المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌9 - باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رب مبلغ أوعى من سامع - النكت على صحيح البخاري - جـ ٢

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌37 - بَابُ: سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ وَالإِحْسَانِ وَعِلْمِ السَّاعَةِ

- ‌38 - بَابٌ

- ‌39 - بَابُ: فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ

- ‌40 - بَابٌ: أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌41 - باب: مَا جَاءَ إِنَّ الأَعْمَالَ بالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى

- ‌42 - باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ لله وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}

- ‌3 - كتاب العلم

- ‌1 - باب: فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌2 - باب: مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ في حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ

- ‌3 - باب: مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بالْعِلْمِ

- ‌4 - باب: قَوْلِ الْمُحَدِّثِ: حَدَّثَنَا، وأَخْبَرَنَا، وَأَنْبَأَنَا

- ‌5 - بابُ: طَرْحِ الإمَام الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ

- ‌6 - بابُ: مَاجَاءَ في الْعِلْمِ

- ‌7 - بَابُ: مَا يُذْكَرُ في الْمُنَاوَلَةِ وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بالْعِلْمِ إِلى الْبُلْدَانِ

- ‌8 - بَابُ: مَنْ قَعَدَ حَيْثُ يَنْتَهِي بهِ الْمَجْلِسُ وَمَنْ رَأَى فُرْجَةً في الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا

- ‌9 - باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ

- ‌10 - بَابُ: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ

- ‌11 - باب: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُهُمْ بالْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ كَيْ لَا يَنْفِرُوا

- ‌12 - باب: مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ الْعِلْمِ يَوْمًا مَعْلُومًا

- ‌13 - باب: مَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ

- ‌14 - باب: الْفَهْمِ في الْعِلْمِ

- ‌15 - باب: الاغْتِبَاط في الْعِلْمِ وَالْحِكمَةِ وَقَالَ عُمَرُ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا

- ‌16 - باب: مَا ذُكِرَ في ذَهَابِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم في الْبَحْرِ إِلَى الْخَضِرِ

- ‌17 - باب: قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ

- ‌18 - باب: مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ

- ‌19 - باب: الْخُرُوجِ في طَلَبِ الْعِلْمِ، وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ في حَدِيثٍ وَاحِدٍ

- ‌20 - باب: فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ

- ‌21 - باب: رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ، وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ

- ‌22 - باب: فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌23 - باب: الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا

- ‌24 - باب: مَنْ أَجَابَ الْفُتْيَا بإِشَارَةِ الْيَدِ وَالرَّأْسِ

- ‌25 - باب: تَحْرِيضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإيمَانَ وَالْعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ

- ‌26 - باب: الرِّحْلَةِ في الْمَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ

- ‌27 - باب: التَّنَاوُبِ في الْعِلْمِ

- ‌28 - باب: الْغَضَبِ في الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ

- ‌29 - باب: مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوِ الْمُحَدِّثِ

- ‌30 - باب: مَنْ أَعَادَ الْحَدِيْثَ ثَلَاثًا لِيُفْهَمَ

- ‌31 - باب: تَعلِيمِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ

- ‌32 - باب: عِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ وَتَعلِيمِهِنَّ

- ‌33 - باب: الْحِرْصِ عَلَى الْحَدِيثِ

- ‌34 - باب: كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ

- ‌35 - باب: هَلْ يَجْعَلُ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا عَلَى حِدَةٍ في العِلْمِ

- ‌36 - باب: مَنْ سَمِعَ شَيْئًا، فَرَاجَعَهُ حَتَّى يَعْرِفَهُ

- ‌37 - باب: لِيُبَلِّغِ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائبَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌38 - باب: إِثمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌39 - باب: كِتَابَةِ الْعِلْمِ

- ‌40 - باب: الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ باللَّيْلِ

- ‌41 - باب: السَّمَرِ بالْعِلْمِ

- ‌42 - باب: حِفْظِ الْعِلْمِ

الفصل: ‌9 - باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رب مبلغ أوعى من سامع

‌9 - باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ

"

