المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(عبد الله بن عبد الرحمان) - الوافي بالوفيات - جـ ١٧

[الصفدي]

فهرس الكتاب

- ‌(الْجُزْء السَّابِع عشر)

- ‌(عبد الله)

- ‌(عبد الله بن إِبْرَاهِيم)

- ‌ابْن الخشاب النَّحْوِيّ عبد الله بن أَحْمد بن أَحْمد بن عبد الله بن نصر بن الخشاب أَبُو محمدٍ ابْن أبي الْكَرم النَّحْوِيّ

- ‌(عبد الله بن الأرقم الْكَاتِب)

- ‌(عبد الله بن ادريس)

- ‌(عبد الله بن إِسْحَاق)

- ‌(عبد الله بن أسعد)

- ‌(عبد الله بن إِسْمَاعِيل)

- ‌(عبد الله بن أبي بكر)

- ‌(عبد الله بن جَابر)

- ‌(عبد الله بن جَعْفَر)

- ‌(عبد الله بن الْحَارِث)

- ‌(عبد الله بن حبيب)

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(رب أعن)

- ‌(عبد الله بن الْحر)

- ‌(عبد الله بن الْحسن)

- ‌(عبد الله بن الْحُسَيْن)

- ‌(عبد الله بن حمدَان)

- ‌(عبد الله بن حمْرَان)

- ‌(عبد الله بن خازم)

- ‌(عبد الله بن رِفَاعَة)

- ‌(بن عدي بن عَليّ بن أبي عمر بن الذَّيَّال بن ثَابت بن نعيم)

- ‌(عبد الله بن الزبير)

- ‌(عبد الله بن زيد)

- ‌(عبد الله بن سَالم)

- ‌(عبد الله بن السَّائِب)

- ‌(عبد الله بن سعد)

- ‌(عبد الله بن سعيد)

- ‌(عبد الله بن سُلَيْمَان)

- ‌(عبد الله بن شبْرمَة بن الطُّفَيْل)

- ‌(أَبُو شبْرمَة الضَّبِّيّ الْكُوفِي الْفَقِيه)

- ‌(عبد الله بن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة)

- ‌(عبد الله بن صَالح)

- ‌(عبد الله بن طَاهِر)

- ‌(عبد الله بن عَامر)

- ‌(عبد الله بن عَبَّاس)

- ‌(عبد الله بن عبد الْبَاقِي)

- ‌(عبد الله بن عبد الرحمان)

- ‌(عبد الله بن عبد الْعَزِيز)

- ‌(عبد الله بن عبد الله)

- ‌(بن الْحَارِث بن نَوْفَل)

- ‌(عبد الله بن عبد الْملك)

- ‌(عبد الله بن عبيد الله)

- ‌(عبد الله بن عُثْمَان)

- ‌(عبد الله بن عدي)

- ‌(عبد الله بن عقيل)

- ‌(عبد الله بن عَليّ)

- ‌(عبد الله بن عمر)

- ‌(عبد الله بن عَمْرو)

- ‌(عبد الله بن عمرَان)

- ‌(عبد الله بن عون)

- ‌(عبد الله بن عَيَّاش)

- ‌(عبد الله بن عِيسَى)

- ‌(عبد الله بن غَانِم)

- ‌(عبد الله بن فروخ)

- ‌(عبد الله بن الْقَاسِم)

- ‌(عبد الله بن أبي قَتَادَة)

- ‌(عبد الله بن كثير)

- ‌(عبد الله بن كَعْب)

- ‌(عبد الله بن كيسَان)

- ‌(عبد الله بن الْمُبَارك)

- ‌(بن وَاضح الْحَنْظَلِي)

- ‌(عبد الله بن الْمثنى)

- ‌(بن عبد الله بن أنس بن مَالك بن نصر الْأنْصَارِيّ الْبَصْرِيّ)

- ‌(عبد الله بن مُحَمَّد)

- ‌(عبد الله بن مَرْوَان)

- ‌(عبد الله بن مَسْعُود)

- ‌(عبد الله بن مُسلم)

- ‌(عبد الله بن مسلمة)

- ‌(عبد الله بن مُصعب)

- ‌(عبد الله بن مُطِيع بن رَاشد)

- ‌(عبد الله بن المظفر)

- ‌(عبد الله بن معاوبة)

- ‌(عبد الله بن مَنْصُور)

- ‌(عبد الله بن مُوسَى)

- ‌(عبد الله بن مُوسَى الجون)

- ‌(بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ ابْن أبي طَالب)

- ‌(عبد الله بن نَافِع)

- ‌(عبد الله بن هَارُون)

- ‌(عبد الله بن هبة الله)

- ‌(عبد الله بن يحيى)

- ‌(عبد الله بن يزِيد)

- ‌(عبد الله بن يَعْقُوب)

- ‌(عبد الله بن يعلى الصليحي)

- ‌(عبد الله بن يُوسُف)

- ‌(عبد الله بن يُونُس)

- ‌(الْجُزْء الثَّامِن عشر)

الفصل: ‌(عبد الله بن عبد الرحمان)

بَحثه مَعَ الدّين وَالْإِخْلَاص وَالتَّعَفُّف والسماح والزهد والانقباض عَن النَّاس وَكَانَ أَخُوهُ يتأدب مَعَه ويحترمه ينْتَقل فِي الْمَسَاجِد ويختفي أَيَّامًا

وَسمع مِنْهُ الطّلبَة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَمَا عَلمته صنّف شَيْئا وتمرض أَيَّامًا وَكَانَت جنَازَته مَشْهُودَة وَحمل على الرؤوس

3 -

(عبد الله بن عبد الرحمان)

قَاضِي الْمَدِينَة عبد الله بن عبد الرحمان بن معمر بن حزم الْأنْصَارِيّ الْمدنِي قَاضِي الْمَدِينَة فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز كَانَ عبدا صَالحا يسْرد الصَّوْم توفّي فِي حُدُود الْأَرْبَعين وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة

الْحَافِظ الدَّارمِيّ عبد الله بن عبد الرحمان التَّمِيمِي الدَّارمِيّ السَّمرقَنْدِي الإِمَام صَاحب الْمسند ولد عَام موت عبد الله بن الْمُبَارك وَكَانَ من أوعية الْعلم يجْتَهد وَلَا يُقَلّد روى عَنهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَكَانَ أحد الرحالين والحفاظ مَوْصُوفا بالثقة والزهد يضْرب بِهِ الْمثل فِي الدّيانَة والزهد صنّف الْمسند وَالتَّفْسِير وَكتاب الْجَامِع قَالَ أَبُو حَاتِم ثِقَة صَدُوق لَهُ مَنَاقِب كَثِيرَة

توفّي سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة أَربع وَخمسين

أَبُو الْقَاسِم الدينَوَرِي الْكَاتِب عبد الله بن عبد الرحمان الدينَوَرِي أَبُو الْقَاسِم من رُؤَسَاء الأدباء وَالْكتاب ووجوه الْعمَّال بخراسان قيل إِنَّه من أَوْلَاد الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب لَهُ مصنفات وأشعار مِنْهَا فِي وصف الْخمر من الْبَسِيط

(كَأَنَّهَا فِي يَد الساقي المدير لَهَا

عصارة الخد فِي ظرفٍ من الْآل)

(لم تُبق مِنْهَا اللَّيَالِي فِي تصرفها

إِلَّا كَمَا أبقت الْأَيَّام من حَالي)

ص: 127

وَله أَبْيَات يسترجع بهَا كتابا معاراً من الْخَفِيف

(أَنا أَشْكُو إِلَيْك فقد تمّ نديمٍ

قد فقدت السرُور مُنْذُ تولى)

(كَانَ لي مؤنساً يسلي همومي

بِأَحَادِيث من منى النَّفس أحلى)

(عَن أبي حَاتِم عَن ابْن قريب

واليزيدي كل مَا كَانَ أمْلى)

(وَهُوَ رهن يشكو لديك ويبكي

ويغني قد آن لي أَن أخلّى)

(فتفضل بِهِ عليّ فَإِنِّي

لستُ إِلَّا بِمثلِهِ أَتَسَلَّى)

وَله أَيْضا من مجزوء الرمل بِأبي أَنْت وَقد طبت لنا ضماً وشما)

(ضَاقَ فوك العذب والعي

ن وشيءٌ لَا يسلما)

أَبُو مُحَمَّد الْمَالِكِي عبد الله بن عبد الرحمان بن طَلْحَة بن عَليّ بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن عمر الْمَالِكِي أَبُو مُحَمَّد الْفَقِيه الْبَصْرِيّ من أَعْيَان الْفُقَهَاء الْمَالِكِيَّة وبيته مَشْهُور بِالدّينِ وَالْعلم كَانَ فَاضلا متديناً حسن الدّيانَة توفّي تسعٍ وَعشْرين وسِتمِائَة سمع وروى

أَمِير مصر والإسكندرية عبد الله بن عبد الرحمان بن مُعَاوِيَة بن حديج بن جَفْنَة الْكِنْدِيّ التجِيبِي الْمصْرِيّ الْأَمِير ولي الْإسْكَنْدَريَّة لهشام وَولي مصر للمنصور وَتُوفِّي سنة خمس وَخمسين وَمِائَة

ابْن النَّاصِر الْأمَوِي عبد الله بن عبد الرحمان بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرحمان ابْن الحكم بن هِشَام بن عبد الرحمان بن مُعَاوِيَة الْأمَوِي المرواني هُوَ ابْن النَّاصِر أبي الْمطرف صَاحب الأندلس وَقد تقدّمت تَرْجَمَة وَالِده وَكَانَ عبد الله فَقِيها شافعياً متنسكاً أديباً شَاعِرًا سما إِلَى طلب الْخلَافَة فِي مُدَّة أَبِيه وَبَايَعَهُ قوم فِي الْخفية على قتل وَالِده وأخيه الْمُسْتَنْصر ولي عهد أَبِيه فَعرف أَبوهُ بذلك فسجنه إِلَى أَن أخرج يَوْم

ص: 128

عيد الْأَضْحَى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة من الْحَبْس وأحضره أَبوهُ بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لخواصه هَذِه أضحيتي فِي هَذَا الْعِيد ثمَّ اضجع لَهُ وذبحه وَقَالَ لأتباعه ليذبح كلٌّ أضحيته فاقتسموا أَصْحَاب وَلَده عبد الله الْمَذْكُور وذبحوهم عَن آخِرهم وَمن حكاياته أَن سعيد بن فرج الشَّاعِر أهْدى لَهُ ياسميناً أَبيض واصفر وَكتب مَعَه من الْكَامِل

(مولَايَ قد أرْسلت نَحْوك تحفةً

بمرادما أبغيه مِنْك تذكر)

(من ياسمين كَالنُّجُومِ تبرجت

بيضًا وصفراً والسماح يعبر)

فَعوضهُ عَن ذَلِك ملْء الطَّبَق دَنَانِير ودراهم وَكتب لَهُ من السَّرِيع

(أَتَاك تعبيري وَلما يحل

مني على أضغاث أَحْلَام)

(فاجعله رسماً دَائِما قَائِما

مِنْك ومني أول الْعَام)

وَمر مَعَ أحد الْفُقَهَاء يَوْمًا فأبصر غُلَاما فتان الصُّورَة فَأَعْرض عَنهُ وَقَالَ من المنسرح

(أفدي الَّذِي مرَّ بِي فَمَال لَهُ

لحظي وَلَكِن ثنيته غصبا)

)

(مَا ذَاك إِلَّا مخاف منتقدٍ

فَالله يعْفُو وَيغْفر الذنبا)

قَاضِي حلب عبد الله بن عبد الرحمان بن عبد الله بن علوان بن رَافع الْأَسدي أَبُو مُحَمَّد الْحلَبِي اسْمَعْهُ وَالِده الحَدِيث فِي صباه من أبي الْفرج يحيى بن مَحْمُود ابْن سعد الثَّقَفِيّ الإصبهاني وَمن جمَاعَة من الشُّيُوخ الْكِبَار وَالْأَئِمَّة وَسمع هُوَ بِنَفسِهِ كثيرا وَكتب بِخَطِّهِ وَحصل بهمة وافرة وَحفظ الْقُرْآن فِي صباه وتفقه للشَّافِعِيّ وَصَحب أَبَا المحاسن يُوسُف بن رَافع بن تَمِيم قَاضِي حلب وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْمَذْهَب وَالْخلاف والجدل والأصولين وعني بِهِ عناية شَدِيدَة لما رأى من نجابته وفهمه وَاتخذ ولدا وصاهره وَاعْتمد عَلَيْهِ فِي جَمِيع أَحْوَاله وَصَارَ معيداً لمدرسته وَله نَيف وَعِشْرُونَ سنة ثمَّ ولي التدريس بعده ونبل مِقْدَاره عِنْد الْمُلُوك والسلاطين وَعلا جاهه وارتفع شَأْنه وَترسل إِلَى مُلُوك الشَّام ومصر مَرَّات وناب فِي الْقَضَاء بحلب وَأرْسل إِلَى دَار الْخلَافَة وَتكلم مَعَ الْفُقَهَاء بِحَضْرَة الْوَزير وَاسْتحْسن الْحَاضِرُونَ كَلَامه وَكَانَ لطيفاً ظريفاً بساماً حُلْو الْمنطق

