الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب: قَوْلِ الْمُحَدِّثِ: حَدَّثَنَا، وأَخْبَرَنَا، وَأَنْبَأَنَا
وَقَالَ لنَا الْحُمَيْدِيُّ: كانَ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنهَ حَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَأنْبَأَنَا، وَسَمِعْتُ وَاحِدًا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ. وَقَالَ شَقِيق، عَنْ عَبْدِ الله سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَلِمَةً. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فيمَا يَرْوِي عَنْ رَبهِ عز وجل. وَقَالَ أَنَسٌ: عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبهِ عز وجل. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبكُمْ عز وجل.
قَوْلُهُ: (باب: قول المحدث: حَدَّثَنَا وأَخْبَرَنَا وَأَنبَأَنَا) قَالَ ابن رُشَيد: أشار بِهذه الترجمة إلَى أنه بنى كتابه عَلى المسندات المرويات عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قُلْت: ومراده: هل هذه الألفاظ بمعنى واحد أم لا؟ وإيراده قول ابن عُيَيْنَة دون غيره دال عَلى أنه مُختاره.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ الحميدي) في رواية كَريمة والأصيلي: "وَقَالَ لنا الحميدي"، وكذا ذكر أبو نُعيم في "المستخرج"، فهو متصل، وسقط من رواية كَريمة.
قوْلُهُ: (وَأَنْبَأَنَا) وفِي رواية الأصيلي قوْلُهُ: "وأنا"، وثبت الجميع في رواية أبي ذر.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابن مسعود) هذا التعليق طرف من الحديث المشهور في خلق الجنين، وقد وصله المؤلف في كتاب القدر (1)، ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالَى.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ شقيق) هو أبو وائل.
(عن عبد الله) هو ابن مسعود، وسيأتي موصولًا أيضًا حيث ذكره المصنف في كتاب الجنائز (2)، . . . . .
(1)"صحيح البُخَاريّ"(كتاب القدر، باب: في القدر) برقم (6594)، وهو موصول أيضًا في (3208، 3332، 7454).
(2)
"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الجنائِز ومن كَانَ آخر كلامه لا إله إلا الله) برقم (1238) وليس فيه لفظة: "سمعت" التِي هِي محل الشاهد، وهو أيضًا بدونها =
ويأتي أيضًا حديث حذيفة في كتاب الرقاق (1).
ومراده من هذه التعاليق: أن الصحابي قَالَ تارة: حَدَّثَنَا، وتارة: سمعتُ، فدل عَلى أنهم لَم يفرقوا بين الصيغ.
وأما أحاديث ابن عباس، وأنس، وأبي هُرَيْرَةَ في رواية النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن ربه فقد وصلها في كتاب التوحيد (2)، وأراد بذكرها هنا: التنبيه عَلى العنعنة، وأن حكمها الوصل عند ثبوت اللقي، وأشار عَلى ما ذكره ابن رُشَيْد إلَى أن رواية النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنَّما هِيَ عن ربه سواء أصرح الصحابي بذلك أم لا، ويدل عليه حديث ابن عباس المذكور فإنه لَم يقل فيه في بعض المواضع:"عن ربه"(3).
* تنبيه:
أبو العالية المذكور هُنَا هو الرياحي بالياء الأخيرة، واسمه: رُفَيْع -بضم الراء-، ومن زعم أنه البَرَاء بالراء المثقلة فقد وَهِمَ، فإن الحديث المذكور معروف برواية الرِّيَاحي دونه.
فإن قيل: فمن أين تظهر مناسبة حديث ابن عمر للترجمة، ومحصل الترجمة التسوية بين صيغ الأداء الصريحة وليس ذلكَ بظاهر في الحديث المذكور؟ [116/ ب]
فالجواب: أن ذَلِكَ يُستفاد من اختلاف ألفاظ الحديث المذكور، ويظهر ذلكَ إِذا جمعت طرقه، فإن لفظ رواية عبد الله بن دينار المذكورة في الباب:"فحدثوني ما هِيَ؟ "،
= في (4497، 6683).
وهي في الرواية الَّتِي أخرجها "مُسْلِم" في "صحيحه"(كتاب الإيمان، باب: من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة. . .) برقم (92)، وأَحْمَد في "مسنده"(1/ 374، 425).
(1)
"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الرقاق، باب: رفع الأمانة) برقم (6497)، وهو أيضًا في (7086، 7276).