67 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، ذَكَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَعَدَ عَلَى بَعِيره، وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ -أَوْ بِزِمَامِهِ- قَالَ:"أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ ". فَسَكَتْنَا حَتَّى ظنَنَّا أنهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ. قَالَ: "أَليْسَ يَوْمَ النَّحْرِ". قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ ". فَسَكَتْنَا حَتَى ظنَنَا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَير اسْمِهِ. فَقَالَ: "أَليْسَ بِذِي الْحِجَّةِ؟ ". قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَإِنّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنكُمْ حَرَامٌ كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِن الشَاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هو أَوْعَى له مِنْهُ".

قَوْلُهُ: (باب قول النَّبِيّ: "رب مبلغ أوعى من سامع")

هذا الحديث المعلق أورد المصنف في الباب معناه، وأما لفظه فهو موصول عنده في باب الخُطبة بمنى من كتاب الحج (1)، أورد فيه هذا الحديث من طريق قُرَّة بن خالد، عن مُحَمَّد بن سيرين قَالَ: أَخْبَرَني عبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن: حُمَيد بن عبد الرحمن كلاهُمَا عن أبي بَكْرة قَالَ: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر قَالَ: "أتدرون أي يوم هذا؟ "، وفي آخره هذا اللفظ.

وغفل [القطب](2) الحلبي ومن تبعه من الشراح في عزوهم له إلَى تَخريج التّرمِذيّ (3) من حديث ابن مسعود فأبعدوا النجعة، وأوهموا عدم تَخريج المصنف له، والله المستعان.

(1)"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الحج، باب: الخطبة أيام منى) برقم (1741).

(2)

مكانها بياض بالأصل، والمثبت من "الفتح".

(3)

"الجامع الصحيح"(كتاب العلم، باب: ما جاء في الحث عَلى تبليغ السماع) برقم (2657).

ص: 101

و"رُبَّ" للتقليل، وقد ترد للتكثير، و"مبلغ" بفتح اللام، و"أوعى" نعت له، والَّذِي يتعلق به "رُبَّ" مَحذوف، وتقديره: يوجد أو يكون، ويَجوز عَلى مذهب الكوفيين في أن "رُبَّ" اسم؛ أن تكون هِيَ: مبتدأ، و"أوعى" الخبر، والمراد: رُبَّ مبلغ عني أوعى؛ أي: أفهم لما أقول من سامع مني.

قَوْلُهُ: (بشر) هو ابن الفضل، ورجال الإسناد كلهم بصريون.

قَوْلُهُ: (ذكر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) بنصب "النَّبِيّ" عَلى المفعولية، وفِي "ذَكَرَ" ضمير يعود عَلى الراوي، يعنِي: أن أبا بكرة كَانَ يحدثهم فذكر النبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "قعد عَلى بعيره"، وفي رواية النّسَائي (1) ما يشعر بذلك، ولفظه عن أبي بكرة:"قَالَ: وذكر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم"[126/ ب]، فالواو: إما حالية وإما عاطفة، والمعطوف عليه مَحذوف.

وقد وقع في رواية ابن عساكر عن أبي بكرة: "أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَعد" ولا إشكال فيه.

قَوْلُهُ: (وأمسك إنسان بِخطامه أو بزمامه) الشك من الراوي، والخطام والزمام بِمعنى؛ وهو الخيط الَّذِي تشد فيه الحلقة الَّتِي تسمى بالبُرَة بضم الموحدة وتَخفيف الراء المفتوحة في أنف البعير. وهذا المُمْسِك سمَّاه بعض الشراح بلالًا، واستند إلَى ما رَوَاهُ النَّسَائي من طريق أم الحصين قالت:"حججت فرأيت بلالًا يقود بخطام راحلة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم"(2). انتهى

وقد وقع في السنن من حديث عمرو بن خارجة قَالَ: "كنت آخذا بزمام ناقة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم"(3) فذكر بعض الخطبة، فهو أولى أن يفسر به المبهم من بلال.

