المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌10 - باب: العلم قبل القول والعمل - النكت على صحيح البخاري - جـ ٢

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌37 - بَابُ: سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ وَالإِحْسَانِ وَعِلْمِ السَّاعَةِ

- ‌38 - بَابٌ

- ‌39 - بَابُ: فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ

- ‌40 - بَابٌ: أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌41 - باب: مَا جَاءَ إِنَّ الأَعْمَالَ بالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى

- ‌42 - باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ لله وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}

- ‌3 - كتاب العلم

- ‌1 - باب: فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌2 - باب: مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ في حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ

- ‌3 - باب: مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بالْعِلْمِ

- ‌4 - باب: قَوْلِ الْمُحَدِّثِ: حَدَّثَنَا، وأَخْبَرَنَا، وَأَنْبَأَنَا

- ‌5 - بابُ: طَرْحِ الإمَام الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ

- ‌6 - بابُ: مَاجَاءَ في الْعِلْمِ

- ‌7 - بَابُ: مَا يُذْكَرُ في الْمُنَاوَلَةِ وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بالْعِلْمِ إِلى الْبُلْدَانِ

- ‌8 - بَابُ: مَنْ قَعَدَ حَيْثُ يَنْتَهِي بهِ الْمَجْلِسُ وَمَنْ رَأَى فُرْجَةً في الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا

- ‌9 - باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ

- ‌10 - بَابُ: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ

- ‌11 - باب: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُهُمْ بالْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ كَيْ لَا يَنْفِرُوا

- ‌12 - باب: مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ الْعِلْمِ يَوْمًا مَعْلُومًا

- ‌13 - باب: مَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ

- ‌14 - باب: الْفَهْمِ في الْعِلْمِ

- ‌15 - باب: الاغْتِبَاط في الْعِلْمِ وَالْحِكمَةِ وَقَالَ عُمَرُ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا

- ‌16 - باب: مَا ذُكِرَ في ذَهَابِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم في الْبَحْرِ إِلَى الْخَضِرِ

- ‌17 - باب: قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ

- ‌18 - باب: مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ

- ‌19 - باب: الْخُرُوجِ في طَلَبِ الْعِلْمِ، وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ في حَدِيثٍ وَاحِدٍ

- ‌20 - باب: فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ

- ‌21 - باب: رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ، وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ

- ‌22 - باب: فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌23 - باب: الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا

- ‌24 - باب: مَنْ أَجَابَ الْفُتْيَا بإِشَارَةِ الْيَدِ وَالرَّأْسِ

- ‌25 - باب: تَحْرِيضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإيمَانَ وَالْعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ

- ‌26 - باب: الرِّحْلَةِ في الْمَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ

- ‌27 - باب: التَّنَاوُبِ في الْعِلْمِ

- ‌28 - باب: الْغَضَبِ في الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ

- ‌29 - باب: مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوِ الْمُحَدِّثِ

- ‌30 - باب: مَنْ أَعَادَ الْحَدِيْثَ ثَلَاثًا لِيُفْهَمَ

- ‌31 - باب: تَعلِيمِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ

- ‌32 - باب: عِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ وَتَعلِيمِهِنَّ

- ‌33 - باب: الْحِرْصِ عَلَى الْحَدِيثِ

- ‌34 - باب: كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ

- ‌35 - باب: هَلْ يَجْعَلُ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا عَلَى حِدَةٍ في العِلْمِ

- ‌36 - باب: مَنْ سَمِعَ شَيْئًا، فَرَاجَعَهُ حَتَّى يَعْرِفَهُ

- ‌37 - باب: لِيُبَلِّغِ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائبَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌38 - باب: إِثمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌39 - باب: كِتَابَةِ الْعِلْمِ

- ‌40 - باب: الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ باللَّيْلِ

- ‌41 - باب: السَّمَرِ بالْعِلْمِ

- ‌42 - باب: حِفْظِ الْعِلْمِ

الفصل: ‌10 - باب: العلم قبل القول والعمل

‌10 - بَابُ: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ

لِقَوْلِ اللهِ تَعالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]

فَبَدَأ بِالْعِلْمِ، وَأَنَ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ -وَرَّثُوا الْعِلْمَ- مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بحَظ وَافِر، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إلَى الْجنَّةِ.

وَقَالَ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. وَقَالَ: {وَمَا يَعْقِلُهَا

إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)} [العنكبوت: 43]. {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)} [الملك: 10]. وَقَالَ: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9].