ص: 129

مَقْبُول الصُّورَة محباً إِلَى النَّاس وَتُوفِّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة

وَمن شعره وَقد توجه إِلَى دمشق من الطَّوِيل

(إِلَى الله أَشْكُو مَا لقِيت من الأسى

بحمص وَقد أَمْسَى الحبيب مودعاً)

وأودع فِي الْعين السهاد وَفِي الحشا اللهيب وَفِي الْقلب الجوى والتصدعا

(وَللَّه أَيَّام تقضت بِقُرْبِهِ

فيا طيبها لَو دمت فِيهَا ممتعا)

(وَلكنهَا عَمَّا قليلٍ تصرمت

فأصحبت منبت السرُور مفجعا)

(وَقد كَانَ ظَنِّي أَن عِنْد قفولنا

إِلَى حلبٍ ألْقى من الْهم مفزعا)

قلت شعر نَازل

ابْن الْأَنْبَارِي عبد الله بن عبد الرحمان بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي سعيد الْأَنْبَارِي النَّحْوِيّ أَبُو مُحَمَّد ابْن أبي البركات ولد بِبَغْدَاد وَنَشَأ بهَا وَسمع من وَالِده وَمن أبي الْفَتْح عبيد الله بن عبد الله بن شاتيل الدباس وَغَيرهمَا وَقَرَأَ الْأَدَب واشتغل بالوعظ وَكَانَ يتَكَلَّم على المنابر وَسكن الأنبار وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى بَغْدَاد وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة

الْوَزير الزجالي)

عبد الله بن عبد الرحمان الزجالي الْقُرْطُبِيّ الْوَزير أَبُو بكر وزر للمستنصر كَانَ خيرا كثير الْمَعْرُوف والفضائل قَالَ ابْن الفرضي بَلغنِي أَن قَدَمَيْهِ تفطرتا صديداً من الْقيام فِي الصَّلَاة وَكَانَ يصلح للْقَضَاء وَكَانَ من سَادَات الوزراء وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الأولى سنة خمس وَسبعين وثلاثمائة

الْفِرْيَانِيُّ المغربي عبد الله بن عبد الرحمان الْفِرْيَانِيُّ بِضَم الْفَاء وَفتح الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء أخر الْحُرُوف وَبعد الْألف نون قَالَ ابْن الْأَبَّار فِي تحفة القادم كَانَ بإشبيلية نَاظرا لأبي سُلَيْمَان دَاوُد ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَوَارِيث وَكَانَ أَبُو بكر ابْن زهر يكرههُ فَقَالَ الْفِرْيَانِيُّ من الْبَسِيط

(أَمْرَانِ قد أتلفا جودي وموجودي

ظلم ابْن زهرٍ مَعَ استخفاف دَاوُد)

(يَا رب فاجز ابْن زهرٍ عَن تعسفه

واغفر لداود يَاذَا الْفضل والجود)

ص: 130

الْمعَافِرِي البلنسي عبد الله بن عبيد الرحمان بتصغير عبيد بن جحاف الْمعَافِرِي البلنسي أَبُو مُحَمَّد من أَرْبَاب الْبيُوت الْقَدِيمَة فِيهَا والنباهة توفّي فِي صفر سنة إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة وَمن شعره من الْكَامِل

(هن البدور على الغصون الميس

طلعت فَكَانَ مقَامهَا فِي الْأَنْفس)

(يرفلن فِي حلل الْحَرِير تأوداً

وَقد انتقبن براقعاً من سندس)

(وَإِذا مررن أثرن مَا بِي من هوى

يَا حسنهنَّ وَحسن ذَاك الْمجْلس)

وَمِنْه من مجزوء الْكَامِل

(يَا أَيهَا الْقَمَر الَّذِي

قد صرت فِيهِ كالسهى)

(أدمي بخدك أم جرى

مَاء الْعَتِيق على المهى)

(خُذ مهجتي وهب الرضى

واجعلهما هَاء وَهَا)

ابْن أبي زيد الْمَالِكِي عبد الله بن عبد الرحمان أَبُو مُحَمَّد ابْن أبي زيد فَقِيه القيروان وَشَيخ الْمَالِكِيَّة بالمغرب كَانَ أَبوهُ قد جمع مَذْهَب مَالك وَشرح أَقْوَاله وَكَانَ وَاسع الْعلم كثير الْحِفْظ ذَا صَلَاح وورع وعفة ونجب أَصْحَابه وَهُوَ الَّذِي لخص الْمَذْهَب وملأ الْبِلَاد من تواليفه وَكَانَ يُسمى مَالك الصَّغِير)

وصنف النَّوَادِر والزيادات نَحْو الْمِائَة جُزْء وَاخْتصرَ الْمُدَوَّنَة وعَلى هذَيْن الْكِتَابَيْنِ الْمعول فِي الْفتيا بالمغرب وَكتاب الرسَالَة وَهُوَ مَشْهُور وَكتاب الثِّقَة بِاللَّه والتوكل عَلَيْهِ وَكتاب الْمعرفَة وَالتَّفْسِير وإعجاز الْقُرْآن وَالنَّهْي عَن الْجِدَال والرسالة فِي الرَّد على الْقَدَرِيَّة ورسالة التَّوْحِيد وَكتاب من تَأْخُذهُ عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن حَرَكَة وَقيل إِنَّه صنف الرسَالَة فِي سبع عشرَة سنة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وثلاثمائة

ابْن دنين المغربي عبد الله بن عبد الرحمان بن عُثْمَان بن سعيد بن دنين أَبُو

ص: 131

مُحَمَّد الصَّدَفِي الطليطلي سمع وَحدث وَكَانَ زاهداً عابداً متبتلاً عَالما عَاملا مجاب الدعْوَة متحرياً توفّي سنة أربعٍ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة

سبط ابْن الْعِمَاد الْحَنْبَلِيّ عبد الله بن عبد الرحمان بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن رَاجِح الإِمَام الْفَقِيه موفق الدّين ابْن الشَّيْخ نجم الدّين ابْن الْعَلامَة نجم الدّين الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ سبط الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد بن الْعِمَاد ولد بِالْقَاهِرَةِ وتفقه وبرع وتميز وَلَو عَاشَ لساد الطَّائِفَة سمع الْكثير من الْحَافِظ سعد الدّين وَغَيره وَكَانَ فِيهِ مُرُوءَة وَصَلَاح توفّي شَابًّا سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة

ابْن زين الْقُضَاة عبد الله بن عبد الرحمان بن سُلْطَان بن يحيى بن عَليّ القَاضِي شرف الدّين أَبُو طَالب ابْن زين الْقُضَاة الْقرشِي الدِّمَشْقِي ولي نِيَابَة الْقَضَاء بِدِمَشْق نِيَابَة عَن محيي الدّين بن الزكي ثمَّ عَن ابْنه زكي الدّين الطَّاهِر وَهُوَ ابْن عَمهمَا يلتقي نسب الْجَمِيع إِلَى يحيى بن عَليّ وَهُوَ أول من درس بِالْمَدْرَسَةِ الرواحية ثمَّ بِالْمَدْرَسَةِ الشامية الحسامية وَهُوَ الَّذِي تُوجد علامته على الْكتب المسجلة الْحَمد لله وَهُوَ الْمُسْتَعَان كَانَ فقيهياً فَاضلا نزهاً عفيفاً وَتُوفِّي رحمه الله فِي شعْبَان سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة وَصلي عَلَيْهِ بِجَامِع دمشق وَدفن عِنْد مَسْجِد الْقدَم

القَاضِي بهاء الدّين بن عقيل الشَّافِعِي عبد الله بن عبد الرحمان بن عبد الله يَنْتَهِي إِلَى عقيل بن أبي طَالب هُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة القَاضِي بهاء الدّين أَبُو مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح زين الدّين ابْن جلال الدّين مولده يَوْم الْجُمُعَة تاسوعاء سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة أَخذ القراآت السَّبع عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الصَّائِغ والعربية)

عَن الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي وغالبهما فِي الكافية الشافية والمقرب وَقَرَأَ على الشَّيْخ أثير الدّين التسهيل لِابْنِ مَالك

ص: 132

جَمِيعه فِي أَربع سِنِين ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فِي أَربع سِنِين بحثا بقرَاءَته وبقراءة غَيره وَلم يكمل سِيبَوَيْهٍ على الشَّيْخ الْمَذْكُور إِلَّا لَهُ وللشيخ جمال الدّين يُوسُف بن عمر بن عَوْسَجَة العباسي بَلَدا ثمَّ إِن بهاء الدّين قَرَأَ على الشَّيْخ أثير الدّين شَرحه للتسهيل الْمُسَمّى بالتكميل والتذييل بحثا بقرَاءَته غَالِبا وَقِرَاءَة غَيره وَلم يكمل لغيره وَأما الْفِقْه فَقَرَأَ فِيهِ الْحَاوِي على الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ شَرحه للحاوي من أَوله إِلَى بَاب الْوكَالَة ولازمه كثيرا وَبِه تخرج وانتفع وَأخذ عَنهُ الأصولين وَالْخلاف والمنطق وَالْعرُوض والمعاني وَالْبَيَان وَالتَّفْسِير قَرَأَ فِي الْمنطق الْمطَالع مراتٍ بحثا وَفِي أصُول الدّين الطوالع وَفِي أصُول الْفِقْه مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب مراتٍ قِرَاءَة وسماعاً وانتخب من مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب مسَائِل أمهاتٍ جَاءَت فِي تِسْعَة عشر ورقة وحفظها وَقَرَأَ عَلَيْهِ وَسمع من التَّحْصِيل جملَة كَبِيرَة وَقَرَأَ عَلَيْهِ تَلْخِيص الْمِفْتَاح فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان وَبحث عَلَيْهِ من الْكَشَّاف سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَقَرَأَ عَلَيْهِ عرُوض ابْن الْحَاجِب بحثا وَقَرَأَ عَلَيْهِ مُقَدّمَة النَّسَفِيّ فِي الْخلاف وَلم تكمل لَهُ

ولازم الشَّيْخ زين الدّين الكتاني وَقَرَأَ عَلَيْهِ من الْحَاوِي وَلم يكمل لَهُ وَبحث عَلَيْهِ فِي التَّحْصِيل

وَقَرَأَ على قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين كتاب الْإِيضَاح من أَوله إِلَى آخِره بحثا وَالتَّلْخِيص سَمعه قِرَاءَة وَسمع على مَشَايِخ عصره مِنْهُم الشَّيْخ شرف الدّين بن الصَّابُونِي وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة والحجار وست الوزراء وخلائق وأملى على أَوْلَاد قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين شرحاً على ألفية ابْن مَالك وأملى على التسهيل مثلا وكتبها بِخَطِّهِ وَكتب على التسهيل شرحاً خَفِيفا سَمَّاهُ المساعد على تسهيل الْفَوَائِد يَجِيء فِي ثَلَاثَة أسفارٍ وَوصل فِيهِ يَوْمئِذٍ إِلَى بَاب الْحَال وَكتب فِي التَّفْسِير كتابا سَمَّاهُ الذَّخِيرَة بَدَأَ فِيهِ إِلَى نصف حزبٍ فِي ثَلَاثِينَ كراساً وصنف فِي الْفِقْه مُخْتَصرا من الرَّافِعِيّ لم يفته شيءٌ من مسَائِله ولامن خلاف الْمَذْهَب وَضم إِلَيْهِ زَوَائِد الرَّوْضَة والتنبيه على مَا خَالف فِيهِ محيي الدّين النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة للشرح الْكَبِير بزيادةٍ أَو تَصْحِيح وصل فِيهِ يومئذٍ إِلَى كتاب الصَّلَاة وَشرع فِي كتاب مستقلٍّ سَمَّاهُ الْجَامِع النفيس فِي مَذْهَب الإِمَام مُحَمَّد بن إِدْرِيس يجمع الْخلاف العالي والمخصوص بِمذهب الشَّافِعِي وتتبع مَا لكل مذهبٍ من الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ من الْأَدِلَّة كتابا وَسنة وَأقوى قياسٍ فِي الْمَسْأَلَة ثمَّ الْكَلَام على مَا يتَعَلَّق بِأَحَادِيث تِلْكَ الْمَسْأَلَة من تصحيحٍ وَتَخْرِيج ثمَّ ذكر مَا تبدد فِي)

