المنقطع ونحوه، كالمرسل والمدلَّس -بفتح اللام- قبل تَبين تدليسه/ الخلاصة للطيبي/ 38. وقد استحسن العراقي ذلك ووجهه فقال: وهذا أحسن في تفسير كلام الخطابي؛ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لأن المرسل الذي سقط بعض إسناده، وكذلك المدلس الذي سقط منه بعضه، لا يعرف فيهما مخرج الحديث؛ لأنه لا يُدرَى مَن سقط من إسناده، بخلاف من أُبرِز جميعُ رجاله فقد عرف مخرج الحديث من أين؟ والله أعلم/. التقييد والإِيضاح/ 44 ونقل السخاوي عن ابن الصلاح أنه قال في حاشية كتابه علوم الحديث: إن الخطابي احترز بمعرفة المخرج عن المنقطع وعن حديث المدلِّس -بكسر اللام -، ثم قال السخاوي: وحينئذ فالمعتبر الاتصال ولو لم يُعرف المخرج؛ إذ كل معروف المخرج متصل ولا عكس، ثم علل تعبير الخطابي عن الاتصال بمعرفة المخرج، فقال: وكأنه لتعبيره في (تعريف) الصحيح بالمتصل، نَوّع العبارة، لدفع انتقاد الإِتيان في المحدودَيْن المختلفَين بلفظ واحد في الجملة، سيما وفي ضمن قوله:(عُرِف مَخْرجُه) الإِشعار بفائدة معرفة المخرج/ شرح التقريب/ ق 10 أ.
وقد مشى على تفسير معرفة المخرج بهذا أيضًا السيوطي/ التدريب 1/ 153 والأنصاري/ فتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة 1/ 84 والقاري/ شرح شرح النخبة/ 77.
وبناء على هذا عدوا تعريف الخطابي للحسن مقتصرًا على ذكر شرطين فقط، وهما: اتصال السند، المعبر عنه بمعرفة المخرَج - وشهرة الرواة بالعدالة والضبط المتوسط -كما سيأتي ذكره- ولذا اعتبر العراقي أن من زوائد ابن الصلاح على تعريف الخطابي للحسن اشتراط نفي الشذوذ والعلة، وتبعه الأنصاري/ شرح التبصرة والتذكرة ومعه فتح الباقي للأنصاري 1/ 84، 85، 89، وأكد ذلك السخاوي فقال: ولا بد مع هذين الشرطين ألا يكون (الحديث) شاذًا ولا معللًا، ثم قال: لكن بما تقدم من الاتصال والشهرة حَد الخطابي (الحسن) غير متعرض لمزيد/ فتح المغيث 1/ 61 وأيد ذلك في شرح التقريب بأن الخطابي لم يصرح في حد الصحيح باشتراط نفي الشذوذ والعلة/ شرح التقريب/ 10 أ؛ غير أن البقاعي قال: إن هذه الزيادة -أي زيادة ذكر نفي الشذوذ والعلة صراحة- ليست ضرورية بحيث يختل الكلام بدونها، بل غايتها =
واشتهر رواته (1)، قال: وعليه مدار أكثر الحديث (2) وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء.
= أن تكون شرحًا، وعلل ذلك قائلًا: لأن قول الخطابي: "ما عرف مخرجه" يخرج المعلل، فإنه لم يُعرف مخرجه، والشاذ قسم من أقسام المعلل، والمنكر معلل على كل حال،
…
وأيضًا فإنه -أي المنكر- يخرج بقوله: "واشتهر رجاله" النكت الوفية/ 63 ب.
(1)
قال الطيبي: المراد به أن رجاله مشهورون عند أرباب هذه الصناعة بالصدق وبنقل الحديث ومعرفة أنواعه، وحيث كان (هذا في كلامه) مطلقًا من قيد العدالة والضبط دل على انحطاطهم -أي رجال الحسن- عن درجة رجال الصحيح/ الخلاصة 40 / ولخص الأنصاري ذلك فقال: اشتهرت رجاله بالعدالة والضبط اشتهارًا دون اشتهار رجال الصحيح/ فتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة للعراقي / 1/ 84 وبهذا التفسير لشهرة رجال الحسن يتميز عن الصحيح الذي عرفه الخطابي قبل تعريفه هذا للحسن حيث قال: فالصحيح عندهم -أي أهل الحديث- ما اتصل سنده وعُدِّلَت نقلته/ المعالم 1/ 11 / وقد أقر هذا التفسير ابن دقيق العيد/ الاقتراح/ 165 / والعلائي/ الافصاح 46 أ، والسخاوي/ فتح المغيث 1/ 61 وشرح التقريب / 10، والسيوطي/ شرحه لألفيته/ 49 أ، ب والبقاعي/ النكت الوفية/ 60 أوبهذا يُدفع انتقادُ الخطابي -كما سيأتي في الشرح- بأن تعريفه للحسن لا يميزه عن الصحيح، وكذا يدفع انتقاد ابن جماعة له بأنه يدخل في هذا التعريف الضعيف الذي عرف مخرجه واشتهر رجاله بالضعف/ الخلاصة للطيبي/ 39، 40، وشرح السيوطي لألفيته/ 49 أ، ب والاقتراح/ 165 وفتح المغيث 1/ 60، وفتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة 1/ 85.
(2)
قال البقاعي: قوله: وعليه مدار الحديث إلى آخره، كلام كاشف -أي موضح- لا أنه داخل في الحد/ النكت الوفية/ 59 أوهكذا قرر السخاوي/ شرح التقريب/ 10 أ، وفتح المغيث 1/ 67، والسيوطي/ تدريب الراوي 1/ 154، وقد جرى على هذا من قبل هؤلاء العراقي في ألفيته فأخر هذا عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الحد وفصله عنه بخمسة أبيات/ الألفية مع فتح المغيث 1/ 59، قال البقاعي: وفصلُه عنه يدل على أنه فهم أنه ليس من تمام الحد؛ بل موضح له، ثم قال: وهو كذلك/ النكت الوفية/ 65 أ؛ لكن قال الإمام البلقيني: بل هو من جملة الحد، ليخرج الصحيح والضعيف أيضًا/ التدريب 1/ 154.
ويبدو أن الَأولى عدم اعتبار هذه العبارة من جملة الحد، حيث تقدم بيان خروج الصحيح والضعيف من الحد بدونها. والله أعلم.
وأما تفسير الألفاظ: فقوله: وعليه -أي الحسن- مدار الحديث، أي بالنظر لتعدد الطرق؛ فإن غالبها لا يبلغ رتبة الصحيح المتفق عليه، ونحوه قول البغوي: أكز الأحكام ثبوتها بطريق حسن.
وقوله: يقبله أكثر العلماء، أعم من الفقهاء فيشمل المحدثين والأصوليين. وغيرهم، وعبَّر بالأكثر لأن من أهل الحديث من شدد فرد بكل علة، سواء كانت قادحة أم لا، كما جاء عن أبي حاتم الرازي أنه سئل عن حديث فَحسَّنه، فقيل له: أتحتج به؟ فقال: إنه حسن، فأعيد عليه السؤال مرارًا وهو لا يزيد على قوله: إنه حسن، والمعتمد ما عليه الأكثر من الاحتجاج به.
وقوله: ويستعمله عامة الفقهاء، المراد بالاستعمال الاحتجاج والاستنباط والعمل في القضايا والأحكام وغيرها، قال البقاعي: والاستعمال أخص من القبول اهـ. أقول: وذلك لأن من المقبول ما لا يعمل به كالمنسوخ والمرجوح، ولذلك قال السخاوي في وجه ذكر الاستعمال بعد ذكر القبول: إن القبول تضمن الاستعمال ما لم يمنع منه نسخ ونحوه، والمراد بعامة الفقهاء جميعهم، وأفردهم الخطابي بالذكر مع اندراجهم في العلماء وذكر معهم الاستعمال مع مشاركة غيرهم لهم في ذلك، لتميزهم فيهما عن غيرهم، ولأن المخالف فيه من غيرهم، كأبي حاتم الرازي من المحدثين كما تقدم/ انظر في هذا التفسير والتوجيه لتلك العبارات/ شرح التبصرة والتذكرة للعراقي وفتح الباقي معه للأنصاري 1/ 90 وفتح المغيث 1/ 67 وشرح التقريب/ 10 أكلاهما للسخاوي، وتدريب الراوي 1/ 154 والنكت الوفية/ 65 أوشرح النخبة لابن حجر/ ضمن المجموعة الكمالية/ 267، 268.
وقال بعض المتأخرين: الحديث الذي فيه ضعف/ قريب محتمل، هو الحديث الحَسَن ويصلح للعمل به (1).
قال الإمام أبو عمرو: كل هذا مستبهم، لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح (2)، وقد أمْعَنْتُ النظر في ذلك والبحث، جامعًا بين أطراف كلامهم، ملاحظًا مواقع استعمالهم فَتنقَّح لي (3) واتضح أن الحديث الحسن قسمان:
أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور (4)
(1) المراد ببعض المتأخرين: ابن الجوزي، وهذه عبارته في الموضوعات مع تصرف يسير/ الموضوعات لابن الجوزي 1/ 35، وقد انتُقِد هذا التعريف من عدة وجوه، حتى قال السخاوي بعد ذكره: هذا كلام صحيح في نفسه؛ لكنه ليس على طريقة التعاريف/ فتح المغيث 1/ 65 وسيأتي في الشرح ص 123، ذكر بعض ما انتُقِد به، ونذكر هناك بعض أجوبة العلماء عنه إن شاء الله؛ لكن نذكر هنا ما لا يذكر هناك، وهو: أنه انتقد التعريف بأن فيه دَوْرًا، وذلك أنه ذكر فيه صلاحية الحسن للعمل به، وهذا متوقف على معرفة كونه حسنًا، وأجاب الطيبي، بأن قوله:"ويصلح للعمل" كالخارج عن الحد، بيانًا لما يلزم من الحد، أي إذا كان معنى الحسن ذلك صَلُح للعمل به، وعلى هذا يندفع الدور/ الخلاصة للطيبي/ 39 و 41.
(2)
قال البقاعي: بل فيه ما يميزه؛ لأن الحسن نوعان، وكل منهما عرف نوعًا كما سيأتي في كلام ابن الصلاح (نفسه) / النكت الوفية 63 أ.
(3)
من التنقيح وهو التهذيب/ مختار الصحاح 675 وتوضيح الأفكار 1/ 162.
(4)
تعددت الأقوال في تعريف المستور حتى بلغت في نظر الشيخ الصنعاني حد الاضطراب وقال: إنه ينبغي تحقيق (تعريف) المستور/ توضيح الأفكار 1/ 182. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأنسَبُ ما يُذكر هنا هو ما ذكره ابن الصلاح حيث نقل عن البغوي من أئمة الشافعية - فقال: قال بعض أئمتنا: المستور من يكون عدلًا في الظاهر، ولا نعرف عدالة باطنه هـ، وبناء على هذا عدَّه قسمًا من المجهول؛ لجهالة باطِنه/ علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والايضاح/ 140، وقد نازع العراقي ابن الصلاح في إقراره تعريف البغوي للمستور، واستند العراقي إلى أنه نُقِل عن الشافعي ما يدل على إن مَنْ كان عدلًا في الظاهر فعدالته ثابتة، وعليه فلا يعتبر مستورًا/ التقييد والإيضاح/ 145، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 328، 329، ولكن السخاوي قد أجاب عن ذلك، ثم نازع ابن الصلاح بوجه آخر وهو أنه جاء عن الشافعي أيضًا ما يظهر منه أن المستور من لم يُعرَف سوى إسلامه، ثم قال: ولا يُمنع شموله -أي المستور- لهذا، ولِمَا قاله البغوي، كما هو مقتضى التسمية/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 324.
وعليه فالسخاوي يرى أن المستور يطلق على من عرفت عدالته الظاهرة، وعلى من لم يعرف من حاله سوى أنه مسلم، أما شيخه ابن حجر فعرَّف المستور بأنه من روى عنه أكثر من واحد؛ ولكن لم يوثقه أحد/ تقريب التهذيب 1/ 5، ونخبة الفكر وشرحها له/ 278 ضمن المجموعة الكمالية.
وكما تعددت الأقوال في تعريف المستور، تعددت أيضًا في قبول روايته وردها، والذي مال إليه ابن الصلاح في مبحث من تُقبَل روايته ومن ترد، هو الاحتجاج برواية المستور/ علوم الحديث لابن الصلاح/ 145، ولكنه هنا يعتبره كما ترى غير محتج به بمفرده؛ بل باعتضاده بمتابع أو شاهد، وقد عزا الحافظ ابن حجر القول برد روايته إلى الجمهور، ثم قال: والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يُطلق القول بردها، ولا بقبولها، بل يقال: هي موقوفة إلى استبانة حاله، كما جزم به إمام الحرمين هـ، وتبعه في هذا السخاوي/ شرح نخبة الفكر 278 / ضمن المجموعة الكمالية، وفتح المغيث للسخاوي 1/ 322 - 323 وسيأتي مناقشة ابن الصلاح في اقتصاره على ذكر المستور فقط في هذا القسم من الحسن، كما سيأتي للشارح تعريفه للمستور وحكايته للخلاف في قبوله ورده، دون ترجيح ص 278، 279 =
لم تتحقق أهليته؛ غير أنه ليس مُغَفَّلًا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث، أي لم يظهر منه تَعمُّد الكذب في الحديث، ولا سبب آخر مُفَسِّق، ويكون مَتن الحديث مع ذلك قد عُرِف، بأن رُوِي مثلُه أو نحوُه من وجه آخر أو أكثر (1) حتى اعتضد بمتابعة مَن تَابع
= أقول: وما حققه الحافظ ابن حجر من التوقف نقلًا عن إمام الحرمين فيه نظر؛ فإن الذي يفهم من باقي كلام إمام الحرمين: ان التوقف في رواية المستور يكون في بداية الأمر، قبل تمام البحث عن حاله، فإذا انتهى بَحْثنا إلى اليأس من معرفة حاله، رددنا حديثه، كما هو رأي الجمهور/ انظر المصدرَين السابقين في الموضع المذكور.
(1)
وبذلك يكون أقل ما يصلح جابرًا هو طريق واحدة مساوية، أو أعلى، دون أن تبلغ درجة الصحة/ النكت الوفية/ 66 أو 70 أوالتقييد والإيضاح 48، وسيأتي تحقيق ذلك بعد قليل ص 238 - 240 هامش، وقوله:"مثله أو نحوه "، قال الصنعاني:"المِثْل ما يساويه في لفظه أو معناه، و"النحو" ما يقاربه في معناه/ توضيح الأفكار/ 1/ 163، ويبدو لي أن "المِثْل" خاص بالمساواة في اللفظ، أما المساواة في المعنى مع اختلاف اللفظ - فلا يقال عنها "بمثله" وإنما يقال: بمعناه أو بنحوه، وهذا شائع في كلام المحدثين واصطلاحهم، ومنه قول الحاكم أبي عبد الله: إن "مثله" إذا كان الحديثان على لفظ واحد، و"نحوه" إذا كان أحدهما على مثل معاني الآخر، وقال الأنصاري: ظاهر "مثله" يفيد التساوي في اللفظ. هـ أقول: أما من أجاز الرواية بالمعنى فعنده أن "مثله" و"نحوه" سواء/ انظر شرح التبصرة والتذكرة ومعه فتح الباقي 2/ 192؛ لكن المقام هنا مقام التفريق بينهما كما في كلام الصنعاني، وقد قال ابن رجب في تفسير قول الترمذي: ويروى من غير وجه نحوه: يعني أن يروى معنى الحديث
…
عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير ذلك الإسناد/ شرح العلل لابن رجب 1/ 384.
ولذا نجد الترمذي في غير موضع من جامعه يقرن بين نحوه وبين "معناه" وهذا يدل على أن ما هو بمعنى الحديث لا يقال عنه إنه بمثله على التحقيق إلا مع التقييد، كأن يقال: بمثل معناه، ومن أمثلة ما قرن فيه الترمذي بين "نحوه" وبين =
رَاوِيه (1) على مثله، أو بماله مِنْ شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه (2)
= "معناه" ما جاء في كتاب الأحكام - باب إمام الرعية حيث أخرج الترمذي حديث عمرو بن مرة -المكنى بأبي مريم- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته. ثم قال: حديث عمرو بن مرة حديث غريب، وقد رُوي هذا الحديث من غير هذا الوجه
…
وساق هذا الوجه الثاني المشار إليه إلى عمرو بن مرة، أبي مريم، مرفوعًا ولكن لم يذكر متن الحديث بل أحال به على المتن السابق فقال: نحو هذا الحديث بمعناه/ الترمذي 3/ 395، 396 ح - 1347، 1348.
وهذا المتن الذي وصفه بأنه بنحو اللفظ السابق بمعناه قد أخرجه أبو داود من الطريق التي أوردها الترمذي عن أبي مريم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ولاه الله عز وجل شيئًا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخَلَّتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره/ سنن أبي داود - كتاب الخراج والإِمارة والفيء/ باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية/ 3/ 356، 357 ح 2948 / ويتضح من مقارنة الروايتين أنهما متساويتان في المعنى دون اللفظ، ولم يجعل الترمذي الثانية بمثل الأولى كما هو مقتضى كلام الصنعاني؛ بل اعتبرها نحوها بمعناها، وسيأتي في تكملة العراقي لهذا الشرح أيضًا أن كلمة "مثله" تقتضي الموافقة بين الحديثين في المتن، وأن كلمة "نحوه" تقتضي المقاربة في المعنى، والموافقة في أكثر ألفاظ المتن/ انظر تكملة شرح الترمذي للعراقي/ كتاب الديات - باب ما جاء في الدية كم تكون من الإبل؟ - 122 ب من مخطوطة دار الكتب المصرية.
(1)
بالأصل "رواية" وما أثبته من علوم الحديث لابن الصلاح/ 28.
(2)
مشى ابن الصلاخ هنا وفي مبحث الاعتبار والمتابعات والشواهد/ 109 مع التقييد والإيضاح على أن المتابعة مختصة بالمماثلة بين الحديثين في اللفظ سواء اتفقا في الصحابي أم لا، وأن الشاهد مختص بالموافقة بين الحديثين في المعنى، =
فيخرج بذلك عن أن يكون شاذًا أو منكرًا، وكلام الترمذي على هذا يتنزل (1).
= وقد تابعه على هذا غير واحد، كالعراقي في ألفيته وشرحها / 1/ 203، 204 وابن كثير في مختصر علوم الحديث/ 59، والطيبي في خلاصته/ 57، 58، وهذا مذهب جماعة من العلماء كالبيهقي ومن وافقه، وقيل: إن المتابعة تختص بالموافقة بين الحديثين في اللفظ، والشاهد أعم/ التدريب 1/ 243؛ لكن الجمهور على أن الفرق بين المتابع والشاهد باعتبار الصحابي المروي عنه الحديث، فكل ما جاء عن الصحابي الراوي للحديث المتابَع -بالفتح- يُعد متابِعًا له، ولو خالفه في اللفظ، وما جاء عَن غير الصحابي الراوي للحديث يعتبر شاهدًا له سواء وافقه في اللفظ أو خالفه، ورجح الحافظ ابن حجر ذلك وأقره عليه غيره/ انظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 254، وفتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة للعراقي 2/ 204، والنخبة مع شرحها ضمن المجموعة الكمالية/ 266.
(1)
بالأصل" ينزل" وما أثبته من علوم ابن الصلاح/ 28، أقول: وهذا الذي نزل ابن الصلاح عليه كلام الترمذي هو الذي سُمِى بعد ابن الصلاح بالحسن لغيره، أي لشيء خارج عنه، وهو الاعتضاد بغيره/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 66 وفتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة 1/ 88 والنخبة مع شرحها لابن حجر/ 263 ضمن المجموعة الكمالية، فالحسن لغيره ضعيف لذاته أصلًا، وإنما طرأ عليه الحُسْن بما عضده/ فتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة 1/ 87.
وقد ناقش الحافظ ابن حجر ابن الصلاح في هذا القسم من الحسن وفي تنزيله إياه على كلام الترمذي، فذكر أن المُعرَّف به عند الترمذي -وهو حديث المستور على ما فهمه ابن الصلاح- لا يعده كثير من أهل الحديث من قبيل الحسن، وليس هو في التحقيق عند الترمذي مقصورًا على رواية المستور؛ بل يشترك معه الضعيف بسبب سوء الحفظ، والموصوف بالغلط أو الخطأ، وحديث المختلط بعد اختلاطه، والمدلِّس إذا عنعن، وما في إسناده انقطاع خفيف، فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة وهي: -ألا يكون فيهم من يتهم بالكذب، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولا يكون الإسناد شاذًا، وأن يروى مثل ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعدًا، وليس كلها في المرتبة على حد سواء؛ بل بعضها أقوى من بعض، وقد أيد دخول رواية غير المستور في الحديث الحسن عند الترمذي بأمرين:
أولهما: عدم ذكره في التعريف لاشتراط اتصال السند.
وثانيهما: وصفه في جامعه كثيرًا من الأحاديث بالحُسْن، مع أن في سندها من هو موصوف بسوء الحفظ، أو يكون في سنده انقطاع، ونحو ذلك مما تقدم ذكره له، وأورَد أمثلة تطبيقية لذلك من جامع الترمذي/ الإفصاح/ 43 أ - 45 أ، وقد تبعه على ذلك السيوطي/ شرحه لألفيته 50 أوما بعدها، والصنعاني/ توضيح الأفكار 1/ 163 - 166.
لكنه قد أُجيب عن ابن الصلاح في هذا الذي رتبه ابن حجر على اقتصاره في التعريف على ذكر المستور، بأنه ذكر المستور للتمثيل به وليس للحصر فيه، ويؤيد ذلك أنه في التفريعات التالية لتعريفه للحسن ذكر أن من الضعيف القابل للإنجبار والترقي لمرتبة الحَسَن ما كان ضعفه ناشئًا عن ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والأمانة، أو كان ضعفه بسبب الإرسال، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ/ علوم الحديث/ 55، والمنهج الحديث لشيخنا الأستاذ/ محمد السماحي/ 101 - 153، وأيضًا فإن تمثيل ابن الصلاح بالمستور يدفع عنه الاعتراض بدخول الصحيح والحسن لذاته في التعريف/ المنهج الحديث لشيخنا السماحي/ 101.
أما الشيخ بدر الدين ابن جماعة فقال: وأما القسم الأول -يعني من تقسيم ابن الصلاح، وهو الحسن لغيره- فَيَرِدُ عليه الضعيف والمنقطع والمرسل الذي في رجاله مستور ورُوِي مثله أو نحوه من وجه آخر/ الخلاصة للطيبي/ 39 وشرح السيوطي لألفيته/ 50 أ، وقد أجاب الطيبي عن ذلك بما خلاصته: أن الغرض من التقييد بقوله: "ويروى من غير وجه" اعتضاد الحديث المروي بما ينجبر به ضعفه، وإزالة الإرسال والانقطاع وغيرهما، فلا يؤتى بالرواية من غير وجه إلا على وجه يرفع به ذلك الضعف، وإلا كان عبثًا، وفي كلام =
القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة؛ غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح؛ لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإِتقان، وهو مع ذلك يرتفع حاله عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرًا، ويعتبر في كل هذا -مع سلامة الحديث من أن يكون شاذًا أو (1) منكرًا- سلامتُهُ من أن يكون مُعللًا، وعلى القسم الثاني
= ابن الصلاح إشعار بذلك/ الخلاصة للطيبي/ 40، وسيأتي جواب آخر للبقاعي قريبًا. وقد ذكر الحافظ ابن رجب تقسيم ابن الصلاح هذا للحسن وتنزيله على كلامي الترمذي والخطابي، وأقره/ شرح العلل 1/ 387 و 390 و 391؛ غير أنه تعقبه في قوله في تعريف القسم الأول أيضًا:"وليس مغفلًا كثير الخطأ" فذكر أن هذه زيادة لا يدل عليها كلام الترمذي؛ لأنه اعتبر -أي في تعريفه للحسن- ألا يكون راويه متهمًا، فقط -يعني فلا يشمله "كثير الغلط"- ثم قال: لكن قد يؤخذ مما ذكره الترمذي قبل هذا -أي قبل تعريفه للحسن- حيث قال: إن من كان مغفلًا كثير الخطأ لا يحتج بحديثه، ولا يشتغل بالرواية عنه عند الأكثرين/ شرح العلل/ 1/ 387، وجامع الترمذي/ كتاب العلل 5/ 397، 399.
هكذا تعقب ابنُ رجب ابن الصلاح واعتبر أن قوله: "ليس مغفلًا كثير الخطأ" لا يدل عليه قول الترمذي "لا يكون راوية متهمًا" ولكنه قبل هذا التعقب بصفحة واحدة اعتبر من كثر غلطه، أو غلب على حديثه الوهم" داخلين في الحسن عند الترمذي، بناء على قوله "ألا يكون راويه متهمًا"/ شرح العلل 1/ 384.
وستأتي مناقشته في ذلك وفي بعض تفسيره أيضًا لتعريف الترمذي للحسن، وتشبيهه بتفسير ابن الصلاح.
(1)
في علوم الحديث لابن الصلاح: بالواو فقط/ 28 ولكل منهما وجه؛ فالعطف بالواو بناء على تغاير الشاذ والمنكر، والعطف "بأو" بناء على ترادفهما، فيكون اشتراط أحدهما كافيًا، وهذا هو المناسب لرأي ابن الصلاح، حيث يرى أن الشاذ والمنكر مترادفان، ولذا اقتصر في تعريف الصحيح على نفي الشذوذ فقط، =
تنزل كلام الخطابي (1).
= كما اقتصر الترمذي على التصريح بنفيه في الحسن، وسيأتي بحثه/ انظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 66 والنكت الوفية 63 ب وقال الحافظ ابن حجر: إن بينهما عمومًا وخصوصًا من وجه؛ لأن بينهما اجتماعًا في اشتراط المخالفة، وافتراقًا في أن الشاذ رواية ثقة أو صدوق والمنكر رواية ضعيف، وقد غفل من سَوّى بينهما/ شرح النخبة/ 266 ضمن المجموعة الكمالية.
وقال البقاعي: قوله: "ويعتبر في كل هذا -مع سلامته
…
الخ" هذا شرح لكلام الخطابي/ النكت الوفية 64 أ.
(1)
وهذا هو الذي سُمي بَعدَ ابن الصلاح بالحسن لذاته، أي أن حسنه لا يرجع لشيء خارج، وهو العاضد كما تقدم في القسم الأول الذي سمي بالحسن لغيره/ النخبة وشرحها/ 263 ضمن المجموعة الكمالية. وفتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة 1/ 89 وفتح المغيث 1/ 65 قال السخاوي: وهذا الثاني هو الحسن حقيقة، بخلاف الأول فهو مجاز؛ لكونه يطلق على مرتبة من مراتب الضعيف -يعني قبل الاعتضاد- كما يطلق اسم الصحيح مجازًا على الثاني/ فتح المغيث 1/ 66 بتصرف يسير، ولذا قال البقاعي: واعلم أنه كان ينبغي له -أي لابن الصلاح- أن يقدم الكلام على حد الخطابي من وجوه
…
ومنها أنه هو الحسن لذاته، ومنها أن بعض أهل الحديث يسميه صحيحًا/ النكت الوفية 64 أ.
هذا وقد أورد ابن جماعة على ابن الصلاح في القسم الثاني وهو الحسن لذاته، أنه يدخل في تعريفه له المرسل الذي اشتهر راويه بما ذكر؛ مع أنه ليس حسنًا في الاصطلاح/ الخلاصة/ للطيبي/ 39 وشرح السيوطي لألفيته/ 50 أوالنكت الوفية 64 أ، وقد أجاب الطيبي عن هذا بأن قول ابن الصلاح:"يرتفع حاله عن حال من يعد من ينفرد به منكرًا" احتراز مما ذكره ابن جماعة؛ لأنه لا يخلو من أن الذي رواه هذا الراوي مما عرف متنه أو معناه من غير روايته من غير وجه، أو مما لم يعرف؛ لا من الوجه الذي رواه، ولا من وجه آخر؛ فالأول: أخرج =
قلت: قد اشترط الترمذي في الحسن ثلاثة شروط:
أحدها: يرجع إلى الإسناد، وهو: ألَّا يُتَّهم راويه بكذب (1)
= المرسل والمنقطع من الحد، والثاني: هو الذي احترز منه بقوله: لا يعد ما انفرد به منكرًا/ الخلاصة/ 42 - 45.
أما البقاعي فإنه قد ذكر ما اعتُرِض به على ابن الصلاح في هذا التقسيم والتعريف إما إجمالًا، كقول ابن دقيق العيد بعد نقل كلام ابن الصلاح هذا، في الاقتراح / 171: وهذا كلام فيه مباحثات ومناقشات على بعض الألفاظ، وإما تفصيلًا، وهو كلام ابن جماعة المتقدم، ثم تصدى للجواب عمومًا عن ابن الصلاح فقال: وعندي أنه لا يرد عليه شيء؛ لأنه لم يسلك ما ذكر مسلك التعريف، وإنما بَيَّن القيد الذي ينزل به الحسن عن درجة الصحيح، وجعله شرحًا لكلام الترمذي والخطابي، والترمذي قد حكم على ما عَرَّف به بأنه: لا يكون في اسناده من يتهم بالكذب، وهذا فرع معرفة الاتصال، فالساقط والمنقطع والمرسل لا يسوغ الحكم عليه بتهمة كذب ولا عدمها؛ لأن الحكم على الشيء فرع تصوره، والخطابي اشترط معرفة المَخْرَج، والمرسل لم يُعْرَفْ مَخْرَجُه/ النكت الوفية 64 أ.
