المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌38 - باب: إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم - النكت على صحيح البخاري - جـ ٢

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌37 - بَابُ: سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ وَالإِحْسَانِ وَعِلْمِ السَّاعَةِ

- ‌38 - بَابٌ

- ‌39 - بَابُ: فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ

- ‌40 - بَابٌ: أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌41 - باب: مَا جَاءَ إِنَّ الأَعْمَالَ بالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى

- ‌42 - باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ لله وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}

- ‌3 - كتاب العلم

- ‌1 - باب: فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌2 - باب: مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ في حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ

- ‌3 - باب: مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بالْعِلْمِ

- ‌4 - باب: قَوْلِ الْمُحَدِّثِ: حَدَّثَنَا، وأَخْبَرَنَا، وَأَنْبَأَنَا

- ‌5 - بابُ: طَرْحِ الإمَام الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ

- ‌6 - بابُ: مَاجَاءَ في الْعِلْمِ

- ‌7 - بَابُ: مَا يُذْكَرُ في الْمُنَاوَلَةِ وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بالْعِلْمِ إِلى الْبُلْدَانِ

- ‌8 - بَابُ: مَنْ قَعَدَ حَيْثُ يَنْتَهِي بهِ الْمَجْلِسُ وَمَنْ رَأَى فُرْجَةً في الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا

- ‌9 - باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ

- ‌10 - بَابُ: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ

- ‌11 - باب: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُهُمْ بالْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ كَيْ لَا يَنْفِرُوا

- ‌12 - باب: مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ الْعِلْمِ يَوْمًا مَعْلُومًا

- ‌13 - باب: مَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ

- ‌14 - باب: الْفَهْمِ في الْعِلْمِ

- ‌15 - باب: الاغْتِبَاط في الْعِلْمِ وَالْحِكمَةِ وَقَالَ عُمَرُ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا

- ‌16 - باب: مَا ذُكِرَ في ذَهَابِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم في الْبَحْرِ إِلَى الْخَضِرِ

- ‌17 - باب: قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ

- ‌18 - باب: مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ

- ‌19 - باب: الْخُرُوجِ في طَلَبِ الْعِلْمِ، وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ في حَدِيثٍ وَاحِدٍ

- ‌20 - باب: فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ

- ‌21 - باب: رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ، وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ

- ‌22 - باب: فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌23 - باب: الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا

- ‌24 - باب: مَنْ أَجَابَ الْفُتْيَا بإِشَارَةِ الْيَدِ وَالرَّأْسِ

- ‌25 - باب: تَحْرِيضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإيمَانَ وَالْعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ

- ‌26 - باب: الرِّحْلَةِ في الْمَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ

- ‌27 - باب: التَّنَاوُبِ في الْعِلْمِ

- ‌28 - باب: الْغَضَبِ في الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ

- ‌29 - باب: مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوِ الْمُحَدِّثِ

- ‌30 - باب: مَنْ أَعَادَ الْحَدِيْثَ ثَلَاثًا لِيُفْهَمَ

- ‌31 - باب: تَعلِيمِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ

- ‌32 - باب: عِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ وَتَعلِيمِهِنَّ

- ‌33 - باب: الْحِرْصِ عَلَى الْحَدِيثِ

- ‌34 - باب: كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ

- ‌35 - باب: هَلْ يَجْعَلُ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا عَلَى حِدَةٍ في العِلْمِ

- ‌36 - باب: مَنْ سَمِعَ شَيْئًا، فَرَاجَعَهُ حَتَّى يَعْرِفَهُ

- ‌37 - باب: لِيُبَلِّغِ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائبَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌38 - باب: إِثمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌39 - باب: كِتَابَةِ الْعِلْمِ

- ‌40 - باب: الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ باللَّيْلِ

- ‌41 - باب: السَّمَرِ بالْعِلْمِ

- ‌42 - باب: حِفْظِ الْعِلْمِ

الفصل: ‌38 - باب: إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم

‌38 - باب: إِثمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

-

105 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ، قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَكْذِبُوا عَلِيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلِيَّ فَلْيَلِجِ النَّارَ".

قَوْلُهُ: (باب إثم من كذب عَلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) ليس في الأحاديث الَّتِي في الباب تصريح بالإثم، وإنما هو مستفاد من الوعيد بالنار عَلى ذَلِكَ لأنه لازمه.

قَوْلُهُ: (منصور) هو ابن المُعْتَمر الكوفي، وهو تابعي صغير.

و(رِبْعي) بكسر أوله وإسكان الموحدة، وأبوه حِرَاش بكسر المهملة وهو من كبار التابعين.