كتب الْمَذْهَب من فروعها وَذكر مَا يتَعَلَّق بِشَيْء من فَوَائِد الْأَحَادِيث الَّتِي جرى ذكرهَا فِي الْمَسْأَلَة وَالْكَلَام على مَا يَقع فِي كتابي الْفَقِيه نجم الدّين ابْن الرّفْعَة وهما الْكِفَايَة وَالْمطلب مِمَّا يحْتَاج إِلَى الْكَلَام فِيهِ وَكَذَلِكَ كَلَام النَّوَوِيّ وَغَيره وَهُوَ يكون إِذا كمل فِي أَرْبَعِينَ سفرا وَكتب مِنْهُ يَوْمئِذٍ إِلَى بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ ألف ورقة إِلَّا أَرْبعا وَعشْرين ورقة من الْقطع الْكَبِير بِلَا هَامِش وَسمعت

ص: 133

من لَفظه مَا حَرَّره فِي أول بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ وَجعل على الكتا ب الْمَذْكُور ذيلاً على نمط كتاب تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات يذكر فِيهِ تَرْجَمَة لكل من نقل عَنهُ شَيْء من الْعلم فِي الْكتاب الْمَذْكُور ويستوفي الْكَلَام على مَا فِي الْكتاب الْمَذْكُور من اللُّغَات وضبطها وعزمه أَن يضمه إِلَى الْكتاب الْمَذْكُور ليَكُون فِي آخِره وَيعود كِلَاهُمَا كتابا وَاحِدًا ولي تدريس الْفِقْه بالجامع الناصري بقلعة الْجَبَل وَهُوَ أول من تكلم بِهِ فِي الْعلم الشريف فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَولي بعده تدريس الْمدرسَة القطبية الْكُبْرَى فِي بعض شهور سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَولي تدريس التَّفْسِير بالجامع الطولوني فَكَانَ شَيْخه أثير الدّين فِي ربيع الأول سنة خمسٍ وَأَرْبَعين وسبعائة وَولي قَضَاء مصر فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة وأجازني رِوَايَة مَا يجوز لَهُ تسميعه متلفظاً بذلك فِي الْمدرسَة القطبية الْكُبْرَى دَاخل الْقَاهِرَة فِي ثامن عشْرين شهر رَمَضَان الْمُعظم سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ من الْكَامِل

(قسما بِمَا أوليتم من فَضلكُمْ

للْعَبد عِنْد قوارع الْأَيَّام)

(مَا غاض مَاء وداده وثنائه

بل ضاعفته سحائب الإنعام)

وَأول مَا اجْتمعت بِهِ فِي الْمدرسَة الشريفية بِالْقَاهِرَةِ وَقد رحت مَعَ أَمِير حُسَيْن لوداع الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي وَقد رسم لَهُ بالتوجه لقَضَاء الشَّام وَكَانَ ذَلِك فِي أَوَائِل دخولي إِلَى الْقَاهِرَة فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ مَوْلَانَا هُوَ الَّذِي حضر مَعَ الْأَمِير كَاتب درج من الشَّام قلت نعم فَقَالَ يَا مَوْلَانَا مَا تسْأَل أَنْت عَن مَرْفُوع وَلَا مَنْصُوب وَلَا مجرور فَقلت بِمَ يرسم مَوْلَانَا فَقَالَ كَيفَ يبْنى سفرجلٌ من عنكبوت وعنكبوتٌ من سفرجل فَقلت الْقَاعِدَة فِي ذَلِك أَن تحذف الزَّوَائِد من كل اسْم وتبني الصِّيغَة الْمَطْلُوبَة من الْأُصُول فَقَالَ كَيفَ يُقَال فِي ذَلِك فَقلت أما عنكبوت من سفرجل فَتَقول فِيهِ عنكببٌ لِأَن الْوَاو وَالتَّاء زائدتان وَأما سفرجل من عنكبوت فَتَقول فِيهِ سفرجول)

أَبُو الرداد عبد الله بن عبد السَّلَام بن عبيد الله الرداد الْمُؤَذّن أَبُو الرداد الْبَصْرِيّ صَاحب المقياس بِمصْر كَانَ رجلا صَالحا وَتَوَلَّى مقياس النّيل الْجَدِيد بِجَزِيرَة مصر وَجمع إِلَيْهِ جَمِيع النّظر فِي أمره وَمَا يتَعَلَّق بِهِ فِي سنة ستٍ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ واستمرت الْولَايَة فِي وَلَده إِلَى الْآن

توفّي سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ

ص: 134

محيي الدّين بن عبد الظَّاهِر عبد الله بن عبد الظَّاهِر بن نشوان بن عبد الظَّاهِر بن نجدة الجذامي الْمصْرِيّ الْمولى القَاضِي محيي الدّين ابْن القَاضِي رشيد الدّين الْكَاتِب النَّاظِم الناثر شيخ أهل الترسل وَمن سلك الطَّرِيق الْفَاضِلِيَّةِ فِي إنشائه وَهُوَ وَالِد القَاضِي فتح الدّين مُحَمَّد صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء سمع من جَعْفَر الْهَمدَانِي وَعبد الله ابْن إِسْمَاعِيل بن رَمَضَان ويوسف بن المخيلي وجماعةٍ وَكتب عَنهُ

البرزالي وَابْن سيد النَّاس وأثير الدّين وَالْجَمَاعَة وَكَانَ بارع الْكِتَابَة فِي قلم الرّقاع ظريفاً ذَا عَرَبِيَّة حلوة وَكَانَ ذَا مُرُوءَة وعصبية ولد فِي الْمحرم سنة عشْرين وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَمن إنشائه كتابٌ كتبه إِلَى الْأَمِير شمس الدّين آقسنقر جَوَابا عَن كتاب كتبه بِفَتْح بِلَاد النّوبَة وَجَعَلنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ فمحونا آيَة اللَّيْل وَجَعَلنَا آيَة النَّهَار مبصرةًٍ أدام الله نعْمَة الْمجْلس وَلَا زَالَت عَزَائِمه مرهوبةً وغنائمه مجلوبة ومحبوبة وسطاه وخطاه هَذِه تكف النوب وَهَذِه تَكْفِي النّوبَة وَلَا بَرحت وطأته على الْكفَّار مشتدة وآماله لإهلاك الْأَعْدَاء كرماحه ممتدة وَلَا عدمت الدولة بيض سيوفه الَّتِي يرى بهَا الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة صدرت هَذِه الْمُكَاتبَة إِلَى الْمجْلس تثني على عَزَائِمه الَّتِي واتت على كل أمرٍ رشيد وَأَتَتْ على كل جبارٍ عنيد وحكمت بِعدْل السَّيْف فِي كل عبد سوء وَمَا رَبك بظلامٍ للعبيد حَيْثُ شكرت الضمر الجرد وحمدت العيس واشتبه يَوْم النَّصْر بأمسه بِقِيَام حُرُوف الْعلَّة مقَام بعض فَأصْبح غَزْو كَنِيسَة سوس كغزو سيس ونفهمه أَنا علينا أَن الله بفضله طهر الْبِلَاد من رجسها وأزاح العناد وحسم مَادَّة معظمها الْكَافِر وَقد كَاد وَكَاد وَعجل عيد النَّحْر بالأضحية بِكُل كَبْش حربٍ يبرك فِي سَواد وَينظر فِي سَواد وَيَمْشي فِي سَواد وتحققنا النَّصْر الَّذِي شفى النُّفُوس وأزال البوس ومحا آيَة اللَّيْل بِخَير الشموس وَخرب دنقلة يجريمة سوس وَكَيف لَا يخرب شَيْء يكون فِيهِ سوس فَالْحَمْد لله عَن أَن صبحتم عزائم الْمجْلس بِالْوَيْلِ)

وعَلى أَن أولج النَّهَار من السَّيْف مِنْهُم فِي اللَّيْل وعَلى أَن رد حَرْب حرابهم إِلَى نحورهم وَجعل تدميرهم فِي تدبيرهم وَبَين خيط السَّيْف الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من فجر فُجُورهمْ وأطلع على مغيبات النَّصْر ذهن الْمجْلس الْحَاضِر وأورث سُلَيْمَان الزَّمَان الْمُؤمن ملك دَاوُد الْكَافِر وَقرن النَّصْر بعزم الْمجْلس الأنهض وَأهْلك الْعَدو الْأسود بميمون طَائِر النَّصْر الْأَبْيَض وَكَيف لَا وآقسنقر هُوَ الطَّائِر الْأَبْيَض وَقَرَأَ لأهل الصَّعِيد كل عين وَجمع

ص: 135

شملهم فَلَا يرَوْنَ من عدوهم بعْدهَا غراب بَين وَنصر ذَوي السيوف على ذَوي الحراب وَسَهل صيد ملكهم على يَد الْمجْلس وَكَيف يعسر على السنقر صيد الْغُرَاب وَالشُّكْر لله على إذلال ملكهم الَّذِي لَان وَهَان وأذاله ببأسه الَّذِي صرح بِهِ شَرّ كلٍّ مِنْهُم فِي قتلة فأمسى وَهُوَ عُرْيَان وإزهاقهم بالأسنة الَّتِي غَدا طعتهم كفم غَدا والزق ملآن ودق أقفيتهم بِالسَّيْفِ الَّذِي أنطق الله بألفهم أعجم الطير فَقَالَ دق قفا السودَان ورعى الله جِهَاد الْمجْلس الَّذِي قوم هَذَا الْحَادِث المنآد وَلَا عدم الْإِسْلَام فِي هَذَا الْخطب سَيْفه الَّذِي قَامَ خَطِيبًا وَكَيف لَا وَقد ألبسهُ مِنْهُم السوَاد وشكر لَهُ عزمه الَّذِي استبشربه وَجه الزَّمن بعد القطوب وتحققت بِلَاد الشمَال بِهِ صَلَاح بِلَاد الْجنُوب وأصبحت بِهِ سِهَام الْغَنَائِم فِي كل جهةٍ تسهم ومتون الفتوحات تمطى فَتَارَة يمتطي السَّيْف كل سيس وَتارَة كل أدهم وَحمد شجاعته الَّتِي مَا وقف لصدمتها السوَاد الْأَعْظَم وَالله الْمِنَّة على أَن جعل ربع الْعَدو بعزائم الْمجْلس حصيداً كَأَن لم تغن بالْأَمْس وَأقَام فروض الْجِهَاد بسيوفه المسنونة وأنامله الْخمس قون ثباته بتوصيل الطعْن لنحور الْأَعْدَاء وَوقت النَّحْر قيد رمحٍ من طُلُوع الشَّمْس وَنَرْجُو من كرم الله إِدْرَاك دَاوُد الْمَطْلُوب ورده على السَّيْف بِعَيْب هربه وَالْعَبْد السوء إِذا هرب يرد بِعَيْب الهروب وَالله يشْكر تَفْضِيل مكَاتبه الْمجْلس وجملها وَآخر غَزَوَاته وأولها ونزال مرهفاته ونزلها ويجعله إِذا انْسَلَخَ نَهَار سَيْفه من ليل هَذَا الْعَدو يعود سالما لمستقره وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا قلت وَفِي هَذِه الْغُزَاة قَالَ نَاصِر الدّين حسن ابْن النَّقِيب من الْكَامِل

(يَا يَوْم دنقلةٍ وَقتل عبيدها

من كل ناحيةٍ وكل مَكَان)

(كم فِيك نوبيٌّ يَقُول لأمه

نوحي فقد دقوا قفا السودَان)

وَكتب فِي محْضر قيم فِي حمام الصُّوفِيَّة جوراه خانقاه سعيد السُّعَدَاء اسْمه يُوسُف يَقُول الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى عبد الله بن عبد الظّهْر أَن أَبَا الْحجَّاج يُوسُف مَا برح الصّلاح متمماً وَله جودة)

صناعةٍ اسْتحق بهَا أَن يدعى قيمًا كم لَهُ عِنْد جسمٍ من مَنٍّ جسيم وَكم أقبل مستعملوه تعرف فِي وُجُوههم نَضرة النَّعيم وَكم تجرد مَعَ شيخ صَالح فِي خلْوَة وَكم قَالَ ولي الله يَا بشراي لِأَنَّهُ يُوسُف حِين ادلى فِي حَوْض دلوه كم خدم من الْعلمَاء والصلحاء إنْسَانا وَكم ادخر بركتهم لدُنْيَا واخرى فَحصل من كل مِنْهُم شفيعين