(2)
"صحيح البُخَاريّ"(كتاب التوحيد، باب: ذكر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وروايته) برقم (7536، 7537، 7539).
(3)
كما في "صحيح البُخَاريّ"(كتاب أحاديث الأنبياء، قول الله تعالَى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)}) برقم (3396)، وأيضًا في (3413، 4630).
وفِي رواية نافع عند المؤلف في التفسير (1): "أَخبروني"، وفِي روايته عند الإسماعيلي:"أنبئوني"، وفِي رواية مالك عند المصنف في باب الحياء في العلم:"حدثوني ما هِيَ؟ "، وَقَالَ فيها:"فقالوا: أخْبرنَا بها"(2).
فدل ذَلِكَ عَلى أن التحديث والإخبار والإنباء عندهم سواء، وهذا لا خلاف فيه عند أهل العلم بالنسبة إلَى اللغة، ومن أصرح الأدلة فيه قَوْله تعَالَى:{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)} [الزلزلة: 4]. وقوله تعالَى: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)} [فاطر: 14].
* وأما بالنسبة إلَى الاصطلاح ففيه الخلاف:
فمنهم: من استمر عَلى أصل اللغة، وهذا رأي الزهري، ومالك، وابن عُيَيْنَة، ويَحْيَى القَطَان، وأكثر الحجازيين والكوفيين، وعليه استمر عمل المغاربة، ورجحه ابن الحاجب في مُختصره، ونُقل عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة.
ومنهم: من رأى إطلاق ذَلِكَ حيث يقرأ الشيخ من لفظه، وتقييده حيث يُقرأ عليه، وهو مذهب إسحاق بن رَاهَوَيْه، والنسائي، وابن حِبَّان، وابن مَنْدَه، وغيرهم.
ومنهم: من رأى التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل، فيخصون التحديث بما يلفظ به الشيخ، والإخبار بما يُقرأ عليه، وهذا مذهب ابن جُرَيْج، والأوزاعي، والشافعي، وابن وهب، وجمهور أهل المشرق.
ثُمَّ أحدث أتباعهم تفصيلًا آخر، فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فَقَالَ: حَدَّثَنِي، ومن سمع مع غيره جمع، ومن قرأ بنفسه عَلى الشيخ أفرد فَقَالَ: أخْبَرَنِي، ومن سمع بقراءة غيره جمع، وكذا خصصوا الإنباء بالإجازة الَّتِي يشافه بِها الشيخ من يُجيزه.
وكل هذا مُستحسن وليس بواجب عندهم، وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل، وظن بعضهم أن ذلِكَ عَلى سبيل الوجوب فتكلفوا في الاحتجاج له وعليه بما لا طائل تَحته.
(1)"صحيح البُخَاريّ"(كتاب التفسير، سورة إبراهيم، باب: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}) برقم (4698).
(2)
"صحيح البُخَاريّ"(كتاب العلم، باب: الحياء في العلم) برقم (131).
نعم؛ يَحتاج المتأخرون إلى مراعاة الاصطلاح المذكور لئلا يَختلط المسموع بالمجاز، وبعد تقرير الاصطلاح لا يحمل ما يرد من ألفاظ [117/أ] المتأخرين عَلى محمل واحد بِخلاف المتقدمين.
61 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُط وَرَقُهَا، وَإِنّهَا مِثْلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ ". فَوَقَعَ النَّاسُ في شَجَرِ الْبَوَادِي. قَالَ عَبْدُ الله: وَوَقَعَ في نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ. ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:"هِيَ النَّخْلَةُ".
قَوْلُهُ: (إن من الشجر شَجرة) زاد في رواية مُجاهد عند المصنف في باب الفهم في العلم قَالَ: "صحبت ابن عمر إلَى المدينة، فَقَالَ: كنا عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأتي بجُمَّار (1) فَقالَ: إن من الشجر"(2). وله عنه في البيوع: "كنت عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جُمَّارًا"(3).
قَوْلُهُ: (لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم) كذا في رواية أبي ذر بكسر ميم "مِثْل" وإسكان المثلثة، وفِي رواية الأصِيلي وكَرِيمة بفتحهما، وهُما بِمعنى.
قَالَ الجَوْهري: مِثْله ومَثَله كلمة تسوية كما يقال: شِبْهه وشَبَهه بِمعنى. قَالَ: والمَثَل بالتحريك أيضًا: ما يضرب من الأمثال. انتهى.
