الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
41 - باب: مَا جَاءَ إِنَّ الأَعْمَالَ بالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى
فَدَخَلَ فِيهِ: الإِيمَانُ، وَالْوُضُوءُ، وَالصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْحَجُّ، وَالصَّوْمُ، وَالأَحْكَامُ وَقَالَ اللهُ تَعَالَى:{قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} : عَلَى نِيَّتِهِ
"نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا صَدَقَةٌ". وَقَالَ: "وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ"
54 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الأَعمالُ بِالنِّيَّةِ، وَلكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ، فَهِجْرتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيهِ".
قوله: (باب ما جاء) أي: باب بيان ما ورد دالًّا عَلى أن الأعمال الشرعية معتبرة بالنية والحِسْبَة. والمراد بالحسْبَة: طلب الثواب.
ولَم يأت حديث لفظه الأعمال بالنية والحسبة، إنما استدل بحديث عمر عَلى أن الأعمال بالنية، وبحديث أبي مسعود عَلى أن الأعمال بالحِسْبَة.
قوله: (فدخل فيه) هو من مقول المصنف وليس بقية مِما ورد، وقد أفصح ابن عساكر في روايته بذلك، فقال:"قَالَ أبو عبد الله" يعنِي: المصنف، والضمير في "فيه" يعود عَلى الكلام المتقدم، وتوجيه [110/ ب] دخول النية في الإيمان عَلى طريقة المصنف أن الإيمان عمل كما تقدم شرحه.
قَوْلُهُ: (والوضوء) أشار به إلَى خلاف من لَم يشترط النية كما نقل عن الأوزاعي،
وأبي حنيفة وغيرهما، وحجتهم أنه ليس عبادة مستقلة، بل [وسيلة](1) إلَى عبادة كالصلاة، ونوقضوا بالتيمم فإنه وسيلة، وقد اشترط الحنفية فيه النية.
واستدل الجمهور عَلى اشتراط النية في الوضوء بالأدلة الصحيحة المصرحة بوعد الثواب عليه، فلابد من قصد يميزه عن غيره ليحصل الثواب الموعود.
وأمَّا الصلاة فلم يختلف في اشتراط النية فيها، وأما الزكاة فإنّما تسقط بأخذ السلطان ولو لَم ينو صاحب المال؛ لأن السلطان قائم مقامه.
وأمَّا الحج فإنه ينصرف إلَى فرض مَن حج عن غيره لدليل خاص، وهو حديث ابن عباس في قصة شُبْرُمة (2)، وأما الصومُ فأشار به إلَى خلاف من زعم أن صيام رمضان لا يَحتاج إلَى نية؛ لأنه متميز بنفسه كما نقل عن زُفر.
وقدم المصنف الحج عَلى الصوم تَمسكًا بِما ورد عنده في حديث: "بُنيَ الإسلام" وقد تقدم.
قَوْلُهُ: (والأحكام) أي: المعاملات الَّتِي يدخل فيها الاحتياج إلَى المحاكمات، فيشمل البيوع والأنكحة والأقارير وغيرها، وكل صورة لَم يشترط فيها النية فذاك لدليل خاص.
وقد ذكر ابن المنير ضابطًا لِما يشترط فيه النية مِما لا يشترط، فَقَالَ: كل عمل لا تظهر له فائدة عاجلة بل المقصود به طلب الثواب فالنية مشترطة فيه، وكل عمل ظهرت فائدته ناجزة وتعاطته الطبيعة قبل الشريعة لملاءمة بينهما فلا تشترط النية فيه، إلا لمن قصد بفعله معنى آخر يترتب عليه الثواب.
قَالَ: وإنَّما اختلف العلماء في بعض الصور من جهة تحقيق مناط التفرقة، قَالَ: وأما ما كَانَ من المعاني المحضة: كالخوف والرجاء فهذا لا يقال باشتراط النية فيه؛ لأنه لا يُمكن أن يقع إلا منويًّا، ومتى فُرضت النية مفقودة فيه استحالت حقيقة، فالنية فيه
(1) مكانها بياض بالأصل، والمثبت من "الفتح".
(2)
أخرجه أبو داود في "سننه"(كتاب المناسك، باب: الرجل يحج عن غيره) برقم (1811)، وابن ماجه في "سننه"(كتاب المناسك، باب: الحج عن الميت) برقم (2903).
شرط عقلي، وكذلك [111/ أ] لا يشترط النية للنية فرارًا من التسلسل.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ الله) قَالَ الكرماني: الظاهر أنها جملة حالية لا عطف.
قَوْلُهُ: (عَلى نيته) تفسير منه لقوله "عَلى شاكلته" بحذف أداة التفسير، وتفسير الشاكلة بالنية صح عن الحسن البصري ومعاذ بن قُرَّة المُزني، وقتادة أخرجه عبد بن حُميد والطبري عنهم (1).
وعن مُجاهد قَالَ: الشاكلة: الطريقة (2).
قَوْلُهُ: (ولكن جهاد ونية) هو طرف من حديث لابن عباس أوله: "لا هجرة بعد الفتح"، وقد وصلها في الجهاد وغيره من طريق طاوس عنه (3) وسيأتي.
قَوْلُهُ: (الأعمال بالنية) كذا أورده من رواية مالك بحذف ["إنما" من](4) أوله، وقد رَوَاهُ مُسْلم عن القَعْنَبي وهو عبد الله بن مسلمة المذكور هنا بإثباتها (5)، وتقدم الكلامُ عَلى نكتٍ من هذا الحديث أول الكتاب.
