المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم - اليواقيت والدرر شرح شرح نخبة الفكر - جـ ١

[عبد الرؤوف المناوي]

فهرس الكتاب

- ‌تَرْجَمَة الْحَافِظ ابْن حجر

- ‌اسْمه وَنسبه ومذهبه وكنيته وَالثنَاء عَلَيْهِ

- ‌طلبه للْعلم ومشايخه والعلوم الَّتِي برع فِيهَا

- ‌رحلاته

- ‌المناصب الَّتِي تقلدها

- ‌مؤلفاته

- ‌المصنفات الَّتِي لم يكملها وَكتب مِنْهَا الْيَسِير:

- ‌المصنفات الَّتِي رتبها

- ‌مصنفات أُخْرَى مُخْتَلفَة

- ‌وَفَاته

- ‌أشعار مُخْتَلفَة لِابْنِ حجر

- ‌نظمه أَسمَاء الصَّحَابَة الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ

- ‌نظمه جَوَاز الشّرْب قَائِما

- ‌نظمه الْأَيَّام الَّتِي يتوقى الِانْتِقَال فِيهَا من أَيَّام الشَّهْر

- ‌الْأَشْعَار فِي مدح ابْن حجر

- ‌شرح الْبَسْمَلَة والحمدلة

- ‌معنى علم الله

- ‌بَيَان قدرَة الله عز وجل

- ‌بَيَان حَيَاة الله عز وجل

- ‌بَيَان قيوميته سبحانه وتعالى

- ‌بَيَان كَونه تَعَالَى سميعاً بَصيرًا

- ‌معنى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله

- ‌معنى الصَّلَاة على رَسُوله الله

- ‌معنى آل مُحَمَّد

- ‌البوادر الأولى للتصنيف فِي عُلُوم الحَدِيث

- ‌أَقسَام الْخَبَر

- ‌تَعْرِيف علم الحَدِيث رِوَايَة ودراية

- ‌الحَدِيث الْمُتَوَاتر

- ‌المُرَاد بِالْإِسْنَادِ

- ‌شُرُوط الحَدِيث الْمُتَوَاتر

- ‌التَّوَاتُر النسبي واللفظي والمعنوي

- ‌الْمَشْهُور

- ‌الْعَزِيز

- ‌سَبَب تَسْمِيَة الْمُتَوَاتر

- ‌سَبَب إِبْهَام ابْن حجر شُرُوط التَّوَاتُر

- ‌أَقسَام الْآحَاد

- ‌الْعَزِيز

- ‌الْغَرِيب

- ‌أَقسَام الغرابة

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌الحَدِيث الصَّحِيح بنوعيه

- ‌الْعَدَالَة وَالْمرَاد بِالْعَدْلِ

- ‌الضَّبْط وأنواعه

- ‌اتِّصَال السَّنَد

- ‌الْمُعَلل

- ‌الشاذ

- ‌(تَنْبِيه) :

- ‌محترزات تَعْرِيف الصَّحِيح

- ‌انتقادات لتعريف الصَّحِيح

- ‌أصح الْأَسَانِيد

- ‌الرَّأْي الْمُخْتَار فِي أصح الْأَسَانِيد

- ‌المفاضلة بَين الصَّحِيحَيْنِ

- ‌تَقْدِيم صَحِيح البُخَارِيّ على صَحِيح مُسلم

- ‌عدد أَحَادِيث صَحِيح البُخَارِيّ

- ‌تَوْجِيه كَلَام الشَّافِعِي فِي تَفْضِيل المؤطأ على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌الْإِجَابَة عَن إِخْرَاج مُسلم حَدِيث بعض الضُّعَفَاء

