المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌42 - باب: حفظ العلم - النكت على صحيح البخاري - جـ ٢

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌37 - بَابُ: سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ وَالإِحْسَانِ وَعِلْمِ السَّاعَةِ

- ‌38 - بَابٌ

- ‌39 - بَابُ: فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ

- ‌40 - بَابٌ: أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌41 - باب: مَا جَاءَ إِنَّ الأَعْمَالَ بالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى

- ‌42 - باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ لله وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}

- ‌3 - كتاب العلم

- ‌1 - باب: فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌2 - باب: مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ في حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ

- ‌3 - باب: مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بالْعِلْمِ

- ‌4 - باب: قَوْلِ الْمُحَدِّثِ: حَدَّثَنَا، وأَخْبَرَنَا، وَأَنْبَأَنَا

- ‌5 - بابُ: طَرْحِ الإمَام الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ

- ‌6 - بابُ: مَاجَاءَ في الْعِلْمِ

- ‌7 - بَابُ: مَا يُذْكَرُ في الْمُنَاوَلَةِ وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بالْعِلْمِ إِلى الْبُلْدَانِ

- ‌8 - بَابُ: مَنْ قَعَدَ حَيْثُ يَنْتَهِي بهِ الْمَجْلِسُ وَمَنْ رَأَى فُرْجَةً في الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا

- ‌9 - باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ

- ‌10 - بَابُ: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ

- ‌11 - باب: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُهُمْ بالْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ كَيْ لَا يَنْفِرُوا

- ‌12 - باب: مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ الْعِلْمِ يَوْمًا مَعْلُومًا

- ‌13 - باب: مَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ

- ‌14 - باب: الْفَهْمِ في الْعِلْمِ

- ‌15 - باب: الاغْتِبَاط في الْعِلْمِ وَالْحِكمَةِ وَقَالَ عُمَرُ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا

- ‌16 - باب: مَا ذُكِرَ في ذَهَابِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم في الْبَحْرِ إِلَى الْخَضِرِ

- ‌17 - باب: قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ

- ‌18 - باب: مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ

- ‌19 - باب: الْخُرُوجِ في طَلَبِ الْعِلْمِ، وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ في حَدِيثٍ وَاحِدٍ

- ‌20 - باب: فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ

- ‌21 - باب: رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ، وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ

- ‌22 - باب: فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌23 - باب: الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا

- ‌24 - باب: مَنْ أَجَابَ الْفُتْيَا بإِشَارَةِ الْيَدِ وَالرَّأْسِ

- ‌25 - باب: تَحْرِيضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإيمَانَ وَالْعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ

- ‌26 - باب: الرِّحْلَةِ في الْمَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ

- ‌27 - باب: التَّنَاوُبِ في الْعِلْمِ

- ‌28 - باب: الْغَضَبِ في الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ

- ‌29 - باب: مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوِ الْمُحَدِّثِ

- ‌30 - باب: مَنْ أَعَادَ الْحَدِيْثَ ثَلَاثًا لِيُفْهَمَ

- ‌31 - باب: تَعلِيمِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ

- ‌32 - باب: عِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ وَتَعلِيمِهِنَّ

- ‌33 - باب: الْحِرْصِ عَلَى الْحَدِيثِ

- ‌34 - باب: كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ

- ‌35 - باب: هَلْ يَجْعَلُ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا عَلَى حِدَةٍ في العِلْمِ

- ‌36 - باب: مَنْ سَمِعَ شَيْئًا، فَرَاجَعَهُ حَتَّى يَعْرِفَهُ

- ‌37 - باب: لِيُبَلِّغِ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائبَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌38 - باب: إِثمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌39 - باب: كِتَابَةِ الْعِلْمِ

- ‌40 - باب: الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ باللَّيْلِ

- ‌41 - باب: السَّمَرِ بالْعِلْمِ

- ‌42 - باب: حِفْظِ الْعِلْمِ

الفصل: ‌42 - باب: حفظ العلم

‌42 - باب: حِفْظِ الْعِلْمِ

118 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَني مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَوْلَا آيَتَانِ في كِتَابِ الله مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا، ثُمَّ يَتْلُو:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى قَوْلِهِ: {الرَّحِيمُ} [البقرة: 159 - 160] إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وِإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الَانْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الْعَمَلُ في أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لِشِبَعِ بَطْنِهِ وَيَحْضُرُ مَا لا يَحْضُرُونَ، وَيَحْفَظُ مَا لا يَحْفَظُونَ.