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ"، وَإنَّمَا الْعِلْمُ بِالتعَلُّم. وَقَالَ أَبو ذَرٍّ: لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذه -وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ- ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنَي أُنْفِذُ كَلِمَةٌ سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَن تُجِيزُوا عَلَي لأَنْفَذْتُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79]. حُكَمَاءَ فُقَهَاءَ. وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ: الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ.

قَوْلُهُ: (باب العلم قبل القول والعمل) قَالَ ابن المنير: أراد أن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما؛ لأنه مصحح للنية المصححة للعمل، فنبه المصنف عَلى ذَلِكَ حَتَّى لا يسبق إلَى الذهن من قولهم:"إن العلم لا ينفع إلا بالعمل" تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه.

قَوْلُهُ: (فبدأ بالعلم) أي: حيث قَالَ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]. ثُمَّ قَالَ: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} ، والخطاب وإن كَانَ للنبي صلى الله عليه وسلم فهو متناول لأمته.

واستدل سُفْيَان بن عيينة بهذه الآية عَلى فضل العلم.

وينتزع منها دليل ما يقوله المتكلمون من وجوب المعرفة، لكن النزاع كما قدمناه إنَّما هو في إيجاب تعلُّم الأدلة عَلى القوانين المذكورة في كتب الكلام.

قَوْلُهُ: (وأن العلماء) بفتح أن، ويَجوز كسرها، ومن هُنَا إلَى قَوْله:"وافر" طرف من حديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم مصححًا من حديث أبي

ص: 106

الدرداء (1)، وحسنه حَمزة الكناني [128/ أ] وضعفه غيرهم بالاضطراب في سنده لكن له شواهد يتقوى بِها، ولَم يفصح بكونه حديثًا لكن إيراده له في الترجمة يشعر بأن له أصلًا، وشاهده في القرآن قَوْلُهُ تعالَى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32].

ومناسبته للترجمة من جهة أن الوارث قائم مقام المورث فله حكمه فيما قام مقامه فيه.

قَوْلُهُ: (ورَّثوا) بتشديد الراء المفتوحة، أي: الأنبياء، ويروى بتخفيفها مع الكسر، أي: العلماء، ويؤيد الأول ما عند الترمِذي وغيره فيه:"وإن الأنبياء لَم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَما وَرَّثُوا العلم".

قَوْلُهُ: (بِحظ) أي: نصيب. (وافر) أي: كامل.

قَوْلُهُ: (ومن سلك طريقًا) هو من جملة الحديث المذكور، وقد أخرج هذه الجملة أيضًا مُسْلِم من حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيْرَةَ في حديث غير هذا، وأخرجه الترمِذيّ وَقَالَ: حسن، قَالَ:"ولَم نقل له صحيح لأنه يقال: إن الأعمش دلس فيه، فَقَالَ: حُدِّثتُ عن أبي صالح"(2).

قُلْت: لكن في رواية مُسْلِم (3)، عن أبي أسامة، عن الأعمش حَدَّثنَا أبو صالح، فانتفت تهمة تدليسه.

قَوْلُهُ: (طريقًا) نكرها، ونكر علمًا ليتناول أنواع الطرق الموصلة إلَى تحصيل العلوم الدينية، وليندرج فيه القليل والكثير.

(1) أخرجه أبو داود في "سننه"(كتاب العلم، باب: الحث عَلى طلب العلمِ) برقم (3641)، والترمذي في "الجامع"(كتاب العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة) برقم (2682)، وابن حبان في "صحيحه"(كتاب العلم، باب: الزجر عن كتبة المرء السنن. . . .) برقم (88)، ولَم نقف عليه عند الحاكم في "المستدرك".

(2)

أخرجه الترمِذيّ في "الجامع"(كتاب العلم، باب: فضل طلب العلم) برقم (2646)، وفِي (كتاب القراءات، باب: ما جاء أن القرآن أنزل عَلى سبعة أحرف) برقم (2945)، وليس في المطبوع في الموضعين ما نقله الحافظ عن الترمِذي من قَوْله:"ولَم نقل له صحيح؛ لأنه يقال إن الأعمش دلس فيه"، ولكن الترمذي قَالَ في الموضع الأول:"حسن"، وفِي الموضع الثاني نقل عن الأعمش أنه قَالَ:"حدثت عَن أبي صالح"، فالله أعلم.

(3)

"صحيح مسلم"(كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر) برقم (2699).