- ‌جملَة مَا فِي صَحِيح مُسلم

- ‌عدم اسْتِيعَاب الشَّيْخَيْنِ للصحيح

- ‌المُرَاد من شَرطهمَا وَتَقْدِيم مَا وَافق شَرطهمَا على غَيره

- ‌عَدَالَة رُوَاة الصَّحِيحَيْنِ وتقدمهم على غَيرهم

- ‌بَقِيَّة مَرَاتِب الصَّحِيح وَمَا أورد عَلَيْهِ مِنْهَا

- ‌فَائِدَة بَيَان مَرَاتِب الصَّحِيح

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌التَّصْحِيح والتضعيف فِي العصور الْمُتَأَخِّرَة

- ‌الحَدِيث الْحسن بنوعيه

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌زِيَادَة الثِّقَة

- ‌تَنْبِيه:

- ‌والْحَدِيث فِي مُسلم

- ‌معرفَة النَّاسِخ والمنسوخ

- ‌تَعْرِيف النّسخ لُغَة وَشرعا:

- ‌الطّرق الَّتِي يعرف بهَا النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ:

- ‌معرفَة الضَّعِيف

- ‌الحَدِيث الْمُرْسل

- ‌تَنْبِيه:

الفصل: ‌تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم

الْعلمَاء بعدهمَا على تلقي كِتَابَيْهِمَا / بِالْقبُولِ كَمَا تقدم وَاخْتِلَاف بَعضهم فِي أَيهمَا أرجح: فَمَا اتفقَا عَلَيْهِ أرجح من هَذِه الْحَيْثِيَّة. أَي من حَيْثُ تلقي كِتَابَيْهِمَا بِالْقبُولِ مِمَّا لم يتَّفقَا عَلَيْهِ وَقد يعرض عَارض يَجْعَل المفوق فائقاً كَذَا ذكره المُصَنّف. فَإِذا قَالُوا: مُتَّفق عَلَيْهِ، أَو على صِحَّته فمرادهم (اتِّفَاق) الشَّيْخَيْنِ لَا الْأمة لَكِن يلْزم - كَمَا قَالَ ابْن الصّلاح - من اتِّفَاقهمَا اتِّفَاق الْأمة لتلقيهم لَهما بِالْقبُولِ كَمَا تقرر.

‌تَقْدِيم صَحِيح البُخَارِيّ على صَحِيح مُسلم

وَقد صرح الْجُمْهُور بِتَقْدِيم صَحِيح البُخَارِيّ على صَحِيح مُسلم فِي الصِّحَّة أَي الْمُتَّصِل فِيهِ دون نَحْو التَّعَالِيق والتراجم كَمَا مر وَلم يُوجد عَن أحد التَّصْرِيح بنقيضه. كَذَا ادَّعَاهُ المُصَنّف. وَمنع بقول

ص: 361

مسلمة بن قَاسم فِي كتاب الصِّلَة: صَحِيح مُسلم لم يصنع أحد مثله.

ثمَّ استشعر الْمُؤلف على نَفسه اعْتِرَاض فِي هَذِه الدَّعْوَى فحاول دَفعه بقوله: وَأما مَا نقل عَن أبي عَليّ الْحُسَيْن بن عَليّ النَّيْسَابُورِي بِفَتْح النُّون، وَهُوَ شيخ الْحَاكِم أَنه قَالَ: مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أَي مَا ظهر مِنْهَا أصح من كتاب مُسلم. فَلم يُصَرح بِكَوْنِهِ أصح من صَحِيح البُخَارِيّ.

ص: 362

خلافًا لما أفهمهُ كَلَام التَّقْرِيب (وَمن تبعه) لِأَنَّهُ إِنَّمَا نفي وجود كتاب أصح من كتاب مُسلم، إِذا الْمَنْفِيّ إِنَّمَا هُوَ مَا يَقْتَضِيهِ صِيغَة افْعَل من زِيَادَة صِحَة فِي كتاب شَارك كتاب مُسلم فِي / الصِّحَّة، يمتاز بِتِلْكَ الزِّيَادَة وَلم ينف الْمُسَاوَاة فِي الصِّحَّة فَهُوَ إِنَّمَا نفى الأصحية عَن غير مُسلم عَلَيْهِ، فَيصدق بالمساواة كَمَا فِي حَدِيث:(لَا أظلت الخضراء، وَلَا أقلت الغبراء، أصدق للْخَبَر من أبي ذَر) فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي أَنه أصدق من جَمِيع الصَّحَابَة الَّذين مِنْهُم: أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ص: 363

