الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدلالته على رفع الحكم فِي بعض الْأَحْوَال نَاسِخا، وَعلم بِهَذَا أَن الْمُتَّصِل لَا يكون نَاسِخا.
الطّرق الَّتِي يعرف بهَا النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ:
وَيعرف النّسخ بِأُمُور: أصرحهَا مَا ورد فِي النَّص كَحَدِيث بُرَيْدَة فِي مُسلم: " كنت / نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور أَلا فزوروها فَإِنَّهَا تذكر الْآخِرَة وَكنت نَهَيْتُكُمْ عَن لُحُوم الْأَضَاحِي فَوق ثَلَاث فَكُلُوا مَا بدا لكم وَكنت نَهَيْتُكُمْ عَن الظروف
…
...
…
الحَدِيث.
وَمِنْهَا: مَا يجْزم الصَّحَابِيّ بِأَنَّهُ مُتَأَخّر كَقَوْل جَابر آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله ترك الْوضُوء من مَا مسته النَّار أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان.
وكحديث أبي بن كَعْب: كَانَ الْمسْح رخصَة فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ أَمر بِالْغسْلِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره. وَقَول عَليّ: قَامَ رَسُول الله للجنازة ثمَّ قعد. رَوَاهُ مُسلم، وَرَوَاهُ ابْن حبَان بِلَفْظ: كَانَ يَأْمُرنَا بِالْقيامِ فِي الْجَنَائِز ثمَّ جلس، وأمرنا بِالْجُلُوسِ.
وَاخْتلف فِي قَول الصَّحَابِيّ: هَذَا نَاسخ لذاك فَقَالَ الأصوليون: لَا يثبت بِهِ النّسخ لجَوَاز أَن يكون قَوْله ذَلِك عَن رَأْي واجتهاد. وَقَالَ المحدثون: يثبت، لِأَن النّسخ لَا مدْخل للرأي فِيهِ بل لمعْرِفَة السَّابِق مِنْهُمَا، وَالظَّاهِر من حَال
الصَّحَابِيّ أَنه لَا يَقُول ذَلِك إِلَّا بعد الْمعرفَة بِهِ.
وَمِنْهَا: مَا يعرف بالتاريخ وَهُوَ كثير كَصَلَاة الْمُصْطَفى فِي مرض مَوته قَاعِدا وَالنَّاس حوله قيام، وَقد قَالَ قبل ذَلِك:" وَإِذا صلى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ ".
وكحديث شَدَّاد بن أَوْس مَرْفُوعا: " أفرط الحاجم والمحجوم " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره، ذكر الإِمَام / الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه مَنْسُوخ بِحَدِيث
مُسلم عَن ابْن عَبَّاس أَن الْمُصْطَفى احْتجم وَهُوَ محرم صَائِم، فَإِن ابْن عَبَّاس صَحبه محرما فِي حجَّة الْوَدَاع سنة عشر، وَفِي بعض حَدِيث شَدَّاد أَن ذَلِك كَانَ سنة ثَمَان.
وَلَيْسَ مِنْهَا: مَا يرويهِ الصَّحَابِيّ الْمُتَأَخر الْإِسْلَام مُعَارضا لمتقدم عَنهُ، لاحْتِمَال أَن يكون سَمعه من صَحَابِيّ آخر أقدم من الْمُتَقَدّم الْمَذْكُور أَو مثله فَأرْسلهُ.
كَذَا ذكره الْمُؤلف، قَالَ: وَإِنَّمَا قلته لِأَن الْمُصْطَفى قَالَ لَيْلَة الْعقبَة أَن المصائب للذنوب كَفَّارَة لأَهْلهَا فَمن أصَاب من ذَلِك شَيْئا
فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ. وروى أَبُو هُرَيْرَة وَهُوَ مُتَأَخّر الْإِسْلَام عَن لَيْلَة الْعقبَة بِنَحْوِ سبع سِنِين أَن الْمُصْطَفى قَالَ: " لَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَة لأَهْلهَا أَو لَا ". وَهَذَا خبر لَا يجوز النّسخ فِيهِ.
لَكِن إِن وَقع التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ لَهُ من النَّبِي فَيتَّجه أَن يكون نَاسِخا، بِشَرْط أَن يكون لم يتَحَمَّل عَن النَّبِي شَيْئا قبل إِسْلَامه.
كَذَا بَحثه المُصَنّف، قَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: وَيشْتَرط - أَيْضا - أَن يكون مُتَقَدم الْإِسْلَام سمع الحَدِيث الْمعَارض قبل سَماع مُتَأَخّر الْإِسْلَام، بِأَن يعلم ذَلِك بِنَقْل أَو قرينَة.
قَالَ البقاعي: وَلَا بُد من الِاحْتِرَاز عَن هَذَا، لِأَن الْمُتَقَدّم الصُّحْبَة يحْتَمل أَن يسمع حَدِيثا بعد مَا سَمعه فِيهَا الْمُتَأَخر.
وَأما / الْإِجْمَاع فَلَيْسَ بناسخ كالإجماع على ترك حَدِيث قتل شَارِب الْخمر فِي الرَّابِعَة.
بل يدل على ذَلِك أَي يدل على النَّاسِخ، وَالْإِجْمَاع لَا ينْسَخ وَلَا ينْسَخ، إِلَّا أَنه قد ثَبت كَونه نَاسِخا كنسخ نِكَاح الْمُتْعَة فَإِنَّهُ ثَبت بِإِجْمَاع الصَّحَابَة، إِذْ لَا إِجْمَاع فِي حَيَاة الْمُصْطَفى لِأَنَّهُ
مُنْفَرد بِبَيَان الشَّرَائِع وَلَا ينْسَخ بعده.
