المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌31 - باب: تعليم الرجل أمته وأهله - النكت على صحيح البخاري - جـ ٢

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌37 - بَابُ: سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ وَالإِحْسَانِ وَعِلْمِ السَّاعَةِ

- ‌38 - بَابٌ

- ‌39 - بَابُ: فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ

- ‌40 - بَابٌ: أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌41 - باب: مَا جَاءَ إِنَّ الأَعْمَالَ بالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى

- ‌42 - باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ لله وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}

- ‌3 - كتاب العلم

- ‌1 - باب: فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌2 - باب: مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ في حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ

- ‌3 - باب: مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بالْعِلْمِ

- ‌4 - باب: قَوْلِ الْمُحَدِّثِ: حَدَّثَنَا، وأَخْبَرَنَا، وَأَنْبَأَنَا

- ‌5 - بابُ: طَرْحِ الإمَام الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ

- ‌6 - بابُ: مَاجَاءَ في الْعِلْمِ

- ‌7 - بَابُ: مَا يُذْكَرُ في الْمُنَاوَلَةِ وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بالْعِلْمِ إِلى الْبُلْدَانِ

- ‌8 - بَابُ: مَنْ قَعَدَ حَيْثُ يَنْتَهِي بهِ الْمَجْلِسُ وَمَنْ رَأَى فُرْجَةً في الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا

- ‌9 - باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ

- ‌10 - بَابُ: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ

- ‌11 - باب: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُهُمْ بالْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ كَيْ لَا يَنْفِرُوا

- ‌12 - باب: مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ الْعِلْمِ يَوْمًا مَعْلُومًا

- ‌13 - باب: مَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ

- ‌14 - باب: الْفَهْمِ في الْعِلْمِ

- ‌15 - باب: الاغْتِبَاط في الْعِلْمِ وَالْحِكمَةِ وَقَالَ عُمَرُ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا

- ‌16 - باب: مَا ذُكِرَ في ذَهَابِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم في الْبَحْرِ إِلَى الْخَضِرِ

- ‌17 - باب: قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ

- ‌18 - باب: مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ

- ‌19 - باب: الْخُرُوجِ في طَلَبِ الْعِلْمِ، وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ في حَدِيثٍ وَاحِدٍ

- ‌20 - باب: فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ

- ‌21 - باب: رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ، وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ

- ‌22 - باب: فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌23 - باب: الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا

- ‌24 - باب: مَنْ أَجَابَ الْفُتْيَا بإِشَارَةِ الْيَدِ وَالرَّأْسِ

- ‌25 - باب: تَحْرِيضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإيمَانَ وَالْعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ

- ‌26 - باب: الرِّحْلَةِ في الْمَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ

- ‌27 - باب: التَّنَاوُبِ في الْعِلْمِ

- ‌28 - باب: الْغَضَبِ في الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ

- ‌29 - باب: مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوِ الْمُحَدِّثِ

- ‌30 - باب: مَنْ أَعَادَ الْحَدِيْثَ ثَلَاثًا لِيُفْهَمَ

- ‌31 - باب: تَعلِيمِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ

- ‌32 - باب: عِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ وَتَعلِيمِهِنَّ

- ‌33 - باب: الْحِرْصِ عَلَى الْحَدِيثِ

- ‌34 - باب: كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ

- ‌35 - باب: هَلْ يَجْعَلُ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا عَلَى حِدَةٍ في العِلْمِ

- ‌36 - باب: مَنْ سَمِعَ شَيْئًا، فَرَاجَعَهُ حَتَّى يَعْرِفَهُ

- ‌37 - باب: لِيُبَلِّغِ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائبَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌38 - باب: إِثمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌39 - باب: كِتَابَةِ الْعِلْمِ

- ‌40 - باب: الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ باللَّيْلِ

- ‌41 - باب: السَّمَرِ بالْعِلْمِ

- ‌42 - باب: حِفْظِ الْعِلْمِ

الفصل: ‌31 - باب: تعليم الرجل أمته وأهله

‌31 - باب: تَعلِيمِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ

96 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: قَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَني أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ الله وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ "يَطَؤُهَا" فَأَدَّبَهَا، فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فتزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ". ثُمَّ قَالَ عَامِرٌ: أَعْطَيْنَاكَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، قَدْ كَانَ يُرْكَبُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ.