لكن الصواب أنه هنا أبو بكرة، وقد ثبت ذلكَ في رواية الإسماعيلي من طريق ابن المبارك، عن ابن عون ولفظه: "خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلى راحلته يوم النحر وأمسكت إما

(1)"السنن الكبرى"(كتاب الحج، باب: الخطبة يوم النحر)(2/ 442).

(2)

"السنن الكبرى"(كتاب الحج، باب: الركوب إلَى الجمار واستظلال المحرم)(2/ 436)، وفي "المجتبى" في نفس الكتاب والباب (5/ 269).

(3)

أخرجه الإمام أَحْمَد في "مسنده"(4/ 186، 238)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(كتاب الطهارة، باب: طهارة عرق الدواب ولعابها)(1/ 256)، والطبراني في "المعجم الكبير"(17/ 34).

ص: 102

قَالَ: بخطامها، وإما قَالَ: بزمامها" (1)، واستفدنا من هذا أن الشك ممن دون أبي بكرة [لا](2) منه.

وفائدة إمساك الخطام: صون البعير عن الاضطراب حتى لا يشوش عَلى راكبه.

قَوْلُهُ: (أي يوم هذا؟ ) سقط من رواية المُسْتَمْلي والحموي السؤال عن الشهر والجواب الَّذِي قبله، فصار هكذا:"أي يوم هذا؟ " فسكتنا حَتَّى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قَالَ:"أليس بذي الحجة؟ "، وكذا في رواية الأصيلي، وتوجيهه ظاهر، وهو من إطلاق الكل عَلى البعض، ولكن الثابت في الروايات عند مُسْلِم وغيره (3) ما ثبت عند الكُشْمَيْهني وكَريمة.

وكذا وقع في مُسْلِم وغيره (4) السؤال عن البلد، وكذا كله في رواية ابن عون، وثبت السؤال عن الثلاثة عند المصنف في الأضاحي (5) من رواية أيوب، وفِي الحج (6) من رواية قُرَّة كلاهما عن ابن سيرين.

قَالَ القرطبي: سؤاله صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها كَانَ لاستحضار فهومهم، وليقبلوا عليه بكليتهم، ويستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه، ولذلك قَالَ بعد هذا:"فإن دماءكم" إلَى آخره [127/ أ] مبالغة في بيان تَحريم هذه الأشياء. انتهى

(1) أخرجها البيهقي في "السنن الكبرى"(كتاب صلاة العيدين، باب: من أباح أن يخطب عَلى منبر أو عَلى راحلة)(3/ 298).

(2)

زيادة من "الفتح".

(3)

أخرجه مُسْلِم في "صحيحه"(كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب: تغليظ تَحريم الدماء والأعراض والأموال) برقم (1679)، والنسائي في "السنن الكبرى"(كتاب الحج، باب: الخطبة يوم النحر)(2/ 442)، وفِي (كتاب العلم، باب: ذكر قول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "رب مبلغ أوعى من سامع")(3/ 432)، والإمام أَحْمَد في "مسنده"(5/ 37).

(4)

أخرجه مُسْلِم في "صحيحه"(كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب: تغليظ تَحريم الدماء والأعراض والأموال) برقم (1679)، والنسائي في "السنن الكبرى"(كتاب الحج، باب: الخطبة يوم النحر)(2/ 442)، وفِي (كتاب العلم، باب: ذكر قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "رب مبلغ أوعى من سامع")(3/ 432)، والإمام أَحْمَد في "مسنده"(5/ 37).

(5)

"صحيح البُخَاري"(كتاب الأضاحي، باب: من قَالَ الأضحى يوم النحر) برقم (5550).

(6)

"صحيح البُخَاري"(كتاب الحج، باب: الخطبة أيام منى) برقم (1741).

ص: 103

ومناط التشبيه في قَوْله: "كحرمة يومكم" وما بعده ظهوره عند السامعين؛ لأن تَحريم البلد والشهر واليوم كَانَ ثابتا في نفوسهم مقررًا عندهم بخلاف الأنفس والأموال والأعراض، فكانوا في الجاهلية يستبيحونها، فطرأ الشرع عليهم بأن تَحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تَحريم البلد والشهر واليوم، فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه؛ لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع.