ص: 136

مؤتزراً وعرياناً كم حُرْمَة خدمةٍ لَهُ عِنْد أكَابِر النَّاس وَكم لَهُ يدٌ عِنْد جسدٍ وَمِنْه على راس كم شكرته أبشار الْبشر وَكم حك رجل رجل رجلٍ صَالح فتحقق هُنَاكَ أَن السَّعَادَة لتلحظ الْحجر قد ميز بخدمه الْفُضَلَاء والزهاد أَهله وقبيله شكر على مَا يعاب بِهِ غَيره من طول الفتيلة كم ختم تغسيل رجل بإعطائه بَرَاءَته يستعملها وَيخرج من حمامٍ حَار فاستعملها وَخرج فَكَانَت بِهِ برءة وعتقاً بالنَّار كم أوضح فرقا وَغسل درناً مَعَ مشيبٍ فَكَانَ الَّذِي أنقى فَمَا أبقى تتمتع الأجساد بتطييبه لحمامه بظلٍ مَمْدُود وَمَاء مسكوب وتكاد كَثْرَة مَا يُخرجهُ من الْمِيَاه أَن تكون كالرمح على أنبوباً على أنبوب كم لَهُ بَيِّنَة حر على تَكْثِير مَاء يَزُول بِهِ الِاشْتِبَاه وَكم تجعدت فباتت كالسطور فِي حوضٍ فَقل كتاب الطَّهَارَة بَاب الْمِيَاه كم رأسٍ أنشدت موساه حِين أخرجت من تلاحق الأنبات خضرًا من الطَّوِيل

(وَلَو أَن لي فِي كل منبت شعرةٍ

لِسَانا يبث الشُّكْر كنت مقصرا)

وَمن إنشائه إيضاً صُورَة مقامةٍ وَهُوَ مِمَّا كتب بِهِ إِلَى محيي الدّين ابْن القرناص الْحَمَوِيّ حكى مُسَافر بن سيار قَالَ لما ألفت النَّوَى عَن الإخوان وتساوت عِنْدِي الرحلة إِلَى الْبَين تَسَاوِي الرحلة إِلَى الاوطان وتمادت الغربة تحبوني أهوالها فتزلزل بِي الأَرْض زِلْزَالهَا وَتخرج مني وَسن أمثالي اثقالها وَلَا إِنْسَان يرى أراجي نَفسِي وآمالها فَيَقُول مَا لَهَا وَلَا يُشَاهد مَا هُوَ أوحى لَهَا الدجة بالغذوة والإعتمام بالإسفار وغرني مَعَ إيماني تقلبي فِي الْبِلَاد وتطلبي لتقويم عيشي المنآد وتحنني إِلَى الْحُصُول بإرم ذَات الْعِمَاد الَّتِي لم يخلق مثلهَا فِي الْبِلَاد فَلَبثت فِيهَا أَيَّامًا وشهوراً وودت لَو كَانَت سنسن ودهوراً وَمَا بلد الْإِنْسَان إِلَّا الْمُوَافق فيينا أَنا مِنْهَا لَو ثلةٍ من الولين وَمن الوافدين عَلَيْهَا فِي قَلِيل من الآخرين وَبَين سَادَات من كتابها وَأَصْحَاب الْيمن من أَصْحَاب الْيَمين وَنحن فِي نعمةٍ بالإيواء من ظلها إِلَى ربوةٍ ذَات قرارٍ ومعين وَإِذا بداعي النفير قد أعلن مناديه وارتجل مَا ارتجز حاديه فَقلت الْمسير إِلَى أَيْن قَالُوا إِلَى الأين وَالسّفر مَتى فَقيل أَتَى من الطَّوِيل)

(وماد دَار فِيمَا بَيْننَا أَيْن بَيْننَا

يكون وَلَكِن الزَّمَان غبون)

فعقدنا الحبا وجنبنا الجنايب وركبنا الصِّبَا وتسلمتنا من يَد الربوة يَد الوهاد والربا وَكَانَ توجهنا حِين أكثرت الْجبَال من الثلوج الاكتساء والاكتساب وبفضلٍ فتحت فِيهِ السَّمَاء

ص: 137

أَبْوَابهَا بِمَا لَيْسَ لفصوله عَن تِلْكَ المواطن من فُصُول وَلَا لأكوابه المترعة دَائِما بِجَمِيعِ الْفُصُول من بوابٍ فعدنا إِلَى جِهَة حمص وَإِن لم يعجبنا الْعَام وَقُلْنَا كل ذَلِك متغفرٌ فِي جنب مَا أشارته مصلحَة الْإِسْلَام المختصة بالخاص مِنْهُم وَالْعَام واستقبلنا تِلْكَ النواحي المتناوحة والمنازل المنتائية على الْمنَازل المتنازحة برقة جلودٍ تتجالد على الجليد وأواجهٍ تواجه من تِلْكَ الْجِهَات مَا وُرُود حِيَاض الْمنون بِهِ أقرب من حَبل الوريد كم الْتَقت الشَّمْس بقارةٍ من قرها بفروة سنجابٍ من الْغَمَام وَكم غمضت عينهَا عَمَّن لم يغمض جفونه بمناخٍ وَلَا مقَام وَكم سبكت الرِّيَاح الزمهريرية فضَّة ثلوجها فَصحت عِنْد السبك وَكم خبرٍ من امْرِئ الْقَيْس أنْشد عِنْد النبك قفا نبك هَذَا والزميتا قد ادهنت بهَا رُؤُوس الأكمام وَقَالَ الفراشون مَا الديار ديار لما لاقوه وَلَا الْخيام خيام كَأَنَّهُ نصول المشيب فِي المفارق أَو رملٌ أَبيض قد أتربت بِهِ سطور تِلْكَ المهارق إِلَى غير ذَلِك من نوك كَأَنَّهُ من السَّمَاء وَالْأَرْض بحرٌ فاض وغاض الشَّمْس وَمَا غاض قد أصبح عجاج خُيُول الجنائب ودخان مَا خيلته من صفاء المَاء مجامر الْكَوَاكِب وثلوج بقاصم تظهر ولأعين تِلْكَ المحاجر من العواصم تبهر فدافعت الهضبات ملائتها الْبَيْضَاء وَأَتَتْ من الإيلام ببردها بأضعاف مَا يحصل من حر رَمْضَاءُ حر رَمْضَاءُ فكم أنامل يدٍ هُنَالك قعدت القرفصاء على الطروس واشتلمت الصماء اشْتِمَال الْيمن وَالشمَال على النفيس من النُّفُوس وعجزت عَن أَن تطبيق للأقلام إمساكاً وَكم من مرملةٍ اشتبكت دموعها بخدودها فَمَا تبين من بَكَى مِمَّن تباكى فَلم نصل إِلَى حمص إِلَّا والجليد قد أعدم الجليد صبره وَعبر تِلْكَ الْأَمْكِنَة فجرت لَهُ على أخدُود تِلْكَ الخدود عِبْرَة وَأي عِبْرَة واعتدقت الآمال أَنَّهَا قد قربت من منازه تِلْكَ الْمنَازل وَأَنَّهَا من حماه تغامز عُيُون الدعة وتغازل وَأَن نَار الْقرى تزيل برد القر وتستجيب دُعَاء من نَادَى هُنَاكَ رب إِنِّي مستني الضّر وَقَالَت عَسى ثمَّ أَن تَسْتَقِر النَّفس وَتُؤَدِّي الأقلام بذلك مَا وَجب عَلَيْهَا من سورتي الْحَمد وَالْإِخْلَاص عِنْد ملازمتها الْخمس فاتفق مَا اتّفق من نصرةٍ حققت الكرة وأعادت الرّجْعَة كَمَا بدأتها أول مرّة وسقيت بكأس التَّعَب الَّتِي كَانَت بهَا سقت وبكت السَّمَاء بالدموع الَّتِي كَانَت قد رقت لنا ورقت وَعَاد الْحَبل على الجرارة)

والكيل إِلَى حَبل الكارة فَدَخَلْنَا إِلَى دمشق وَإِذا أَغْصَانهَا قد أَلْقَت عصاها وَمَا اسْتَقر بهَا من الثَّمر والنوى وأوراقها قد اصْفَرَّتْ

ص: 138

وجوهها من الْهَوَاء والهوى وحمائهما لم تحمل مِنْهُ اللَّيَالِي فخلعت مَا لَهَا بالأعناق من الأطواق وَالنّهر قد توقف عَن زِيَادَة الغصون فراسلته بالأوراق فَقَالَت الْعين مَا الديار الديار وَلَا الرياض الرياض وَلَا المشارع المشارع وَلَا الْحِيَاض الْحِيَاض فشمرنا عَنْهَا ذيل الْإِقَامَة وَقُلْنَا للعزم شَأْنك ومصر دَار المقامة فقطعنا بيداً وَأي بيد ومنازل تستعبر السَّيِّد وتستعبر السَّيِّد ورمالاً هِيَ الأفاعي خدور وللنسور وكور وَلم يصدق فِيهَا تشبيهٌ يُقَال بِالْأَهِلَّةِ وَلَا آثَار أَخْفَاف الْمطِي بالبدور تستوقف الساري وَيسْعَى السَّاعِي مِنْهَا على شفا جرفٍ هار يسقى من الْمِيَاه مَاء يغلي فِي الْبُطُون كغلي الْحَمِيم وَيكفر شربه شرب المَاء الْبَارِد الَّذِي قَالَ بعض الْمُفَسّرين إِنَّه الَّذِي عَنى الله تَعَالَى بقوله ولتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم وَمَا زَالَ الشوق بِنَا والسوق حَتَّى قربا الْبعيد حَتَّى فلينا بهما الفلاة وأبدنا البيد ودخلنا مصر فتلقانا نيلها مصعراً خَدّه للنَّاس وَقُلْنَا هَذَا الَّذِي خرج إِلَيْنَا عَن المقياس وشاهدنا ربوعها وَقد فرشت من الرّبيع بِأَحْسَن بسطها وبدت كل مقطعَة من النّيل قد زينت بِمَا أبدته من قُرْطهَا وتنشقنا رياحها الهابة بِمَا ترتاح إِلَيْهِ الْأَرْوَاح وشمنا بروق غمائمها الَّتِي الَّتِي لم تغادر فِي الْقُلُوب من القر قروحاً لَا تتعقبه لما تلقيه من المَاء القراح لَا يكلح الجليد أوجه بكرها وَلَا يهتم الْمدر ثنايا نهرها وَلَا يوقظ رَاقِد سمرها وَلَا تغير على أَهلهَا القوانين وَلَا يحْتَاج إِلَى التدفي فِي الكوانين بنيران الكوانين كل أَوْقَاتهَا سحر وآصالها بكر وَطول زمانها ربيع لَا يشان من اللواقح الكوالح بِبرد وَلَا يشان من النوافح اللوافح بَحر غنينت بنيلها الْخصم عَن كل دانٍ مسفٍ فويق الأَرْض هيدبه وَعَن كل نَادِي ارتدادٍ نحيف العزالة قطربه فَلَمَّا حصلنا هُنَاكَ قَالَت النَّفس المطمئنة هَذِه أول أَرض مس جلدي ترابها وَهَذِه الْجنَّة وَهَذَا شرابها وَإِذا بشمس الأمل وَقد حلت شرفها بِغَيْر الْحمل شرفاً كَرِيمًا فاق أحسن الأوفاق وملأ آفَاق الأوراق بِمَا رق من الْأَلْفَاظ الفاضلة وراق فَأَقْبَلت الْعين إِلَى مرآه لترى وَجه البلاغة وجنحت الجوانح الْجَوَارِح للتحلي بجواهر تِلْكَ الصِّنَاعَة البديعة الصياغة ومالت الأسماع إِلَى التشنف بِتِلْكَ الأسجاع وَمَا تَضَمَّنت من إبداع إِيدَاع وترصيع تصريعٍ يُعِيد سَابق هَذِه الحلبة سكيتاً وثنى حبها من حيائه وخجله مَيتا فكم رأى الْمَمْلُوك بهَا مِنْهُ كوكباً مَا عثر جَوَاده بجواده وَلَا كبا وَقَالَ هَذَا رب الْفضل الَّذِي نزع

ص: 139

وَهَذَا النَّابِغَة الَّذِي شكر الله زَمَانا فيع نبغ وَهَذَا النبل الَّذِي على)

الأكوار واقتعدنا سنامه وغاربا ورأينا مشارقه ومغاربه نَظرنَا إِلَى السوارق من فَوْقه كالأهاضب وَمن الْجبَال جددٌ بيضٌ وحمر وغرابيب وَقد حط رجلا فِي الأَرْض ورأساً فِي السما وَأخذ لِسَانا إِلَى الْبَحْر وَمَا بِهِ من ظما وكأنما قَامَ إِلَى الْأُفق مزاحماً بمناكبه أبراجه أَو مَال على الْبَحْر ملاطماً بأهاضبه أمواجه تَزُول جبال رضوى وَهُوَ لَا يَزُول وتحول صبغة الْأَيَّام وصبغ شعرته لَا يحول قد رفع البروج عَلَيْهِ قباباً وأعارته الشَّمْس من شاعهها أطناباً من الوافر

