المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4 - مكانة الكتاب بين أهم شروح الترمذي: - النفح الشذي في شرح جامع الترمذي - جـ ١

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌ تقديم

- ‌ خطة الدراسة والتحقيق والتعليق

- ‌القسم الأول

- ‌أولًا: التعريف بالمؤلف

- ‌1 - اسمه ونسبه:

- ‌2 - نسبته:

- ‌3 - لقبه، وكنيته:

- ‌4 - تمييزه عمن يشاركه في كنيته:

- ‌5 - تحقيق تاريخ مولده:

- ‌6 - بيئته ونشأته العلمية بعناية والده:

- ‌7 - طلبه للحديث ورحلته فيه:

- ‌8 - ملازمته وتَخَرُّجه:

- ‌9 - دراساته الأخرى:

- ‌10 - شيوخ المؤلف وشَيخَتُه

- ‌(أ) تعريف عام:

- ‌(ب) تعريف بنماذج متميزة من شيوخه

- ‌11 - توثيق المؤلف، والجواب عما انتُقِد به:

- ‌(أ) عقيدته:

- ‌(ب) أخلاقه ومواهبه:

- ‌(ج) الانتقادات الموجهة إليه، والجواب عنها:

- ‌12 - نشاطه العلمي، وألقابه، ومكانته الحديثية:

- ‌13 - وظائفه العلمية، وآثارها في خدمة السنة:

- ‌(أ) وظيفة الإِعادة:

- ‌(ب) مشيخة الحديث بالمدرسة الظاهرية بالقاهرة

- ‌(ج) تدريس الحديث بمدرسة أى حُلَيقة أو المهذَّبِية:

- ‌(د) تدريس الحديث بجامع الصالح:

- ‌(هـ) تدريس الحديث بمسجد الرَّصْد:

- ‌(و) الخطابة بجامع الخندق:

- ‌(ز) التوقيع بديوان الإِنشاء:

- ‌(ح) جهات أخرى:

- ‌14 - من تلاميذ المؤلف وتلميذاته وتأثيره فيهم:

- ‌(أ) تعريف عام:

- ‌(ب) نموذجان من تلاميذه:

- ‌15 - مؤلفات ابن سيد الناس، وما نُسب إليه خطأ:

- ‌أولًا - مؤلفاته:

- ‌ثانيًا - ما نُسِب خطأ إليه:

- ‌تعقيب:

- ‌16 - وفاة المؤلف، وتشييع جنازته، ومدفنه:

- ‌17 - رثاؤه:

- ‌ثانيًا: دراسة عن الكتاب

- ‌1 - تسميته:

- ‌2 - تحقيق نسبة الكتاب إلى المؤلف وإسناده إليه:

- ‌3 - زمن تأليف هذا الشرح، وتحقيق القول فيما أنجزه المؤلف منه، وما وُجِد منه حاليًا:

- ‌4 - مكانة الكتاب بين أهم شروح الترمذي:

- ‌5 - منهج المؤلف في الشرح، وموازنته إجمالًا بمناهج أهم الشروح لجامع الترمذي:

- ‌(أ) أهم مناهج الشروح عمومًا:

- ‌(ب) تفصيل منهج المؤلف مع موازنته بغيره من أهم شروح الترمذي:

- ‌أولًا - مصادر الشرح:

- ‌1 - فمن كتب متون السنة

- ‌2 - ومن المختصرات:

- ‌3 - ومن كتب مصطلح الحديث:

- ‌4 - ومن كتب غريب الحديث:

- ‌5 - ومن كتب اللغة:

- ‌6 - ومن كتب الرجال:

- ‌7 - ومن كتب شروح الحديث:

- ‌8 - من كتب العلل:

- ‌9 - ومن كتب الأطراف:

- ‌10 - ومن كتب الفقه:

- ‌11 - وأما المصادر الشفاهية:

- ‌ثانيًا - تقديمه للشرح ببيان أهمية الاشتغال بخدمة السنة

- ‌ثالثًا - عناصر شرحه للأحاديث:

- ‌(أ) ذكر نص الباب المراد شرح أحاديثه:

- ‌(ب) عنونة شرح الباب، ومباحثه التفصيلية:

- ‌(ج) تخريج الأحاديث:

- ‌(د) بيان درجة الحديث وغيره من الصناعة الحديثية:

- ‌(هـ) دراسة الأسانيد:

- ‌(و) معاني الألفاظ وضبطها وإعرابها:

- ‌(ز) بيان الأحكام المستفادة من الحديث وحكمة تشريعها:

- ‌(ح) بيان المباحث الأصولية المتعلقة بالحديث:

- ‌(ط) آراء المؤلف، وإضافاته العلمية:

- ‌أهم مميزات هذا الشرح:

- ‌بعض الملحوظات على الشرح:

- ‌أثر الكتاب فيما بعده:

- ‌القسم الثاني

- ‌أولًا: عملى في التحقيق والتعليق

- ‌1 - التعريف بما اعتمدت عليه من نسخ الكتاب:

- ‌(أ) نسخة تركيا:

- ‌(ب) نسخة المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة:

- ‌(أ) كتبت النص من نسخة الأصل:

- ‌(ب) قابلت نسخة الأصل بنسخة (م):

- ‌(ج) ما وجدته في الأصل من سقط أو تحريف أو خطأ مؤكد:

- ‌(د) وضع عناوين توضيحية للشرح، ولمباحثه التفصيلية:

- ‌(هـ) توثيق النص:

- ‌(و) التعليق على النص:

- ‌(ز) دراسة الأسانيد:

- ‌(ح) عرفت بالأعلام والأماكن الواردة في النص

- ‌(ط) أما الفهارس فقد عملت منها ما هو ضروري

- ‌3 - بعض صعوبات تحقيق هذا القسم من الشرح:

- ‌ تعقيب:

- ‌ثانيًا: النص محققًا معلقًا عليه

- ‌1 - باب ما جاء: لا تُقْبلُ صلاةٌ بغير طَهور

- ‌2 - باب ما جاء في فضل الطهور

- ‌4 - باب ما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌5 - بابُ ما يقولُ إذا خَرَجَ من الخَلاء

- ‌6 - بابٌ في النَّهْي عن استقبالِ القِبْلَةِ، بِغائِطٍ، أو بَوْل

الفصل: ‌4 - مكانة الكتاب بين أهم شروح الترمذي:

أما ما ذكره صاحب كشف الظنون من أن ابن سيد الناس بلغ في شرحه إلى دون ثلثي جامع الترمذي في نحو عشرة مجلدات، ولم يتم (1) فلم يذكر لنا مستنده في هذا وهو تقدير بعيد جدًّا عن التحديد السابق من الإسنوي، وهو معاصر للمؤلف، وبعيد أيضًا من تحديد العراقي المعتمِد على اطلاعه على ما شرحه ابن سيد الناس بخطه، كما أنه لم يظهر حتى الآن من نسخ الشرح ما فيه أزيد مما ذكره العراقي كما تقدم، وعليه فلا يعول على تقدير صاحب كشف الظنون، بل المعتمد ما ذكره العراقي وتبعه عليه غيره، من توقف ابن سيد الناس في شرحه عند تخريج الحديث الثامن مما أشار إليه الترمذي في (باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام).

‌4 - مكانة الكتاب بين أهم شروح الترمذي:

أشرت من قبل إلى أن هذا الشرح يمثل بداية حلقة مفتقدة بين المتقدم وبين المتأخر من شروح الترمذي، وبيان ذلك كالتالي:

(أ) أن (كارل بروكلمان) ومِنْ بَعدِه الدكتور/ فؤاد سزكين، قد ذكرا أن الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة 516 هـ (2) له شرح لجامع الترمذي (3) وذكر د/ فؤاد سزكين أنه يوجد القسم الأخير من هذا الشرح بالمكتبة المحمودية بالمدينة النبوية تحت رقم 35 (4). ولكني لم أتمكن من التحقق من ذلك بالاطلاع على تلك القطعة، وسأحرص على ذلك في أقرب فرصة بعون الله تعالى.

ولم أجد في عدد من مصادر ترجمة البغوي ذكر هذا الشرح في مؤلفاته.

كما ان السيوطي قد ذكر أنه لا يعلم أحدًا شرح جامع الترمذي كاملًا

(1) كشف الظنون 1/ 559.

(2)

طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين ابن السبكي 7/ 75 - 77 وتذكرة الحفاظ 4/ 1257 - 1259.

(3)

تاريخ الأدب العربي -لكارل بروكلمان- ترجمة د. عبد الحليم النجار 1/ 190 وتاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين 1/ 302، ط. المصرية.

(4)

تاريخ التراث الموضع السابق.

ص: 70

إلا القاضي أبي بكر بن العربي (1) المتوفى سنة 543 هـ (2) وهو كما ترى متأخر عن البغوي، فهذا يدل على أن السيوطي لم يقف على شرح البغوي هذا، أو وقف عليه ولم يجده كاملًا، ومن قبل السيوطي ذكر الحافظ زين الدين العراقي أهمية جامع الترمذي ثم قال: ولكنه ليس عليه شرح يناسبه، ولا يداني التناسب ولا يقاربه، ثم ذكر شرح ابن العربي، وبين عدم كفايته، وذكر بعده شرح ابن سيد الناس، وبين أنه لم يكمل، كما تقدم (3). فهذا يدل على عدم وقوف العراقي على شرح للبغوي أو غيره من المتقدمين على ابن العربي، ويمكن تحقيق الأمر أكثر إذا تيسر الاطلاع على القطعة التي ذكر سزكين أنها موجودة من هذا الشرح.

(ب) وممن سبق المؤلف أيضًا إلى شرح جامع الترمذي - القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله الإشبيلي، المعروف بابن العربي المالكي المتوفى سنة 543، وشرحه يسمى (عارضة الأحوذي) (4) أخذًا من قوله في مقدمته:"فخذوها عارضة من أَحْوَذِي علم كتاب الترمذي" يعني كلامًا صادرًا من حاذق، محيط بجوانب ما يتكلم عنه (5) وهو العلم المشتمل عليه كتاب الترمذي "وهذا الشرح كاملٍ، ومطبوع متداول، مشهور، وقد تقدمت إشارة السيوطي إلى أنه لا يعلم شرحًا كاملًا للترمذي قبل هذا الشرح، وقد استفاد منه من جاء بعده من شراح الترمذي كالمؤلف، والزين العراقي وغيرهما، وبمراجعتي لعدة مجلدات من هذا الشرح تبين لي أنه مع فائدته المشهود بها، فإنه مختصر في عمومه، حتى إنه قد يترك بعض الأبواب بدون تعليق عليها مطلقًا، كما سيأتي في التوضيح لمنهج ابن سيد الناس مقارنًا بغيره، وذكر أبو الطيب السندي: أن ابن العربي قد أطال الكلام في شرحه هذا على مذهب الإِمام مالك رضي الله عنه، ولم يتعرض لكثير

(1) مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 369، وقوت المغتدي للسيوطي 1/ 15.