ووجه الشبه بين النخلة والمسلم من جهة عدم سقوط الورق ما رَوَاهُ الحارث بن أبي أسامة في هذا الحديث من وجه آخر عن ابن عمر ولفظه: "قَالَ: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فَقَالَ: "إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لَها أنملة أتدرون ما هِيَ؟ " قالوا: لا، قَالَ: "هِيَ النخلة لا تسقط لَها أنملة ولا يسقط له دعوة" (4).
ووقع عند المصنف في الأطعمة من طريق الأعمش قَالَ: حَدَّثَنِي مُجاهد، عن ابن عمر قَالَ:"بينا نَحن عند النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إذ أتي بِجُمَّار فَقَالَ: إن من الشجرة لما بركته كبركة المسلم"(5)، وهذا أعم من الَّذِي قبله.
وبركة النخلة موجودة في جَميع أجزائها، مستمرة في جَميع أحوالِها، فمن حين
(1) الجُمَّار: شحم النخل.
(2)
"صحيح البخاري"(كتاب العلم، باب: الفهم في العلم) برقم (72).
(3)
"صحيح البخاري"(كتاب البيوع، باب: بيع الجمار وأكله) برقم (2209).
(4)
"زوائد مسند الحارث" للهيثمي (2/ 965).
(5)
"صحيح البخاري"(كتاب الأطعمة، باب: أكل الجمار) برقم (5444)، وفِيه:"بجمار نَخلة".
تطلع إلَى أن تيبس تؤكل أنواعًا، ثُمَّ بعد ذَلِكَ ينتفع بجميع أجزائها، حَتَّى النوى في علف الدواب، والليف في الحبال، وغير ذلِكَ مما لا يخفى، وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال، ونفعه مستمر له ولغيره.
ووقع عند المصنف في التفسير من طريق نافع، عن ابن عمر قَالَ:"كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا؟ " (1).
كذا ذكر النفي ثلاث مرات عَلى طريق الاكتفاء، فقيل في تفسيره: ولا ينقطع ثَمرها، ولا يعدم فيؤها، ولا يبطل نفعها.
ووقع في رواية مُسْلِم (2) ذكر النفي مرة واحدة، فظن إبراهيم بن سفيان الراوي عنه أنه [117/ ب] متعلق بما بعده وهو قَوْلُهُ:"تؤتي أكلها"، فاستشكله وَقَالَ: لعل "لا" زائدة، ولعله:"وتؤتي أكلها". وليس كما ظن بل معمول النفي محذوف عَلى سبيل الاكتفاء كما بيناه، وقوله:"تؤتي" ابتداء كلام عَلى سبيل التفسير.
ووقع عند الإسماعيلي بتقديم: "تؤتي أكلها كل حين" عَلى قَوْله: "لا يتحات ورقها" فسلم من الإشكال.
قَوْلُهُ: (فوقع الناس) أي: ذهبت أفكارهم في أشجار البادية، فجعل كل منهم يفسرها بنوعٍ من الأنواع، وذَهلوا عن النخلة.
قَوْلُهُ: (قَالَ عبد الله) هو ابن عمر الراوي.
قَوْلُهُ: (ووقع في نفسي) بيَّن أبو عوانة في صحيحه من طريق مُجاهد، عن ابن عمر وجه ذَلِكَ، فَقَالَ:"فظننت أنها النخلة من أجل الجُمَّار الَّذِي أتي به".
وفيه إشارة إلَى أن الْمُلْغَزَ له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال، وأن المُلْغِز ينبغي له ألَّا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للآخر بابًا يدخل منه، بل كلما قربه كَانَ أوقع في نفس سامعه.
(1)"صحيح البُخَاريّ"(كتاب التفسير، سورة إبراهيم، باب: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ. . .}) برقم (4698).
(2)
"صحيح مُسْلِم"(كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب: مثل المؤمن مثل النخلة) برقم (2811).
قَوْلُهُ: (فاستحييت) زاد في رواية مُجاهد: (فأردت أن أقول: هِيَ النخلة، فإذا أنا أصغر القوم"، وله في الأطعمة: (فإذا أنا عاشر عشرة وأنا أحدثهم"، وفِي رواية نافع: "ورأيتُ أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم، فلما قمنا قُلْت لعمر: يا أبتاه"، وفي رواية مالك، عن عبد الله بن دينار عند المؤلف في باب الحياء في العلم قَالَ عبد الله: "فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فَقَالَ: لأن تكون قلتها أحب إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا"، زاد ابن حبان في صحيحه: "أحسبه قَالَ: حمر النعم" (1).