وَإِن لم يعرف التَّارِيخ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُمكن تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر بِوَجْه من وُجُوه التَّرْجِيح الْمُتَعَلّقَة بِالْمَتْنِ أَو بِالْإِسْنَادِ، أَولا، فَإِن أمكن التَّرْجِيح تعين الْمصير إِلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ الشَّيْخ قَاسم: قد يُقَال هَذَا لَا معنى لَهُ لِأَن ركن الْمُعَارضَة تَسَاوِي الحجتين فِي الثُّبُوت، فَإِذا كَانَ أحد السندين أرجح لم يتَحَقَّق الْمُعَارضَة.
فَصَارَ مَا ظَاهره التَّعَارُض وَاقعا على هَذَا التَّرْتِيب: الْجمع إِن أمكن، فاعتبار النَّاسِخ والمنسوخ، فالترجيح. وَهُوَ تَقْوِيَة أحد الطَّرفَيْنِ إِن تعين عبارَة غَيره: إِن أمكن.
قَالَ ابْن قطلوبغا: وَقَوله فَصَارَ
…
...
…
... إِلَى آخِره
مُقْتَضى النّظر طلب التَّارِيخ أَولا
…
...
…
...
…
لتنتفي الْمُعَارضَة إِن وجدت وَإِلَّا فَيتَحَقَّق للْجَهْل بالتاريخ. اه وَمن أَمْثِلَة التَّرْجِيح حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن الْمُصْطَفى نكح مَيْمُونَة وَهُوَ محرم.
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وروى التِّرْمِذِيّ عَن أبي رَافع أَنه نَكَحَهَا وَهُوَ حَلَال قَالَ: وَكنت الرَّسُول بَينهمَا / فرجح بِكَوْن رَاوِيه صَاحب الْوَاقِعَة فَهُوَ أدرى بذلك.
والمرجحات كَثِيرَة، بلغَهَا الْحَازِمِي فِي كتاب " الاعتناء فِي النَّاسِخ والمنسوخ " نَحْو الْخمسين، وأوصلها غَيره إِلَى أَكثر من مائَة واستوفاها الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ فِي نكته فَمِنْهَا:
1 -
علو الْإِسْنَاد.
2 -
وَفقه الرَّاوِي.
3 -
ولقيه وَنَحْوه.
4 -
وَكَونه مزكى بالاختبار لَا بالأخبار.
5 -
(وورعه.
6 -
وَضَبطه وَحفظه ويقظته.
7 -
وَعدم بدعته.
8 -
وشهرة عَدَالَته) .
9 -
أَو أَكثر مزكين.
10 -
ومعروف النّسَب.
11 -
وَحفظ الْمَرْوِيّ.
12 -
والتعويل على الْحِفْظ دون الْكِتَابَة.
13 -
وَظُهُور طَرِيق رِوَايَته.
14 -
وسماعه من غير حجاب.
15 -
وَكَونه من أكَابِر الصَّحَابَة.
16 -
وذكرا خلافًا للإسناد.
17 -
ومتأخر الْإِسْلَام.
18 -
وَقيل متقدمه.
19 -
وَكَونه متحملاً بعد التَّكْلِيف.
20 -
وَغير مُدَلّس.
21 -
وَغير ذِي اسْمَيْنِ.
22 -
ومباشر الرِّوَايَة.
23 -
وَصَاحب الْوَاقِعَة.
24 -
وراويا بِاللَّفْظِ.
25 -
وَكَون الْخَبَر لم يُنكره رَاوِي الأَصْل.
26 -
وَغير ذَلِك.
ثمَّ التَّوَقُّف عَن الْعَمَل بِأَحَدِهِمَا وجوبا إِلَى تبين التَّارِيخ ليعلم بالمتأخر مِنْهُمَا، (لِاسْتِوَائِهِمَا فِي احْتِمَال تَقْدِيم كل مِنْهُمَا على الآخر) ، فَإِن لم يعلم أَو علم وَنسي حمل على الْمُقَارنَة فيستمر الْوَقْف مَعَ أَنه فِي الْوَاقِع أَحدهمَا مَنْسُوخ، لَكِن اشْتِبَاه الْحَال يَقْتَضِي الْوَقْف لِئَلَّا يلْزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح، وَذَلِكَ كَحَدِيث أبي دَاوُد قَالُوا يَا رَسُول الله: مَا يحل من الْحَائِض؟ فَقَالَ: مَا فَوق الْإِزَار.
وَحَدِيث مُسلم " اصنعوا كل شَيْء إِلَّا النِّكَاح " يَعْنِي الوطىء، بِقَرِينَة
اصنعوا وَمن جملَته الوطىء فِيمَا فَوق / الحايل فيتعارضا فِيهِ، فرجح بَعضهم التَّحْرِيم احْتِيَاطًا، وَالْبَعْض الْحل لِأَنَّهُ الأَصْل. وَالتَّعْبِير بالتوقف أولى بالتساقط (الَّذِي عبر السُّبْكِيّ) وَغَيره لِأَن خَفَاء تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر إِنَّمَا هُوَ بِالنّسَبِ للمعتبر. فِي الْحَالة الراهنة مَعَ احْتِمَال أَن يظْهر لغيره أَو لَهُ فِي حَالَة أُخْرَى مَا خَفِي عَلَيْهِ وَهَذَا ظَاهر وَإِن نوزع بِمَا لَا يجدي.