المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْغَرِيب   الرَّابِع: الْغَرِيب كَانَ اللايق أَن يقدم الْغَرِيب على الْعَزِيز، والعزيز - اليواقيت والدرر شرح شرح نخبة الفكر - جـ ١

[عبد الرؤوف المناوي]

فهرس الكتاب

- ‌تَرْجَمَة الْحَافِظ ابْن حجر

- ‌اسْمه وَنسبه ومذهبه وكنيته وَالثنَاء عَلَيْهِ

- ‌طلبه للْعلم ومشايخه والعلوم الَّتِي برع فِيهَا

- ‌رحلاته

- ‌المناصب الَّتِي تقلدها

- ‌مؤلفاته

- ‌المصنفات الَّتِي لم يكملها وَكتب مِنْهَا الْيَسِير:

- ‌المصنفات الَّتِي رتبها

- ‌مصنفات أُخْرَى مُخْتَلفَة

- ‌وَفَاته

- ‌أشعار مُخْتَلفَة لِابْنِ حجر

- ‌نظمه أَسمَاء الصَّحَابَة الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ

- ‌نظمه جَوَاز الشّرْب قَائِما

- ‌نظمه الْأَيَّام الَّتِي يتوقى الِانْتِقَال فِيهَا من أَيَّام الشَّهْر

- ‌الْأَشْعَار فِي مدح ابْن حجر

- ‌شرح الْبَسْمَلَة والحمدلة

- ‌معنى علم الله

- ‌بَيَان قدرَة الله عز وجل

- ‌بَيَان حَيَاة الله عز وجل

- ‌بَيَان قيوميته سبحانه وتعالى

- ‌بَيَان كَونه تَعَالَى سميعاً بَصيرًا

- ‌معنى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله

- ‌معنى الصَّلَاة على رَسُوله الله

- ‌معنى آل مُحَمَّد

- ‌البوادر الأولى للتصنيف فِي عُلُوم الحَدِيث

- ‌أَقسَام الْخَبَر

- ‌تَعْرِيف علم الحَدِيث رِوَايَة ودراية

- ‌الحَدِيث الْمُتَوَاتر

- ‌المُرَاد بِالْإِسْنَادِ

- ‌شُرُوط الحَدِيث الْمُتَوَاتر

- ‌التَّوَاتُر النسبي واللفظي والمعنوي

- ‌الْمَشْهُور

- ‌الْعَزِيز

- ‌سَبَب تَسْمِيَة الْمُتَوَاتر

- ‌سَبَب إِبْهَام ابْن حجر شُرُوط التَّوَاتُر

- ‌أَقسَام الْآحَاد

- ‌الْعَزِيز

- ‌الْغَرِيب

- ‌أَقسَام الغرابة

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌الحَدِيث الصَّحِيح بنوعيه

- ‌الْعَدَالَة وَالْمرَاد بِالْعَدْلِ

- ‌الضَّبْط وأنواعه

- ‌اتِّصَال السَّنَد

- ‌الْمُعَلل

- ‌الشاذ

- ‌(تَنْبِيه) :

- ‌محترزات تَعْرِيف الصَّحِيح

- ‌انتقادات لتعريف الصَّحِيح

- ‌أصح الْأَسَانِيد

- ‌الرَّأْي الْمُخْتَار فِي أصح الْأَسَانِيد

- ‌المفاضلة بَين الصَّحِيحَيْنِ

- ‌تَقْدِيم صَحِيح البُخَارِيّ على صَحِيح مُسلم

- ‌عدد أَحَادِيث صَحِيح البُخَارِيّ

- ‌تَوْجِيه كَلَام الشَّافِعِي فِي تَفْضِيل المؤطأ على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌الْإِجَابَة عَن إِخْرَاج مُسلم حَدِيث بعض الضُّعَفَاء

- ‌جملَة مَا فِي صَحِيح مُسلم

- ‌عدم اسْتِيعَاب الشَّيْخَيْنِ للصحيح

- ‌المُرَاد من شَرطهمَا وَتَقْدِيم مَا وَافق شَرطهمَا على غَيره

- ‌عَدَالَة رُوَاة الصَّحِيحَيْنِ وتقدمهم على غَيرهم

- ‌بَقِيَّة مَرَاتِب الصَّحِيح وَمَا أورد عَلَيْهِ مِنْهَا

- ‌فَائِدَة بَيَان مَرَاتِب الصَّحِيح

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌التَّصْحِيح والتضعيف فِي العصور الْمُتَأَخِّرَة

- ‌الحَدِيث الْحسن بنوعيه

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌زِيَادَة الثِّقَة

- ‌تَنْبِيه:

- ‌والْحَدِيث فِي مُسلم

- ‌معرفَة النَّاسِخ والمنسوخ

- ‌تَعْرِيف النّسخ لُغَة وَشرعا:

- ‌الطّرق الَّتِي يعرف بهَا النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ:

- ‌معرفَة الضَّعِيف

- ‌الحَدِيث الْمُرْسل

- ‌تَنْبِيه:

الفصل: ‌ ‌الْغَرِيب   الرَّابِع: الْغَرِيب كَانَ اللايق أَن يقدم الْغَرِيب على الْعَزِيز، والعزيز

‌الْغَرِيب

الرَّابِع: الْغَرِيب كَانَ اللايق أَن يقدم الْغَرِيب على الْعَزِيز، والعزيز على الْمَشْهُور، لِأَن الْغَرِيب من الْعَزِيز بِمَنْزِلَة الْبَسِيط من الْمركب، كَمَا أَن الْعَزِيز كَذَلِك، ذكره بعض شُيُوخنَا.

