الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِأمة خيرا قبض نبيها قبلهَا ".
قَالَ: وَهَذَا طَرِيقه حسن، وَرَوَاهُ ثِقَات، وَقد أدخلهُ قوم فِي صحاحهم. انْتهى.
والْحَدِيث فِي مُسلم
.
وَقَالَ / الذَّهَبِيّ: أنكر مَا للوليد بن مُسلم من الْأَحَادِيث حَدِيث فِي حفظ
الْقُرْآن، وَهُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ وَحسنه، وَصَححهُ الْحَاكِم وَقَالَ: على شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وَمَا تقدم ذكره من الْفَرد النسبي الْمَتْن هُوَ قَوْله: والفرد النسبي وَقَوله مَا تقدم ذكره من شرح كَذَا صنع الْمُؤلف.
وَتعقبه البقاعي: بِأَن الْفَرد فِي الْمَتْن مُبْتَدأ مَرْفُوع، وَفِي الشَّرْح مجرور فَهُوَ مخل بالمزج. قَالَ البقاعي.
وَقَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: قَوْله من الْفَرد فِيهِ الْفَرد مجرور مَعَ أَنه فِي الْمَتْن مَرْفُوع فَلم يَفِ بِمَا يَنْبَغِي فِي التَّضْمِين، فَلَو قَالَ: وَهُوَ الْفَرد بدل من الْفَرد كَانَ أولى، أَو لَو أَتَى بِعِبَارَة يكون فِيهَا الْفَرد معرباً بِالرَّفْع كَانَ أحسن.
إِن وجد بعد ظن كَونه فَردا قد وَافقه غَيره فَهُوَ المتابع.
يَعْنِي فَذَلِك الْغَيْر هُوَ المتابع بِكَسْر الْمُوَحدَة بعد الْألف مصدر ميمي لتابعه تباعا.
وَاصْطِلَاحا: وجدان راو غير صَحَابِيّ مُوَافق لراو ظن صدقه أَنه فَرد نسبي، أَو لشيخه، أَو شيخ شَيْخه، فِي لفظ مَا رَوَاهُ أَو فِي مَعْنَاهُ.
وتخصصه ذَلِك بالفرد النسبي أورد عَلَيْهِ: أَن المتابع قد يكون فِي الْفَرد الْمُطلق.
وتنقسم إِلَى: تَامّ وَإِلَى قَاصِرَة كَمَا بَين ذَلِك بقوله والمتابعة بِفَتْح الْمُوَحدَة على مَرَاتِب: إِن حصلت للراوي على نَفسه فَهِيَ التَّامَّة، وَإِن / حصلت لشيخه فَمن فَوْقه أَي لشيخ شَيْخه أَو شيخ شيخ شَيْخه وَهَكَذَا فَهِيَ القاصرة يَعْنِي الرَّاوِي عَن متابع شَيْخه متابع لَهُ، لَكِنَّهَا لَيست فِي شَيْخه فَهِيَ القاصرة.
وَيُسْتَفَاد مِنْهَا أَي الْمُتَابَعَة بقسميها التقوية فتكسب قُوَّة فِي الْفَرد المتابع ونفعاً فِيهِ.
مِثَال الْمُتَابَعَة (التَّامَّة) مَا رَوَاهُ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي كِتَابه " الْأُم " عَن مَالك بن أنس عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله قَالَ: " الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تروا الْهلَال، وَلَا تفطروا حَتَّى تروه، فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ ".
كَذَا مثل بِهِ المُصَنّف للمتابعه التَّامَّة، (وَاعْترض مَا لَيْسَ مِثَالا للتامة) وَإِنَّمَا مثالها مَا ذكره بعد من قَوْله لَكِن وجدنَا للْإِمَام الشَّافِعِي مُتَابعًا وَهُوَ عبد الله بن مسلمة
…
إِلَى آخِره. فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمه وَتَأْخِير مَا قدمه، إِلَّا أَن يُقَال: تَقْدِيمه ضَرُورِيّ لَا بتناء الْكَلَام بعده عَلَيْهِ، واتضاح الْمَعْنى المُرَاد بِهِ.