ووقع في الروايات الَّتِي أشرنا إليها عند المصنف وغيره أنهم أجابوه عن كل سؤال بقولهم: "الله ورسوله أعلم"، وذلك من حسن أدبهم، لأنَّهم علموا أنه لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب، وأنه ليس مراده مطلق الإخبار بما يعرفونه، ولهذا قَالَ في رواية الباب:"حَتَى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه"، ففيه إشارة إلَى تفويض الأمور الكلية إلَى الشارع، ويستفاد منه الحجة ليثبت الحقائق الشرعية.

قَوْلُهُ: (فإن دماءكم إلَى آخره) هو عَلى حذف مضاف، أي: سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب أعراضكم، والعِرض -بكسر العين-: موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كَانَ في نفسه أو سلفه.

قَوْلُة: (ليبلغ الشاهد) أي: الحاضر في المجلس [قَوْلُهُ: "الغائب"](1) أي: الغائب عنه، والمراد: إما تبليغ القول المذكور، أو تبليغ جَميع الأحكام.

وقوله: (منه) صلة لأفعل التفضيل، وجاز الفصلُ بينهما لأن في الظرف سعة، وليس الفاصل أيضًا أجنبيًّا.

* فائدة:

وقع في حديث الباب: "فسكتنا" بعد السؤال، وعند المصنف في الحج من حديث ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبَ الناس يوم النحر فَقَالَ:"أي يوم هذا؟ " قالوا: يوم حرام (2)،

(1) زيادة من "الفتح".

(2)

"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الحج، باب: الخطبة أيام منى) برقم (1739).

ص: 104

وظاهرهما التعارض، والجمع بينهما: أن الطائفة الَّذِينَ كَانَ فيهم ابن عباس أجابوا، والطائفة الَّذِينَ كَانَ فيهم أبو بكرة لَم يُجيبوا، بل قالوا:"الله ورسوله أعلم" كما أشرنا إليه.

أو تكون رواية ابن عباس بالمعنى؛ لأن في حديث أبي بكرة عند المصنف في الحج (1)، وفي الفتن (2) [127/ ب] أنه لما قَالَ:"أليس يوم النحر؟ " قالوا: بلى، فقولهم:"بلى" بمعنى قولهم: "يوم حرام" بالاستلزام، وغايته: أن أبا بكرة نقل السياق واختصره ابن عباس، وَكَانَ ذَلِكَ بسبب قرب أبي بكرة منه لكونه كَانَ آخذًا بخطام الناقة.

وَقَالَ بعضهم: يحتمل تعدد الخطبة، فإن أراد أنه كررها في يوم النحر فيحتاج لدليل، فإن في حديث ابن عمر عند المصنف في الحج (3) أن ذَلِكَ كَانَ يوم النحر يين الجمرات في حجته.

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم:

* الحث عَلى تبليغ العلم، وجواز التحمل قبل كمال الأهلية، وأن الفهم ليس شرطًا في الأداء، وأنه قد يأتي في الآخر من يكون أفهم ممن تقدمه لكن بقلة.

* واستنبط ابن المنير من كون تعليق المتأخر أرجح نظرًا من المتقدم أن تفسير الراوي أرجح من تفسير غيره.

* وفيه جواز القعود عَلى ظهور الدواب وهي واقفة إِذَا احتيج إلَى ذَلِكَ، وحمل النهي الوارد في ذَلِكَ عَلى ما إِذَا كَانَ لغير ضرورة.

وفيه الخطبة عَلى موضع عالٍ ليكون أبلغ في إسماعه الناس ورؤيتهم إيَّاه.

(1)"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الحج، باب: الخطبة أيام منى) برقم (1741).

(2)

"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الفتن، باب: قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفارًا. . . .") برقم (7078).

(3)

"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الحج، باب: الخطبة أيام منى) برقم (1742).

ص: 105