وَهُوَ هُنَا، أَي فِي اصْطِلَاح أهل هَذَا الْفَنّ مَا أَي حَدِيث ينْفَرد بروايته أَي بِرِوَايَة زِيَادَة فِي مَتنه أَو إِسْنَاده شخص وَاحِد فِي أَي طبقَة عَن جَمِيع رُوَاته الثِّقَات وَغَيرهم، فَلم يرو ذَلِك غَيره فِي أَي مَوضِع وَقع التفرد بِهِ فِي السَّنَد أَي سَوَاء وَقع التفرد فِي جَمِيع طباقه بِأَن انْفَرد بِهِ الصَّحَابِيّ، ثمَّ التَّابِعِيّ ثمَّ تَابع التَّابِعِيّ وهلم جرا. أَو فِي بَعْضهَا، قَالَ بَعضهم: وَلَو قَالَ فِي مَوضِع مَا من إِسْنَاده كَانَ أولى على مَا سيقسم إِلَيْهِ: الْغَرِيب الْمُطلق، والغريب النسبي. وَالْقسم مُطلق الْغَرِيب، وكل من الْقسمَيْنِ لَهُ أَمْثِلَة كَثِيرَة سَيَجِيءُ بَعْضهَا وَلَا يدْخل / فِيهِ إِفْرَاد الْبلدَانِ المضافة إِلَيْهَا إِلَّا أَن يُرَاد بقوله تفرد بِهِ أهل الْبَصْرَة مثلا أَو أحد من أَهلهَا.

ص: 292

وَكلهَا - أَي الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة - سوى الأول وَهُوَ الْمُتَوَاتر أَن يُسمى خبر آحَاد، وَيُقَال أَيْضا لكل مِنْهُمَا خبر وَاحِد بِالْإِضَافَة، سَوَاء كَانَ مَشْهُورا، أَو عَزِيزًا أَو غَرِيبا، أَو يمْتَنع تواطؤ رُوَاته على الْكَذِب فِي بعض طباقه دون كلهَا، أَو خبر عَمَّا لَيْسَ بمحسوس.

وَخبر الْوَاحِد فِي اللُّغَة: مَا يرويهِ شخص وَاحِد وَفِي الِاصْطِلَاح أَي فِي اصْطِلَاح الْمُحدثين مَا لم يجمع شُرُوط التَّوَاتُر. هَذَا تَقْرِير عبارَة المُصَنّف، وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن الَّذِي تحصل من كَلَامه أَن الْخَبَر يَنْقَسِم إِلَى متواتر وآحاد، وَأَن الْآحَاد: مَشْهُور، وعزيز، وغريب، وَأَن الْمَشْهُور مَا رُوِيَ مَعَ حصر عدد بِمَا فَوق الِاثْنَيْنِ، وَأَن الْغَرِيب هُوَ الَّذِي ينْفَرد بِهِ شخص وَاحِد فِي أَي مَوضِع وَقع التفرد بِهِ.

ص: 293

وَقد تقدم أَن خلاف الْمُتَوَاتر يرد بِلَا حصر عدد فَهُوَ خَارج عَن الْأَقْسَام، غير مَعْرُوف الِاسْم.

وفيهَا أَي الْآحَاد: المقبول وَهُوَ مَا يجب الْعَمَل بِهِ عِنْد الْجُمْهُور وَإِن لم يجب الْعَمَل بِهِ عِنْد الْبَعْض كالمعتزلة وَغَيرهم مِمَّن لَا يرى الْعَمَل بِخَبَر على مَا يَأْتِي تَفْصِيله.

وفيهَا الْمَرْدُود وَهُوَ الَّذِي لم يرجح صدق الْمخبر بِهِ كَذَا ذكره المُصَنّف، وَاعْترض بِأَن تَعْرِيفه المقبول بِأَنَّهُ مَا يجب الْعَمَل بِهِ غير مُسْتَقِيم، لِأَن وجوب الْعَمَل / بِهِ حكمه لَا حَده، وَالصَّوَاب أَن يَقُول: المقبول هُوَ مَا يرجح صدق الْمخبر بِهِ كَمَا ذكره البقاعي.

