المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌18 - باب: متى يصح سماع الصغير - النكت على صحيح البخاري - جـ ٢

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌37 - بَابُ: سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ وَالإِحْسَانِ وَعِلْمِ السَّاعَةِ

- ‌38 - بَابٌ

- ‌39 - بَابُ: فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ

- ‌40 - بَابٌ: أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌41 - باب: مَا جَاءَ إِنَّ الأَعْمَالَ بالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى

- ‌42 - باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ لله وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}

- ‌3 - كتاب العلم

- ‌1 - باب: فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌2 - باب: مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ في حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ

- ‌3 - باب: مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بالْعِلْمِ

- ‌4 - باب: قَوْلِ الْمُحَدِّثِ: حَدَّثَنَا، وأَخْبَرَنَا، وَأَنْبَأَنَا

- ‌5 - بابُ: طَرْحِ الإمَام الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ

- ‌6 - بابُ: مَاجَاءَ في الْعِلْمِ

- ‌7 - بَابُ: مَا يُذْكَرُ في الْمُنَاوَلَةِ وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بالْعِلْمِ إِلى الْبُلْدَانِ

- ‌8 - بَابُ: مَنْ قَعَدَ حَيْثُ يَنْتَهِي بهِ الْمَجْلِسُ وَمَنْ رَأَى فُرْجَةً في الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا

- ‌9 - باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ

- ‌10 - بَابُ: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ

- ‌11 - باب: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُهُمْ بالْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ كَيْ لَا يَنْفِرُوا

- ‌12 - باب: مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ الْعِلْمِ يَوْمًا مَعْلُومًا

- ‌13 - باب: مَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ

- ‌14 - باب: الْفَهْمِ في الْعِلْمِ

- ‌15 - باب: الاغْتِبَاط في الْعِلْمِ وَالْحِكمَةِ وَقَالَ عُمَرُ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا

- ‌16 - باب: مَا ذُكِرَ في ذَهَابِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم في الْبَحْرِ إِلَى الْخَضِرِ

- ‌17 - باب: قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ

- ‌18 - باب: مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ

- ‌19 - باب: الْخُرُوجِ في طَلَبِ الْعِلْمِ، وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ في حَدِيثٍ وَاحِدٍ

- ‌20 - باب: فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ

- ‌21 - باب: رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ، وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ

- ‌22 - باب: فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌23 - باب: الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا

- ‌24 - باب: مَنْ أَجَابَ الْفُتْيَا بإِشَارَةِ الْيَدِ وَالرَّأْسِ

- ‌25 - باب: تَحْرِيضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإيمَانَ وَالْعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ

- ‌26 - باب: الرِّحْلَةِ في الْمَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ

- ‌27 - باب: التَّنَاوُبِ في الْعِلْمِ

- ‌28 - باب: الْغَضَبِ في الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ

- ‌29 - باب: مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوِ الْمُحَدِّثِ

- ‌30 - باب: مَنْ أَعَادَ الْحَدِيْثَ ثَلَاثًا لِيُفْهَمَ

- ‌31 - باب: تَعلِيمِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ

- ‌32 - باب: عِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ وَتَعلِيمِهِنَّ

- ‌33 - باب: الْحِرْصِ عَلَى الْحَدِيثِ

- ‌34 - باب: كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ

- ‌35 - باب: هَلْ يَجْعَلُ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا عَلَى حِدَةٍ في العِلْمِ

- ‌36 - باب: مَنْ سَمِعَ شَيْئًا، فَرَاجَعَهُ حَتَّى يَعْرِفَهُ

- ‌37 - باب: لِيُبَلِّغِ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائبَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌38 - باب: إِثمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌39 - باب: كِتَابَةِ الْعِلْمِ

- ‌40 - باب: الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ باللَّيْلِ

- ‌41 - باب: السَّمَرِ بالْعِلْمِ

- ‌42 - باب: حِفْظِ الْعِلْمِ

الفصل: ‌18 - باب: متى يصح سماع الصغير

‌18 - باب: مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ

76 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، فَدَخَلْتُ في الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيَّ.