قَوْلُهُ: (سمعت عليًّا) هو ابن أبي طالب رضي الله عنه.

قَوْلُهُ: (لا تكذبوا عليَّ) هو عام في كل كاذب، مطلق في كل نوع من الكذب، ومعناه: لا تنسبوا الكذب إليَّ، ولا مفهوم لقوله:"عَلِيَّ" لأنه لا يتصور أن يكذب له، لنهيه عن مطلق الكذب.

وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا [152 / ب] أحاديث في الترغيب والترهيب، وقالوا: نَحن لم نكذب عليه، بل فعلنا ذَلِكَ لتأييد شريعته، وما دروا أن تقويله صلى الله عليه وسلم ما لَم يقل يقتضي الكذب عَلى الله تعالَى؛ لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية، سواء أكان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما، وهذه المسألة مبسوطة في علوم الحديث، وفِي ما كتبته عليه من النكت نفع الله بذلك.

قَوْلُهُ: (فليلج النار) جعل الأمر بالولوج مسببًا عن الكذب، لأن لازم الأمر الإلزام، والإلزام بولوج النار سببه الكذب عليه، أو هو بلفظ الأمر ومعناه الخبر، ويؤيده رواية مُسْلِم من طريق غُندر عن شُعبة بلفظ:"من يكذب عليَّ يلج النار"(1)، ولابن ماجه من طريق شريك عن مَنْصور:"فإن الكذب عليَّ يولج -أي: يدخل- النار"(2).

(1)"صحيح مُسْلِم" في المقدمة (باب: تغليظ الكذب عَلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) برقم (1).

(2)

"سنن ابن ماجه" في المقدمة (باب: التغليظ في تعمد الكذب عَلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) برقم (31).

ص: 206

107 -

حدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعٍ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْر: إِنِّي لَا أَسْمَعُكَ تحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كَمَا يُحَدِّثُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ. قَالَ: أَمَا إِنِّي لَم أُفَارِقْهُ وَلكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُوُل: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتبَؤَأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أبو الوليد) هو الطَّيالسي.

و(جامع بن شداد) كوفي تابعي صغير.

وفِي الإسناد لطيفتان:

إحداهُما: أنَّه من رواية تابعي عن تابعي يرويه عن صحابي عن صحابي.

ثانيهما: أنَّه من رواية الأبناء عن الآباء بخصوص رواية الأب عن الجد، وقد أُفردت بالتصنيف.

قَوْلُهُ: (قُلْت للزُّبير) أي: ابن العَوَّام.

قَوْلُهُ: (تحدث) حذف مفعولها ليشمل.

قَوْلُهُ: (كما يتحدث فلان وفلان) سمى منهما في رواية ابن ماجه: "عبد الله بن مسعود"(1).

قَوْلُهُ: (أَمَا) بالميم المخففة، وهي من حروف التنبيه.

و(إني) بكسر الهمزة.

و(لَم أفارقه) أي: لَم أفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم، زاد الإسماعيلي:"منذ أسلمت"، والمراد: في الأغلب، وإلا فقد هاجر الزُّبير إلَى الحَبشة، وكذا لَم يكن مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حال هجرته إلَى المدينة، وإنما أورد هذا الكلام عَلى سبيل التوجيه للسؤال؛ لأن لازم الملازمة السماع، ولازمه عادة التحديث، لكن منعه من ذلك ما خشيه من معنى الحديث الَّذي ذكره، ولهذا أتى بقوله:"لكن".

(1)"سنن ابن ماجه" في المقدمة (باب: التغليظ في تعمد الكذب عَلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) برقم (36).

ص: 207

قَوْلُهُ: (من كذب عليَّ) كذا رَوَاهُ البُخَاريَّ ليس فيه "متعمدًا"، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق غُندر عن شُعبة.

وأخرجه ابن ماجه من طريقه وزاد فيه: "متعمدًا"، وكذا للإسماعيلي من طريق مُعاذ عن شُعبة، والاختلاف فيه عن شُعبة.

وقد أخرجه الدَّارمي [153 / أ] من طريق أخرى عن عبد الله بن الزُّبير بلفظ: "من حدث عني كذبًا"(1)، ولم يذكر العمد.

وفِي تمسك الزبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة الحديث دليل للأصح في أن الكذب: هو إخبار بالشيء علي خلاف ما هو عليه، سواء أكان عمدًا أم خطأ، والمخطئ وإن كان غير مأثوم بالإجماع لكن الزبير خشي من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر؛ لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار إذ الإكثار مظنة الخطأ.