(وَأصْبح والغمام لَهُ رداءٌ

على ثوبٍ من النبت العميم)

(لَهُ درجٌ بنهر السحب يسْقِي

يضاحك زهره زهر النُّجُوم)

قد ركعت عَلَيْهِ الْكَوَاكِب والنجم وَالشَّجر يسجدان وَرفعت سماءه حَتَّى وضع عَلَيْهَا الْمِيزَان وَلما علاهُ الْمَمْلُوك تشوق إِلَى بلدته وَتَشَوُّقِ وتعلل بقربها مِنْهُ حِين عاينها من بعد وتسوف فَإِنَّهَا بلدته الَّتِي نَشأ من مَائِهَا وتربها وَلذَلِك جبلت طينته على حبها وَلم يزل يتلدد طرفه من بعد إِلَيْهَا ويتلذذ قلبه عَلَيْهَا حَتَّى عطف إِلَى ظلها عَائِدًا وَرجع بعد صدوده عَنْهَا وارداً فَوجدَ بهَا أطيب بقعةٍ وَأحسن مَدِينَة وَكَانَ موعد دُخُوله يَوْم الزِّينَة وَقد دارت للسرور أعظم رحى وَحشر النَّاس لقِرَاءَة كتاب الْبشَارَة ضحى وَإِذا بِهِ قد تضمن خبر الْفَتْح الْمُبين والنصر الْعَزِيز بعد أَن مس الْمُسلمين الضّر بِالشَّام وَنَادَوْا من بِمصْر يَا أَيهَا الْعَزِيز وَقد فرش الرّبيع ربوعها وقررها بالزهر وَنشر عَلَيْهَا ملاءة النسيم وطرزها بالنهر وَكَانَت يومئذٍ بَلْدَة لَا يهجر قطرها القطار وَلَا يحجب أفقها الْغُبَار وَلَا يعثر العقبان بعجاجها حَتَّى كَانَ جوها وعث أوضار وَلَا يخترق عين شمسها كبد السَّمَاء وَلَا يضرم حرهَا لهواتٍ بزفرات الْقَضَاء قد اكتفت بسح سحبها وغنيت بسقيا رَبهَا مَعَ أَن لَهَا نَهرا يتعطف تعطف الْحباب ويتشنف بدر الْحباب ويترشف مَاؤُهُ كالظلم من الأحباب والرضاب وَعَلِيهِ نواعير تشابه الأفلاك فِي مدارها واستدارها والفلك فِي بحارهاوبخارها إِذْ فِي هَذِه أضلعٌ كَثِيرَة كَمَا فِي جنبات تِلْكَ من الضلوع ولهذه صواري عديدةٌ كَذَلِك إِلَّا أَنَّهَا بِغَيْر قلوع وَمن عجائبها أَنَّهَا تحن حنين العشاق وتئن للوعة الْفِرَاق وتبكي على بعدٍ من الحدائق بعدةٍ من الأحداق من الطَّوِيل

(وَمَا ذكرت تِلْكَ النواعير دوحها

وَقد أقفرت فِي الأيك مِنْهَا ربوعها)

رنت نَحْوهَا تبْكي الرياض عيونها المراض وفاضت فِي الْحِيَاض دموعها)

(وأحنى عَلَيْهَا السقم حَتَّى بَدَت لنا

من الوجد قد كَادَت تعد ضلوعها)

ص: 140

فَللَّه بلدةٌ هَذِه بعض محاسنها وَقد أوجزت فِي أوصافها وأضربت عَن ذكر مساكنها إِذْ عجزت عَن إنصافها وَحين أعياني الْكَلَام المنثور عدلت إِلَى المنظوم ووصفتها ثَانِيًا بِمَا استطردت فِيهَا بمدح مَوْلَانَا المخدوم وَلَو لم يرد عَليّ من الْمقَام الْفُلَانِيّ مقامة وَكَانَ خاطري مشتتاً فَحل مِنْهَا بدار إِقَامَة لما فتحت فِي وصفهَا دَوَاة وَلَا فَمَا وَلَا أجريت لِسَانا وَلَا قَلما لَكِن تعلمت مِنْهَا علم الْبَيَان وسحبت أذيال التيه على سحبان وَلَقَد قلبت مِنْهَا بردا محرراً ووشياً مرقوماً وعاينت الدّرّ من لَفظهَا منثوراً وَمن حظها منظوماً وَكَانَ لَفظهَا أعذب الْقُلُوب من الْغَمَام وسجعها أطيب فِي الأسماع من سجع الْحمام وَكنت عزمت حَالَة وصولها على الاستمداد مِنْهَا والاستعداد للإجابة عَنْهَا فَرَجَعت أدراجي الْقَهْقَرِي وَقلت حبس البضاعة أولى من تَخْيِير المُشْتَرِي فَلَمَّا قرب أمد المزار وبرح الشوق حِين دنت الديار من الديار رَأَيْت ذَلِك تقصيراً فِي الْخدمَة وإخلالاً وَإِن كَانَ ذَلِك فِي الْحَقِيقَة تَعْظِيمًا وإجلالاً ز فأجلت فِي ذَلِك خاطراً وجلاً وصرفت إِلَى هَذَا الْوَجْه وَجها خجلاً وعَلى أَن الْمَمْلُوك لَو رزق التَّوْفِيق لما جرى مَعَ مَوْلَانَا فِي هَذِه الطَّرِيق وَلم يزل الْمَمْلُوك ينشد قبل وُرُود ركابه الشريف عَسى وَطن يدنو بهم ولعلما فَلَمَّا دنا الوطن جعلت أهم بشيءٍ والليالي كَأَنَّمَا والمملوك قد أصبح من جملَة عبيد مَوْلَانَا وخدمه ويرجو من صدقاته الشَّرِيفَة أَن لَا يقطع عَنهُ مَا عوده من بره الْمَشْفُوع بصلته العائدة والمملوك يواصل خدمته مَعَ أَن سيدنَا أدام الله تَعَالَى لَهُ السعد قد علم ندب الشَّارِع إِلَى مُكَاتبَة العَبْد وَقد قصد أَولا أَن يرْتَفع بابتداء مُكَاتبَته وَثَانِيا بِخَبَر مجاوبته وَالله تَعَالَى يحرس محاسنه الَّتِي هِيَ فِي فَم الدَّهْر ابتسام ويديم مننه الَّتِي هِيَ الأطواق وَالنَّاس الْحمام تمت

وَكتب رِسَالَة مَعَ مدادٍ وأهداها إِلَى جماعةٍ من الْكتاب فِي الْأَيَّام المعزية الأقدار أَطَالَ الله بَقَاء الموَالِي السَّادة وَلَا زَالَت سَمَاء الدولة محروسةً بشهبُ أقلامهم ومواسم السَّعَادَة مختالةً بشريف أيامهم ونحور العلياء منتزينةً بتنضيد نظامهم ورياض البلاغة معلمة الْأَطْرَاف والبرود بِمَا تحوكه غمائمهم إِذا غَدَتْ رفيعة الهضاب وأضحت فِي أَعلَى سمك السماك مَضْرُوبَة القباب وأحنى منال الشَّمْس دون منالها وَعظم توهم إِدْرَاكهَا حَتَّى أمست وَلَا الْحلم يجود بهَا وَلَا بمثالها استحقر فِي جَانب شرفها كل جليل واستدر بجودها كل شيءٍ جزيل واستقلت الرياض أَن تهدي إِلَى جنابها زهراً والسحائب أَن ترسل إِلَى بحرها قطراً والفلك)

الدائر أَن يخدمها بنجومه والشذا العاطر أَن يكاثر عرف أوصافها بنسيمه والنهارأن يمنح أَيَّامهَا رقة أصائله وبكره وَاللَّيْل أَن يقدم بَين يَدي مساعيها حمد مسراه ونسمة سحره والبدر أَن يلبس حلَّة السرَار ويكسوها حلل تَمَامه والجفن الساهر أَن يصبر على مُفَارقَة الطيف ويحبوها لذيذ مَنَامه واستحى كل فَوقف موقف الإجلال وانْتهى من التبجيل إِلَى حد كَاد يبلغ بِهِ

ص: 141

الْإِخْلَال إِلَى أَن تَعَارَضَت أَدِلَّة الرسائل وتزاحمت الْغرْبَان على وُرُود تِلْكَ المناهل فَقلب الْمَمْلُوك وَجهه فِي سَمَاء سماتها وأسام فكره فِي أريض روضاتها قَائِلا للجوهر الفاخر أَنْت قريب الْعَهْد من تِلْكَ الْبحار وللنضار أَنْت بعض هاتيك النسمات وللعبير لَا تقل أَنا ضائع نعم عِنْد شذا تِلْكَ النفحات وللنظم والنثر أَنْتُمَا جنى غصون تِلْكَ الأقلام وللحمد وَالشُّكْر أَنْتُمَا كمام ذَلِك الْفضل والإنعام فحار كلٌّ جَوَابا وَغدا لَا يملك خطابا وأبى مشاكلة تِلْكَ الْفَضَائِل واستسقى سحائب تِلْكَ البلاغة الَّتِي إِذا قَالَت لم تتْرك مقَالا لقَائِل والإصغاء إِلَى أوصافها والتسليف على سلافها فشغف بهَا حبا وَصَارَ بمحاسنهاصباً وَدعَاهُ اليها جمَالهَا البديع وأغراه بحسنها الَّذِي لَهَا مِنْهُ أكْرم شَفِيع من الطَّوِيل

(وَقَالَ لَهُ بدر السَّمَاء أَلا اجتلي

وَقَالَت لَهُ تِلْكَ الثِّمَار أَلا اجتني)

(وساعده من ذَلِك الْأَمر معتلٍ

وساعده من ذَلِك الْفجْر معتني)

(وَشَاهد من تِلْكَ الْفَضَائِل مَا غَدا

يميس بِهِ عطف الزَّمَان وينثني)

(فَضَائِل مثل الرَّوْض باكره الحيا

فمغناه من تنويل كف الندى غَنِي)

فسام وصالها فَأَعْرض ونأى بجانبه ورام قربهافسد عَلَيْهِ الإجلال أَبْوَاب مطالعه ومطالبه قَائِلا لست يَا ايْنَ السَّبِيل من هَذَا الْقَبِيل من الطَّوِيل

(أَلا إِنَّمَا نَحن الْأَهِلّة إِنَّمَا

نضيء لمن يسري إِلَيْنَا وَلَا نقري)

(فَلَا منح إِلَّا مَا تزَود ناظرٌ

وَلَا وصل إِلَّا بالخيال الَّذِي يسري)

فتعلل بِأَحَادِيث المنى وَقَالَ زور الزِّيَادَة وبالرغم مني فَقَالَت القناعة غنى وَمن لم يجد مَاء طهُورا تيمما ثمَّ ثَبت إِلَى عطف أوصافها الجميلة وَقَالَت قد رَأَيْت لَك مزِيد قصدك وَإِلَّا أَنا بالطيف على غَيْرك بخيلة فَشَكَرت لَهَا ذَلِك الإنعام وَقلت أَيكُون ذَلِك نَهَارا أَو لَيْلًا هَذَا على تَقْدِير وجود الْمَنَام فَقَالَت أوليس اللَّيْل هُوَ حلَّة الْبَدْر الأكلف أم النَّهَار وَلَا يأنف على شمسه أَن مَا بناه ضربه بمرماه الصائب بل نبغ وَهَذَا نسيم الرَّوْضَة الَّتِي أطاعهاعاصيها وثمر الْجنَّة)

الَّتِي كل مَا تشْتَهي الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين فِيهَا وَهَذِه البلاغة الَّتِي كنت بالإتحاف بهَا مَوْعُودًا وَهَذِه الفواضل والفضائل الَّتِي حققت أَن فِي النَّاس مجدوداً ومحدوداً ومسعوداً ومبعوداً ولمحه الْمَمْلُوك فَقَالَ هَذَا نورٌ أم نور وَهَذَا مَا ينْسب إِلَى مَا يسْتَخْرج من أصداف البحور وَيجْعَل فِي أطواق أَعْنَاق النحور من الْحور وَلم يرأحلى من تشبيهه وَإِن جلّ عَن التَّشْبِيه وَلَا أحلى من بلاغته الْبَالِغَة بِمَا فِيهِ من فِيهِ ولماشاهد من معجزها مَا بهرحمد وشكر ورام مجادلتها فعجز عَنْهَا جواد الْقَلَم فقصر وعثر وسولت لَهُ نَفسه الإضراب عَن الإحالة فِي الْإِجَابَة وَلَو وفْق لرأيه لأصابه وَإِنَّمَا حداه إِلَى التَّعَرُّض لنداه يحققه بِأَنَّهُ لم يكن فِي بَيته

