الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
39 - باب: كِتَابَةِ الْعِلْمِ
111 -
حدَّثنَا ابْنُ سَلَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُطَرَّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلي: هَلْ عِنْدَكُمْ كتَابٌ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا كتَابُ الله، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أوْ مَا في هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ: قُلْتُ: كما في هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الأَسِير، وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ.
قَوْلُهُ: (باب كتابة العلم) طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف ألَّا يجزم فيها بشيء، بل يوردها على [155 /أ] الاحتمال، وهذه الترجمة من ذلك؛ لأن السلف اختلفوا في ذلك عملًا وتركًا، وإن كان الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم، بل على استحبابه، بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممَّن يتعين عليه تبليغ العلم.
قَوْلُهُ: (حدَّثَنا ابن سَلام) كذا للأَصيلي، واسمه محمد، وقد صَرَّح به أبو ذر وغيره.
قوْلُهُ: (عن سفيان) هو الثَّوْري؛ لأن وكيعًا مشهور بالرواية عنه، وقال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف: يقال إنه ابن عُيَيْنة.
قلت: لو كان ابن عيينة لنسبه، لأن القاعدة في كل [من](1) روى عن متفقي الاسم أن يُحمل من أُهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه كما قدمناه قبل هذا، وهكذا نقول هنا؛ لأن وكيعًا قليل الرواية عن ابن عيينة بخلاف الثوري.
قَوْلُهُ: (عن مُطَرِّف) هو بفتح الطاء المهملة وكسر الراء، ابن طَريف بطاء مهملة أيضًا.
قَوْلُهُ: (عن الشَّعْبي) وللمصنف في الديات: "سمعتُ الشَّعْبي"(2).
(1) زيادة من "الفتح".
(2)
"صحيح البخاري"(كتاب الديات، باب: العاقلة. وباب: لا يقتل المسلم بالكافر) برقم (6903، 6915).
قَوْلُهُ: (عن أبي جُحَيْفة) هو وهب السُّوائي، وقد صَرَّح بذلك الإسماعيلي في روايته، وللمصنف في الديات: سمعت أبا جُحَيْفة، والإسناد كله كوفيون إلَّا شيخ البخاري وقد دخل الكوفة، وهو من رواية صحابي عن صحابي.
قَوْلُهُ: (قلت لعلي) هو ابن أبي طالب رضي الله عنه.
قَوْلُهُ: (هل عندكم) الخطاب لعلي، والجمع إما لإرادته مع بقية أهل البيت أو للتعظيم.
قَوْلُهُ: (كتاب) أي: مكتوب أخذتموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ممَّا أوحي إليه، ويدل على ذلك رواية المصنف في الجهاد:"هل عندكم شيء من الوحي إلَّا ما في كتاب الله؟ "(1). وله في الديات: "هل عندكم شيء ممَّا ليس في القرآن؟ "(2). وفي مسند إسحاق بن راهويه عن جرير عن مطرف: "هل علمت شيئًا من الوحي؟ ".
وإنما سأله أبو جُحَيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن عند أهل البيت -لاسيما عليًّا- أشياء من الوحي خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بها لم يطلع غيرهم عليها.
وقد سأل عليًّا عن هذه المسألة أيضًا قيسُ بن عُبَاد وهو بضم المهملة وتخفيف الموحدة، والأشْتَر النَّخعي، وحديثهما في سنن النسائي (3).
قَوْلُهُ: (قال لا) زاد المصنف في الجهاد "لا والذي [155 / ب] فلق الحبة وبرأ النسمة"(4).
قَوْلُهُ: (إلَّا كتابُ الله) هو بالرفع.
(1)"صحيح البخاري"(كتاب الجهاد والسير، باب: فكاك الأسير) برقم (3047).
(2)
"صحيح البخاري"(كتاب الديات، باب: العاقلة. وباب: لا يقتل المسلم بالكافر) برقم (6903، 6915).
(3)
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى"(كتاب القسامة، باب: القود بين الأحرار والمماليك في النفس)(4/ 217) برقم (6936)، وفي (كتاب السير، باب: إعطاء العبد الأمان)(5/ 208) برقم (8682)، وكذلك في "السنن الصغرى"(كتاب القسامة، باب: القود بين الأحرار والمماليك في النفس)(8/ 19 - 20).