لَكِن عورض: بِأَن هَذَا إِنَّمَا هُوَ بِحَسب اللُّغَة، وَأما فِي الْعرف فنفى الأرجحية يسْتَلْزم نفى الْمُسَاوَاة، وَبِأَن الْمُسَاوَاة لَا تكَاد تُوجد فَلَا تقصد، فَكَأَن السِّيَاق لإِثْبَات الأصحية.

أَلا ترى إِلَى مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن الْبَراء قَالَ: مَا رَأَيْت قطّ أحسن مِنْهُ - أَي من رَسُول الله. قَالُوا: هَذَا التَّرْكِيب وَإِن أوهم نفي تَفْضِيل الْغَيْر لكنه مُتَعَارَف فِي التَّفْضِيل عَلَيْهِ، لندرة التَّسَاوِي بَين شَيْئَيْنِ وَالْغَالِب التَّفَاضُل، فَإِذا نفى أَفضَلِيَّة أَحدهمَا ثبتَتْ أَفضَلِيَّة

ص: 364

الآخر مجَازًا، أَو اسْتِعْمَالا للأخص فِي الْأَعَمّ.

قَالَ المُصَنّف: فَإِن قيل: أَن الْعرف يقْضِي فِي نَحْو قَوْلنَا: مَا فِي الْبَلَد أعلم من زيد، ينفى من يُسَاوِيه أَيْضا.

قُلْنَا: لَا نسلم أَن عرفهم كَانَ كَذَلِك. انْتهى.

قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَيَردهُ قَول النَّسَفِيّ فِي " الْعُمْدَة " أَن الْمُصْطَفى قَالَ: " مَا أطلعت شمس وَلَا غربت على أحد بعد النَّبِيين أفضل من أبي بكر ". قَالَ النَّسَفِيّ: فَهَذَا يَقْتَضِي أَن أَبَا بكر أفضل من كل من لَيْسَ / بِنَبِي أَيْضا.

ثمَّ قَالَ الْمُؤلف: سلمنَا، لَكِن يجوز إِطْلَاق مثل هَذِه الْعبارَة وَإِن

ص: 365

وجد مسَاوٍ إِذْ هُوَ مقَام مدح ومبالغة وَهُوَ يحْتَمل مثل ذَلِك. انْتهى.

وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن هَذَا يفوت فَائِدَة اخْتِصَاصه بِالذكر حِينَئِذٍ وَهُوَ خلاف الْمَقْصُود. اه.

قَالَ: وَقَول ابْن حَنْبَل: مَا بِالْبَصْرَةِ أعلم من بشر بن الْفضل، أما مثله فَعَسَى. اه يقتضى أَن عرفهم كَانَ كَذَلِك.

وَكَذَلِكَ مَا نقل عَن بعض المغاربة وَيُقَال: (إِنَّه ابْن حزم) أَنه فضل صَحِيح مُسلم على صَحِيح البُخَارِيّ (فَإِن ذَلِك لَيْسَ للأصحية بل لما ذكره الْمُؤلف بقوله) فَذَلِك فِيمَا يرجع إِلَى حسن السِّيَاق وجودة الْوَضع (وَالتَّرْتِيب) وَكَونه لَيْسَ فِيهِ بعد الْخطْبَة إِلَّا الحَدِيث فَقَط فسهل تنَاوله بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ قطع الْأَحَادِيث فِي الْأَبْوَاب باستنباط الْأَحْكَام مِنْهَا، وَأورد كثيرا مِنْهَا فِي غير مظنته.