فَهَذَا الحَدِيث (الْمَذْكُور) بِهَذَا اللَّفْظ ظن قوم من الْمُحدثين
أَن الإِمَام الشَّافِعِي تفرد بِهِ أَي براويته عَن مَالك فعدوه فِي غرايبه لِأَن أَصْحَاب مَالك رَوَوْهُ عَنهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد بِلَفْظ " فَإِن غم عَلَيْكُم فاقدروا لَهُ قدره " لَكِن وجدنَا للْإِمَام الشَّافِعِي مُتَابعًا وَهُوَ عبد الله بن مسلمة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة ثمَّ لَام وَمِيم / مفتوحتين القعْنبِي بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة ثمَّ نون مُوَحدَة كَذَلِك أخرجه البُخَارِيّ عَنهُ عَن مَالك وَهَذِه مُتَابعَة تَامَّة أَي قَوْله وجدنَا
…
إِلَى آخِره، وَلَا تكْرَار مَعَ قَوْله أَولا مِثَال التَّامَّة لِأَن هَذَا تنصيص على أَنه الْمِثَال فِي الْحَقِيقَة.
وَوجدنَا لَهُ - أَيْضا - مُتَابعَة قَاصِرَة فِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة من
رِوَايَة عَاصِم بن مُحَمَّد عَن أَبِيه مُحَمَّد بن زيد عَن جده عبد الله بن عمر بِلَفْظ " فَكَلَّمُوا ثَلَاثِينَ ". وَفِي صَحِيح مُسلم فِي رِوَايَة عبيد الله ابْن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر بِلَفْظ " فاقدروا ثَلَاثِينَ ".
وَلَا اقْتِصَار فِي هَذِه الْمُتَابَعَة سَوَاء كَانَت تَامَّة أَو قَاصِرَة على اللَّفْظ بل لَو جَاءَت بِالْمَعْنَى لكفى لَكِنَّهَا مُخْتَصَّة بِكَوْنِهَا من رِوَايَة ذَلِك الصَّحَابِيّ.
كَذَا ذكره المُصَنّف، وَاعْتَرضهُ الْكَمَال بن أَبى شرِيف والشرف الْمَنَاوِيّ: بِأَن الَّذِي نَقله ابْن الصّلاح ثمَّ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ عَن ابْن حبَان وَلم
يتعقباه فِي تَمْثِيل الْمُتَابَعَة يَقْتَضِي أَن رِوَايَة غير الصَّحَابِيّ ذَلِك الحَدِيث عَن الْمُصْطَفى مُتَابعَة للصحابي.
وَإِن وجد متن يرْوى من حَدِيث صَحَابِيّ آخر يُشبههُ فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى، أَو فِي الْمَعْنى فَقَط كَمَا فِي الْمِثَال المسوق للمتابعة القاصرة فَإِنَّهُ لَيْسَ بِاللَّفْظِ فَهُوَ الشَّاهِد فالشاهد فِي الِاصْطِلَاح: متن بِمَعْنى الْفَرد النسبي بِلَفْظِهِ أَو بِمَعْنَاهُ دون لَفظه من رِوَايَة صَحَابِيّ آخر.
ومثاله فِي / الحَدِيث الَّذِي قدمْنَاهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن حنين بِالتَّصْغِيرِ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي فَذكر مثل حَدِيث عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر سَوَاء فَهَذَا
بِاللَّفْظِ وَأما بِالْمَعْنَى فَهُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: " فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ " وَذَلِكَ شَاهد بِالْمَعْنَى.
وَخص قوم الْمُتَابَعَة بِمَا حصل بِاللَّفْظِ سَوَاء كَانَ من رِوَايَة ذَلِك عَن الصَّحَابِيّ أم لَا. وَالشَّاهِد بِمَا حصل بِالْمَعْنَى كَذَلِك أَي سَوَاء كَانَ من رِوَايَة ذَلِك الصَّحَابِيّ أم لَا كَمَا قَالَه المُصَنّف (فِي تَقْرِيره) قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَهُوَ ظَاهر.
وَقد يُطلق الْمُتَابَعَة على الشَّاهِد وَعَكسه وَالْأَمر سهل.