(1)
قرر ابن رجب أن هذا الشرط يدخل بمقتضاه في الحسن: ما يرويه الثقة العدل، ومن كثر غلطه، ومن يغلب على حديثه الوهم، بشرط عدم الشذوذ، ورواية نحوه من وجوه متعددة/ شرح العلل/ 1/ 384 و 385، وهذا ليس مُسَلّمًا له، ويمكن الجواب عنه بما يلي:
(أ) أن الثقة العدل شرط راوي الصحيح كما هو مقرر، وكما ذكره ابن رجب بنفسه قبل هذا وبعده في تعريف الصحيح - شرح العلل 1/ 345 و 388. وهذا التعريف مسوق لتمييز الحسن لغيره عما عداه؛ فكيف يجعل الصحيح داخلًا فيه؟ ولو قيل: إن هذا مُسَلّم؛ ولكن عبارة الترمذي تُفيد ما ذُكِر، فإنه يُجَاب برد إفادتها ذلك نصًا وسياقًا؛ أما نصا فلأن الترمذي لم يَعْدِل عن "ثقة" وهي كلمة واحدة، إلى قوله:"لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب" إلا لغرض يناسب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= المعرَّف وهو إرادة قصور رواته عن وصف "الثقة"؛ بل وعن وصف راوي الحسن لذاته، كصدوق ونحوها، وأما سياقًا فيؤيد إرادته هذا القصور بقيةُ سياق التعريف؛ حيث اشترط مع نفي الشذوذ، وجود عاضد من وجه آخر، والثقة والصدوق ونحوهما عند عدم الشذوذ لا يَحتاج قبولهما لعاضد، فكأن قول الترمذي:"لا يكون متهمًا" يراد به في إطار بقية التعريف: أن يكون الراوي مضعفًا بما هو أخف من تهمة الكذب، حتى يقبل الانجبار بالعاضد ويرتقي إلى مرتبة الحسن./ انظر النكت الوفية/ 61 ب وتدريب الراوي 1/ 156، 164، 175، وتعليق د. عتر على شرح ابن رجب للعلل 1/ 385.
(ب) أما إدخال ابن رجب "لكثير الغلط، ومن يغلب على حديثه الوهم" فهذا غير مُسلم؛ لأن هؤلاء في مرتبة المتهم بالكذب، فنفيه نفي وإخراج لمن يماثله، ويؤيد هذا أن الترمذي قبل تعريفه للحسن بصفحات قال: فكل من رُوي عنه حديثه، ممن يُتهم أو يضعف لغفلته وكثرة خطئه، ولا يعرف ذلك الحديث إلا من حديثه، فلا يحتج به/ جامع الترمذي - كتاب العلل 5/ 397، ثم قال بعد هذا بصفحة: فكل من كان متهمًا في الحديث بالكذب، أو كان مغفلًا يخطئ الكثير، فالذي اختاره أكثر أهل الحديث من الأئمة ألا يشتغل بالرواية عنه/ المصدر السابق/ 399.
فهذا يفيد أن من ذكرهم ابن رجب، معدودون في مرتبة المتهم عند الترمذي، فضلًا عن غيره، وأن حكمهم مثله في الترك وَردِّ ما ينفردون به حيث لا ينجبر، بل إن ابن رجب نفسه بعد صفحات من قوله بدخول هؤلاء في حد الحسن عند الترمذي قال متعقبًا غيره كما سيأتي قريبًا: وتسمية الحديث الواهي الذي تعددت طرقه حسنًا، لا أعلمه وقع في كلام الترمذي في شيء من أحاديث كتابه/ شرح العلل/ 1/ 394. وأيضًا تقدم تعقبه لابن الصلاح في ذكر "المغفل كثير الخطأ" في التعريف الذي نزل عليه كلام الترمذي وقال: إن كلام الترمذي لا يدل عليه.
أما الحافظ ابن حجر فذكر أن شرط عدم الاتهام بالكذب يدخل في الحسن عند الترمذي رواية كل من المستور، والضعيف بسوء الحفظ أو بالغلط، أو الخطأ غير =
والثاني والثالث: يرجعان إلى المتن، وهو ألا يكون شاذًا، ويروى من غير وجه نحوه (1).
= الفاحش، أو رواية المختلط بعد اختلاطه، والمدلِّس اذا عنعن، لعدم منافاة كل هذه الأنواع من الضعف لشرط عدم التهمة بالكذب، فمتى انتفى عن الرواة الموصوفين بذلك الشذوذ، ووجد العاضد كان حديثهم حسنًا عند الترمذي، وقد أيد الحافظ ذلك بالأمثلة التطبيقية من جامع الترمذي كما أشرت من قبل/ انظر الإفصاح / 43 أ - 44 أوقد تابع ابن حجر على هذا: البقاعي/ النكت الوفية / 61 ب والسخاوي/ فتح المغيث 1/ 63 والسيوطي/ شرحه لألفيته/ 50 أوما بعدها، والقاري/ شرح شرح النخبة/ 77 والصنعاني/ 1/ 163 - 166، فهذا أقرب لمقتضى شرط عدم تهمة الكذب هنا، بخلاف ما تقدم عن ابن رجب، والله أعلم.
(1)
أشار البقاعي إلى أن "نحوه" ليست قيدًا لإِخراج ما كان مثله؛ بل ليفهم منها أن المتن العاضد إذا كان مثل لفظ المعضود كان داخلًا من باب أولى/ النكت الوفية 70 ب، ومن المعروف أن عبارة الترمذي:"يروى من غير وجه نحوه" قد أخذ ابن الصلاح منها قوله السابق ص 230 (أصل): "رُوِيَ مثلهُ أو نحوه من وجه آخر أو أكثر".
وقد ذكر ابن رجب أن عبارة الترمذي تفيد: أن يروى معنى ذلك الحديث من وجوه أُخر عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير ذلك الإسناد/ شرح العلل 1/ 384 ثم عاد بعد ذلك فقال: إن الترمذي في هذه العبارة، لم يقل: عن النبي صلى الله عليه وسلم فيُحْتمَل أن يكون مراده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يحتمل أن يُحمَل كلامه على ظاهره وهو أن يكون معناه: يروي من غير وجه، ولو موقوفًا؛ ليُستَدَل بذلك على أن هذا المرفوع له أصل يعتضد به، قال: وهذا كما قال الشافعي في الحديث المرسل: إنه إذا عَضَده قول صحابي أو عمل عامة أهل الفتوى به كان صحيحًا/ شرح العلل 1/ 387، 388، ونلاحظ هنا أمرين:
أحدهما: أنه قصر العاضد أولًا على المرفوع للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم عاد ثانيًا فقرر أن كلام الترمذي محتمل للمرفوع وللموقوف، وظاهره عدم التقيد بالمرفوع. وهذه النقطة لم يتعرض لها ابن الصلاح. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الأمر الثاني: أنه قرر اشتراط أن يكون العاضد مرويًا من عدة وجوه، وقد اعتبر تفسيره في ذلك لكلام الترمذي موافقًا لتفسير ابن الصلاح الذي نزَّل عليه كلام الترمذي، ولكلام الشافعي في اعتضاد المرسل، بينما نجد ابن الصلاح -كما تقدم كلامه في الشرح ص 230 - لا يشترط تعدد العاضد؛ وإنما قال: وجها أو أكثر، وعلقنا عليه هناك بأنه على هذا يكفي وجه واحد للاعتضاد به، وكذا نجد الشافعي لا يشترط تعدد العاضد كما سيأتي ذكرة، وعليه فقول ابن رجب: إن تفسيره لكلام الترمذي موافق لتفسير ابن الصلاح له في هذا الموضع، ولكلام الشافعي في اعتضاد المُرسَل، غير مسلَّم، ونعم إن ابن الصلاح بعد تقريره الاكتفاء في العاضد بوجه واحد -كما تقدم- عاد بعد أحد عشر سطرًا فقال: إن الحسن يُكْتفَى فيه بماسبق ذكره من مجيء الحديث من وجوه
…
الخ/ علوم الحديث/ 48.
وقد تعقبه العراقي في هذا بأنه لم يسبق اشتراط مجيئه من وجوه، بل "من غير وجه" كما سبق ذلك في كلام الترمذي، ثم قال العراقي: وعلى هذا فمجيؤه -يعني الحديث- من وجهين -أي العاضد والمعضود- كاف في حد الحديث الحسن/ التقييد والإيضاح/ 48، وقد عاد ابن الصلاح مرة أخرى في مبحث شرقي الحسن لذاته إلى الصحيح لغيره، فذكر أنه لمَّا رُوِي من أوجه أخَر صح الإسناد والتحق بدرجة الصحيح/ علوم الحديث 51 / وقد وافقه العراقي في ألفيته وشرحها على ذلك، وقال في الشرح: إن ابن الصلاح أخذ كلامه هذا من قول الترمذي: "روي من غير وجه".
وبهذا وقع هو فيما كان تعقب به ابن الصلاح، كما تقدم من القول بتعدد العاضد/ انظر التبصرة والتذكرة وشرحها للعراقي / 1/ 92، 93 وقد ذكر البقاعي أنه يمكن توجيه كلام الترمذي على أن الحسن لغيره يروى من وُجوْه أقلُّها ثلاثة: المعضود، من وجه، والعاضد الذي يكون نحوه، يروى من غير وجه، أي من وجهين فأكثر؛ فإذا ضممت طريقي العاضد إلى طريق المعضود، كانت ثلاثة؛ لكنه عارض هذا بأنه يكون مخالفًا لنص الشافعي في المرسل، فإنه =
ولعلهما إذا حُقِّقا كانا واحدًا (1)، وسيوضح ذلك التعريفُ
= صرح بأنه يكتفى فيه بوجه واحد يَعْضُده/ النكت الوفية/ 65 ب وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 91 والرسالة للشافعي - باب الحجة في تثبيت خبر الواحد/ 144 الطبعة الأولى.
وعليه فالراجح هنا ما تقدم من أن أقل ما يُجْبَر به طريق واحدة مساوية للمجبور في الضعف، أو أعلى، بشرط قصورها عن درجة الصحة، ولذا قال البقاعي: والعبارة المخلَّصة -أي من الاحتمال- أن يقال: إذا رُوي من غير وجه نحوه، كما قال الترمذي، وكما قال ابن الصلاح في الحسن لغيره: بأن رُوي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر/ النكت الوفية/ 70 أبتصرف يسير. ويبدو لي أن عبارة الترمذي غير مخلصة من الاحتمال، بدليل تفسير البقاعي نفسه لها، ولذا مشى ابن حجر على عبارة ابن الصلاح/ الإِفصاح/ 45 أ، 47 أ، ولكن لا شك أنه كلما كثر المتابع أو الشاهد قَوِي ظنُّ ثبوت الحديث، كما في أفراد المتواتر؛ فإن أولها من رواية الأفراد، ثم لا يزال يكثر إلى أن يقطع بصدق المروي، ولا يستطيع سامعه أن يدفع ذلك عن نفسه/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 63، 70، والنكت الوفية/ 66 أ، ب.
(1)
وقد مشى على أنها ثلاثة بدون تداخل، غير واحد، وإن اختلف بعضهم مع المؤلف في تلك الشروط من جهة أخرى، قال الحافظ ابن رجب: ومن المتأخرين أيضًا من قال: مراد الترمذي بالحسن أن كلًا من الأوصاف الثلاثة التي ذكرها في الحسن - وهي سلامة الإِسناد من المتهم، وسلامته من الشذوذ، وتعدد طرقه -ولو كانت واهية- موجب لحسن الحديث عنده.
قال: وهذا بعيد جدًّا، وكلام الترمذي إنما يدل على أن لا يكون حسنًا حتى يجتمع فيه الأوصاف الثلاثة، وتسمية الحديث الواهي الذي تعددت طرقه حسنًا، لا أعلمه وقع في كلام الترمذي في شيء من أحاديث كتابه/ شرح العلل 1/ 394، ولم يفصح ابن رجب كما ترى باسم هذا المتأخر القائل بهذا، ويبعد أن يكون مراده ابن سيد الناس؛ لأن العبارة التي ساق بها شروط الترمذي وإن كانت متقاربة مع عبارة ابن سيد الناس هنا؛ لكنها تختلف عنها من جهتين: =
بالشاذ ما هو؟؛ وحيث أحال في تعريف الحسن عليه، ولم يسبق تعريفه، وجب أن نبين ما ذكر العلماء فيه ليتبين المراد من قوله:"وألا يكون شاذًا" وقد قال الامام الشافعي رحمه الله ورضي عنه-: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي
غيره/، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثًا يخالف ما روى الناس (1).
= أُولاهما: أن ابن سيد الناس لم يقل: إن كل شرط من الثلاثة موجب وحده حُسْن الحديث، في حين يرى هذا المتأخر ذلك كما حكى عنه ابن رجب.
وثانيتهما: أنه يرى كفاية الطرق الواهية في الاعتضاد، وليس في كلام ابن سيد الناس ما يدل على ذلك وقد ذكر الحافظ ابن حجر أيضًا بعد ابن رجب هذه الشروط كما ذكرها ابن سيد الناس هنا، وعدها ثلاثة، وأشار إلى اشتراطها عند الترمذي مجتمعة لتحقق الحديث الحسن/ الإِفصاح/ 43 أ، 47 ب.
(1)
أخرجه الحاكم بسنده عن الشافعي: ولفظه: ليس الشاذ من الحديث أن يَروِي الثقةُ ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ؛ إنما الشاذ أن يروى الثقة حديثًا يخالف فيه الناسَ، هذا الشاذ من الحديث/ المعرفة للحاكم/ 119، أما الخليلي فأشرك مع الشافعي جماعةً من أهل الحجاز؛ فقال: وأما الشاذ، فقد قال الشافعي وجماعة من أهل الحجاز: الشاذ عندنا ما يرويه الثقات على لفظ واحد، ويرويه ثقة خلافه، زائدًا أو ناقصًا هـ ثم عقب الخليلي على ذلك بقوله: "والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ
…
" الخ ما سيأتي ذكر الشارح له قريبًا،/ منتخب إرشاد الخليلي لأبي طاهر السلفي / ل 9 ومقدمة ابن الصلاح/ 69 وكأن الخليلي بتعقيبه على تعريف الشافعي ومن معه بما عليه حفاظ الحديث، لا يرتضي تعريف الشافعي ومن معه. ونحوه فعل ابن رجب، فإنه بعد ذكر تعريف الشافعي للشاذ قال: وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد -وإن لم يرو الثقات خلافه-: إنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه، كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= تفردات الثقات الكبار أيضًا، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه، قال صالح بن محمد الحافظ: الشاذ: الحديث المنكر الذي لا يُعرف/ شرح العلل 1/ 352، 353؛ لكن ابن رجب بعد ذكره أن أكثر أهل الحديث على خلاف تعريف الشافعي للشاذ كما ذكرت، قرر أن الترمذي في قوله في تعريف الحسن:"ولا يكون شاذًا" أراد بالشاذ ما قاله الشافعي/ شرح العلل 1/ 384، و 388، وكذا قال ابن حجر وزاد أنه أليق؛ لكي لا يكون معناه مكررًا مع قول الترمذي بعده: ويروى من غير وجه نحوه، قال: والحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد، لا سيما في التعاريف/ الإِفصاح 47 أو 102 أ، وتبعه على ذلك السخاوي/ فتح المغيث 1/ 13، و 63، و 65، و 197؛ لكن هذا يخالف اتفاق هؤلاء ومن تبعهم على أمرين -كما تقدم في كلامهم قبل قليل- وهما:
1 -
أن تعريف الترمذي مقصود به الحسن لغيره.
2 -
أن الحسن لغيره، قبل الاعتضاد بغيره ضعيف لذاته؛ لعدم اتصال سنده، أو لضعف راويه بما دون تهمة الكذب.
وعليه فكيف يفسر الشذوذ المرادُ انتفاؤه في تعريف الترمذي، بأنه كما ذكر الشافعي: تفرد الثقة مخالفًا الناس، أو بعبارة أخرى، ما خالف فيه الراوي من هو أحفظ منه، أو أكثر عددًا سواء تفرد به أو لم ينفرد به؟ / الافصاح 47 أ/ هذا ما لا يعد لائقًا بمراد الترمذي فضلًا عن كونه أليق، كما عبر عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله، ومما يؤيد هذا، أن الحافظ ابن حجر أيضًا وتبعه السخاوي، قررا أن الشاذ المراد انتفاؤه في تعريف الحديث الصحيح لذاته هو الشاذ كما فسره الشافعي/ الإِفصاح/ 4 ب، فتح المغيث 1/ 13 فكيف يتساوى المراد بالشاذ في تعريفي الصحيح لذاته والحسن لغيره؟.
ولعل هذا ما جعل الشارح كما سيأتي قريبًا في الأصل - يقرر أن الترمذي توسع في المراد بالشاذ هنا عن تعريفي الشافعي والحاكم، وأن مراده به يقرب مما ذكر الخليلي؛ لكنه عند تفصيل ذلك أوضح جانبًا من التوسع والقرب من مراد الخليلي، وتردد في جانب. =
وذكر أبو عبد الله الحاكم: أن الشاذ هو: الحديث الذي ينفرد به ثقة من الثقات، وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة (1).
= فالجانب الذى أوضحه هو جانب عدم التقيد في الشاذ بتفرد الثقة الذي اتفق الشافعي والحاكم على التقيد به، وصرح الخليلي بعدم التقيد به -كما سيأتي كلامه في الأصل ص 246، 247 - وقد قرر الشارح ذلك بقوله:"إن كلام الترمذي مؤذن بدخول تفرد المستور في مسمى الشاذ". أما جانب مخالفة ما رواه الراوي لمن هو أقوى أو أكثر عددًا منه ونحو ذلك من المرجحات، وهو الذي صرح الشافعي بالتقييد به أيضًا، فقد تردد الشارح في دخوله في مقصود الترمذي بالشاذ أو عدم دخوله، وبناء عليه تردد في مقصوده بالعبارة التالية للشاذ في التعريف وهي قول الترمذي:"ويروى من غير وجه نحوه" هل هي تفسير للشاذ المذكور قبلها، أو شرط جديد في التعريف؟ ولكن ستأتي مناقشة الشارح في ذلك وبيان الأنسب في تقديري لمراد الترمذي.
(1)
معرفة علوم الحديث للحاكم/ 119 ومقدمة ابن الصلاح/ 69، ونسبه النووي إلى جماعات من أهل الحديث غير الحاكم، ثم قال: وهذا ضعيف/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 195، وقال الحافظ ابن حجر: أسقط -يعني شيخه العراقي- من قول الحاكم قيدًا لا بد منه وهو أنه قال:-يعني بعدما تقدم-: وينقدح في نفس الناقد أنه غلط - ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك، وعلل أهمية هذا القيد بأن به يكون التغاير بين الشاذ وبين المعلل الذي ذكره الحاكم بقوله: وهو غير المعلول؛ فإن المعلول ما يوقف على علته، أنه دخل حديث في حديث
…
الخ/ النكت الوفية/ 145 أوتدريب الراوي 1/ 232 ومعرفة علوم الحديث للحاكم/ 119.
أقول: وهذا القيد الذي ذكر الحافظ ابن حجر أن شيخه أسقطه من كلام الحاكم، ليس موجودًا مع تعريفه المذكور للشاذ، ولا في كلامه عن نوع الشاذ كله، ولا عن معرفة علل الحديث؛ وإنما الموجود فقط تعريف الشاذ كما ذكره المؤلف هنا بلفظه، مع ذكر الفرق بين الشاذ والمعلول كما أشرت/ انظر معرفة علوم الحديث للحاكم/ 113 - 122.
فكلاهما جعل الشاذ: تفرد الثقة؛ غير أن الشافعي ضم إلى ذلك شرط مخالفة ما روى الناس.
والذي يظهر من كلام الترمذي التوسع في ذلك (1)، وأن تفرد
(1) سيأتي تصريح الشارع بعد قليل بمراده بهذا التوسع، وهو أن الترمذي يرى أن الشذوذ المذكور في تعريفه للحسن يشمل تفرد الثقة أو المستور؛ فيكون دخول المستور مع الثقة في مسمى الشاذ توسعًا عما قاله الشافعي والحاكم؛ ولكن نسبة هذا التوسع للترمذي غير مُسلَّمة؛ لأنا قدمنا أن تعريف الترمذي مقصود به الحسن لغيره، وعليه فلا يدخل في مسمى الشاذ المذكور في تعريفه تفرد الثقة، لنزول رواته عن حد الثقة، ولا يقال -كما سيأتي في بعض الاعتراضات على الترمذي في الشرح- إن الثقة داخل في التعريف بمقتضى قول الترمذي:"ألا يكون في رواته متهم بالكذب"، لأننا نقول: إن في بقية التعريف ما يدل على أن مراده بهذا ما دون الثقة، من المستور أو المضعف بما هو أخف من تهمة الكذب ونحوها كفحش الخطأ؛ حتى يَقبَل الانجبار، وذلك حيث قال:"ويُروَى من غير وجه نحوه" فاشترط مع انتفاء الشذوذ وجودَ عاضد، والثقة إذا انتفى شذوذه لا يحتاج قبول روايته إلى عاضد، وحديثه يكون صحيحًا لذاته، فخرج عن حد الحسن لغيره، وسيأتي مزيد بيان لذلك في الجواب عن الاعتراض على الترمذي في هذا التعريف.
والذي يبدو لي أنه طالما تقرر عند الشارح كما سيأتي -وعند غيره - كما تقدم-: أن تعريف الترمذي مقصود به الحسن لغيره؛ فإنه يجب تفسير قوله: "ولا يكون شاذًا، ويروى من غير وجه نحوه" بما يجعل التعريف مطابقًا للمعَرَّف ولأمثلته التطبيقية -ولو غالبًا- خاصة في جامع الترمذي نفسه؛ لأن هذا أقرب دليل على مراده، سواء وافق هذا التفسير تعريف غير الترمذي لكل من الشاذ والمنكر أم لا؛ لأن الترمذي من أئمة التقعيد وتقرير الاصطلاحات، وتعريف الشاذ والمنكر، والتفريق أو الموافقة بينهما، مما تعددت فيه الأقوال وتفاوتت/ انظر شرح شرح النخبة لعلي قاري/ 54، 55 وعلوم الحديث لابن الصلاح والتقييد والايضاح/ 104 - 106 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 194 - 199. =
المستور داخل في مسمى الشاذ؛ لِمَا أَذِنَ به كلامُه (1) من أن رواية المستور الذي لا يتهم بالكذب على قسمين:
= وعليه يمكن أن نقول: إن الترمذي قصد بالعبارتين السابقتين نفي نوع من الشذوذ ونوع من النكارة يناسبان قصور مرتبة رواة الحسن لغيره.
فمقصوده بالشاذ ما تفرد به مستور الحال، أو سيء الحفظ، ونحوه من المضعف بأخف من تهمة الكذب ونحوها كفحش الخطأ، مع وجود مخالف لهؤلاء أرجح منهم بقوته أو كثرة عدده، ونحو ذلك من المرجحات، والشاذ بهذا المعنى قد نسب السخاوي للأكثرين تسميته منكرًا/ فتح المغيث 1/ 199.
أما قوله: "ويروى من غير وجه نحوه" فيكون مقصودًا به شرط آخر وهو تعدد طرق الحسن لغيره بمتابع أو شاهد، ولو لم يوجد مخالف أرجح، انظر الافصاح / 143 أ، 47 أ.
وبهذا الشرط ينتفي عن الحسن أحد قسمي المنكر وهو ما تفرد به راويه ولو لم يُخَالَف، كما يوجد في إطلاق الامام أحمد وغيره/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 198، 199.
وعلى هذا التفسير للعبارتين تكون كل منهما أفادت شرطًا خاصًا، ويتحقق بذلك التأسيس الذي هدف اليه الحافظ ابن حجر كما مر، ويندفع عن الحسن الشذوذ والنكارة.
ولعله بهذا يطابق التعريف المعرف وأمثلته، لا سيما في جامع الترمذي الذي أكثر فيه من هذا النوع من الحسن.
(1)
يقصد قول الترمذي: كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب/ جامع الترمذي - كتاب العلل 5/ 412 فيدخل فيه المستور؛ لكن يلاحظ أنه لا يقتصر عليه بل يدخل أيضًا المجهول، وسيء الحفظ، ونحوهما مما خلا عن تهمة الكذب ونحوها كما تقدم/ وانظر النكت الوفية/ 61 ب وفتح المغيث للسخاوي 1/ 63.
1 -
ما شُورِك فيه، وهو داخل عنده في مسمى الحسن (1).
2 -
وما لم يُشارَك فيه، والذي سماه شاذًا، ولم يُلْحِقْه بالحَسَن (2).
وينبغي إذا كان تفرد المستور عنده يجبره متابعةُ مَن تابَعه -وهو محتاج إليها؛ لانحطاطه عن درجة الثقة- أن يكون [ما](3) تفرد به الثقة عنده مقابَلًا بالقبول، إذا لم يُخالَفْ، أو التوقف؛ ليظهر بينهما فَرق (4) وهو خلاف ما ذكره الحاكم رحمه الله (5) - ونحو مما ذكر الخليلي (6).
(1) بمقتضى قوله في بقية التعريف: "ويروى من غير وجه نحوه".
(2)
لاشتراطه انتفاء الشذوذ، لكن يلاحظ أن الشارح اقتصر كما ترى على أن حصول المشاركة فقط يرفع الشذوذ، وعدمَها يوجدُه، ومقتضى ما تقدم في بيان مقصود الترمذي بالشاذ يقتضي أن يراعى مع المشاركة، عدم المخالف الأرجح، حتى يرتفع الشذوذ، ولعل الشارح لم يذكر المخالفة لما سيأتي في كلامه قريبًا من التردد في أن الترمذي قصدها أو لا؟.
(3)
زيادة مني لا يستقيم المعنى بدونها.
(4)
أي بين تفرد المستور والثقة.
(5)
يعني في تعريفه للشاذ كما تقدم في الأصل ص 243.
(6)
هو الإمام أبو يعلى، الخليل بن عبد الله بن أحمد بن الخليل، الخليلي القزويني، مصنف كتاب "الارشاد في معرفة المحدثين" وهو كتاب كبير انتخبه الحافظ السلفي، وكان الخليلي ثقة حافظًا عارفًا بالعلل والرجال وتوفي آخر سنة 446 هـ/ سير أعلام النبلاء/ 17/ 666، 667 وتذكرة الحفاظ/ 3/ 1123، 1124 / كلاهما للذهبي/.
هذا وما ذكره الشارح من أن ما تفرد به الثقة ولم يُخالَف فهو مقبول، وما خولف =
حيث يقول: إن الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ: ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ، ثقة كان أو غير ثقة؛ فما كان
= فيه فهو متوقف فيه، ليس نحوًا مما ذكر الخليلي؛ لأن الخليلي لم يفرق بين من خولف ومن لم يُخالَف؛ بل أطلق التوقف في الحالتين. كما أن الذي اختاره ابن الصلاح وأقره مَن بعده: أن ما ينفرد به الثقة مُخالِفًا مَن هو أرجح منه فهو قسم من الشاذ المردود، وهو الذي عرفه الشافعي كما مر في الأصل/ وانظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 197.
وعلى هذا فالقول المذكور بالتوقف المطلق فيما تفرد به الثقة إذا خُولف، لا يتفق مع تعريف الترمذي للحسن، ولا مع المختار عند المحققين من العلماء، اللهم إلا أن يُراد التوقف لحين ظهور الراجح، فيجب التقييد بذلك.
وإذا كان القصد من ذكره -كما أشار الشارح- هو إظهار فرق بين تفرد المستور، وتفرد الثقة، أو تقريب مُراد الترمذي بالشاذ في تعريف الحسن، من مراد الخليلي بالشاذ عمومًا، كما أشار له الشارح بَعْد، فكلا الأمرين لا ينهضان مبررًا لذلك.
أما إظهار فرق بين تفرد المستور وتفرد الثقة فيمكن بدون اللجوء للقول المذكور بالتوقف، وذلك لأن ما تفرد به المستور ولو لم يخالفه الأرجح فلا يقبل عند الترمذي إلا بعاضد، لاشتراطه العاضد في تعريف الحسن كما تقدم، وأما ما تفرد به الثقة ولم يُخالَف، فهو مقبول كما ذكره الشارح نفسه/ وانظر شرح العلل/ 1/ 462.
وأما تقريب مراد الترمذي بالشاذ، من مراد الخيلي فليس ضروريًا، لأن تعريف الخليلي للشاذ منتقد، كما سيأتي في الأصل، ودفاع الشارح عنه غير مسلم كما سيأتي قريبًا، كما أن الخلاف في المراد بالشاذ ليس مقتصرًا على الخليلي، فالتقريب من مراده لن يرفع الخلاف./ وانظر هامش شرح العلل 1/ 461 وأيضًا سيأتي في التعليق أنه لو سُلّم للشارح استنتاجه المذكور فسيبقى هناك فرق بين ما ذكره وبين مراد الخليلي بالشاذ.
عن غير ثقة فهو متروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه، ولا يحتج به (1).
وأورد عليه أبو عمرو (2) ما تفرد به العدل الحافظ (3) كحديث الأعمال بالنيات (4).
