الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطهر لغيره، من أَن الطَّهَارَة لَازم وَالْمُبَالغَة فِي اللَّازِم لَا توجب التَّعَدِّي وَذَلِكَ لِأَن الْمُبَالغَة فِي اللَّازِم رُبمَا تَتَضَمَّن معنى آخر مُتَعَدِّيا فَلَا يخفى.
بَيَان كَونه تَعَالَى سميعاً بَصيرًا
سميعاً بَصيرًا لكل مبصر، وَلكُل مسموع، وَلَيْسَ المُرَاد بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر مَا يشبه سمعنَا وبصرنا، بل هما صفتان قديمتان زائدتان على الْعلم، لَيْسَ كسمع الْخلق وبصرهم لدلَالَة النُّصُوص القاطعة، وَإِجْمَاع الْأَنْبِيَاء بل الْعُقَلَاء على ذَلِك، وَلِأَن الْخُلُو عَنْهُمَا نقص، وَلَا يلْزم قدم المسموع والمبصر وَذَلِكَ لما ثَبت أَنه تَعَالَى هُوَ الْمُحدث لهَذَا الْعَالم البديع وَمن أحدث مثله لَا يكون مَوْصُوفا إِلَّا بِهَذِهِ الصِّفَات.
قَالَ الدواني: نقل ابْن تيميه أَن هَذَا عَلَيْهِ إِجْمَاع الْعُقَلَاء قاطبة وَلَا خلاف / بَين الْمُتَكَلِّمين والحكماء فِي كَونه تَعَالَى عَالما قَادِرًا، وَهَكَذَا فِي جَمِيع الصِّفَات، لكِنهمْ مخالفون فِي كَون الصِّفَات عين الذَّات أَو غير الذَّات،
أَو لَا عين وَلَا غير.
فَذهب الْمُعْتَزلَة والحكماء إِلَى أَنَّهَا غير الذَّات، ومحصول كَلَام الْحُكَمَاء نفي الصِّفَات وَإِثْبَات نتائجها وغياياتها، وَأما الْمُعْتَزلَة فَإِنَّهَا عِنْدهم من الاعتبارات الْعَقْلِيَّة الَّتِي لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج، وَاسْتدلَّ الْفَرِيقَانِ على نفي الغيرية بِأَنَّهَا لَو زَادَت لكَانَتْ مُمكنَة لاحتياجها إِلَى الْمَوْصُوف.
وَذهب أهل السّنة إِلَى أَنَّهَا زَائِدَة على الذَّات، قَالُوا: وَقَول الْمُعْتَزلَة فِيهِ استكمال بِالْغَيْر، وتكثير للقدماء مَمْنُوع بِأَن الصّفة لَا عين وَلَا غير، وَالْكفْر تعدد الذوات الْقَدِيمَة كَمَا لزم النَّصَارَى لَا تعدد الصِّفَات.
وَاعْلَم بِأَن الْمُؤلف قد افْتتح بِهَذَيْنِ الوصفين إِشَارَة إِلَى تأهيل الله إِيَّاه لتأليف مثل هَذَا الْكتاب الْمُفْرد الظريف اتصاف بصفتي الْعلم والاقتدار على
التصنيف فِي هَذَا الْفَنّ، وَلَيْسَ ذَلِك تَزْكِيَة لنَفسِهِ، بل لأمرين:
1 -
الأول: امْتِثَال قَوْله تَعَالَى: (وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث) .
2 -
وَالثَّانِي: أَن يعْتَمد وَيعرف بالوصفين الموجبين للركون إِلَى كَلَامه وتوثيقه، وَقد وصف البُخَارِيّ نَفسه بِحِفْظ مائَة ألف حَدِيث.
بيد أَنه / لَو قَالَ: عَلَيْهِمَا لتجري الْأَوْصَاف على نسق وَاحِد لَكَانَ اقعد.
وَقد فَاتَهُ مَعَ مِمَّا اتّصف بِهِ من البلاغة والبراعة ورسوخ قدمه فِي الْإِنْشَاء وَالنّظم الْإِشَارَة إِلَى براعة الاستهلال وَهِي عبارَة: عَن أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم فِي مطلع كَلَامه بِمَا يُشِير إِلَى مجامع الْعلم الْمُؤلف فِيهِ، كَقَوْلي فِي " شرح الْجَامِع الصَّغِير ": الْحَمد لله الَّذِي علمنَا من تَأْوِيل الْأَحَادِيث.