كَذَا ذكره الْمُؤلف، قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم: وَيُسمى الْمُتَابَعَة شَاهدا وَلَا يُسمى الشَّاهِد مُتَابعَة. وَهُوَ مُخَالف لما ذكره الْمُؤلف.
وَيدخل فِي الْمُتَابَعَة وَالشَّاهِد رِوَايَة من لَا يحْتَج بِهِ وَلَا يدْخل فِي ذَلِك كل ضَعِيف.
وَاعْلَم أَن تتبع الطّرق الْمَتْن قَوْله وتتبع الطّرق وَقَوله اعْلَم شرح هَكَذَا صنع الْمُؤلف.
وَتعقبه البقاعي: بِأَن تتبع فِي الْمَتْن مَرْفُوع، وَفِي الشَّرْح مَنْصُوب، وَلَيْسَ من طَرِيق المزج فِي شَيْء، فَكَانَ الأولى أَن يَقُول وتتبع الطّرق من الْمُحدث من الْجَوَامِع وَالْمَسَانِيد وَالسّنَن والأجزاء والتواريخ وَغَيرهَا لذَلِك
الحَدِيث الَّذِي يظنّ أَنه فَرد ليعلم هَل لَهُ متابع / أَو شَاهد أَو لَا، هُوَ الِاعْتِبَار أَي يُسمى بذلك، فَهُوَ أَن يَأْتِي إِلَى حَدِيث بعض الروَاة فيعتبره بروايات غَيره من الروَاة، بسبر طرق الحَدِيث ليعرف هَل شَاركهُ فِيهِ غَيره فَرَوَاهُ عَن شَيْخه أَو لَا؟ فَإِن لم يكن فَينْظر هَل تَابع (أحد) شيخ شَيْخه فَرَوَاهُ عَمَّن رَوَاهُ عَنهُ؟ وَهَكَذَا إِلَى آخر الْإِسْنَاد وَذَلِكَ الْمُتَابَعَة، فَإِن لم يكن فَينْظر هَل أَتَى بِمَعْنَاهُ حَدِيث آخر وَهُوَ الشَّاهِد، فَإِن لم يكن فَالْحَدِيث فَرد فَلَيْسَ الِاعْتِبَار قسيما للمتابع وَالشَّاهِد بل للتوصل كَمَا أَشَارَ المُصَنّف إِلَى ذَلِك بقوله: وَقَول ابْن الصّلاح: معرفَة الِاعْتِبَار والمتابعات والشواهد قد يُوهم أَن الِاعْتِبَار قسيم لَهَا، وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ هَيْئَة التَّوَصُّل إِلَيْهِمَا.
كَذَا زَعمه المُصَنّف، ورده الشَّيْخ قَاسم: بِأَن مَا قَالَه ابْن الصّلاح
صَحِيح لِأَن هَيْئَة التَّوَصُّل إِلَى الشَّيْء غير الشَّيْء.
وَجَمِيع مَا تقدم من أَقسَام المقبول تحصل فَائِدَة تقسيمه بِاعْتِبَار مراتبه عِنْد الْمُعَارضَة.
قَالَ المُصَنّف (فِي تَقْرِيره) : يَعْنِي إِذا تعَارض حديثان صَحِيح لذاته وصحيح لغيره، أَو حسن لذاته وَحسن لغيره، قدم الَّذِي لذاته على الَّذِي لغيره.
كَذَا قَرَّرَهُ الْمُؤلف وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَنَّهُم لم يراعوا فِي ترجيحاتهم هَذَا الِاعْتِبَار، وَيعرف هَذَا من صَنِيع الْبَيْهَقِيّ فِي " الخلافيات " وَالْغَزالِيّ فِي كِتَابه " تَحْسِين المأخذ " وَغير ذَلِك. انْتهى.
قَالَ ابْن حبَان: وَطَرِيق الِاعْتِبَار أَن يروي / حَمَّاد مثلا حَدِيثا لم يُتَابع عَلَيْهِ، عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن الْمُصْطَفى،
فَينْظر هَل رَوَاهُ ثِقَة غير أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين فَإِن وجد علم أَن لَهُ أصلا يرجع إِلَيْهِ، وَإِلَّا فثقه غير ابْن سِيرِين رَوَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة، وَإِلَّا فصحابي غير أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ عَن الْمُصْطَفى فَأَي ذَلِك وجد علم أَن للْحَدِيث أصلا وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: فمثال مَا عدمت فِيهِ المتابعات من وَجه يثبت مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه إِلَى الْمُصْطَفى: " أحبب حَبِيبك هونا
مَا "
…
قَالَ التِّرْمِذِيّ: غَرِيب لَا نعرفه بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.