(1) منتخب ارشاد الخليلي لأبي طاهر السلفي/ ل 9، وعلق السخاوي على قول الخليلي:"ولا يحتج به" فقال: ولكن يصلح أن يكون شاهدًا/ فتح المغيث 1/ 195، ومقتضى إطلاقه التوقف فيما تفرد به الثقة عدم الفرق في ذلك بين ما تفرد به ثقة وخالفه أرجح منه، وبين ما تفرد به، ولم يخالفه الأرجح/ شرح السيوطي لألفية العراقي/ 9 ب، ولذا جاء إيراد ابن الصلاح عليه مطلقًا غير مقيد بالمخالفة، وإن كان ما مثل به من الأحاديث، وما فسره بعدها يوضح أن مراده مقيد بالمخالفة.
(2)
هو ابن الصلاح، وإيراده ليس على الخليلي وحده كما يفيده قول الشارح:"أورد عليه"؛ بل الإيراد عليه وعلى الحاكم، وسيأتي في التعليق التالي ذكر كلامه.
(3)
ولم يخالفه من هو أرجح منه، كما يدل عليه تمثيله بحديث النية وتصريحه بعده بأن ما رواه الفرد المخالَف بمن هو أرجح، شاذ مردود/ علوم الحديث/ 104؛ لكنه لم يُقيد في الإيراد تبعًا لعدم تقييد الخليلي والحاكم.
(4)
قال ابن الصلاح -بعد ذكر تعريف الشاذ عند الشافعي والحاكم والخليلي-: قلت: أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول، وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط، كحديث: إنما الأعمال بالنيات؛ فإنه حديث فرد، تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تفرد به عن عمر، علقمة بن وقاص، ثم عن علقمة، محمد بن ابراهيم، ثم عنه يحيى بن سعيد، على ما هو الصحيح عند أهل الحديث/ علوم الحديث، مع التقييد والإِيضاح/ 102، والحديث أخرجه الستة من طُرق، عن يحيى بن سعيد، به/ تحفة الأشراف 8/ 91 - 93 ح 10612 ولشهرته نكتفي بتخريجه من الصحيحين، فقد أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي - باب =
قلت: وفي لزومه نظر؛ للفرق بين الوصف بالثقة، والوصف بالعدل الحافظ، فيحتمل الثاني ما لا يحتمل الأول؛ لتفاوت الدرجتين، كما قلنا في الثقة والمستور (1).
= كيف كان بدء الوحي/ البخاري مع الفتح 1/ 9 ح 1، وفي الإيمان - باب ما جاء أن الأعمال بالنية/ 1/ 135 ح 54، وفي العتق - باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه/ 5/ 160 ح 2529 وفي مناقب الأنصار - باب هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة/ 7/ 226 ح 3898 والنكاح - باب من هاجر أو عمل خيرًا لتزويج امرأة/ 115/ 9 ح 5070، وفي الأيمان والنذور - باب النية في الايمان/ 11/ 571، 572 ح 6689، والحيل - باب في ترك الحيل/ 12/ 327 ح 6953 وأخرجه مسلم في كتاب الإِمارة - باب إنما الأعمال بالنية/ 3/ 1515 ح 155.
(1)
أورد الحافظ العراقي خلاصة هذا التعقب، ولم ينسبه للشارح، ثم أجاب عنه بعبارتين:
أولاهما قال: والجواب: أن الخليلي والحاكم ذكرا تفرد مطلق الثقة، فيدخل فيه الثقة الحافظ قطعًا/ التقييد والإِيضاح/ نسخة دار الكتب المصرية رقم 25337 ب/ ق 36 ب، ونحوها في التدريب 1/ 236.
وثانيتهما قال فيها: والجواب أن الحاكم ذكر تفرد مطلق الثقة، والخليلي إنما ذكر مطلق الراوي؛ فَيرِدُ على إطلاقهما تفرد العدل الحافظ ولكن الخليلي يجعل تفرد الراوي الثقة شاذًا صحيحًا، وتفرد الراوي غير الثقة شاذًا ضعيفًا، والحاكم ذكر تفرد مطابق الثقة، فيدخل فيه تفرد الثقة الحافظ قطعًا./ التقييد والإيضاح / 101 ط السلفية، و 84 ط حلب ونسخة دار الكتب المصرية رقم 36 مصطلح الحديث/ 76 ب، وقد أُثبِتَتْ العبارة بالهامش مع إشارة دخولها في الصلب بعلامة (صح)، وكتب بالهامش أيضًا أن تلك العبارة من زيادات العراقي في نكته في 29 جمادي الأولى سنة 793 هـ، وعليها مشى البقاعي/ النكت الوفية / 145 ب، 146 أ، ويؤيد ما ذكره العراقي في عبارتيه من دخول العدل الحافظ في وصف (الثقة) قول الذهبي: حد الثقة: العدالة والإِتقان/ الميزان/ 1/ 5. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وعليه فالفرق والتفاوت بينهما بحيث يحتمل الوصف بـ (عدل حافظ) ما لا يحتمله الوصف بـ (ثقة)، وقياس ذلك بالفرق بين الثقة والمستور، ثم جعل حديث العدل الحافظ صحيحًا، وحديث "الثقة" مرة حسنًا، ومرة صحيحًا كما سيأتي في بقية كلام الشارح، كل ذلك غير مسلم كما سنوضحه فيما يلي من التعليق.
لكن الحافظ ابن رجب قد التقى مع الشارح في دفع الإيراد المذكور عن الخليلي، وذكر أن الخليلي يفرق بين تفرد الثقة وتفرد الإِمام أو الحافظ؛ وبيان ذلك، أن الخليلي -قبل ذكره تعريف الشاذ عند حفاظ الحديث كما جاء في الأصل- قال: وأما الأفراد، فما تفرد به حافظ مشهور ثقة، أو إمام من الحفاظ والأئمة فهو صحيح متفق عليه، ومثل لذلك بما تفرد به مالك عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر/ أخرجه البخاري/ كتاب الحج باب دخول مكة والحرم بغير احرام/ البخاري مع الفتح/ 59 حديث/ 1846 ومسلم في الحج - باب جواز دخول مكة بغير إحرام/ 2/ 989، 990 حديث/ 450 والترمذي -كتاب الجهاد- باب ما جاء في المغفر، وقال: حسن صحيح، لا تَعرِفُ كبير أحد رواه غير مالك عن الزهري/ الترمذي 3/ 119 حديث 1744 / قال الخليلي: فهذا وأمثاله من الأسانيد متفق عليها/ منتخب الإِرشاد لأبي طاهر السلفي/ ل 5 ب، ثم ذكر بعد ذلك تعريف الشاذ، كما في الأصل عن حفاظ الحديث وأقرهم.
فرأى الحافظ ابن رجب أن مجموع كلامي الخليلي عن الحديث الفرد والشاذ يدل على أنه يفرق بين ما ينفرد به شيخ ثقة، وبين ما ينفرد به إمام أو حافظ؛ فالأول يتوقف فيه، والثاني يحتج به، وأنه حكى ذلك عن حفاظ الحديث، وأيد ابن رجب تفرقة الخليلي هذه، فذكر: أن كلام الخليلي -يعني قولَه بالتوقف- في تفرد الشيوخ، والشيوخ في اصطلاح أهل هذا الفن عبارة عمن دون الأئمة والحفاظ، وقد يكون فيهم الثقة وغيرُه/ شرح العلل/ 1/ 461، 462 مع تصرف يسير. وهذا الذي قرره الحافظ ابن رجب غير مُسلَّم له؛ لأن الشيوخ غير الثقات خارجين عن دائرة النزاع لضعفهم، وأما الشيوخ الثقات فإن سلّمنا له وللشارح =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولمن يوافقهما أنهم دون الأئمة والحفاظ فإننا لا نُسلم أن التفاوت بينهم يصل إلى درجة إطلاق القول بقبول ما تفرد به الإمام أو الحافظ، والتوقف فيما تفرد به الشيخ الثقة، بل هم مشتركون في استيفاء شرط صحة الحديث لذاته عند جمهور العلماء وهو التوثيق، وتفاوتهم إنما هو في إطار الصحة، فرواية الثقة المستوفاة لباقي الشروط، صحيحة، ورواية الإِمام أو الحافظ المستوفاة لها أصح، والتفاوت بين الصحيح والأصح ينظر إليه عند التعارض، فيقدم الأصح على الصحيح، وهذا خلاف القول بالتوقف الذي رتبه الإِمام ابن رجب والشارح على التفاوت المذكور،/ انظر الإِفصاح/ 9 أ، ب وتدريب الراوي 1/ 76 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 20 والكفاية للخطيب/ 425 ويؤيد هذا ما قرره جمهور العلماء في مراتب ألفاظ التعديل من أن التوثيق بأفعل التفضيل وما في حكمه أعلا من التوثيق بتكرير لفظ الثقة وما في درجته؛ وهذا أعلا من التوثيق بلفظ واحد منها، ولكنهم يقررون اشتراك الجميع في أصل الصحة والاحتجاج/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 363، 368 وشرح شرح النخبة للقاري/ 235 وعلوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 157، وميزان الاعتدال 1/ 4 ومختصر علوم الحديث لابن كثير وشرحه للشيخ شاكر/ 105، 106، وعليه فالتفاوت بينهم في دائرة الصحة والاحتجاج. وأيضًا قرر غير واحد من الأئمة أن كلًا من: الحافظ، والحجة، والإمام، أعلا من الثقة لتميزهم عنه بالدراية والمعرفة، وكذا قرروا أن الحفاظ طبقات/ انظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 365 والموقظة للذهبي 8 أ - 9 أإلا أن الجمهور على أن تلك الألفاظ الثلاثة من مرتبة واحدة في الصحة/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 364، 365 وعليه فالتفاوت بينهم في إطار نفس المرتبة. وإذن فالإمام والحافظ والثقة؛ بل والأعلى من ذلك، يشتركون عند التفرد في الخضوع للتفصيل الذي اعتبره المحققون من أنه إذا خالف أيًّا منهم من هُو أرجحُ منه كان ما تفرد به شاذًا مردودًا، وإذا لم يُخالَف كان صحيحًا، مع تفاوتهم في مراتب الصحة، وهذا يفيد عند التعارض بين ما هو صحيح وأصح كما قدمت، بل وبين أفراد الأصح كما في أصح الأسانيد في معارضة بعضها لبعض، وفي معارضتها للصحيح/ انظر فتح المغيث للسخاوي =
فتلخص من هذا، أن الحديث الذي ينفرد به راويه غير مخالَف فيه، قد يتأتى فيه أحوال ثلاثة: الصحة، مع الحفظ، والحسن، مع الثقة (1)، والرد، مع الستر (2) وإذا تقرر هذا، فالحكم بالإسناد الواحد على الحديثين بتصحيح أحدهما وتحسين الآخر مع الثقة، أو تحسين أحدهما ورد الآخر مع الستر، بحسب المتابعة والانفراد، متوجه (3).
= 1/ 20، 196، 197 وتوضيح الأفكار للصنعاني 1/ 37، 382 - 386.
وإذا تقرر هذا فقياس التفاوت بين الثقة والعدل الحافظ، بالتفاوت بين الثقة والمستور، قياس مع الفارق؛ لأن التفاوت بين الثقة وبين العدل الحافظ تفاوت في إطار الصحة والاحتجاج، أما بين الثقة والمستور فهو تفاوت بين الصحيح، والمتوقف فيه أو المردود، عند التفرد، كما قدمت من قبل، وكما سيأتي أيضًا هامش 3، وانظر شرح شرح النخبة للقاري/ 155، ولا يظهر أن الشارح يقصد بالقياس مطلق التفاوت المشترك، بدليل ما سيجيء من جعله "الحافظ" صحيح الحديث، و"الثقة" حسن الحديث اذا انفرد، وصحيحه إذا توبع.
(1)
هذا خلاف ما تقدم في التعليق السابق من أن الجمهور على أن الثقة والحافظ من مرتبة توثيق واحدة وأن حديثهما صحيح لذاته.
(2)
القول برد رواية ما تفرد به المستور غَيرُ المُخالَف هو مقتضى اشتراط الترمذي في الحسن لغيره: أن يُروى من غير وجه نحوه، ولكن سيأتي للشارح أن المستور المنفرد متردد بين القبول والرد، فيتوقف فيه حتى يوجد مرجح لجانب قبوله أو رده ص 278، 279، 326، 354، وهذا ما اختاره الحافظ ابن حجر كما تقدم ص 229، 230 هـ، وقد ذكرت هناك أن التوقف يكون إلى تمام البحث عن حالة، فإذا أيسنا من معرفته، رددنا روايته، كما هو رأي الجمهور، وقد جزم المؤلف بهذا بعد الموضع الذي اقتصر فيه على التوقف ص 424 أيضًا.
(3)
بل هذا الذي ذكره الشارح غير متوجه، بناءً على التفصيل الذي تقدم في حكم تفرد الثقة، وعلى القول المختار في تفرد المستور، وإنما المتجه أن حديث الثقة الفرد إذا لم يُخالَف بالأرجح منه، يكون صحيحًا لذاته بدون احتياج لمتابعة =
وقد قال الحاكم في كتاب المدخل للصحيحين: إن أئمة النقل/ فرقوا بين الحافظ، والثقة، والثبْت، والمتقن، والصدوق، هذا في التعديل (1)،
= أو شاهد، ولا ينزل عن ذلك لدرجة الحسن. وأما حديث المستور غير المخالَف فيتوقف فيه حتى يترجح فيه جانب القبول أو الرد؛ فإن توبع بمن يُرقِّيه إلى الحُسن أو إلى الصحة ارتقى.
(1)
انظر المدخل إلى معرفة الصحيحين للحاكم/ 28، وقد تقدم قريبًا أن تسليم الفرق بين الموصوفين بهذه الألفاظ وغيرها من ألفاظ التعديل لا يقتضي ما صرح به الشارح من تحسين حديث الثقة إذا انفرد وتصحيح حديث الحافظ، وبالتالي فاستدلاله بما ذكره الحاكم عن أئمة النقل، لا يستقيم، فهذه الألفاظ التي ذكرها الحاكم، الأربعة الأُول منها وإن تفاوتوا فيما بينهم فإنهم من مرتبة واحدة وهي المرتبة الثالثة من مراتب التعديل حسبما استقر عليه تقسيم المتأخرين للمراتب / تدريب الراوي 1/ 342، 343، وشرح شرح النخبة للقاري/ 234 وفتح الباقي للأنصاري مع شرح التبصرة والتذكرة للعراقي 2/ 4 / وحديث أهل هذه المرتبة جميعًا صحيح لذاته وإن تفاوتت أفراده من صحيح إلى أصح كما تقدم قريبًا. أما لفظ "صدوق" فمرتبته تنزل عن مرتبة هؤلاء إلى المرتبة التالية لهم مباشرة وهي المرتبة الرابعة، وحديث أصحابها حسن لذاته، قال البقاعي: فإن الثقة مَن جَمع الوصفين: العدالة وتمام الضبط، ومن نزل عن التمام إلى أول درجات النقصان قيل فيه: صدوق؛ أو لا بأس به، ونحو ذلك، ولا يقال: ثقة إلا مع الإرداف بما يزيل اللبس/ النكت الوافية/ 191 أ، ب/، يعني كأن يقال: ثقة له أوهام، أو أخطاء، ونحو ذلك.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر من ألفاظ المرتبة الثالثة في التعديل: ثقة، ومتقنًا، وثبتًا، ثم ذكر من ألفاظ الرابعة: صدوقًا، ولا بأس به، ومن ألفاظ الخامسة: صدوقًا يَهمِ أو له أوهام/ التقريب 1/ 4 فعلق تلميذه البقاعي على ذلك بأن مرتبة "صدوق يَهم" ليس بينها وبين مرتبة من يقول شيخه فيه: ثقة أو ثبت إلا مرتبة واحدة -يعني مرتبة الصدوق ونحوها- ثم قال: وحديث هذا الضرب حسن لذاته/ النكت الوفية/ 73 ب. وقال ابن الصلاح: إذا كان راوي الحديث =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= متأخرًا عن درجة أهل الحفظ والإِتقان، غير أنه من المشهورين بالصدق والستر، ورُويَ مع ذلك حديثه من غير وجه، فقد اجتمعت له القوة من الجهتين، وذلك يرقِّي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح/ علوم الحديث/ 31 ط السلفية، وأقره على ذلك النووي/ التقريب مع التدريب 1/ 175 والطيبي/ الخلاصة/ 44، والسيوطي حيث ذكر قول ابن الصلاح:"مع كونه مشهورًا بالصدق والستر" ثم علق عليه بقوله: وقد عُلِمَ أن من هذه حاله، فحديثه حسن/ التدريب/ 1/ 175، وقال الحافظ ابن حجر: إن رواية الصدوق الذي لم يوصف بتمام الضبط والإتقان هي الحسن لذاته، وهو الذي لم يتعرض الترمذي لوصفه/ الإِفصاح/ 47 أ، يعني في تعريفه للحسن، وسيأتي مزيد من ذلك في الجواب عن جمع الترمذي بين الصحة والحُسْن لما روي بإسناد واحد.
ومن هذا يتضح أن وصف "الثقة" إذا أطلق يراد به العدل التام الضبط، وبالتالي يكون الموصوف به حديثه صحيحًا لذاته، دون حاجة لمتابعة أو شاهد، ولا ينزل الى درجة الحسن كما ذكر الشارح.
كما يتضح أن المرتبة التالية لمرتبة الثقة هي مرتبة الحسن لذاته، وأنه لا يوصف أصحابها بوصف "ثقة" إلا مع التقييد بما يدل على النزول عن تمام الضبط كأن يقال: ثقة له أخطاء، ونحو ذلك، حتى لا تلتبس ألفاظ المرتبتين، وبالتالي يلتبس الحسن بالصحيح مع قصوره في الحقيقة عنه حتى عند من يسمي الحسن صحيحًا/ علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والايضاح/ 62.
ويتضح أيضًا أن درجة الحديث الحسن لذاته لها ألفاظ اصطلاحية خاصة ومنها (صدوق)"ولا بأس به" وذلك حين يوصف الراوي بأي منهما مطلقة بدون اقتران بما يدل على النزول إلى الضعف "كصدوق كثير الغلط" أو بما يدل على الارتفاع الى درجة الصحة كـ "صدوق ضابط" أو "صدوق حافظ".
وأما قول ابن أبي حاتم: وإذا قيل له -أي للراوي- إنه "صدوق"
…
أو "لا بأس به" فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه/ الجرح والتعديل 2/ 37 / وقول ابن الصلاح: هذا كما قال؛ لأن هذه العبارات لا تشعر بشريطة الضبط/ علوم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الحديث مع التقييد والإِيضاح/ 158. فهذا لا يعكر على ما تقدم عن غيرهما؛ لأنه يمكن الجواب عن ذلك بأكثر من جواب لا يتسع المقام هنا لتقريره، ولكن نكتفي من ذلك بالنسبة لابن الصلاح بتصريحه نفسه في مبحث الحسن بتحسين حديث الصدوق، كما تقدم نقله عنه واقرار غيره له، وبالنسبة لابن أبي حاتم قد صرح في معرض بَيانه لوجوب تمييز مراتب الرواة، ثم في تقسيمه لمراتب الرواة من أتباع التابعين عازيًا لجهابذة النقاد ومقرًا لهم حيث إنه في الموضعين قد قرر: أن الصدوق الورع الثَبْت الذي يهم أحيانًا، وقد قَبِلة إلجهابذة النقاد، فهذا يحتج بحديثه/ الجرح والتعديل 1/ 6، 10، فإذا كان وصف الصدوق المقترن بما يدل على الوهم أحيانًا، قد قبله جهابذة النقد، وقرر هو الاحتجاج بحديثه، فأولى بذلك من وُصِف بـ"صدوق" مُطلقًا، ولا يقال: إن ذلك خاص بأتباع التابعين دون غيرهم؛ لأن الجمهور على عدم الفرق بين من سِوَى الصحابة من التابعين فمن بعدهم من الرواة في الخضوع للجرح والتعديل، ولو كان قبول الصدوق خاصًا بمن هو من أتباع التابعين لكان عليه أن يستثنيهم من عموم الحكم المتقدم بعدم القبول.
ومع أن"صدوقًا مقترنة في عبارته بـ"ثبت" التي تعني الثقة، إلا أنه صدَّر وصف "الصدوق" وبنى التقسيم عليه.
ومما يلاحظ أن عامة من نقل كلام ابن أبي حاتم في مراتب الرواة يقتصرون على نقل الموضع الأول فقط، دون إشارة إلى الموضعين الأخرين، أو جواب عنهما، مع أن كلامه في الموضعين فيه عزو منه لغيره من النقاد، وإقرار منه للمنقول، كما يلاحظ أن الذين صرحوا بتحسين حديث من وُصف بالفاظ المرتبة الرابعة اقتصروا على ذكر ذلك في مبحث الحديث الحسن، ولم ينبهوا أو يحيلوا عليه في مراتب التعديل، وقد تسبب هذا في اختلاف الأراء حول تحديد ألفاظ التعديل الاصطلاحية التي يحكم لمن وصف بها أن حديثه حسن لذاته، ولكن من المتأخرين من تنبه لذلك وربط بين ما صرحوا به في مبحث الحسن وبين مراتب ألفاظ التعديل في موضعها، كالشيخ أحمد شاكر رحمه الله، الباعث الحثيث/ 105، 106 وإن كان ما ذكره يحتاج إلى تحرير أكثر ليتطابق مع ما تقدم نقله عن المتقدمين، والله أعلم.
وكثير (1) مما يُورَد على الترمذي واضح:
الأول (2): أعني التصحيح والتحسين - بسند واحد (3) وهذا جواب عنه مما أَورَد عليه الحافظ أبو الحسن بن القطان: ذِكْرهُ حديث "الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة"، بسند ذكر بنحوه حديث "أين كان ربنا قبل أن يخلق سماواته وأرضه"؟؛ فصحح الأول وحسن الثاني، ولا خفاء بما بينهما من التفاوت في الشهرة والمتابعات (4).
(1) بالأصل "وكثيرًا" والموافق لقواعد الإعراب ما أثبته.
(2)
ذكر الشارح "الأول" هكذا ولم يذكر الثاني بعد ذلك، وقد كُتِب مقابله بهامش الأصل كلمة (كذا) إشارة إلى أن الكلام ثابت في الأصل المنقول عنه هكذا، وإن لم يستقم السياق عليه، ولعل الأمر الثاني هو قوله فيما سيأتي ص 263 ومما وقع لابن القطان
…
الخ.
(3)
يتضح من مراجعة إسناد الحديثين اللذين سيذكرهما المؤلف عقب هذا أن المراد بوحدة السند هو الاتفاق في بعض حلقات سند الحديثين، فيكون الراوي واحدًا يدور عليه الإسنادان، ويخرج منه الحديثان.
(4)
حديث "الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" أخرجه الترمذي بالسند الذي أشار الشارح إليه، وسياقه هكذا: قال الترمذي: حدثنا الحسن بن علي الخلال أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عُدُس عن عمه أبي رَزِين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وهي على رِجْل طائر ما لم يُحدِّث بها، وإذا حَدَّث بها وَقَعَتْ، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح/ جامع الترمذي - أبواب الرؤيا - باب تعبير الرؤيا 3/ 366 ح 2381 وقد أخرجه الطبراني في الكبير من طريق علي بن الجعد أنا شعبة وهشيم عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عُدس عن عمه أبي رَزِين العَقِيلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرؤيا جزء من أربعين جزءًا، أو ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وهي على رجْل طائر فإذا عُبرت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقعت. قال شعبة: وأحسبه -يعني يعلي- قال: لا يقصها إلا على وادّ أو ذي رأي/ المعجم الكبير للطبراني 19/ 204 ح 461 وهذه الرواية أجمع ما وقفت عليه من روايات الحديث وأوضحها؛ ففيها بيان أن أبا رَزِين عم وكيع الراوي عنه، وبيان أن صدر الحديث روي بلفظ "أربعين جزءًا وبلفظ" "ستة وأربعين" وبيان أن القائل:"وأحسبه" هو شعبة حاكيًا عن شيخه يعلى بن عطاء، بخلاف قول صاحب تحفة الأحوذي 6/ 559: قال: أي أبو رَزِين العَقيلي، وقائله وكيع بن عُدس، وأَحسبه أي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويبدو أن الأول هو الأقرب؛ لأنه المصرح به في الرواية كما ترى.
وقد ورد الحديث بروايات أخرى متعددة، بعضها بسياق رواية الترمذي أو نحوها، مع الاختلاف في العدد الدال على نسبة الرؤية من النبوة، بين أربعين، وستة وأربعين، وسبعين جزءًا، وبعضها يُقدَّم فيه صدر الحديث المتعلق بنسبة الرؤيا من النبوة على عجُزِه المتعلق بكون الرؤيا على رجل طائر ما لم تُعبَّر/ انظر المعجم الكبير للطبراني 19/ 205، 206 حديث 462 إلى 464، وسنن ابن ماجه 2/ 288 حديث 3914، موارد الظمآن/ 444 حديث 1796، ومستدرك الحاكم مع تلخيصه للذهبي 4/ 390 ومسند أحمد 4/ 10 إلى 13 والطيالسي كما في منحة المعبود 1/ 349. وبعض الروايات يذكر فيها صدر الحديث فقط كحديث مستقل، أو في أثناء حديث مع اختلاف نسبة الرؤيا من النبوة/ انظر البخاري مع الفتح 12/ 316 ح 6983 وص 373 ح 6986 إلى 6989 وصحيح مسلم 4/ 1773 ح 6 برواياته، وسنن ابن ماجه 2/ 1289 ح 3917 والطيالسي كمافي منحة المعبود 1/ 349 ومصنف ابن أبي شيبة 11/ 50 و 51، وقد سرد الحافظ ابن حجر خمس عشرة رواية في بيان عدد نسبة الرؤيا من النبوة، وقرر هو وابن بطال من قبله أن أصحها مطلقًا رواية "ستة وأربعين" المذكورة في صدر رواية الترمذي السابقة، مع أنه أخرج رواية أربعين جزءًا بنفس السند وصححها/ جامع الترمذي - أبواب الرؤيا باب تعبير الرؤيا 3/ 366 ح 2380، انظر فتح الباري 12/ 363 و 365.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وبعض الروايات يُذكَر فيها عجز الحديث فقط حديثًا مستقلًا/ انظر سنن أبي داود 5/ 283 ح 5020 والدارمي 2/ 51 ح 2154. وبعضها يُذكر فيه صدر الحديث. ثم يُعطف عليه عجزه كحديث مستقل، مع أن الإسناد واحد، وذلك كما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 206 ح 464 وابن أبي شيبة في مصنفه 11/ 50 ح 1835 كلاهما من طريق يعلى بن عطاء عن وكيع بن عُدس العَقيلي عن عمه أبي رَزِين أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا على رِجْل طائر ما لم تُعبّر فإذا عبرت وقعت، قال: والرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة (الحديث).
وبالنظر في هذه الروايات عمومًا نجد أن صدر الحديث له شواهد متعددة صحيحة تفيد شهرته كما ذكر الشارح، ونجد لعجزه شاهدًا صحيحًا أيضًا كما سيأتي ذكره؛ لكن لم أجد للطريق التي أورد الترمذي الحديث منها متابعًا كما أشار الشارح؛ فمن الشواهد الصحيحة لصدر الحديث ما أخرجه الترمذي نفسه من حديث أبي هريرة بلفظ:"رؤيا المسلم جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" في أثناء الحديث، وقال: هذا حديث صحيح، وأخرجه من حديث عبادة بن الصامت بلفظه مع ذكر "المؤمن" بدل "المسلم" وقال: حديث عبادة حديث صحيح/ جامع الترمذي -أبواب الرؤيا- باب رؤيا المؤمن 83/ 3663 ح 2372، 2373. وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة ومن حديث عبادة أيضًا بلفظه، ومن حديث أبي سعيد الخدري بلفظ "الرؤيا الصالحة جزء
…
(الحديث) - كتاب التعبير - باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة/ البخاري مع الفتح 12/ 373 ح 6987، 6989، وأخرجه مسلم من طرق عن أبي هريرة بلفظ "رؤيا المسلم" و"رؤيا المؤمن"(الحديث) وبلفظ (الرؤيا الصالحة) مع زيادة، وبدون زيادة، وأخرجه من حديث عبادة بن الصامت بلفظ "رؤيا المؤمن"(الحديث) / صحيح مسلم - كتاب الرؤيا الباب الأول/ 4/ 1773 أحاديث 6 - 8. وأخرجه أبو داود من حديث عُبادة، بلفظ رواية مسلم - كتاب الأدب - باب ما جاء في الرؤيا - سنن أبي داود 5/ 281 ح 5018.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه الدارمي من حديث عبادة بلفظ رواية مسلم - كتاب الرؤيا - باب في رؤيا المسلم/ سنن الدارمي 2/ 48 ح 2143.