(4)
"صحيح البخاري"(كتاب الجهاد والسير، باب: فكاك الأسير) برقم (3047).
وقال ابن المُنَيِّر: فيه دليل علي أنَّه كان عنده أشياء مكتوبة من الفقه المستنبط من كتاب الله، وهي المراد بقوله:"أو فهم أعطيه رجل"؛ لأنه ذكره بالرفع، فلو كان الاستثناء من غير الجنس لكان منصوبًا.
كذا قال؛ والظاهر أن الاستثناء فيه منقطع، والمراد بذكر الفهم إثبات الزيادة على ما في الكتاب.
وقد رواه المصنف في الديات بلفظ: "ما عندنا إلَّا ما في القرآن، إلَّا فهمًا يعطى رجل في الكتاب" فالاستثناء الأول مفرغ والثاني منقطع، معناه: لكن إن أعطى الله رجلًا فهمًا في كتابه فهو يقدر على الاستنباط فتحصل عنده الزيادة بذلك الاعتبار.
وقد روى أحمد بإسناد حسن من طريق طارق بن شهاب، قال: شهدتُ عليًّا على المنبر وهو يقول: "والله ما عندنا كتاب نقرؤه إلَّا كتاب الله وهذه الصحيفة"(1). وهو يؤيد ما قلناه أنَّه لم يُرِد بالفهم شيئًا مكتوبًا.
قَوْلُهُ: (الصحيفة) أي: الورقة المكتوبة، وللنسائي من طريق الأَشْتر:"فأخرج كتابًا من قِرَاب سيفه".
قَوْلُهُ: (العقل) أي: الدية، وإنَّما سُميت به لأنهم كانوا يعطون فيها الإبل ويربطونها بفناء دار المقتول بالعِقَال: وهو الحبل، ووقع في رواية ابن ماجة بدل "العقل""الديات"(2)، والمراد أحكامها ومقاديرها وأصنافها.
قَوْلُهُ: (وفِكَاك) هو بكسر الفاء وفتحها، وقال القَزَّاز (3): -بالفتح أفصح-، والمعنى: أن فيها حكم تخليص الأسير من يد العدو والترغيب في ذلك.
قَوْلُهُ: (ولا يُقتلُ) بضم اللام، وللكُشْمَيهني:"وألَّا يقتل"، بفتح اللام، وعطفت الجملة علي المفرد؛ لأن التقدير: فيها -أي: الصحيفة- حكم العَقْل وحكم تَحريم قتل
(1) مسند أحمد (1/ 100).
(2)
"سنن ابن ماجه"(كتاب الديات، باب: لا يقتل مسلم بكافر) برقم (2658).
(3)
في "الفتح": "الفراء".
المسلم بالكافر، وسيأتي الكلام على مسألة قتل المسلم بالكافر في كتاب القصاص إن شاء الله تعالَى.
ووقع للمصنف ومسلم من طريق يزيد التيمي عن علي قال: "ما عندنا شيء نقرؤه إلَّا كتاب الله وهذه الصحيفة فإذا فيها: المدينة حرم. . . ." الحديث (1).
ولمسلم عن أبي الطُّفيل، عن عَليٍّ:"ما خَصَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يَعُمَّ به الناس كافة إلَّا ما في قِرَاب سيفي هذا". فأخرج صحيفة مكتوبة فيها: "لعن الله من ذَبَح لغير الله. . . ."(2) الحديث.
وللنسائي من طريق الأَشْتَر وغيره عن عليٍّ: "فإذا فيها: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم [156 / أ] أدناهم. . . ." الحديث (3).
ولأحمد من طريق طارق بن شهاب "فيها فرائض الصدقة"(4).
والجمع بين الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدة، وكان جميع ذلك مكتوبًا فيها، فنقل كل من الرواة عنه ما حفظه، والله أعلم.
وقد بَيَّن ذلك قتادة في روايته لهذا الحديث عن أبي حسان عن علي، وَبَيَّن أيضًا السبب في سؤالهم لعلي رضي الله عنه عن ذلك، أخرجه أحمد والبيهقي في "الدلائل" من طريق أبي حَسَّان أن عليًّا: كان يأمر بالأمر فيقال: قد فعلناه، فيقول: صدق الله ورسوله، فقال له الأشْتَر: هذا الَّذي تقول أهو شيء عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون الناس (5)؟ فذكره بطوله.