قَوْلُهُ: (باب متى يصح سماع الصغير) زاد الكُشْمَيهني: "الصبي الصغير"، ومقصود الباب: الاستدلال عَلى أن البلوغ ليس شرطًا في التحمُّل، وَقَالَ الكِرْماني: إن معنى الصحة هُنا: جواز قبول مسموعه.

قُلْت: وهذا تفسير لثمرة الصحة لا لنفس الصحة.

وأشار المصنف بهذا إلَى اختلاف وقع بين أَحْمَد بن حنبل، ويَحيى بن معين رَوَاهُ الخطيب في "الكِفَاية" عن عبد الله بن أَحْمَد وغيره، أن يحيى قَالَ:"أقلُّ سن التحمل خَمس عشرة سنةً؛ لكون ابن عمر رُدَّ يوم أُحد إذ لَم يبلغها، فبلغ ذَلِكَ أَحْمَد فَقَالَ: بل إِذَا عقل ما يسمع؛ وإنما قصة ابن عمر في القتال"(1)، ثمَّ أورد الخطيب أشياء مما حفظها جمع من الصحابة ومن بعدهم في الصغر وحدثوا بِها بعد ذَلِكَ وقُبلت عنهم وهذا هو المعتمد.

وما قاله ابن معين إن أراد به تحديد ابتداء الطلب بنفسه فمُوَجَّه، وإن أراد به رد حديث من سمع اتفاقًا أو اعتُني به فسمع وهو صغير فلا، وقد نقل ابن عبد البر الاتفاق عَلى قبول هذا، وفيه دليل [135 / أ] عَلى أن مراد ابن معين الأول.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إسماعيل) هو ابن أبي أُوَيْس، وقد ثبت ذَلِكَ في رواية كَرِيمة.

(1) أخرج هذه الرواية بِمعناها الخطيب في "الكفاية"(باب: ما جاء في صحة سماع الصغير)(ص 62، 63).

ص: 131

قَوْلُهُ (عَلى حِمار) هو اسم جنس، يشمل الذكر والأنثى، كما يطلق عَلى بعير، وقد شذ "حمارة" في الأنثى حكاه في الصحاح، و"أتان" بفتح الهمزة، وشذ كسرها كما حكاه الصغاني هِيَ: الأنثى من الحمير، وربما قالوا للأنثى: أتانة حكاه يونس وأنكره غيره، فجاء في الرواية عَلى اللغة الفصحاء.

وحمارٍ أتانٍ بالتنوين فيهما عَلى النعت أو البدل، وروي بالإضافة.

وذكر ابن الأثير أن فائدة التنصيص عَلى كونها أنثى للاستدلال بطريق الأولى عَلى أن الأنثى من بني آدم لا تقطع الصلاة لأنهن أشرف. وهو قياس صحيح من حيث النظر؛ إلا أن الخبر الصحيح لا يدفع بمثله، كما سيأتي البحث فيه في الصلاة إن شاء الله.

قَوْلُهُ: (ناهزت) أي: قاربت، والمراد بالاحتلام: البلوغ الشرعي.

قَوْلُهُ: (إلَى غير جدار) أي: إلَى غير سترة، قاله الشافعي، وسياق الكلام يدل عَلى ذَلِكَ؛ لأن ابن عباس أورده في معرض الاستدلال عَلى أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته، ويؤيده رواية البزار بلفظ:"وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصلي المكتوبة ليس شيء يستره"(1).

قَوْلُهُ: (بين يدي بعض الصف) هو مجاز عن الأمام -بفتح الهمزة- لأن الصف ليس له يد، وبعض الصف يحتمل أن يراد به صف من الصفوف أو بعض من أحد الصفوف، قاله الكِرْمَاني.

