المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الحسن بنوعيه - اليواقيت والدرر شرح شرح نخبة الفكر - جـ ١

[عبد الرؤوف المناوي]

فهرس الكتاب

- ‌تَرْجَمَة الْحَافِظ ابْن حجر

- ‌اسْمه وَنسبه ومذهبه وكنيته وَالثنَاء عَلَيْهِ

- ‌طلبه للْعلم ومشايخه والعلوم الَّتِي برع فِيهَا

- ‌رحلاته

- ‌المناصب الَّتِي تقلدها

- ‌مؤلفاته

- ‌المصنفات الَّتِي لم يكملها وَكتب مِنْهَا الْيَسِير:

- ‌المصنفات الَّتِي رتبها

- ‌مصنفات أُخْرَى مُخْتَلفَة

- ‌وَفَاته

- ‌أشعار مُخْتَلفَة لِابْنِ حجر

- ‌نظمه أَسمَاء الصَّحَابَة الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ

- ‌نظمه جَوَاز الشّرْب قَائِما

- ‌نظمه الْأَيَّام الَّتِي يتوقى الِانْتِقَال فِيهَا من أَيَّام الشَّهْر

- ‌الْأَشْعَار فِي مدح ابْن حجر

- ‌شرح الْبَسْمَلَة والحمدلة

- ‌معنى علم الله

- ‌بَيَان قدرَة الله عز وجل

- ‌بَيَان حَيَاة الله عز وجل

- ‌بَيَان قيوميته سبحانه وتعالى

- ‌بَيَان كَونه تَعَالَى سميعاً بَصيرًا

- ‌معنى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله

- ‌معنى الصَّلَاة على رَسُوله الله

- ‌معنى آل مُحَمَّد

- ‌البوادر الأولى للتصنيف فِي عُلُوم الحَدِيث

- ‌أَقسَام الْخَبَر

- ‌تَعْرِيف علم الحَدِيث رِوَايَة ودراية

- ‌الحَدِيث الْمُتَوَاتر

- ‌المُرَاد بِالْإِسْنَادِ

- ‌شُرُوط الحَدِيث الْمُتَوَاتر

- ‌التَّوَاتُر النسبي واللفظي والمعنوي

- ‌الْمَشْهُور

- ‌الْعَزِيز

- ‌سَبَب تَسْمِيَة الْمُتَوَاتر

- ‌سَبَب إِبْهَام ابْن حجر شُرُوط التَّوَاتُر

- ‌أَقسَام الْآحَاد

- ‌الْعَزِيز

- ‌الْغَرِيب

- ‌أَقسَام الغرابة

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌الحَدِيث الصَّحِيح بنوعيه

- ‌الْعَدَالَة وَالْمرَاد بِالْعَدْلِ

- ‌الضَّبْط وأنواعه

- ‌اتِّصَال السَّنَد

- ‌الْمُعَلل

- ‌الشاذ

- ‌(تَنْبِيه) :

- ‌محترزات تَعْرِيف الصَّحِيح

- ‌انتقادات لتعريف الصَّحِيح

- ‌أصح الْأَسَانِيد

- ‌الرَّأْي الْمُخْتَار فِي أصح الْأَسَانِيد

- ‌المفاضلة بَين الصَّحِيحَيْنِ

- ‌تَقْدِيم صَحِيح البُخَارِيّ على صَحِيح مُسلم

- ‌عدد أَحَادِيث صَحِيح البُخَارِيّ

- ‌تَوْجِيه كَلَام الشَّافِعِي فِي تَفْضِيل المؤطأ على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌الْإِجَابَة عَن إِخْرَاج مُسلم حَدِيث بعض الضُّعَفَاء

- ‌جملَة مَا فِي صَحِيح مُسلم

- ‌عدم اسْتِيعَاب الشَّيْخَيْنِ للصحيح

- ‌المُرَاد من شَرطهمَا وَتَقْدِيم مَا وَافق شَرطهمَا على غَيره

- ‌عَدَالَة رُوَاة الصَّحِيحَيْنِ وتقدمهم على غَيرهم

- ‌بَقِيَّة مَرَاتِب الصَّحِيح وَمَا أورد عَلَيْهِ مِنْهَا

- ‌فَائِدَة بَيَان مَرَاتِب الصَّحِيح

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌التَّصْحِيح والتضعيف فِي العصور الْمُتَأَخِّرَة