أَي من وَجه يثبت، وَإِلَّا فقد رَوَاهُ الْحسن بن دِينَار عَن أبن سِيرِين، وَالْحسن مَتْرُوك الحَدِيث لَا يصلح للمتابعات.
ثمَّ المقبول يَنْقَسِم - أَيْضا - إِلَى مَعْمُول بِهِ، وَغير مَعْمُول بِهِ، لِأَنَّهُ إِن سلم من الْمُعَارضَة - أَي لم يَأْتِ خبر يضاده فَهُوَ الْمُحكم. بِفَتْح الْكَاف، من أحكمت الشَّيْء: أتقنته. كَذَا عبر المُصَنّف.
وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن الْمُعَارضَة مصدر، وَالْخَبَر الَّذِي يضاده اسْم فَاعل، وَلَا حَامِل على هَذَا الِاسْتِعْمَال مَعَ تيَسّر اسْتِعْمَال الْحَقِيقَة. انْتهى.
وَاعْلَم أَن هَذَا زَاده الْمُؤلف فِي الْأَنْوَاع على الْمُتَأَخِّرين آخِذا من كَلَام الْحَاكِم.
وأمثلته كَثِيرَة مِنْهَا حَدِيث: " إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم / الْقِيَامَة الَّذين يشبهون بِخلق الله "، وَحَدِيث:" لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور وَلَا صَدَقَة من غلُول ". وَحَدِيث: " إِذا وضع الْعشَاء وأقيمت الصَّلَاة
…
إِلَى آخِره ".
وَهَذَا النَّوْع قد صنف فِيهِ الدَّارمِيّ كتابا حافلاً وَإِن عورض بِخَبَر يضاده، بِأَن تنَافِي الدليلان - أَي ظَاهر - إِذْ لَو وَقع حَقِيقَة لم يكن دَفعه.
فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون معارضه مَقْبُولًا مثله (أَو يكون مردوداً) مثله.
بِأَن يكون الحديثان ظنيان دلَالَة، مستويان فِي الْقُوَّة، بِأَن نافى كل مِنْهُمَا الآخر كلياً أَو جزئياً، سَوَاء كَانَا بِاعْتِبَار السَّنَد قطعيين، أَو ظنيين، أَو مُخْتَلفين.
وَأما مَا نَقله الْكَمَال بن أبي شرِيف عَن تَقْرِير الْمُؤلف أَنه قَالَ: المُرَاد أصل الْقبُول لَا التَّسَاوِي فِيهِ، حَتَّى لَا يكون الْقوي نَاسِخا للأقوى، بل لَا يكون الْحسن نَاسِخا للصحيح المقبول، وَاعْتِبَار التَّرْجِيح يدل على هَذَا لِأَنَّهُمَا لَو كَانَا متساويين لم يتأت التَّرْجِيح.
وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن هَذَا مُخَالف لما تقدم من قَوْله تحصل فَائِدَة تقسيمه بِاعْتِبَار مراتبه عِنْد الْمُعَارضَة قَالَ: فَإِن قَالَ قَائِل هَذَا أَمر وَقع فِي أثْنَاء التَّقْرِير فَلَا يبْحَث فِيهِ؟ .
قُلْنَا: فَقَوله لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون معارضه مَقْبُولًا مثله أَو يكون مردوداً تَقْسِيم غير حاصر، لِأَنَّهُ جَائِز أَن يكون معارضه دونه فِي الْقبُول وَلَيْسَ بمردود. انْتهى.
وَهَذَا كُله فِي / الْقَوْلَيْنِ، أما الفعليان فَلَا يتعارضان كَمَا فِي " الْمُخْتَصر " و " الْمِنْهَاج "، والقولي والفعلي فِي تعارضهما خلاف وتفصيل فِي المطولات.