ص: 366

وَلم يفصح أحد مِنْهُم بِأَن ذَلِك رَاجع إِلَى الأصحية وَلَو أفصحوا بِهِ لرده عَلَيْهِم شَاهد الْوُجُود. قَالَ المُصَنّف: وَفِي هَذِه الْعبارَة إِشَارَة إِلَى التنكيت على ابْن الصّلاح من وَجْهَيْن:

1 -

أَحدهمَا: أَنه بعد أَن سَاق كَلَام أبي عَليّ قَالَ: وَهَذَا قَول من فضل من شُيُوخ الحَدِيث كتاب مُسلم على البُخَارِيّ فَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ أَن كتاب مُسلم يتَرَجَّح بِأَنَّهُ لم يمازحه غير الصَّحِيح فَلَا بَأْس بِهِ، وَلَا يلْزم أَن يكون أرجح فِيمَا يرجع إِلَى نفس الصَّحِيح، وَإِن كَانَ المُرَاد أَنه أصح صَحِيحا فمردود على قَائِله.

فَجمع بَين كَلَامي أبي عَليّ وَبَعض أهل الْمغرب، وَلم يذكر بعدهمَا جَوَابا / عَنْهُمَا، بل إِنَّمَا ذكر مَا يكون جَوَابا عَن كَلَام بعض أهل الْمغرب فَقَط، وَصَارَ كَلَام أبي عَليّ غير مَعْلُوم الْجَواب مِمَّا قَالَه.

2 -

الثَّانِي: أَن قَوْله فَهَذَا مَرْدُود على قَائِله لم يبين وَجه الرَّد فِيهِ. اه وَلِهَذَا قَالَ بَعضهم: هَذَا كَلَام لَا برهَان مَعَه فَلَا يُفِيد دفعا.

ص: 367

فالصفات كَانَ الأولى أَن يَقُول: لِأَن الصِّفَات الَّتِي تَدور عَلَيْهَا الصِّحَّة فِي كتاب البُخَارِيّ أتم مِنْهَا فِي كتاب مُسلم وَأسد، وَشَرطه فِيهَا أقوى وَأَشد:

1 -

أما رجحانه من حَيْثُ الِاتِّصَال فلاشتراطه أَن يكون الرَّاوِي قد ثَبت لَهُ لِقَاء من روى عَنهُ وَلَو مرّة وَاحِد وَاكْتفى مُسلم بِمُطلق المعاصرة، وألزم البُخَارِيّ بِأَنَّهُ يحْتَاج أَن لَا يقبل العنعنة أصلا، وَمَا ألزمهُ بِهِ لَيْسَ بِلَازِم لِأَن الرَّاوِي إِذا ثَبت لَهُ اللِّقَاء مرّة لَا يجْرِي فِي رواياته احْتِمَال أَن لَا يكون قد سمع مِنْهُ، لِأَنَّهُ يلْزم من جَرَيَانه أَن يكون مُدَلّس وَالْمَسْأَلَة مَفْرُوضَة فِي غير المدلس.

اعْترض عَلَيْهِ: بِأَن الْغَرَض أَيْضا حَال فِي عنعنة من لم يلق عدم التَّدْلِيس فَلَا احْتِمَال، لَكِن قَالَ الْمُؤلف: إِن شَرط مُسلم لَا يسلم من الْإِرْسَال الْخَفي، وَلَا يخفى مَا فِيهِ، وَالَّذِي قَالَه النَّوَوِيّ أَنه هُنَاكَ غَلَبَة

ص: 368

الظَّن بِالسَّمَاعِ وَكَذَا الاستقراء.