- ‌الحَدِيث الْحسن بنوعيه

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌زِيَادَة الثِّقَة

- ‌تَنْبِيه:

- ‌والْحَدِيث فِي مُسلم

- ‌معرفَة النَّاسِخ والمنسوخ

- ‌تَعْرِيف النّسخ لُغَة وَشرعا:

- ‌الطّرق الَّتِي يعرف بهَا النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ:

- ‌معرفَة الضَّعِيف

- ‌الحَدِيث الْمُرْسل

- ‌تَنْبِيه:

الفصل: ‌الحديث الحسن بنوعيه

شُرُوط الصِّحَّة وَلم يطلع الْمُحدث الْعَارِف على عِلّة فِيهِ فَلَا مَانع من الحكم بِصِحَّتِهِ و (إِن) لم ينص عَلَيْهَا أحد من الْمُتَقَدِّمين، مَعَ أَن أَكثر رُوَاته رَوَاهُ الصَّحِيح. انْتهى.

وَاعْتَرضهُ السخاوي: بِأَنَّهُ كَيفَ يسوغ الرَّد على ابْن الصّلاح بِمَا هُوَ مُصَرح باعتماده وَهُوَ عين كَلَامه.

‌الحَدِيث الْحسن بنوعيه

فَإِن خف الضَّبْط - أَي قل - يُقَال: خف الْقَوْم خفوفاً أَي قلوا، وَالْمرَاد انه خف لَكِن مَعَ وجود بَقِيَّة الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة فِي حد الصَّحِيح أَي مَعَ وجود بَاقِي الشُّرُوط كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله بعد ذَلِك وَخرج بِاشْتِرَاط بَاقِي الْأَوْصَاف إِلَى آخِره فَهُوَ الْحسن لذاته لَا لشَيْء خَارج عَن ذَاته.

وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن مَا ذكره لَا يحصل بِهِ تَمْيِيز الْحسن عَن غَيره، لِأَن الخفة الْمَذْكُورَة غير منضبطة وَهُوَ أَي الْحسن لأمر خَارج / هُوَ الَّذِي يكون حسنه حسب الاعتضاد أَي بِحَسب اعتضاده بمتابعة أَو بِمَا لَهُ من الشواهد نَحْو حَدِيث المستور.

قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: وَأحسن مَا يحد بِهِ الْحسن أَن يُقَال: هُوَ خبر الصَّادِق أَو المستور المعتضد.

ص: 388

قَالَ المُصَنّف: الرَّاوِي إِذا لم يسم كَرجل يُسمى مُبْهما، وَإِن ذكر من عدم تَمْيِيز فَهُوَ المهمل، وَإِن ميز وَلم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد فمجهول وَإِلَّا فمستور. انْتهى.

وَقَالَ غَيره: المستور هُوَ الَّذِي لم تتَحَقَّق أَهْلِيَّته وَلَيْسَ مغفلاً كثير الْخَطَأ، وَلَا مُتَّهمًا بفسق، إِذا تعدّدت طرقه أَو وجد لَهُ شَاهد وَهُوَ وُرُود حَدِيث آخر نَحوه، فَيخرج بذلك عَن كَونه شاذاً أَو مُنْكرا.

وَخرج بِاشْتِرَاط بَاقِي الْأَوْصَاف الضَّعِيف كَمَا يَأْتِي، هَذَا مَا لخصه الْمُؤلف وحرره من أقاويل متعارضة، وحدود مُعْتَرضَة، وَحَاصِله أَنه شرك بَين الْحسن لذاته وَبَين الصَّحِيح فِي الشُّرُوط إِلَّا تَمام الضَّبْط

ص: 389

وَنَحْوه قَول الْجَزرِي: الْحسن لذاته مَا حصل بِنَقْل عدل مُتَّصِل السَّنَد سالما من الشذوذ والإعلال. وَهَذَا أحسن مَا قيل، وَقد كثر الِاضْطِرَاب فِي هَذَا الْمقَام، واستقصى تحريره على كثير من الأفهام.

قَالَ ابْن كثير والبلقيني: وَسَببه أَن الْحسن لما توَسط بَين الصَّحِيح والضعيف كَأَن شَيْئا ينقدح فِي نفس الْحَافِظ قد تقصر عِبَارَته كَمَا قيل الِاسْتِحْسَان، فَلذَلِك صَعب تَعْرِيفه.

