الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العمري قرر أن الصفدي كان مُنحرفًا عن شيخه ابن سيد الناس، واعتبر ثناءه عليه من الفضل الذي شهدت به الأعداء (1) فإذا لاحظنا هذا كان استبعاد نقده مؤكدًا.
وقول الإِدفوي: إن المؤلف خالَط أهل السفه والشراب، يعني من الأمراء ونحوهم، وقول الصفدي أيضًا: إنه كان يَتلَهى عن الاشتغال بالعلم بمعاشرة الكبار، وكذا قول ابن كثير: إنه يُذكَر عنه سوء أدب في أشياء أُخرى، وقول الذهبي: عليه مآخذ في دينه. كل ذلك قد بَرِئ منه ابن سيد الناس؛ فقد ذكر ابن حجر أن الملك الناصر (يعني محمد بن قلاوون) رأى جنازة ابن سيد الناس حافلة، فسأل الجلال القزويني في صبيحة ذلك اليوم، فذكر له مقدارَه، وكان الفخر نَاظِر الجيش يغُض من ابن سيد الناس، فقال للناصر: إنه مع ذلك كان يعاشر الأمراء، والوزراء قديمًا، قال: ويَسُد عندهم، فذكر ذلك الناصر للجلال القزويني، "رئيس قضاة الشافعية"، والتقى الإِخنائي رئيس قضاة المالكية، فبرآه من ذلك، وشهدا بعدالته ونزاهته، وعفته (2).
أقول: فهذه شهادة براءة له من قاضيين عَدْلَيين، مع أمن المجاملة له منهما، لأن هذا كان بعد وفاته.
ومن جهة أخرى فإن الإدفوي قَرِين المؤلف وشريكه في ملازمة ابن دقيق العيد، فانتقاده للمؤلف من تَحامُلِ الأقران، خاصة وأن ابن دقيق العيد كما تقدم كان يؤثر ابنَ سيد الناس على غيره من تلامذته بما فيهم الإِدفوي.
وبهذا تندفع الانتقادات القادحة عن المؤلف جُملة وتفصيلًا، والكمال لله وحده.
12 - نشاطه العلمي، وألقابه، ومكانته الحديثية:
مما تقدم يتضح لنا أنه توافر للمؤلف ما تكاملت به شخصيته العلمية، من
(1) الدرر الكامنة 4/ 331.
(2)
انظر الدرر الكامنة 4/ 335.
تخصص بعلوم السنة وتبريز فيها، وإلمام بباقي العلوم المساعدة، وتوثيق له، وتمتع بمواهب أدبية وعلمية.
وقد ذكر المترجمون والمعاصرون له من المكانة العلمية المتعددة الجوانب، ومن الألقاب الدالة على ذلك، ما هو به جدير، فقد قال عنه الذهبي: إنه حجة فيما ينقله، له بصر نافذ بالفن، وخبرة بالرجال، وطبقاتِهم، ومعرفةٌ بالاختلاف. ويد طولى في علم اللسان، ومحاسنه جمة (1)، وقال أيضًا: كان عديم النظير في مجموعه، رأسًا في الأدب، قل أن ترى العيون مثله، في فهمه، وعلمه، وسيلان ذهنه، وسعة معارفه (2) وقال أيضًا: هو أحد أئمة هذا الشأن، كتب بخطه المليح كثيرًا، وخرج وصنف، وصحح وعلل، وفرع وأصل، وقال الشعر البديع (3).
وقال الصفدي: كان حافظًا بارعًا، أديبًا متَفنِّنًا، بليغًا، ناظمًا، ناثرًا، كاتبًا مُتَرسِّلًا
…
كامل الأدوات (4) -يعني الملكة العقلية، والعلوم المساعدة على نهوضه بتخصصه بالسنة وخدمتها- وقال أيضًا: كتب وصنف، وحدث، وأجاز، وتفرد بالحديث في وقته (5) وقال أيضًا، شِعْره رقيق، سهل التركيب، منسجم الألفاظ، عذب النظم وترسُّلُه جيد، وكان النظم عليه بلا كُلفة، يكاد لا يتكلم إلا بالوزن (6).
وقال البِرزالي: كان أحد الأعيان معرفة وإتقانًا وحفظًا للحديث، وتفهمًا في علله، وأسانيده، عالمًا بصحيحه وسقيمه، مستحضرًا للسيرة، له حظ من العربية، حسن التصنيف، إلى أن قال: ولم يخلفُ في مجموعه مثله (7).
(1) الوافي بالوفيات 1/ 291 والطبقات الكبرى لابن السبكي 9/ 269.
(2)
الدرر الكامنة 4/ 334.
(3)
طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 390.
(4)
الوافي بالوفيات 1/ 290.
(5)
المصدر السابق.
(6)
الوافي بالوفيات 1/ 293.
(7)
الدرر الكامنة 4/ 331، 332.
وقال القطب (الجلبي): إمام محدث، حافظ، أديب شاعر بارع، جمع وألف، وخرَّج وأتقن، وصارت له يد طولى في الحديث والأدب، مع الإتقان (1).
وقال ابن فضل الله العمري (في مسالك الأبصار): كان أحد الأعلام الحفاظ، وإمام أهل الحديث الواقفين فيه بعكاظ، البحر المِكْثار، والحَبْر في نقل الآثار، وله أدب أسلسل قيادًا من الغمام بأيدي الرياح (2).
وقال ابن كثير: اشتغل بالعلم، فبرع وساد أقرانه في علوم شتى، من الحديث والفقه، والنحو، ومن العربية، وعلم السير والتواريخ، وغير ذلك من الفنون، وحرر وحَبر، وأماد وأجاد،
…
وله الشعر الرائق الفائق، والنثر الموافِق والبلاغة التامة، وحسن الترصيف، والتصنيف، ولم يكن في مصر في مجموعه مِثلُه، في حفظ الأسانيد والمتون، والعلل، والفقه، والمِلَح، والأشعار، والحكايات (3).
وقال قرينه الإدفوي -بعد انتقاده السابق رَدُّه-: ولم يخلف بعده في القاهرة ومصر من يقوم بفنونه مقامه، ولا من يبلغ في ذلك مَرامه (4).
وقال ابن ناصر الدين: كان إمامًا، حافظًا عجيبًا، مصنفًا بارعًا، شاعرًا أَديبًا (5).
وقال معاصره الإسنوي: حافظ الديار المصرية، شيخ البلاغة والبراعة، صاحب النظم الرائق، والنثر الفائق (6).
(1) الدرر الكامنة 4/ 332.
(2)
الدرر 4/ 332 وطبقات الشافعية لابن السبكي 9/ 268.
(3)
البداية والنهاية 14/ 147، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 390.
(4)
طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 392، شذرات الذهب 9/ 106.
(5)
الشذرات 6/ 109.
(6)
طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 511.