قَوْلُهُ: (تَرْتَعُ) بمثناتين مفتوحتين وضم العين، أي: تأكل ما تشاء، وقيل: تسرع في المشي، وجاء أيضًا بكسر العين بوزن تفتعل من الرعي، وأصله: ترتعي، لكن حذفت الياء تَخفيفًا، والأول أصوب، ويدل عليه رواية المصنف في الحج:"نزلت عنها فرتعت"(2).

قَوْلُهُ: (فلم ينكر ذَلِكَ عليّ) قيل: فيه جواز تقديم المصلحة الراجحة عَلى المفسدة

(1) لَم نقف عليه عند البزار، ولا عزاه الهيثمي إليه في "مجمع الزوائد"، وأخرج هذه الرواية ابن خزيمة في "صحيحه"(كتاب الصلاة، باب: ذكر البيان أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنّما أراد بالمرأة الَّتِي قرنها إلَى الكلب الأسود. . .) برقم (838).

(2)

"صحيح البُخَاريّ"(كتاب جزاء الصيد، باب: حج الصبيان) برقم (1857).

ص: 132

الخفيفة؛ لأن المرور مفسدة خفيفة، والدخول في الصلاة مصلحة راجحة، واستدل ابن عباس عَلى الجواز بعدم الإنكار لانتفاء الموانع إذ ذاك، ولا يقال: منع من الإنكار اشتغالهم بالصلاة؛ لأنه نفى الإنكار مطلقًا، فتناول ما بعد الصلاة، وأيضًا [135 / ب] فكان الإنكار يمكن بالإشارة.

وفيه ما ترجم له أن التحمل لا يشترط فيه كمال الأهلية، وإنَّما يشترط عند الأداء، ويلتحق بالصبي في ذَلِكَ العبد والفاسق والكافر، وقامت حكاية ابن عباس لفعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وتقريره مقام حكاية قَوْله؛ إذ لا فرق بين الأمور الثلاثة في شرائط الأداء.

فإن قيل: التقييد بالصبا والصغر في الترجمة لا يطابق حديث ابن عباس.

أجاب الكِرْمَاني: بأن المراد بالصغير غير البالغ، وذكر الصبا معه من باب التغليب، والله أعلم. وسيأتي باقي مباحث هذا الحديث في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالَى.

ص: 133

77 -

حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَجَّةً مَجَّهَا في وَجْهِي وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يوسف) هو البِيكَنْدِي كما جزم به البيهقي وغيره، وأما الفِريابي فليست له رواية عن أبي مُسْهِر، وَكَانَ أبو مُسْهِر شيخ الشاميين في زمانه، وقد لقيه البُخَاريّ وسمع منه شيئًا يسيرًا وحدث عنه هنا بواسطة.

وذكر ابن المرابط فيما نقل ابن رُشَيد عنه أن أبا مُسْهِر تفرد برواية هذا الحديث.

وليس كما قَالَ ابن المرابط، فإن النّسَائي رَوَاهُ في السنن الكبرى (1) عن مُحَمَّد بن المُصَفَّى، عن مُحَمَّد بن حرب، وأخرجه البيهقي في المدخل من رواية ابن جَوْصَاء -وهو بفتح الجيم والصاد المهملة- عن سلمة بن الخليل، وأبىِ التَّقِيّ (2) -وهو بفتح المثناة وكسر القاف- كلاهما عن مُحَمَّد بن حرب، فهؤلاء ثلاثة غير أبي مسهر رووه عن مُحَمَّد بن حرب فكأنه المتفرد به عن الزبيدي.

وهذا الإسناد إلى الزهري شاميون، وقد دخلها هو وشيخه محمود بن الربيع بن سُرَاقة بن عمرو الأنصاري الخزرجي، وحديثه هذا طرف من حديثه عن عِتْبَان بن مالك الآتي في الصلاة (3) من رواية صالح بن كَيْسَان وغيره عن الزهري، وفي الرقاق (4) من طريق مَعْمَر، عن الزُّهري: أَخْبَرَني محمود.