وَهَذَا الْقسم من الْحسن / مشارك للصحيح فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِن كَانَ دونه فِي الْقُوَّة، وَلِهَذَا أدرجه الْحَاكِم وَابْن خُزَيْمَة (وَابْن حبَان فِي نوع

ص: 390

الصَّحِيح) مَعَ قَوْلهم أَنه دونه لَكِن قَالَ فِي " الاقتراح ": مَا ذكر من أَن الْحسن يحْتَج بِهِ مُشكل، لِأَن ثمَّ أَوْصَاف يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة إِذا وجدت فَإِن كَانَ هَذَا الْمُسَمّى بالْحسنِ مِمَّا وجدت فِيهِ على أقل الدَّرَجَات الَّتِي يجب مَعهَا الْقبُول فَصَحِيح، وَإِن لم تُوجد لم يجز الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِن سمي حسنا، إِلَّا أَن يُرِيد الْأَمر الاصطلاحي بِأَن يُقَال: إِن هَذِه الصِّفَات لَهَا مَرَاتِب ودرجات فأعلاها يُسمى صَحِيحا وَأَدْنَاهَا يُسمى حسنا، وَحِينَئِذٍ يرجع الْأَمر إِلَى الِاصْطِلَاح وَيكون الْكل صَحِيحا. انْتهى.

وَقَضِيَّة كَلَام الْمُؤلف كَمَا قَالَه بعض الْمُحَقِّقين أَن الْحسن لخارج لَا يحْتَج بِهِ، لَكِن يُخَالِفهُ إِطْلَاق (التَّقْرِيب) كَأَصْلِهِ حَيْثُ قَالَ:

ص: 391

الْحسن كَالصَّحِيحِ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ إِن كَانَ دونه فِي الْقُوَّة. وَلَا بدع فِي الِاحْتِجَاج بِحَدِيث لَهُ طَرِيقَانِ، وَلَو انْفَرد كل مِنْهُمَا لم يكن حجَّة كَمَا فِي مُرْسل ورد من وَجه آخر مُسْندًا، أَو وَافقه مُرْسل آخر بِشَرْطِهِ كَمَا ذكره ابْن الصّلاح.

ومشابه لَهُ فِي الانقسام إِلَى مَرَاتِب بَعْضهَا فَوق بعض فأعلى مراتبه كَمَا قَالَه الذَّهَبِيّ: بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده، وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، وَابْن إِسْحَق عَن التَّيْمِيّ

ص: 392

وأمثال ذَلِك مِمَّا قيل أَنه صَحِيح، وَهُوَ من أدنى مَرَاتِب الصَّحِيح.

ثمَّ من بعد ذَلِك مَا اخْتلف فِي حسنه وَضَعفه كَحَدِيث الْحَارِث ابْن عبد الله، وَعَاصِم بن ضَمرَة، وحجاج بن / أَرْطَاة

...

وبكثرة طرقه أَي الْحسن لذاته يصحح قَالَ الْمُؤلف فِي (تَقْرِيره) : يشْتَرط فِي التَّابِع أَن يكون أقوى أَو مساوي حَتَّى لَو كَانَ الْحسن لذاته يرْوى من وَجه آخر حسن لغيره لم يحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ.

قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَهَذَا معنى قَوْله الْآتِي: تطلق الصِّحَّة على

ص: 393

الْإِسْنَاد الَّذِي يكون حسنا لذاته لَو انْفَرد فَقَوله لذاته احْتِرَازًا عَمَّا ذكره وَهُوَ الَّذِي رُوِيَ من وَجه آخر حسن لغيره.

وَإِنَّمَا يحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ عِنْد تعدد الطّرق بِالشّرطِ الْمَذْكُور لِأَن للصورة الْمَجْمُوعَة قُوَّة تجبر الْقدر الَّذِي قصر بِهِ ضبط رَاوِي الْحسن عَن رَاوِي الصَّحِيح كالحبل الْمُؤلف من شَعرَات وَمن ثمَّ أَي وَمن هُنَا يُطلق الصِّحَّة على الْإِسْنَاد الَّذِي يكون حسنا لذاته لَو تفرد إِذا تعدد فَخرج بقوله لذاته الْحسن لغيره فَلَا يجْبر كَمَا تقرر.