قَوْلُهُ: (باب حفظ العلم) لم يذكر في الباب شيئًا عن غير أبي هريرة؛ وذلك لأنه كان أحفظ الصحابة للحديث، قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في عصره، وقد كان ابن عمر يترحم عليه في جنازته ويقول:"كان يحفظ على المسلمين حديث النبي صلى الله عليه وسلم". رواه ابن سعد (1).

وقد دل الحديث الثالث من الباب على أنه لم يحدث بجميع محفوظه، ومع ذلك فالموجود من حديثه أكثر من الموجود من حديث غيره من المكثرين.

ولا يعارض هذا ما تقدم من تقديمه عبد الله بن عمرو على نفسه في كثرة الحديث؛ لأنا قدمنا الجواب عن ذلك؛ ولأن الحديث الثاني من الباب دل على أنه لم ينس شيئًا سمعه، ولم يثبت مثل ذلك لغيره.

قَوْلُهُ: (حَدَّثنا عبد العزيز) هو الأوَيْسي المدني، والإسناد كله مدنيون.

قَوْلُهُ: (أكثر أبو هريرة) أي: من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما صرَّح به المصنف في البيوع من طريق شُعيب عن الزُّهري (2)، وله فيه وفي المزارعة من طريق

(1)"طبقات ابن سعد"(4/ 340).

(2)

"صحيح البخاري" (كتاب البيوع، باب: ما جاء في قول الله تعالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا =

ص: 239

إبراهيم بن سعد عن الزُّهري هنا زيادة وهي: "ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه"(1)، وبها تبين الحكمة في ذكره المهاجرين والأنصار، ووضعه المُظهر موضع المُضمر على طريق الحكاية حيث قال:"أكثر أبو هريرة" ولم يقل: "أكثرت".

قَوْلُهُ: (ولولا آيتان) مقول: "قال"، لا مقول:"يقولون".

وقَوْلُهُ: (ثم يتلو) مقول الأعرج، وذكره بلفظ المضارع استحضارًا لصورة التلاوة، ومعناه: لولا أن الله ذم الكاتمين للعلم ما حدِّث أصلًا، لكن لما كان الكتمان حرامًا وجب الإظهار، فلهذا حصلت الكثرة لكثرة ما عنده، ثم ذكر سبب الكثرة بقوله:"إن إخواننا"، وأراد بصيغة الجمع: نفسه وأمثاله، والمراد بالأخوة: أخوة الإسلام.

قَوْلُهُ: (يشغلهم) بفتح أوله من الثلاثي، وحكي ضمه وهو شاذ.

قَوْلُهُ: (الصَّفْق) بإسْكَان الفاء، هو ضرب اليد على اليد، وجرت به عادتهم عند عقد البيع.

قَوْلُهُ: (في أموالِهم) أي: القيام على مصالح [161/ ب] زرعهم، ولمسلم:"كان يشغلهم عمل أرضهم"(2). ولابن سعد: "كان يشغلهم القيام على أرضيهم"(3).

قَوْلُهُ: (وإن أبا هريرة) فيه التفات؛ إذ كان نسق الكلام أن يقول: وإني.

قَوْلُهُ: (لشبع) بلام التعليل للأكثر، وهو الثابت في غير البخاري أيضًا، وللأصيلي:"بشبع"، بموحدة أوله، وزاد المصنف في البيوع:"وكنت امْرأ مسكينًا من مساكين الصُّفَّة"(4).

= فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ. . .}) برقم (2047).

(1)

أي في الباب السابق، وكذلك في (كتاب المزارعة، باب: ما جاء في الغرس) برقم (2350).

(2)

"صحيح مسلم"(كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه) برقم (2492).

(3)

"طبقات ابن سعد"(2/ 363) وفيه: "كان يشغلهم العمل في أموالهم".

(4)

"صحيح البخاري"(كتاب البيوع، باب: ما جاء في قول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ. . .}) برقم (2047).

ص: 240

قَوْلُهُ: (ويحضر) أي: من الأحوال.

(ويحفظ) أي: من الأقوال، وهُما معطوفان على قوله:"يلزم"، وقد روى البخاري في التاريخ، والحاكم في المستدرك من حديث طلحة بن عُبيد الله شاهدًا لحديث أبي هريرة هذا (1).

واختلف في إسناد هذا الحديث على الزُّهري، فرواه مالك عنه هكذا، ووافقه إبراهيم بن سعد (2)، وسفيان بن عُيينة (3)، ورواه شُعيب، عن الزُّهري، عن سعيد بن المُسيب، وأبي سَلمة بن عبد الرحمن كلاهما، عن أبي هريرة (4)، وتابعه يونس بن يزيد (5)، والإسنادان جميعًا محفوظان، وصححهما الشيخان، وزادوا في روايتهم عن الزهري شيئًا سنذكره في الحديث الثاني.