وَذكر الشَّيْخ قَاسم نَحوه فَقَالَ: قَوْله المقبول يجب الْعَمَل

ص: 294

بِهِ هَذَا حكم المقبول، وَهُوَ أَثَره الْمُرَتّب عَلَيْهِ، فَلَا يَصح تَعْرِيفه بِهِ، وَقد ادعوا الدّور فِي دون هَذَا، فَكَانَ الصَّوَاب أَن يُقَال: إِن الْمَرْدُود حَيْثُ كَانَ هُوَ الَّذِي لم يرجح صدق الْمخبر بِهِ، والمقبول هُوَ الَّذِي يرجح صدق الْمخبر.

قَالَ: وَقَوله فِي الْمَرْدُود: هُوَ الَّذِي لم يرجح صدق الْخَبَر بِهِ يَشْمَل المستور والمختلف فِيهِ بِلَا تَرْجِيح، فَلْيحْفَظ هَذَا فَرُبمَا يَأْتِي مَا يُخَالف. انْتهى.

وَقَالَ شَيخنَا النَّجْم الغيطي: يَأْتِي فِي كَلَام الْمُؤلف تَقْسِيم المقبول إِلَى مَعْمُول بِهِ كالمنسوخ فَإِنَّهُ يُسمى مَقْبُولًا، وَكَذَا الحديثان الصحيحان المتعارضان حَيْثُ لَا تَرْجِيح، لَا يُقَال: مَا ذكر من المتعارضين غير مُسلم لِأَنَّهُمَا غير مقبولين لأَنا نقُول: قَوْله فِي الْمُتَوَاتر وَكله مَقْبُول، يُوضح ذَلِك لِأَنَّهُ قد يكون مَنْسُوخا، لَكِن الْكَلَام حَيْثُ لم يُمكن أمرا آخر يُوجب عدم الْقبُول فَلَا إِيرَاد.

وَإِنَّمَا كَانَت الْآحَاد كَذَلِك لتوقف الِاسْتِدْلَال بهَا على الْبَحْث عَن

ص: 295

أَحْوَال الرِّجَال ورواتها جرحا وتعديلاً فَكل راو ثَبت اتصافه بِصِفَات الْقبُول فخبره مَقْبُول، وَإِن جَازَ كَونه فِي نفس الْأَمر كَاذِبًا أَو غالطاً، وكل من لم يثبت اتصافه بذلك فخبره مَرْدُود، وَإِن جَازَ كَونه فِي نفس الْأَمر صَادِقا.

دون الأول - وَهُوَ الْمُتَوَاتر - فَإِنَّهُ لَا يتَوَقَّف على ذَلِك / فكله مَقْبُول لإفادته الْقطع بِصدق مخبره كَمَا تقدم بِخِلَاف غَيره من (أَخْبَار) الْآحَاد، لَكِن إِنَّمَا وَجب الْعَمَل بالمقبول مِنْهَا لِأَنَّهَا إِمَّا أَن يُوجد فِيهَا أصل صفة الْقبُول وَهُوَ ثُبُوت صدق النَّاقِل. أورد عَلَيْهِ إِنَّه قد يقبل الْآحَاد من لم يعلم صدق النَّاقِل للاعتضاد.

وأصل صفة الرَّد - وَهُوَ - ثُبُوت كذب النَّاقِل أَولا، فَالْأول:

ص: 296

يغلب على الظَّن صدق الْخَبَر لثُبُوت صدق ناقله فَيُؤْخَذ بِهِ، وَالثَّانِي: يغلب على الظَّن كذب الْخَبَر لثُبُوت كذب ناقله فيطرح، وَالثَّالِث: إِن وجدت فِيهِ قرينَة تلْحقهُ بِأحد الْقسمَيْنِ الْتحق بِهِ، وَجرى عَلَيْهِ حكمه وَإِلَّا فَيتَوَقَّف فِيهِ إِلَى تَبْيِين الْحَال بالبحث والاستقراء وَإِذا توقف عَن الْعَمَل بِهِ وَهُوَ مَا توقف فِيهِ صَار كالمردود لَا لثُبُوت صفة الرَّد بل لكَونه لم يُوجد فِيهِ صفة توجب الْقبُول.

اعْتَرَضَهُ تِلْمِيذه الشَّيْخ قَاسم من وَجْهَيْن: -

1 -

الأول: إِن قَوْله: إِنَّمَا وَجب الْعَمَل بالمقبول مِنْهَا

إِلَى آخِره.

ظَاهر السُّوق أَن قَوْله: لِأَنَّهَا دَلِيل لوُجُوب الْعَمَل بالمقبول. وَلَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا هُوَ دَلِيل انقسامها إِلَى المقبول والمردود. قَالَ: وَلَو كَانَ لي من الْأَمر

ص: 297

شَيْء لَقلت بعد قَوْله الأول فَإِن وجد فيهم مَا يغلب ظن صدقهم فَالْأول، وَإِلَّا فَإِن ترجح عدم الصدْق فَالثَّانِي، وَإِن تساوى الطرفان فالثالث.