قَوْلُه: (باب تعليم الرجل أمته وأهله) مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بالنص، وفِي الأهل بالقياس؛ إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَلَام) كذا في روايتنا من طريق أبي ذر، وفِي رواية كَريمة:"حَدَّثَنَا مُحَمَّد هو ابن سَلَام"، وللأصيلي:"حَدَّثَنَا مُحَمَّد" حسب، واعتمده المِزِّي في الأطراف فَقَالَ:"رَوَاهُ البُخَاريّ عن مُحَمَّد، قيل: هو ابن سلام"(1).

قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنَا) في رواية كَريمة: "حَدَّثَنَا".

(الْمُحَاربي) وهو عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن زياد، وليس له عند البُخَاريّ سوى هذا الحديث وحديث آخر في العيدين (2).

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا صالح بن حَيّان) هو صالح بن صالح بن مُسْلم بن حَيَّان، نسب إلَى جد أبيه، وهو بفتح المهملة وتشديد الياء التحتانية، ولقبه حَيٌّ، وهو أشهر به من اسمه، وكذا من

(1)"تحفة الأشراف"(6/ 457).

(2)

"صحيح البُخَاري"(كتاب العيدين، باب: ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم) برقم (966).

ص: 183

يُنسب إليه، يقال للواحد منهم غالبًا: فلان ابن حَيٍّ، كصالح بن حَيٍّ هذا، وهو ثقة مشهور.

وفِي طبقته راوٍ آخر كوفي أيضًا يقالُ له: صالح بن حَيَّان القرشي، لكنه ضعيف [146 / ب]. وقد وهم من زعم أن البُخَاريّ أخرج له، فإنه إنّما أخرج لصالح بن حَيٍّ، وهذا الحديث معروف بروايته عن الشَّعبي دون القرشي.

وقد أخرجه البُخَاريّ من حديثه من طرق، منها في الجهاد من طريق ابن عُيينة قَالَ: حَدَّثَنَا صالح بن حَيٍّ: سمعتُ الشَّعبي (1).

وأصرح من ذَلِكَ أنَّه أخرج الحديث المذكور في كتاب "الأدب المفرد" بالإسناد الَّذِي أخرجه هنا فَقَالَ: "صالح بن حَيٍّ"(2).

قَوْلُهُ: (قَالَ عامر) أي: قَالَ صالح: قَالَ عامر، وعادتهم حذف "قَالَ" إذَا تكررت خطَّا لا نطقًا.

قَوْلُهُ: (عن أبيه) هو أبو موسى الأشعري كما صرَّح به في العتق وغيره (3).

قَوْلُهُ: (ثلاثة لهم أجران) ثلاثة: مبتدأ، والتقدير: ثلاثة رجال، أو رجال ثلاثة، و (لَهم أجران): خبره.

قَوْلُهُ: (رجل) هو بدل تفصيل، أو بدل كل بالنظر إلَى المجموع.

قَوْلُهُ: (من أهل الكتاب) لفظ الكتاب عام ومعناه خاص، أي: المُنَزَّل من عند الله والمراد به التوراة والإنجيل كما تظاهرت به نصوص الكتاب والسنة حيث يطلق أهل الكتاب.

وقيل: المراد به هنا الإنجيل خاصة إن قلنا إن النصرانية ناسخة لليهودية، كذا قرره

(1)"صحيح البُخَاريَّ"(كتاب الجهاد والسير، باب: فضل من أسلم من أهل الكتاب) برقم (3011).