(1)"صحيح البخاري"(كتاب الحج، باب: حرم المدينة) برقم (1870)، وكذلك في الأرقام التالية:(3172، 3179، 6755، 7300)، ومسلم (كتاب الحج، باب: فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة) برقم (1370).
(2)
"صحيح مسلم"(كتاب الأضاحي، باب: تحريم الذبح لغير الله تعالَى ولعن فاعله) برقم (1978).
(3)
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى"(كتاب القسامة، باب: القود بين الأحرار والمماليك في النفس)(4/ 217) برقم (6936)، وفي (كتاب السير، باب: إعطاء العبد الأمان)(5/ 208) برقم (8682)، وكذلك في "السنن الصغرى"(كتاب القسامة، باب: القود بين الأحرار والمماليك في النفس)(8/ 19 - 20).
(4)
أخرجه أحمد في "المسند"(1/ 100).
(5)
أخرجه أحمد في "المسند"(1/ 119)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(7/ 228).
112 -
حدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيىَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ خُزَاعَةَ، قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ بَني لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَكِبَ رَاحِلته، فَخَطَبَ فَقَالَ:"إِنَّ الله حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ أَوِ الْفِيلَ -قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: كَذَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَاجْعَلُوا عَلَى الشَكِّ الْفِيْلَ أَو الْقَتْلَ، وَغَيْرُهُ يَقُولُ: الْفِيْلَ- وَسُلِّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنُونَ، أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ، فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ". فَجَاءَ رَجُل مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ: "اكْتبوا لأَبِي فُلَانٍ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا الإِذْخِرَ يَا رَسُولَ الله، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ في بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِلَّا الإذْخِرَ، إِلَّا الإِذْخِرَ".
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا شَيْبَان) هو ابن عبد الرحمن، يكنى أبا مُعَاوية، وهو بفتح الشين المعجمة بعدها ياء تحتانية ثم موحدة، وليس في البخاري بهذه الصورة غيره.
قَوْلُهُ: (عن يَحيى) هو ابن أبي كثير.
قَوْلُهُ: (عن أبي سَلَمة) في رواية المصنف في الديات: "ثَنَا أبو سلمة: ثَنا أبو هريرة"(1).
قَوْلُهُ: (أن خُزَاعَة) أي: القبيلة المشهورة، والمراد واحد منهم، فَأُطلق عليه اسم القبيلة مجازًا، واسم هذا القاتل خِرَاش بن أُمَيَّة الخُزَاعي، والمقتول في الجاهلية منهم اسمه أَحْمَر، والمقتول في الإسلام من بني لَيْث لم يسم (2).
(1)"صحيح البخاري"(كتاب الديات، باب: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين) برقم (6880).
(2)
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عند (كتاب الديات، باب: من قتل له قيل فهو بخير النظرين) عند الحديث رقم (6880): وقد ذكرت في كتاب العلم أن اسم القاتل من خزاعة خراش بمعجمتين ابن أمية الخزاعي، وأن المقتول منهم في الجاهلية كان اسمه أحمر وأن =
قَوْلُهُ: (حَبَسَ) أي: منع عن مكة.
(القتل) أي: بالقاف والمثناة من فوق.
(أو الفيل) أي: بالفاء المكسورة بعدها ياء تحتانية.
قوْلُهُ: (كذا قال أبو نُعيم) أراد البخاري أن الشك فيه من شيخه.
قَوْلُهُ: (وغيره يقول: الفيل) أي: بالفاء ولا يشك، والمراد بالغير: مَن رواه عن شيبان رفيقًا لأبي نُعَيم: وهو عُبَيد الله بن موسى، ومن رواه عن يحيى رفيقًا لشيبان: وهو حَرْب بن شَدَّاد كما سيأتي بيانه عند المصنف في الديات (1).
والمراد بحبس الفيل أهل الفيل، وأشار بذلك إلى القصة المشهورة للحَبَشة في غزوهم مكة ومعهم الفيل، فمنعها الله منهم، وسلط عليهم الطير الأبابيل مع كون أهل مكة إذ ذاك كانوا كفارًا، فَحُرْمَة أهلها بعد الإسلام آكد، لكن غزو النبي صلى الله عليه وسلم إيَّاها مخصوص به على ظاهر هذا الحديث وغيره، وسيأتي الكلام علي المسألة في كتاب الحج مفصلًا إن شاء الله.