2 -

وَالْوَجْه الثَّانِي: قَوْله إِذْ أصل صفة الرَّد - وَهُوَ - ثُبُوت كذب النَّاقِل. يُخَالف مَا قدمه فِي تَفْسِير الْمَرْدُود فَهُوَ تنَاقض /. انْتهى.

وَاعْلَم أَن الغرائب وَإِن انقسمت إِلَى الصِّحَّة وَالْحسن والضعيف لَكِن الْغَالِب عَلَيْهَا عدم الصَّحِيح، فَلَا يعْمل بأكثرها إِلَّا فِي الْفَضَائِل، وَلِهَذَا كره جمع من الْأَئِمَّة تتبع الغرائب فَقَالَ أَحْمد: لَا تكتبوها فَإِنَّهَا مَنَاكِير، وعامتها فِي الضَّعِيف.

وَسُئِلَ عَن حَدِيث ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَتردينَ

ص: 298

عَلَيْهِ حديقته؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مُرْسل. فَقيل: إِن ابْن أبي شيبَة زعم أَنه غَرِيب. قَالَ: صدق إِذا كَانَ خطأ فَهُوَ غَرِيب.

وَقَالَ أَبُو حنيفَة: من طلبَهَا كذب.

وَقَالَ مَالك: شَرّ الْعلم الْغَرِيب وخيره الظَّاهِر الَّذِي رَوَاهُ النَّاس. وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: كُنَّا نرى أَن الْغَرِيب خير فَإِذا هُوَ شَرّ. تَنْبِيه: مَا تقرر من أَن وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد مر مجمله

ص: 299

وتفصيله، إِنَّمَا يقبل من خبر الْوَاحِد يجب الْعَمَل بِهِ فِي الْفَتْوَى وَالشَّهَادَة إِجْمَاعًا، وَأما بَقِيَّة الْأُمُور الدِّينِيَّة فَذهب قوم إِلَى وجوب الْعَمَل - أَيْضا - فِيهَا كَأَن يخبر بتنجيس المَاء، وَالْمَاء وبدخول وَقت الصَّلَاة، وَنَحْو ذَلِك.

ووجوبه سمعا، وَقيل: عقلا وَإِن دلّ عَلَيْهِ السّمع - أَيْضا - لِأَنَّهُ لَو لم يجب الْعَمَل بِهِ تعطلت وقائع الْأَحْكَام المروية بالآحاد وَهِي كَثِيرَة جدا، وعزى هَذَا إِلَى الإِمَام أَحْمد والقفال وَابْن سُرَيج وَبَعض الْمُعْتَزلَة.

وَقَالَت الظَّاهِرِيَّة: لَا يجب الْعَمَل بِهِ فِي الْحُدُود لِأَنَّهَا تدرأ بِالشُّبْهَةِ.

وَقَالَ بَعضهم: لَا يجب الْعَمَل بِهِ فِي ابْتَدَأَ النصب. وَقَالَ قوم: لَا يجب الْعَمَل بِهِ فِيمَا عمل فِيهِ الْأَكْثَر بِخِلَافِهِ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّة: لَا يجب الْعَمَل بِهِ /

ص: 300

فِيمَا عمل أهل الْمَدِينَة فِيهِ بِخِلَافِهِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّة: لَا يجب الْعَمَل بِهِ فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى، وَلَا فِيمَا خَالفه رَاوِيه، وَلَا فِيمَا إِذا كَانَ مُعَارضا للْقِيَاس وَلم يكن رَاوِيه فَقِيها.

وَالْحق وجوب الْعَمَل بِهِ مُطلقًا، لِأَن الْمُصْطَفى كَانَ يبْعَث الْآحَاد إِلَى الْآفَاق لتبليغ الْأَحْكَام، فلولا لُزُوم الْعَمَل بخبرهم لَهُ لم يكن لبعثهم فَائِدَة.

لَا يُقَال: الْوَارِد ببعثه الْآحَاد حاد، فإثبات حجَّته خبر الْوَاحِد بهَا مصادرة على الْمَطْلُوب، فَلَا يثبت بحجته.

لأَنا نقُول: التفاصيل الْوَارِدَة ببعثهم - وَإِن كَانَت أَخْبَار - آحَاد - فجملتها تفِيد التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ، كالأخبار الدَّالَّة على وجود حَاتِم

ص: 301

وشجاعة عَليّ رضي الله عنه وَقد يَقع فِيهَا يَعْنِي وَكَثِيرًا مَا يَقع أَي فِي أَخْبَار الْآحَاد المنقسمة إِلَى: مَشْهُور، وعزيز، وغريب، مَا يُفِيد الْعلم لَا مُطلقًا، لاحْتِمَال الْخَطَأ فِيهِ عَادَة، فَإِن رَاوِيه من لم يبلغ عَادَة وُقُوع الْكَذِب مِنْهُ، والتواطىء عَلَيْهِ من مثله فِي جَمِيع الطَّبَقَات لَا يُفِيد (الْعلم) الْقطعِي بل النظري بالقرائن المحتفة بِهِ على الْمُخْتَار الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الإمامان والغزالى، والآمدي، وَابْن الْحَاجِب، والبيضاوي حَيْثُ قَالُوا: خبر الْوَاحِد لَا يُفِيد الْعلم إِلَّا بِقَرِينَة، كَأَن يخبر إِنْسَان بِمَوْت وَلَده الْمَرِيض مَعَ قرينَة الْبكاء، وإحضار الْكَفَن والنعش.