(2)

"الأدب المفرد"(باب: إذَا نصح العبد لسيده) برقم (203).

(3)

"صحيح البُخَاريّ"(كتابَ العتق، باب: فضل من أدب جاريته وعلمها) برقم (2544). وفِي نفس الكتاب، (باب: العبد إِدَا أحسن عبادة ربه ونصح سيده) برقم (2547)، وفي نفس الكتاب، (باب: كراهية التطاول عَلى الرقيق) برقم (2551)، وفِي (كتاب أحاديث الأنبياء، باب: قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا}) برقم (3446).

ص: 184

جَماعة، ولا يحتاج إلَى اشتراط النسخ، لأن عيسى كَانَ قد أرسل إلَى بني إسرائيل بلا خلاف فمن أجابه منهم نسب إليه، ومن كذبه منهم واستمر عَلى يهوديته لَم يكن مؤمنًا بنبيه.

نعم؛ من دخل في اليهودية من غير بني إسرائيل، أو لَم يكن بحضرة عيسى فلم يبلغه دعوته، يصدق عليه أنَّه يهودي مؤمن؛ إذ هو مؤمن بنبيه موسى ولَم يكذب نبيًّا آخر بعده، فمن أدرك بعثة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ممن كَانَ بهذه المثابة وآمن به لا يشكل أنَّه يدخل في الخبر المذكور، ومن هذا القبيل العرب الَّذِينَ كانوا باليمن وغيرها مِمَّن دخل منهم في اليهودية ولَم تبلغهم دعوة عيسى لكونه أرسل إلَى بني إسرائيل خاصة.

نعم؛ الإشكال في اليهود الَّذِينَ كانوا بحضرة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت أن الآية الموافقة لهذا الحديث وهي قَوْلُهُ تعالَى:{أُوْلَئِكَ يُؤْتَونَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص: 54]. نزلت في طائفة آمنوا منهم: كعبد الله بن سلام وغيره، ففي الطبراني من حديث رِفَاعة القُرظي قَالَ: نزلت هذه الآيات فيَّ وفيمن آمن معي (1).

وروى الطبراني بإسناد صحيح عن عدي بن رفاعة القُرظي قَالَ: خرج عشرة من أهل الكتاب -منهم أبي رفاعة- إلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فآمنوا به فأوذوا فنزلت: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52)} [القصص: 52]. الآيات (2)، فهؤلاء من بني إسرائيل ولَم يؤمنوا بعيسى، بل استمروا عَلى اليهودية إلَى أن آمنوا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت أنهم يؤتون أجرهم مرتين.

قَالَ الطيبي: فيحتمل إجراء الحديث عَلى عمومه؛ إذ لا يبعد أن يكون طرآن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم سببًا لقبول تلك الأديان وإن كانت منسوخة. انتهى، وسأذكر ما يؤيده بعدُ.

(1)"المعجم الكبير"(5/ 53)، ولكن ذكر قَوْلهُ تعالَى:{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} . ولَم يكمل الآيات.

ولكن أخرجه البُخَاريّ في "التاريخ الكبير"(6/ 274 - 275)، وفيه قوله تعالَى:{أُوْلَئِكَ يُؤْتَونَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} .

(2)

"تفسير الطبري" تفسير قَولهُ تعالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} . (10/ 85).

ص: 185

ويُمكن أن يقال في حق هؤلاء الَّذِينَ كانوا بالمدينة: إنهم لَم يبلغهم دعوة عيسى لأنها لَم تنشر في أكثر البلاد، فاستمروا عَلى يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى إلَى أن جاء الإسلام فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فبهذا يرتفع الإشكال إن شاء الله.