* وفِي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم:
* امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى، مع بيانه لهم إن لَم يفهموه، وأما ما رَوَاهُ أبو داود من حديث معاوية، عن النبِي صلى الله عليه وسلم أنه نَهى عن الأُغْلُوطات، قَالَ الأوزاعي -أحد رواته-:"هِيَ صعاب المسائل"(2). فإن ذَلِكَ مَحمول عَلى ما لا نفع فيه، أو ما خرج عَلى سبيل تعنت السؤال أو تعجيزه.
* وفيه التحريض عَلى الفهم في العلم، وقد بوَّب عليه المؤلف [118/ أ]: بـ"باب: الفهم في العلم".
* وفيه استحباب الحياء ما لَم يؤد إلَى تفويت مصلحة، وإلى هذا تمنى عمر أن يكون ابنه لَم يسكت، وقد بوب عليه المؤلف في العلم (3) وفي الأدب (4).
* وفِيه دليل على بركة النخلة وما تثمره، وقد بوب عليه المصنف أيضًا (5).
* وفيه دليل على أن بيع الجُمَّار جائز؛ لأن كل ما جاز أكله جاز بيعه، ولهذا بوب عليه المؤلف في البيوع (6)، وتعقبه ابن بطال لكونه من المجمع عليه.
(1)"صحيح ابن حبان"(كتاب الإيمان، باب: ما جاء في صفات المؤمنين) برقم (243).
(2)
"سنن أبي داود"(كتاب العلم، باب: التوقي في الفتيا) برقم (3656)، وفيه في تفسير الأوزاعي:"شرار المسائل".
(3)
أي: (باب: الحياء في العلم) من (كتاب العلم) برقم (131).
(4)
أي: (باب: ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين) من (كتاب الأدب) برقم (6122).
(5)
أي: (باب: بركة النخل) من (كتاب الأطعمة) برقم (5448).
(6)
أي: (باب: بيع الجمار وأكله) من (كتاب البيوع) برقم (2209).
وأجيب بأن ذَلِكَ لا يمنع من التنبيه عليه؛ لأنه أورده عقب حديث النهي عن بيع الثمار حَتَى يبدو صلاحها (1)، فكأنه يقول: لعل متخيلًا يتخيل أن هذا من ذاك وليس كذلك.
* وفيه دليل عَلى جواز تَجْمير النخل، وقد بوَّب عليه في الأطعمة (2) لئلا يظن أن ذَلِكَ من باب إضاعة المال، وأورده في تفسير قَوْله تعالَى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً} [إبراهيم: 24](3). إشارة منه إلَى أن المراد بالشجرة: النخلة.
وقد ورد صريحا فيما رَوَاهُ البزار من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قالَ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذه الآية، فَقَالَ:"أتدرونَ ما هِيَ؟ " قَالَ ابن عمر: لَم يخف عليَّ أنها النخلة، فمنعني أن أتكلم مكان سِني، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هِيَ النخلة"(4).
ويُجْمَع بين هذا وبين ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أُتِي بالجُمَّار فشرع في أكله تاليًا للآية قائلًا: " إن من الشجر شجرة" إلَى آخره، ووقع عند ابن حبان من رواية عبد العزيز بن مُسْلِم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَن يُخبرني عن الشجرة مثلها مثل المؤمن: أصلها ثابت وفرعها في السماء"(5). فذكر الحديث، وهو يؤيد رواية البزار.
قَالَ القرطبي: موقع التشبيه بينهما من جهة أن أصل دين المسلم ثابت، وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب، وأنه لا يزال مستورًا بدينه، وأنه يُنتفع بكل ما صدر عنه حيًّا ومَيِّتًا. انتهى
وَقَالَ غيره: والمراد بكون فرع المؤمن في السماء: رفع عمله وقبوله.
روى البزار [118/ ب] أيضًا من طريق سُفْيَان بن حسين، عن أبي بِشر، عن
(1)"صحيح البُخَاريّ"(كتاب البيوع، باب: بيع المخاضرة) برقم (2208).
(2)
لعله يقصد: (باب: أكل الجمار) من (كتاب الأطعمة) برقم (5444).
(3)
"صحيح البُخَاريّ"(كتاب التفسير، سورة إبراهيم، باب: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ. . .}) برقم (4698).