(2)

تذكرة الحفاظ 4/ 1294 - 1297.

(3)

تكملة شرح الترمذي للعراقي 1 / ق أب، 2 أ / نسخة الاسكوريال.

(4)

الديباج المذهب لابن فرحون، بتحقيق الدكتور الأحمدي أبو النور 2/ 252 - 256.

(5)

عارضة الأحوذي - شرح جامع الترمذي لابن العربي 1/ 5 أصل وهامش.

ص: 71

من الألفاظ المحتاجة إلى بيان (1)، وقد لاحظ الحافظ العراقي من قبله، اختصار ابن العربي لشرحه فقال:"وليس المنهوم بتلك العارضة يغتذي"(2).

(ج) وبعد هذا الشرح لم أجد شرحًا للترمذي إلا شرح ابن سيد الناس هذا، ومن بعده تتابع الغيث، كما سيأتي، ما بين مكمِل ومُستأنِف.

ولهذا قلت: إن هذا الشرح يمثل بداية حلقة مفتقدة من شروح الترمذي، وهي تعتبر الحلقة الوسيطة بين المتقدمين وبين المتأخرين كالسيوطي ومَن بعده.

وقد نقل الحافظ ابن حجر عن الكمال الإدْفَوي قوله: (إن ابن سيد الناس شرع لشرح الترمذي، ولو اقتصر فيه على فن الحديث من الكلام على الأسانيد لكمُل، لكنه قصد أن يتبع شيخه ابن دقيق العيد فوقف دون ما يريد)(3).

أقول: ولم يعلق ابن حجر على ذلك بشيء، والذي يبدو لي أن كلام الإدْفَوِي غير مُسَلَّم له؛ لأنه قرين للمؤلف وشريكه في ملازمة ابن دقيق العيد (4) فلعل كلامه هذا من تنافس الأقران، كما أنه معروف في المجال الأدبي واللغوي أكثر منه في مجال السنة وعلومها (5) فيكون تقويمه لشرح ابن سيد الناس غير دقيق.

وقد خالفه في تقويمه لهذا الشرح غيره ممن هم أخبر به، وأدرى بعلوم السنة، فقال الحافظ العراقي بعد أن ذكر شرح ابن العربي، ووصفه بالإِيجاز، كما مر: وشرع الحافظ أبو الفتح اليَعمُري في شرح له، يعني للترمذي، أطال فيه الكلام عليه، فخرَّج ما أشار بقوله:"في الباب" إِليه، وربما وقف عليه بعض أحاديث من ذُكِر، وزاد عليه أحاديث لصحابة أُخَر، لكن اخترمَتْهُ المنية قبل

(1) شرح أبي الطيب السندي لجامع الترمذي 1/ 4، 5.

(2)

تكملة العراقي 1 / ق 2 أنسخة الاسكوريال.

(3)

الدرر الكامنة 4/ 331.

(4)

الدرر الكامنة 2/ 72.

(5)

المصدر السابق 2/ 72.

ص: 72

إكماله (1). فهذا الكلام من الحافظ العراقي يدل على أن شرح ابن سيد الناس برغم عدم تمكنه من التخريج لبعض الأحاديث؛ فإنه يعتبر في عمومه أوسع من شرح ابن العربي، وكذلك الشوكاني مع تفضيله تكملة العراقي على شرح ابن سيد الناس، فإنه وصف شرح ابن سيد الناس بأنه ممتع في جميع ما تكلم عليه، من فن الحديث وغيره (2) وكذلك الصلاح الصفدي تلميذ ابن سيد الناس، والمشير عليه بتسمية الشرح، قد وصفه بأنه:"جمع فأوعى"(3).

وسيأتي تفصيل منهج المؤلف فيه مقارنًا بغيره.

(د) تكملة العراقي لهذا الشرح: ولما كان هذا الشرح لم يُتَح لؤلفه إكماله، فإن الحافظ زين الدين العراقي المتوفى سنة 806 هـ (4) قد شرح في تأليف تكملة له، بدأ فيها من أول الباب الذي وقف بنفسه على شرح ابن سيد الناس لقدر يسير منه، كما تقدم وهو (باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) ويبدو أن العراقي لم يتح له أيضًا إتمام شرح الباقي من جامع الترمذي إلى نهايته.

والذي يمكن الاطمئنان إليه في تحديد ما أنجزه العراقي من تلك التكملة، ما ذكره الحافظ ابن حجر بقوله:(وبيض من تكملة شرح الترمذي كثيرًا، وكان قد أكمله في المسوَّدة أو كاد، كتبت منه عنه، قدر مجلد، وقرأت أكثره عليه (5).

فهذا التقدير من الحافظ ابن حجر معتمِدٌ على صلته المباشرة بالكتاب، واطلاعه على أكثره، ولذا يترجح على تقدير غيره، كما أنه قد حدد أيضًا ما بيضه العراقي منه فقال:"والذي بيض منه إلى آخر كتاب اللباس"(6).

(1) تكملة العراقي لشرح الترمذي 1 / ق 2 أنسخة الاسكوريال.

(2)

البدر الطالع 2/ 250.

(3)

الوافي 1/ 292.

(4)

ذيل تذكرة الحفاظ لابن فهد/ 220 - 234.

(5)

المجمع المؤسس بالمعجم المفهرس لابن حجر/ 177 وذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي/ 371.

(6)

المعجم المفهرس لابن حجر/ 175 أ.