* فوائد:

الأُولَى: وقع في شرح ابن التين وغيره أن الآية المذكورة نزلت في كعب الأحبار وعبد الله بن سلام، وهو صواب في عبد الله خطأ في كعب؛ لأن كعبًا ليست له صحبة، ولَم يسلم إلَّا في عهد عمر بن الخطاب، والَّذِي في تفسير الطبري وغيره عن قتادة أنها نزلت في عبد الله بن سلام وسَلْمَان الفارسي (1)، وهذا مستقيم؛ لأن عبد الله كَانَ يهوديًّا فأسلم كما سيأتي في الهجرة، وسَلْمان كَانَ نصرانيًا فأسلم كما سيأتي في البيوع، وهُما صحابيان مشهوران.

الثّانِيَة: قَالَ القرطبي: الكتابيُّ الَّذِي يُضاعف أجره هو الَّذِي كَانَ عَلى الحق في شرعه عقدًا وفعلًا إلَى أن آمن بنبينا صلى الله عليه وسلم، فيؤجر عَلى اتباع الحق الأول والثاني. انتهى.

ويشكل عليه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كتب إلَى هرقل: "أسلم يؤتك الله أجرك مرتين"(2). وهرقل كَانَ ممن دخل في النصرانية بعد التبديل، وقد قدمت بحث شيخ الإسلام (3) في هذا في حديث أبي سُفْيَان في بدء الوحي.

الثّالِثَة: قَالَ أبو عبد الملك البوني وغيره: إن الحديث لا يتناول اليهود ألبتة، وليس بمستقيم، كما قررناه.

وَقَالَ الداودي [147 / ب] ومن تبعه: إنه يحتمل أن يتناول [جَميع](4) الأمم فيما فعلوه من خير كما في حديث حكيم بن حِزَام الآتي: "أسلمت عَلى ما أسلفت من خير"(5).

(1)"تفسير الطبري" تفسير قوله تعالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} . (10/ 85).

(2)

"صحيح البُخَاري"(كتاب الجهاد والشر، باب: دعاء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الناس) برقم (2941)، وفِي (كتاب التفسير، باب: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ}) برقم (4553).

(3)

هو سراج الدين البُلْقيني.

(4)

مكانها بياض بالأصل، والمثبت من "الفتح".

(5)

أخرجه البُخَاريّ في "صحيحه"(كتاب الزكاة، باب: من تصدق في الشرك ثُمَّ أسلم) برقم (1436)، وكذلك في (2220، 2538، 5992).

ص: 186

وهو متعقب؛ لأن الحديث مُقَيَّد بأهل الكتاب فلا يتناول غيرهم إلَّا بقياس الخير عَلى الإيمان، وأيضا فالنكتة في قَوله:"آمن بنبيه" الإشعار بعلِّية الأجر، أي أن سبب الأجرين الإيمان بالنبيين، والكفار ليسوا كذلك.

ويُمكن أن يُقال: الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار أن أهل الكتاب يعرفون مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كما قَالَ الله تعالَى: {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157]. فمن آمن به واتبعه منهم كَانَ له فضل عَلى غيره، وكذا من كذبه منهم كَانَ وزره أشد من وزر غيره.

وقد ورد مثل ذَلِكَ في حق نساء النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لكون الوحي كَانَ ينزل في بيوتهن، فإن قيل: فلم لَم يذكرن في هذا الحديث فيكون العدد أربعة؟ أجابَ شيخنا شيخ الإسلام (1): بأن قضيتهن خاصة بهن مقصورة عليهن، والثلاثة المذكورة في الحديث مستمرة إلَى يوم القيامة، وهذا مصير من شيخنا إلى أن قضية مؤمن أهل الكتاب مستمرة.

وقد ادعى الكرماني اختصاص ذَلِكَ بمن آمن في عهد البعثة، وعلل ذَلِكَ بأن نبيهم بعد البعثة إنما هو مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم باعتبار عموم بعثته. انتهى

وقضيته أن ذلِكَ أيضًا لا يتم لمن كَانَ في عهد النَّبِّي صلى الله عليه وسلم، فإن خصه بمن لَم تبلغه الدعوة فلا فرق في ذَلِكَ بين عَهْده وَبعْده، فما قاله شيخنا أظهر.