قَوْلُهُ: (وسُلِّط) هو بضم أوله.
و(رسول) مرفوع.
= المقتول من بني ليث لم يسم وكذا القاتل، ثم رأيت في "السيرة النبوية" ابن إسحاق أن الخزاعي المقتول اسمه منبه.
قال ابن إسحاق في "المغازي": "حَدَّثني سعيد بن أبي سندر الأسلمي، عن رجل من قومه قال: كان معنا رجل يقال له أحمر، كان شجاعًا، وكان إذا نامَ غط، فإذا طرقهم شيء، صاحوا به فيثور مثل الأسد، فغزاهم قوم من هذيل في الجاهلية، فقال لهم ابن الأثوع -وهو بالثاء المثلثة والعين المهملة-: لا تعجلوا حتَّى أنظر، فإن كان أحمر فيهم فلا سبيل إليهم، فاستمع فإذا غطيط أحمر، فمشى إليه حتَّى وضع السيف في صدره فقتله، وأغاروا على الحي، فلما كان عام الفتح، وكان الغد من يوم الفتح، أتى ابن الأثوع الهذلي حتَّى دخل مكة وهو على شركه، فرأته خزاعة فعرفوه، فأقبل خراش بن أمية فقال: أفرجوا عن الرجل، فطعنه بالسيف في بطنه فوقع قتيلًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر خزاعة! ارفعوا أيديكم عن القتل، ولقد قتلتم قتيلًا لأدينه. . . ." إلَى آخر كلامه يرحمه الله.
(1)
"صحيح البخاري"(كتاب الديات، باب: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين) برقم (6880).
و (المؤمنون) معطوف عليه.
قوْلُهُ: [156 / ب](ولا تحل) للكشْمَيهني: "ولم تحل"، وللمصنف في اللُّقطة من طريق الأوزاعي عن يحيى:"ولن"(1)، وهي أليق بالمستقبل.
قَوْلُهُ: (لا يُخْتَلَى) بالخاء المعجمة، أي لا يحصد، يقال خليته إذا قطعته، وذكر الشوك دال على منع قطع غيره من باب أولَى، وسيأتي ذكر الخلاف فيه في الحج إن شاء الله تعالَى.
قوْلُهُ: (إلَّا لِمنشد) أي: معرف، وسيأتي الكلام علي هذه المسألة في كتاب اللقطة إن شاء الله تعالَى.
قَوْلُهُ: (فمن قتل فهو بخير النظرين) كذا وقع هنا، وفيه حذف وقع بيانه في رواية المصنف في الديات عن أبي نُعيم بهذا الإسناد:"فمن قتل له قتيل".
قوْلُهُ: (وإما أن يقاد) هو بالقاف، أي: يَقْتَص، ووقع في رواية لمسلم:"إمَّا أن يفادي"(2)، بالفاء وزيادة ياء بعد الدال.
والصواب أن الرواية على وجهين، من قالها بالقاف قال فيما قبلها:"إما أن يعقل" من العَقْل: وهو الدية، ومن قالها بالفاء قال فيما قبلها:"إما أن يقتل" بالقاف والمثناة، والحاصل تفسير "النظرين" بالقصاص أو الدية، وفي المسألة بحث يأتي في الديات إن شاء الله تعالَى.
قَوْلُهُ: (فجاء رجل من أهل اليمن) هو أبو شَاهٍ بهاء منونة، وسيأتي في اللُّقطة مُسمى، والإشارة إلَى من حرَّفه، وهناك من الزيادة عن الوليد بن مسلم:"قلت للأوزاعي: ما قوله: "اكتبوا لي؟ " قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم". قلت: وبهذا تظهر مطابقة الحديث للترجمة.
(1)"صحيح البخاري"(كتاب اللقطة، باب: كيف تعرف لقطة أهل مكة؟ ) برقم (2434).
(2)
"صحيح مسلم"(كتاب الحج، باب: تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلَّا لمنشد على الدوام) برقم (1355)، ولكن لفظه:"إما أن يفدى وإما أن يقتل".