(1)"السنن الكبرى"(كتاب العلم، باب: متى يصح سماع الصغير)(3/ 438).

(2)

هو هشام بن عبد الملك اليزني الحمصي.

(3)

"صحيح البُخَاريّ"(كتاب التهجد، باب: صلاة النوافل جماعة) برقم (1185، 1186)، ولكنه ليس من رواية صالح بن كيسان، عن الزهري، بل من رواية يعقوب بن إبراهيم عن أبيه، عن الزهري، وَالبُخاريّ لَم يخرج الحديث بكماله عن صالح بن كيسان بل أخرجه عنه مختصرًا دون ذكر حديث عتبان بن مالك كما في (كتاب الوضوء، باب: استعمال فضل وضوء الناس) برقم (189)، وأيضًا في (كتاب الدعوات، باب: الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رءوسهم) برقم (6354).

(4)

"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الرقاق، باب: العمل الَّذِي يبتغى به وجه الله) برقم (6422، 6423).

ص: 134

قَوْلُهُ: (عَقَلت) هو بفتح القاف، أي: حفظت.

قَوْلُهُ: (مَجة) بفتح الميم وتشديد الجيم، والمج: هو إرسال الماء من الفم، وقيل: لايسمى مجًّا إلا إن كَانَ عَلى بعد.

وفعلها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مع محمود إما مداعبة معه أو ليبارك عليه بِها كما كَانَ ذَلِكَ من شأنه مع أولاد الصحابة.

قَوْلُهُ: (وأنا ابن خمس سنين) لَم أر التقييد بالسن عند تحمله في شيء من طرقه لا في الصحيحين ولا في غيرهما من الجوامع والمسانيد إلا في طريق الزبيدي [136 / أ][هذه، و](1) الزبيدي من كبار الحفاظ المتقنين عن الزُّهري، حَتَّى قَالَ الوليد بن مُسْلِم: كَانَ الأوزاعي يفضله عَلى جَميع من سمع من الزُّهري، وَقَالَ أبو داود: ليس في حديثه خطأ.

ووقع عند الطبراني والخطيب في "الكفاية" من طريق عبد الرحمن بن نَمِر -وهو بفتح النون وكسر الميم- عن الزُّهري قَالَ: "حَدَّثَنِي محمود بن الربيع وتوفي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهو ابن خَمس سنين"(2). فأفادت هذه الرواية أن الواقعة الَّتِي ضبطها كانت في آخر سنة من حياة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ابن حبان (3) وغيره أنه مات سنة تسعٍ وتسعين وهو ابن أربعٍ وتسعين سنة، وهو مطابق لهذه الرواية.

وذكر القاضي عياض في "الإلماع" وغيره أن في بعض الروايات أنه كَانَ ابن أربع، ولَم أقف عَلى هذا صريحًا في شيء من الروايات بعد التتبع التام إلا إن كَانَ ذَلِكَ مأخوذًا من قول صاحب الاستيعاب (4) أنه عَقَل المَجَّة وهو ابن أربع سنين أو خَمس، وكأن الحامل له عَلى هذا التردد قول الواقدي: إنه كَانَ ابن ثلاثٍ وتسعين لَمَّا مات، والأول أولى بالاعتماد لصحة إسناده، عَلى أن قول الواقدي يمكن حمله -إن صح- عَلى أنه ألغى الكسر وجبره غيره، والله أعلم.

(1) مكانها بياض بالأصل، والمثبت من "الفتح".

(2)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(18/ 32)، والخطيب في "الكفاية" (باب: ما جاء فى صحة سماع الصغير) (ص 59).

(3)

"الثقات"(3/ 397، 398).

(4)

"الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 430).

