الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآخر اصْطِلَاحا، وَحِينَئِذٍ فَلَا اتجاه لحكم تِلْمِيذه السخاوي لمتبوعه على كَلَامه بالتعارض.
شُرُوط الحَدِيث الْمُتَوَاتر
وَتلك الْكَثْرَة أحد شُرُوط التَّوَاتُر إِذا وَردت بِلَا حصر عدد معِين أَي مشترط وَلَا صفة مَخْصُوصَة بل بِحَيْثُ يوقفون / إِلَى حد تكون (الْعَادة) قد أحالت مَعَه تواطؤهم أَي توافقهم على الْكَذِب أَو وُقُوعه مِنْهُم اتِّفَاقًا من غير قصد قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَقَوله اتِّفَاقًا يُغني عَن قَوْله: عَن غير قصد. اه. وَلذَلِك قَالَ بَعضهم: هَذَا تَفْسِير لقَوْله اتِّفَاقًا.
وَقَوله: الْعَادة هُوَ مَا صرح بِهِ الْعَضُد فِي شُرُوط التَّوَاتُر وفَاقا
لغيره، وَفِيه تَنْبِيه على أَن من قَالَ عقلا أَرَادَ أَن الْعقل لَا يجوز من حَيْثُ الِاسْتِنَاد إِلَى الْعَادة تواطؤهم على الْكَذِب، وَإِلَّا فالتجويز الْعقلِيّ دون نظر إِلَى الْعَادة لَا يرْتَفع وَإِن بلغ الْعدَد مَا عَسى أَن يسع.
وَقَوله: تواطؤهم. أَي توافقهم على الْكَذِب، أَي على الْإِخْبَار بِخَبَر غير مُطَابق للْوَاقِع، بِأَن يتواردوا عَلَيْهِ وَهُوَ أَعم من توافقهم، على أَن كلامنا بِخَبَر بِكَذَا. وَفِي كَلَامه إِشَارَة إِلَى أَن منشأ إِحَالَة الْعَادة لذَلِك كثرتهم فَلَا يرد النَّقْض لخَبر الْوَاحِد الْمُفِيد الْعلم بالقرائن الخارجية.
وَلَا يشْتَرط فِي الْجَمَاعَة الَّذين يَرْوُونَهُ أَن يكون فيهم مَعْصُوم، وَلَا أهل الذلة خلافًا لمن شَرط الأول وَإِلَّا لم يمْتَنع التوافق على
الْكَذِب. وَلمن شَرط الثَّانِي لِأَنَّهُ يمْتَنع تواطؤهم عَادَة للخوف بِخِلَاف أهل الْعِزَّة، وَحِينَئِذٍ فَلَا معنى لتعين الْعدَد على الصَّحِيح بل الصَّوَاب. وَلِهَذَا قَالَ السَّيِّد الْمُحَقق فِي شرح المواقف /: من اعْتبر فِي التَّوَاتُر - يعْنى لَا فَائِدَة فِيهِ وَلَو عبر بِهِ كَانَ أولى - عددا معينا فقد أحَال، فَإِن ذَلِك مِمَّا يخْتَلف بِحَسب الوقائع، وَالضَّابِط مبلغ يَقع مِنْهُ الْيَقِين، فَإِذا حصل الْيَقِين فقد تمّ الْعدَد.
وَقَالَ بَعضهم: وَجه عدم اشْتِرَاط الْعدَد أَنا نقطع بِحُصُول الْعلم من المتواترات من غير علم بِعَدَد مَخْصُوص لَا سَابق وَلَا لَاحق، وَذَلِكَ أَن الِاعْتِقَاد يتوفر عِنْد الْأَخْبَار بتدريج خَفِي إِلَى أَن يحصل الْقطع.