والمراد بنسبتهم إلَى غير نبينا صلى الله عليه وسلم إنّما هو باعتبار ما كانوا عليه قبل ذَلِكَ، وأما ما قَوَّى به الكرماني دعواه بكون السياق مُختلفًا، حيث قيل في مؤمن أهل الكتاب:"رجل" بالتنكير، و"العبد" بالتعريف، وحيث زيدت فيه "إِذَا" الدالة عَلى معنى الاستقبال فأشعر ذلِكَ بأن الأجرين لمؤمن أهل الكتاب لا تقع في الاستقبال بخلاف العبد. انتهى.

وهو غير مستقيم؛ لأنه مشى فيه مع ظاهر اللفظ، وليس متفقًا عليه بين الرواة، بل هو عند المصنف وغيره مُختلف، فقد عَبَّر في ترجمة عيسى:"بإذا"(2) في الثلاثة، وعَبَّر

(1) هو سراج الدين البُلْقيني.

(2)

"صحيح البخَارِيّ"(كتاب أحاديث الأنبياء، باب: قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا}) برقم (3446).

ص: 187

في النِّكَاح بقوله: "أَيما [148 /أ] رجل"(1) في المواضع الثلاثة، وهي صريحة في التعميم، وأما الاختلاف بالتعريف والتنكير فلا أثر له هنا؛ لأن المعرف بلام الجنس مؤداه مؤدى النكرة، والله أعلم.

الرَّابعَة: حكم المرأة الكتابية حكم الرجل كما هو مُطَّرد في جُلِّ الأحكام، حيث يدخلن مع الرجال بالتبعية إلَّا ما خصه الدليل، وسيأتي مباحث العبد في العتق، ومباحث الأمة في النِّكَاح.

قَوله: (فله أجران) هو تكرير لطول الكلام للاهتمام به.

قَوله: (ثُمَّ قَالَ عامر) أي: الشَّعبي.

(أعطيناكها) ظاهره أنَّه خاطب بذلك صالِحًا الراوي عنه، ولهذا جزم الكِرْمَاني بقوله:"الخطاب لصالح"، وليس كذلك، بل إنّما خاطب بذلك رجلًا من أهل خراسان سأله عمن يعتق أَمَته ثمَّ يتزوجها، كما سيذكر ذَلِكَ في ترجمة عيسى عليه السلام من هذا الكتاب إن شاء الله تعالَى.

قَوله: (بغير شيء) أي: من الأمور الدنيوية، وإلا فالأجر الأخروي حاصل له.

قَوله: (يُركب فيما دونها) أي: يُرحل لأجل ما هو أهون منها، كما عنده في الجهاد (2)، والضمير عائد عَلى المسألة.

قَوله: (إلَى المدينة) أي: النبوية، وَكَانَ ذَلِكَ في زمن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، ثُمَّ تفرق الصحابة في البلاد بعد فتوح الأمصار وسكنوها، فاكتفى أهل كل بلد بعلمائه؛ إلَّا مَن طلب التوسع في العلم فرحل، وقد تقدم حديث جابر في ذلك (3).

ولِهذا عبر الشَّعبي -مع كونه من كبار التابعين- بقوله: "كَانَ"، واستدلال ابن بطال وغيره من المالكية به عَلى تَخصيص العلم بالمدينة فيه نظر لما قررناه، وإنّما قَالَ الشعبي ذلِكَ تَحريضًا للسامع ليكون أدعى لحفظه وأجلب لحرصه، والله المستعان.

(1)"صحيح البُخَارِيّ"(كتاب النِّكَاح، باب: اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ثُمَّ تزوجها) برقم (5083).

(2)

"صحيح البُخَارِيّ"(كتاب الجهاد والسير؛ باب: فضل من أسلم من أهل الكتابين) برقم (3011).

(3)

سبق في (كتاب العلم، باب: الخروج في طلب العلم).

ص: 188