فَالثَّانِي لَا أثر لَهُ لِأَن الْقوي لَا تُؤثر فِيهِ مُخَالفَة الضَّعِيف.
فَيجوز نسخ الْآحَاد المقبولة بالآحاد المقبولة وبالمتواتر، وَلَا يجوز نسخ الْمُتَوَاتر بالآحاد وَإِن كَانَت فِي أَعلَى دَرَجَات الْقبُول وَإِنَّمَا ينسخه مثله.
وَإِن كَانَت الْمُعَارضَة بِمثلِهِ وَكَانَا عَاميْنِ مستويين فِي الْعُمُوم بِأَن يصدق كل مهما على مَا يصدق عَلَيْهِ الآخر، وَكَذَا إِن كَانَا خاصين فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُمكن الْجمع بَين مدلوليهما بِغَيْر (تعسف أَو لَا، فَإِن أمكن الْجمع بَينهمَا) بِأَن تحمل كل مِنْهُمَا على حَال مُغَاير لما حمل عَلَيْهِ الآخر لَا مَانع شرعا من الْحمل عَلَيْهِ فَيجب الْجمع عِنْد الْإِمْكَان، وَإِن أمكن التَّرْجِيح بِأَن وجد مُرَجّح أَحدهمَا على الآخر فَعلم أَنه إِذا أمكن كل من الْجمع وَالتَّرْجِيح
قدم الْجمع وَهُوَ الْأَصَح، لِأَن فِيهِ عملا بهما مَعًا فَهُوَ النَّوْع الْمُسَمّى مُخْتَلف الحَدِيث. قَوْله فَهُوَ متن وَقَوله النَّوْع الْمُسَمّى شرح وَقَوله مُخْتَلف الحَدِيث متن فقد تغير إِعْرَاب مُخْتَلف الَّذِي هُوَ من الْمَتْن شرح مَا ذكر، لِأَنَّهُ كَانَ مَرْفُوعا فَصَارَ مَنْصُوبًا فَلَو قَالَ: فَهُوَ النَّوْع الَّذِي يُقَال لَهُ مُخْتَلف الحَدِيث كَانَ أولى وَخرج بقوله بِغَيْر تعسف مَا لَو لم يكن إِلَّا بتعسف / فَإِنَّهُ ينْتَقل إِلَى مَا بعد ذَلِك من الْمَرَاتِب، لِأَن مَا كَانَ بتعسف فللخصم أَن يردهُ وينتقل إِلَى مَا بعْدهَا. كَذَا قَالَه الْمُؤلف، وَالظَّاهِر خِلَافه فقد أطلق فِي " جمع الْجَوَامِع " وَأقرهُ شَارِحه الْمُحَقق: إِن الْعَمَل بالمتعارضين وَلَو من وَجه أولى من إِلْغَاء أَحدهمَا وَلم يشْتَرط ذَلِك.
وَمثل لَهُ جمع بِحَدِيث التِّرْمِذِيّ وَغَيره: " أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر " مَعَ حَدِيث أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا: " لَا تنتفعوا من
الْميتَة بإهاب وَلَا عصب ". الشَّامِل للإهاب المدبوغ وَغَيره حملناه على غَيره جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ.
وَمثل لَهُ آخَرُونَ بِحَدِيث: " إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث " وَحَدِيث:
" خلق الله المَاء طهُورا لَا يُنجسهُ شَيْء إِلَّا مَا غلب على طعمه أَو لَونه أَو رِيحه ".
فَإِن الأول ظَاهره طَهَارَة الْقلَّتَيْنِ تغير أم لَا، وَالثَّانِي ظَاهره طَهَارَة غير الْمُتَغَيّر هبه قُلَّتَيْنِ أم أقل، فَخص عُمُوم كل مِنْهُمَا بِالْآخرِ.
وَمثل لَهُ آخَرُونَ - أَيْضا - بِخَبَر " شَرّ الشُّهُود من شهد قبل أَن يستشهد "
وَخبر " خير الشُّهُود من شهد قبل أَن يستشهد " فَحمل الأول على غير شَهَادَة الحسية وَالثَّانِي عَلَيْهَا، أَو يحمل الأول على مَا لَو كَانَ من لَهُ الشَّهَادَة عَالما بهَا وَالثَّانِي على خِلَافه.
