الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28 - باب: الْغَضَبِ في الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ
90 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، لَا أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلَانٌ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ فَقَالَ:"أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الحاجَةِ".
قَوْلْهُ في: باب الغضب في الموعظة: (ثنا مُحَمَّد بن كثير) هو العَبْدي [144 / أ]، ولَم يخرج للصَّغاني شيئًا.
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنِي سُفيان) هو الثَّوري.
عن (ابن أبي خالد) هو إسماعيل.
قَوْلُهُ: (قَالَ رجل) قيل: هو حزم بن أبي كعب.
قَوْلُهُ: (لا أكاد أدرك الصلاة) قَالَ القاضي عِياض: ظاهره مشكل؛ لأن التطويل يقتضي الإدراك لا عدمه، قَالَ: فكأن الألف زيدت بعد لا، وكأن:"أدرك" كانت "أترك".
قُلْت: هو توجيه حسن لو ساعدته الرواية.
وَقَالَ أبو الزناد بن سراج: معناه أنه كَانَ به ضعف، فكان إِذَا طول به الإمام في القيام لا يبلغ الركوع إلا وقد ازداد ضعفه، فلا يكاد يتم معه الصلاة.
قُلْت: وهو معنى حسن، لكن رَوَاهُ المصنف عن الفِرْيابي، عن سُفْيَان بهذا الإسناد بلفظ:"إني لأتاخر عن الصلاة"(1). فعلى هذا فمراده بقوله: "إني لا أكاد أدرك الصلاة" أي: لا أقوم إلى الصلاة في الجماعة، بل أتأخر عنها أحيانًا لأجل التطويل، وسيأتي تحرير هذا في موضعه في الصلاة، ويأتي الخلاف في اسم الشاكي والمشكو.
(1)"صحيح البخاري"(كتاب الأذان، باب: من شكا إمامه إِذَا طول) برقم (704).
قَوْلُهُ: (أشد غضبًا) قيل: إنَّما غضب لتقدم نهيه عن ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وذا الحاجة) كذا للأكثر، وفِي رواية القَابِسي:"وذو الحاجة"، وتوجيهه: أنه عطف عَلى موضع اسم إن قبل دخولها، أو هو استئناف.
91 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ الْمَدِينِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ، مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ:"اعْرِفْ وِكَاءَهَا -أَوْ قَالَ: وِعَاءَهَا- وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ". قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ -أَوْ قَالَ: احْمَرَّ وَجْهُهُ- فَقَالَ: "وَمَا لَكَ وَلهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا". قَالَ: فضَالَّةُ الْغَنَمِ قال: "لَكَ أوْ لأَخِيكَ أوْ لِلذِّئْبِ".
قَوْلُهُ: (سأله رجل) هو عُمير والد مالك (1) كما سيأتي في اللُّقطة (2).
قَولُهُ: (وِكَاءَهَا) هو بكسر الواو: هو ما يربط به.
و(العِفَاص) بكسر العين المهملة وبالفاء والصاد المهملة: هو الوعاء بكسر الواو.
قَولُهُ: (فغضب) إما لأنه كَانَ ينهى عن ذَلِكَ عن التقاطها، وإما لأن السائل قَصَّر في فهمه، فقاس ما يتعين التقاطه عَلى ما لا يتعين.
قَوْلُهُ: (سِقاؤها) هو بكسر أوله، والمراد بذلك: أجوافها؛ لأنها تشرب فتكتفي به أيامًا.
قَوْلُهُ: (وحِذاؤها) بكسر المهملة ثُمَّ ذال معجمة، والمراد هُنا: خُفُّها، وسيأتي مباحث الحديث في كتاب البيوع إن شاء الله تعالَى.
(1) في "الفتح": هو عمير والد مالك، وقيل غيره.