والثقة إذا حدث بالخطأ فيُحمل عنه وهو لا يشعر أنَّه خطأ يُعمل به علي الدوام للوثوق بنقله، فيكون سببًا للعمل بما لم يقله الشارع، فمن خشي من الإكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار، فمن ثَمَّ توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث، وأما من كثر منهم فمحمولٌ علي أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبت، أو طالت أعمارهم فاحتيج إلَى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان رضي الله عنهم.

قَوْلُهُ: (فليتبوأ) أي: فليتخذ لنفسه منْزلًا، يقال: تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنًا، وهو أمر بمعنى الخبر أيضًا، أو بمعنى التهديد، أو بمعنى التهكم، أو دعاء على فاعل ذلك، أي: بوأه الله ذلك.

وقال الكرماني: يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته، والمعنى: مَن كذب فليأمر نفسه بالتبوء، ويلزم عليه. كذا قال وأولها أولاها.

قال الطيبي: فيه إشارة إلَى معنى القصد في الذنب وجزاؤه، أي: كما أنَّه قصد في الكذب التعمد فليقصد في جزائه التبوء.

(1)"سنن الدارمي" في المقدمة (باب: اتقاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم) برقم (233).

ص: 208

107 -

حدَّثَنَا أبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ أَنَسٌ: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي أَنْ أُحدَّثُكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".

قَوْلُهُ: (حدَّثَنَا أبو معمر) هو البصري المُقْعد.

و(عبد الوارث) هو ابن سعيد. و (عبد العزيز) هو ابن صُهيب والإسناد كله بصريون.

قَوْلُهُ (حَديثًا) المراد به: جنس الحديث، ولهذا وصفه بالكثرة.

قَوْلُهُ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم) هو وما بعده في محل الرفع؛ لأنه فاعل يمنعني، وإنَّما خشي أنس ممَّا خشي منه الزُّبير، ولهذا صَرَّح بلفظ الإكثار، فكان التقليل منهم للاحتراز، ومع ذلك فأنس من المكثرين؛ لأنه تأخرت وفاته فاحتيج إليه كما قدمنا ولم يمكنه الكتمان.

ص: 209

108 -

حدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ يَقُلْ عَليَّ مَا لَم أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".

قوْلُهُ: (حَدَّثَنَا المكي) هو اسم وليس بنسب كما تقدم، وهو من كبار [153 / ب] شيوخ البخاري، سمع من سبعة عشر نفسًا من التابعين، منهم: يزيد بن أبي عُبيد، وهو مولَى سَلَمة بن الأكْوَع صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث أول ثلاثي وقع في البخاري، وليس فيه أعلى من الثلاثيات، وقد أفردت فبلغت أكثر من عشرين حديثًا.

قَوْلُهُ: (من يقل) أصله: "يقول"، وإنَّما جزم بالشرط.

قوْلُهُ: (ما لَم أقل) أي: شيئًا لم أقله، فحذف العائد وذكر القول؛ لأنه الأكثر، وحكم الفعل كذلك لاشتراكهما في علة الامتناع.

وقد تمسك بظاهر هذا اللفظ من منع الرواية بالمعنى، وأجابَ المجيزون عنه بأن المراد النهي عن الإتيان بلفظ يوجب تغيير الحكم مع [أن](1) الإتيان باللفظ لا شك في أولويته، والله أعلم.

(1) زيادة من "الفتح".

ص: 210

110 -

حدَّثَني مُوسَى، قَالَ: حدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ في صُورَتِي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتبوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".

قَوْلُهُ: (حدَّثَني موسى) هو ابن إسماعيل التَّبُوذَكي.

قَوْلُهُ: (عن أبي حَصِين) هو بمهملتين مفتوح الأول.

و(أبو صالح) هو ذكوان السَّمّان، وقد ذكر المؤلف هذا الحديث بتمامه في كتاب الأدب من هذا الوجه (1)، ويأتي الكلام عليه فيه إن شاء الله تعالَى.

وقد اقتصر مسلم في روايته له على الجملة الأخيرة (2) وهي مقصود الباب، وإنما ساقه المؤلف بتمامه ولم يختصره كعادته؛ لينبه علي أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم يستوي فيه اليقظة والمنام، والله سبحانه وتعالى أعلم.

