الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن حجر: ثم أحضره -يعني والده- في الرابعة على شمس الدين المقدسي (1).
وبعد مرحلة الإِحضار هذه، تأتي مرحلة السماع، وهي التي تكون من سن الخامسة على عادة المحدثين (2) وقد استمرت عناية والده به فيها أيضًا، حتى إنه كان يتولى بنفسه القراءة على المحدث، ويسمع ابنه بقراءته، فقد روى بذلك المؤلف بعض مسموعاته فقال: أخبرنا أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي الحراني رحمه الله بقراءة والدي رحمه الله عليه وأنا أسمع سنة 676 هـ قال: أخبرنا أبو علي
…
إلخ (3).
ويلاحظ أن تاريخ سماعه المذكور في بداية سن السماع، وبعد حضوره مجلس المقدسي المتقدم، بعام واحد، وفي سنة 677 هـ سمع "الشفاء" للقاضي عياض بقراءة والده على ابن رشيق بمصر" (4).
وقد أخرج في شرحه لجامع الترمذي بعض مروياته بقراءة والده وهو يسمع على الشيخ أبي الفضل الموصلي، قال: أنا ابن طَبْرَزْد (5)، وسمع الغيلانيات أيضًا بقراءة والده على الشيخ المذكور (6) وسمع صحيح البخاري كذلك بقراءة والده على الشيخ عبد العزيز الحرَّاني (7).
7 - طلبه للحديث ورحلته فيه:
بعد أن اجتاز ابن سيد الناس بعناية والده مرحلة الاستجازة والإِحضار، وطرفًا من السماع، كما تقدم، ووصل إِلى سن الطلب بنفسه للحديث، واصل
(1) الدرر الكامنة 4/ 335.
(2)
تدريب الراوي 2/ 5، 6.
(3)
انظر الوافي بالوفيات 1/ 308، 309.
(4)
عيون الأثر في فنون المغازي والسير للمؤلف 2/ 347.
(5)
الشرح / ق 22 أ، ب.
(6)
عيون الأثر 2/ 346.
(7)
المصدر السابق 2/ 342.
السماع من الشيوخ والكتابة عنهم بنفسه، والقراءة عليهم، وقد حدد هو تاريخ الشروع في ذلك فقال: ثم في سنة 85 - يعني وستمائة- كتبت الحديث عن شيخنا الإمام قطب الدين أبي بكر محمد بن أحمد القسطلاني رحمه الله (1) بخطي، وقرأت عليه بلفظي وعلى الشيوخ من أصحاب المسنِد أبي حفص بن طَبْرزَد (2) والعلامة أبي اليُمْن الكندي والقاضي أبي القاسم الحرستاني، والصوفي أبي عبد الله بن البنا، وغيرهم، بمصر، والإسكندرية والشام والحجاز، وغير ذلك (3).
وقال الحافظ ابن حجر: وسمع على القطب القسطلاني، والعز الحراني، وابن الأنماطي (4) وغازي -يعني الحلاوي- وابن الخيمي، وشامية بنت البكري، ثم قال: وطلب بنفسه وكتب بخطه، وأكثر عن أصحاب الكندي، وابن طبرزد (5).
وقال الصفدي: وسمع بمصر من العز عبد العزيز بن الصيقل، وغازي الحلاوي، وابن خطيب المزة، والصفي خليل، وتلك الطبقة، وتنزل في الأخذ من أصحاب سبط السلفي، ثم إلى أصحاب الرشيد العطار (6).
أقول ومن تمام طلب الحديث أن يأخذ العالي والنازل من الأسانيد، وهكذا فعل المؤلف بتنزله هذا، مع توفر الأسانيد العوالي لديه منذ سنة ولادته كما تقدم.
أما رحلته في طلب الحديث فيشير إليها قوله السابق: إنه قرأ بلفظه على الشيوخ الذين أشار إليهم، بالاسكندرية والشام والحجاز، وغير ذلك، فهذا يدل على رحلته إلى تلك البلاد في طلب الحديث، كما أن تحديده بداية شروعه
(1) سيأتي التعريف به في التعليق على المقدمة الأولى للشارح / ق 3 ب مع التعليق.
(2)
ومن أصحابه: شيخُه أبو الفضل الموصلي السابق ذكر سماعه منه بقراءة والده.
(3)
الوافي بالوفيات 1/ 309.
(4)
وقد أثبت سماعه عليه قطعة من صحيح مسلم./ عيون الأثر للمؤلف 2/ 343.
(5)
الدرر الكامنة 4/ 330، 331.
(6)
الوافي 1/ 290.
في الطلب بنفسه بسنة 685 هـ كما تقدم، يفيد أن رحلاته بدأت من تلك السنة فما بعدها.
وقد قرر الصفدي ذلك فقال: وفي سنة 85 - يعني وستمائة- كتب الحديث بخطه عن الشيخ قطب الدين بن القسطلاني، وقرأه بلفظه عليه، وعلى أصحاب ابن طَبْرَزْد وأصحاب الكِندي وابن الحرستاني، بمصر والشام والحجاز والإِسكندرية (1).