(1) أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 133)، والحاكم في "المستدرك"(كتاب معرفة الصحابة، باب: ذكر أبي هريرة رضي الله عنه)(3/ 511 - 512).

(2)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب المزارعة، باب: ما جاء في الغرس) برقم (2350).

(3)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الحجة على من قال: إن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم كانت ظاهرة. .) برقم (7354)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه) برقم (2492).

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب البيوع، باب: ما جاء في قول الله تعالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ. . .}) برقم (2047)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه) برقم (2492).

(5)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه) برقم (2493).

ص: 241

119 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَبُو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كثِيرًا أَنْسَاهُ. قَالَ:"ابْسُطْ رِدَاءَكَ" فَبَسَطْتُهُ. قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"ضُمَّ". فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدُ.

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا، أَوْ قَالَ: غَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (ثنا أحمد بن أبي بكر) هو الزُّهري المدني صاحب مالك، والإسناد كله مدنيون أيضًا، وكذا الذي بعده.

قَوْلُهُ: (كثيرًا) هو صفة لقوله: "حديثًا"؛ لأنه اسم جنس.

قَوْلُهُ: (فغرف) لم يذكر المغروف منه، وكأنها كانت إشارة محضة.

قَوْلُهُ: (ضُم) وللكُشْمَيْهَني والباقين: "ضمه" وهو بفتح الميم، ويجوز ضمها، وقيل: يتعين لأجل ضمة الهاء، ويجوز كسرها لكن مع إسكان الهاء أو كسرها.

قوْلُهُ: (بعدُ) هو مقطوع الإضافة مبني على الضم، وتنكير "شيئًا" بعد النفي ظاهر العموم في عدم النسيان منه لكل شيء من الحديث وغيره.

ووقع في رواية ابن عيينة وغيره عن الزُّهري في الحديث الماضي: "فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئًا سمعته منه"(1).

وفي رواية يونس عند مسلم: "فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدثني به"(2)، وهذا يقتضي تخصيص عدم النسيان بالحديث.

ووقع في رواية شُعيب: "فما نسيت من مقالته تلك من شيء"(3).

(1) سبق تخريجه في الحديث السابق.

(2)

سبق تخريجه في الحديث السابق.

(3)

سبق تخريجه في الحديث السابق.

ص: 242

وهذا يقتضي تخصيص عدم النسيان بتلك المقالة فقط، لكن سياق الكلام يقتضي ترجيح رواية يونس ومن وافقه؛ لأن أبا هريرة استدل بذلك على كثرة محفوظه من الحديث، فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها، [162/ أ] ويحتمل أن تكون وقعت له قضيتان، فالقضية التي رواها الزُّهري مختصة بتلك المقالة، والقضية التي رواها سعيد المَقْبَري عامة.

* فائدة:

المقالة المشار إليها في حديث الزُّهري أُبْهِمت في جَميع طرقه، وقد وجدتها مصرحًا بها في "الحلية" لأبي نُعيم من طريق أُخرى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين مما فرض الله فيتعلَّمهن ويعلِّمهن إلا دخل الجنة"(1). فذكر الحديث.

وفي هذين الحديثين فضيلة ظاهرة لأبي هريرة، ومعجزة واضحة من علامات النبوة؛ لأن النسيان من لوازم الإنسان، وقد اعترف أبو هريرة بأنه كان يكثر منه، ثم تخلف عنه ببركة النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي المستدرك من حديث زيد بن ثابت قال: كنتُ أنا وأبو هريرة وآخر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ادع"، فدعوت أنا وصاحبي وأمَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم دعا أبو هريرة وقال: اللهم إني أسالكَ مثل ما سألك صاحبي، وأسألك علمًا لا يُنْسَى، فأمَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقلنا: ونحنُ كذلك يا رسول الله فقال: "سبقكما الغلام الدَّوْسِي"(2).

وفيه الحث على حفظ العلم، وفيه أن التقلل من الدنيا أمكن لحفظه، وفيه فضل التكسب لمن له عيال، وفيه جواز إخبار المرء بما فيه من فضيلة إذا اضطر لذلك وأمن الإعجاب.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا ابن أبي فُدَيْك بهذا) أشكل قوله: "بهذا" على بعض الشارحين؛ لأن

(1)"حلية الأولياء"(2/ 159) في ترجمة الحسن البصري.