خلافًا لمن أَبى ذَلِك وهم الْجُمْهُور، فَقَالُوا: لَا تفيده مُطلقًا، قَالَ التَّاج السُّبْكِيّ فِي " شرح الْمُخْتَصر ": وَهُوَ الْحق.

وَتَبعهُ الشَّيْخ قَاسم فَقَالَ عِنْد (قَول) المُصَنّف: على الْمُخْتَار: الْمُخْتَار

ص: 302

خلاف هَذَا / الْمُخْتَار.

قَالُوا: وَمَا ذكره مَعَ الْقَرِينَة يُوجد مَعَ الْإِغْمَاء. وَاعْترض بِأَن هَذَا قدح فِي الْمِثَال الجزئي، وَلَا يلْزم الْقدح فِي الْمُدعى الْكُلِّي وَدفع بِمَا هُوَ مَبْسُوط فِي المطولات، وَقَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل: يفِيدهُ مُطلقًا.

وَأطَال التَّاج السُّبْكِيّ فِي رده لِأَنَّهُ - لَا يجب الْعَمَل بِهِ - كَمَا مر - وَإِنَّمَا يجب الْعَمَل بِمَا يُفِيد الْعلم.

وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَق الإسفرائني وَابْن فورك: يُفِيد المستفيض دون غَيره.

وجري عَلَيْهِ من الشَّافِعِيَّة ابْن سُرَيج، والعناني والشرف الْمَنَاوِيّ.

ص: 303

وَالْخلاف فِي التَّحْقِيق لَفْظِي، لِأَن من جوز إِطْلَاق الْعلم قَيده بِكَوْنِهِ نظرياً وَهُوَ الْحَاصِل عَن الِاسْتِدْلَال، وَمن أبي الْإِطْلَاق قَالَ بَعضهم: لَيْسَ المُرَاد بِالْإِطْلَاقِ هُنَا أَن لَا يُقيد، بل المُرَاد من جَوَاز التَّسْمِيَة خص لفظ الْعلم بالمتواتر، وَمَا عداهُ عِنْده ظَنِّي، لكنه لَا يَنْفِي أَن مَا احتف بالقرائن أرجح مِمَّا خلا عَنْهَا كَذَا ادَّعَاهُ المُصَنّف، ورده ابْن أبي شرِيف والشرف الْمَنَاوِيّ بِأَن القَوْل بِأَن مَا حَفَّتْهُ الْقَرَائِن أرجح لَيْسَ قولا بِأَنَّهُ يُفِيد الْعلم، فَلم يفد هَذَا الِاسْتِدْلَال كَون الْخلاف لفظياً بل هُوَ معنوي، نعم إِن أَرَادَ من أَن الْإِطْلَاق بِالْعلمِ الْعلم الَّذِي يفِيدهُ التَّوَاتُر - وَهُوَ الضَّرُورِيّ - كَانَ الْخلاف لفظياً. انْتهى.

ص: 304

وتلميذه الشَّيْخ قَاسم الْحَنَفِيّ فَقَالَ عِنْد قَوْله: الْخلاف فِي التَّحْقِيق لَفْظِي. التَّحْقِيق خلاف هَذَا التَّحْقِيق - كَمَا يَأْتِي.

قَالَ: وَقَوله: لكنه لَا يَنْفِي أَن مَا احتف بالقرائن أرجح. يَقُول: نعم هُوَ أرجح وَمَعَ / كَونه هُوَ أرجح لَا يُفِيد الْعلم، فَالْحَاصِل عِنْد من يَقُول: أَن الْآحَاد لَا تفِيد الْعلم أَن الدَّلِيل الظني على طَبَقَات، وَلَيْسَ مِنْهَا مَا يُفِيد الْعلم.

والمناوي فَقَالَ: مَا ذكره الْمُؤلف فِيهِ نظر، لِأَن الْخلاف فِي إِفَادَة الْعلم فِي الرجحان فِيهِ.

وَالْخَبَر المحتف بالقرائن أَنْوَاع: مِنْهَا مَا أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِمَّا لم يبلغ التَّوَاتُر فَيُفِيد الْعلم النظري عِنْد ابْن الصّلاح وَجَمَاعَة فَإِنَّهُ احتفت بِهِ قَرَائِن مِنْهَا جلالتهما فِي هَذَا الشَّأْن ورسوخ قدمهما فِيهِ.