فإن قيل: الكذب معصية إلَّا ما استثنى في الاصطلاح وغيره، والمعاصي قد توعد عليها بالنار، فما الَّذي امتاز به الكاذب علي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوعيد على من كذب على غيره؟

فالجواب عنه من وجهين:

أحدهما: أن الكذب عليه يَكْفُر متعمده عند بعض أهل العلم، وهو الشيخ أبو محمد الجويني، لكن ضعفه ابنه إمام الحرمين ومن بعده. ومال ابن المُنَير إلَى اختياره، ووجَّهه بأن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلًا لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام، أو الحمل على استحلاله، واستحلال ذلك الحرام كُفر، والحملُ على الكُفر كُفر.

وفيما قاله نظر لا يخفى، والجمهور على أنَّه لا يكفر إلَّا إن اعتقد حلَّ ذلك.

(1)"صحيح البخاري"(كتاب الأدب، باب: من سمَّى بأسماء الأنبياء) برقم (6197).

(2)

"صحيح مسلم" في "المقدمة"(باب: تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) برقم (3).

ص: 211

الجواب الثاني: أن الكذب عليه كبيرة، والكذب على غيره صغيرة فافترقا، ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه أو [154 / أ] كذب علي غيره أن يكون مَقَرُّهما واحدًا أو طول إقامتهما سواء، فقد دل قوله صلى الله عليه وسلم:"فليتبوأ" علي طول الإقامة فيها، بل ظاهره أنَّه لا يخرج منها، لأنه لم يجعل له منْزلًا غيره؛ إلَّا أن الأدلة القطعية قامت على أن خلود التأبيد مختصٌّ بالكافرين.

وقد فرَّق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره كما سيأتي في الجنائز في حديث المغيرة حيث يقول: "إن كذبًا عليَّ ليس ككذب على أحد"(1). وسنذكر مباحثه هناك إن شاء الله تعالى، ونذكر فيه الاختلاف في توبة من تعمَّد الكذب عليه هل تقبل أو لا؟

* تنبيه:

رتب المصنف أحاديث الباب ترتيبًا حسنًا؛ لأنه بدأ بحديث عَلي وفيه مقصود الباب وثنى بحديث الزُّبير الدال على توقي الصحابة وتحرزهم من الكذب عليه، وثلث بحديث أنس الدال علي أن امتناعهم إنّما كان من الإكثار المفضي إلَى الخطإ، لا عن أصحاب التحديث؛ لأنهم مأمورون بالتبليغ، وختم بحديث أبي هريرة الَّذي فيه الإشارة إلَى استواء تحريم الكذب عليه سواء أكانت دعوى السماع فيه في اليقظة أم في المنام.

وقد أخرج البخاري حديث: "من كذب علي" من حديث المُغيرة، وهو في الجنائز، ومن حديث عبد الله بن عَمرو بن العاص، وهو في أخبار بني إسرائيل (2)، واتفق مسلم معه على تَخريج حديث علي وأنس وأبي هريرة والمغيرة (3)، وأخرجه مسلم من حديث أبي سعيد (4).

وصح أيضًا في غير الصحيحين من حديث عُثمان بن عَفَّان (5)، وابن مسعود (6)،

(1)"صحيح البخاري"(كتاب الجنائز، باب: ما يكره من النياحة على الميت) برقم (1291).

(2)

"صحيح البخاري"(كتاب أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل) برقم (3461).

(3)

الأحاديث الأربعة أخرجها مسلم في موضع واحد بهذا الترتيب في المقدمة (باب: تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأرقامها (1، 2، 3، 4).

(4)

"صحيح مسلم"(كتاب الزهد والرقائق، باب: التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم) برقم (3004).

(5)

أخرجه أحمد في "المسند"(1/ 65، 70).

(6)

أخرجه الترمذي في "السنن"(كتاب الفتن، بعد باب (ما جاء في النهي عن سب الرياح) برقم (2257)، وفي =

ص: 212

وابن عُمَر (1)، وأبي قتادة (2)، وجابر (3)، وزيد بن أَرْقم (4).

وورد بأسانيد حسان من حديث طلحة بن عُبيد الله (5)، وسعيد بن زيد (6)، وأبي عُبيدة بن الجراح (7)، ومُعاذ بن جبل (8)، وعُقبة بن عامر (9)، وعمران بن حُصين (10)، وسَلمان الفارسي (11)، ومُعاوية بن أبي سُفْيان (12)، ورَافع بن خديج (13)، وطارق الأشجعي (14)، والسائب بن يزيد (15)، وخالد بن عُرْفُطَة (16)، وأبي أُمَامة (17)، وأبي قرْصَافة (18)، وأبي موسى الغَافِقي (19)، وعائشة (20).