(2)

"المستدرك"(كتاب معرفة الصحابة، باب: ذكر أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه)(3/ 508).

ص: 243

ابن أبي فُدَيْك لم يتقدم له ذكر.

وقد ظن بعضهم أنه محمد بن إبراهيم بن دينار المذكور قبل، فيكون مراده أن السياقين متحدان إلا في اللفظة المبينة فيه، وليس كما ظن؛ لأن ابن أبي فُدَيْك اسمه محمد بن إسماعيل بن مسلم، وهو لَيْثي يُكنى أبا إسماعيل، وابن دينار جُهَني يكنى أبا عبد الله لكن اشتركا في الرواية عن ابن أبي ذِئْب، وفي كونهما مدنيين.

وجوز بعضهم أن يكون الحديث عند المصنف عن غير ابن أبي ذئب.

وكل ذلك غفلة عما عند المصنف في علامات النبوة (1)، وقد ساقه بالإسناد المذكور، والمتن من غير تغيير إلا في قوله:"بيديه"، فإنه ذكرها بالإفراد.

وقال فيها أيضًا: (فغرف) وهي رواية الأكثرين في حديث الباب، ووقع في رواية المستملي وحده:"فحذف" بدل [162 / ب]"فغرف"، وهو تصحيف لما وضح من سياقه في علامات النبوة، وقد رواه ابن سعد في "الطبقات" عن ابن أبي فُديك فقال:"فغرف"(2).

(1)"صحيح البخاري"(كتاب المناقب، باب: بقية أحاديث علامات النبوة) برقم (3648).

(2)

"طبقات ابن سعد"(2/ 362)، (4/ 329).

ص: 244

120 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وِعَاءَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إسماعيل) هو ابن أبي أُوَيْس. (حَدَّثَنِي أخي) هو أبو بكر عبد الحميد.

قَوْلُهُ: (حفظت عنه) وفي رواية الكُشْمَيهني: "من" بدل "عنه"، وهو أصرح في تلقيه من النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة.

قَوْلُهُ: (وعاءين) أي: ظرفين، أطلق المحل وأراد به الحال، أي: نوعين من العلم، وبهذا التقدير يندفع إيراد من زعم أن هذا يُعارض قوله في الحديث الماضي:"كنت لا أكتب"، وإنما مراده: أن محفوظه من الحديث لو كتب لملأ وعاءين.

ويحتمل أن يكون أبو هريرة أملى حديثه على من يثق به، وليس مخالفًا لحديث الباب؛ لأنه يحمل على أن أحد الوعاءين كان أكبر من الآخر بحيث [يجيء](1) ما في الكبير في جرابين و [ما](2) في الصغير في واحد، وعرف من هذا أن ما نشره من الحديث أكثر مما لم ينشره.

قَوْلُهُ: (بثثته) بفتح الموحدة والمثلثة وبعدها مثلثة ساكنة تدغم في المثناة التي بعدها، أي: أذعته ونشرته، زاد الإسماعيلي:"في الناس".

قَوْلُهُ: (قطع هذا البلعوم) زاد في رواية المُسْتَمْلِي: "قال أبو عبد الله -يعني: المصنف-: البلعوم مجرى الطعام"، وهو بضم الموحدة، وكنى بذلك عن القتل، وفي رواية الإسماعيلي:"لقطع هذا" يعني رأسه.

وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء الجور وأحوالهم وذمهم، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به خوفًا على نفسه

(1) مكانها بياض بالأصل، والمثبت من "الفتح".

(2)

زيادة من "الفتح".

ص: 245

منهم كقوله: "أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان"(1)، يشير إلَى خلافة يزيد بن مُعاوية؛ لأنها كانت سنة ستين من الهجرة فاستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة، وستأتي الإشارة إلَى شيء من ذلك أيضًا في كتاب الفتن إن شاء الله تعالَى.

قال ابن المُنَيّر: جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلَى تصحيح باطلهم، حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرًا وباطنّا، وذلك الباطن إنما حاصله الانحلال، قال: وإنّما أراد أبو هريرة بقوله: "قُطع"، أي: قَطَع أهل الجور رأسه إذا سمعوا [163 / أ] عيبه، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم (2).

(1) أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(1397) بنحو هذا اللفظ، وأخرجه أحمد في "المسند"(2/ 326، 355، 448) بلفظ: "تعوذوا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان".

(2)

هنا انتهى آخر ما وُجد من المخطوط.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 246