ص: 142

الْكَرِيم إِلَّا من هُوَ بِهَذِهِ المثابة فِي الإثابة وَمن يتلَقَّى راية رَأْيه الصائب بيمن يَمِينه خيرا من عرابة قَالَ مُسَافر ابْن سيار وَلما سللت عضب هَذَا الْمقَال من غمده وتمتعت من شميم عرار نجده وَأتم لي عشرا وَعشرا من عِنْده قلت بِمَاذَا أجازي هَذِه المحنة وأكافي هَذِه الْمِنَّة الَّتِي تشح بِمِثْلِهَا القرائح السمحة فَقيل لي بشكر من هُوَ قَادِح زناد هَذِه القريحة وفاتح جواد هَذِه الطّرق المفضية الفسيحة من الْكَامِل

(ملكٌ بِهِ الأقلام تقسم أَنَّهَا

مَا إِن يزَال إِلَى علاهُ سجودها)

(وتكاد من أَوْصَافه ومديحه

تهتز من زهوٍ ويورق عودهَا)

(سعد الْكِرَام الكاتبون بِبَابِهِ

إِذْ هم جيوش يراعه وجنودها)

(دَامَت فواضله تصيد خواطراً

ويروق فِيهِ قَصدهَا وقصيدها)

ثمَّ خفت أَن أقصر وَإِن اجتهدت وَأَن أحل الحبا وَإِن شددت وربحت فِي يومي من الخجل مَا لَعَلَّه يكون لغدي ثمَّ خطر أَن أَقُول معمياً وَلَا أصرح مسمياً لأَكُون من سِهَام التأويلات الراشقة متوقياً فأخفيت من معرفتي مَا ظهر وَقلت إِذا كَانَ المبتدا معرفَة فَلَا يضر تنكير الْخَيْر وَسَأَلت وَلَدي المساعدة والمساعفة فَقَالَ لَا يضر اشتراكي أَنا وَأَنت فِي هَذَا الْقصر وَقد تسميت بمسافر فاجمع إِلَى جوابك الْجَواب مُقْتَصرا على ذَلِك فالمسافر جائزٌ لَهُ الْجمع وَالْقصر فَأَجَابَهُ عَنْهَا بقوله لما ظعن وَالِدي وقطنت وتحرك للرحلة وسكنت قلقت لبعده وأرقت من بعده وَوجدت غَايَة الْأَلَم عِنْد فَقده فَبَقيت لَا ألتذ بطعامٍ وَلَا شراب وَلَا آوي إِلَى أهلٍ وَلَا أَصْحَاب وَلَا أَتَّخِذ مَكَانا فِي الأَرْض إِلَّا ظهر سابحٍ وَلَا جَلِيسا إِلَّا كتاب أعالج لواعج الأشواق وأبوح لما أجد من الْفِرَاق وأنوح للورقاء حَتَّى تَغْدُو مشقوقة الأطواق وَحين طَالَتْ)

شقة الْبَين وَلم تنفصل وتهلهلت خيوط الدُّمُوع تتقطع تَارَة وتتوصل من الطَّوِيل

(لبست ثِيَاب الْحزن رثى جَدِيدَة

تشف على أَثوَاب بشرٍ ممزق)

عقرت سوائم الآمال بعقر دَاري ولزمت كسر بَيْتِي بانكساري يتزايد شوقي ويتناقص صبري وتتسع همومي فيضيق لَهَا صَدْرِي فَبَقيت على ذَلِك من الزَّمن بُرْهَة لَا أَدخل فِي لذةٍ وَلَا أخرج فِي نزهة إِلَى أَن شامت بوارق البيارق الشَّرِيفَة عُيُون الشَّام فَتوجه لخدمتها المخدوم

ص: 143

واثقاً بِأَن قد هزمت الْأَحْزَاب وغلبت الرّوم لَكِن الْجَزْم يُوجب للقلوب أَن تكون هَذِه الدُّنْيَا خائفة والعزم يَقْتَضِي أَن تُوجد راجيةً وَأَن يتَحَقَّق أَن فرقه لم يُفَارق الْإِسْلَام والركاب الشريف هِيَ النَّاجِية وَكنت بِتِلْكَ الْمدَّة أستريح من الغموم إِلَى النبت العميم وأسائل من أَلْقَاهُ من الْوُفُود حَتَّى وَفد النسيم فخطر لي فِي بعض الْأَيَّام أَن أكر بِطرف طرفِي فِي ميادين الفضا وَأَن أجرد سيف عزمي لقطع مُوَاصلَة الهموم فَإِنَّهُ معروفٌ بالمضا فَخرجت أجيله فِي مساري الْغَمَام وَهُوَ يتمطر وأميله عَن محَال الوعول ومجاري السُّيُول وَهُوَ لطول الجمام يتقطر وَكَانَ فيمايجاور الْمَدِينَة من الحيط الغيط جبل يُسمى بالخيط يشاكل خيط الصُّبْح فِي امتداده ويماثل جنَاح الجنح بِكَثْرَة ظلال نجمه وشجره وسواده قد شمخ بِأَنْفِهِ على وَجه الأَرْض وَرفع رَأسه فشق السَّمَاء بالطول وشق الأَرْض بِالْعرضِ قَامَ الدوح على رَأسه وَهُوَ جَالس وَتَبَسم البلج فِي وَجهه وَهُوَ عَابس من الطَّوِيل

(وقور على مر اللَّيَالِي كَأَنَّمَا

يصيخ إِلَى نحوي وَفِي أُذُنه وقر)

يمسح بكلف الثريا عَن أعطافه ويدير منطفة الجوزاء على أرادفه فعزمت على أَن أستظل بذروته وأستظل من ذورته فدعوت جمَاعَة من أَصْحَابِي كنت فِي السّفر أرافقهم وَفِي الْحَضَر ألازمهم فقلما أفارقهم وَقد انتظموا فِي الْمَوَدَّة انتظام الدّرّ فِي الأسلاك واتسقوا فِي الصُّحْبَة اتساق الدراري فِي الأفلاك من الطَّوِيل

(وَقد كَثُرُوا عدا وَلَكِن قُلُوبهم

قد اتّفقت ودا على قلب وَاحِد)

يتجارون إِلَى الْفَضَائِل كتباري الْجِيَاد ويهتزون إِلَى الْفَضَائِل اهتزاز الصعاد قد نجنبوا المشاققة والمحاققة والتزموا بِشُرُوط الْمُوَافقَة والمرافقة فَذكرت لَهُم خطر لي من الْعَزْم فكلهم أَشَارَ بِأَن الحزم فِي الْجَزْم فسرنا وَالشَّمْس قد رفع حجاب الظلام عَنْهَا وَقد تراءت حسنا وراق شبَابًا وشاب جَانب مِنْهَا وَكُنَّا فِي فصل الرّبيع قد رق حسنا وراق شبَابًا وشاب عَارضه)

بالزهر على صبىً فَجعل لَهُ الظل خضابا قد اكتست أرضه وأشجاره واستوت فِي الطّيب هواجره وأسحاره من الوافر

(نجيب الْقَوْم واضاح الْمحيا

أنيق الرَّوْض مصقول الْأَدِيم)

فَلم نزل نمر مر السَّحَاب ونقف للتنزه وقُوف السراب حَتَّى أشرافنا على وَاد لَا يُعرف قَعْره وَلَا يسْلك وعره قد نزل عَن سمت الأودية وَالْبِقَاع وَأخذ فِي الانحطاط نَظِير مَا أَخذ

ص: 144

جبلة فِي الِارْتفَاع وَقد اسْتَدَارَ بِالْجَبَلِ وأحدق وأضحى لعالي سوره كالخندق لَا يسلكه إِلَّا ملك أَو شَيْطَان وَلَا يصل إِلَى قرارته وَلَا مِنْهَا إِلَّا بأمراسٍ ومراس أشطان من الوافر

(سحيق ساخ فِي الْأَرْضين حَتَّى

حكى فِي العمق أَوديَة الْجَحِيم)

(ولاح الدوح والأنهار فِيهِ

فخلنا ثمَّ جنَّات النَّعيم)

وعندما أَشْرَفنَا عَلَيْهِ حمدنا التأويب لَا السرى ورأينا مَا لم ير بشعب بوان وَلَا وَادي الْقرى فأجمعنا على النُّزُول إِلَى قراره وَالْمَبِيت بمخيم أشجاره فتحدرنا إِلَيّ تحدر السَّيْل ونزلنا إِلَى بطُون شعابه على ظُهُور الْخَيل وَلم نزل تَارَة نهوي هوي القشاعم وننساب آونةً الْأَنْسَاب الأراقم إِلَى أَن انْقَطَعت أنفاسنا وأنفاس الهوا واحتجب عَنَّا عين الشَّمْس وَكَاد يحتجب وَجه السما وَلما بلغنَا منتهاه بطريقٍ غير مسلوك ونزلنا كَمَا يَقُول الْعَامَّة إِلَى السيدوك إِذا هُوَ وادٍ يذهل لحسنه الْجنان وكأنما هُوَ فِي الدُّنْيَا أنموذج الْجنان وَقد امتدت سماؤه غصوناً عِنْدَمَا هَب الْهَوَاء وفجرت أرضه عيُونا فَالتقى المَاء من الوافر

(فبتنا وَالسُّرُور لنا سميرٌ

وَمَاء عيونه الصافي مدام)

(تساوه النسيم إِذا تغنت

حمائمه ويسقيه الْغَمَام)

وَلما طلع الصَّباح علينا طلعنا ودعا دَاعِي السرُور فسمعنا وأطعنا وتعلقنا بذيل الْجَبَل وسققنا فروج المساهب وعلونا عَاتِقه حَتَّى كدنا نلمس عَلَيْهِ عُقُود الْكَوَاكِب وَلما طرنا إِلَيْهِ طيران البزاة إِلَى الأوكار وصعدنا عَلَيْهِ صعُود السراة على الأكوار تكشف للعين وتكسف فَقلت لَهَا مجاوباً ومنصف من المتقارب

(إِذا كنت فِي اللَّيْل تخشى الرَّقِيب

لِأَنَّك كَالْقَمَرِ المشرقِ)

(وَكَانَ النَّهَار لنا فاضحاً

فبالله قل لي مَتى نَلْتَقِي)

فَقَالَت إِذْ جنحت شمسي للمغيب فإياك يرى طيفي من النُّجُوم رَقِيب أَو يشوب شباب ذَلِك)

اللَّيْل من أضوائها مشيب وَعَلَيْك بسواد الجفون فكون مِنْهُ لَيْلًا وسويداء الْقُلُوب فأسدل مِنْهُ ذيلاً وانتظار زِيَارَة الطيف وَلَا تجْعَل غير روحك قرى ذَلِك الضَّيْف فابت إِلَى فهمي وراجعني حلمي وأهديتُ إِلَيْهَا لَيْلًا من المداد أستزير فِي جنحه طيف خبالها وأستطلع فِي غسقه بدر كمالها وَجَعَلته كخافيه الْغُرَاب وكشعار الشّعْر أَيَّام الشَّبَاب من السَّرِيع

(كَأَنَّمَا قد ذاب فِيهِ اللمى

أَو حل فِيهِ الْحجر الْأسود)

ص: 145

تعذو جفون الأقلام كحليةً باثمده ووجوه السؤدد مبيضةً بأسوده من السَّرِيع

(يَقُول من أبصره حالكاً

هَذَا لعمري هُوَ من حالكا)

(أَو ذَاك من حظك بَين الورى

قلت صَدقْتُمْ إِنَّه ذلكا)

وَقد خدم بِهِ آملاً أَن يستنشق لعبيره نشراًعطراً وَيرى لليله من الْفَضَائِل صبحاً مُسْفِرًا ويشاهد بدر الْفَضَائِل كَيفَ يرق فِي حلله والبلاغة كَيفَ تَغْدُو من تخييله وخوله فحيئذٍ ينشد من السَّرِيع

(أصلحت قرطاسك عَن حسنه

أشجاره من حكمٍ مثمره)

(مسودة نقشاً ومبيضة

طرساً كَمثل اللَّيْلَة المقمره)