ص: 73

أقول: وهذا الكتاب هو الثاني والعشرون من كتب جامع الترمذي البالغ عددها 47 كتابًا آخرها كتاب العلل وهو آخر الجامع، وقد وقفتُ على نص من كلام العراقي نفسه يؤيد قول الحافظ ابن حجر السابق عن تحديد ما أنجزه العراقي في المسودة، وذلك في المجلد الموجود بدار الكتب المصرية من تكملة العراقي هذه، وهو من المسودة بخطه، حيث جاء في بعصر أوراقها ما نصه:"المناقب يُثبَت فيها حديث عمرو بن الجموح، من باب التوحيد، في الإِيمان"(1).

فالمناقب هو الكتاب قبل الأخير من كتب جامع الترمذي، وقوله هذا يدل على اشتغاله بجمع المادة العلمية اللازمة لشرحه من مصادرها، فلعله شرع في شرح هذا الكتاب الأخير ولم يكْمِله، ولذا قال ابن حجر فيما تقدم:"وكان قد أكمله أو كاد" وأما ما ذُكِرَ غير ذلك من تحديد ما أنجزه العراقي فلا يعوَّل عليه؛ لأنه إما قول مجرد عن الدليل، أو معتمد على تقليد الغير أو على ما وقف عليه القائل فقط.

هذا وقد رجح د. فؤاد سزكين أن العراقي ألف شرحين لجامع الترمذي: أحدهما تكملة لشرح ابن سيد الناس، والثاني شرح مستقل، وقد اعتمد في هذا على أن بعض المجلدات الخطية ذُكِرت في فهارس المخطوطات باسم (تكملة شرح الترمذي) وبعضها مفهرس باسم (شرح الترمذي)(2) وقد تيسرت لي هذه المجلدات جميعها بحمد الله، وقابلت بعضها ببعض، وتبين لي أن هذا الاختلاف في عنوان النسخ الخطية فقط، ولكن الكل كتاب واحد هو:"تكملة العراقي لشرح ابن سيد الناس" وعليه فما رجحه د/ فؤاد سزكين ليس صوابًا. ومثله أيضًا ما ذكره محمد بن طولون حيث قال: إن العراقي أكمل شرح

(1) انظر الورقة/ 167 ب من المجلد المخطوط بدار الكتب المصرية برقم (2504) حديث.

(2)

تاريخ التراث العربي للدكتور فؤاد سزكين 1/ 395 ط. المصرية.

ص: 74

الترمذي لابن سيد الناس، ثم استأنف العمل من أول الجامع، وكتب عليه فأكمله (1)، فلم أجد من وافقه على ذلك.

وقد وازن بين ما شرحه ابن سيد الناس وبين تكملة العراقي غير واحد من العلماء، بما يدل على مكانة كل منهما من الآخر.

فجمال الدين عبد الرحيم الإِسنوي المتوفي سنة 772 هـ وأحد شيوخ العراقي (2) قال في ترجمة ابن سيد الناس: إنه شرح قطعة من الترمذي، نحو مجلدين، وشرع في إكماله حافظ الوقت زين الدين العراقي، إكمالًا مناسبًا لأصله (3) وبهذا جعل الشرح وتكملة العراقي عليه، كلاهما في مستوى واحد، وتلك موازنة إجمالية.

ومن بعد الإِسنوي نجد الإمام الشوكاني، قد اطلع على شرح ابن سيد الناس بخطه ثم على المجلد الأول من تكملة العراقي، بخط الحافظ ابن حجر، وبعضه بخط العراقي (4) وسيأتي أيضًا أنه نقل عن الشرح وتكملته كثيرًا في نيل الأوطار، وقد قال عن شرح ابن سيد الناس: هو ممتع في جميع ما تكلم عليه، من فن الحديث وغيره، مع التزامه لإِخراج الأحاديث التي يشير إليها الترمذي بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان إلخ .. ولما وقفت على الجزء الذي يلي هذا الجزء للزين العراقي، بهرني ذلك، ورأيته فوق ما شرحه صاحب الترجمة (يعني ابن سيد الناس) بدرجات (5) وقال أيضًا عن تكملة العراقي: وهو شرح حافل ممتع فيه فوائد لا توجد في غيره، ولا سيما في الكلام على أحاديث الترمذي، وجميع ما يشير إليه في الباب، وفي نقل المذاهب على نمط غريب، وأسلوب عجيب (6).

(1) القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية لمحمد بن طولون 2/ 448.

(2)

الدرر الكامنة 2/ 464، 495.

(3)

ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي/ 371.

(4)

البدر الطالع 1/ 236، 237، 2/ 250.

(5)

المصدر السابق 2/ 250، 251.

(6)

البدر الطالع 1/ 355.

ص: 75

أقول: والذي بدا لي من مطالعة ما شرحه ابن سيد الناس، ثم تكملة العراقي له أن موازنة الشوكاني هي الصواب، نعم لابن سيد الناس فضل السبق والتوسع في جوانب قد أوجز فيها ابن العربي، أو تركها كلية، كما سيأتي توضيحه، لكن تكملة العراقي أفود وأعمق بصفة عامة، وخاصة في ناحيتي التخريج والصناعة الحديثية، كما سأبينه في مقارنة منهج ابن سيد الناس بغيره.

(هـ) ذكر عبد الرؤوف المناوي أنَّ أبا زرعة ابن العراقي قد أكمل تكملة شرح والده لشرح الترمذي (1)، وهذا يدل على ما أشرت إليه من قبل من كون العراقي لم يتم شرح جامع الترمذي حتى في المسَّودة، وإلا كان أبو زرعة حرص على تبييض ذلك بدلًا من تأليف تكملة جديدة نظرًا لحرصه على حفظ ما ألفَّه والده.

