الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
34 - باب: كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ
.
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بْنِ حَزْمٍ: انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَاكْتُبهُ، فَإِّني خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ، وَلَا تَقْبَلْ إِلَّا حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلْتُفْشُوا الْعِلْمَ، وَلِتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لَا يَعْلَمُ، فَإِنَّ الْعِلْمَ لَا يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا. حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ حدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْن مسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ بِذَلِكَ، يَعْنى حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى قَوْلِهِ:"ذَهَابَ الْعُلَمَاءِ".
قَوْلُهُ: (باب: كيف يُقبض العلم؟ ) أي: كيفية قبض العلم.
قَوْلُهُ: (إلَى أبي بكر بن حَزْم)[149 / ب] هو ابن مُحَمَّد بن عَمرو بن حَزْم الأنصاري، نسب إلَى جد أبيه، ولِجده عَمرو صُحبة، ولأبيه مُحَمَّد رؤية.
وأبو بكر تابعي فقيه، استعمله عُمر بن عبد العزيز عَلى إمرة المدينة وقضائها؛ ولهذا كتب إليه، ولا يعرف له اسم سوى أبي بكر، فقيل: كنيته أبو عبد الملك واسمه أبو بكر، وقيل: اسمه كنيته.
قَوْلُهُ: (انظر ما كَانَ) أي: اجمع الَّذِي تَجد، ووقع هنا للكُشْميهني:"عندك"، أي: في بلدك.
قَوْلُهُ: (فاكتبه) يستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي، وكانوا قبل ذلِكَ يعتمدون عَلى الحفظ، فلما خاف عُمر بن عبد العزيز -وَكَانَ عَلى رأس المائة الأُولى- من ذهاب العلم بموت العلماء رأى أن في تدوينه ضبطًا له وإبقاء.
وقد روى أبو نُعيم في تاريخ أصبهان هذه القصة بلفظ: كتب عُمر بن عبد العزيز إلَى الآفاق: انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه (1).
قَوْلُهُ: (ولا يُقبل) هو بضم الياء التحتانية وسكون اللام، وبسكونها وكسرها معًا في "وَلِيُفْشُوا"، "وَليَجْلِسُوا".
(1)"تاريخ أصبهان" ترجمة: درهم بن مظاهر الزبيري (1/ 366).
قَوْلُهُ: (حَتَى يُعلَّم) هو بضم أوله وتشديد اللام، وللكُشْمَيهني:"يَعْلَم" بفتح أوله وتَخفيف اللام.
قَوْلُهُ: (يَهلِك) هو بفتح أوله وكسر اللام.
قَوْلُهُ: (حدَّثنَا العلاء) لَم يقع وصل هذا التعليق عند الكُشْميهني ولا كَريمة ولا ابن عساكر.
قَوْلُهُ: (إلَى قَوْلهِ ذهاب العلماء) محتمل لأن يكون ما بعده ليس من كلام عُمر، أو من كلامه ولَم يدخل في هذه الرواية، والأول أظهر، وبه صرَّح أبو نُعيم في المستخرج، ولَم أجده في مواضع كثيرة إلَّا كذلك.
وَعَلى هذا فبقيته من كلام المصنف أورده تلو كلام عُمر، ثُمَّ بَيَّن بعد ذَلِكَ غاية ما انتهى إليه كلام عُمر بن عبد العزيز -رَحِمَهُ الله تعَالَى-.
100 -
حدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَني مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ الله لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا". قَالَ الْفِرَبْرِيُّ: حَدَّثَنَا عَيَّاش، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ: (حدَّثَني مالك) قَالَ الدَّارقطني: لَم يروه في "الموطأ" إلَّا معن بن عيسى، وَرَوَاهُ أصحاب مالك كابن وهب وغيره عن مالك خارج "الموطأ". وأفاد ابن عبد البر أن سليمان بن بُرْد رَوَاهُ أيضًا في"الموطأ"، والله أعلم.
وقد اشتهر هذا الحديث من رواية هشام بن عروة، فوقع [150 / أ] لنا من رواية أكثر من سبعين نفسًا عنه من أهل الحرمين والعِرَاقَيْنِ (1) والشام وخُرَاسان ومصر وغيرها، ووافقه عَلى روايته عن أبيه عُروة: أبو الأسود المدني وحديثه في الصحيحين (2)، والزهري وحديثه في النسائي (3)، ويحيى بن أبي كَثير وحديثه في صحيح أبي عوانة، ووافق أباه عَلى روايته عن عبد الله بن عَمرو: عمر بن الحكم بن ثوبان وحديثه في مسلم (4).
قَوْلُهُ: (لا يقبض العلم انتزاعًا) أي: مَحْوًا من الصدور، وَكَانَ تحديث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بذلك في حجة الوداع كما رواه أَحْمَد والطبراني من حديث أبي أَمامة قَالَ: لما كَانَ في حجة الوداع قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "خُذوا العلم قبل أن يُقبض أو يُرفع"، فَقَالَ أعرابي: كيف يُرفع؟ فقال: "ألا إن ذهاب العلم ذهاب حَملته". ثلاث مرات (5).
(1) هما: الكوفة والبصرة.
(2)
"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس) برقم (7307)، وَمُسْلِم (كتاب العلم، باب: رفع العلم وقبضه. . . .) برقم (2673).
(3)
"السنن الكبرى"(كتاب العلم، باب: كيف يرفع العلم)(3/ 456) برقم (5908).
(4)
"صحيح مسلم"(كتاب العلم، باب: رفع العلم وقبضه. . .) برقم (2673).
(5)
"مسند أَحْمَد"(5/ 266)، والطبراني في "المعجم الكبير"(8/ 232).
قال ابن المنير: محو العلم من الصدور جائز في القدرة؛ إلَّا أن هذا الحديث دل علي عدم وقوعه.
وقوله: (حتَّى إذا لم يبق عالم) هو بفتح الياء والقاف، وللأصيلي بضم الياء وكسر القاف، و"عالمًا" منصوب، أي: لم يبق الله عالمًا، وفي رواية مسلم:"حتَّى إذا لم يترك عالمًا".
قوله: (رُءوسًا) قال النووي: ضبطناه بضم الهمزة والتنوين، جمع رأس.
قُلْت: وفي رواية أبي ذر أيضًا بفتح الهمزة، وفي آخره هَمزة أخرى مفتوحة جَمع رئيس.
قَوْلُهُ: (بغير علم) وفِي رواية أبي الأسود في الاعتصام عند المصنف: "فيفتون برأيهم"، ورواها مُسْلِم كالأولى.
قوْلُهُ: (قَالَ الفِرَبْرِي) هذا من زيادات الراوي عن البُخَاريَّ في بعض الأسانيد، وهي قليلة.
قَوْلُهُ: (نَحوه) أي: بمعنى حديث مالك، ولفظ رواية قتيبة هذه أخرجها مُسْلِم عنه.
وفِي هذا الحديث الحث عَلى حفظ العلم، والتحذير من ترئيس الجهلة، وفيه أن الفتوى هِيَ الرئاسة الحقيقية، وذم من يقدم عليها بغير علم. واستدل به الجمهور عَلى القول بخلوِّ الزمان عن مُجتهد، ولله الأمر يفعل ما يشاء.