= (كتاب العلم، باب: ما جاء في تعظيم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) برقم (2659)، وابن ماجه في "السنن" في "المقدمة" (باب: التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) برقم (30)، وأحمد في "المسند"(1/ 389، 401، 402، 405، 436، 454).

(1)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(12/ 293)، وفي "المعجم الأوسط"(8033).

(2)

أخرجه ابن ماجه في "السنن" في المقدمة (باب: التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) برقم (35)، وأحمد في "المسند"(5/ 297، 310).

(3)

أخرجه ابن ماجه في "السنن" في المقدمة (باب: التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله) برقم (33)، وأحمد في "المسند"(3/ 303).

(4)

أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 366).

(5)

أخرجه أبو يعلى في "مسنده"(2/ 7) برقم (631)، والطبراني في "المعجم الكبير"(1/ 114).

(6)

أخرجه أبو يعلى في "مسنده"(2/ 257) برقم (966).

(7)

أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" في ترجمة عبد الرحمن بن قريش (10/ 282)، وابن عساكر في ترجمة ميسرة بن مسروق "تاريخ دمشق"(61/ 317، 318).

(8)

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(1202).

(9)

أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 156، 159، 201).

(10)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(18/ 186 - 187).

(11)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(6/ 262).

(12)

أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 100).

(13)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(4/ 268، 276).

(14)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(8/ 316).

(15)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(7/ 156).

(16)

أخرجه أحمد في "المسند"(5/ 292).

(17)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(8/ 122، 131 - 132).

(18)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(3/ 18).

(19)

أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 334).

(20)

أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" في ترجمة حصن بن عبد الرحمن التراغمي (14/ 360)، =

ص: 213

فهؤلاء ثلاثونَ نفسًا من الصحابة، وورد أيضًا عن نحو من خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة، وعن نحو من عشرين آخرين بأسانيد ساقطة.

وقد اعتنى جماعة من الحفاظ بجمع طرقه:

فأول من وقفت على كلامه في ذلك [154 / ب] إبراهيم الحربي وأبو بكر البَزَّار فقال كل منهما: إنه ورد من حديث أربعين من الصحابة.

وجمع طرقه أبو محمد يحيى بن محمد بن صَاعِد فزاد قليلًا.

وقال أبو بكر الصيرفي شارح رسالة الشافعي: رواه ستون نفسًا من الصحابة، وجمع طرقه الطبراني فزاد قليلًا. وقال أبو القاسم بن مندة: رواه أكثر من ثمانين نفسًا.

وقد جمع طرقه ابن الجوزي في مقدمة كتاب "الموضوعات" فجاوز التسعين، وبذلك جزم ابن دِحْية.

ثم جمعها الحافظان يوسف بن خليل وأبو علي البكري وهُما متعاصران فوقع لكل منهما ما ليس عند الآخر، وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة، على ما فصلته من صحيح وحسن وضعيف وساقط، مع أن فيها ما هو في مطلق ذم الكذب عليه من غير تقييد بهذا الوعيد الخاص.

ولأجل كثرة طرقه أطلق عليه جماعة أنَّه متواتر، ونازع بعض مشايخنا في ذلك، قال: لأن شرط المتواتر استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة، وليست موجودة في كل طريق بمفردها.

وأجيب: بأن المراد بإطلاق كونه متواترًا رواية المجموع عن المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر، وهذا كافٍ في إفادة العلم، وأيضًا فطريق أنس وحدها قد رواها عنه العدد الكثير وتواترت عنهم.

= وفِي ترجمة سعيد بن يزيد بن معيوف الحجوري (21/ 330).

ص: 214

نعم؛ وحديث علي رواه عنه ستة من مشاهير التابعين وثقاتهم، وكذا حديث ابن مسعود، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، فلو قيل في كل منها أنَّه متواتر عن صحابيه لكان صحيحًا.

فإن العدد المعين لا يشترط في المتواتر، بل ما أفاد العلم كفى، والصفات العلية في الرواية تقوم مقام العدد أو تَزيد عليه كما قررته في نُكَت علوم الحديث وفي شرح نُخْبَة الفِكَر، وبينت هناك الرد علي من ادَّعى أن مثال المتواتر لا يوجد إلَّا في هذا الحديث، وبينت أن أمثلته كثيرة، منها: حديث: "من بنى لله مسجدًا"، "والمسح على الخفين"، و"رفع اليدين"، و"الشفاعة"، و"الحوض"، و"رؤية الله في الآخرة"، و"الأئمة من قُريش"، وغير ذلك، والله المستعان.

ص: 215