هذا ولم أقف على نسخة من تلك التكملة، أو نقول عنها.

(و) ذكر السخاوي من مؤلفاته: تكملة شرح الترمذي للعراقي، وذكر أنه كتب منه أكثر من مجلدين في عدة أوراق من المتن (2)، يعني متن جامع الترمذي، وهذا دليل على توسعه الكبير في الشرح، ولكنه لم يحدد لنا الموضع الذي بدأ تكملته منه ولا الموضع الذي توقف عنده، وتبعه في هذا الكتاني (3) لكن في كتاب المقاصد الحسنة للسخاوي (4) ذكر حديث:"ليس شيء أكرم على الله من المؤمن" وقال: وقد أشبعت الكلام عليس فيما كتبته على الترمذي في باب ما جاء في تعظيم المؤمن، قبيل الطب.

أقول: والباب الذي ذكره هو باب 85 من كتاب البر والصلة، وهو كتاب 25 من كتب جامع الترمذي البالغ عددها 47 كتابًا وقبل هذا الكتاب بكتابين نجد كتاب اللباس الذي وصل العراقي في تبييض شرحه إليه.

(1) انظر مقدمة شرح المناوي الموجز لألفية العراقي في السيرة/ مخطوط.

(2)

الضوء اللامع للسخاوي 8/ 16.

(3)

فهرس الفهارس للكتاني 2/ 990.

(4)

المقاصد ص 541 حرف اللام.

ص: 76

وعمومًا فإن هذه التكملة كسابقتها لم أقف على نسخة منها، رغم البحث الدائب.

(ز) ومن تلك الحلقة أيضًا شرح جامع الترمذي كاملًا، لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد، المعروف بابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795 هـ (1) وهو قرين لزين الدين العراقي، صاحب أكبر تكملة على شرح ابن سيد الناس، كما تقدم.

وقد ذكر علي بن محمد بن علاء، المعروف بالعلاء الطرسوسي أنه سمع ابن رجب يقول: أرسل إليَّ الزين العراقي يستعين بي في شرح الترمذي (2). وهذا يدل على علم كل من العراقي وابن رجب باشتغال الآخر بالشرح، ومع تقدم وفاة ابن رجب وإتمامه لشرح الجامع كله، إلا أن هذا لا يعطينا قطعًا بأن ابن رجب كان أسبق من العراقي؛ فقد نقل الحافظ ابن حجر -وهو تلميذ العراقي الملازم له- قول شيخه العراقي: إنه قد رافق الزيلعي في الاشتغال بالتخريج، وذكر من ضمن ما كان العراقي مشتغلًا به آنذاك الأحاديث التي يشير إليها الترمذي في الأبواب، ثم أرخ وفاة الزيلعي سنة 762 هـ (3).

فهذا يدل على اشتغال العراقي بتكملته قبل هذه السنة، كما جاء أيضًا في آخر الجزء الخامس من تكملة العراقي أنه فرع منه في 27 ربيع الآخر سنة 779 هـ (4) وهذا تاريخ متقدم على وفاة ابن رجب بنحو خمس عشرة سنة.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن ابن رجب قد أجاد في هذا الشرح وأنه نحو عشرين مجلدًا (5)، وكذا قال صاحب كشف الظنون، ولكنه ذكر أنه احترق في الفتنة (6) ولم يبيِّن مراده بالفتنة، وقد بحثت عن هذا الشرح كثيرًا، كما بحث عنه

(1) لحظ الألخاظ لابن فهد/ 180 - 182.

(2)

الضوء اللامع للسخاوي 5/ 328.

(3)

الدرر الكامنة 2/ 417.

(4)

انظر ورقة / 1240 من القطعة الموجودة بدار الكتب المصرية برقم (2504) حديث.

(5)

فهرس الفهارس للكتاني 2/ 636.

(6)

كشف الظنون 1/ 559.

ص: 77

أيضًا الأخ الفاضل الدكتور/ همام عبد الرحيم (1) وقد أسفر بحثه عن وجود قطعتين من هذا الشرح.

إحداهما: نحو عشرة أوراق، ضمن، مجموعة بالمكتبة الظاهرية، وقد أطلعني عليها مشكورًا الأخ الدكتور همام، وفحصتها، ونقلت معظمها بخطي، وأولها أثناء باب (ما جاء في العمامة السوداء) وهو الباب (11) من كتاب اللباس، وهو الكتاب (22) من الجامع، ويليه قطعة أخرى من باب (ما جاء في لبس الصوف)، وهو الباب العاشر من كتاب اللباس، ثم يليه تكملة باب (ما جاء في لبس العمامة) السابق ذكره ثم يليه باب (ما جاء في كراهية خاتم الذهب)، وهو باب (13) من كتاب اللباس هذا .. ويوجد أيضًا في أثناء تلك القطعة ورقة من كتاب التراجم وتقع بين ورقة 87 ب، وورقة 188، ومن هذا الوصف لتلك القطعة تلاحظ أنها مختلفة الترتيب، وقد كتب بأعلا الصفحة الأولى من اليسار ما نصه:(ملك محمد بن يوسف بن عبد الهادي)، وهي بخط ابن رجب، وقد مكنتني هذه القطعة من موازنة منهج ابن سيد الناس بمنهج أبن رجب في شرحه هذا ومقارنته أيضًا بمنهج العراقي كما سيأتي.

وقد قام د. همام بتحقيق نماذج من باب (ما جاء في كراهة الخاتم)(2).