والرأي أَعلَى فِي إجابه مَا التمسه

كتاب الْبُشْرَى بالنيل لنائب السلطنة بحلب المحروسة وسره بِكُل مبهجةٍ وهنأه بِكُل مُقَدّمَة سرُور تَغْدُو للخصب وَالْبركَة منتجة وَبِكُل نعمى لَا تصبح لمنة السحائب محوجة وَبِكُل رحمى لَا تستبعد لأيامها الْبَارِدَة وَلَا للياليها المثلجة هَذِه الْمُكَاتبَة تفهمه أَن نعم الله وَإِن كَانَت مُتعَدِّدَة ومنحه وَإِن غَدَتْ بالبركات متوددة ومننه وَإِن أَصبَحت إِلَى الْقُلُوب متوددة فَإِن أشملها وأكملها وأجملها وأفضلها وأجزلها وأنهلها وأتمها وأعمها وأضمها وألمها نعْمَة أجزلت المنّ والمنح وأزلت فِي أبرك سفح المقطم أغزر سفح وَأَتَتْ بِمَا أعجب الزراع ويعجل الهراع ويعجز الْبَرْق اللماع ويغل القطاع ويغل الإقطاع وتنبعث أمواهه وأفواجه وتمد خطاها أمواهه وأمواجه ويسبق وَفد الرّيح من حَيْثُ ينبري ويغبط مريخه الْأَحْمَر الْقَمَر لِأَنَّهُ بَيته السرطان كَمَا يغبط الْحُوت لِأَنَّهُ بَين المُشْتَرِي وَيَأْتِي عجبه فِي الْغَد بِأَكْثَرَ من الْيَوْم وَفِي الْيَوْم بِأَكْثَرَ من الأمس وتركتُ الطَّرِيق مجداً كَانَ ظهر بِوَجْهِهِ حمرَة فَهِيَ مَا يعرض للْمُسَافِر من حر الشَّمْس وَلم تكن شقته طَوِيلَة لما قيست بالذراع وَلَوْلَا أَن مقياسه أشرف الْبِقَاع لما اعْتبر مَا)

تَأَخّر مُمل مَا حوله الْمَاضِي بقاع بَينا يكون فِي الْبَاب إِذا هُوَ فِي الطاق وَبينا يكون فِي الاحتراق إِذا هُوَ فِي الاختراق للإغراق وَبينا يكون فِي المجاري إِذا هُوَ فِي السَّوَارِي وَبينا يكون فِي الْحباب إِذْ هُوَ فِي الْجبَال وَبينا يُقَال لزيادته هَذِه الأمواه إِذا يُقَال لغلاتها هَذِه الْأَمْوَال وَبينا يكون مَاء إِذْ أصبح خيرا وَبينا يكْسب تِجَارَة قد أكسب تجربةً وَبينا يُفِيد غزَاة قد أَفَادَ عزاء جسور على الجسور جَيْشه الكرار وَلَو أمست التراع مِنْهُ تراع والبحار مِنْهُ تحار كم حسنت مقاطعاته على مر الجديدين وَكم أعانت ميزاب على مقياسه على الْغَزْو من بِلَاد سيس على العمودين أتم الله لطفه فِي الْإِتْيَان بِهِ على التدرج وإجرائه بِالرَّحْمَةِ الَّتِي تقضي للعيون بالتفرج وللقلوب بالتفريج فَأقبل جَيْشه بمواكبه وَجَاء يطاعن الجدب بالصواري من مراكبه

ص: 146

وتصافف لحَاجَة الجسور فِي بيد الْحجَّة ويثاقف الْقَحْط بالتراس من بركه وَالسُّيُوف من خلجه وَلما تَكَامل إيابه وضح فِي ديوَان الْفَلاح والفلاحة حسابه وَأظْهر مَا عِنْده من خسائر التَّيْسِير وودائعه ولقط عموده جمل ذَلِك على أَصَابِعه وَكَانَت السِّتَّة عشر ذِرَاعا تسمى مَاء السُّلْطَان نزلنَا وحصرنا مجْلِس الْوَفَاء الْمَعْقُود واستوفينا شكر الله تَعَالَى بفيض ماهو من زِيَادَته مَحْسُوب وَمن صَدَقَاتنَا مخرج وَمن الْقَحْط مَرْدُود وَوَقع تياره بَين أَيْدِينَا سطوراً تفوق وَعلمت يدنا الشَّرِيفَة بالخلوق وحمدنا السّير كَمَا حمدنا السرى وصرفناه فِي الْقرى للقرى وَلم نحضره فِي الْعَام الْمَاضِي فَعلمنَا لَهُ من الشُّكْر شكراناً وَعمل هُوَ مَا جرى وحضرنا الخليج إِذا بِهِ أُمَم قد تلقونا بِالدُّعَاءِ المجاب وقرظونا فَأمرنَا مَاءَهُ أَن يحثو من سَده كَمَا ورد فِي وُجُوه المادحين التُّرَاب وَمر يُبْدِي المسار وَيُعِيدهَا ويزور منَازِل الْقَاهِرَة ويعودها وَإِذا سُئِلَ عَن أَرض الطبالة قَالَ جُننا بليلى وَعَن خلجها وَهِي جنت بغيرنا وَعَن بركَة الْفِيل قَالَ وَأُخْرَى بِنَا مَجْنُونَة لَا نريدها وَمَا برح حَتَّى تعوض عَن القيعان البقيعة من المراكب بالسرر المرفوعة وَمن الْأَرَاضِي المحروثة من جَوَانِب الأدؤر بالزرابي المبثوثة وانقضى الْيَوْم هَذَا عَن سرورٍ لمثله فليحمد الحامدون وأصبحت مصر جنَّة فِيهَا مَا تشْتَهي الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين وَأَهْلهَا فِي ظلّ الْأَمْن خَالدُونَ فَيَأْخُذ حَظه من هَذِه الْبُشْرَى الَّتِي مَا كتبنَا بهَا حَتَّى كتبت بهَا الرِّيَاح إِلَى نهر المجرة إِلَى الْبَحْر وَالْمُحِيط ونطقت بهَا رَحْمَة الله تَعَالَى إِلَى مجاوري بَيت الله تَعَالَى من لابسي التَّقْوَى ونازعي الْمخيط وبشرت بهَا مطايا الْمسير الَّذِي يسير من قوص غير مَنْقُوص ويتشارك فِي الابتهاج بهَا الْعَالم فَلَا مصر دون)

مصر بهَا مَخْصُوص وَالله تَعَالَى يَجْعَل الْأَوْلِيَاء فِي دولتنا يبتهجون لكل أَمر جليل وجيران الْفُرَات يفرحون بجيران النّيل

وَكتب القَاضِي محيي الدّين يَسْتَدْعِي بعض أَصْحَابه إِلَى الْحمام هَل لَك أَطَالَ الله بقاك إطالة تكرع فِي منهل النَّعيم وتتملى بالسعادة تملي الزهر بالوسمي وَالنَّظَر بالْحسنِ والوسيم فِي الْمُشَاركَة فِي جمع بَين جنَّة ونار وأنواءٍ وأنوار وزهر وأزهار قد زَالَ فِيهِ الاحتشام فَكل عارٍ وَلَا عَار نُجُوم سمائه لَا يعتريها أفول وناجم رخامه لَا يَعْتَرِيه ذبول تنافست العناصر على خدمَة الْحَال بِهِ تنافساً أحسن كل فِيهِ التوسل إِلَى بُلُوغ أربه فَأرْسل مَا جسده جسده من زبده لتقبيل أَخْمُصُهُ إِذْ قصرت همته عَن تَقْبِيل يَده وَلم ير التُّرَاب لَهُ فِي هَذِه الْخدمَة مدخلًا

فتطفل وَجَاء وَمَا علم أنّ التسريح لمن جَاءَ متطفلاً وَالنَّار رَأَتْ أَنه عين مباشرتها وَأَنَّهَا بِفَرْض خدمته لَا تخل وَلِأَن لَهَا حُرْمَة هِدَايَة الضَّيْف فِي السرى وَبهَا دفع القر ونفع الْقرى فأعملت ضدها المَاء فَدخل وَهُوَ حر الأنفاس وغلت مراجله فلأجل ذَلِك دَاخله من صَوت تسكابه الوسواس وَرَأى الْهَوَاء أَنه قصر عَن مطاولة هَذِه المبار فَأمْسك متهيباً ينظر وَلَكِن من خلف زجاجةٍ إِلَى تِلْكَ الدَّار ثمَّ إِن الْأَشْجَار رَأَتْ أَنَّهَا لَا شَائِبَة لَهَا فِي هَذِه الخطوة وَلَا مساهمة

ص: 147

فِي تِلْكَ الْخلْوَة فَأرْسلت من الأمشاط أكفاً أَحْسَنت بِمَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْفرق وَمَرَّتْ على سَواد العذار الفاحم كَمَا يمر الْبَرْق وَذَلِكَ بيد قيمٍ قيمٍ بِحُقُوق الْخدمَة عارفٍ بِمَا يُعَامل بِهِ أهل النَّعيم أهل النِّعْمَة خَفِيف الْيَد مَعَ الْأَمَانَة موصوفٌ بالمهارة عِنْد أهل تِلْكَ المهانة لطف أَخْلَاقًا حَتَّى كَأَنَّهَا عتابٌ بَين جحظة وَالزَّمَان وَحسن صنعه فَلَا يمسك يدا إِلَّا بمعروفٍ وَلَا يسرح تسريحاً إِلَّا بِإِحْسَان أبدا يرى من طَهَارَته وَهُوَ ذُو صلف ويشاهد مزيلاً لكل أَذَى حَتَّى لَو خدم الْبَدْر لأزال وَجهه الكلف بِيَدِهِ مُوسَى كَأَنَّهَا صباحٌ ينْسَخ ظلاماً أَو نسيم ينفض عَن الزهر كماماً إِذا أَخذ صابونه أوهم من يَخْدمه بِمَا يمره على جسده أَنه بحرٌ عجاج وَأَنه يَبْدُو مِنْهَا زبد الأعكان الَّتِي هِيَ أحسن من الأمواج فَلهم إِلَى هَذِه اللَّذَّة وَلَا تعد الْحمام أَنَّهَا دَعْوَة أهل الحراف فَرُبمَا كَانَت هَذِه من بَين تِلْكَ الدَّعْوَات فذة وَلَعَلَّ سيدنَا يُشَاهد مَا لَا يحسن وَصفه قلمي وأستحسن وَصفه ليدي وفمي إِذْ جمح عناني فَأَقُول وَإِذا ترامت بِي الخلاعة أَخْلَع مَا يتستر بِهِ ذَوُو الْعُقُول لديّ أبهجك الله غصونٌ قد هزها الْحسن طَربا ورماحٌ لغير كفاحٍ قد نشرت الشُّعُور عذباً وبدورٌ أسدلت من الذوائب غيهباً قد جعلت بَين الخصور والروادف)

من المآزر برزخاً لَا يبغيان وَعلمنَا بهم أننا فِي جنةٍ تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَتَطوف علينا بهَا الْولدَان يكَاد المَاء إِذا مر على أَجْسَادهم يُخرجهَا بمره وَالْقلب يخرج إِلَى مباشرتها من الصَّدْر وعجيبٌ من مبَاشر لأمر لَا يلتقيه بصدره إِذا أسدل ذوائبه ترى مَاء عَلَيْهِ ظلٌّ يرف وجوهراً من تَحت عنبر يشف يطْلب كل مِنْهُم السَّلَام وَكَانَ الْوَاجِب طلب السَّلامَة وَكَيف لَا وَقد غَدا كل مِنْهُم أَمِير حسنٍ وشعره المنثور وخاله الْعَلامَة إِذا قلب بأصفر الصفر مَاء على الحضار قلت هَذَا بدرٌ بِيَدِهِ نجمٌ تقسم مِنْهُ أشعة الْأَنْوَار وَإِن أَخذ غسولاً وَأمره على جِسْمه مفركاً لم يبْق عضوٌ إِلَّا واكتسب مِنْهُ لطافةً وَرَاح مدلكاً فَمَا عذرك فِي انتهار الفرص وأقتناص هَذِه الشوارد الَّتِي يجب على مثلك أَن يَغْدُو لَهَا وَقد أقتنص وَالله تَعَالَى يوالي المسار ويجعلها لديك دائمة الِاسْتِقْرَار بمنه وَكَرمه

وَأما شعره فأحسنه المقاطيع وَأما القصائد فَرُبمَا قصر فِيهَا وَمن ذَلِك مَا نقلته من خطه من كتاب فلتة اليراعة ولفتة البراعة قَالَ فِي دواةٍ منزلَة من مجزوء الرجز

ص: 148

(دَوَاة مَوْلَانَا بَدَت

أوصافها مكلمة)

(بحسنها قد شهِدت

أقلامها المعدله)

(قد أعجزت آياتها

لِأَنَّهَا منزَّله)

(أمُّ الْكتاب قد غَدَتْ

لِأَنَّهَا مفصَّلة)

وَقَالَ من الوافر

(ذُبَاب السَّيْف من لحظٍ إِلَيْهِ

لأخضر صُدْغه بعض انتساب)