ص: 305

وتقدمهما فِي الْمعرفَة بِهَذِهِ الصِّنَاعَة لَا سِيمَا فِي تَمْيِيز الصَّحِيح من الضَّعِيف على غَيرهمَا وجودة الْوَضع، وبلوغهما أَعلَى الْمَرَاتِب، وَالِاجْتِهَاد فِي الْإِمَامَة فِي هَذَا الْعلم وتلقي الْعلمَاء لكتابيهما بِالْقبُولِ وَإِجْمَاع الْأمة المعصومة فِي إجماعها عَن الْخَطَأ على ذَلِك.

وَهَذَا التلقي وَحده أقوى فِي إِفَادَة الْعلم من مُجَرّد كَثْرَة الطّرق القاصرة عَن التَّوَاتُر، إِلَّا أَن هَذَا يخْتَص بِمَا (لم) ينتقده أحد من الْحفاظ مِمَّا فِي الْكِتَابَيْنِ.

قَالَ الشَّيْخ قَاسم: هَذَا فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الْعلمَاء لم يتلقوا كل مَا فِي الْكِتَابَيْنِ بِالْقبُولِ وَبِمَا لم يَقع التجاذب بَين مدلوليه مِمَّا وَقع فِي الْكِتَابَيْنِ حَيْثُ لَا تَرْجِيح. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: لقَائِل أَن يَقُول: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا لِأَن الْكَلَام فِي إِفَادَة الْعلم بِثُبُوت الْخَبَر لَا فِي إِفَادَة الْعلم بمضمونه. لِاسْتِحَالَة ان يُفِيد المتناقصان الْعلم بصدقهما من غير تَرْجِيح لأَحَدهمَا على الآخر، وَمَا عدا ذَلِك فالإجماع حَاصِل / على تَسْلِيم

ص: 306

صِحَّته قَالَ بَعضهم: كَانَ الصَّوَاب أَن يَقُول لَا على الْعلم بِهِ، وَالْإِجْمَاع من مجتهدي الْأمة على أَنه صَحِيح، وَإِن قَالُوا ذَلِك عَن ظن فَإِنَّهُ - لعصمتهم عَن الْخَطَأ - لَا يخطيء.

قَالَ بَعضهم: لَا يخفى أَنَّهُمَا إِذا كَانَ فِي أَحدهمَا تَرْجِيح لَا يفيدان الْعلم بصدقهما.

فَإِن قيل: إِنَّمَا اتَّفقُوا على وجوب الْعَمَل بِهِ لَا على صِحَّته منعناه، وَسَنَد الْمَنْع أَنهم متفقون على وجوب الْعَمَل بِكُل مَا صَحَّ وَلَو لم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ، فَلم يبْق لِلصَّحِيحَيْنِ (فِي هَذَا) مزية، وَالْإِجْمَاع قَائِم (حَاصِل) على أَن لَهما مزية فِيمَا يرجع إِلَى نفس الصِّحَّة.

لَكِن لحديثه احْتِمَال كَونه المزية أَن أحاديثهما أصح الصَّحِيح كَذَا قَالَ بَعضهم.

ص: 307

وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: حَاصِل السُّؤَال أَنهم اتَّفقُوا على وجوب الْعَمَل - وَهُوَ لَا يسْتَلْزم صِحَة الْجَمِيع - بِالْمَعْنَى المصطلح عَلَيْهِ، لِأَن الْعَمَل يجب بالْحسنِ كَمَا يجب بِالصَّحِيحِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يلْزم أَن يكون الِاتِّفَاق على الصِّحَّة.

قَالَ: وَقَوله منعناه أَي منعنَا قَوْله لَا على صِحَّته، وَحَاصِل الْجَواب أَن لِلشَّيْخَيْنِ مزية فِيمَا خرجاه، وَمَا حسن أَو صَحَّ وَجب الْعَمَل بِهِ وَإِن لم يكن من مرويهما فَيلْزم أَن مَا أَخْرجَاهُ أَعلَى الْحسن وَأَعْلَى الصَّحِيح، فَيلْزم من الِاتِّفَاق على وجوب الْعَمَل بِمَا فيهمَا مَعَ مزيتهما الِاتِّفَاق على صِحَّته، هَذَا نِهَايَة الْمُمكن فِي تَقْرِير هَذَا الْمحل، وَأما الْعبارَة فَإنَّك إِذا نظرت إِلَيْهَا تجدها تنبو عَن ملائمة الطَّبْع السَّلِيم. انْتهى /

وَبَقِي أَن يُقَال: سلمنَا حُصُول الْإِجْمَاع على أَن لَهما مزية فِيمَا يرجع

ص: 308

إِلَى نفس الصِّحَّة، لَكِن هَل المُرَاد أَن الْإِجْمَاع حصل على أَن شُرُوط الصِّحَّة مجتمعة فِي رُوَاة أحاديثهما غير المنتقدة؟ فَإِن لَهَا مزية وَهِي كَون الْإِجْمَاع حصل بذلك بِخِلَاف غَيرهَا، إِذْ لَيْسَ مجمعا عَلَيْهِ، بل لم يتَكَلَّم على صِحَّته وَعدمهَا إِلَّا بعض الْعلمَاء.