أنها القطعة الثانية: فهي عبارة عن شرح كتاب العلل الذي في آخر جامع الترمذي، وهذه قد تعددت نسخها، وقام غير واحد بتحقيقها، ومنهم الدكتور نور الدين عتر وقد نشره، ومنهم الدكتور همام عبد الرحيم، ولم يطبع حتى الآن، ولديَّ منه نسخة على الآلة الكاتبة.

أقول: وقد تقدم قول الحافظ ابن حجر عن هذا الشرح: إن ابن رجب أجاد فيه، وهو حكم إجمالي، لكنه من خبير بالصنعة، وبجامع الترمذي خصوصًا، لاشتغاله بشرحه كما سيأتي.

(1) شرح علل الترمذي لابن رجب بتحقيق ودراسة الدكتور همام عبد الرحيم 1/ 48، 49.

(2)

انظر شرح العلل بتحقيقه 1/ 50 - 54.

ص: 78

وعمومًا فإني قد اطلعت على شرح ابن سيد الناس وعلى تكملة العراقي، وعلى القطعة السابقة من شرح ابن رجب، مع شرحه لكتاب العلل الذي في آخر الجامع.

وعلى ضوء ذلك يمكن تقدير المكانة الإِجمالية لشرح ابن سيد الناس على النحو التالي:

1 -

إن له فضل السبق، والتوسع في مباحث الشرح والصنعة الحديثية أكثر من ابن العربي كما قدمت.

2 -

إن تكملة العراقي، وشرح ابن رجب يفوقانه في التوسع والبحث والتحقيق وخاصة في الصنعة الحديثية. وسيأتي مزيد بيان لذلك في مقارنة منهج ابن سيد الناس بغيره من أهم شراح جامع الترمذي.

(ح) ومن تلك الحلقة أيضًا شرح زوائد جامع الترمذي على كل من الصحيحين وسنن أبي داود، لأحد تلاميذ ابن سيد الناس، وقَرِين العراقي، وهو سراج الدين عمر بن علي، المعروف بابن الملقن، وبابن النحوي المتوفى سنة 804 هـ، وقد نقل السخاوي عنه أنه كتب منه قطعة صالحة (1)، وكذا ذكره الشوكاني (2) وصاحب كشف الظنون (3).

أقول: واسم هذا الشرح: "إنجاز الوعد الوَفِي، بشرح جامع الترمذي" وقد وقفت على صورة نسخة منه موجودة بمكتبة (شستربيتي) برقم (5187) وعدد أوراقها (153) ورقة، وهي ناقصة من أولها، وباثنائها خروم، وآخر ما فيها أول باب (كيف الجلوس في التشهد) وهو الباب رقم 102 من أبواب الصلاة البالغ عددها 213، بحسب ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي.

وباطلاعي على هذه القطعة من الشرح تبينَّ لي أن طابعه العام هو

(1) الضوء اللامع 6/ 100، 102، 105.

(2)

انظر البدر الطالع 1/ 508 - 511.

(3)

1/ 559.

ص: 79

الاختصار ومنهجه مماثل في جملته لمنهج ابن سيد الناس، الآتي تفصيله فيما بعد.

(ط) ومن تلك الحلقة أيضًا ما ألفه قرين آخر للعراقي ولابن الملقن، وهو سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير، المعروف بالبلقيني المتوفَّي سنة 805 هـ، فقد ذكر ابن قاضي شهبة أن البُلقيني ألَّف شرحًا للترمذي يسمى (العَرف الشّذِي على جامع الترمذي) وأنه كتب منه قطعة صالحة (1) وكذا ذكره صاحب كشف الظنون (2) وسيأتي ذكر شرح آخر بهذا الإسم لأحد علماء الهند المتأخرين.

أما ابن فهد فذكر أن للبلقيني شرحين على الترمذي: أحدهما: صناعة، والآخر فقه. (3).

وعلى كل حال فلم أقف على شيء مما شرحه البلقيني من جامع الترمذي خلال بحثي الموسع في فهارس المخطوطات والنشرات الدورية عنها، حتى الآن، كما لم أقف على نقول عنه.

(ي) أنها آخر تلك الحلقة المفتقدة فهو شرح الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفِّي سنة 852 هـ وقد ذكره بنفسه في فتح الباري، حيث ذكر أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، شيء في النهي عن البول قائمًا ثم قال: كما بينته في أوائل شرح الترمذي (4).

أقول والباب المناسب لذلك في الترمذي هو باب الرخصة في البول قائمًا - وهو الباب التاسع من أول كتب جامع الترمذي وهو كتاب الطهارة.

وقال في النكت عن حديث "الأذنان من الرأس" وقد جمعت طرقه فيما كتبته على جامع الترمذي (5)، وهذا يفيد أنه توسع فيه في تخريج الأحاديث التي

(1) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 4/ 52.

(2)

1/ 559.

(3)

ذيل طبقات الحفاظ لابن فهد / 216.

(4)

فح الباري -كتاب الوضوء- باب البول عند سباطة قوم 1/ 330.

(5)

نكت ابن حجر على ابن الصلاح والعراقي 1/ 410.

ص: 80

تحتاج إلى ذلك، والباب المناسب لهذا الحديث هو (باب ما جاء أن الأذنين من الرأس) وهو باب 29 من الطهارة.