وأما عجز الحديث: وهو أن الرؤيا "على رجْل طائر ما لم يحدث بها، وإذا حدث بها وقعت" فأخرجه الدارمي بلفظه - كتاب الرؤيا - باب الرؤيا لا تقع ما لم تعبر- سنن الدارمي 2/ 51 ح 2154، وأخرجه أبو داود بنحوه مع زيادة كلمة "شعبة" قال: وأحسبه قال: ولا تَقُصَّها إلا على وادٍّ أَو ذِي رَأْي - كتاب الأدب - باب ما جاء في الرؤيا - سنن أبي داود 5/ 283 خ 5020، وأخرجه ابن حبان في صحيحه بمثل رواية أبي داود، وذكر صدر الحديث بلفظ "رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءًا" بدل "ستة وأربعين" موارد الظمآن - كتاب التعبير - باب رؤيا المؤمن/ 444 وهذه الرواية أخرجها الترمذي أيضًا قبل رواية "ستة وأربعين" السابق ذكرها. وأخرج ابن حبان أيضًا الحديث بلفظ "الرؤيا جزء من سبعين جزءًا من النبوة، والرؤيا معلقة برجل طائر ما لم يتحدث بها صاحبها، فإذا حدث بها وقعت، فلا تحدث بها إلا عالمًا أو ناصحًا أو حبيبًا".
وأخرجه أيضًا، بنحوه مختصرًا وفيه "أربعين جزءً"/ موارد الظمآن/ الموضع السابق. وأخرجه أيضًا أحمد في مسنده بلفظ "رؤيا المسلم جزء من أربعين جزءًا من النبوة، وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها فإذا حدث بها وقعت، قال: -أي شعبة- أظنه قال: لا يحدث بها إلا حبيبًا أو لبيبًا" وأخرجه أيضًا وفيه قول شعبة: "أشك" بدل "أظنه" و"ما لم يخبر بها" بدل "يحدث بها" وأخرجه أحمد أيضًا بلفظ "رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزئًا من النبوة، وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها، فإذا حدث بها سقطت، وأحسبه قال: لا يحدث بها إلا حبيبًا أو لبيبًا/ مسند أحمد 4/ 11، 12، 13 وأخرجه الطيالسي بلفظ رواية أحمد السابقة مع زيادة لفظ "معلقة" بعد كلمة "طائر"/ مسند الطيالسي حديث 1088.
أقول: وكل هذه الروايات التي ورد فيها الشطر الثاني لرواية الترمذي أخرجها كل من ذكرت، من طريق يعلى بن عطاء عن وكيع بن عُدُس وقيل "حُدس" عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عمه أبي رَزِين عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
وهو السند الذي أخرج به الترمذي الحديث بشطريه، وأشار اليه الشارح كما قدمت؛ لكن وقع في إحدى روايات أحمد. سياق الإسناد هكذا:"عن يعلى بن عطاء عن أبي رَزِين لقيط عن عمه، رفعه" ولكن عليه علامة الاشارة لوجود خطأ فيه، ولكنه لم يصوب ويبدو أنه خطأ في النسخ فقط لاتفاق روايتي أحمد الأخريين مع بقية المصادر على سياق الإسناد كما هو عند الترمذي، وكما تقدم سياقه. وقد تعددت طرق الحديث عن يعلى بن عطاء؛ فرواه عنه هثيم وشعبة وسفيان وحماد بن سلمة وأبو عوانة، كما أشار إليه الترمذي عقب تخريج الحديث وكما جاء في المصادر السابق تخريج الحديث منها، لكن لم أجد من تابع يعلى بن عطاء ولا وكيعًا على رواية الحديث، وقد قال الذهبي في ترجمة وكيع: تفرد عنه يعلى بن عطاء/ الميزان 4/ 335 ترجمة 9355، وقال في اللسان: روى عنه يعلى بن عطاء فقط 7/ 425 لكن نقل ابن حبان عن أحمد بن حنبل أنه أصاب في كتاب الأشجعي: عن شقيق ووكيع بن حُدس/ الثقات 5/ 496 وهذا يفيد متابعة شقيق هذا لوكيع لكن لم أجد ما يعرفنا بشقيق من هو؟ ولم أجد في ترجمة أبي رَزِين الذي يروي عنه وكيع هذا الحديث من اسمه شقيق/ الاصابة مع الاستيعاب 3/ 113 وتهذيب التهذيب 8/ 456 وتهذيب الكمال 3/ 1152 والثقات لابن حبان/ 3/ 359. وإسناد الترمذي الى وكيع جميعهم ثقات وهم: الحسن بن علي الخلال/ التقريب 1/ 168 ترجمة 296 ويزيد بن هارون/ التقريب/ 2/ 372 ترجمة 340 وشعبة بن الحجاج/ التقريب/ 1/ 351 ترجمة 67 ويعلى بن عطاء/ التقريب 2/ 378 ترجمة 309، أما وكيع فهو ابن عُدُس -بالعين والدال والسين المهملات، بضم أوله وثانيه وقد يفتح ثانيه، ويقال "حدس" بالحاء بدل العين وعن أحمد والجواليقي أنه الصواب، ومال اليه ابن حبان وقال الترمذي: الأول أصح، وكنية وكيع "أبو مصعب" ونسبته "العَقِيلي" بفتح العين، وقيل بضمها وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال: يَروِي عن أبي رَزِين وهو عمه، وروى عنه يعلى بن عطاء، ثم أخرج له حديثه هذا في صحيحه كما تقدم ذكر ذلك في تخريجه، وقال الذهبي في الميزان: تفرد عنه يعلى بن عطاء، وفي اللسان =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لابن حجر: روى عنه يعلى بن عطاء فقط. قال عنه ابن القطان: مجهول الحال، وقال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: غير معروف، وقال الذهبي في الميزان: لا يُعرف، وقال في الكاشف: وُثِّق، وقال ابن حجر في التقريب: مقبول/ انظر الثقات لابن حبان/ 5/ 496 والكاشف/ 3/ 237 ترجمة/ 6160 والميزان 4/ 335 ترجمة 9355 واللسان 7/ 425 وتقريب التهذيب 2/ 331 ترجمة 41 والاكمال لابن ماكولا/ 9/ 153 والخلاصة/ 415؛ ومن ذلك كله يبدو لي -والله أعلم- أن وكيعًا مجهول الحال، كا قال ابن القطان وغيره، وقول الذهبي: إنه "وُثق" إشارة الى ذكر ابن حبان له في الثقات، ولعله ذكره على قاعدته التي صرح بها في صدر كتابه من أن العدل: مَن لم يُعرَف منه الجرح، أخذا بالظاهر، وكذا تصحيحه لحديثه -كما تقدم- لتوفر شروطه الخمسة الأخرى من عدم كل من النكارة والتدليس والانقطاع، وغيرها/ انظر الثقات لابن حبان 1/ 10 - 13، وبذلك يكون حديث الترمذي المذكور من طريق وكيع هذا ضعيفًا لجهالة حاله؛ لكن كما وجد لصدر الحديث شواهد صحيحة كما تقدم، فقد وُجد شاهد صحيح أيضًا لعجز الحديث، وهذا الشاهد هو ما أخرجه الحاكم في مستدركه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرؤيا تقع على ما تُعبّر به، ومَثَلُ ذلك مَثلُ رَجُلِ رفع رجله فهو ينتظر متى يضعُها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها الا ناصحًا أو عالمًا، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي/ المستدرك وتلخيصه كتاب تعبير الرؤيا 4/ 391.
أما الحديث الثاني: الذي ذكر الشارح أن الترمذي أخرجه بنحو سند الحديث السابق الذي صححه، ولكنه اقتصر على تحسينه فقط، وهو حديث:"أين كان ربنا قبل أن يخلق سمواته وأرضه؟ " فقد أخرجه الترمذي، فقال: حدثنا أحمد بن منيع أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حُدس عن عمه أبي رَزِين قال: قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلُق خلقه؟ قال: كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء، قال أحمد بن يزيد: العماء أي ليس معه شيء، قال الترمذي: هذا حديث =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حسن/ جامع الترمذي - كتاب التفسير - سورة هود/ 4/ 351 ح 5109. وقد أخرجه أيضًا بن ماجه في سننه من طريق يزيد بن هارون؛ بلفظه، وزاد: "وما ثَم خَلْق" قبل قوله "عرشه على الماء"/ سنن ابن ماجه - المقدمة - باب ما أنكرت الجهمية/ 1/ 64 ح 182.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء، به بلفظ "أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء". وفي أوله زيادة/ موارد الظمآن/ كتاب الإيمان - باب في الرؤية/ 40 ح/ 39 وأخرجه أحمد في مسنده عن يزيد بن هارون، به بلفظه/ 4/ 12511.
وأخرجه الطيالسي في مسنده من طريق حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء به، بلفظ مقارب مع زيادة في أوله/ منحة المعبود - القسم السادس - كتاب خلق العالم 2/ 79 ح 2286، ونلاحظ أن إسناد الجميع قد دار على "يعلى بن عطاء عن وكيع عن أبي رَزِين" ولم أجد من تابع يعلى ولا وكيعًا على رواية الحديث، وإسناد الترمذي الى وكيع جميعهم ثقات وهم: أحمد بن منيع/ التقريب 1/ 27 ترجمة 128، ويزيد بن هارون -تقدم أنه ثقة، وحماد بن سلمة - التقريب 1/ 197 ترجمة 543 ويعلى بن عطاء تقدم أيضًا أنه ثقة وأما وكيع فتقدم بيان أقوال العلماء فيه، وترجيح القول بأنه مجهول الحال، فيكون هذا الحديث من طريقه ضعيفًا، كسابقه؛ لكن الترمذي قد حسنه، ويبدو من تصرفه أنه حسنه لذاته، دون نظر لما يشهد له، كما سيأتي توضيحه، والواقع أن للحديث شاهدًا صحيحًا، وهو ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ناس من اليمن فقالوا: جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض "الحديث" / البخاري مع الفتح - كتاب التوحيد - باب وكان عرشه على الماء 13/ 403 ح 7418 وفي كتاب بدء الخلق - باب قوله تعالى: =
ومما وقع لابن القطان في الاعتراض على عبد الحق: الحديث يخرجه معزوًا إلى مكان قد يُخالِفُ لفظُه الذي عنده، لفطَ المكان المعزو إليه بزيادة أو نقص، فيخرج اللفظة المزيدة ويعترض عليه بها، ثم يُلزِم الاعتراض (1) مِن وقع له ذلك: من بقية مستدل بذلك الحديث، أو مُحدِّث ضمَّنه مُصنَّفَه أو مُسنَده.
وليس ذلك من تصرفه على الاطلاق تسديدًا؛ إذ الكلام مع كل
= {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} / 6/ 286 ح 3191، وأخرجه أحمد في مسنده 4/ 431 والدارمي أبو سعيد، كلاهما بنحوه من طريق الأعمش عن جامع بن شداد، وهو طريق البخاري/ الرد على الجهمية للدارمي/ 14، فلعل الترمذي في تصحيحه لحديث وكيع الأول -وهو حديث الرؤيا- نظر إلى شواهده التي تقدم ذكرها، وفي تحسينه لحديثه الثاني وهو حديث "أين كان ربُّنا"
…
؟ "لم ينظر لشاهده السابق ذكره، ويؤيد ذلك أنه عند تخريج صدر الحديث الأول وهو "الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" أشار إلى ورود أحاديث أخرى في الباب عن عدد من الصحابة، وذكر منهم أبا رَزَين/ جامع الترمذي 3/ 363.
أما عند تخريج الحديث الثاني فلم يُشر لورود أحاديث أخرى في الباب/ جامع الترمذي/ 4/ 351 وهذه النتيجة تلتقي في أصلها مع جواب المؤلف السابق عن تغاير حكم الترمذي على الحديثين؛ ولكن يظل تحسينه للحديث الثاني منتقدًا؛ لأن سنده في ذاته ضعيف، لحال وكيع، وبمراعاة شاهده الصحيح، يكون صحيحًا لغيره. وعلى كل حال فالذي وجد للحديثين -كما ترى- هو شواهد لا متابعات كما ذكر الشارح، اللهم إلا أن يكون أطلق المتابعة بمعنى الشاهد، كما يفعله الحاكم في المستدرك والمدخل إلى معرفة الصحيحنِ مثلًا؛ لكن يلاحظ بعد قليل أن الشارح يجمع في عبارته بين المتابعة والشاهد وهذا يفيد تفريقه بينهما.
(1)
بالأصل "للاعتراض" وما أثبته هو المستقيم عليه المعنى.
قوم على قدر مصطلحهم، وإلزامهم ما التزموه، ولا يلزم المحدِّث المخرِّج للحديث تتبع ألفاظه إذا عزاه إلى كتاب، وإنما يلزمُه وجود أصل الحديث عند من عزاه إليه، على هذا بنوا تصانيفهم وتخاريجهم، قديمًا وحديثًا (1).
نعم قد يَلزمُ ذلك المُستدِلُّ منه بلفظ غير معزو إلى مُخْرِجه؛ إذ هو الناظر في مدلول ألفاظه. وإذا تبين هذا، فربما كان الحديث ثابتًا في نفسه منتشر الطرق معروفها، وانفرد ثقة بزيادة فيه، فحكمها عندهم القبول، وهذا جار على اصطلاح المحدثين (2)، والذي التحقت به
(1) انظر علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 30، 31.
(2)
عبارة الشارح هذه تفيد أن قبول زيادة الثقة مطلقًا جار على اصطلاح المحدثين عمومًا وهذا غير مسلم حتى بالنسبة للترمذي الذي هو بصدد شرح كتابه.
فالترمذي قد أخرج في جامعه حديث صدقة الفطر من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر بلفظ "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك"(الحديث) ثم أخرجه من طريق مالك عن نافع، به مع زيادة "من المسلمين" وعقب على ذلك بقوله: رواه مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث أيوب، وزاد فيه "من المسلمين" ورواه غير واحد عن نافع، ولم يذكروا فيه من "المسلمين" ثم ذكر أخذ الشافعي وأحمد مع الإمام مالك بهذه الزيادة وإن خالفهم غيرهم في ذلك/ جامع الترمذي - أبواب الزكاة - باب صدقة الفطر 2/ 92، 93.
فنلاحظ هنا أنه أطلق قبول زيادة مالك، أما في العلل التي في آخر الجامع فقال: ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث. وإنما يصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه، ومثل لذلك بحديث صدقة الفطر السابق وزيادة مالك فيه لفظ "من المسلمين" ثم قال: وروى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه، وقال: وقد أخذ غير واحد من الأئمة بحديث مالك، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= واحتجوا به، منهم الشافعي وأحمد
…
" علل الترمذي مع شرح ابن رجب لها 1/ 418، 419.
وقد اعتبر العلماء أن قول الترمذي الأخير هو المعتمد في رأيه في زيادة الثقة وأنه بناء عليه لا يقول بقبول زيادة الراوي لمجرد كونه ثقة، ولكن يقيد ذلك بأن يكون فوق توثيقه من الحفاظ الموصوفين بزيادة التثبت والإتقان، فإن كان الراوي موصوفًا بمجرد الثقة فلا، قال الحافظ ابن رجب في شرحه لقول الترمذي السابق: "ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث
…
الخ" قال ابن رجب: هذا أيضًا نوع من الغريب وهو أن يكون الحديث في نفسه مشهورًا، لكن يزيد بعض الرواة في متنه زيادة تستغرب، وقد ذكر الترمذي أن الزيادة إذا كانت من حافظ يعتمد على حفظه فإنها تقبل، يعني وإن كان الذي زاد ثقة لا يعتمد على حفظه لا تقبل زيادته/ شرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 419.
أما الحافظ العراقي فإنه تعقب ابن الصلاح في نقله كلام الترمذي الأول فقط في قبول زيادة مالك مطلقًا، بأن كلام الترمذي الذي في العلل التي في آخر الجامع لم يذكر التفرد مطلقًا عن مالك وإنما قيده بتفرد الحافظ كمالك/ التقييد والإيضاح/ 111، 112 بتصرف يسير.
وكذلك الحافظ ابن حجر ذكر قول الترمذي: وإذا زاد حافظ ممن يعتمد على حفظه قبل ذلك عنه، ضمن أقوال من قيد قبول زيادة الثقة ببعض القيود وعقب عليها بقوله: وهذا مغاير لقول من قال: زيادة الثقة مقبولة، وأطلق/ الإفصاح/ 113 أ، ولكن المحققين من العلماء رأوا أن تقييد الترمذي هذا غير كاف، لأنه يقتضي تصحيح ما ينفرد به حافظ متقن ولو خالفه من هو أحفظ منه أو من هو مثله في الحفظ ولكنه أكثر عددًا، بينما هذا يعتبر شاذًا، وشرط الصحة انتفاء الشذوذ كما هو مقرر، ولهذا قرر هؤلاء المحققون من أئمة الحديث والأصول أن في زيادة الثقة تفصيلًا، خلاصته أنها تنقسم إلى أقسام:
أحدها: زيادة تخالف ما رواه الأوثق ممن انفرد بها، وهذه ترد لكونها من الشاذ كما تقدم.
أصل لها، كالمتابعة؛ لتفرد الثقة عن جارح (1).
وفي جري ذلك على اصطلاح المستدِل نظر إذا مشى على ما أصله الحاكم والخليلي في معنى الشذوذ، وسواء كانت زيادة مطلقة أو متضمنة خُلْفًا (2) أو تخصيصًا.
ثم نقول: إن كان الترمذي يرى الشذوذ: تفرد الثقة أو المستور، من غير اشتراط لمخالفة ما روى الناس، كما اشترط الشافعي، فالشرطان واحد (3) وقوله: "ويروى من غير وجه
= ثانيها: زيادة لا تخالف ما رواه الأوثق، أو لا مخالِف لها أصلًا، وهذه مقبولة، بناء على أن الثقة لو انفرد برواية حديث مستقل لم ينقله غيره فإنه يُقبل، فكذلك الانفراد بمثل هذه الزيادة.
ثالثها: زيادة تقع بين القسمين السابقين لاشتمالها على شَبهٍ بكل منهما من وَجه، كزيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواة هذا الحديث، ولكنها توجب قيدًا لمطلق أو تخصيصًا لعام، فهذه تشبه القسم الأول المردود من حيث إن ما رواه الجماعة عام وما رواه المنفرد بالزيادة خاص وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع مخالفة يختلف بها الحكم، وتشبه القسم الثاني من حيث إنه لا منافاة بينهما، وهذا القسم صحح النووي قبوله مطلقًا، وحقق العلائى وابن حجر أنه لا يطرد الحكم بقبوله ولا برده، وإنما ينظر في القرائن المحتفة بالزيادة وبما خلا عنها، ويُرجح القبول أو الرد على ضوء ذلك/ انظر الإِفصاح 112 أوما بعدها، وتدريب الراوي 1/ 246 و 247 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 211 - 213.
(1)
بالأصل "خارج" ولا يستقيم المعنى. عليه، لأن: المقصود -كما يبدو لي- تعليل القول بقبول زيادة الثقة مطلقًا بخلوه عن جارح يقتضي رد مرويِّه.
(2)
بالأصل (خلقًا) بالقاف المثناة ولا يظهر المعنى عليها، إذ المراد ما تضمنت حكمًا يُغيِّر أو ينقص حكمًا آخر ثبت بخبر ليست فيه هذه الزيادة/ انظر الكفاية للخطيب/ 597 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 208، 209.
(3)
يعني شرطيه في الحسن: أن لا يكون شاذًا، وأن يُروى من غير وجه نحوه كما تقدم.
نحو ذلك"، تفسير لقوله: ولا يكون شاذًا.
وإن كان [يرى](1) تفسير الشذوذ بمخالفة الناس، فيستقيم / أن يكونا شرطين.
وأما الخطابي، فالذي حكاه عنه ابن الصلاح قوله: ما عُرِف مخرجُه واشتهر رجاله (2) والذي ذكر أبو عبد الله بن رُشَيد (3) أنه رآه عن الخطابي، خط أبي عَلي الغَسَّاني (4) وقال: وأَنَا به جِدُّ بَصير -يعني بخط الغسّاني-: ما عُرِف مخرجُه واستقر حاله.
قال: هكذا لفظه "استقر حاله"(5) بالقاف، من الاستقرار،
(1) ليست بالأصل وأثبتها لتقابل قوله أولًا: "إن كان الترمذي يرى
…
".
(2)
علوم الحديث مع التقييد والإِيضاح/ 43 وتقدم شرح التعريف عند ذكر الشارح له أولًا.
(3)
تقدم التعريف به ص 192 هامش 4.
(4)
هو الحسين بن محمد بن أحمد، أبو علي الغسَّاني، المعروف بالجيَّاني، نِسبة إلى (جَيَّان) بفتح أوله وثانيه مشددًا، وآخره نون- مدينة واسعة شرقي قرطبة بالأندلس، وكان الجياني شيخ المحدثين بقرطبة والأندلس في وقته، وأضبطهم كتابًا وأتقنهم رواية، ومن تأليفه كتابه القيم المفيد (تقييد المهمل وتمييز المشكل) في الصحيحين، وقد حُققت أجزاء منه حاليًا ضمن رسائل التخصص في جامعتَي الإمام محمد بن سعود، والملك سعود، بالرياض وشُرفْت بالإِشراف على بعضها، وقد توفي الجَياني في شعبان سنة 498 هـ/ الغنية في فهرست شيوخ القاضي عياض/ 201، 202 والأنساب للسمعاني 2/ 450 ومعجم البلدان 1/ 195.
(5)
قال العراقي: أي بالسين المهملة وبالقاف/ التقييد والإيضاح/ 43 وتبعه في ذلك البقاعي/ النكت الوفية/ 59 ب والسيوطي/ شرحه لألفيته المسمى "البحر الذي زخر في شرح ألفية الأثر" / 49 أ.
و"حاله"(1) وتحت الحاء علامة الإِهمال، بحيث لا تَخْفى (2).
قلت: ولا يسْلَم شيء من هذه التعريفات من الاعتراض (3):
أما كلام الترمذي، فقد اعترض عليه الامام أبو عبد الله بن المَوَّاق (4)، بأنه لم يميز الصحيح من الحسن، فإنه ما من حديث صحيح
(1) قال العراقي: بالحاء المهملة دون راء في أوله/ التقييد والإيضاح/ 43 وتبعه البقاعي والسيوطي في كتابيهما/ الموضع السابق.
(2)
هكذا ذكر المؤلف قول ابن رُشَيد هذا وسكت عنه، ولكن جاء من بعده العراقي فتصدى لرد قول ابن رُشَيد هذا فقال: وما اعترض به ابن رُشيد مردود؛ فإن الخطابي قد قال ذلك في خطبة كتابه "معالم السنن" وهو في النُّسخ الصحيحة (المعتمدة) المسموعة، كما ذكره المصنف -يعني ابن الصلاح-:"واشتهر رجاله"، وليس لقوله:"واستقر حاله" كبير معنى/ التقييد والإيضاح/ 44. أقول: وما في المعالم المطبوع بين أيدينا الأن هو ما ذكره ابن الصلاح والعراقي / معالم السنن مع مختصر سنن أبي داود للمنذري 1/ 11، وقد أقر العراقيَّ على رده من جاء بعده كالبقاعي/ النكت الوفية/ 59 ب، والسيوطي/ التدريب 1/ 153، 154.
(3)
وكذا قال الإمام بدر الدين بن جماعة: بعد ذكر التعريفات السابقة: وفي كل هذه التعريفات السابقة نظر/ انظر الخلاصة للطيبي/ 39.
(4)
هو محمد بن يحيى بن أبي بكر، أبو عبد الله، المعروف بابن الموَّاق، تلميذ أبي الحسن بن القطان صاحب "بيان الوهم والإِيهام الواقعين في كتاب الأحكام" لعبد الحق الإشبيلي، وقد توفي ابن المواق سنة 642 هـ على الصحيح، خلافًا لما ذكره صاحب كشف الظنون أن ابن المواق توفي سنة 897 هـ/ كشف الظنون/ 1/ 251، وصاحب معجم المؤلفين 6/ 197؛ إذ لو صح هذا ما أمكن نقل المؤلف المتوفي سنة 734 هـ عنه/ وترجمته في الأعلام للمركشي 4/ 231.
إلّا وشرطُه: ألّا يكون شاذًا، وألا يكون في رجاله متهم بالكذب (1).
وقد اعترض غيره بغير هذا الاعتراض (2).
وكذلك قول الخطابي: ما عُرِف مخرجهُ
…
إلى آخره، يدخل تحته أيضًا قسما الصحيح والحسن (3).
(1) هذا مجمل اعتراض ابن المواق، وسيأتي ذكر المؤلف له بطوله بعد قليل 289، 290 مع الرد عليه ولذا سأضطر الى تأخير مناقشته إلى الموضع التالي، مع أن موضعه الأصلي هنا لا هناك كما سيأتي توضيحه، وأكتفي هنا بذكرْ أن اعتراض ابن المواق هذا ذكره في كتاب له تعقب فيه كتاب "بيان الوهم والإيهام" لشيخه ابن القطان، ويسمى كتابه "بغية النقاد فيما أخل به كِتَاب البيان أو أغفله أو ألمَّ به فما تَّممه وأكمله" وللجزء الأول من هذا الكتاب نسخة "ميكروفيلمية" بمكتبة الحرم المكي برقم 51 حديث/ وانظر التقييد والايضاح للعراقي/ 61 وسجل المخطوطات المصورة بالحرم المكي/ 45، وقد اطلعت على صورة الكتاب فوجدته ناقصًا من أوله ولم أستطع تحديد مقدار النقص، لكنه عمومًا ليس قليلًا، ومنه نسخة بدير الإسكوريال بأسبانيا تحت رقم (1749) ويبدو أن نسخة الحرم المكي مصورة عنها.
(2)
ومن ذلك ما ذكره ابن دقيق العيد وبدر الدين بن جماعة: أن في جامع الترمذي ما يقول: إنه حسن، مع أنه فرد، ليس له مخرج إلا من وجه واحد/ الاقتراح 168، والخلاصة/ 40، وقد أجاب الطيبي عنه بجواب غير ناهِض/ انظر الخلاصة للطيبي/ 40، كما سيأتي إيراد المؤلف لهذا الاعتراض والجواب عنه في شرح "كتاب الطهارة- باب ما يقول إذا خرج من الخلاء".
(3)
هذا مجمل اعتراض لإمامين سابقين على المؤلف: أحدهما شيخه ابن دقيق العيد، وثانيهما معاصره بدر الدين ابن جماعة، حيث قال ابن جماعة بعد ذكر تعريف الترمذي والخطابي وابن الجوزي وابن الصلاح: وفي كل هذه التعريفات نظر:
أما الأول -يعني تعريف الترمذي- والثاني -يعني تعريف الخطابي- فلأن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الصحيح كلَّه أو أكثرَه كذلك، فيدخل الصحيح في حد الحسن/ الخلاصة للطيبي/ 39.
أما ابن دقيق العيد فإنه بعد أن ذكر تعريف الخطابي قال: وهذه عبارة ليس فيها كبيرُ تلخيص، ولا هي أيضًا على صناعة الحدود والتعريفات؛ فإن الصحيح أيضًا قد عُرف مخرجُه واشتهر رجالُه، فيدخل الصحيح في حدّ الحسن؛ لكنه أعقب ذلك بالتماس وجه يمكن حمل كلام الخطابي عليه، ويصير به تعريفه قاصرًا على الحسن فقط، فقال: وكأنه -أي الخطابي- يريد بهذا الكلام: ما عُرف مخرجُه واشتهر رجالُه مما لم يبلغ درجة الصحيح/ الاقتراح لابن دقيق العيد/ 163، 164. وذكر الطيبي نحو هذا، مع تعليله بأن الخطابي ذكر معرفة المَخرج -وهم الرواة- مطلقةً عن تحديد الوصف الذي عُرِفوا به، فقال: أما قول الخطابي، فالمراد به أن رجالَه -أي الحسن- مشهورون عند أرباب هذه الصناعة بالصدق، وبنقل الحديث ومعرفة أنواعه، وحيث كان -أي الوصف بالمعرفة- مطلقًا من قيد العدالة والضبط دل على انحطاطهم عن درجة رجال الصحيح/ الخلاصة/ 40 أقول: ولعل مما يعكر على تعليل الطيبي قول السخاوي: إن الوصف إذا أُطلِق يُحمَل على الكامل، لا على المنحط عنه/ فتح المغيث 1/ 13.
ومما يؤيد ذلك أن العلائي جاء من بعد الطيبي فأقر حمل كلام الخطابي على ما ذكره ابن دقيق العيد والطيبي؛ بل قال: إنه هو المَحمَل المتعيِّن، لكن لم يعلله بإطلاق الوصف بالمعرفة الذي علله به الطيبي، وإنما علله بدلالة مجموع كلام الخطابي عليه؛ حيث عرف الصحيح ثم أتبعه بتعريف الحسن، فقال العلائي: وإنما يتوجّه الإعتراض على الخطابي أن لو كان عرف بالحسن فقط، أما وقد عرّف بالصحيح أولًا، ثم عرف بالحسن؛ فيتعين حمل كلامه على أنه أراد بقوله:"ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله" ما لم يبلغ درجة الصحيح، ويعرف هذا من مجموع كلامه/ الإفصاح 46 ب، 47 أوتوضيح الأفكار 1/ 155.
قال السخاوي بعد ذكر كلام العلائي السابق: وبه يتقوى قول ابن دقيق العيد: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وكأنه -أي الخطابي- أراد ما لم يبلغ درجة الصحيح/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 61؛ لكن الحافظ ابن حجر تعقب توجيه العلائي المذكور فقال: وعلى تقدير تسليم هذا الجواب، فهذا القدر -يعني من النزول عن درجة رجال الصحيح- غير مُنضبط
…
فيصح ما قاله القُشيري -أي ابن دقيق العيد- إنه أي كلام الخطابي - على غير صناعة الحدود والتعريفات/ الإفصاح 47 أ.