قَوْلُهُ: (فقال رجل من قريش) هو العباس بن عبد المطلب كما يأتي في اللقطة، ووقع في رواية لابن أبي شيبة:"فقال رجل من قريش يُقال: له شاه"(1). وهو غلط.
قَوْلُهُ: (إلَّا الإذخر) هو في روايتنا بالنصب، ويجوز رفعه على البدل مما قبله.
قَوْلُهُ: (إلَّا الإذخر إلَّا الإذخر) كذا هو في روايتنا، والثانية على سبيل التأكيد.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(كتاب المغازي، باب: حديث فتح مكة)(7/ 398) برقم (36900).
113 -
حدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عمرو) هو ابن دينار المكي.
قَوْلُهُ: (عن أخيه) هو هَمَّام بن مُنَبه بتشديد الموحدة المكسورة، وكان أكبر منه سنًا، لكن تأخرت وفاته عن وهب، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين من طبقة متقاربة أولهم عمرو.
قَوْلُهُ: (فإنه كان يكتب ولا أكتب) فهذا استدلال من أبي هريرة على ما ذكره من أكثرية ما عند عبد الله بن عمرو -أي: ابن العاص- على ما عنده.
ويُستفاد من ذلك أن أبا هريرة كان جازمًا بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم منه إلَّا [157 /أ] عبد الله، مع أن الموجود المروي عن عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة بأضعاف مضاعفة.
فإن قلنا: الاستثناء منقطع فلا إشكال؛ إذ التقدير لكن الَّذي كان من عبد الله وهو الكتابة لم يكن مني، سواء لزم منه كونه أكثر حديثًا لما تقتضيه العادة أم لا.
وإن قلنا: الاستثناء متصل فالسبب فيه من جهات:
أحدها: أن عبد الله كان مشتغلًا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم فقلَّت الرواية عنه.
ثانيها: أنَّه كان أكثر مُقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف، ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلَى المدينة، وكان أبو هريرة متصدِّيًا فيها للفتوى والتحديث إلَى أن مات، ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة، فقد ذكر البخاري أنَّه روى عنه ثمانمائة نفس من التابعين، ولم يقع هذا لغيره.
ثالثها: ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بألَّا ينسى ما يحدثه به كما سنذكره قريبًا.
رابعها: أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحِمْل جَمَل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها ويحدث منها، فتجنب الأخذ عنه كثير من أئمة التابعين، والله أعلم.
قَوْلُهُ: (تابعه مَعْمَر) أي: ابن راشد، يعني: تابع وهب بن مُنَبِّه في روايته لهذا الحديث عن هَمَّام، والمتابعة المذكورة أخرجها عبد الرزاق عن مَعْمَر (1)، وأخرجها أبو بكر بن علي المروزي في كتاب العلم له عن حجاج بن الشَّاعر عنه.
وروى أحمد والبيهقي في "المدخل" من طريق عَمرو بن شُعيب، عن مُجاهد، والمغيرة بن حَكيم قالا: سَمعنا أبا هريرة يقول: "ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا ما كان من عبد الله بن عَمرو فإنه كان يكتب بيده ويعي بقلبه، وكنت أعي ولا أكتب، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب عنه فأذن له"(2). إسناده حسن، ولا يلزم منه أن يكونا في الوعي سواء؛ لِمَا قدمناه من اختصاص أبي هريرة بالدعاء بعدم النسيان.
ويُستفاد منه ومن حديث علي المتقدم ومن قصة أبي شَاهٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابة الحديث عنه، وهو يُعارض حديث أبي سعيد الخُدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تكتبوا عني شيئًا غير القرآن". رواه مسلم (3).
والجمع بينهما أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره، والإذن في [157/ ب] غير ذلك، أو أن النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد والإذن في تفريقهما، أو النهي متقدم والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس وهو أقربها مع أنه لا ينافيها.
(1)"مصنف عبد الرزاق"(11/ 259).
(2)
أخرجه: أحمد في "المسند"(2/ 403)، والبيهقي في "المدخل إلَى السنن الكبرى"(2/ 228 - 229).
(3)
"صحيح مسلم"(كتاب الزهد، باب: التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم) برقم (3004)، ولفظه:"لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه". أما اللفظ الذي ذكره الحافظ فهو لفظ أحمد، أخرجه في "المسند"(3/ 56).
