الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
21 - باب: رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ، وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ
80 -
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا".
قَوْلُهُ: (باب رفع العلم) مقصود الباب: الحث عَلى تعلُّم العلم، فإنه لا يُرفع إلا بقبض العلماء كما سيأتي صريحًا، ومادام من يتعلم العلم موجودًا لا يحصل الرفع، وقد تبين في حديث الباب أن رفعه من علامات الساعة.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ربيعة) هو ابن أبي عبد الرحمن الفقيه المدني المعروف بربيعة الرأي بإسكان الهمزة، قيل له ذَلِكَ لكثرة اشتغاله بالإجتهاد، ومراد ربيعة: أن من كَانَ فيه فهم وقابلية للعلم لا ينبغي له أن يهمل نفسه فيترك الاشتغال لئلا يؤدي ذَلِكَ إلَى رفع العلم، أو مراده: الحث عَلى نشر العلم في أهله [139 / ب] لئلا يموت العالم قبل ذَلِكَ فيؤدي إلَى رفع العلم، أو مراده: أن يُشْهِر العالم نفسه ويتصدى للأخذ عنه لئلا يضيع علمه.
وقيل: مراده تعظيم العلم وتوقيره، فلا يهين نفسه بأن يجعله غرضًا للدنيا.
وهذا معنى حسن، لكن اللائق بتبويب المصنف ما تقدم.
وقد وصل أثر ربيعة المذكور الخطيب في الجامع (1)، والبيهقي في المدخل من طريق عبد العزيز الأُوَيْسي عن مالك عن ربيعة.
قَوْلُهُ: (عبد الوارث) هو ابن سعيد، عن أبي التَّياح بمثناة مفتوحة فوقانية بعدها تحتانية ثقيلة وآخره حاء مهملة كما تقدم.
(1) أخرجه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(مبلغ السن الَّذِي يستحسن التحديث معه)(1/ 326).
قَوْلُهُ: (عن أنس) زاد الأصيلي وأبو ذر: "ابن مالك"، وللنسائي:"حَدَّثَنَا أنس"(1)، ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون، وكذا الَّذِي بعده.
قَوْلُهُ: (أشراط الساعة) أي: علاماتها كما تقدم في الإيمان.
قَوْلُهُ: (أن يرفع العلم) هو في محل نصب؛ لأنه اسم أن، وسقطت "أن" من رواية النّسَائي (2)، حيث أخرجه عن عمران شيخ البُخَاريّ، فعلى روايته يكون مرفوع المحل، والمراد برفعه: موت حملته كما تقدم.
قَوْلُهُ: (ويثبت) هو بفتح أوله وسكون المثلثة وضم الموحدة وفتح المثناة، وفِي رواية لمسلم:"ويُبَث"(3) بضم أوله وفتح الموحدة بعدها مثلثة، أي: ينتشر، وغفل الكرماني فعزاها للبخاري، وإنّما حكاها النووي في الشرح لمسلم.
قَالَ الكرماني في رواية: "وينبت" بالنون بدل المثلثة من النبات.
قُلْت: وليست هذه في شيء من الصحيحين (4).
قوْلُهُ: (وتُشْرب الخمر) هو بضم المثناة أوله وفتح الموحدة عَلى العطف، والمراد: كثرة ذَلِكَ واشتهاره، وعند المصنف في النكاح من طريق هشام، عن قتادة:"ويكثر شرب الخمر"(5)، أو العلامة مَجموع ما ذُكر.
قَوْلُهُ: (ويظهر الزنا) أي: يفشو، كما في رواية لمسلم.
(1)"سنن النّسَائي الكبرى"(كتاب العلم، باب: قَوْله -جل ثناؤه-: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. . .} رفع العلم وظهور الجهل)(3/ 455).
(2)
في المطبوع من "سنن النّسَائي الكبرى" بثبوت "أن"، فالله أعلم.
(3)
أخرجه مُسْلِم في "صحيحه"(كتاب العلم، باب: رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان) برقم (2671)، ولكن فيه "ويثبت"، وهذه اللفظة كما قَالَ الحافظ حكاها النووي عن بعض نسخ "صحيح مُسْلِم".
(4)
كذا العبارة هنا، وفِي "الفتح":"قَالَ الكرماني: وفِي رواية: "وينبت" بالنون بدل المثلثة من الإنبات، وحكى ابن رجب عن بعضهم: "وينث" بنون ومثلثة، من النث وهو الإشاعة.
قُلْت: وليست هذه في شيء من الصحيحين، انتهى. فالله أعلم.
(5)
"صحيح البُخَاريّ"(كتاب النكاح، باب: يقل الرجال ويكثر النساء) برقم (5231).
81 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُوُل:"مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَة الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ".
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا يَحيى) هو ابن سعيد القَطَّان.
قَوْلُهُ: (عن أنس) زاد الأصيلي: "ابن مالك".
قَوْلُهُ: (لأحدثنكم) بفتح اللام، وهو جواب قسم لمحذوف؛ أي: والله لأحدثنكم، وصرح به أبو عوانة من طريق هشام عن قتادة، ولمسلم من رواية غُنْدر عن شُعبة:"ألا أحدثكم"، ويحتمل أن يكون قَالَ لهم أولًا: ألا أحدثكم [140 / أ] فقالوا: نعم، فَقَالَ: لأحدثنكم.