غير أن البقاعي قد نقل عن ابن حجر توجيهًا لكلام الخطابي بنحو توجيه العلائي السابق مع تحديد جهة النزول بالضبط، دون العدالة، في حين جاء كلام العلائي عامًا، ثم ذكر ابن حجر أيضًا كيفية تحديد درجة نزول رجال الحسن في الضبط عن رجال الصحيح، ومقتضى ذلك التقاؤه مع جواب العلائي في الجُملة، وعدمُ تَسليمه النهائي بانتقاد ابن دقيق العيد أو غيره لتعريف الخطّابي في هذا، فقد قال البقاعي: قال شيخنا -أي ابن حجر-: يُعتَنَى بالخطابي فيقال: الحيثية هنا (أي في تعريفه للحَسَن) مَرعيّة؛ لأنه قد عرَّف الصحيح والضعيف (أي وعرَّف الحسن بينهما) فَينزِل حد الحسن على ما لم يكن ذكره في حد واحدٍ منهما، وهو الأمر المتوسط بينهما، (فَعُرِف مخرجُه) بمعنى لم يفقد سنده الاتصال ظاهرًا -كالانقطاع والإِرسال ونحوهما-، ولا خفِيًّا كالتدليس. "واشتهر رجاله" يعني بالصفات المتوسطة بين صفات الصحيح والضعيف، فلا يشترط أن يبلغوا الإتقان المشروط في رواة الصحيح؛ بل يكون إتقانُهم دون ذلك، ولا ينزلون في خِفة الضبط إلى القدر الموصِّل إلى الضعيف/ النكت الوفية 60 أ.
أقول: فقول ابن حجر: يكون إتقانهم دون إتقان رواة الصحيح، ولا ينزلون في خفة الضبط إلى القدر الموصل إلى الضعيف، فيه تحديد لجهة النزول بأنها الضبط فقط، وتحديد أيضًا إجمالي لمقدار خفة ضبط رواة الحسن، وتسليم بأنه يمكن دلالة تعريف الخطابي عليه.
وهناك ألفاظ اصطلاحية قرر أئمة النقد أن وصف الراوي بها يدل على خفة الضبط الموصلة الى الضعف كقولهم: فلان سَيء الحفظ، أو كثير الخطأ، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أو مضطرِب الحديث/ التدريب 1/ 346، 348 وتوضيح الأفكار 1/ 9، كما جاء عن بعض أئمة النقد تحديد لهذا القدر من خفة الضبط بعدد معين من الأغلاط؛ قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي أخبرنا سليمان بن أحمد الدمشقى قال: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: أَكتُب عمن يغلط في مائة؟ قال: لا، مائةٌ كثير، قال أبو محمد (أي ابن أبي حاتم): يعني مائة حديث/ الجرح والتعديل 2/ 33، والمقصود بالكتابة هنا الكتابةُ للاحتجاج، لا للاعتبار، لأن ابن أبي حاتم أورد هذا تحت باب بيان صفة من لا تُحتمَل الرواية في الأحكام والسنن عنه؛ وايراد ابن أبي حاتم لهذا التحديد عن ابن مهدي مُحتجًا به في هذا الباب دليل على إقراره له، كما أن روايته له عن ابن مهدي من طريق والده أبي حاتم يدل على إقرار والده لذلك التحديد أيضًا؛ غير أنه لا بد من تناسب هذا العدد مع مقدار ما يحفظه الراوي، ولذا قال البقاعي: إن المراد بالكثرة أمرٌ نِسْبي، فمن حفظ ثلاثة آلاف (حديث) مثلًا، فأخطأ في خمسين منها فقد أخطأ في كثير؛ لكن لم يفحُش غلطُه بالنسبة إلى ما حفظ/ النكت الوفية/ 11 أ.
وكما جاءت ألفاظٌ اصطلاحية وتحديد عددي هكذا لخفة الضبط الموصلة إلى الضعف، جاءت أيضًا ألفاظ اصطلاحية يدل وصف الراوي بها على خفة ضبطه مع علوه عن درجة الضعف السابقة، ونزوله عن تمام الضبط الذي هو شرط الصحة مثل قولهم: فلان له أخطاء أو أوهام، وقال البقاعي: إن الثقة من جمع الوصْفَين: العدالة وتمام الضبط، ومن نزل عن التمام إلى أولى درجات النقصان قيل فيه: صَدُوق، أو لا بأس به، ونحوُ ذلك/ النكت الوفية/ 191 أ. مع ملاحظة أن تمام الضبط لا يعني انعدام الخطأ ولا يستلزمه؛ بل يكفي في ثبوته ندرة الخطأ وغلبة الصواب/ التدريب 1/ 304 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 298، وشرح العلل لابن رجب 1/ 105، 110.
وقد جاء عن ابن مهدي تحديد عدد معين من الأغلاط لا يقدح في ضبط الراوي، والاحتجاج به، فقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي أخبرني سليمان بن أحمد الدمشقي قال: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: أكتب عمن يَغلط =
وأما الذي قال: فيه ضعف يسير مُحتمَل (1)؛ فلم يبين مقدار
= في عشرة؟ قال: نعم، قيل له: يَغلط في عشرين؟ قال نعم، قلت: فثلاثين؟ قال: نعم، قلت فخمسين؟ قال نعم/ الجرح والتعديل 2/ 28 والمقصود بالكتابة هنا الكتابة للاحتجاج؛ لأن ابن أبي حاتم أورد ذلك تحت باب "بيان صفة من يَحتمِل الرواية في الأحكام والسنن عنه" واحتجاجه بذلك مع روايته له عن والده يعتبر اقرارًا منهما لذلك؛ لكن يجب ملاحظة ما قدمته من تناسب الأعداد المذكورة مع مرويات الشخص؛ حيث تقدم عن البقاعي أن الخمسين قد تكون كثيرة بالنسبة لعدد ما يحفظه الراوي، فيمكن الاستفادة من هذا التحديد العددي على أساس أن يكون ضئيلًا ونادرًا بالنسبة لمرويات الشخص.
وعلى هذا يكون تحديدُ مقدار خفة ضبط راوي الحديث الحسن ممكنًا؛ بأن نقول: هو أن يَزيد خَطؤهُ عن حدود الندرة المعفوِّ عنها، ويقل عن حدود الكثرة وسوء الحفظ المقتضي للضعف.
ويعرف ذلك اجمالًا، من الألفاظ الاصطلاحية التي يَصفُ الراويَ بها أهلُ الجرح والتعديل كما تقدم.
ويعرف تفصيلًا بتتبع مروياته ومقارنة ما شارك فيه الضابطين، برواياتهم، وما يوجد له من أخطاء ينظر في نسبتها الى مجموع مروياته في ضوء ما جاء عن ابن مهدي وغيره من النقاد من تحديد عددي، فإن وجدت النسبة زائدةً عن حد ما يعتبر خطًا نادرًا وقَفت عما يعتبر كثيرًا فيكون ذلك هو خفة الضبط المعتبرة في حد الحسن.
وإذا تقرر هذا لم يُسلَّم لابن قطلوبغا الحنفي قوله: ان خفةَ الضبط المذكورة في حد الحسن غير منضبطة / شرح شرح النخبة للقاري/ 70، كما لا يُسلّم للصنعاني قولُه: إنه لا عُرْف في مِقدار خِفةِ الضبط / توضيح الأفكار 1/ 155.
(1)
وهو ابن الجوزي كما تقدم قريبًا ولفظه: "ما فيه ضعف قريب محتمَل" / الموضوعات الكبرى لابن الجوزي 1/ 35.
الضعف ما هو؟ ولا أتى بما تبلغ درجته أن يُعرَض عليه فيه (1).
وبالجملة فأجود هذه التعاريف للحسَن ما قاله الترمذي (2) وعليه من
(1) اتفق مع المؤلف في إيراد هذا الاعتراض شيخُه ابن دقيق العيد/ الاقتراح 169، والبحر الذي زخر/ 49 ب وتدريب الراوي 1/ 157 كلاهما للسيوطي، وبدر الدين ابن جماعة / الخلاصة للطيبي/ 39 والذهبي/ الموقظة 2 أوابن حجر/ الإفصاح له 47 أ؛ لكن أجاب عنه الطيبي فقال: وأما قول بعض المتأخرين: "ما فيه ضعف قريب محتمَل" فمبني على أن معرفة الحسن موقوفة على معرفة الصحيح والضعيف؛ لأن الحسن وسط بينهما، فقوله:"قريب" أي قريب مخرجُه إلى الصحيح "مُحتمَل" كَذِبُه؛ لكون رجاله مستورين/ الخلاصة 41 والبحر الذي زخر للسيوطي 49 ب.
وقال البقاعي: ربما يُعتنَى بابن الجوزي بمثل ما اعتُني بالخطَّابي ويقال: بل هو مضبوط؛ إن عُرِف الصحيح والضعيف بالحيثية، وهي: أن ضعفه بالنسبة إلى الصحيح، واحتماله بالنسبة إلى الضعيف، أي فيكون متوسطًا بينهما، لا يعلو إلى رتبة الصحيح، لما فيه من الضعف، ولا ينحط الى رتبة الضعيف لما فيه من قلة الضعف، ويؤيد ذلك أنه قال -عقب ما نُقِل عنه-: ويصلح للعمل به؛ فوصفَه بوصف هو بَيْن بَيْن؛ فإن الصحيح يوصف بأنه يجب العمل به، والضعيف أعلا ما يقال فيه: يعمل به في الفضائل، لا مطلقًا، والله أعلم/ النكت الوفية/ 63 أ.
(2)
اعتبر السخاوي قول المؤلف هذا: إن أجود تعاريف الحسن ما قاله الترمذي، زعمًا لا يُوافَق عليه، وأن ما قيل في توجيهه وتوجيه تعريفي الخطابي وابن الجوزي يعد تكلفًا، كما قال ابن الصلاح بعد ذكره التعاريف الثلاثة: قلت: كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، ثم اختار تقسيم الحسن إلى قسمين وعرف كل قسم كما تقدم في الأصل ص 228، 230 - 232؛ لكنه بدوره قد انتُقِد فيما قرره من التقسيم والتعريف، ثم تصدى غير واحد لدفع ما انتُقِد به كما تقدم ذكره في التعليق على كلامه، وانظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 65.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولهذا صدر ابن دقيق العيد كلامه في تعريف الحسن بأن في تحقيق معناه اضطراب/ الاقتراح/ 162 وذكر الطيبي تعريفات الحسن عند الترمذي والخطابي وابن الجوزي وابن الصلاح، ثم ذكر بعضَ ما انتُقِد به كل منهما ثم ذكر تعريفًا آخر لابن جماعة، ثم قال معقبًا على كل ذلك: اعلم أن هذا المقام صعب مرتقاه
…
الخلاصة/ 39.
وذكر الذهبي تعريفات الترمذي والخطابي وابن الجوزي وابن الصلاح مع ذكر بعض ما انتُقِد به كل منهم، ثم قال: وقد قلت لك: إن الحسن ما قُصر سندُه قليلًا عن رتبة الصحيح، وسيظهر لك بأمثلة؛ ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياس من ذلك؛ فكم من حديث تردد فيه الحفاظ هل هو حسن أو ضعيف أو صحيح؟، بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد، يومًا يصفه بالصحة، ويومًا يصفه بالحُسْن، وربما استضعفه، وهذا حق، فإن الحديث الحسن يستضعفه الحافظ عن أن يُرقِّيه الى رتبة الصحيح؛ فبهذا الاعتبار فيه ضعف مَّا؛ إذ الحسن لا ينفك عن ضعف مَّا، ولو انفك لصح باتفاق/ الموقظة للذهبي 2 أ.
لكن الحافظ ابن حجر وتلميذه السخاوي يعارضان هذا الاتجاه إلى أنه لا مطمع في تمييز الحديث الحسن عن الصحيح والضعيف؛ فقال السخاوي: الحق أن من خاض بحار هذا الفن سَهُل عليه ذلك، كما قال شيخنا -يعني ابن حجر- ولذا عرَّف الحسن لذاته فقال: هو الحديث المتصل الإِسناد برواة معروفين بالصدق، في ضبطهم قصور عن ضبط رواة الصحيح، ولا يكون معلولًا ولا شاذًا
…
ثم قال السخاوي: وأما مطلق الحسن (أي بقسميه) فهو الذي اتصل سنده بالصدوق الضابط المتْقِن غير تامهما، أو بالضعيف بما عدا الكذب إذا اعتَضد، مع خلوهما عن الشذوذ والعلة/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 66، 67.
أقول: والصواب في تعريف السخاوي هذا أن يقال: أو بالضعيف بأقل من تهمة الكذب أو فُحْش الخطأ؛ لأن المضعف بأي منهما لا ينجبر بالعاضد، عند الجمهور، وبالتالي لا يصير حسنًا لغيره، ولذا قال السخاوي نفسُه في موضع =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= آخر: فالحسن بنوعيه ما اتصل سنده بالعدل الضابط غيرَ تَامِّه، أو بالضعيف بغير مفَسِّق كالكذب، إن لم يفحُش خطأ المضعَّف به، إذا اعتضد، بدون شذوذ أو علة/ شرح التقريب للسخاوي/ 10 ب. فتنبه في هذا التعريف الثاني للاحتراز عن فُحش الخطأ؛ لكنه اقتصر أيضًا على الاحتراز عن الكذب كما في التعريف الأول، والصواب ما قدمته، ليقبل الضعف للانجبار بالعاضد / انظر علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والايضاح / 50.
ثم إنه يجب أن يتضمن تعريف كل من ابن حجر والسخاوي للحسن لذاته تحديدًا لمقدار قصور ضبط راوي الحسن لذاته عن تمام الضبط المشترَطِ في راوي الصحيح؛ لأنه تقدم انتقاد ابن حجر لتعريف غيره بعدم ضبطه مقدارَ هذا القصور بضابط، وقد أقر أيضًا السخاوي ذلك/ فتح المغيث له 1/ 65.
وقد قدمت كيفية إمكان ضبط هذا القصور وإشارة ابن حجر نفسه لذلك.
ويفهم من كلام ابن الصلاح أيضًا أن الراوي المختلف في توثيقه وتضعيفه بسبب سوء حفظه، ولم يوجد مرجِح لتوثيقه، فإن هذا الراوي يُعد قاصرًا عن تمام الضبط، ويعد حديثه حسنًا لذاته، ومثل له بحديث محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتُهم بالسواك عند كل صلاة/ علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والإِيضاح / 51، وقد أقره على ذلك العراقي وغيرُه / فتح المغيث للعراقي 1/ 43، 44 والتدريب/ 91، 102، 103 وقال العراقي: إن ابن الصلاح أخذ ذلك من كلام الترمذي على حديث السواك المذكور/ فتح المغيث للعراقي 1/ 44.
ثم إنه ينبغي في تعريف ابن حجر التعبير بالإِفراد بدل الجمع في قوله: "برواة معروفين". فيقال: "براو معروف"، لأن الجمع يوهم اشتراط أن يروي الحسن جماعة عن جماعة في حلقات الإِسناد، وليس ذلك مُرادًا، بل يكفي راو فقط في كل حلقة، وقد انتُقِد بمثل هذا تعريف النووي للصحيح بأنه: ما اتصل سنده بالعدول الضابطين / التدريب 1/ 63، وقد تنبه السخاوي لهذا فعبر في تعريفه بالإِفراد كما تقدم. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وبعد تلافي ما قدمت من الملاحظات على تعريفي ابن حجر والسخاوي يمكن أن يقال في تعريف ابن حجر:
الحسن لذاته: هو الحديث المتصل الإسناد براو معروف بالصدق وفي ضبطه قصور أزيد من النادر المعفو عنه، وأقل من الكثير المضعِّف، ولا يكون معلولًا ولا شاذًا.
ويقال في تعريف السخاوي: -الحسن ما اتصل سنده بالصَّدوق الضابط ضبطًا فيه قصور أزيد من النادر المعفو عنه، وأقل من الكثير المضعِّف أو بالراوي الضعيف بأقل من تهمة الكذب أو فحش الخطأ، إذا اعتضد، مع خلوهما عن الشذوذ والعلة.
وبهذا يتحرر التعريفان، ويخلوان من أكثر انتقادات التعاريف السابقة، وبمقتضاه يتميز المعرف، وهو الحسن لذاته ولغيره، عن كل من الصحيح والضعيف، ولو تميزا غالبًا يُبعِد عنه الاضطراب الذي أشار إليه ابن دقيق العيد، والصعوبة التي ذكرها الطيبي، وكذا اليأس الذي بدا للذهبي رحمهم الله وإيانا، كما أنه بالنسبة لما استدل به الذهبي على اليأس من ضبط الحسن بضابط عام يمكن القول: إن اختلاف أنظار العلماء، أو العالم الواحد في الحكم على الحديث لا يبرر القول باليأس من ضبط الحسن بتعريف عام يميزه عن الصحيح والضعيف؛ وذلك لأن اختلاف الأنظار لم يقتصر على الحسن، بل وقع في الصحيح أيضًا مع وجود ضابط عام له متفق عليه من جمهور المحدثين، وعليه فلا يلزم أن يكون الاختلاف في وصف بعض الأحاديث بالحُسْن سببه عدم إمكان ضبط الحديث الحسن بتعريف عام مميز له عن غيره، بل يمكن أن يكون سبب ذلك هو اختلاف النظر أو الأنظار في توفر الضابط العام في سند ومتن الحديث النظور فيه، ولهذا فإن ابن الصلاح ذكر ضابط الحديث الصحيح المتفَق عليه عند المحدثين، ثم قال: وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجوه هذه الأوصاف فيه/ علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 21، وعليه فالخلاف في تطبيق القواعد والضوابط العامة على الأفراد، لا يدل على صعوبة الوصول لوضع تلك القواعد والضوابط وإقرارها. والله أعلم.
الاعتراض ما رأيت، وهو أبو عُذْرة هذا المنزع، ولم يسبقه أحد إلى هذا المراد بالحُسْن (1)، ولم يَعْدُ مَن بَعده مرادَه؛ فإن الحديث ينقسم إلى:
1 -
مقبول.
2 -
ومُقابِلُه.
3 -
وما تجاذبه طرفا القَبُولِ والرد؛ بانقسام الرُّواة إلى:
1 -
عدل وهو راوي الصحيح.
2 -
ومجروح، وهو: راوي المردود.
3 -
ومتردَّد بينهما، لم يَتبين فيه مقتضى القَبول فيقبل، ولا مقتضى الردّ [فيُرد، فيقبله قوم](2) وهم الذين لا يبتغون في العدالة أمرًا زائدًا على الإسلام والستر، ويردُّه آخرون (3) إلى أن يثبت مقتضى القبول -وهم الذين لا يقتصرون على الإسلام والستر في مقتضى العدالة؛ فهذا قسم المستور (4) الذي عُرِف شخصُه، وجُهِلَتْ
(1) قدمت قبل ذلك عرضًا متتابعًا لإِطلاق وصف الحُسْن على الحديث، ابتداء من ابراهيم النخعي حتى شيوخ الترمذي، وتبين منه أن الترمذي مسبوق إلى استعمال الحَسَن بالمعنى الاصطلاحي المراد عنده، وخاصة من أبرز شيوخه وهو الإمام البخاري، ومنه استفاد الترمذي في ذلك، بالنقل الصريح عنه. انظر ص 196 ت وما بعدها.
(2)
ما بين المعكوفين ليس بالأصل، وأضفته ليستقيم المعنى، ومن هؤلاء الذين قبلوه الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه وبعض الشافعية / شرح شرح النخبة للشيخ علي القاري/ 71 وتوضيح الأفكار 1/ 182.
(3)
وهم الجمهور/ شرح النخبة مع شرح الشرح للقاري/ 155.
(4)
قوله "فهذا" إشارة إلى قوله السابق: "ومتردد بينهما".
حالُه، ممن لم يُنقَل فيه جرح ولا تعديل، أو مما نُقِلا فيه معًا ولم يترجح أحدهما على الآخر ببيان (1) حيث يُحتاج إليه، وما أشبهه (2).
ولكل من هذه الأقسام الثلاثة أنواع يأتي الكلام عليها في آخر الكتاب (3).
وربما وقع الاشتباه بين النوع الآخِر من كل قسم والنوع الأول من الذي يليه.
(1) بالأصل "تبنان" ولا يستقيم المعنى عليه.
(2)
هذا التعريف المتقدم للمستور ذكره السخاوي بعبارة المؤلف مع تصرف يسير، ولكن لم يَعزُه إليه / فتح المغيث 1/ 63 ولذا عزاه إلى السخاوي الشيخ علي قاري / شرح شرح النخبة / 71 والصَّنْعاني/ توضيح الأفكار 1/ 162، 163، وقد قدمت في التعليق على تعريف ابن الصلاح للحديث الحسن ص 228 هامش 4 وما بعدها مجمل آراء العلماء في تعريف المستور، وترجيح الحافظ ابن حجر أن رواية المستور يُتَوقف في قبولها أو ردها إلى استبانة حالِه تعديلًا أو تجريحًا، وقد أشرت هناك إلى ترجيح الرد، كما يرى الجمهور. ويلاحظ أن المؤلف اقتصر على ذكر الخلاف في قبول رواية المستور وردها دون ترجيح من جانبه، لكنه جزم بالرد قبل هذا ص 252 وفيما يأتي ص 424 أيضًا وقال بالتوقف إلى ظهور حاله في ص 326، 354.
(3)
يعني آخر شرح جامع الترمذي، حيث تكلم الترمذي في كتاب العلل الذي ختم به جامعه عن بعض أنواع الرجال الثقات والمجروحين؛ فيلزم المتصدي لشرح ذلك أن يبين ما أشار إليه المؤلف هُنا؛ لكن للأسف أن المؤلف والعراقي لم يصلا في الشرح إلى آخر الجامع فيما وقفنا عليه حتى الآن من نسخ الشرح كما تقدم، ولعل فيما وصل الينا من شرح كتاب العلل هذا لابن رجب الحنبلي عَزاء عما فاتنا مما وعد به المؤلف، ولم يتح له الوفاء به/ انظر شرح العلل لابن رجب 2/ 340 وما بعدها/ تحقيق د. همَّام سعيد.
إذا تقرر هذا، فلكل حديث مرتبة لا يعدُوها، وحكم لا ينتقل عنه؛ إلا أن يتغير العلم بحال راويه فالصحيح ليس بحسن ولا ضعيف، كما أن الحسن ليس بواحد منهما، ومن هنا. أُورِد على الترمذي جَمعُه بين الحسن والصحة في حديث واحد؛ حتى أجاب بعضُهم: أن ذلك باعتبار طريقين (1)، ويَرِد عليه ذو الطريق الواحدة (2).
(1) هذا مجمل ما أجاب به ابن الصلاح، وقد جعل فيه الوصفين راجعين الى الإسناد، فقال: فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين أحدِهما إسناد حسن، والآخر إسناد صحيح، استقام أن يقال فيه: إنه حديث حسن صحيح؛ أي أنه حَسَن بالنسبة الى إسناد، صحيح بالنسبة الى إسناد آخر/ علوم الحديث لابن الصلاح / 35، وقد نقل هذا الجواب عن ابن الصلاح عامةُ من جاء بعدَه، سواء مع التصريح بنسبته إليه، كالعراقي/ شرح التبصرة والتذكرة 1/ 108 والسخاوي / فتح المغيث 1/ 91 أو بدون تصريح بنسبته إليه، كفصيح الهرَوي/ جواهر الأصول له/ 22، والذهبي، وقد وصفه بأنه جواب لا ينهض/ الموقظة 2 ب والحافظ ابن حجر، وأضاف أنه على هذا الجواب، ما قيل فيه "حسن صحيح" فوق ما قيل فيه "صحيح" فقط، وكان إسناده فَردًا؛ لأن كثرة الطرق تُقَويِّ / النخبة مع شرح الشرح/ 75.
(2)
قال الذهبي: فهذا يبطل قول من قال: أن يكون ذلك بإسنادين/ الموقظة 2 ب، وأصل هذا الإِيراد لابن دقيق العيد؛ فإنه ذكر جواب ابن الصلاح السابق بتعدد الإِسناد؛ ثم قال:
…
فَيرِد عليه الأحاديث التي قيل فيها: "حسن صحيح"، مع أنه ليس لها إلا مخرج واحد، وَوِجْهة واحدة، وإنما يعتبر اختلاف الأسانيد بالنسبة الى المخارج، وهذا موجود في كلام أبي عيسى الترمذي، في مواضع يقول: هذا حديث حسن صحيح لا نعْرِفُه الا من هذا الوجه، أو لا نعْرِفه الا من حديث فلان/ الاقتراح 173، 174.
وهذا يفيد أن ابن دقيق العيد يعتبر القول بتعدد الإِسناد منافيًا للوصف بالغرابة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= المطلقة، كالعبارة الأولى، أو المقيدة، كالعبارة الثانية، وقد صرح بنسبة هذا التعقب لابن دقيق العيد غير واحد، كالعراقي/ شرح التبصرة والتذكرة 1/ 108، والتقييد والإيضاح/ 59، والسيوطي/ التدريب 1/ 162، وزاد السخاوي اعتبار ابن سيد الناس تابعًا لشيخه ابن دقيق العيد في رد جواب ابن الصلاح بهذا التعقيب/ فتح المغيث 1/ 91، ومن العلماء من ذكره بدون عزوه لابن دقيق العيد، كالذهبي/ الموقظة 2 ب، وابن كثير/ مختصر علوم الحديث له مع الباعث الحثيث / 43، وابن رجب/ شرح العلل 1/ 391.
وقد أَوْرَد كل من العراقي وابن رجب جوابًا عن التعقب بما وصف مع الصحة والحسن بالغرابة المطلقة أو المقيدة، وعزَا كل منهما ما ذكره إلى بعض المتأخرين دون تعيين شخصه.
فقال العراقي: وقد أجاب بعض المتأخرين عن ابن الصلاح بأن الترمذي حيث قال هذا يريد تفرُّد أحد الرواة به (أي بالحديث) عن الآخر، لا التفرد المطلق، قال (أي المجيب): ويوضح ذلك ما ذكره في كتاب الفتن (باب ما جاء في إشارة الرجل على أخيه بالسلاح) من حديث خالد الحَذّاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة يرفعه: من أشار إلى أخيه بحديدة لعنته الملائكة، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، يُسْتَغْربُ من حديث خالد الحَذَّاء/ جامع الترمذي 3/ 314 حديث 2250، فاستَغْرَبَه من حديث خالد، لا مطلقًا/ التقييد والإِيضاح/ 59.
وذكر البُلْقِيني هذا الجواب أيضًا بنحو ما ذكره العراقي، لكنه لم ينسبه لأحد/ محاسن الاصطلاح للبُلْقِيني/ 10 أ.
وخلاصة هذا الجواب أن صاحبه يرى أن المطلق من عبارات الترمذي المركبة المُشْكِلَة، يوضحه عباراته المقيدة المصرح فيها بمراده؛ فَيُحْمَل المطلق على المقيد.
لكن العراقي تعقب هذا الجواب بأنه لا يمشي في العبارات المطلقة، فقال: وهذا الجواب لا يمشي في المواضع التي يقول فيها (الترمذي): لا نعرفه إلا من هذا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الوجه، ثم مثل لذلك بقوله: كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بَقِي نصف من شعبان فلا تصوموا، قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، لا نَعرفُه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ/ جامع الترمذي - كتاب الصيام - باب كراهية الصوم في النصف من شعبان لحال رمضان 2/ 121 حديث 735 والتقييد والإيضاح/ 60.
وفي تعقب العراقي هذا نظر؛ فإن ما ذكره من أن الجواب لا يمشي في المواضع المطلقة يفيد أنه لا يقر المجيب على حمل - عبارات الترمذي المركبة المطلقة على المقيدة، وكان مقتضى هذا أن يأتي لنا بمثال فيه عبارة مركبة مطلقة، ولا يستقيم حملها على المقيد؛ لكنه جاء بمثال مقيد، كما مثَّل المجيب بمثال مقيد، وإن كان القيد في مثال المجيب راجعًا إلى السند، وفي مثال العراقي راجع إلى المتن؛ ولهذا فإن البقاعي علق على تمثيل العراقي بالحديث المذكور، فقال: إنه ليس مثالًا صحيحًا؛ فإن قول الترمذي: "على هذا اللفظ" يُشعِر بأنه رُوِي من غير هذا الوجه على غير هذا اللفظ، وهو كذلك؛ فإنَ أصْلَه حديث:"لا تَقدَّموا رمضان بصوم يوم ولا يومين". وهو مروي من غير هذه الطريق/ جامع الترمذي - كتاب الصوم - باب ماجاء لا تَقدَّموا الشهر بصوم 2/ 96 حديث 679 وقال عنه الترمذي: "حديث حسن صحيح".
أقول: وقد أشار الترمذي عقب حديث العلاء إلى رجوع معناه للحديث المذكور عند بعض العلماء وأَقرَّة.