وقيل: النهي خاص لمن خُشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ، والإذن لمن أمن منه ذلك، ومنهم من أعلَّ حديث أبي سعيد، وقال: الصواب وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري وغيره.
قال العلماء: كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث، واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظًا كما أخذوا حفظًا، لكن لما قَصُرت الهمم وخَشي الأئمة ضياع العلم دَوَّنُوه.
وأول من دون الحديث ابن شهاب الزُّهري على رأس المائة بأمر عُمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين، ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير. ولله الحمد.
114 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ قَالَ: "ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ". قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ الله حَسْبُنَا، فَاخْتَلَفُوا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ. قَالَ:"قُومُوا عَنِّي، وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ". فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ كِتَابِهِ.
(أخبرني يونس) هو ابن يزيد.
قَوْلُهُ: (عن عبيد الله بن عبد الله) أي ابن عُتبة بن مَسْعود.
قَوْلُهُ: (لَمَّا اشتد) أي: قوي.
قَوْلُهُ: (وجعه) أي: في مرض موته، وللمصنف في المغازي:"لما حضر"(1)، وللإسماعيلي:"لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة"، وللمصنف من حديث سعيد بن جُبير أن ذلك كان يوم الخميس (2)، وهو قبل موته صلى الله عليه وسلم بأربعة أيام.
قَوْلُهُ: (بكتاب) أي: "بأدوات الكتاب، ففيه مجاز الحذف، وقد صَرَّح بذلك في رواية لمسلم قال: "ائتوني بالكتف والدواة" (3). والمراد بالكتف: عظم الكتف؛ لأنهم كانوا يكتبون فيها.
قَوْلُهُ: (أكتب) هو بإسْكَان الباء جواب الأمر، وَيجوز الرفع على الاستئناف، وفيه مَجاز أيضًا؛ أي: آمر بالكتابة، ويحتمل أن يكون على ظاهره، كما سيأتي البحث في المسألة في كتاب الصلح إن شاء الله تعالَى.
(1)"صحيح البخاري"(كتاب المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته) برقم (4432).
(2)
"صحيح البخاري"(كتاب الجهاد والسير، باب: هل يستشفع إلَى أهل الذمة ومعاملتهم) برقم (3053)، وكذلك في المواضع التالية:(3168، 4431).
(3)
"صحيح مسلم"(كتاب الوصية، باب: ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه) برقم (1637).
وفي مسند أحمد من حديث علي أنه المأمور بذلك، ولفظه:"أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطبق -أي: كتف- يكتب ما لا تضل أمتُهُ من بعده"(1).
قَؤلُهُ: (كتابًا) بعد قوله: "بكتاب" فيه الجناس التام بين الكلمتين وإن كانت إحداهُمَا بالحقيقة والأخرى بالمجاز.
قَوْلُهُ: (لا تضلوا) هو نفي، وحذفت النون في الروايات التي اتصلت لنا؛ لأنه بدل من جواب الأمر، وتعدد جواب الأمر من غير حرف العطف جائز.
قَوْلُهُ: (غلبه الوجع) أي: فيشق عليه إملاء الكتاب أو مباشرة الكتاب، وكأن عُمر فهم من ذلك أنه يقتضي التطويل.
قال القُرْطبي وغيره: "ائتوني" أمر، وكان حق المأمور أن يبادر إلَى الامتثال [158/ أ] لكن ظهر لعُمر مع طائفة أنه ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلَى الأصلح، فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة، مع استحضارهم قوله تعالَى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]. وقوله تعالَى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]. ولهذا قال عمر: "حسبنا كتاب الله".
وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن تكتب؛ لما فيه من امتثال أمره، وما يتضمنه من زيادة الإيضاح.
ودل أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار؛ ولِهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أيامًا ولم يعاود أمرهم بذلك، ولو كان واجبًا لم يتركه لاختلافهم؛ لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف، وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر، فإذا عزم امتثلوا، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالَى، وقد عُدَّ هذا من موافقة عُمر رضي الله عنه.