أم المُرَاد بالمزية أَنه قطع لصِحَّة الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة؟ الَّذِي أَخْرجَاهُ مَحل تردد كَذَا قَالَه الْمُؤلف وَقَضيته كَلَامهم تَرْجِيح الثَّانِي، وَهَذَا كُله جَار على مَا صَححهُ ابْن الصّلاح فِي طَائِفَة من الْمُحدثين، والأصوليين، وَالْفُقَهَاء من الْقطع بِصِحَّة كل مَا ذكرَاهُ مُجْتَمعين، ومنفردين، بإسنادهما الْمُتَّصِل، دون المنتقد وَهُوَ نَحْو مِائَتي حَدِيث، والتعاليق، وَمَا وَقع التجاذب بَين مدلوليه وَلَا مُرَجّح - كَمَا مر -.

قَالَ البُلْقِينِيّ: قد تقدم ابْن الصّلاح إِلَى القَوْل بذلك: أَبُو حَامِد،

ص: 309

وَأَبُو الطّيب، وَأَبُو إِسْحَق الشِّيرَازِيّ من الشَّافِعِيَّة، والسرخسي من الْحَنَفِيَّة، وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّاب من الْمَالِكِيَّة، وَأَبُو يعلى، وَأَبُو الْخطاب من الْحَنَابِلَة.

وَمِمَّنْ صرح بإفادة مَا أخرجه الشَّيْخَانِ الْعلم النظري الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني بِالْكَسْرِ وَسُكُون الْمُهْملَة، وَفتح الْفَاء وَالرَّاء، وَكسر التَّحْتِيَّة نِسْبَة إِلَى إسفراين بليدَة بنواحي نيسابور وَهُوَ بِلَا همز وَمن أَئِمَّة الحَدِيث: أَبُو عبد الله الْحميدِي نِسْبَة بِالتَّصْغِيرِ إِلَى جده حميد وَأَبُو

ص: 310

الْفضل / (مُحَمَّد) بن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَغَيرهمَا أَي من أَئِمَّة الحَدِيث، وَلِهَذَا أعَاد الضَّمِير على الْمُحدثين.

وَعبارَة الْأُسْتَاذ الإسفرايني: أهل الصَّنْعَة مجمعون على الْأَخْبَار الَّتِي اشْتَمَل عَلَيْهَا الصحيحان، مَقْطُوع بِصِحَّة أُصُولهَا ومتونها، وَلَا يحصل الْخلاف فِيهَا بِحَال، فَمن خَالف خَبرا مِنْهَا بِلَا تَأْوِيل نقض حكمه، لِأَن هَذِه الْأَخْبَار تلقتها الْأمة بِالْقبُولِ.

قَالَ ابْن قطلوبغا: وَحجَّة ابْن الصّلاح - وَمن وَافقه - إِن الْأمة تلقت ذَلِك بِالْقبُولِ، وَمَا تَلَقَّتْهُ بِالْقبُولِ مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ، وَهَذِه الصِّحَّة غير مسلمة لصِحَّة تلقيهم بِالْقبُولِ مَا غلب على ظنهم صِحَّته. قَوْله:

ص: 311

إِن التلقي بِالْقبُولِ مُوجب للْعَمَل بِهِ، ووجوبه يَكْفِي فِيهِ الظَّن، لِأَن ظنهم لَا يخطي لعصمتهم لَا يفِيدهُ فِي مَطْلُوبه، لِأَن مُتَعَلق ظنهم الحكم الشَّرْعِيّ لِأَنَّهُ هُوَ مَحل وجوب الْعَمَل لَا أَن مُتَعَلق ظنهم أَن الْمُصْطَفى قَالَ لَهُ كَذَا، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ مَطْلُوبه وَمَا ذكره لَا يفِيدهُ فِي مَطْلُوبه إِلَّا أَن يَدعِي إِجْمَاع الْأمة على الصِّحَّة نَفسهَا، وأنى لَهُ ذَلِك بِهِ. وَلذَلِك لما نظر فِي الْمقنع إِلَى ذَلِك قَالَ فِيهِ نظر، لِأَن الْإِجْمَاع إِن وصل إِلَيْنَا بأخبار الْآحَاد كَانَ ظنياً، وَلِهَذَا استدرك النَّوَوِيّ على ابْن الصّلاح، قَالَ: قد خَالف الْمُحَقِّقُونَ وَالْجُمْهُور لِأَنَّهُ لَا يُفِيد فِي أَصله قبل التلقي / إِلَّا الظَّن، وَهُوَ لَا يَنْقَلِب بتلقيهم قطعا، وَقد عَابَ ابْن عبد السَّلَام على ابْن