ص: 107

قَوْلُهُ: (سهل الله له طريقًا) أي: في الآخرة، أو في الدُّنْيَا بأن يوفقه للأعمال الصالحة الموصلة إلَى الجنة، أو فيه إشارة بتسهيل العلم عَلى طالبه؛ لأن طلبه من الطرق الموصلة إلَى الجنة.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ) أي: الله عز وجل، وهو معطوف عَلى قَوْله:"لقول الله: {إِنَّمَا يَخْشَى} [فاطر: 28] ". أي: يَخاف من الله مَنْ عَلِمَ قدرته وسلطانه، وهم العلماء، قاله ابن عباس (1).

قوْلُهُ: {وَمَا يَعْقِلُهَا} [العنكبوت: 43]. أي: الأمثال المضروبة.

قوْلُهُ: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} [الملك: 10]. أي: سَمْع مَنْ يَعِي ويفهم، {أَوْ نَعْقِلُ} عَقْل مَنْ يُميز، وهذه أوصاف أهل العلم، فالمعنى: لو كنا من أهل العلم لعلمنا ما يَجب علينا فعَمِلنا به فنجونا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "من يُرد الله به خيرًا يفقهه") كذا في رواية الأكثر، وفِي رواية المُسْتَمْلِي:"يُفَهِّمْهُ" -بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم-، وقد وصله المؤلف [128/ ب] باللفظ الأول بعد هذا ببابين كما سيأتي، وأمَّا اللفظ الثاني فأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب العلم من طريق ابن عمر، عن عمر مرفوعًا وإسناده حسن.

والفقه: هو الفهم، قَالَ الله تعالَى:{لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)} [النساء: 78]. أي: لا يفهمون، والمراد: الفهم في الأحكام الشرعية.

قَوْلُهُ: (وإنَّما العلم بالتعلم) هو حديث مرفوع أيضًا، أورده ابن أبي عاصم، والطبراني من حديث معاوية أيضا بلفظ:"يا أيها الناس، تعلموا إنَّما العلمُ بالتَّعَلُّم، والفقه بالتَّفَقُّه، ومن يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"(2)، إسناده حسن؛ لأن فيه مبهمًا اعتضد بِمجيئه من وجه آخر.

(1) أخرج الطبري في "تفسيره"(سورة فاطر، قَوْلُهُ تعالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (10/ 409) عن ابن عباس في تفسير الآية، قَالَ:"الَّذِين يعلمون أن الله عَلى كل شيء قدير".

(2)

عزاه الهيثمي للطبراني في الكبير من حديث معاوية في "مجمع الزوائد"(كتاب العلم، باب: العلم بالتعلم)(1/ 128)، وهو عند الطبراني في "مسند الشاميين"(1/ 431).

ص: 108

وروى البزار نَحوه من حديث ابن مسعود موقوفًا (1)، وَرَوَاهُ أبو نُعيم الأصبهاني مرفوعًا (2)، وفي الباب عن أبي الدرداء وغيره (3)، فلا يغتر بقول من جعله من كلام البُخَاريّ.

والمعنى ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ من الأنبياء وورثتهم عَلى سبيل التعلم.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أبو ذر إلَى آخره) هذا التعليق رويناه موصولًا في مسند الدارمي وغيره من طريق الأوزاعي: حَدَّثنِي أبو كثير -يعنِي: مالك بن مرثد-، عن أبيه قَالَ:"أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع عليه الناس يستفتونه، فأتاه رجل فوقف عليه ثُمَّ قالَ: ألم تُنْه عن الفتيا؟ ! فرفع رأسه إليه فَقَالَ: أرقيب أنت علي؟ ! لو وضعتم"(4)، فذكر مثله، ورويناه في الحلية (5) من هذا الوجه، وبين أن الَّذِي خاطبه رجل من قريش، وأن الذي نَهاه عن الفتيا عُثْمَان رضي الله عنه.

وَكَانَ سبب ذلكَ: أنه كَانَ بالشام فاختلف مع معاوية في تأويل قَوْله تعالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34]. قَالَ معاوية: "نزلت في أهل الكتاب خاصة"، فَقَالَ أبو ذر:"نزلت فيهم وفينا"، فكتب معاوية إلَى عُثْمَان، فأرسل إلَى أبي ذر، فحصلت منازعة أدت إلَى انتقال أبي ذر عن المدينة فسكن الرَّبذة -بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة- إلَى أن مات، رَوَاهُ النّسَائي (6).

(1)"مسند البزار"(5/ 423)، وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(كتاب الأدب، باب: ما جاء في طلب العلم وتعليمه)(5/ 284).