(1) لَم نقف عليه عند عبد بن حُميد، وهو عند الطبري عن قتادة وحده "تفسير الطبري"(سورة الإسرِاء، قَوْلُهُ تعالَى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)}) (8/ 140).
وقد رَوَاهُ عن الحسن هنادٌ في "الزهد"(باب الرياء)(2/ 440).
ورَوَاهُ عن معاوية بن قرة البُخاريّ في "التاريخ الكبير"(4/ 1/ 426).
(2)
روى الطبري في "تفسيره"(سورة الإسراء، قَوْلُهُ تعالَى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ. . . .})(8/ 140)، عن مُجاهد في تفسير {شَاكِلَتِهِ} قَالَ: عَلى ناحيته، عَلى طبيعته، عَلى حدته، وفِي "تفسير مُجاهد" (ص 369): عَلى حدته، فالله أعلم.
(3)
"صحيح البُخاريّ"(كتاب الجهاد والسير، باب: فضل الجهاد والسير) برقم (2783)، وأيضًا في (كتاب الجهاد والسير، باب: وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية) برقم (2825).
(4)
مكانها بياض بالأصل، والمثبت من "الفتح".
(5)
"صحيح مُسْلِم"(كتاب الإمارة، باب: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "إنّما الأعمال. . . .") برقم (1907).
55 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ".
قَوْلُهُ: (عبد الله بن يزيد) هو الخَطْمي -بفتح المعجمة وسكون الطاء المهملة-، وهو صحابي أنصاري، روى عن صحابي أنصاري، وسيأتي ذكر أبي مسعود في باب من شهد بدرًا من المغازي (1)، وسيأتي الكلام عَلى حديثه في كتاب النفقات (2) إن شاء الله تعالَى والمقصود منه في هذا الباب.
قَوْلُهُ: (يَحتسبها) قَالَ القرطبي: أفاد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنَّما يحصل بقصد القربة، وسواء أكانت واجبةً أم مُباحةٌ، وأفاد مفهومه أن من لَم يقصد القربة لَم يؤجر لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة لأنَّها معقولة المعنى، وأطلق الصدقة عَلى النفقة مَجازًا، والمراد بِها الأجر، والقرينة الصارفة عن الحقيقة الإجماع عَلى جواز النفقة عَلى الزوجة الهاشمية الَّتِي حُرِّمت عليها الصدقة.
(1)"صحيح البُخَاريّ"(كتاب المغازي، باب: شهود الملائكة بدرًا) برقم (4006، 4007، 4008).
(2)
"صحيح البُخَاريّ"(كتاب النفقات، باب: فضل النفقة عَلى الأهل) برقم (5351).
56 -
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاصٍ، أَنّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ في فَمِ امْرَأَتِكَ".
قَوْلُهُ: (إنَّك) الخطاب لسعد، والمراد: هو ومَن يصح منه الإنفاق.
قَوْلُهُ: (وجه الله) أي: ما عند الله من الثواب.
قَوْلُهُ: (إلا أُجرت) تَحتاج إلَى تقدير؛ لأن الفعل لا يقع استثناء.
قَوْلُهُ: (حَتَّى) هِيَ عاطفة وما بعدها منصوب المحل.
و"ما" موصولة، والعائد مَحذوف.
قَوْلُهُ: (في فم امرأتك) وللكُشْمَيْهَنِي: "في في امرأتك"، وهي رواية الأكثر.
قالَ [111/ ب] عياض: هِيَ أصوب؛ لأن الأصل حذف الميم، بدليل جمعه عَلى أفواه، وتصغيره عَلى فويه، قَالَ: وإنَّما يحسن إثبات الميم عند الإفراد، وأما عند الإضافة فلا، إلا في لغة قليلة. انتهى.
وهذا طرف من حديث سعد بن أبي وقاص في مرضه بمكة وعيادة النبي صلى الله عليه وسلم له.
وقَوْلُهُ: "أوصي بشطر مالي" الحديث (1)، وسيأتي الكلام عليه في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالَى، والمراد منه هنا.
قَوْلُهُ: (تبتغي) أي: تطلب بِها وجه الله، واستنبط منه النووي: أن الحظ إِذَا وافق الحق لا يقدح في ثوابه؛ لأن وضع اللقمة في فم الزوجة يقع غالبًا في حالة المداعبة، ولشهوة النفس في ذلكَ مدخل ظاهر، ومع ذَلِكَ إذا وجَّه القصد في تلك الحالة إلى ابتغاء الثواب حصل له بفضل الله.
قَالَ: وَإذَا كَانَ هذا بهذا المحل مع ما فيه من حظ النفس فما الظن بغيره مِما لا حظ للنفس فيه.
(1) وهو بتمامه في "صحيح البُخَاريّ"(كتاب الجنائز، باب: رثاء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة) برقم (1295)، وهو أيضًا في (2742، 2744، 3936، 4409، 5354، 5659، 5668، 6373، 6733).
قَالَ: وتَمثيله باللقمة مبالغة في تَحقيق هذه القاعدة؛ لأنه إِذا ثبت الأجر في لقمة واحدة لزوجة غير المضطرة فما الظن بمن أطعم لُقَمًا لِمحتاج، أو عمل من الطاعات ما مشقته فوق مشقة ثمن اللقمة الَّذِي هو من الحقارة بالمحل الأدنَى، والله أعلم.