وَمِنْهُم من عينه فِي الْأَرْبَعَة قَالَ بَعضهم: وَلم ترد الْأَرْبَعَة فِي دَلِيل أَفَادَ الْعلم أصلا. وَقيل فِي الْخَمْسَة يَعْنِي فِيمَا فَوق الْأَرْبَعَة، وَعَلِيهِ الباقلاني لاحتياجهم إِلَى التَّزْكِيَة فِيمَا لَو شهدُوا بِالزِّنَا، فَلَا
يُفِيد قَوْلهم الْعلم. وَقيل فِي السَّبْعَة وَقيل فِي الْعشْرَة لِأَن مَا دونهَا آحَاد كَذَا علله الْجلَال الْمحلي قَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: فَظَاهره إِرَادَة اصْطِلَاح الْحساب، وَعَلِيهِ لَا جِهَة للتمسك لَهُ وَهُوَ تَوْجِيه غَرِيب، وَالْمَعْرُوف التَّوْجِيه بِأَن مَا دونهَا جمع قلَّة وَلَا يخفي ضعفه وَقيل فِي الاثْنَي عشر كعدد نقباء بني إِسْرَائِيل كَمَا قَالَ تَعَالَى:(وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا) بعثوا إِلَى الكنعانيين بِالشَّام طَلِيعَة لبني إِسْرَائِيل المأمورين بجهادهم ليخبروهم بحالهم، فكونهم على هَذَا الْعدَد لَيْسَ إِلَّا أَنه أهل مَا يُفِيد الْعلم بالمطلوب. وَقيل فِي الْأَرْبَعين وَقيل
فِي الْعشْرين لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: (إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ يغلبوا مِائَتَيْنِ) فيفهم بعث عشْرين إِلَى مِائَتَيْنِ إخبارهم لغَيرهم فكونهم على هَذَا الْعدَد لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ أهل مَا يُفِيد الْعلم الْمَطْلُوب فِي مثل ذَلِك /. وَأما الْأَرْبَعين لقَوْله تَعَالَى: (يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ) وَكَانُوا أَرْبَعِينَ، فإخبار الله عَنْهُم بِأَنَّهُم كَانُوا مُؤمنين تَنْبِيه يَسْتَدْعِي إخبارهم عَن أنفسهم بذلك لَهُ لِيَطمَئِن قلبه، وكونهم على هَذَا الْعدَد لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ أقل مَا يُفِيد الْعلم الْمَطْلُوب فِي مثل ذَلِك. وَقيل فِي السّبْعين عدَّة أَصْحَاب مُوسَى لقَوْله تَعَالَى:(وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا لِمِيقَاتِنَا) أَي للاعتذار إِلَى الله من عبَادَة الْعجل، ولسماعهم كَلَامه من أَمر وَنهي ليخبروا قَومهمْ بِمَا يسمعُونَ فكونهم على هَذَا الْعدَد لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ أقل مَا يُفِيد الْعلم الْمَطْلُوب فِي مثل ذَلِك وَقيل غير ذَلِك فمما قيل ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر عَنهُ أهل طالوت وَأهل بدر.
وَتمسك كل قَائِل على مَا عينه من الْعدَد بِدَلِيل جَاءَ فِيهِ ذكر ذَلِك الْعدَد فَأفَاد الْعلم اليقيني وَلَيْسَ بِلَازِم أَن يطرد فِي غَيره لاحْتِمَال
الِاخْتِصَاص قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَلم ترد الْأَرْبَعَة، والخمسة، والسبعة، وَالْعشرَة، وَالْأَرْبَعُونَ فِي دَلِيل أَفَادَ الْعلم أصلا، فَلَا يَصح أَن يُقَال فِي هَذِه: وَلَيْسَ بِلَازِم أَن يطرد فِي غَيره. انْتهى.
وَيُجَاب بِأَن الْمُؤلف من أكَابِر الْحفاظ، وَمن حفظ حجَّة على من لم يحفظ.
فَإِذا ورد الْخَبَر كَذَلِك وانضاف إِلَيْهِ أَن يَسْتَوِي الْأَمر (فِيهِ) فِي الْكَثْرَة الْمَذْكُورَة قَالَ بَعضهم: كَلَامه هَذَا كالناطق بِأَن أَقَله عِنْده / عشرَة، وَأَنه لَا يَكْفِي مَا دونهَا فيناقض مَا ذكره قبله، لِأَنَّهُ اشْترط الْكَثْرَة، وَالْعشرَة أقل جموعها وَمَا دونهَا جمع قلَّة وَهِي رأى الْإِصْطَخْرِي.
وَقَالَ فِي " التَّقْرِيب ": إِنَّه الْمُخْتَار. لَكِن رد بِأَنَّهُ لَا ارتباط عَادَة بَين خُرُوج الْعدَد عَن جمع الْقلَّة وَبَين إِفَادَة الْعلم الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرط، نعم
يشْتَرط أَن يكون الْعدَد فَوق أَرْبَعَة بِاتِّفَاق جُمْهُور الشَّافِعِيَّة، وَبِذَلِك عرف أَن الْمُؤلف لم يعْتَبر هُنَا - وَفِيمَا يَأْتِي - بِجمع الْكَثْرَة، كَانَ أولى وأنفى للتعارض بَين كلاميه. من ابْتِدَائه وَيسْتَمر ذَلِك فِي كل طبقَة إِلَى انتهائه الَّذِي من ابْتِدَاء السَّنَد إِلَى الِانْتِهَاء إِلَى من أخْبرهُم بالواقعة القولية، أَو الفعلية، لِأَن خبر كل طبقَة وعصر مُسْتَقل بِنَفسِهِ فَلَا بُد فِيهِ من ذَلِك.