(2)

رَوَاهُ أبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 174) مرفوعا من حديث أبي الدرداء.

(3)

أخرجه من حديث أبي الدرداء: الطبراني في "المعجم الأوسط"(2663)، وفِي "مسند الشاميين"(3/ 209)، وأبو نُعيم في "حلية الأولياء"(5/ 174).

وورد من حديث أبي هُرَيْرَةَ أخرجه ابن أبي الدنيا في "الحلم"(ص 17)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(9/ 127)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(18/ 99).

(4)

أخرجه: الدارمي في "سننه" باب: البلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليم السنن) برقم (545).

(5)

أخرجه: أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 160).

(6)

"السنن الكبرى"(كتاب التفسير، سورة التوبة)(6/ 354).

ص: 109

وفيه دليل عَلى [أن](1) أبا ذر كَانَ لا يرى بطاعة الإمام إِذا نهاه عن الفتيا؛ لأنه كَانَ يرى أن ذَلِكَ [129/ أ] واجب عليه؛ لأمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه كما تقدم، ولعله أيضًا سمع الوعيد في حق من كتم علمًا يعلمه، وسيأتي لعلي مع عُثْمَان نَحوه.

و(الصَّمْصَامة) بالمهملتين الأولَى مفتوحة: هو السيف الصارم الَّذِي لا ينثني، وقيل: الذِي له حدٌّ واحد.

قَوْلُهُ: (هذه) إشارة إلَى القفا، وهو يذكر ويؤنث.

و(أُنْفِذ) بضم الهمزة وكسر الفاء والذال المعجمة، أي: أمضي.

و(تُجِيزوا) بضم المثناة وكسر الجيم وبعد الياء زاي، أي: تكملوا قتلي، ونكر "كلمة" لتشمل القليل والكثير، والمراد: أنه يبلغ ما تحمله في كل حال، ولا ينتهي عن ذَلِكَ ولو أشرف عَلى القتل.

و"لو" في كلامه لمجرد الشرط من غير أن يلاحظ الامتناع، والمراد: أن الإنفاذ حاصل عَلى تقدير وضع الصمصامة، [و](2) عَلى تقدير عدم حصوله أولى، فهو مثل قَوْله "لو لَم يخف الله لَم يعصه".

وفيه الحث عَلى تعليم العلم، واحتمال المشقة فيه، والصبر عَلى الأداء طلبًا للثواب.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابن عباس) هذا التعليق وصله ابن أبي عاصم أيضًا بإسناد حسن، والخطيب بإسناد آخر حسن (3). وقد فسر ابن عباس "الرباني" بأنه الحكيم الفقيه، ووافقه ابن مسعود فيما رَوَاهُ إبراهيم الحربي في غريبه عنه بإسناد صحيح.

وَقَالَ الأصمعي والإسماعيلي: الرباني نسبة إلَى الرب، أي: الذِي يقصد ما أمره

(1) زيادة من "الفتح".

(2)

زيادة من "الفتح".

(3)

وأخرجه الطبري في "تفسيره"(سورة آل عمران، قَوْلُهُ تعالَى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)}) (3/ 222).

ص: 110

الرب بقصده من العلم والعمل، وَقَالَ ثعلب:[قيل](1) للعلماء ربانيون؛ لأنَّهم يُربُّون العلم، أي: يقومون به، وزيدت الألف والنون للمبالغة.

والحاصل: أنه اختلف في هذه النسبة هل هِيَ نسبة إلَى الرب أو إلَى التربية؟ والتربية عَلى هذا للعلم، وَعَلى ما حكاه البُخَاريّ لمتعلميه.

والمراد بصغار العلم: ما وضع من مسائله، وبكباره: ما دق منها، وقيل: يعلمهم جزئياته قبل كلياته، أو فروعه قبل أصوله، أو مقدماته قبل مقاصده.

وَقَالَ ابن الأعرابي: لا يقال للعالم رباني حَتَّى يكون عالمًا مُعَلَّمًا عاملًا.

* فائدة:

اقتصر المصنف في هذا الباب عَلى ما أورده من غير أن يورد حديثا موصولًا عَلى شرطه، فإما أن يكون بَيض له ليورد فيه ما يثبت عَلى شرطه، أو يكون [129/ ب] تعمد ذَلِكَ اكتفاء بما ذكر، والله أعلم.

(1) مكانها بياض بالأصل، والمثبت من "الفتح".

ص: 111