(4)
عزاه الهيثمي للبزار في "مَجمع الزوائد"(كتاب الإيمان، باب: في مثل المؤمن)(1/ 83)، ولكن بلفظ آخر سيأتي.
(5)
"صحيح ابن حبان"(كتاب الإيمان، باب: ما جاء في صفات المؤمنين) برقم (243).
مُجاهد، عن ابن عمر قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن مثل النخلة ما أتاك منها نفعك"(1). هكذا أورده مُختصرا وإسناده صحيح، وقد أفصح بالمقصود بأوجز عبارة.
وأما من زعم أن موقع التشبيه بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إِذَا قطع رأسها ماتت، أو أنها لا تحمل حَتى تلقح، أو لأنها تموت إذا غرقت؛ أو لأن لطلعها رائحة مني الآدمي، أو لأنها تعشق، أو لأنها تشرب من أعلاها، فكلها أوجه ضعيفة؛ لأن جَميع ذَلِكَ من المشابهة مشترك في الآدميين لا يختص بالمسلم.
وأضعف من ذلِكَ قول من زعم أن ذَلِكَ لكونها خُلقت من فضلة طينة آدم، فإن الحديث في ذلِكَ لَم يثبت (2).
* وفيه ضرب الأمثال والأشباه لزيادة الأفهام، وتصوير المعاني لترسخ في الذهن، ولتجديد الفكر في النظر في حكم الحادثة.
* وفيه إشارة إلَى أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره من جَميع وجوهه، فإن المؤمن لا يماثله شيء من الجمادات ولا يعادله.
* وفيه توقير الكبير، وتقديم الصغير أباه في القول، وأنه لا يبادره بما فهمه وإن ظن أنه الصواب.
* وفيه أن العالم الكبير قد يَخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه، لأن العلم مواهب والله يؤتي فضله من يشاء.
واستدل به مالك عَلى أن الخواطر الَّتِي تقع في القلب من مَحبة الثناء عَلى أعمال الخير لا يُقدح فيها إِذا كَانَ أصلها لله وذلك مستفاد من تمني عمر المذكور، ووجه تمني عمر ما طُبع الإنسان عليه من مَحبة الخير لنفسه ولولده، ولتظهر فضيلة الولد في الفهم من صغره وليزداد من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حظوة، ولعله كَانَ يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم.
(1) عزاه الهيثمي للبزار في "مَجمع الزوائد"(كتاب الإيمان، باب: في مثل المؤمن)(1/ 83).
(2)
أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 123)، ولفظه:"أكرموا عمتكم النخلة فإنها خُلقت من فضلة طينة أبيكم آدم. . . .".
وَرَوَاهُ ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" في ترجمة جعفر بن أحْمَد بن علي بن بيان (2/ 156) هو وحديثا آخر، ثئم قَالَ:"وهذان الحديثان موضوعان ولا أشك أن جعفر وضعهما".
* وفيه الإشارة إلَى حقارة الدُّنْيَا في عين عمر؛ لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بحمر النعم مع عظم مقدارها وغلاء ثمنها.
* فائدة:
قَالَ البزار في مسنده: لَم يرو هذا الحديث عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِهذا السياق إلا ابن عمر [119/ أ] وحده، ولَمَّا ذكره التَرمِذيّ قَالَ:"وفِي الباب عن أبي هُرَيْرَةَ"(1) وأشار بذلك إلَى حديث مُختصر لأبي هُرَيْرَةَ أورده عبد بن حُميد من حديث أنس، "أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قرأ:{مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: 24]. قَالَ: "هِيَ النخلة"(2).
تفرد برفعه حَمَّاد بن سلمة، وقد تقدم أن في رواية مُجاهد عن ابن عمر أنه كَانَ عاشر عشرة (3).
فاستفدنا من مَجموع ما ذكرناه أن منهم أبا بكر، وعمر، وابن عمر، وأبا هُرَيْرَةَ، وأنس بن مالك، إن كانا سمعا ما روياه من هذا الحديث في ذَلِكَ المجلس.
(1)"جامع الترمذي"(كتاب الأمثال، باب: ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير القارئ) برقم (2867).
(2)
وأخرجه الترمِذي في "جامعه"(كتاب تفسير القرآن، باب: سورة إبراهيم) برقم (3119)، والنسائي في "السنن الكبرى"(كتاب التفسير، باب: سورة إبراهيم)(6/ 371).
(3)
"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الأطعمة، باب: أكل الجمار) برقم (5444).