ثم أضاف البقاعي قائلًا: وللترمذي في تعبيره عن ذلك أنواع من التقييدات لا ينتبهون لها، كان يقول:"غريب من هذا الوجه"، "غريب بهذا السياق"، "لا نعرفه إلا من هذا الوِجه بهذا التمام"، ونحو ذلك، فلا يمنع أن يكون رُوِي من وجه آخر، أوْ أَوجُهٍ أُخَر من غير ذلك الوجه، وبغير ذلك السياق، وبغير ذلك التمام، ووراء ذلك كله أنه إذا اقتصر على قوله:"غريب" احتمَل أن يكون مراده الغرابة النسبية؛ أي أن ذلك الراوي تَفرَّد به عن شيخه، وذلك مثل: "حسن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= غريب من هذا الوجه"؛ فلا يمتنع ان يكون رواه العدد الكثير عن غير ذلك الشيخ، فلْيُتَنَّبه لذلك كله / النكت الوفية / 86 ب، 87 أ، وبهذا أيد البقاعي القول بحمل المطلق من عبارات الترمذي على المقيد، في مواجهة رد العراقي لذلك، غير أنه لم يُجب عما لا يمكن فيه حمل المطلق على المقيد، كان ننظر في الحديث الموصوف مع الصحة والحسن بالغرابة المطلقة فنجد سنده فردًا في كل حلقاته، ولا نجد لمتنه شاهدًا، وسيأتي للمؤلف ما يجاب به عن تلك الصورة من الغرابة.
أما الحافظ ابن رجب، فقد ذكر اعتراض ابن دقيق العيد على القول بتعدد الإِسناد بما قيل فيه "حسن صحيح غريب"، لا نعرفه إلا من هذا الوجه
…
، ثم قال: وقد أجاب عن ذلك بعض أكابر المتأخرين: بأنه قد يكون أصل الحديث غريبًا ثم تتعدد طرقُه عن بعض رواته (أي الذي تحصل الغرابة بالنسبة إليه)، إِما التابعي أو من بعده، فإن كانت تلك الطرق كلها صحيحة، فهو صحيح غريب، وإن كانت كلها حسنة فهو حسن غريب، وإِن كان بعضُها صحيحًا وبعضها حسنًا فهو صحيح حسن غريب؛ إذ الحسن عند الترمذي ما تعددت طرقه، وليس فيها مُتَّهَم، وليس شاذًا (أي وهذا فيه شُروطه وزيادة)؛ فإذا قال مع ذلك:"إنه غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه" حمل على أحد شيئين: -إما أن تكون طُرُقه تعددت الى أحد رُواتِه الأصليين؛ فيكون أصله غريبًا، ثم صار حسنًا، وإما أن بكون إسناده غريبًا، بحيث لا يعرف بذلك الإِسناد الا من هذا الوجه، ومتنه حسنًا بحيث روي من وجهين وأكثر -كما يقول: وفي الباب عن فلان وفلان - فيكون لمعناه شواهد تبين أن متنه حسن، وإن كان إسناده غريبًا/ شرح العلل 1/ 391، 392.
أقول وهذا الجواب -كما ترى- أكثر تفصيلًا وتوضيحًا من الجواب الذي ذكره العراقي والبُلْقِيني وأيده البقاعي، ولكن الجوابين متفقان في القول بحمل مطلق عبارات الترمذي على مُقَيَّدِهَا، لكن هذا الجواب -مع تفصيله- ما زال بحاجة إلى إضافة شرط في أصل السند الذي ترجع الغرابة إليه، وتتعدد عنه طرق =
وَرَدّ غيرُه (1) الحُسْن إلى المتن، وهو أبعدُ من الأول (2)، إذ كل
= الحديث، وذلك أن يُقال: إنه إذا لم يكن للمتن شاهد من طريق آخر فيُشتَرط أن يكون من ترجع إليه الغرابة في السند "ثقة" بالنسبة للحديث الذي يقول الترمذي عنه: صحيح غريب، أو حسن صحيح غريب، وأن يكون في مرتبة الحسن لذاته بالنسبة للحديث الذي يقول عنه: حسن غريب، أما إذا كان للمتن شاهد يرفعه الى الصحة أو الحسن فيكفي أن يكون ضعفه قابلًا للانجبار؛ حتى يرتفع بالشاهد الى الصحة أو الحُسْن، وينطبق بذلك عليه الوصف، مع ضعف أصله وغرابته؛ لكن رغم ذلك فإنه يظل كسابقه غير شامل للجواب عما يصفه الترمذي بالغرابة المطلقة مع الصحة والحُسن، ولا نجد له سندًا متابعًا، ولا شاهدًا لمتنه.
ولعل هذا وذاك مما جعل ابن رجب يتعقب هذا الجواب بقوله: وفي بعض هذا نظر، وهذا بعيد من مراد الترمذي لمن تأمل كلامه/ شرح العلل 1/ 392.
لكن يبدو أنه لو أضيف إليه الشرط الذي ذكرتُه فإنه يصلح جوابًا عن أكثر عبارات الترمذي المركبة المُشْكِلة، فيما عدا صورة الغرابة المطلقة التي قدمْت ذِكرَها.
(1)
أي غيرُ من اعترض بذي الطريقة الواحدة، وهذا الغير هو ابن الصلاح؛ فإنه بعد ذكر الجواب السابق بِحَمْل الجمع بين الصحة والحُسْن على تعدد الإِسناد، قال: على أنه غير مُستَنكَر أن يكون بعض من قال ذلك (أي قال: حسن صحيح) أراد بالحَسَن معناه اللغوي، وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب، دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده / علوم الحديث / 35، و 36، وقد استبعد المؤلف هذا الجواب أكثر من سابِقه، مع التعليل كما ترى في باقي كلامه، كما تعقب غيره ابن الصلاح أيضًا في هذا الجواب، كما سنذكره بعد.
(2)
سبق ابن دقيق العيد المؤلف إلى ردّ هذا الجواب الثاني من ابن الصلاح، كما سيأتي؛ ولذا اعتبر السخاوي المؤلِّفَ تابعًا لشيخه ابن دقيق العيد في رَدِّه هذا الجواب، كما اعتبره تابعًا له في رَدِّ الجواب الأوّل/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 91.
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حَسَن (1) سواء كان في الأحكام أو الرقائق أو غيرهما (2)، وأيضًا فلو أراد واحدًا من
(1) بالأصل "حسنًا" وما أثبتُه هو الموافق لقواعد الإِعراب.
(2)
يُلاحَظ أن تعليل المؤلف هذا لإِبعاد الجواب المذكور يختلف مع تعليل شيخه ابن دقيق العيد الآتي، وإن كانا قد اتفقا على ردّ الجواب، وقد أقر السخاوي تعليل المؤلِّف لرد حَمْل الحَسَن على متن الحديث، فقال: هو كذلك جَزمًا؛ لكن لا مانع من النص فيما يتضمن الترغيب والرقائق ونحوهما على الحُسْن اللغوي، غير أنه نَقَل عن الْبُلْقِيني أنه يمكن أيضًا وصف ما تضمن الترهيب ونحوَه بالحُسْن اللغوي باعتبار أن ما فيه من الزجر والوعيد مسوق بأَساليب بديعة؛ وبذلك انتهى إلى أن كل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حسنًا كما ذكر المؤلف؛ وعليه فالحمل على المعنى اللغوي للمتن لم يَحُل إشكال الجمع بين الحُسْن والصحة؛ ولذا قال السخاوي: وحينئذ فالإِشكال باق / فتح المغيث للسخاوي 1/ 90، 91 ومحاسن الإِصطلاح للبُلْقِيني/ 10 أ.
وأما ابن دقيق العيد فاتجه في تعليل رده لجواب ابن الصلاح هذا إلى ناحية أخرى فقال: إما إطلاق الحَسن باعتبار المعنى اللغوي فيلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حَسَن، وذلك لا يقوله أحد من أهل الحديث إذا جَرَوا على اصطلاحهم/ الاقتراح/ 174.
ورَدّ البُلْقِيني ذلك من وجهين:
أحدهما: أن الكلام فيما جمع بين الصحة والحُسْن؛ فلا يدخل الحديث الموضوع.
وثانيهما: أن الأحاديث الموضوعة وإن كان فيها ترقيقات إلا أنه لا يحل إطلاق الحُسْن عليها، ولو بعيدًا عن الاصطلاح، منعًا للالتباس بإرادة الحسن الاصطلاحي/ محاسن الإصطلاح 110 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 90.
أما العراقي فذكر أن ابن عبد البر -وهو من أهل الاصطلاح- قد أطلق على الحديث الضعيف - (بل الذي في سنده وضَّاع) - أنه حَسن، وأراد حُسْن لفظه، لا الحسن الاصطلاحي/ التقييد والإيضاح/ 60، ورد ابن حجر ذلك بأن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ابن عبد البر وإن كان من أهل الاصطلاح؛ لكنه لم يجر في حكمه على الحديث المشار إليه على اصطلاح المحدثين بدليل اعترافه عند الحكم عليه بضعف سنده، واصطلاح المحدثين في الحسن خلاف ذلك/ الإِفصاح 60 ب، وعليه فلا يُتَعقب ابن دقيق العيد بإطلاق ابن عبد البر الحُسن على الحديث الضعيف فضلًا عن الموضوع؛ لأن ابن دقيق العيد قيّد منع إطلاق الحسن على مثل هذا الحديث بمراعاة الاصطلاح؛ لكن يبقى تعقبه بما تقدم عن البُلقيني: أنه لا يحل إطلاق الحسَن على الموضوع ولو بدون تقييد بمراعاة الاصطلاح، خشية الالتباس، وزاد السخاوي: أن حُسن لفظه أيضًا معارَض بقُبْح الوضع أو الضعف/ فتح المغيث/ 1/ 90. وعليه يندفع إلزام ابن دقيق العيد لابن الصلاح بإطلاق الحُسْن اللغوي على الحديث الموضوع إذا كان حَسَن اللفظ؛ لكن مع اندفاع هذا الإِلزام عن ابن الصلاح فإن حَمْلُه الحُسن على المعنى اللغوي لا يرفع إشكال الجمع بين الصحة والحُسْن، وذلك لما ذكره المؤلف ومِن بَعدِه البلقيني والسخاوي: أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم كلَّه حسَن اللفظ والمعنى، سواء تضمن ترغيبًا أو ترهيبًا أو غيرَهما، ولذلك اعتبر البقاعي أن هذا هو الإِلزام الصحيح المترتب على قول ابن الصلاح بإرادة الحُسن اللغوي فيما جُمع في وصفه بين الصحة والحُسْن؛ لكنه نسب إلزام ابن الصلاح بذلك إلى شيخه ابن حجر فقال: والإِلزام الصحيح ما قاله شيخُنا من أنه كان يَلزم على قوله - (أي قول ابن الصلاح) - أَن لا يوصف حديث بصفة إلا والحُسْن تابعه؛ فإن كل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حَسنةُ الألفاظ بليغة، فلما رأينا هذا الذي وقع في كلامه هذا، كثيرًا يفرق؛ فتارة يقول: "حسن" فقط، وتارة يقول: "صحيح" فقط، وتارة يقول: "حسن صحيح" وتارة يقول: "صحيح غريب" وتارة "حسن غريب"، ونحو ذلك، عرفنا أنه لا محالة جارِ مع الاصطلاح، وأيضًا فهو قد قال في "العلل" في آخر كتابه: وما قلنا في كتابنا: "حديث حسن" فإنما أردنا به حَسُن إسناده عندنا "جامع الترمذي 5/ 413 مع تصرف يسير"؛ فقد صرح بأنه إنما أراد حُسْن الإِسناد، فانتفى أن يريد حسن اللفظ./ النكت الوفية/ 86 أ، ب والتدريب 1/ 163، ويبدو أن البقاعي لم يكن مُسَلِّمًا بهذا؛ فناقش شيخه ابن حجر فيه؛ حيث إنه ساق كلامه السابق ثم =
المَعْنَيَيْن (1) لَحَسُن أن يأتي بواو العطف المُشرِّكة، فيقول: حسن وصحيح؛ ليكون أوضح في الجمع بين الطريقين، أو السند والمتن.
وقد كان يمكن أن يجاب عنه من هذا النَمط، أنه صَدقَ عليه الوصفان باعتبار الاختلاف في حال راويه؛ إذ قد يكون الراوي عند مُعدِّل في مرتبة الصحيح، وعند غيره، دون ذلك، وَيرِد على هذا -لَوْ قيل- ما لا يختلف النظر في تعديل راويه، وأنه كان يَحسُن في مثله أن يأتي بلفظة "أو" التي هي لأحد الشيئين أو الأشياء، فيقول: حسن أو صحيح (2).
= قال: فقلتُ: يمكن أن يجيب مُدَّعِي هذا (يعني إرادة الحُسن اللغوي) بما أجبتم به من أن هذا الكلام (في تعريفه للحسن) خاص بما يقول فيه: "حسن" من غير صفة أخرى، فقال (ابن حجر): بل هذا شامل للجميع، والذي يختص بما يخصه بقوله:"حسن" هو الكلام الذي بعد هذا، وهو قوله:"كل حديث يُروَى" إلخ "وإنما يريد تحسين أهل هذا الشأن للفظ الضعيف مقيدًا، كما يقول ابن عبد البر أحيانًا: "حديث حسن اللفظ، وليس له إسناد قائم" / النكت الوفية/ 86 ب، وإذن فذكر "الحسَن" عند الترمذي مفردًا أو مركبًا -إذا لم يُقيِّده- ينصرف إلى حُسن الإِسناد، أما إرادة حُسن اللفظ فتحتاج إلى تقييد، كما في عبارة ابن عبد البر المذكورة.
(1)
بالأصل "المعندين" وما أثبته هو الذي يستقيم عليه المعنى، ويؤيده نقل السخاوي له بلفظ "الوصفين" والمراد:"الحُسْن والصحة" / فتح المغيث للسخاوي 1/ 91.
(2)
هذا الجواب الذي أورده المؤلف من جانبه فصدَّره بقوله: وقد كان يمكن أن يجاب
…
الخ، وكذا ما أورده عليه من تعقب، قد ذكره ابن حجر مع بعض زيادة وتصرُّف في العبارة، عازيًا إياه لبعض المتأخرين دون تحديد شخصه، فقال: وأجاب بعض المتأخرين عن أصل الإِشكال (يعني إشكال الجمع بين =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وصفي الحُسن والصحة لحديث واحد) بأنه اعتبار صدق الوصفين على الحديث بالنسبة إلى أحوال رواته عند أئمة الحديث؛ فإذا كان فيهم من يكون حديثه صحيحًا عند قوم، وحسنًا عند قوم، يقال فيه ذلك.
ويتعقب هذا بأنه لو أراد ذلك لأتى بالواو التي للجمع، فيقول: حسن وصحيح، أو أتى بـ"أو" التي هي للتخيير أو التردد، فقال: حسن أو صحيح، ثم إن الذي يتبادر إلى الفهم أن الترمذي إنما يحكم على الحديث بالنسبة إلى ما عنده، لا بالنسبة إلى غيره؛ فهذا يقدح في هذا الجواب، ويتوقف أيضًا على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين؛ فإن كان في بعضها ما لا اختلاف فيه عند جميعهم في صحته فَيُقْدَح في الجواب أيضًا؛ لكن لو سَلِم هذا الجواب من التعقب لكان أقرب إلى المراد من غيره، وإني لَأمِيلُ إليه وأرتضيه، والجواب عما يَرِد عليه ممكن/ الإفصاح/ 60 ب، 61.
أقول: وقد كان على الحافظ حيث ارتضى هذا الجواب ومال إليه أن يُجيب عما أوْرَدَه عليه من تعقبات، ولا يكتفي بالإِشارة لإِمكان ذلك. ثم إنه أرتضاه هنا كجواب عام عن أصل إشكال الجمع بين الصحة والحُسن لحديث واحد، ومقتضى هذا شمولُه لما تعدد إسناده من ذلك وما لم يتعدد، وما وصف مع ذلك بالغرابة أولًا، ولكنه مع تصريحه بارتضائه والميل إليه لم يَعتبرْه أقوى الأجوبة عن أصل الإِشكال؛ حيث إِنه بعد تصريحه بارتضائه ذكر بعض الأجوبة الأخرى، ثم قال: وفي الجملة أقوى الأجوبة ما أجاب به ابن دقيق العيد/ الإِفصاح/ 60 ب، وتبعه في ذلك الشيخ البَنُّوْري وشيخُه الكَشميري/ معارف السنن 1/ 44، وجواب ابن دقيق العيد المشار إليه، خلاصته أن صفات الرواة المقتضية لقبول رواياتهم درجات بعضها فوق بعض، فوجود الدنيا لا ينافيه وجود ما هو أعلا منها؛ فإذا وجدت الدرجة العليا، لم يناف ذلك وجود الدنيا.
وعليه يمكن اجتماعها في راو واحد، وبالتالي يقال عن حديث واحد: إنه حَسنٌ باعتبار وجود الصفة الدنيا في رواته وهي الصدق مثلًا، ويقال عنه أيضًا:"صحيح"، باعتبار وجود الصفة العليا -وهي الحفظ والإِتقان- في نفس رُواته، =
وكل هذه الأجوبة مرغوب عنها.
ويلتحق بهذه الأجوبة، ما ذكره الحافظ أبو عبد الله بن أبي بكر بن المَوَّاق (1): أن الترمذي لم يَخُص الحسن بصفة تميزه عن
= ثم قال ابن دقيق العيد: ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنًا، ويؤيده قول المتقدمين:"هذا حديث حسن" في الأحاديث الصحيحة/ الاقتراح/ 176.
وأقرب ما يَرِد على هذا الجواب، ما ذكره ابن حجر نفسه أنَّ قول ابن دقيق العيد: ويلزم على هذا
…
الخ"، يُشعِر بعدم ارتضائه لهذا الجواب/ النكت الوفية/ 78 ب، ومن أوضح ما يَرِد عليه أيضًا ما تعقب به المؤلف ابنَ المَوَّاق، كما سيأتي، وخلاصته أنه ليس كل صحيح يكون حسنًا عند الترمذي، وقد أقر ابن حجر نفسه هذا التعقب/ الإِفصاح/ 60 ب وتوضيح الأفكار 1/ 241؛ بل نقل البقاعي عنه قوله: إن هذا ليس جوابًا صحيحًا، لأن الحق أن الضبط الذي في راوي الحسن غير الضبط الذي في راوي الصحيح؛ فإن الذي في راوي الحسن مُشترط فيه القصور، والذي في راوي الصحيح مشترط فيه التمام، فهما حقيقتان مختلفتان،
…
ومن جعل الحسن من جنس الصحيح لاجتماعهما في القبول فقد غَفَل عن فصل الحسن، وهو اشتراط قصور ضبط راويه/ النكت الوفية/ 78 ب، ومقتضى هذا أنه رجَع عن تقوية جواب ابن دقيق العيد المذكور، وقد أشار السخاوي لذلك فقال: ثم رجع شيخنا فقال: الحق أنهما -أي الصحيح والحسن- متباينان؛ لأنهما قسمان في الأحكام، فلا يَصدُق أحدهما على الآخر البتَّة/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 62.
وبهذا انتهى الأمر -كما نرى- إلى أن جوابي ابن دقيق العيد وجواب تلميذه المؤلف مِنْ بعده لايصلح أيُّ منهما بمفرده جوابًا عامًا عن إشكال الجمع بين الصحة والحُسن بمختلف صوره، ولعل هذا مما جعل الحافظ ابن حجر يتجه اتجاهًا آخر يصل به إلى جواب عام عن الإِشكال بمختلف صوره، كما سيأتي ذكره في التعليق على الجواب المختار عند المؤلف.
(1)
تقدم التعريف به، وذكر العراقي أن كلام ابن الموَّاق هذا في كتابه "بُغية النقاد" / التقييد والإِيضاح/ 61، وسبق عند ترجمته التعريفُ بنسخة هذا الكتاب التي اطلعت عليها.
الصحيح؛ فلا يكون صحيحًا إلا وهو غير شاذ، ولا يكون صحيحًا حتى يكون رواته غير متهمين؛ بل ثقات، قال: فظهر من هذا، أن الحسن عند أبي عيسى، صفة لا تخص هذا القسم (1)؛ بل قد يَشْرَكه فيها الصحيح؛ فكل صحيح عنده حسن، وليس كلُّ حسن صحيحًا.
ويشهد لهذا أنه لا يكاد يقول في حديث يصححه إلا: حَسنٌ صحيح (2).
(1) قال البقاعي: (قوله): "لا تخص هذا القسم" أي الحسن من حيث هو حَسَن، لا يخص هذا القسم الذي اندرج تحت حد الترمذي/ النكت الوفية/ 62 أ.
(2)
سبق للمؤلف ذكر خلاصة كلام ابن الموَّاق هذا مُصرِّحًا بأنه اعتراض على الترمذي في تعريفه للحسن بما لم يُميزه عن الصحيح، ص 268، 269، واكتفى هناك بذكره كاعتراض، ولم يَرُدّ عليه، أو يشر لمجيء رده هذا، وكلا الأمرين غير وجيه؛ وذلك لأن الموضع الأصلي لكلام ابن المواق هو الاعتراضات على تعريف الحسن، ورَدُّ المؤلف هنا على اعتراضه مُنصَبّ على ذلك؛ فلماذا أخره عن موضعه الأصلي حتى بدون إحالة على ما هنا؟. ثم إن الجواب عن جمع الترمذي بين الصحة والحسن بمثابة دفاع عن تصرفه وتوجيه له، والاعتراض مضاد لذلك، فكيف يلحق هذا بذاك؟.
ونعم إن بعض نتيجة اعتراض ابن الموَّاق وهو قوله: "كل صحيح حسن"، متفق مع بعض نتيجة جواب ابن دقيق العيد عن جمع الترمذي بين الصحة والحُسن، وهو قوله:"ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنًا"، لكن هذا لا يُسوِّغ إلحاق اعتراض ابن الموَّاقَ كله بالأجوبة، كما فعل المؤلف؛ وإنما كان يكفي هنا الربط بين ما اتفق فيه اعتراض ابن الموَّاق مع جواب ابن دقيق العيد، أمّا تفصيله اعتراض ابن المواق كله على تعريف الترمذي للحسن، ثم التصدي للرد عليه، فذاك محله ما تقدم من تعريفات الحَسَن ومناقشتها، وعلى هذا النحو مشى البقاعي/ النكت الوفية/ 61 ب - 62 ب، 89 ب والسيوطي/ تدريب الراوي 1/ 155، 164. =
قلت: بقي عليه أنه اشترط في الحسن أن يُروى نحوُه من وجه آخر، ولم يشترط ذلك في الصحيح؛ فانتفى أن يكون كل صحيح حسنًا؛ نعم قولُه: وليس كل حسن صحيحًا، صحيح (1).
= أما غيرهما فاختلف صنيعه: فالحافظ العراقي في التقييد والإِيضاح أورد كلام ابن المواق ورَدّ المؤلف عليه في موضع واحد، وهو الجواب عن جمع الترمذي بين الصحة والحُسن/ 61، ولكن في شرح ألفيَّته المسماة بالتبصرة والتذكرة أورد اعتراض ابن المواق ورَدَّ المؤلف علبه في موضعه الأصلي، وهو تعريفات الحسن ومناقشتها، ثم أورده ثانيًا في هذا الموضع وهو جمع الترمذي بين الصحة والحُسن/ شرح التبصرة والتذكرة 1/ 85، 86، 110، ومثل هذا فعل ابن الوزير والصنعاني/ تنقيح الأنظار مع شرحه توضيح الأفكار 1/ 159، 160، 240، 241. أما الحافظ ابن حجر/ الإِفصاح 60 ب، والسخاوي/ فتح المغيث 1/ 92، 93 فسلكا مسلك العراقي في التقييد والإِيضاح. والأولى ما مشى عليه البقاعي والسيوطي كما تقدم.
(1)
تعقب الحافظ العراقي اعتراض المؤلف هذا من وجوه، وسأذكُرُ كلا منها ثم أجيب عنه بعون الله، إنصافًا للحقيقة، وللمؤلف.
أحدها: أنه يترتب عليه أن الحديث الصحيح الذي ليس له إلا طريق واحد لا يكون حسنًا عند الترمذي؛ مع أن الواقع في جامعه خلاف ذلك، فقد ذكر العراقي اعتراض المؤلف هذا على ابن الموَّاق ثم قال: فعلى هذا، الأفراد الصحيحة ليست بحسنة عند الترمذي؛ إذ يَشْتَرِط في الحسن أن يُروَى من غير وجه/ شرح التبصرة والتذكرة 1/ 110.
والجواب عن هذا أن الحسن الذي عَرَّفه الترمذي، ونازعه ابن الموَّاق في تعريفه، من المقرر -سلفًا- أنه قاصر عن الصحيح؛ بل عن الحسن لذاته، وبالتالي فالصحيح مستبعد كليَّة عن محل النزاع.
وثانيها: أنه يمكن دفع اعتراض المؤلف هذا أصلًا؛ وفي ذلك يقول العراقي: وجواب ما اعترض به (أي المؤلف): أن الترمذي إنما يَشترِط في الحسن مَجيئَه من =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وجه آخر، إذا لم يبلغ رتبة الصحيح؛ فإن بلغها لم يَشتَرِط ذلك؛ بدليل قوله في مواضع:"هذا حديث حسن صحيح غريب" فلما ارتفع إلى درجة الصحة أثبت له الغرابة باعتبار فرديته، (يعني ومع الفردية أثبت له الحُسْن أيضًا) / شرح التبصرة والتذكرة 1/ 110، 111، وسيأتي توجيه الجمع بين الثلاثة في حديث واحد.
والجواب هنا عن كلام العراقي هو: أنّ ردَّه قائم على اعتباره أن لفظ "الحسن" مراد به عند المؤلف العموم، أوعلى الأقل يُفْهَم منه هذا، وذلك في قوله: إن الترمذي "شَرَط في الحسن أن يروى نحوه من وجه
…
"، وبذلك يشمل النوعَ الذي عرّفه الترمذي وأكثر منه في جامعه، وهو الحسن لغيره، ويشمل النوع الآخر الذي أورده في جامعه أيضًا وإن لم يُعَرِّفْه، وهو الحسن لذاته، والواقع خلاف هذا الذي بنى العراقي عليه ردَّه؛ وذلك لأن ابن المَوَّاق لم يعترض على كل الحسن بنوعيه الواردَيْن في جامع الترمذي عمومًا، وإنما اعترض على نوع واحد فقط، وهو الذي عَرَّفه الترمذي، والمؤلف رد على اعتراضه هذا، وعليه فالسياق يقضي بأنّ رده على ابن الموَّاق مقصور على النوع الذي اعترض ابن المواق عليه فقط، وهو: الحسن لغيره، ومن هنا فإن لفظ "الحسن" الوارد في كلامه ليس عامًا شاملًا لنوعي الحسن، كما يرى العراقي، ولكنه خاص بنوع واحد فقط بدليل السياق، فالألف واللام فيه ليست للجنس، ولكنها للعهد، وتقدير عبارة المؤلف: إن الترمذي اشترط في الحَسَن المعهود -وهو الذي عرفه واعترض عليه فيه ابن المواق- أن يُروى من وجه آخر، ولم يَشتَرِطْ ذلك في الصحيح، وسيأتي تصريحه بما يؤكد هذا في نقل العراقي نفسه عنه؛ وبالتالي لا يتجه تعقبه هذا له.
وثالثها: أن المؤلف قرر أن الترمذي يَشترط في الحسن الرواية من وجه آخر، ثم خالف ذلك في أثناء الشرح، فقال: إنه لا يُشترط في كل حسن أن يكون كذلك؛ حيث إن الترمذي أخرج حديثَ عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: غفْرانك" وقال عنه: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل
…
ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة/ جامع الترمذي - أبواب الطهارة- باب ما يقول إذا خرج من الخلاء 1/ 7 / فقال المؤلف: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= هذا قد يُوهم منافاة الحسن الذي وصفه به على شرطه، فَيَحتاج إلى الجواب عن ذلك فنقول: لا يشترط في كل حسن أن يكون كذلك، بل الذي يُحتاج فيه أن يُروى نحوه من وجه آخر هو ما كان راويه في درجة المستور، ومن لم تثبت عدالته، ولا ارتقى الى أن تُدْخَل في الصحيح -مع المتابعة- روايتُه؛ فهناك يُحْتاجُ الى تقويته بالمتابعات والشواهد، ليصل بمجموع ذلك إلى تلك الدرجة
…
ثم قال: وأكثر ما في الباب أن الترمذي -في الموضع الذي شرط فيه في الحسن تقويته بالمتابعات- عرَّف بنوع منه، وهو أكثرُه وقوعًا عنده، لا بِكُل أنواعه، وهذا (يعني ما وَصف به حديث عاثشة) نَوْع آخر منه يستفاد من كلامه، وكلام الحاكم والخليلي وغيرهم من أئمة هذا الشأن في الغرائب والشذوذ والانفرادات/ الشرح ق/ 25 أوالتقييد والإِيضاح/ 61. فاعتبر العراقي هذا مخالفًا لكلام المؤلف في الرد على ابن المواق.
ويلاحظ أن هذا التعقُب -كسابقه- مبني على أن "الحسن" في ردِّ المؤلف على ابن الموَّاق مراد به العموم؛ فيشمل الحَسَن بنوعيه المشار إليهما، وبالتالي يخالف ردُّه ما قرره في الجواب عن هذا الحديث من أن الحسن في تعريف الترمذي مُراد به نوع واحد فقط، والنوع الآخر أورده في جامعه ويستفاد من وصفه الأحاديث به، وإن لم يَضع له تعريفًا كسابقه.