2 -

وَأما رجحانه من حَيْثُ الْعَدَالَة والضبط فَلِأَن الرِّجَال الَّذين تكلم (بِضَم التَّاء) فيهم من رجال مُسلم أَكثر عددا من الرِّجَال الَّذين تكلم فيهم من رجال البُخَارِيّ. فَإِن الَّذين انْفَرد البُخَارِيّ بِالْإِخْرَاجِ لَهُم دون مُسلم أَرْبَعمِائَة وَبضْعَة وَثَلَاثُونَ، الْمُتَكَلّم فيهم بالضعف ثَمَانُون، وَمن انْفَرد مُسلم بِالْإِخْرَاجِ لَهُ / سِتّمائَة وَعِشْرُونَ، الْمُتَكَلّم فيهم بالضعف مائَة وَسِتُّونَ. والتخريج عَمَّن لم يتَكَلَّم فيهم أصلا أولى مِمَّن تكلم فِيهِ. مَعَ أَن البُخَارِيّ لم يكثر من إِخْرَاج حَدِيثهمْ، بل غالبهم من شُيُوخه الَّذين أَخذ عَنْهُم ومارس حَدِيثهمْ وأطلع على أَحَادِيثهم، والمحدث أعرف بِحَدِيث شُيُوخه مِمَّن تقدم بِخِلَاف مُسلم فِي الْأَمريْنِ فَإِنَّهُ أَكثر من إِخْرَاج حَدِيثهمْ. وغالب الرِّجَال الَّذين تكلم فيهم من رِجَاله لَيْسُوا من شُيُوخه، وَلم يعاصرهم حَتَّى يُمَيّز بَين قوي حَدِيثهمْ وسقيمه. وَلِأَن البُخَارِيّ يخرج عَن الطَّبَقَة الأولى الْبَالِغَة فِي الْحِفْظ والإتقان وَعَن

ص: 369

طبقَة تَلِيهَا فِي التثبيت وَطول الْمُلَازمَة انتقاء وتعليقاً، وَمُسلم يخرج عَن هَذِه الطَّبَقَة أصولاً.

وَلِأَن مُسلما يرى أَن للمعنعن حكم الِاتِّصَال إِذا تعاصرا وَإِن لم يثبت اللقي، وَالْبُخَارِيّ لَا يرَاهُ حَتَّى يثبت.

وإلزامه باحتياجه أَن لَا يقبل المعنعن أصلا رد بِأَن الرَّاوِي إِذا ثَبت لَهُ اللِّقَاء مرّة (وَاحِدَة) لَا يتَطَرَّق لرواياته احْتِمَال أَن لَا يكون سمع وَإِلَّا لزم كَونه مدلساً. وَالْكَلَام فِي غَيره كَمَا مر.

3 -

وَأما رجحانه من حَيْثُ عدم الشذوذ والإعلال فَلِأَن مَا انتقد على البُخَارِيّ من الْأَحَادِيث اقل عددا مِمَّا انتقد على مُسلم. وَذَلِكَ لِأَن الْأَحَادِيث الَّتِي انتقدت عَلَيْهِمَا نَحْو مِائَتي حَدِيث (وَعشرَة أَحَادِيث) اخْتصَّ البُخَارِيّ مِنْهَا بِأَقَلّ من ثَمَانِينَ وَمَا / قل الانتقاد فِيهِ أرجح.

ص: 370

وَهَذَا مَعَ اتِّفَاق الْعلمَاء على أَن البُخَارِيّ كَانَ أجل من مُسلم فِي الْعُلُوم، وَأعرف بصناعة الحَدِيث مِنْهُ.

وغوامضه ودقائقه وَأَن مُسلما تِلْمِيذه وخريجه، وَلم يزل يَسْتَفِيد مِنْهُ، ويتتبع آثاره حَتَّى لقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَوْلَا البُخَارِيّ لما رَاح مُسلم وَلَا جَاءَ.

تعقبه بعض الْمُتَأَخِّرين: بِأَنَّهُ لَا يلْزم من ذَلِك تَفْضِيل التصنيف على التصنيف.