وَمثل لَهُ آخَرُونَ - أَيْضا - بِخَبَر الشَّيْخَيْنِ أَن الْمُصْطَفى
تَوَضَّأ وَغسل رجلَيْهِ وَخبر الْبَيْهَقِيّ - وَغَيره - تَوَضَّأ ورش المَاء على قَدَمَيْهِ وهما فِي النَّعْلَيْنِ، وكل من الْغسْل والرش خَاص، فَجمع بَينهمَا بِأَنَّهُ سمى الْغسْل رشا مجَازًا، أَو أَرَادَ بِالْوضُوءِ / فِي خبر الْغسْل الْوضُوء الشَّرْعِيّ وَفِي خبر الرش الْوضُوء اللّغَوِيّ، أَو أَن الْغسْل فِي الْوضُوء عَن
حدث والرش فِي الْوضُوء المجدد فَيكون إِطْلَاق الْوضُوء عَلَيْهِ مجَازًا شَرْعِيًّا إِن كَانَ الرش على حَقِيقَته لعدم الِاكْتِفَاء بِهِ فِي المجدد كَغَيْرِهِ، فَإِن أُرِيد بِهِ الْغسْل الْخَفِيف الْمُنَاسب للتجديد فحقيقه، أَو المُرَاد الْمسْح على الْخُفَّيْنِ بِقَرِينَة ذكر النَّعْلَيْنِ.
مثل لَهُ ابْن الصّلاح بِحَدِيث " لَا عدوى وَلَا طيرة " مَعَ حَدِيث " فر من المجذوم فرارك من الْأسد " وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيح، وظاهرهما
التَّعَارُض، وَوجه الْجمع بَينهمَا: أَن هَذِه الْأَمْرَاض لَا تعدِي بطبعها لَكِن الله سبحانه وتعالى جعل مُخَالطَة الْمَرِيض بهَا للصحيح سَببا لإعدائه مَرضه، وَقد يتَخَلَّف ذَلِك عَن سَببه كَمَا فِي غَيره من الْأَسْبَاب.
وَقد لَا يتَخَلَّف، كَذَا جمع بَينهمَا ابْن الصّلاح تبعا لغيره. بل نَص عَلَيْهِ الإِمَام الشَّافِعِي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - كَمَا أَفَادَهُ الْمُؤلف فِي غير هَذَا الْكتاب وَالْأولَى فِي الْجمع أَن يُقَال: أَن نَفْيه للعدوى بَاقٍ على عُمُومه، وَقد صَحَّ قَوْله: لَا يعدي شَيْء شَيْئا وَقَوله لمن عَارضه بِأَن الْبَعِير الأجرب يكون فِي الْإِبِل الصَّحِيحَة فيخالطها فتجرب حَيْثُ رد عَلَيْهِ بقوله فَمن أعدى الأول يَعْنِي أَن الله سبحانه وتعالى ابْتَدَأَ ذَلِك فِي الثَّانِي كَمَا ابتدأه فِي الأول. وَأما الْأَمر بالفرار
من / المجذوم فَمن بَاب سد الذرائع لِئَلَّا يتَّفق للشَّخْص الَّذِي يخالطه شَيْء من ذَلِك بِتَقْدِير الله تَعَالَى ابْتِدَاء لَا بالعدوى المنفية فيظن أَن ذَلِك بِسَبَب مخالطته فيعتقد صِحَة الْعَدْوى فَيَقَع فِي الْحَرج فَأمر بتجنبه حسماً للمادة. وَالله تَعَالَى أعلم.
وَاعْترض: بِأَن القَوْل لسد الذرائع إِنَّمَا هُوَ مَذْهَب الْمَالِكِيَّة.
وَأجِيب - أَيْضا - (عَن التَّعَارُض) : بِأَن إِثْبَات الْعَدْوى فِي نَحْو الجذام مَخْصُوص من عُمُوم نفي الْعَدْوى، فَيكون معنى قَوْله لَا عدوى أَي إِلَّا من الجذام وَنَحْوه، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يعدي شَيْء شَيْئا إِلَّا فِيمَا تقدم بَيَان أَنه يعدي.