(وَلَا عجبٌ إِذا مَا قيل هَذَا

لَهُ صدغٌ زمرده ذبابي)

وَقَالَ من الدوبيت

(لله ليالٍ أَقبلت بِالنعَم

فِي ظلّ بناءٍ شاهقٍ كَالْعلمِ)

(بالجيزة والنيل بدا أَوله

فِي مقتبل الشَّبَاب عِنْد الْهَرم)

وَقَالَ فِي مليح مشطوب من الْبَسِيط

(لَك طرفُ طرفٍ حمى من حسنك السرحه

كم قد أغار على العشاق فِي صبحه)

(لما علمت بأنو سَابق اللمحه

عَلَيْهِ قد خفت شطبتو على صحه)

وَقَالَ من الْكَامِل)

(كم قلت لما بت أرشف رِيقه

وَأرى نقي الدّرّ ثغراً منتقى)

(بِاللَّه يَا ذَاك اللمى متروياً

كرر عَليّ حَدِيث جيران النقا)

وَقَالَ من المتقارب

(لَئِن سَاءَنِي أَن هَذَا الَّذِي

من الْعَار فِينَا من العارفينا)

(لقد سرني أَن مَا قد أَتَى

من الجاه لينًا من الجاهلينا)

وَقَالَ من الْخَفِيف

(بِي غزالٌ يَغْزُو الورى بجفون

كل يومٍ سيوفها مشهوره)

(عجبا من لحاظها كَيفَ حَتَّى

هزمتنا مَعَ أَنَّهَا مكسور)

وَقَالَ من المجتث

(وَبِي من التّرْك أحوى

حوى الْجمال فَأكْثر)

(من طرفه لي سكرٌ

من رِيقه لي سُكر)

ص: 149

(قد صان فِي الجفن خمرًا

لأجل ذَا هُوَ يكسر)

وَقَالَ من مجزوء الرمل إِن يكون يضْحك فِي الطيف حَدِيثي ومقالي

(كَيفَ لَا يضْحك مِمَّا

قصّ مِنْهُ فِي الخيال)

وَقَالَ من مجزوء الرمل جَاءَ الرمْح يحاكيهذا فَلم يحك مِنْهُ قوامه

(فَهُوَ لَا شكّ لهَذَا

يقرع السن ندامه)

وَقَالَ من مجزوء الْكَامِل

(شكرا لنسمة أَرضهم

كم بلغت عني تحيه)

(كم قد أَطَالَت بل أطا

بت فِي رسائلنا الخفيه)

(وَلَا غرو إِن حفظت أحا

ديث الْهوى فَهِيَ الذكيَّه)

وَقَالَ من مجزوء الرمل

(إِن يمل بالردف فِي السِّرّ

ج فَمَا ذَاك عَجِيب)

(هُوَ لَا شكّ يرينا

كَيفَ ينهار الْكَثِيب)

)

وَقَالَ من السَّرِيع

(لَا تقل الرَّوْض من أَحَادِيثه

عَن غير نمامٍ غَدَتْ خافيه)

(فَإِنَّهُ تنقل أخباره

إِلَى عينٌ عِنْده صافيه)

وَقَالَ من الْكَامِل

(من شَاءَ يخلد فِي النَّعيم فدونه

حسنٌ بديعٌ مَا بِهِ تَحْسِين)

(من نَاصِر الوجنات بل من نَاظر

الجفنين جناتٌ لَهُ وعيون)

وَقَالَ من الْخَفِيف

(سل سَيْفا من جفْنه ثمَّ أرْخى

وفرةً وفرت عَلَيْهِ الحميله)

(إِن شكا الخصر طولهَا غير بدع

لنحيلٍ يشكو اللَّيَالِي الطويله)

ص: 150

وَقَالَ من مجزوء الرجز

(إِنِّي كتبت ختمةً

حررتها كَمَا ترى)

(لله قد نذرت مَا

فِي بَطنهَا محررا)

وَقَالَ من مجزوء الْخَفِيف

(بِي أحوى وَقد حوى

كلما يجلب الْهوى)

(غُصْن بانٍ أَظُنهُ

من دموعي قد ارتوى)

(هُوَ لي قبلةٌ أما

فرقه خطّ استوا)

(إِن لوى الْوَعْد صُدْغه

فَهُوَ يَا طالما التوى)

(كم لَهُ من مسلسلٍ

عَن أبي ذرةٍ روى)

(مِنْهُ دبت عقاربٌ

خافها الْخَال فانزوى)

(ظَبْي أنسٍ لحاظه

هِيَ لي الدَّاء والدوا)

(أرعد الرمْح خجلةً

مِنْهُ والمرهف انطوى)

وَقَالَ من أَبْيَات من مجزوء الْكَامِل أطرافها مَاء النَّعيم بهَا يجول وَيظْهر لَوْلَا السوار لَكَانَ معصمها يذوب ويقطر

(لَا غرو إِن سرقت حَشا

ي فَإِنَّهَا تتسور)

)

(مَا شِئْت لي من رِيقهَا

سكرٌ وَلَا سكّر)

(إِن تخل من مسك العذا

ر فخالها هُوَ عنبر)

(وَأَنت يَا قلبِي الَّذِي قد صبا

خرجت مثل الصَّبْر عَن أَمْرِي)

(إِنْسَان عَيْني إِن غَدا خاسراً

للدمع فالإنسان فِي خسر)

وَقَالَ من الطَّوِيل

(وبطحاء فِي وادٍ بروقك روضها

وَلَا سِيمَا إِن جاد غيثٌ مبكر)

(تلاحظها عينٌ تفيض بأدمعٍ

يرقرقها مِنْهَا هُنَالك محجر)

ص: 151

وَقَالَ من الْخَفِيف

(رب روض أزرته بدر تمّ

حِين غالى فِي تيهه والتجري)

كَانَ ظَنِّي أَن يفضح الْقد بالغصن وَأَن الزلَال بالريق يزري

(فَرَأَيْت الأغصان ذلاًّ لَدَيْهِ

واقفاتٍ وَالْعين للدمع تذري)

(ثمَّ لما ثنى الْعَنَان عَن النه

ر غَدا فِي ركابه وَهُوَ يجْرِي)

وَكتب إِلَى وَلَده بحماه من السَّرِيع

(قلبِي الَّذِي صحبتكم قد مضى

يشْرَح أشواقي إِلَيْكُم شفَاه)

(مر وَلم يرجع بأخباركم

أَظُنهُ عني حمته حماه)

وَقَالَ من الْخَفِيف

(نيل مصر لمن تَأمل مرأى

حسنه معجزٌ من الْحسن معجب)

(كم بِهِ شَاب فودها وعجيبٌ

كَيفَ شابت بالنيل والنيل يخضب)

وَقَالَ من المديد

(أَيهَا الصَّائِد باللحظ وَمن

هُوَ من بَين الورى مقتنص)

(لَا تسم طَائِر قلبِي هرباً

إِنَّه من أضلعي فِي قفص)

وَقَالَ من الطَّوِيل

(كم قيل قوم بالمجالس خوطبوا

وَذَاكَ دوا جهالهم فِي التنافس)

(فَقلت لَهُم مَا ذَاك بدع وَإنَّهُ

لعِنْد الدوا يدعى الخرا بالمجالس)

وَقَالَ من الْخَفِيف)

(خُذ حَدِيثا يزينه الْإِنْصَاف

لَيْسَ مِمَّا يشينه الِاعْتِرَاف)

(كل من فِي الْوُجُود يطْلب صيدا

غير أَن الشباك فِيهَا اخْتِلَاف)

وَقَالَ من الطَّوِيل

(لَئِن جاد لي بالوصل مِنْهُ خاليه

وَأصْبح مجهوداً رَقِيب ولائم)

(أَلا إِنَّهَا الْأَقْسَام تحرم ساهراً

وَآخر يَأْتِي رزقه وَهُوَ نَائِم)

وَقَالَ من الطَّوِيل

(لقد قَالَ لي إِذْ رحت من خمر رِيقه

أحث كؤوسا من ألذ مقبل)

ص: 152

(بلثم شفاهي بعد رشف سلافها

تنقل فلذات الْهوى فِي التنقل)

وَقَالَ من الْكَامِل

(وَلَقَد أَقُول وَقد شجتني شجةٌ

تبدو بصبح جَبينه الوضاح)

(الله أكبر قَالَ مَا لَك قلت قد

نَادَى جبينك فالق الإصباح)

وَقَالَ من المتقارب

(مغاني الْمَدِينَة قد أَصْبحُوا

وَأنْفق مِنْهُم مغاني الْعَرَب)

(فهم بالعناء وهم بِالْغنَاءِ

كَمثل الْحمير الشقا والطرب)

وَقَالَ من الوافر

(أرانا رقم صدغيه مِثَالا

لنا من طرز عَارضه سيبرز)

(وَقَالَ لمبتدٍ فِي نَحْو حبي

أَلا فاقرأ مُقَدّمَة الْمُطَرز)

وَقَالَ من المنسرح

(وأعور الْعين ظلّ يكشفها

بِلَا حياءٍ مِنْهُ وَلَا خيفه)

(وَكَيف يلفى الْحيَاء عِنْد فَتى

عَوْرَته مَا تزَال مكشوفه)

وَقَالَ من الْخَفِيف

(وبنفسي هويته عجمياً

لي لذت أَلْفَاظه الغتميه)

(كم حلا عجميةً فَقلت لخلي

خَلِّنِي والحلاوة العجميه)

وَقَالَ من الطَّوِيل

(وَبِي أَزْرَق الْعَينَيْنِ لَو أَن مقلتي

كمقلته الزَّرْقَاء تِلْكَ المطوَّسه)

)

(لدثرت ضيف الطيف من برد مدمعي

بفروة سنجابٍ بهدبى مقندسه)

وَقَالَ من الْخَفِيف

(حبذا أسْهم من النبع جَاءَت

لَك صنع فِيهَا وَالله صنع)

(كَيفَ لثت غمائم النَّقْع مِنْهَا

برذاذٍ ووابلٍ وَهِي نبع)

وَقَالَ من المنسرح

(كم قطع الطّرق نيل مصرٍ

حَتَّى لقد خافه السَّبِيل)

(بِالسَّيْفِ وَالرمْح فِي غديرٍ

وَمن قناةٍ لَهَا نصول)

ص: 153

وَقَالَ من الْكَامِل

(يَا من رأى غزلان رامة هَل رأى

بِاللَّه فيهم مثل طرف غزالي)

(أَحْيَا عُلُوم العاشقين بلحظه ال

غزال والإحياء للغزالي)

وَقَالَ من الطَّوِيل

(وَلم أنسه إِذْ قَالَ قُم نودع الدجى

دخائر وصلٍ فالظلام كتوم)

(فَمَا مثله حرز حريزٌ لِأَنَّهُ

تبيت عَلَيْهِ للنجوم ختوم)

وَقَالَ من الطَّوِيل

(مَلَأت اللَّيَالِي من على وختمتها

فقد أَصبَحت مشحونة بمكارمك)

(ختمت عَلَيْهَا بِالثُّرَيَّا فَقل لنا

أَهَذا الَّذِي فِي كفها من خواتمك)

وَقَالَ من الطَّوِيل

(عزيزٌ على الأقلام تَكْلِيف مثلهَا

من القَوْل والتبيان مَا لَا تُطِيقهُ)

(وَإِن فَمَا فاجى علاك لِسَانه

وحقك معذورٌ إِذا جف رِيقه)

وَيُقَال من الطَّوِيل

(أَقُول لمن قد رام نقد مدامعي

وَمن لمعينٍ فِي تأملها ذهب)

(إِذا انتقدوا قولي فَمَا هُوَ بدعةٌ

وَهل مُنكر إِن رَاح ينْتَقد الذَّهَب)

وَقَالَ من المجتث

(يَا قاتلي بجفونٍ

قتيلها لَيْسَ يقبر)

(إِن صَبَرُوا عَنْك قلبِي

فَهُوَ الْقَتِيل المصبر)

)

وَقَالَ من الْبَسِيط

(قل للحفيظ الَّذِي مَا قيل عَنهُ وَلَا

عَن نده وهما يَوْمًا وَلَا اتهما)

(لَا تكتبن على عَيْني رنا نظرٍ

للطيف فَهِيَ الَّتِي لم تبلغ الحلما)

وَقَالَ يذم قريته القطيفة من الوافر

(على ذمّ القطيفة اجْتَمَعنَا

وَإِن حشيت ببردٍ قد تكَرر)

(وَقد أضحى عَلَيْهَا للزميتا

بياضٌ مِثْلَمَا قد ذَر سكر)

(وَلم يكن المكفن غير شخصٍ

يكون إِلَى نَوَاحِيهَا مسير)

ص: 154