وَالْمرَاد بالاستواء أَن لَا تنقص الْكَثْرَة الْمَذْكُورَة فِي بعض الْمَوَاضِع اعْتِرَاض بِأَنَّهَا قد تنقص وَلَا يضر بِأَن تكون قد جَاوَزت الْحَد الْمُشْتَرط. وَأجِيب بِأَن مُرَاده أَن لَا ينقص الْمُعْتَبر لَا أَن لَا تزيد لِأَن الزِّيَادَة هُنَا مَطْلُوبَة من بَاب الأولى لِأَنَّهَا زِيَادَة فِي الْقُوَّة وَأَن يكون مُسْتَند انتهائه أَي الْخَبَر الْأَمر الْمشَاهد أَو المسموع من رَسُول الله أَو من الصَّحَابِيّ، أَو بعده على مَا مر. لَا أَن كَانَ
مُسْتَنده مَا ثَبت بقضية الْعقل الصّرْف أَي الْمَحْض لِإِمْكَان الْغَلَط فِيهِ كَخَبَر الفلاسفة بقدم الْعَالم، وَلَو قَالَ بِالْعقلِ / فَقَط بدل الصّرْف كَانَ أولى.
فَإِذا جمع الْخَبَر هَذِه الشُّرُوط الْأَرْبَعَة وَهِي عدد كثير قد أحالت الْعَادة أَي منعت تواطؤهم وتوافقهم على الْكَذِب رووا ذَلِك عَن مثلهم فِي امْتنَاع وُقُوع تواطؤهم على الْكَذِب، وَيسْتَمر الْحَال كَذَلِك بِأَن يكون كل طبقَة جمَاعَة بِالصّفةِ الْمَذْكُورَة من الِابْتِدَاء إِلَى الِانْتِهَاء أَي من ابْتِدَاء السَّنَد إِلَى الِانْتِهَاء إِلَى من أخْبرهُم. وَقَول الْمُؤلف فِي تَقْرِيره: المُرَاد مثلهم فِي كَون الْعَادة تحيل تواطؤهم على الْكَذِب وَإِن لم يبلغُوا عَددهمْ، فالسبعة الْعُدُول ظَاهرا بَاطِنا مثل عشرَة عدُول فَقَط فِي الظَّاهِر، فَإِن الصِّفَات تقوم مقَام الذوات بل قد يُفِيد قَول سَبْعَة صلحاء الْعلم وَلَا يُفِيد قَول عشرَة دونهم فِي الصّلاح فَالْمُرَاد حِينَئِذٍ الْمُمَاثلَة فِي الْعلم لَا فِي إِفَادَة الْعدَد. انْتهى.
رده الشَّيْخ قَاسم: بِأَن الأول هُوَ الصَّحِيح، وَأما قَوْله فالسبعة
…
... إِلَى آخِره فَلَيْسَ بِشَيْء، إِذْ لَا دخل لصفات المخبرين فِي بَاب التَّوَاتُر، وَالْمقَام مستغن عَن هَذَا كُله.
وَكَانَ مُسْتَند انتهائهم الْحس أَي مَا من شَأْنه ذَلِك، قَالَ فِي " شرح المواقف ": الْحَاصِل فِي التَّوَاتُر علم جزئي من شَأْنه أَن يحصل بالإحساس فَلذَلِك لَا يَقع فِي الْعُلُوم بِالذَّاتِ.
وانضاف إِلَى ذَلِك أَي مَا ذكر من الشُّرُوط أَن يصحب خبرهم بِالضَّرُورَةِ إِفَادَة الْعلم جَوَاب قَوْله: قيل فَإِذا ورد الْخَبَر
…
إِلَخ لسامعه فَهَذَا هُوَ الْمُتَوَاتر كَذَا وَقع للمؤلف، وَاعْترض بِأَن هَذَا حكم التَّوَاتُر / فَكيف يَجْعَل حكم الشَّيْء شرطا لَهُ؟ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرِيد أَنه من شُرُوط الْعلم.