واخْتُلف في المراد بالكتاب، فقيل: كان أراد أن يكتب كتابًا ينص فيه على الأحكام ليرتفع الاختلاف، وقيل: أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف، قاله سفيان بن عيينة، ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم قال في أوائل مرضه وهو عند
(1)"مسند أحمد"(1/ 90).
عائشة: "ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر". أخرجه مسلم وللمصنف معناه (1).
ومع ذلك فلم يكتب، والأول أظهر لقول عُمر:"كتاب الله حسبنا" أي: كافينا، مع أنه يشمل الوجه الثاني لأنه بعض أفراده، والله أعلم.
* فائدة:
قال الخطابي: إنَما ذهب عُمر إلَى أنه لو نص بما يزيل الخلاف لبطلت فضيلة العلماء وعُدم الاجتهاد، وتعقبه ابن الجَوْزي بأنه لو نص على شيء أو أشياء لم يبطل الاجتهاد؛ لأن الحوادث لا يُمكن حصرها، قال: وإنما خاف عُمر أن يكون ما يكتبه في حالة غلبة المرض فيجد بذلك المنافقون سبيلًا إلَى الطعن في ذلك المكتوب، وسيأتي ما يؤيده في أواخر المغازي.
قَوْلُهُ: (ولا ينبغي عندي التنازع) فيه إشعار بأن الأولى كان المبادرة إلَى امتثال الأمر، وإن كان ما اختاره عمر صوابًا؛ إذ لم يتدارك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بعدُ كما قدمناه.
قال القرطبي: واختلافهم في ذلك كاختلافهم في قوله لَهم: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"(2). فتخوف [158/ ب] ناس فوت الوقت فصلوا، وتمسك آخرون بظاهر الأمر فلم يصلوا، فما عنف أحدًا منهم من أجل الاجتهاد المسوغ والقصد الصالح، والله أعلم.
قَوْلُهُ: (فخرج ابن عباس يقول) ظاهره أن ابن عباس كان معهم، وأنه في تلك الحالة خرج قائلًا هذه المقالة، وليس الأمر في الواقع على ما يقتضيه هذا الظاهر، بل
(1) أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه) برقم (2387)، والبخاري في "صحيحه"(كتاب المرضى، باب: ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع، أو وارأساه، أو اشتد بي الوجع) برقم (5666).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب الخوف، باب: صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماءً) برقم (946)، وفي (كتاب المغازي، باب: مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلَى بني قريظة ومحاصرته إيّاهم) برقم (4119)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب الجهاد والسير، باب: المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين) برقم (1770).
قول ابن عباس إنّما كان يقوله عندما يحدث بهذا الحديث، وفي رواية مَعْمَر عند المصنف في الاعتصام وغيره: قال عبيد الله: "فكان ابن عباس يقول"(1)، وكذا لأحمد من طريق جَرير بن حازم، عن يونس بن يزيد (2).
ووجه رواية حديث الباب أن ابن عباس لما حدث عُبيد الله بهذا الحديث خرج من المكان الذي كان به وهو يقول إلَى آخره، وإنّما يتعين حمله على غير ظاهره؛ لأن عُبيد الله تابعي من الطبقة الثانية لم يُدرك القصة في وقتها؛ لأنه ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة، ثم سمعها من ابن عباس بعد ذلك بمدة أخرى، والله أعلم.
قَوْلُهُ: (الرَّزِيئَة) هي بفتح الراء وكسر الزاي بعدها ياء ثم همزة، وقد تسهل الهمزة وتشدد الياء، ومعناها: المصيبة، وزاد في رواية معمر:"لاختلافهم ولغطهم"(3)، أي: أن الاختلاف قد يكون سببًا في حرمان الخير، كما وقع في قصة الرجلين اللذين تخاصما فرفع تعيين ليلة القدر بسبب ذلك (4).
وفيه وقوع الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم يُنزل عليه فيه، وسنذكر بقية ما يتعلق به في أواخر السيرة النبوية من كتاب المغازي إن شاء الله تعالَى.
(1)"صحيح البخاري"(كتاب الاعتصام، باب: كراهية الاختلاف) برقم (7366).
(2)
"مسند أحمد"(1/ 324 - 325).
(3)
"صحيح البخاري"(كتاب المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته) برقم (4432).
(4)
سبق في (كتاب الإيمان، باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر) برقم (49) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.