وهذا يدل على أنه بلغ في الشرح إلى هذا الباب على الأقل، وقد ذكر السخاوي في ترجمة شيخه ابن حجر أنه أول ما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الشيخونية سنة 806 هـ شرع في هذا الشرح، فكتب منه قدر مجلدة مسودة، ثم قال: ولو كمل لجاء في 25 سفرًا حسبما قرأته بخطه (1) وذكر الدكتور/ شاكر محمود عبد النعم نقلًا عن البقاعي، وهو تلميذ ابن حجر أيضًا، أنه شرع في هذا الشرح سنة 808 هـ في أثناء تدريسه الحديث بالشيخونية، فكتب منه مجلدة مسودة، ثم فتر عزمه عنه (2) وذكره المباركفوري أيضًا (3).

أقول: ولم أقف على شيء من تلك المجلدة، وذكر السيوطي أيضًا أنه لم يقف عليه (4) وكذا ذكر الشيخ أبو الطيب السندي في شرحه الآتي أنه لم يقف عليه.

(ك) ومما يتعلق بشرح الترمذي أيضًا للحافظ ابن حجر كتاب يسمى (اللباب فيما يقول فيه الترمذي: وفي الباب) وقد ذكره السيوطي أيضًا، وقال: أنه لم يقف عليه (5) وذكره الكتاني أيضًا (6)، ولم أقف أنا على شيء من نسخه.

أقول: وبهذا الكتاب تنتهي تلك الحلقة الوسيطة، بين تأليف المتقدمين وتأليف المتأخرين، في شرح الترمذي.

ويلاحظ أن أكثر كتب تلك الحلقة مفتقَد، والموجود منها ما زال مخطوطًا وفي مقدمتها: شرح ابن سيد الناس الذي نُقدم له.

(1) الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ ابن حجر للسخاوي ق 55 / ب.

(2)

انظر ابن حجر العسقلاني ودراسة مصنفاته للدكتور شاكر عبد المنعم ص 327.

(3)

مقدمة التحفة 1/ 378.

(4)

قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي 1/ 15.

(5)

قوت المغتذي للسيوطي 1/ 15.

(6)

فهرس الفهارس 1/ 333.

ص: 81

(ل) ثم يلي تلك الحلقة شروح المتأخرين، ومن أهمها شروح ثلاثة:

1 -

قوت المغتذي لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة 911 هـ (1) وهو مطبوع، ومن طبعاته، الطبعة الهندية سنة 1299 هـ.

وقد ذكر السيوطي في مقدمته أنه تعليق على جامع الترمذي، على نمط ما علقه على صحيح البخاري المسمى بالتوشيح، وعلى صحيح مسلم المسمى بالديباج، وعلى سنن أبي داود المسمى بمرقاة الصعود ثم قال:"وسميته: قوت المغتذي على جامع الترمذي"(2).

أقول: وباطلاعي على الكتاب تبين لي أنه شرح مختصر، أو تعليق كما وصفه مؤلفه فيذكر فيه العبارات التي يراها بحاجة إلى شرح ويصدرها بعبارة (قوله) يعني الترمذي، ثم يشرحها باختصار، وينتقل لغيرها وهكذا، وهذا يسمى الشرح بالقول كما سيأتي، ولم يستوعب فيه السيوطي شرح كل ما هو بحاجة إلى شرح من سند الترمذي ومتنه، ولذلك قال الشيخ أبو الطيب السندي: إن السيوطي تكلم على نبذ من الألفاظ فقط (3) وقد لاحظت اعتماده على شرح ابن سيد الناس، وتكملته للعراقي كثيرًا، ولكنه لم يستوعب كلامهما على الحديث، ولم يلتزم بذكر تخريجهما لما قال فيه الترمذي:(وفي الباب) وذلك لما قصده من الاختصار.

ولكنه يستفاد من نقوله عنهما في تحقيق شرح ابن سيد الناس وتكملة العراقي عليه.

2 -

شرح أبي الطيب السندي: وهو أيضًا شرح بالقول، وقد طبع مع شرح السيوطي السابق ومؤلفه قد عَرَّف نفسه في مقدمته فذكر: أنه محمد أبو الطيب بن عبد القادر السندي مولدًا، والمدني موطنًا، والحنفي مذهبًا.

(1) البدر الطالع للشوكاني 1/ 328 - 335 وحسن المحاضرة 1/ 335 - 344.

(2)

قوت المغتذي للسيوطي 1/ 14.

(3)

شرح أبي الطيب السندي 1/ 4.

ص: 82

ثم قال: (إنه لم يحيى من كَتب على جميع أحاديث الترمذي شرحًا، وإن كثيرًا من الألفاظ محتاج إلى حَلِّه) يعني شرحه وتوضيحه.

ولما كان هذا الكلام يبدو متعارضًا مع وجود الشروح السابقة عليه، فإنه أجاب عن ذلك بما خلاصته: أن السيوطي شرح نبذًا فقط من الأحاديث.

وأن ابن العربي أطال الكلام فيما يتعلق بالحديث من الآراء الفقهية على مذهب مالك "رضي الله عنه" ولم يتعرض لكثير من الألفاظ المحتاجة إلى بيان.

وأن شرح ابن سيد الناس وتكملته للعراقي لم يوجد منه شيء لديه حينذاك.

وأن ما شرحه منه البلقيني وابن حجر، وكذا ما ألفه ابن حجر في تخريج ما يقول الترمذي فيه: وفي الباب، كل ذلك لم يقف عليه من هو قبله -يعني السيوطي فكيف هو؟ (1)

وبعد هذا الجواب الذي قرر فيه افتقاده لشرح ابن سيد الناس وكل من جاء بعده إلى السيوطي وأظهر به الجاجة إلى شرحه قال: استخرت الله تعالى أن أشرح شرحًا يحل جميع ألفاظه إلا ما شذ، فبدأت في شرحه .. إلخ (2).