وطالما كان مبنى التعقبين واحدًا، يكون الجواب عن هذا بمثل - ما أجبتُ به عن سابقه، وخلاصته: أن الحسن في رد المؤلف على ابن المواق ليس عامًا، ولكنه خاص بالنوع الذي اعترض ابن المواق على تعريف الترمذي له؛ وبهذا يكون تعقب العراقي له مردودًا.
ويؤيد هذا أن العراقي ذكر في شرحه لألْفيته هذا الاعتراض السابق فقال: قال أبو الفتح اليعمري (أي في الرد على ابن الموَّاق): وبَقِي عليه أنه اشترط في الحسن أن يُروَى من وجه آخر، ولم يشترط ذلك في الصحيح، ثم قال العراقي: قلت: وسترى في كلام أبي الفتح بعد هذا بدون الصفحة (يعني كلامه على الحديث السابق) أنه لا يشترط في كل حسن أن يكون كذلك، فَتَأَمّلْه/ شرح التبصرة والتذكرة 1/ 86. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فقال البقاعي: حصل التأمل، وظهر أن ابن سيد الناس فَهِم مراد الترمذي، وأنه يَشْترِطُ في الحسن الذي اعترض ابن المواق على حَدِّه مجيئَه من وجه آخر، وهو الحسن لغيره، وهو الذي يقول فيه الترمذي:"حديث حسن" من غير وصف آخر، ولا يَشترِط ذلك في الحسن لذاته، وهو الذي قد يصفه بكونه صحيحًا، وبكونه غريبًا، ونحو ذلك، والله أعلم/ النكت الوفية/ 62 أ.
وقال البقاعي أيضًا: ولو كان ابن سيد الناس يعتقد أن الترمذي يشترط في كل حسن أن يروى من غير وجه لاعتذر عنه بذلك؛ لكنه قدّم أن الترمذي إنما قال ذلك في نوع من الحسن/ النكت الوفية/ 89 ب.
وبهذا نجد البقاعي لم يعتبر بين كلامَي المؤلف تخالفًا كما رأى العراقي، وإنما اعتبر كلامه عن حديث الدعاء عند الخروج من الخلاء موضحًا ومكمّلًا لكلامه في الرد على ابن الموَّاق، ومن مجموع كلامَيْه يُستفاد رأيهُ العام، وهو: أن الحسن في جامع الترمذي متنوع؛ فمنه نوع ينطبق عليه التعريف الذي ذكره في آخر الجامع، ومنه نوع ذكره في الجامع ولم يُعَرِّفه، ومن ذلك النوع حديث الدعاء عند الخروج من الخلاء.
ويلتقي مع البقاعي في اعتماد تعقب المؤلف لابن المواق الحافظُ ابن حجر حيث قال: وما اعترض به أبو الفتح اليعمري من أنه (أي الترمذي) اشترط في الحسن أن يجيء من غير وجه، ولم يشترط ذلك في الصحيح، قلت: وهو تعقب وَارِد، ورَدٌّ واضح على زاعم التداخل بين النوعين (يعني الحسن والصحيح)، ثم قال: وكان ابن الموَّاق فَهِم التداخُل من قول الترمذي: وألا يكون راويه متهمًا بالكذب، وذلك ليس بلازم للتداخل؛ فإن راوي الصحيح لا يُشتَرط فيه أن لا يكون متهمًا بالكذب فقط؛ بل بانضمام أمر آخر، وهو ثبوت العدالة والضبط، بخلاف قسم الحسن الذي عرَّف به الترمذي، فَبان التَّبايُن بينهما/ الإِفصاح 60 ب.
وقال البقاعي: قال شيخنا: الترمذي عرَّف الحسن لغيره، وادعاء ابن الموَّاق أنه لم يُميز ممنوع؛ فإنه ميزه بشيئين:
أحدهما: أن يكون راويه قاصرًا عن درجة راوي الصحيح، بل عن درجة الحسن =
والجواب: أن الحكم لِلَفْظَةِ "حَسَن" إنما هو (1) إذا انفردت، ومعلوم/ حينئذ أنها جاءت على الوضع الاصطلاحي، لِتُفيد ما تقرّر من المراد.
وأما إذا جاءت تبعًا للصحيح، فالحكم للصحيح، وليس ذلك المعنى الوضعي مُراد منها. ولا منافاة حينئذ، كما لو قُلْتَ: حديث صحيح معروف، أو مشهور صحيح، لم تكن تلك الزيادة على الوصف بالصحة إذا مما يحط الحديث عن مرتبته؛ وإن كانت قاصرة عن الوصف بالصحة إذا انفردَت، وليس وضع الحسن على هذا النوع من الحديث، مما تقدم الترمذيَّ وضعُه حتى يُشاحَحَ في إطلاقه، ويُطلَب منه اطرادُ رَسْمِه، منفردًا، ومُقترِنًا بالصحة، فقد قال الشيخ أبو عمرو: إن من أهل الحديث من لا يُفرِدُ الحسن، ويجعلُه مندرجًا في أنواع الصحيح، لاندراجه في أنواع ما يُحتَجّ به (2).
= لذاته، وهو أن يكون راويه غير متهم بالكذب؛ فيدخل فيه المستور، والمجهول، ونحوُ ذلك، وراوي الصحيح لا بد وأن يكون ثقة، وراوي الحسن لذاته لا بد وأن يكون موصوفًا بالضبط، ولا يكفي كونُه غير متهم بالكذب، وقد ذكر هذا ابن الموَّاق في نفس اعتراضه بقوله:"بل ثقات" ولم يَتنبّه له؛ فإن الترمذي لم يَعدِل عن قوله: "ثقات" وهي كلمة واحدة، إلى قوله:"لا يكون في إسناده من يُتّهم بالكذب" إلا لإِرادة قصور رواته عن وصف الثقة، كما هي عادة البلغاء في المُخاطبات.
والثاني: أن يُروى من غير وجه نحوُه، وهذا الذي استدركه عليه ابن سيد الناس/ النكت الوفية 61 أ، ب ومثله في التدريب 1/ 155.
(1)
بالأصل "لفظة إنما هو حَسن إذا انفردت" والسياق كما أَثبتُه أوضح.
(2)
علوم الحديث لابن الصلاح/ 36.
وإشارة من أشار إلى أنّ ما وقع من ذلك في كلام أحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما، محمول على الصحيح، جديرة بالصحة، خَليقةٌ بالعثور على المراد (1).
(1) هذه هي نهاية مطاف المؤلف في الجواب عن جمع الترمذي في وصف الحديث الواحد بين الصحة والحُسن فقط أو مع ذكر الغرابة، وقد ذكر المؤلف في الجواب عن ذلك خمسةَ آراء، ردّ منها أربعة واختار الخامس وهو الأخير.
أما الأربعةُ التي ردّها فهي عبارة عن جوابي ابن الصلاح، والجواب الذي ذكره من جانبه هو بقوله: وقد كان يمكن أن يجاب
…
الخ، ورابعها الجواب الذي أخذه من اعتراض ابن الموَّاق على تعريف الترمذي للحسن، وقد اعتبر تلك الأجوبة الأربعة مرغوبًا عنها، لِمَا أورده بنفسه وما عزاه لغيره من تعقبات على تلك الأجوبة، كما أن جواب شيخِه ابن دقيق العيد -الذي تقدم ذكرُه في تعليق سابق ص 288، 289 ت- يعتبر أيضًا مرغوبًا عنه في نظره؛ بدليل إهماله لذكره أصلًا مع أنه -كما أوضحت- قد تبع شيخه في رد جوابي ابن الصلاح، وهذا الجواب اختاره شيخه عقب رده جوابي ابن الصلاح؛ فاطلاع المؤلف عليه مؤكّد/ انظر الاقتراح/ 175، 176، ومع ذلك أهمله.
وهناك أجوبة أخرى ذكرها غيرُ المؤلف وشيخُه، كابن كثير/ مختصر علوم الحديث له مع شرحه الباعث الحثيث/ 43، وابن رجب/ شرح العلل له 1/ 389، 394، وابن حجر/ الإِفصاح له/ 60 ب - 61 ب، وابن الوزير، والصنعاني/ تنقيح الأنظار للأول مع شرحه توضيح الأفكار للثاني 1/ 236 - 246 وبلغ السيوطي بتلك الأجوبة بِضعةَ عشر جوابًا/ قُوتُ المغتذي في شرح جامع الترمذي 1/ 8 - 14، ومعارف السنن 1/ 43، 44، وجميعُها لا تخلو من التعقب والانتقاد.
أما الجواب الذي اختاره المؤلف فخلاصته كما ترى - أن لفظة "حسن" إذا جاءت مع "صحيح" فلا يُراد بها المعنى الاصطلاحي للحسن؛ وإنما يكون الحكم للصحيح فقط؛ وبذلك ترتفع المُنافاة في الجمع بينهما وبين "الصحيح" في وصف حديث واحد. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وهذا الجواب غير مُسَلَّم للمؤلف، ولم أجد من ناقشه فيه من قبل، مع أنه يبدو لي أن ما يَرِدُ عليه وعلى توجيهه له لا يقلُّ عما تُعقِّبَ به أحد الأجوبة التي ردها هو واعتبرها مرغوبًا عنها؛ فمن ذلك قوله: إن لفظة "حسن" لا يُراد بها المعنى الاصطلاحي لها إذا جاءت مع لفظ "صحيح"، فهذا يَرُدُّه ما تقدم في رد القول بحمل لفظ "حسَن" على المعنى اللُّغوي اذا جاءت مع لفظ "صحيح"؛ وذلك أن الترمذي لما أكثر من استعمال هذه العبارات المركبة مع التنويع في تركيبها عَرَفْنا أنه لا محالة جَارٍ في ذلك مع الاصطلاح في الألفاظ التي يستعملها ومن ضمنها لفظ "حسن"، ويضاف لذلك قوله:"وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن، فإنما أردنا حَسُن إسناده" فذلك عام شامل لجميع صور ذكره للفظ "حسن"، مُفرَدًا أو مُركبًا، ما لم يقيده الترمذي نفسُه بقيد، ثم استأنف لبيان بقية شروط الحسن الذي يذكره مفردًا عن الصحيح، -فقال:"كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم الخ" / جامع الترمذي 5/ 413 وانظر النكت الوفية/ 86 أ، ب والتدريب 1/ 163 وتوضيح الأفكار 1/ 245، وبذلك ينتفى ألَّا يُراد بالحسَن المعنى الاصطلاحي إذا رُكب مع الصحيح.
ومن ذلك قول المؤلف: إن الجمع بين الحُسن والصحة يشبه في عدم المنافاة، الجمعَ بين "صحيح" وبين كل من: مشهور، ومعروف، فهذا أيضًا قياس مع الفارق؛ لأن المعروف والمشهور الاصطلاحيان يمكن اجتماعهما مع الصحة في حديث واحد بدون تناف؛ لأن منهما صحيح، وغير صحيح/ شرح التبصرة والتذكرة للعراقي 2/ 268 وشرح شرح النخبة/ 87 والتدريب 1/ 241، بخلاف الحسن فإنه قاصر عن الصحيح حتى عند من سمى الحَسَن صحيحًا، كما سيأتي في الرد على بقية كلام المؤلف.
ومن ذلك قوله: وليس وضع الحَسَن على هذا النوع من الحديث مما تقدم الترمذي أحدٌ لوضعه، فهذه ثالث مرة يقرِّر فيها المؤلف عدمَ سبق الترمذي إلى استعمال الحسن بالمعنى الاصطلاحي عنده، وقد مَرّ الرد الكافي عن ذلك فراجعه ص 196، 197، 201 - 204 ت.
أما استدلاله بقوله ابن الصلاح: "إنّ من أهل الحديث من يُدرج الحَسَن في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أنواع الصحيح" الخ، فهذا مُسَلَّم؛ ولكنه لايصلح دليلًا لمُدَّعاه؛ لأن ابن الصلاح بعد ذكر هذا قال: ثم إن من سمى الحسن صحيحًا لا ينكر أنه دُون الصحيح المتفق على تعريفه؛ فهذا إذن اختلاف في العبارة دون المعنى/ علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والإِيضاح/ 62 وبالتالي تبقى منافاة الجمع بينهما في وصف حديث واحد، والله أعلم.
وبهذا نخلص إلى أن الجواب الذي اختاره المؤلف عن جمع الترمذي بين الصحة والحسن، عليه من الانتقادات ما يجعله مرغوبًا عنه كالأجوبة الخمسة التي رغب عنها هو كما مر.
ويصبح المقام بحاجة إلى ذكر جواب أمثل من تلك الأجوبة الستة فضلًا عن غيرها؛ وقد قام الحافظ ابن حجر -فيما نقله البقاعي وغيره عنه- بعرض ومناقشة جوابي ابن الصلاح، وثلَّث بجواب ابن دقيق العيد المتقدم ذكره ثم قال:
وبقي جواب رابع: وهو المتوسط بين كلام ابن الصلاحٍ، وابن دقيق العيد، فيخص جواب ابن الصلاح بما يكون له إسنادان فصاعدًا، وجواب ابن دقيق العيد بما يكون فردًا. ثم قال:
وجواب خامس: وهو الذي أَرْتَضِيه، ولا غبار عليه، وهو: أن الحديث إذا كان متعدد الإسناد، فالوصف راجع إلى الحديث باعتبار الإسنادين، أو الأسانيد، كأنه قيل "حسن" بالإِسناد الفلاني، "صحيح" بالإِسناد الفلاني.
وإن كان الحديث فردًا، فالوصف وقع بحسب إختلاف النقاد في راويه، فيرى المجتهد منهم -كالترمذي- بعضَهم يقول:"صدوق" مثلًا، وبعضَهم يقول "ثقة"، ولا يترجح عنده قول واحد منهما، أو يترجح؛ ولكنه أراد أن يُشير إلى كلام الناس فيه، فيقول:"حسن صحيح"، أي حسن عند قوم؛ لأن راويه عندهم "صدوق"، "صحيح" عند آخرين، لأن راويه عندهم "ثقة"، وهو نظير قول الفقيه: في المسألة قولان، أو بحسب تردد المجتهد نفسه في الراوي؛ فتارة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= يؤديه اجتهاده -باعتبار حديثه، وعرضِه على حديث الحفاظ، ونحو ذلك- إلى قصور ضبطه، وتارة إلى تمامه، فكأنه حينئذ قال:"حسن" أو "صحيح"، وغايته أنه حذف كلمة "أو"، وحذفُها شائع في كلامهم، كما في أثر عمر رضي الله عنه في الصحيح، في أوائل كتاب الصلاة (باب الصلاة في القميص وغيره/ 1/ 475 مع الفتح): صلّى رجل في إزار ورداء، في إزار وقميص، في إزار وقباء .... في كذا، وكذا، إلى آخره، وكما في حديث: تصدّق رجل من درهمه، من ديناره، من صاع تمره
…
الخ، ذكره ابن مالك في شواهد التوضيح (مبحث 15 ص 63، وصحيح مسلم - كتاب الزكاة - باب الحث على الصدقة 2/ 705)، (ومثَّل بثلاثة أحاديث أخرى فيها حذفُ حرف العطف، لصحة المعنى بحذفه) ثم قال: ويتفرع على هذا الجواب سؤالٌ من أجاب فيه بغير تفصيل أخطأه وهو أن يقال: أيهما أرفع؟ ما يقال فيه: "صحيح" فقط أو ما يقال فيه: "حسن صحيح"؟ والجواب: أنه إن كان متعدد الإِسناد فما جُمع الوصفان فيه أعلا مما لم يكن له إلا إسناد واحد صحيح؛ لأنه زاد عليه بالطريق الحسنة، وإن كان فردًا فما أُفرِد وصفُه بالصحة أعلا؛ لأنه لا تردُّد فيه، والله أعلم/ النكت الوفية/ 87 ب - 88 ب والتدريب 1/ 164، 165.
ويلاحظ أن هذا الجواب الخامس الذي صرح ابن حجر بارتضائه وسلامته من أي غبار، قد ترك فيه كلية جواب ابن دقيق العيد، وركبه -مع التصرف- من جواب ابن الصلاح، وهو أن جمع الصحة والحُسن للحديث الواحد، باعتبار تعدد الإِسناد، ومن جواب المؤلف، وهو أن جمعهما باعتبار اختلاف نظر العلماء في تعديل الرواة. وقد جاء في التدريب أن هذا الجواب مركب من جواب ابن الصلاح وابن كثير 1/ 165، وعليه جرى الدكتور نور الدين عتر/ الإمام الترمذي/ 191، والذي يبدو أن ما في التدريب وَهْم أو سهو ناسخ؛ لاتفاق جواب التفرد مع كلام المؤلف كما ترى، وهو مخالف لجواب ابن كثير كما يتضح لمن قارنه به/ انظر مختصر علوم الحديث لابن كثير مع الباعث الحثيث/ 43، ولتفسير العراقي له/ التقييد والإِيضاح/ 61، 62 وابن رجب/ شرح العلل 1/ 392، ويؤيد ذلك أيضًا ما صرح به السخاوي من أن جواب شيخه عن جمع =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الوصفين مع تفرد الحديث، أصله لابن سيد الناس/ فتح المغيث 1/ 93، فلم يبق الا الجواب عما تعدد إسناده، وأَخْذُه من كلام ابن الصلاح واضح.
وقد اقتصر الحافظ ابن حجر في نخبته وشرحها على ذكر هذا الجواب المرتَضَى، واعتبره كافيًا في معرفة جواب إشكال الجمع في وصف الحديث الواحد بين "الصحة والحسن" فقط، أو مع الوصف أيضًا بالغرابة، وأنه يدفع الكثير من الإِيرادات التي طال البحث فيها، ولم يسفر وجه توجيهها/ النخبة مع شرحها، وشرح الشرح للقاري/ 73 - 75.
وقد اعتُبِر هذا هو رأي ابن حجر النهائي في الجواب عن هذا الإِشكال، وذلك بناء على أمرين: أولهما: اكتفاؤه بهذا الجواب فقط في النخبة وشرحها، وقد أحال في شرحها على بعض مباحثه في النكت على ابن الصلاح والعراقي/ ص 270 ضمن المجموعة الكمالية، وهذا قد يدل على تأخر الشرح عن النكت التي ارتضى فيها جواب المؤلف وحده عن الإِشكال ثم أتبعه بتقوية جواب ابن دقيق العيد كما تقدم، وبتأخر الشرح يكون ما أورده فيه مع المتن، وهو النخبة، هو القول المعتمد الذي استقر عليه رأيه أخيرًا.
وثانيهما: أن كُلًّا من: تلميذه البقاعي، ومِنْ بَعده السيوطي قد نَقلا عنه ارتضاءه لهذا الجواب كما تقدم، فتأخرُه عما في النكت، وتصريحه بارتضائه، يدلان على أنه رأيه النهائي في حَلِّ الإِشكال بِرُمَّته.
وفي هذا رد لما ذكره الشيخ يوسف البَنُّوري؛ حيث اعتبر جواب ابن دقيق العيد من أحسن ما أُجيب به، وقال: إنه الصواب عند شيخه الكشميري، وأيد ذلك بتقوية ابن حجر له في النكت، ثم قال: ولعل ما أجاب به في شرح النخبة غير مَرضي عنده
…
وأرى -والله أعلم- أن نكته آخِر تأليفًا عن شرح النخبة/ معارف السنن للبَنُّوري 1/ 44.
ومع أن الحافظ ابن حجر قد وصف هذا الجواب -كما تقدم- بأنه لا غبار عليه، وأقره عليه عامة من جاء بعده، واستحسنه الصنعاني/ توضيح الأفكار 1/ 244؛ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مع هذا فإني أرى أنه ليس سالمًا من النقد الذي يثير بعض الغبار المحتاج للإزالة:
فمن ذلك أن الجواب عن الحديث الفرد بحمل تعدد الوصف على الاختلاف أو التردد في حال الراوي، يَرِد عليه ما يتعدد وصفُه، ولا نجد خلافًا في توثيق راويه، كما قرر ذلك المؤلف هنا، ومِنْ بعدِه ابن حجر نفسه/ الإفصاح/ 61 أوكذا تلميذه ابن قُطْلُوبَغا/ شرح شرح النخبة للقاري/ 73، ولم يذكر أيٌّ منهم جوابًا عن ذلك الإيراد.
وقال الحافظ ابن رجب -بعد شرحه لجامع الترمذي كله، وممارسته لأحاديثه - قال: إن الترمذي يجمع بين الحُسْن والصحة، في غالب، الأحاديث الصحيحة المتفق على صحتها والتى أسانيدها فِي أعلا درجة الصحة، كَمالِك عن نافع عن ابن عمر /شرح العلل 1/ 393.
أقول: فما كان سنده من ذلك فردًا، كيف يُحْمَل وصفه بالحُسْن والصحة على الاختلاف والتردد؟ وغاية ما أجاب به ابن المُلَقِّن عن ذلك أنه نادر/ المُقْنِع في علوم الحديث لابن الملَقّن/ ص 19، وذلك لا يرفع الإيراد.
ومن ذلك أن قول الحافظ: "وإن كان الحديث فردًا" يحتاج الى إيضاح المراد بهذه الفردية المطلقة هل هي باعتبار وصف الترمذي نفسه للحديث بذلك، أو باعتبار نتيجة البحث والنظر في طرق الحديث؟ ولا يستقيم الجواب على أي منهما وحده؛ لأننا لو اعتبرنا وصف الترمذي فلا يطّرِد معه الحمل على التردد والاختلاف؛ لأنه قد يُطلِق الغرابة المطلَقة على ما هو متعدِّد الإسناد. كان اعتبرنا نتيجةَ البحث والنظر، بقي ما يصفه الترمذي بالغرابةِ المطلقة -مع كونه متعدد الإسناد- بحاجة الى جواب. مثال ذلك أنه في أبواب الجهاد - باب ما جاء من شَاب شَيْبة في الإسلام 3/ 94 قال:"حدثنا إسحق بن منصور حدثنا حيوة بن شُرَيح عن بَقيَّة عن بحير بن سعد (أو سعيد) عن خالد بن معْدان عن كثير بن مرة الحضرمي عن عمرو بن عبسة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نُورًا يوم القيامة. هذا حديث حسن صحيح غريب"، قال العراقي: وحديث عمرو بن عَبْسة أخرجه النسائي عن عمرو بن عثمان عن بقية عن صفوان بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عمرو عن سليم بن عامر عن شُرَحْبيل بن السمط عن عمرو بن عَبْسة، وقد اختُلِف فيه على "بقية" كما ترى.
ورواه أحمد من غير طريق بقية، رواه عن الحكم بن نافع عن حريز -هو ابن عثمان- عن سليم -يعني ابن عامر- أن شُرَحْبيل بن السمط قال لعمرو بن عبسة: حَدِّثنا حديثًا ليس عنه تَزَيُّد ولا نسيان، فقال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
…
فذكره بزيادة في أوله وآخره.
ورواه أحمد أيضًا عن رَوح عن هشام بن عبد الله عن قَتادة عن سالم بن أبي الجعد عن مِعْدان بن أبي طلحة عن أبي نَجِيح السلمي -وهو عمرو بن عبسة.
ورواه أيضًا من رواية أبي عبد الله الصنابحي عن عمرو بن عبسة، وفي إسناده رجل لم يُسَم/ تكملة شرح الترمذي للعراقي/ مخطوط رقم 506 / ق 122 أ، ب، ومسند أحمد 4/ 113، وبالتأمل نجد أن السند الذي روى الترمذي الحديث به، فيه "بقية بن الوليد" وهو صدوق كثير التدليس، وقد عُدّ فيمن اتُّفِق على عدم الاحتجاج بشيء من حديثهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع/ التقريب 1/ 105 وطبقات المدلسين/ 8، 37، وروايته لهذا الحديث بالعنعنة؛ فيكون الحديث بسند الترمذي ضعيفًا، ومع ذلك وصفه بأنه حسن صحيح غريب، فكيف يستقيم حمل ذلك على الخلاف أو التردد في أن إسناده هذا حسن أو صحيح؟.
وحينما بحثنا وجدنا للحديث متابعات، وبالتالي يكون الحكم بصحته وحُسنِه باعتبار تعدد إسناده، ولذلك قال العراقي بعد ذكر المتابعات السابقة: "وكأن الترمذي إنما حكم بصحته -وإن كان بَقيةُ رواهُ معنعنًا- لهذه المتابعات/ تكملة العراقي/ الموضع السابق. وبناء على ثبوت تعدد إسناد الحديث يكون وصفه بالغرابة ليس مطلقًا كما هو مقتضى عبارة الترمذي، بل تُعتبر الغرابةُ مقيدةً بالوجه الذي أخرجه منه وإن لم يصرح هو بذلك. قياسًا على تقييداته الأخرى، أو حملًا للمطلق على المقيد.
وعلى ذلك فإن الفردية في جواب الحافظ ابن حجر يجب تقييدها صراحة بما تظهر =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فرديته المطلقة بعد البحث، فبدلًا من قوله:"فإن كان الحديث فردًا" يقال مثلًا: "فإن ظهر بالبحث أن الحديث فرد
…
الخ"، وبذلك لا يشمل الجواب كلَّ ما وصفه الترمذي -مع الصحة والحسن- بالغرابة المطلقة؛ بل يجب النظر في طرق الحديث - الموصوف بذلك، فما لم نجد له متابعًا ولا شاهدًا حملنا وصفه بالصحة والحُسن على الخلاف أو التردد، ويكون وصفه أيضًا بالغرابة المطلقة على ظاهره، وما وجدنا له متابعًا أو شاهدًا، كالمثال السابق، حملنا وصفه بالصحة والحسن على تعدد الإسناد أو الأسانيد، ويحمل وصفه بالغرابة المطلقة على جهة معينة من المتن أو الإسناد، كأن يقال: غريب من هذا الوجه، أو بهذا اللفظ، أو لا نعرفه صحيحًا إلا من حديث فلان، وسيأتي قريبًا تقرير المؤلف لذلك بقوله: إن الترمذي إذا قال: هذا حديث غريب أمكن أن يحمل على الغرابتين المطلقة والمقيدة/ ص 311.
وبهذا تضيق دائرة الحمل في جمع وصفي الصحة والحسن على الاختلاف أو التردد - بدرجة تناسب واقع أجمع وأشهر كتاب في هذا الاصطلاح وهو جامع الترمذي، وتناسب أيضًا دراية صاحبه هو وأمثاله من الأئمة الذين جاءت عنهم مثل هذه العبارات.
على أني لا أدعي تخليص جواب ابن حجر بهذا نهائيًا من التعقب، وإنما الجواب القاطع في هذا يحتاج الى جمع كل العبارات المركبة في جامع الترمذي، وجمع أقصى ما يمكن من العبارات المماثلة التي جاءت عن غيره من الأئمة، ثم تصنيف ذلك إلى مجموعات، كل مجموعة تشمل عبارة مركبة عند الترمذي، ثم عند غيره، كمجموعة "حسن صحيح غريب" و"حسن غريب" وهكذا، ثم تُبحَث أحاديث كل مجموعة سندًا ومتنًا، وترصد نتائج ذلك، ثم يُستخلَص منها المراد بكل عبارة عند الترمذي وعند غيره من العلماء.
ثم إني رأيت صاحب "منهج ذوي النظر" قد أشار الى نحو هذا الاقتراح واستبعد وجود الكفء الذي ينهض به في عصره، ولكني أرجو الله أن يُقَيض لهذا بعض ذوي الكفاءة العلمية في عصرنا الحاضر، ويمنحه العون والسداد/ انظر منهج ذوي النظر للشيخ محفوظ التَّرمُسي، شرح منظومة علم الأثر للسيوطي/ 37.
ومما يُورَد على أبي عيسى رحمه الله قوله: حَسن غريب؛ إذ الغريب ينافي الحَسن، من جهة أنه شَرَط في الحَسن أن يُروَى نحوُه من وجه آخر، وليس الغريب كذلك؛ فثبوت مثله أو نحوه رافع للغرابة عنه (1) فيُحتَاج إلى معرفة الغريب ما هو؟.
وحينئذ يتبين: هل هذا الإِيرادُ لازم أم لا؟ فنقول:
الغريب على أقسام:
(1) هذا الإيراد مبني على أن الحسن الوارد في جامع الترمذي عمومًا هو ما عرَّفه في نهايته، والواقع خلف ذلك؛ لأن الترمذي عَرَّف نوعًا واحدًا من الحسَن، وهو الحسن لغيره، وقد صرح في بداية التعريف أنه لِمَا يقول عنه:"حديث حسن" فقط غير مقترن بوصف آخر .. وبالتالي لا يَشْملُه هذا الإيراد.
أقول: ولو فُرِض وجود ما وصفه من هذا النوع بالغرابة المطلقة، فيمكن حمله على الغرابة المقيدة؛ وهي لا تُنافي هذا النوع من الحسَن.
وهناك نوع ثان أورد منه الترمذي في الجامع؛ ولكن لم يُعرِّفه، وهو الحسن لذاته، وهذا لا تنافيه الغرابة؛ لأنه لا يُشترط فيه تعدد الإسناد، بل كثيرًا ما يشير الترمذي لتفرده، وذلك مع الحسن بالغرابة، وقد أجاب المؤلف نفسه بنحو هذا فيما سيأتي في شرحه لحديث الدعاء عند الخروج من الخلاء، كما تقدمت الإشارة لذلك ص 292، 293 ت ثم تبعه في هذا الحافظ ابن حجر وغيره من العلماء، وقال البقاعي: جواب ابن سيد الناس هو المعتَمَد، فإنه (أي الترمذي) إذا حَسَّن الفَرد أراد الحسَن لذاته، وإذا حَسّن المعتَضِد فإنما حسنَّه لمجموع الطرق، فهو الحسن لغيره/ النكت الوفية/ 62 ب، وانظر/ شرح شرح النخبة/ 75، 76 وتوضيح الأفكار 1/ 244، 245 والإمام الترمذي وموازنة جامعه بالصحيحين/ 171، 186.