ولم أجد تحديدًا لتاريخ رحلاته إلى تلك البلاد، غير الشام، حيث قرر المؤلف بنفسه سنة دخوله إلى دمشق، وتفاصيلَ عن تلقيه الحديث بها، فقال: ثم دخلت دمشق في حدود سنة تسعين وستمائة، فألفيت بها الشيخ الإمام، شيخ المشايخ -يعني أحمد بن إبراهيم بن عمر الفاروثي- وقال عنه: كان ممن قرأ القرآن بالحروف -يعني القراءات- وازدحم الناسِ على القراءة عليه، والفوز بما لديه، وطلب الحديث قديمًا، ولم يزل لذلك مديمًا وللسنة النبوية خديمًا حتى لقد سمعت بقراءته بدمشق على ابن مؤمن، وابن الواسطي، قطعة كبير من المعجم الكبير، لأبي القاسم الطبراني وربما قرأت عليه وعلى ابن الواسطي شيئًا مما اشتركا فيه من الروايات العراقيات عن عمر بن كرم، والسهروردي، وأمثالهما، ثم قال: ناولته يومًا استدعاء -يعني طلب- إجازة ليكتب عليه فكتب مرتَجلًا .... وذكر نظم الإجازة في ثلاثة أبيات، ثم أرخ وفاة الفاروثي هذا في مستهل ذي الحجة سنة 694 هـ بواسطة القصب من أرض العراق (2).
أقول: وتأريخه دخول دمشق هذا بقوله: في حدود سنة 695 هـ يشير إلى أن هذا تحديد تقريبي، وقد حدد غيره تحديدًا دقيقًا فذكر الذهبي والصفدي وابن رجب وغيرهم: أن ابن سيد الناس رحل إلى دمشق ليدرك الفخر ابنَ البُخاري ففاته بليلتين، فتألم لذلك (3) وقال ابن حجر: ورحل إلى دمشق،
(1) الوافي 1/ 290.
(2)
ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 85 - 88.
(3)
الدرر الكامنة 4/ 331. الوافي بالوفيات 1/ 290 وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 327 وفوات الوفيات 3/ 288.
فاتفق وصوله عند موت الفخر ابن البخاري فتألم لذلك (1).
وحدد الاسنوي الموضع الذي وصله ابن سيد الناس عند موت ابن البخاري فقال: ورحل إلى الشام سنة 690 هـ ليدرك الفخر بن البخاري، فمات وهو بالكسوة (2) أقول: والكسوة هذه قرية على مشارف دمشق بالنسبة للخارج إلى القاهرة (3) وعندما نراجع تاريخ وفاة ابن البخاري نجده محددًا بضحى يوم الأربعاء 2 ربيع الأخر سنة 690 هـ (4).
ومقتضى هذا أن ابن سيد الناس وصل الكسوة المشار إليها آنفًا في هذا التاريخ ووصل منها إلى دمشق بعد يومين أي في 4 أو 5 ربيع الآخر سنة 690 هـ.
وهذا يُشكِلُ عليه ما ذكره الذهبي وغيره من أن الفاروثي الذي وجده ابن سيد الناس في دمشق، قد دخلها سنة 691 هـ (5) فكيف يلقاه ابن سيد الناس فيها في ربيع الأخر أوما بعده من شهور سنة 690 هـ؟. خاصة وأن عبارة ابن سيد الناس تفيد سبق وجود الفاروثي على دخوله هو، حيث يقول كما تقدم: (ثم دخَلْت دمشق في حدود سنة 690 هـ فألفَيت بها الشيخ
…
إلخ هـ؛ فلا أرى هذا يستقيم، إلا إذا قيل: إن في تحديد تاريخ أي منهما وهمًا أو تجاوزًا.
وعلى كل فإن تألم ابن سيد الناس لعدم ادراك السماع من ابن البخاري؛ لأنه كان متفردًا بالرواية عن شيوخ كثيرة (6) وانتهت إليه الرياسة في الرواية (7)
(1) الدرر 4/ 330.
(2)
طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 510.
(3)
معجم البلدان 7/ 252 بتصرف.
(4)
ذيل ابن رجب على طبقات الحنابلة 2/ 329.
(5)
العبر للذهبي 5/ 381 ط الكويت وذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 86.
(6)
ذيل ابن رجب على طبقات الحنابلة 2/ 329.
(7)
المصدر السابق.
وقال الذهبي (هو آخر من كان في الدنيا بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية رجال ثقات) قال ابن رجب: يريد بالسماع المتصل (1).
ولعل فوقه كان حافزًا للمؤلف على تعويض ذلك بإكثار الأخذ عمن أدركهم غيره، في تلك الرحلة، قال ابن حجر: وأكثر عن الصوري، وابن عساكر وابن المجاور، وغيرهم (2).
وزاد الصفدي على هؤلاء فقال: وأبي إسحاق بن الواسطي، وطبقتهم (3). وقال ابن كثير: ودخل دمشق سنة 90 هـ -يعني وستمائة- فسمع من الكِنْدي وغيره (4). وقال ابن قاضي شُبهة: وسمع الكثير من الجم الغفير (5).
وبتلك الرحلات والأخذ فيها عمن أدركهم من عيون المحدثين والمسندين، ازدادت حصيلته من الرواية والدراية، وتوافرت له الأسانيد العالية والنازلة.
وقد سأل ابن أيبك مسائل لابن سيد الناس عن أحفظ من لقيه، فجمع له من ذلك عددًا غير قليل، كما سيأتي ذكره في مؤلفاته (6).
ثم إنه لم يكتف بذلك، بل اجتهد في تحصيل إجازات المحدثين، خاصة من أهل البلاد التي لم يُعرَف له رحلة إليها، كما أشار إلى ذلك، حيث قال: وأجاز لي جماعة من الرواة بالحجاز والعراق والشام، وإفريقية والأندلس، وغيرها
(1) المصدر السابق.
(2)
الدرر الكامنة 4/ 331، وانظر بعض مروياته عن الصوري وغيره فمن أثبت أخذه عنهم بدمشق وضواحيها وذلك في كتابه عيون الأثر 2/ 342 - 346.
(3)
الوافي 1/ 290.
(4)
البداية والنهاية 14/ 147.
(5)
طبقات الشافعية 2/ 390.
(6)
وانظر ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 77، 83، 86، 90، 94.