أقول: وقد طالعت كثيرًا من هذا الشرح فلم أجد مؤلفه التزم بشرطه هذا من شرح جميع الألفاظ أو أغلبها، بل وجدته ترك الكثير مما شرحه السابقون عليه، وخصوصًا من قال إنه لم يقف على شروحهم وهم: ابن سيد الناس ومَن بعده، حتى السيوطي، حيث وجدته ينقل عنه، كما أنه تارة يخرج ما أشار إليه الترمذي بقوله: وفي الباب، وتارة يتركه (3).

(1) مقدمة شرح أبي الطيب السندي 1/ 4، 5.

(2)

مقدمة الشرح الموضع السابق.

(3)

انظر مثلًا 1/ 321 باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام، مع مقارنته بشرح العراقي لنفس الباب.

ص: 83

3 -

(تحفة الأحوذي) شرح جامع الترمذي (1) للحافظ أبي العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المعروف بالمباركفوري المتوفى سنة 1253 هـ (2) وهو أوسع شروح الترمذي المطبوعة حاليًا، حيث يقع في عشرة مجلدات، مع مقدمة ضافية، تقع في جزءين في مجلد، وهو شرح بالقول (3).

وقد ضمن مقدمته ما يلى:

* الباب الأول: فيما يتعلق بعلم الحديث وكُتبِه وأهلِه عمومًا، وفيه (41) فصلًا، استغرقت 336 صحيفة.

* والباب الثاني: في فوائد خاصة متعلقة بالترمذي وجامعه، وضمنها (17) فصلًا تناول فيها ترجمة الترمذي والتعريف بجامعه من مختلف جوانبه، ومن أهم ما تناوله فيها: تسميته، ومكانته بين الكتب الستة، ومميزاته، وشرط الترمذي فيه، وأهم اصطلاحاته في بيان درجة أحاديثه، وأحوال الرواة، وأقوال العلماء وآراء الفقهاء وبيان المكرر فيه من الأبواب والأحاديث، وسياق رجاله على ترتيب كتب الرجال، وقد استغرق فيه أزيَد من (150) صفحة (4) ثم عقد فصلًا في اصطلاحاته هو في بعض عباراته في شرحه، ثم أعقب ذلك بخاتمة ذكر فيها عددًا من أخطاء بعض النسخ المطبوعة بالهند وغيرها من جامع الترمذي.

ثم إن الشيخ أبا الفضل عبد السميع المباركفوري ابن أخي المؤلف قد ترجم لعمه، وعرف بشرحه هذا في نهاية تلك المقدمة، وبين مجمل منهج المؤلف في هذا الشرح في (15) مبحثًا (5).

وقد قارنتها بالشرح في مواضع كثيرة، فوجدته قد وفى بها في الجملة، وسيأتي ذكر ما يحتاج إليه. منها عند مقارنة منهج ابن سيد الناس بغيره.

(1) انظر تصريح مؤلفه بالتسمية في الجزء العاشر والأخير / 458.

(2)

انظر مقدمة تحفة الأحوذي 2/ 189 - 215.

(3)

سيأتي توضيح هذا في مبحث منهج ابن سيد الناس ومقارنته بغيره.

(4)

انظر المقدمة ج 2/ 30 - 33.

(5)

انظر المقدمة 2/ 205 - 207.

ص: 84

ومن الجدير بالذكر هنا أني وجدته قد استفاد في هذا الشرح كثيرًا من شرح ابن سيد الناس، وتكملته للحافظ العراقي، لكن كثير منه بواسطة الإمام الشوكاني الذي اطلع على شرح ابن سيد الناس، وعلى الجلد الأول من تكملة العراقي، وقد نقل عنهما في كتابه (نيل الأوطار) وفي شرح كتاب العلل الذي في آخر الجامع نقل المباركفوري عن ابن سيد الناس مرتين، ويبدو أنهما بواسطة الحافظ العراقي فيما نقله في نكته على ابن الصلاح من شرح ابن سيد الناس (1).

وهناك نقول عزاها للحافظ العراقي في شرح الترمذي مباشرة (2).

ونقول عزاها إلى ابن سيد الناس مباشرة (3).

ومن هذا كله يظهر لنا أن ما شرحه ابن سيد الناس يأخذ مكانة بارزة بين شرح من سبقه وشرح من لحقه إلى وقتنا هذا، وأنه قد اعتمد عليه مباشرة وبالواسطة من تصدي لشرح الترمذي بعده، كما اعتمد عليه غير شراح الترمذي، كما سيأتي، في بيان أثره، وهذا مما يؤكد مكانته العلمية، وأهمية إخراجه إلى عالم الطباعة والنشر، لتعميم الفائدة به إن شاء الله.

وهم في ذكر مختصر لشرح ابن سيد الناس:

ذكر بروكلمان أن محمد بن عقيل البالسي المتوفى سنة 729 هـ قد اختصر شرح الترمذي لابن سيد الناس (4).

وبمراجعة ترجمة البالسي هذا في عدة مصادر، لم أجد ذكرًا لهذا الكتاب ضمن مؤلفاته، وإنما وجدت أنه اختصر جامع الترمذي نفسه فقط (5) وهكذا

(1) انظر تحفة الأحوذي 10/ 520.

(2)

مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 338.

(3)

مقدمة التحفة 1/ 356.

(4)

تاريخ الأدب العربي 3/ 191 ترجمة د. عبد الحليم النجار.

(5)

الدرر الكامنة 4/ 169 والطبقات الكبرى لتاج الدين ابن السبكي 9/ 252، وشذرات الذهب 6/ 91.

ص: 85