(2)
قَالَ الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(كتاب اللقطة، باب: ضالة الإبل) عند الحديث رقم (2427): "ثُمَّ ظفرت بتسمية السائل، وذلك فيما أخرجه الحميدي والبغوي وابن السكن والبارودي، والطبراني كلهم من طريق مُحَمَّد بن معن الغفاري عن ربيعة عن عقبة بن سويد الجهني عن أبيه قَالَ: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فَقَالَ: "عرفها سنة، ثُمَّ أوثق وعاءها". فذكر الحديث. وقد ذكر أبو داود طرفًا منه تعليقًا ولَم يسق لفظه. وكذلك البُخَاريّ في "تاريخه"، وهو أولى ما يفسر به هذا المبهم لكونه من رهط زيد بن خالد. . . ." إلَى آخره.
92 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ:"سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ؟ ". قَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ". فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: "أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ". فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا في وَجْهِهِ قَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا نَتُوبُ إِلَى الله عز وجل.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن العلاء) تقدم هذا الإسناد في "باب فضل من عَلِم وعَلَّم"(1).
قَوْلُهُ: (سئل النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عن أشياء) كَانَ منها السؤال عن الساعة وما أشبه ذَلِكَ من المسائل، كما سيأتي في حديث ابن عباس في تفسير المائدة (2).
قَوْلُهُ: (قَالَ رجل) هو عبد الله بن حُذَافة -بضم [144 / ب] المهملة وبالذال المعجمة والفاء- القرشي السَّهْمي، كما سَمَّاه في حديث أنس الآتي.
قَوْلُهُ: (فقام آخر) هو سعد بن سالم مولى شَيْبَة بن ربيعة، سَمّاه ابن عبد البر في "التمهيد" ترجمة سُهيل بن أبي صالح منه، وأغفله في "الاستيعاب"، ولَم يظفر به أحد من الشارحين، ولا مِمَّن صنف في المبهمات، ولا في أسماء الصحابة، وهو صحابي بلا مِرْية، لقوله:"فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رسول الله؟ ".
قَوْلُهُ: (فلما رأى عُمر) هو ابن الخطاب.
(ما في وجهه) أي: من الغضب.
(قَالَ: يا رسول الله، إنا نتوب إلَى الله) أي: ممَّا يوجب غضبك.
(1)"صحيح البُخَاريّ" برقم (79).
(2)
الَّذِي في سورة المائدة حديث ابن عباس: كَانَ قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل -تضل ناقته-: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} حَتَّى فرغ من الآية كلها.
"صحيح البُخَاريّ"(كتاب التفسير، باب: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}) برقم (4622). فلعل ما ورد من ذكر الساعة هنا تصحيف، ويكون الصواب:"الضالة".
وفِي حديث أنس الآتي بعدُ: أن عُمر برك عَلى ركبتيه فَقَالَ: "رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًّا"، والجمعُ بينهما ظاهر بأنه قَالَ جميع ذَلِكَ، فنقل كل من الصحابيين ما حفظ، ودل عَلى اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حُذَافة.
* تنبيه:
قَصَر المصنف الغضب عَلى الموعظة والتعليم دون الحكم؛ لأن الحاكم مأمور ألَّا يقضي وهو غضبان، والفرق: أن الواعظ من شأنه أن يكون في صورة الغضبان؛ لأن مقامه يقتضي تكلف الانزعاج؛ لأنه في صورة المنذر، وكذا المعلِّم إِذَا أنكر عَلى من يتعلم منه سوء فهم ونَحوه؛ لأنه قد يكون أدعى للقبول منه.
وليس ذَلِكَ لازمًا في حق كل أحد بل يختلف باختلاف أحوال المتعلمين، وأما الحاكم فهو بخلاف ذَلِكَ كما يأتي في بابه.
فإن قيل: فقد قضى عليه الصلاة والسلام في حال غضبه حيث قَالَ: "أبوك فلان".
فالجواب: أن يقال: أولًا: ليس هذا من باب الحكم، وَعَلى تقديره فيقال: هذا من خصوصياته لمحل العصمة، فاستوى غضبه ورضاه ومجرد غضبه من الشيء دالٌ عَلى تَحريمه أو كراهته بخلاف غيره صلى الله عليه وسلم.