قَوْلُهُ: (لا يُحدثكم أحد بعدي) كذا له، ولمسلم (1) بحذف المفعول، ولابن ماجه (2) من رواية غُنْدر عن شُعبة:"لا يحدثكم به أحد بعدي"، وللمصنف (3) من طريق هشام:"لا يحدثكم به غيري"، ولأبي عوانة من هذا الوجه:"لا يحدثكم أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدي".
وعرف أنس أنه لَم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره؛ ولأنه كَانَ آخر من مات بالبصرة من الصحابة، فلعل الخطاب بذلك كَانَ لأهل البصرة، أو كَانَ عامًّا، وَكَانَ تحديثه بذلك في آخر عمره؛ لأنه لَم يبق بعده من الصحابة من ثبت سماعه من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلا النادر ممن لَم يكن هذا المتن في مرويه.
(1)"صحيح مسلِم"(كتاب العلم، باب: رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان) برقم (2671).
(2)
"سنن ابن ماجه"(كتاب الفتن، باب: أشراط الساعة) برقم (4045).
(3)
"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الأشربة، باب: قول الله تعالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}) برقم (5577).
وَقَالَ ابن بَطال: يحتمل أنه قَالَ ذَلِكَ لما رأى من التغير ونقص العلم، يعني: فاقتضى ذَلِكَ عنده لفساد الحال لا يحدثهم أحد بالحق، قُلْت: والأول أولَى.
قَوْلُهُ: (سمعت) هو بيان، أو بدل لقوله:"لأحدثنكم".
قَوْلُهُ: (أن يقل العلم) هو بكسر القاف من القلة، وفِي رواية مُسْلِم (1)، عن غُنْدر وغيره عن شُعبة:"أن يرفع العلم"، وكذا في رواية سعيد عند ابن أبي شيبة (2)، وهَمَّام عند المصنف في الحدود (3)، وهشام عنده في النكاح (4)، كلهم عن قتادة، وهو موافق لرواية أبي التَّيَّاح.
وللمصنف أيضًا في الأشربة (5) من طريق هشام: "أن يقل"، فيحتمل أن يكون المراد بقلته أول العلامة، وبرفعه آخرها، أو أطلقت القلة وأريد بِها العدم، كما يطلق العدم ويراد به القلة، وهذا أليق لاتحاد المخرج.
قَوْلُهُ: (وتكثر النساء) قيل: سببه أن الفتن تكثر فيكثر القتل في الرجال؛ لأنهم أهل الحرب دون النساء، وَقَالَ أبو عبد الملك: هو إشارة إلَى كثرة الفتوح فتكثر السبايا فيتخذ الرجل الواحد عدة موطوءات.
قُلْت: وفيه نظر؛ لأنه صرح بالعلة في حديث أبي موسى الآتي في الزكاة عند المصنف فَقَالَ: "من قلة الرجال وكثرة النساء"(6).
والظاهر: أنها علامة محضة لا لسبب آخر، بل يُقَدِّر الله في آخر الزمان أن يقل من
(1)"صحيح مُسْلِم"(كتاب العلم، باب: رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان) برقم (2671).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(كتاب الفتن، باب: من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنها)(7/ 466) برقم (37280)، وفيه عن شعبة.
وفِي "صحيحِ مُسْلِم" من طريق ابن أبي شيبة، عن سعيد بن أبي عروبة، فالله أعلم.
(3)
"صحيح البُخاري"(كتاب الحدود، باب: إثم الزناة) برقم (6808).
(4)
"صحيح البُخَاري"(كتاب النكاح، باب: يقل الرجال ويكثر النساء) برقم (5231).
(5)
"صحيح البُخَاري"(كتاب الأشربة، باب: قول الله تعالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)}) برقم (5577) وفيه: "ويقل".
(6)
"صحيح البخاري"(كتاب الزكاة، باب: الصدقة قبل الرد) برقم (1414).
يولد من الذكور ويكثر من يولد من الإناث، وكون كثرة النساء من العلامات مناسب لظهور الجهل ورفع العلم.
وقوله: (لخمسين) يحتمل أن يراد به حقيقة هذا العدد، أو يكون مَجازًا عن الكثرة، ويؤيده أن في حديث أبي موسى:"وترى الرجل الواحد تتبعه أربعون امرأة"(1).
قَوْلهُ: (القيم) أي: من يقوم بأمرهن، واللام للعهد إشعارًا بما هو معهود من كون الرجال قوامين عَلى النساء.
وكأن هذه الأمور الخمسة خُصت بالذكر لكونها مشعرة باختلال الأمور الَّتِي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد: وهي: الدين؛ لأن رفع العلم يخل به، والعقل؛ لأن شرب الخمر يخل به، والنسب؛ لأن الزنا يخل به، والنفس والمال؛ لأن كثرة الفتن تخل بِهما.
قَالَ الكرماني: وإنَّما كَانَ اختلال هذه الأمور مؤذنًا بخراب العالم؛ لأن الخلق لا يُتركون هَملًا، ولا نبي بعد نبينا، فيتعين ذَلِكَ.
وَقَالَ القرطبي: في هذا الحديث عَلَمٌ من أعلام النبوة؛ إذ أخبر عن أمور ستقع فوقعت خصوصًا في هذه الأزمان، والله المستعان.
(1) أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب الزكاة، باب: الصدقة قبل الرد) برقم (1414).