ص: 135

وَإِذَا تحرر هذا فقد اعترض المهلب عَلى البُخَاريّ لكونه لَم يذكر هنا حديث ابن الزبير في رؤيته والده يوم بني قُريظة (1) ومراجعته له في ذَلِكَ، ففيه السماع منه وَكَانَ سنه إذ ذاك ثلاث سنين أو أربعٍ، فهو أصغر من محمود، وليس في قصة محمود ضبطه لسماع شيء، فكان ذكر حديث ابن الزبير أولى لهذين المعنيين.

وأجاب ابن المنير: بأن البُخَاري إنّما أراد نقل السنن النبوية لا الأحوال الوجودية، ومحمود نقل سُنة مقصودة كون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَجَّ مَجَّة في وجهه، بل في مجرد رؤيته إياه فائدة شرعية يثبت بِها كونه صحابيًّا، وأما قصة ابن الزبير فليس فيها نقل سُنة من السنن النبوية حَتَّى تدخل في هذا الباب، ثُمَّ أنشد:

* وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَدْرَى بالَّذِي هو فِيْهِ *

. . . انتهى.

وهو جواب مسدد، وتكملته ما قدمناه قبل: أن المقصود بلفظ السماع في الترجمة هو أو ما يتنزل منزلته [136 / ب] من نقل الفعل أو التقدير.

وغفل البدر الزركشي فَقَالَ: يحتاج المُهَلب إلَى ثبوت أن قصة ابن الزبير صحيحة عَلى شرط البُخَاريّ، انتهى (2).

وَالبُخَاريَّ قد أخرج قصة ابن الزبير المذكورة في مناقب الزبير في الصحيح، فالإيراد مُوَجَّه، وقد حصل جوابه.

قَوْلُهُ: (من دلو) زاد النَّسَائي: "معلق"(3)، ولابن حبان:"معلقة"(4)، والدلو يذكر

(1) أخرجه البُخَاريّ في "صحيحه"(كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب الزبير بن العوام) برقم (3720) وكذا في (3973، 3975)، وَمُسْلِم في "صحيحه"(كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل طلحة والزبير) برقم (2416).

(2)

راجع: "تجريد تعليقات ابن حجر عَلى التنقيح للزركشي"(155/ ب: 156/ أ)، ورد ابن حجر عليه هناك.

(3)

"السنن الكبرى"(كتاب العلم، باب: متى يصح سماع الصغير)(3/ 438).

(4)

"صحيح ابن حبان"(كتاب السير، باب: في الخلافة والإمارة) برقم (4517).

ص: 136

ويؤنث، وللمصنف في الرقاق من رواية مَعْمَر:"من دلو كانت في دارهم"(1)، وله في الطهارة والصلاة وغيرهما:"من بئر"(2)، بدل:"دلو"، ويجمع بينهما بأن الماء أخذ بالدلو من البئر وتناوله النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من الدلو.

وفِي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم: جواز إحضار الصبيان مجالس الحديث، وزيارة الإمام أصحابه في دورهم ومداعبته صبيانهم، واستدل به بعضهم عَلى تسميع من يكون ابن خمسٍ ومن كَانَ دونها يكتب له "حضر"، وليس في الحديث ولا في تبويب البُخَاريّ ما يدل عليه، بل الَّذِي ينبغي في ذَلِكَ اعتبار الفهم، فَمَن فَهِم الخطاب سُمّعَ وإن كَانَ دون ابن خمسٍ وإلا فلا، وَقَالَ ابن رُشيد: الظاهر أنهم أرادوا بتحديد الخمس أنها مظنة لذلك لا أن بلوغها شرط لابد من تحققه، والله أعلم.

(1)"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الرقاق، باب: العمل الَّذِي يبتغى به وجه الله) برقم (6422).

(2)

"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الوضوء، باب: استعمال فضل وضوء الناس) برقم (189)، وفِي (كتاب التهجد، باب: صلاة النوافل جماعة) برقم (1185).

ص: 137