وَمِمَّا أُجِيب بِهِ - أَيْضا: أَن الْأَمر بالفرار رِعَايَة لخاطر المجذوم لِأَنَّهُ إِذا رأى الصَّحِيح تعظم مصيبته، وتزيد حسرته، وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث: " لَا تدم النّظر
إِلَى المجذوم " فَإِنَّهُ مَحْمُول على هَذَا الْمَعْنى.
قَالَ البقاعي: وَإِنَّمَا اخْتَار الْمُؤلف الْجَواب الثَّانِي لِأَن الإِمَام الشَّافِعِي رضي الله عنه نَص على الْعَدْوى، فَقَالَ فِي " الْأُم " فِي بَاب الْخِيَار بعد أَن ذكر أثرا عَن عمر رضي الله عنه (فِي الْخِيَار) بالجنون والجذام والبرص: فَإِن قَالَ قَائِل: هَل من عِلّة جعلت لَهَا الْخِيَار غير الْأَثر؟ قيل: نعم، الجذام والبرص فِيمَا زعم أهل الْعلم بالطب والتجارب تعدِي الزَّوْج كثيرا، وَهُوَ
دَاء مَانع الْجِمَاع لَا تكَاد نفس أحد تطيب بِأَنَّهُ يُجَامع من هُوَ بِهِ، وَلَا نفس امْرَأَة أَن يُجَامِعهَا من هُوَ بِهِ.
فَأَما الْوَلَد فَبين - وَالله أعلم - أَنه إِذا وَلَده أَجْذم أَو أبرص، أَو جذماً أَو برصاً / قَلما يسلم مِنْهُ، وَإِن سلم أدْرك نَسْله - نسْأَل الله تبارك وتعالى الْعَافِيَة - وَالنَّفْي بِلَا يعدي شَيْء شَيْئا وَارِد على مَا كَانُوا يعتقدونه من أَن المخالطة تعدِي بطبعها من غير فعل الله تَعَالَى، وَكَذَا قَوْله فَمن أعدى الأول وَنَحْو ذَلِك كُله إِثْبَات لفعل الله، وَنفى أَن يكون لغيره تَأْثِير مُسْتَقل هَذَا هُوَ المُرَاد، وَلم يرد نفي مَا أثبتته التجربة الَّتِي هِيَ إِحْدَى اليقينيات، هَذَا هُوَ الْأَلْيَق بمحاسن الشَّرِيعَة أَن لَا يحمل شَيْء مِنْهَا على مَا يصادم يَقِينا محسوساً، فَإِن مثل ذَلِك لَو وَقع لم يعْدم أَن يكون سَببا لوُقُوع شكّ من النَّاس.
(وَلَا ضَرُورَة إِلَى ذَلِك مَعَ إِمْكَان دفع الْمَحْذُور بأسهل مِنْهُ، كَمَا أَن الْمُصْطَفى
عَلَيْهِ السَّلَام لم ينف أَن يكون الدَّجَّال سَببا لظُهُور الخوارق بل أثبت ذَلِك، وَإِنَّمَا نفى أَن يكون هُوَ فاعلها بِالْحَقِيقَةِ، وَأثبت فعلهَا لله تَعَالَى، وَلَا حَاجَة فِي إِثْبَات اخْتِصَاص الله بِالْقُدْرَةِ إِلَى أَكثر من ذَلِك. انْتهى) .
قَالَ النَّوَوِيّ - كَابْن الصّلاح: وَهَذَا النَّوْع من أهم الْأَنْوَاع، ويضطر إِلَى مَعْرفَته جَمِيع طوائف الْعلمَاء، وَإِنَّمَا يتأهل لَهُ الْأَئِمَّة الجامعون بَين الحَدِيث وَالْفِقْه، والأصوليون، والغواصون على الْمعَانِي. اه الدقيقة والتحقيقات الغامضة (الوشيقة) .
وَقد صنف فِي هَذَا النَّوْع (أَي فِيمَا يخصص بمختلف الحَدِيث) الإِمَام الشَّافِعِي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ -، وَهُوَ أول من تكلم فِيهِ واخترعه كِتَابه اخْتِلَاف الحَدِيث لكنه لم يقْصد استيعابه بل ذكر جملا مِنْهُ