وَالشَّيْخ قَاسم: بِأَن مَا ذكره يتَضَمَّن أرجحية البُخَارِيّ على مُسلم فِي كل من شُرُوط الصِّحَّة الَّتِي هِيَ الِاتِّصَال، وَالْعَدَالَة، والضبط، وَعدم الْعلَّة والشذوذ وَلَيْسَ فِي جَمِيع مَا ذكر حجَّة، لِأَن قَوْله لَا يجْرِي فِي رواياته احْتِمَال أَن لَا يكون سمع: إِن اراد عقلا فَمَمْنُوع، وَإِن أَرَادَ اللَّازِم الْمَذْكُور فَمثله فِي عنعنة المعاصر الَّذِي لم يثبت عدم لِقَائِه لمن عاصره على مَا لَا يخفى.

وَأما قَوْله: فَلِأَن

إِلَى آخِره. إِن أَرَادَ الَّذين أخرج عَنْهُم مُسلم فِي غير المتابعات وَمن لَيْسَ مَقْرُونا بِغَيْرِهِ فَمَمْنُوع، بل هما سَوَاء

ص: 371

لمن تتبع مَا فِي الْكِتَابَيْنِ مُطلقًا.

وَقَوله: بل غالبهم من شُيُوخه، صرح المُصَنّف فِي الْمُقدمَة بِخِلَافِهِ.

وَأما قَوْله: فَلِأَن مَا انتقد

إِلَى آخِره. فالنقد غير مُسلم فِي نَفسه، ثمَّ إِن هَذَا كُله لَيْسَ من الحيثيتين إِلَى هُنَا كَلَامه.

قَالَ المُصَنّف: وَرَأَيْت فِي كَلَام العلائي مَا يشْعر بِأَن أَبَا عَليّ لم يقف على صَحِيح البُخَارِيّ وَهَذَا بعيد، فقد صَحَّ عَن بلديه وَشَيْخه ابْن / خُزَيْمَة أَنه قَالَ: مَا فِي الْكتب أَجود من البُخَارِيّ.

وَيظْهر من كَلَام أبي عَليّ أَنه قدم صَحِيح مُسلم لِمَعْنى غير الصِّحَّة هُوَ: أَن مُسلما صنف كِتَابه فِي بَلَده محضوراً أُصُوله، فِي حَيَاة كثير من مشايخه، فَكَانَ يتحرز فِي الْأَلْفَاظ ويتحرى فِي السِّيَاق، وَالْبُخَارِيّ رُبمَا كتب الحَدِيث من حفظه فَلم يُمَيّز أَلْفَاظ رِوَايَة، وَبِذَلِك رُبمَا يعرض

ص: 372

لَهُ الشَّك. وَصَحَّ (عَنهُ) أَنه قَالَ: رب حَدِيث سمعته بالبصر وكتبته بِالشَّام.

(وَبِالْجُمْلَةِ فقد أجمع النَّاس الْآن على تَرْجِيح البُخَارِيّ) لِأَن مُسلما لم يتصد لما تصدى لَهُ البُخَارِيّ من استنباط الْأَحْكَام، وتقطيع الْأَحَادِيث، وَلم يخرج الْمَوْقُوفَات. وَله فِي مُقَابلَة مُسلم من الْفَضَائِل الجمة مَا ضمنه فِي أبوابه من التراجم الَّتِي تحيرت فِيهَا أفكار الأجلاء. انْتهى.

وَحكى فِي الْمقنع قولا ثَالِثا: أَنَّهُمَا سَوَاء قَالَ ابْن قطلوبغا: وَهُوَ أعدل الْأَقْوَال لعدم دَلِيل التَّفْضِيل فَكل مَا قيل دعاوى مُجَرّدَة عَن دَلَائِل بَاطِلَة.

وَنقل ابْن أبي جَمْرَة عَن بعض الصَّالِحين: أَن البُخَارِيّ مَا قريء فِي شدَّة إِلَّا فرجت، وَلَا ركب بِهِ فِي مركب فغرق.

ص: 373