أقول فَيعَد جواب المؤلف الآتي مُكَمّلًا لكلامه هنا على النوع الذي عَرَّفه الترمذي فقط وهو الحسن لغيره.
1 -
غريب سندًا وَمْتنًا.
2 -
ومتنًا لا سندًا (1).
3 -
وسندًا لا متنًا (2).
4 -
وغريب بعض السند فقط (3).
5 -
وغريب بعض المتن فقط (4).
وكلها قد ترتقي إلى درجة الصحة -إن نهض راويها بما حَمل-، أو تَنْحطُّ عن ذلك بحسب انحطاطه.
وليس فيها ما يقبل الحُسْن مُنفردًا به إلا الغريب سندًا لا متنًا إذا سَلِم راويه من الانحطاط عن درحة الحسَن (5)، وسواء قُيدَتْ غرابتُه
(1) هكذا قرَّر المؤلف هذا النوع مطلقًا، وقال العراقي: إنه لم يَذكُر له مثالًا/ فتح المغيث للعراقي 4/ 5 وعلَّل السخاوي ذلك بأنه لا يوجد له مثال، وإنما القِسْمةُ العقلية هي التي اقتضت ذكره/ فتح المغيث للسخاوي 3/ 34؛ لكن نقل السيوطي عن العراقي قوله: إنه وقع في كلام ابن سيد الناس ما يقتضي تمثيلُه لهذا النوع (يعني بحديث تخليل أصابع الرجلين كما سياتي في كلام المؤلف بعد قليل) وانظر التدريب/ 377.
(2)
ستأتي إشارة المؤلف لمثاله ص 311.
(3)
سيأتي تمثيل المؤلف له ص 309 بحديث أم زرع.
(4)
سيأتي ذكر مثاله مع الذي قبله.
(5)
هذا بناء على أن المراد بالحَسن في كلام المؤلف النوع الذي عرفه الترمذي، وهو الحَسَن لغيره كما تقدم في التعليق قبل ثلاثة تعليقات، وعليه فالمراد بسلامة راويه من الإنحطاط عن درجة الحسَن أن لا يكون متهمًا بالكذب كما ذكر الترمذي في تعريفه، وأن لا يكون فاحش الخطأ أيضًا؛ لأنه في حكم المتهم. =
براو معين، كقوله: غريب من حديث فلان، أو من حديث فلان عن فلان، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، أو لم تُقيَّد.
وأما غرابة بعض المتن -وهي الزيادة المتصلة بالحديث- فلا يتأَتَّي فيها التحسين؛ لأن غرابتها راجعة إلى المتن (1).
فقد تبين أن الغريب قد يقبل الوصف بالصحة أو بالحُسن، أو بهما معًا على ما تقدم/ كما ياتي عنده أيضًا، أو لا يقبل الوصف بواحد منهما، فلا يُورَد على الغريب الموصوف بوصف آخر (2) إلا من وجده موصوفًا به في القسم الذي يمتنع وصفه به -كما بيناه (3) - وما إخالُه يَجده.
= أما الحَسَن لذاته فيقبله بقية أنواع الغريب الأربعة، لعدم اشتراط التعدد فيه، وعليه يكون المراد بسلامة راويه من الانحطاط عن درجة الحسن أن يكون عدلًا وفي ضبطه قصور أزيد من النادر المعفو عنه، وأقل من الكثير المقتضِي للضعف. كما قدمت توضيحه من قبل ص 271، 273 ت وانظر توضيح الأفكار 2/ 7، 8 هامش وعلوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 104.
(1)
ومعها أيضًا غرابة الإسناد لتفرد راوي الزيادة بها، فهما متلازمان كتلازم غرابة المتن الكامل المطلقة مع غرابة السند، كما قرر ابن الصلاح/ علوم الحديث مع التقييد والإيضاح/ 273، والإمام الترمذي للدكتور عتر / 182، 183، والتحسين الذي لا يتأتى في هذه الزيادة هو التحسين الذي عرَّفه الترمذي؛ لاشتراطه تعدد الإسناد فيه، أما الحسن لذاته فيتأتى في هذه الزيادة إذا كان المنفرد بها في درجة الحسن لذاته، ولم تكن شاذة/ انظر علوم الحديث لابن الصلاح/ 104.
(2)
يعني من الصحة أو الحُسْن.
(3)
يعني القسم الخامس وهو غريب بعض المتن، حيث ذكر أنه لا يتأتى فيه التحسين -يعني لغيره-.
وقد رأيت عن الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، قال: وأما الغريب من الحديث، كحديث الزهري وقتادة، وأشباههما من الأئمة ممن يُجَمع حديثهم -إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث- يُسمى غريبًا، وإذا رواه عنهم رجلان وثلاثة، واشتركوا في حديث، يسمي عزيزًا، وإذا روى الجماعة حديثًا سُمِّي مشهورًا (1).
قال المقدسي: اعلم أن الغرائب والأفراد على خمسة أنواع:
فالنوع الأول: غرائب وأفراد صحيحة، وهو: أن يكون الصحابي مشهورًا برواية جماعة من التابعين عنه، ثم ينفرد بحديثٍ عنه أحْدُ الرواة الثقات -لم يروه عنه غيره- ويرويه عن التابعي رجل واحد من الأتباع، ثقة، وكلهم من أهل الشهرة والعدالة، وهذا أُخِذ (2) في معرفة الغريب والفرد الصحيح، وقد أُخرِج له نظائر في الكتابين (3).
والنوع الثاني: من الأفراد: أحاديث يرويها جماعة من التابعين عن الصحابي، ويرويها عن كل واحد منهم جماعة، فينفرد عن بعض رواتها بالرواية عنه رجل واحد، لم يرو ذلك الحديث عن ذلك الرجل غيرُه، من طريق يصح، كان كان قد رواه عن الطبقة المتقدمة عن شيخ شيخه، جماعة (4) إلا أنه من رواية هذا المنفرد عن شيخه، لم يروه عنه غيره (5).
(1) أطراف الغرائب للمقدسي/ ل 10.
(2)
كذا ضُبِطَت في نُسخة أطراف الغرائب/ ل 10.
(3)
يعني: صحيحي البخاري ومسلم.
(4)
في الأطراف "عن شيخه إلا أنه
…
الخ"/ ل 10 ولعلّ ما هنا هو الصواب لاستقامة المعنى عليه.
(5)
كلمة "غيره" ليست في "الأطراف" وِإثْبَاتُها هو الأولى.
النوع الثالث: أحاديث ينفرد بزيادة ألفاظ فيها واحدٌ عن شيخه لم يرو تلك الزيادة غيره عن ذلك الشيخ؛ فَيُنسَب إليه التفرد بها، ويُنظَر في حاله.
النوع الرابع: متون اشتهرت عن جماعة من الصحابة، أو عن واحد منهم، فروى ذلك المتن عن غيره من الصحابة ممن لا يُعرَف به إلا من طريق هذا (الواحد)(1) ولم يتابعه عليه غيره.
النوع الخامس من التفرد: أسانيد، ومتون، ينفرد بها أهل بلد، لا توجد إلا من روايتهم، وسنن ينفرد بالعمل/ بها أهل مِصْرٍ، لا يُعمل بها في غير مصرهم (2).
قلت: يحتاج أن يكون المنفرد في النوع الأول، في المرتبة العليا من الثقة والعدالة والحفظ، حتى يُقْبل انفرادُه في كل طبقة: الأولى، والثانية، اللَّتان (3) أشار إليهما، وثالثة -إن وُجِدَت- أو أكثر من ذلك (4).
(1) بالأصل "الوجه" وما أثبته من الأطراف وهو المناسب لسياق المعنى/ ل 10.
(2)
انظر النص من أول "اعلم أن الغرائب والأفراد" إلى هنا، في الأطراف/ ل 10.
(3)
الأصل "التي" ولا يستقيم المعنى عليه.
(4)
من قول المؤلف: يحتاج أن يكون المنفرد في النوع الأول في المرتبة العليا من الثقة
…
إلى هنا، فيه رد على ما تقدم عن ابن طاهر: أن انفراد أحد الرواة الثقات بالحديث يكفي في صحته، ويكون من الغرائب والأفراد الصحيحة، وقد جرى المؤلف في هذا على ما سبق من تقريره أن الوصف بالثقة أنزَلُ من الوصف بالعدل الحافظ، وبالتالي يكون حديث الثقة حسنًا لا صحيحًا، كما ذكر ابن طاهر هنا، وقد تقدم الرد على المؤلف في هذا ص 249 - 252 ت، وبذلك يكفي هنا للحكم بالصحة ما قرره ابن طاهر من أن يكون المنفرد موصوفًا بمطلق الثقة فقط =
وأما الثاني ففيه نقص، لعله من النسخة (1) وقد نبهت عليه -مقابِلُه- في الحاشية.
فهذا النوع الأول عنده.
والثاني هو: الذي أشرت اليه بغريب بعض السند، وقد يَقبل الصحة أو ينحط عنها كما قلنا. وقد يقبل التحسين، إن وُجِد (2) له شاهد، وقد لا يقبله، إن لم يُوجد (3) ومن هذا النوع: حديث أم زرع؛ فإن عيسى بن يونس يرويه عن هشام بن عروة عن أخيه، عبد الله بن عروة عن أبيه عن عائشة (4)، ويرويه غيره -ممن
= لا بالمرتبة العليا فيها كما يرى المؤلف، طالما انتفى الشذوذ والعلة كما هو مقرر في تعريف الصحيح المتفق على صحته عند الجمهور.
(1)
أي نسخة أطراف الغرائب للمقدسي التي فيها كلامه السابق عن الغريب، ولم يتضح في النقص الذي أشار إليه المؤلف؛ لأن ما ذكره هو الموجود في نسخة الأطراف التي رجعت إليها، وكذا في نسخة أخرى راجعتها.
(2)
بالأصل "وُجدت" وما أثبته هو المستقيم عليه المعنى.
(3)
هذا بالنسبة للحسن لغيره، أما الحسن لذاته فيقبله هذا النوع كما يقبل الصحيح دون الحاجة لشاهد، طالما كان المنفرد في السند في درجة راوي الحسن لذاته كما قدمت توضيحه، ص 305 ت.
(4)
هكذا أخرجه الشيخان بهذا الإسناد/ البخاري -كتاب النكاح- باب حسن المعاشرة مع الأهل 6/ 146 ومسلم -كتاب فضائل الصحابة- باب ذكر حديث أم زرع 4/ 1896 ح 2448، وقال العراقي: والمحفوظ ما رواه عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة (عن عروة) عن عائشة، هكذا اتفق عليه الشيخان، وكذا رواه مسلم من رواية سعيد بن سَلَمة بن أبي الحُسام عن هشام/ صحيح مسلم الموضع السابق، ص 1902، وفتح المغيث للعراقي 4/ 5 وللسخاوي 3/ 28.
لا يَحفظ- عن هشام عن أبيه عن عائشة، فيسلُك به الجادَّة (1)، فهذه غرابة تخص موضعًا من السند، صحيحة، والحديث صحيح.
والنوع الثالث: هو الذي أشرت إليه بـ "غريب" بعض المتن، وهو أيضًا مختلف بحسب حال التفرد بالزيادة، وإلى بعضه يشير الإمام أبو عمرو بقوله: غرائب الشيوخ، في أسانيد المتون الصحيحة، قال (2): "وهو الذي يقول فيه أبو عيسى: غريب من هذا الوجه (3) وقد تقدم - في هذا النوع (ما)(4) يجب عند ذكر الشاذ، في حكم الزيادة
(1) عبارة ابن طاهر في الأطراف: "فيسلك به الطريق المشهورة" / ل 11، وممن رواه هكذا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعَبّاد بن منصور، بسنديهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، بدون ذكر واسطة بين هشام وأبيه، مع رفع كل الحديث بطوله، هكذا أخرجه الطبراني في الكبير كما ذكر العراقي والسخاوي وابن حجر، وموضع الغرابة في هذا الإسناد، هو حذف أخي هشام الذي هو الواسطة بين هشام وبين أبيه/ انظر فتح المغيث للعراقي 4/ 5 وللسخاوي 3/ 28 وفتح الباري 11/ 164.
(2)
أي أبو عمرو ابن الصلاح.
(3)
علوم الحديث لابن الصلاح/ 244، 245 الطبعة السلفية، ولم يذكر ابن الصلاح ولا المؤلف مثالًا لهذا النوع، ولكن العراقي قال عن رواية الطبراني المذكورة في التعليق السابق: ويصلح ما ذكرنا من عند الطبراني مثالًا للقسم الخامس؛ لأن عبد العزيز وعبَّادا جعلا جميع الحديث مرفوعًا، (أي وهذا الرفع غريب) وإنما المرفوع منه قوله: صلى الله عليه وسلم: "كنت لَكِ كأبي زرع لأم زرع" ثم قال العراقي: فهذا (أي رفع جميع الحديث) غرابة بعض المتن أيضًا/ فتح المغيث للعراقي 4/ 5 وأقره السخاوي/ فتح المغيث له/ 3/ 34.
(4)
زيادة لتقويم السياق.
- توضيحه (1)؛ فإذا قال أبو عيسى في حديث: "غريب من هذا الوجه"، مشيرًا إلى ذلك، أو "غريب من حديث فلان عن فلان" فقد أوضح مراده منه (2) وإن قال:"هذا حديث غريب"، أمكن أن يُحْمَل على الغرابتين: المطلقة، والمقيدة.
وأما النوع الرابع: فهو الغريب سندًا لا متنًا، كحديث "الأعمال بالنيات"(3) إذا رُوي عن غير عمر بن الخطاب؛ فقد وقع لنا طريق، لا ذكر فيها ليحيى بن سعيد، ولا مَن فوقه إلى عمر، وهذا إسناد غريب كله (4) والمتن الصحيح.
(1) انظر ص 89، 94 - 97 وما بعدها.
(2)
بالأصل "من أفقه" ولا يظهر المعنى عليه.
(3)
تقدم تخريجه ص 248، 249 ت.
(4)
لم يذكر المؤلف هذا الإسناد الغريب، كما ترى، وقد ذكره العراقي فقال: مثاله حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأعمال بالنية"، ثم قال: قال الخليلي في الإرشاد: أخطأ فيه عبد المجيد، وهو غير محفوظ من حديث زيد بن أسلم بوجه، قال (أي الخليلي): فهذا مما أخطا فيه الثقة (يعني عبد المجيد) عن الثقة (يعني مالك) / فتح المغيث للعراقي 5/ 4، وذكره البُلْقِيني أيضًا وعزاه إلى الدارقطني، في "أحاديث مالك التي ليست في الموطأ"، وقال الدارقطني: تفرد به عبدالمجيد عن مالك، ولا يُعلَم حدّث به عن عبد المجيد غيرُ نوح بن حبيب، وابراهيم بن محمد العتيق/ محاسن الاصطلاح مع مقدمة ابن الصلاح/ 175؛ ولكن السيوطي ذكر أن الذي مثل بهذا الحديث هو ابن سيد الناس/ التدريب 2/ 183 .. ثم إن الحديث قد ذكر جماعةُ من الحفاظ أنه من أفراد عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن أفراد علقمة عنه، ومن أفراد محمد بن ابراهيم عن علقمة ومن أفراد يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم، وقال الخطابي: لا أعلم خلافًا بين أهل الحديث في أنه لم يصح مسندًا =
النوع الخامس: فيشمل الغريب كله: سندًا ومتنًا، أو أحدهما دون الآخر (1) وقد ذكر أبو محمد بن أبي حاتم رحمه الله، بسندٍ له (2) أن رجلًا سأل مالكًا عن تخليل أصابع الرِّجلين في الوضوء، فقال له مالك: إن شئت خلِّل، كان شئت لا تُخلل. وكان عبد الله بنِ وَهب حاضرًا، فعجب من جواب/ مالك، وذكر لمالك في ذلك حديثًا
= عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من رواية عمر، ورواية علقمة عنه
…
الخ"؛ لكنه قد تعدد رواته عن يحيى بن سعيد، وأكثر رواته عنه أئمة، فبلغ حد الشهرة عن يحيى بن سعيد، لكنه يعد غريبًا سندًا باعتبار طرفه الأعلى أو أصل الإسناد إلى يحيى بن سعيد، كما أنه يُعتبَر غريبًا متنًا كما سيأتي، وما ذكر له من طرق غير ذلك عن عمر رضي الله عنه أو عن غيره من الصحابة فلم يصح منها شيء، وقد أخرج ابن عساكر الحديث من طريق بقية بن الوليد عن إسماعيل النَّضري عن أبان، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله قولًا إلا بعمل، ولا يقبلُ قولًا ولا عملًا إلا بنية (الحديث) وقال هذا حديث حسن هـ. ولكن في سنده كما ترى بقية بن الوليد وهو مدلس لا يُحْتَمَل تدليسه، وقد رَوى الحديثَ معنعنًا، قال البُلْقِيني: فظهر أن الحديث لم يصح عن أحد إلا عن عمر رضي الله عنه؛ فهو من أفراد عمر، على الصحيح / انظر تكملة العراقي لشرح الترمذي نسخة رقم (506) في/ 240 ب، 241 أ، ومحاسن الاصطلاح مع مقدمة ابن الصلاح/ 174، 175 وتهذيب التهذيب 1/ 473 - 478 والكاشف 1/ 160 والتقييد والإيضاح/ 101، 102.
(1)
هذا تقرير ثان من المؤلف لنوع الحديث الغريب متنًا مطلقًا، بعد ذكره السابق له ص 305. وسيأتي تحقيق ذلك عند التعليق على حديث تخليل أصابع الرجلين الآتي ذكره له.
(2)
فقال: أنا أحمد بن عبد الرحمن بن أخي بن وهب قال: سمعت عَمِّي يقول: سمعت مالكًا سئل عن أصابع الرجلين في الوضوء
…
(الحديث)، بنحو ما ذكره المؤلف/ الجرح والتعديل 1/ 31، 32.
بسند مِصري صحيح (1) وزعَم أنه معروف عندهم؛ فاستفاد مالك الحديث، واستعاد السائل، فأمره بالتخليل، هذا أو معناه (2).
(1) تقدم أن مالكًا وصفه بالحسن مريدًا به الغرابة ص 198 ت وأن الحديث بحسب دراسة إسناده المصري يعتبر حسنًا لغيره فقط، وانظر التعليق التالي.
(2)
بل هذا نحو ما ذكره ابن أبي حاتم، كما أشرت لذلك من قبل، وانظر الجرح والتعديل 1/ 31، 32 وقد اعتبر العراقي هذا الحديث مثالًا للغريب متنًا مطلقًا، في حين أن ابن الصلاح استبعد وجود هذا النوع إلا مقيدًا بطرف الإسناد الأخير، ومثل لذلك بحديث الأعمال بالنيات السابق ذكْره، وذلك باعتبار أنه تعدد سنده من الطرف الأخير بعد يحيى بن سعيد، ولكن المتن يعتبر غريبًا باعتبار طرف الإسناد الأعلى حيث لم يصح إلا من حديث يحيى بن سعيد عن محمد بن ابراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص عن عمر رضي الله عنه، كما سبق ذكر ذلك.
أما المؤلف فقد تقدم إقراره مرتين لوجود هذا النوع مطلقًا دون تقييد بأحد طرفي الإسناد، ص 305، 312؛ ولكنه لم يُصرح بذكر مثال له، ولذلك قال العراقي: إنه لم يذكر له مثالًا/ فتح المغيث للعراقي 4/ 5؛ لكن السيوطي نقل عن العراقي قوله: إنه وقع في كلام المؤلف ما يقتضي تمثيلُه لهذا النوع، وذلك أنه لما حكى قول ابن طاهر في الخامس من أنواع الغريب، وهو غرائب البلدان قال: وهذا النوع يشمل الغريب كله سندًا ومتنًا، أو أحدهما دون الآخر، قال: وقد ذكر ابن أبي حاتم بسند له (الحديث)، إلى قول المؤلف: فأمره بالتخليل هـ قال العراقي: والحديث المذكور رواه أبو داود (كتاب الطهارة - باب غَسل الرجلين 1/ 103)، والترمذي (أبواب الطهارة - باب تخليل الأصابع 1/ 57، 58، وكلاهما) من رواية ابن لَهيعة عن يزيد بن عمرو المُعافري عن أبي عبد الرحمن الحُبْلى عن المستورد بن شداد، وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لَهيعة هـ. وقال العراقي: ولم ينفرد به ابن لَهيعة، بل تابعه عليه الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، كما رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عبد الرحمن بن أخي بن وهب عن عمه عبد الله بن =
وفي ذلك جمع غرائب البلدان، وما تفرد به أهل الأمصار من (1) السنن، من جمعها وقبولها للصحة وغيرها - واضح.
= وهب عن الثلاثة المذكورين (الجرح والتعديل 1/ 31، 32)، وصححه ابن القطان؛ لتوثيقه لابن أخي بن وهب، فقد زالت الغرابة عن الإسناد بمتابعة الليث وعمرو بن الحارث لابن لَهيعة، والمتن غريب/ التدريب/ 377، 378 والتقييد والإيضاح/ 273، 274، وبهذا انتهى العراقي إلى اعتبار الحديث المذكور مثالًا للغريب متنًا فقط مطلقًا.
وتقدم نقل السيوطي عنه أن كلام المؤلف السابق عن النوع الخامس من الغريب يقتضي تمثيله لهذا النوع بالحديث المذكور، لكن الذي صرح به ابن سيد الناس عند شرح هذا الحديث خلف هذا؛ حيث قرر أن الحديث بمقتضى هذه المتابعات السابقة ليس بغريب ولا حسن، كما وصفه الترمذي؛ ولكنه يعد صحيحًا مشهورًا/ انظر نسخة المحمودية لهذا الشرح/ 12 ب، ويبدو أن العراقي لم يقطع بكون الحديث المذكور مثالًا معتبرًا؛ فإنه ذكر كلام المؤلف السابق ومثل بالحديث المذكور ثم قال: ويُحتَمل أن يريد (أي المؤلف) بكونه (أي الحديث) غريب المتن لا الإسناد، أن يكون ذلك الإسناد مشهورًا جادَّة، لعدة من الأحاديث، بأن يكونوا مشهورين برواية بعضِهم عن بعض، ويكون المتن غريبًا لانفرادهم به/ التقييد والإيضاح 274.
وقد عد الترمذي وابن رجب هذا من الغريب متنًا وسندًا، ومثّل له ابن رجب بحديث: الأعمال بالنيات باعتبار سنده الأعلى من عمر رضي الله عنه إلى يحيى بن سعيد، كما تقدم انظر/ شرح العلل لابن رجب 1/ 413، 415، 416.
وبذلك انتهى الأمر إلى عدم ذكر مثال يعتبر للغريب متنًا فقط مطلقًا، ولعل هذا مما جعل السخاوي يقول: إن مثال هذا النوع لا يوجد، وأن المؤلف ذكره افتراضًا، تبعًا للقسمة العقلية/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 34.
(1)
بالأصل "لمن" ولا يستقيم المعنى عليه.
"فصل"
[في معنى قول الترمذي: وفي الباب عن فلان، وفائدة ذلك]
ومما تضمنه جامع أبي عيسى الترمذي رحمه الله من الاختصار فى التصنيف: أنه يذكر الحديث في الباب بسنده، عن صحابيه، ثم يتبعه قوله:"وفي الباب عن فلان وفلان" حتى يأتي على ما يوجد في ذلك الباب، أو أكثره (1) فلو استوعب أسانيد ذلك لطال الكتاب جدًّا، ولو تركه بالكلية، لفاته تقوية حديثه المسند، بإضافة ما أضاف إليه، والتنبيه على تلك الأحاديث، ليتتبع مظَانَّها من له غرض في التتبع؛ غيرأنه ينبغي أن يكون ما أسند في ذلك الباب أقوى
(1) قال العراقي: إن الترمذي حيث يقول: وفي الباب عن فلان وفلان، فإنه لا يريد ذلك الحديث المعين، وإنما يريد أحاديث أخر يصح أن تُكتَب في ذلك الباب وإن كان حديثًا آخر غير الذي يرويه في أول الباب، وهو عمل صحيح، إلا أن كثيرًا من الناس يفهمون من ذلك أن من سُمِّي من الصحابة يروون ذلك الحديث الذي رواه في أول الباب بعينه، وليس الأمر على ما فهموه؛ بل قد يكون كذلك، وقد يكون حديثًا آخر يصح إيراذه في ذلك الباب/ التقييد والإيضاح/ 102، وقد أقر العراقي على ذلك غيرُه/ انظر مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 386، ومع ما قرره المؤلف من أن الترمذي قد يأتي على ما يوجد في الباب كله أو أكثره، فإنه ينبغي التنبيه إلى أن الترمذي لم يقصد الاستيعاب، ولذا فإنه قد يغفَل أو يغيب عنه الإشارة إلى أحاديث كثيرة على شرط كتابه وبعضها معلوم له كأحاديث الصحيحين أو أحدهما، وفي شرح المؤلف هذا وتكملته للعراقي مصداق ذلك حيث جعلا من منهجهما في الشرح تخريج ما ورد في الباب ولم يُشر إليه الترمذي؛ ومع ذلك لم يستوعبا أيضًا فاستدرك عليهما غيرُهما، كما سيأتي في بعض الهوامش، وانظر الإمام الترمذي/ 113.
مما لم يذكر سنده، وذلك هو الأكثر من عمله، وقد ذكر أبو نصر ابن يوسف كلامًا هذا معناه (1) فقال: وظاهر طريقته أن يُتَرْجِم الباب (2) الذي فيه حديث مشهور عن صحابي، وقد صح الطريق إليه، وأُخرِج مِنْ حَدِيثه في الكتب الصحاح - فَيورِد في الباب [ذلك الحكم](3) من حديث صحابي [آخر](4) لم يخرجوه من حديثه، ولا يكون الطريق (5) إليه كالطريق الأول؛ إلا أن (6) الحكم صحيح، ثم يتتبعه بأن يقول:"وفي الباب عن فلان وفلان"، ويَعُد جماعة فيهم الصحابي [المشهور](7) يعني الذي أُخرِج (8) ذلك الحكم من حديثه - وقَلّما يسلك هذه الطريقة (9) إلا في أبواب معدودة (10).
(1) وذكر ما سيذكره الشارح أيضًا أبو الفضل ابن طاهر/ شروط الأئمة الستة له/ 3، 4.
(2)
أي يضع له ترجمة وهي عنوان الباب.
(3)
ليس بالأصل وأثبتُه من شروط الأئمة الستة لابن طاهر ص 14 وقوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي 1/ 3، 4.
(4)
ليس بالأصل وأثبتُه من شروط الأئمة الستة لابن طاهر ص 14 وقوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي 1/ 3، 4.
(5)
في شروط الأئمة لابن طاهر: "ولا تكون الطرق" ص 14.
(6)
بالأصل "لأن الحكم" وما أثبته من قوت المغتذي 1/ 3، 4 وفي شروط الأئمة لابن طاهر:"وإن كان الحكم صحيحًا"/ ص 14.
(7)
في شروط الأئمة لابن طاهر: "الصحابي المشهور، وأكثر" ص 14.
(8)
بالأصل "أخرجا" ولا يستقيم المعنى عليه.
(9)
يعني ذكر الصحابي الذي اشتُهِر الحديث عنه، وأُخرِج من حديثه في الكتب الصحاح، وقد يَذكر أيضًا الصحابي الذي رَوَى هو من طريقه حديث الباب/ انظر الإمام الترمذي للدكتور عتر/ 114.
(10)
هذا الذي نقله المؤلف عن أبي نصر ابن يوسف ليس فيه كما ترى معنى ما ذكره =
قلت: لو اطرد ذلك من عمل الترمذي، لكان له وجه، ولتضمن اختصارًا ثانيًا، يُشْفِع الأول، لكن ليس مُطرِدًا ولا أكثريًّا؛ وإذ (1) لم يَطَّرِد له على الوجه الأول عَملٌ، ولا على الثاني، لم يبق إلا الجواب عما يقع من الثاني -إذ هُو أقلُّهما- في مواضعه إن تيسر جواب، والله الموفق للصواب.
[قال أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي](2):
أبواب الطهارة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم/.
…
= هو من أن الأكثر من عمل الترمذي أن ما يذكره في الباب من الأحاديث المسندة يكون أقوى مما لم يذكره، فقد قدمتُ أنه يَغفُل أو يغيب عنه أحاديث مخرَّجة في الصحيحين أو أحدهما كما يتضح من تخريج المؤلف والعراقي في الشرح لما يصلح إيرادُه في الباب ولم يذكره الترمذي.
كما أن ابن رجب ذكر أنه اعتُرِض على الترمذي بأنه في غالب الأبواب يبدأ بالأحاديث الغريبة الإسناد غالبًا، ثم قال مجيبًا عنه: وليس ذلك بِعَيب؛ فإنه رحمه الله يبين ما فيها من العلل، ثم يبين الصحيح في الإسناد، وكان مقصده رحمه الله ذكر العلل/ شرح العلل 2/ 566.
(1)
بالأصل: "وإذا" وما أثبته هو المستقيم عليه المعنى.
(2)
ليس بالأصل وأثبته من ط شاكر 1/ 5.