ص: 312

الصّلاح - وَمن قَالَ بمقالته - فَقَالَ: إِن الْمُعْتَزلَة يرَوْنَ إِن الْأمة إِذا عملت بِحَدِيث اقْتضى الْقطع بمضمونه، وَهُوَ مَذْهَب ردي. وَأَيْضًا إِن أَرَادَ كل الْأمة فَلَا يخفى فَسَاده، إِذْ الْأمة الَّذين وجدوا بعد وضع الْكِتَابَيْنِ فهم بَعْضهَا لَا كلهَا، وَإِن أَرَادَ كل حَدِيث مِنْهَا يلقى بِالْقبُولِ (فِي كَافَّة النَّاس فَغير مُسلم، ثمَّ أَنا نقُول التلقي بِالْقبُولِ) لَيْسَ بِحجَّة، فَإِن النَّاس اخْتلفُوا أَن الْأمة إِذا عملت بِحَدِيث وَأَجْمعُوا على الْعَمَل بِهِ هَل يُفِيد الْقطع؟ أَو الظَّن؟ وَمذهب أهل السّنة أَنه يُفِيد الظَّن مَا لم تتواتر. انْتهى.

قَالَ قَاسم: وَإِذا تَأَمَّلت هَذَا وجدته عقدا تناثرت درره.

ص: 313

وَمِنْهَا أَي مَا احتف بالقرائن الْمَشْهُور إِذا كَانَت لَهُ طرق متباينة اعْترض بَعضهم هَذَا التَّعْبِير: بِأَنَّهَا لَا يكون إِلَّا متباينة، وَقد تزيد الطّرق على ثَلَاثَة وَيحصل فِي بَعْضهَا عدم التباين لَكِن الزِّيَادَة غير شَرط فِي الْمَشْهُور سَالِمَة من ضعف الروَاة والعلل لِأَنَّهُ يُفِيد الْعلم النظري وَمِمَّنْ صرح بإفادته الْعلم الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ، وَأَبُو بكر بن فورك (وَغَيرهمَا) بِضَم الْفَاء مَمْنُوع من الصّرْف، فَإِنَّهُم يدْخلُونَ الْكَاف عوض يَاء التصغير، وَمثله ابْن زيرك كَذَا نَقله (الشَّيْخ) قَاسم عَن الْمُؤلف / ثمَّ رده بِأَن هَذَا لَيْسَ عِلّة منع عَن الصّرْف كَمَا عرف فِي الْعَرَبيَّة. اه وَجعله الْأُسْتَاذ وَابْن فورك وَاسِطَة بَين الْمُتَوَاتر الْمُفِيد للْعلم الضَّرُورِيّ والآحاد الْمُفِيد للظن.

وَمِنْهَا المسلسل بالأئمة الْحفاظ المتقنين حَيْثُ لَا يكون غَرِيبا

ص: 314

كالحديث الَّذِي يرويهِ أَحْمد بن حَنْبَل - مثلا ويشاركه فِيهِ غَيره عَن الشَّافِعِي، ويشاركه فِيهِ (غَيره أَي غير ابْن حَنْبَل عَن الشَّافِعِي ويشاركه أَي الشَّافِعِي فِيهِ) غَيره عَن مَالك بن أنس، فَإِنَّهُ يُفِيد الْعلم عِنْد سامعه بالاستدلال من جِهَة جلالة رُوَاته، وَأَن فيهم من الصِّفَات اللايقة الْمُوجبَة للقبول مَا يقوم مقَام الْعدَد الْكثير من غَيرهم، وَلَا يتشكك من لَهُ أدنى ممارسة بِالْعلمِ وأخبار النَّاس أَن مَالِكًا مثلا لَو شافهه بِخَبَر أَنه صَادِق فِيهِ، فَإِذا انضاف إِلَيْهِ من هُوَ فِي تِلْكَ الدرجَة ازْدَادَ قُوَّة، وَبعد مَا يخْشَى عَلَيْهِ من السَّهْو.

تعقب الشَّيْخ قَاسم قَوْله: إِنَّه صَادِق

... إِلَى آخِره. بِأَنَّهُ إِن أَرَادَ أَنه لم يتَعَمَّد الْكَذِب فَلَيْسَ مَحل النزاع، وَإِن أَرَادَ أَنه لَا يجوز عَلَيْهِ السَّهْو والغفلة والغلط فَمحل تَأمل. اه

ص: 315

وَانْظُر إِلَى قَول عَائِشَة فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: إِن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ.

وَهَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة الَّتِي ذَكرنَاهَا لَا يحصل الْعلم بِصدق الْخَبَر مِنْهَا إِلَّا للْعَالم بِالْحَدِيثِ، المتبحر فِيهِ، الْعَارِف بأحوال الروَاة، المطلع على الْعِلَل وَكَون / لَا يحصل لَهُ الْعلم بِصدق ذَلِك لقصوره عَن بُلُوغ الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة لَا يَنْفِي حُصُول الْعلم للمتبحر الْمَذْكُور.

كَذَا زَعمه الْمُؤلف، ورده ابْن قطلوبغا بِأَنَّهُ لَو سلم حُصُول مَا ذكر لم يكن مَحل النزاع، لِأَن الْكَلَام فِيمَا هُوَ سَبَب الْعلم لِلْخلقِ لَا لبَعض الْأَفْرَاد. انْتهى.

ص: 316