مِثَال ذَلِك حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة

ص: 394

مَرْفُوعا: " لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة ".

فمحمد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة مَشْهُور بِالصّدقِ والصيانة، لَكِن لم يكن متقناً حَتَّى ضعفه بَعضهم من جِهَة سوء حفظه، وَوَثَّقَهُ بَعضهم لصدقه وجلالته، فَحَدِيثه من هَذِه الْجِهَة حسن، فَلَمَّا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك كَونه روى من وَجه آخر حكم بِصِحَّتِهِ.

وكحديث البُخَارِيّ عَن أبي بن الْعَبَّاس بن سهل بن سعد عَن أَبِيه

ص: 395

عَن جده فِي ذكر خيل الْمُصْطَفى.

فَإِن أَبَيَا هَذَا ضَعِيف لسوء حفظه، فَحَدِيثه حسن لَكِن تَابعه عَلَيْهِ أَخُوهُ عبد الْمُهَيْمِن، فارتقى إل دَرَجَة الصِّحَّة. /

وَهَذَا حَيْثُ ينْفَرد الْوَصْف، فَإِن جمعا - أَي الْحسن وَالصَّحِيح - فِي وصف حَدِيث وَاحِد كَقَوْل التِّرْمِذِيّ وَغَيره كيعقوب بن شيبَة، وَابْن

ص: 396

الْمَدِينِيّ حَدِيث حسن صَحِيح وَقد جمع هَؤُلَاءِ بَين الصِّحَّة وَالْحسن والغرابة فِي مَوَاضِع من كتبهمْ، وَكَذَا أَبُو على الطوسي جمع بَين الصِّحَّة وَالْحسن (فِي مَوَاضِع) من كِتَابه الْمُسَمّى ب " الإحكام ".

وَقد أَشَارَ الْمُؤلف إِلَى ذَلِك بقوله (وَغَيره) ردا إِلَى مَا اشْتهر بَين أهل الْفَنّ من أَن ذَلِك خَاص بالترمذي.

فللتردد الْحَاصِل من الْمُجْتَهد فِي هَذَا الْفَنّ كالترمذي فِي النَّاقِل، هَل اجْتمعت فِيهِ شُرُوط الصِّحَّة أَو قصر عَنْهَا (بِأَن يَقُول فِيهِ بَعضهم صَدُوق مثلا، وَبَعْضهمْ يَقُول ثِقَة وَلَا يتَرَجَّح عِنْد النقاد وَاحِد مِنْهُمَا. أَو يتَرَجَّح لكنه يُرِيد الْإِشَارَة إِلَى كَلَام النَّاس فِيهِ) .

وَهَذَا (حَيْثُ) يحصل مِنْهُ التفرد بِتِلْكَ الرِّوَايَة قَالَ الشَّيْخ

ص: 397

قَاسم: يرد عَلَيْهِ مَا إِذا كَانَ الْمُنْفَرد جمع شُرُوط الصِّحَّة عِنْدهم.

وَعرف بِهَذَا جَوَاب من اسْتشْكل كَابْن الصّلاح الْجمع بَين الوصفين فِي حَدِيث وَاحِد / فَقَالَ: الْحسن قَاصِر عَن الصَّحِيح فَفِي الْجمع بَينهمَا إِثْبَات لذَلِك الْقُصُور ونفيه قَالَ المُصَنّف فِي تَقْرِيره لذَلِك حِين قرىء عَلَيْهِ الشَّرْح: اسْتشْكل الْجمع بَين الصِّحَّة وَالْحسن، فَأُجِيب: بِأَنَّهُ بِحَسب إسنادين.

فأورد (عَلَيْهِ) : إِنَّه يَقُول حسن صَحِيح لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.

فَأُجِيب: بِمَا ذكر، وَمِنْهُم من أجَاب بالترادف فِي الْمَعْنى.

قيل: يرد بِأَصْل الْقِسْمَة.

ص: 398

قَالَ الشَّيْخ / قَاسم: وَلَيْسَ بِشَيْء، بل إِنَّه خلاف الْمُتَعَارف، وَهَذَا الْجَواب عَن قَول من وفْق بِأَن الْحسن فِي اللَّفْظ، وَالصِّحَّة للسند، لَا مَا قيل: إِنَّه يدْخل فِيهِ الضَّعِيف. اه.

ومحصل الْجَواب إِن تردد أَئِمَّة الحَدِيث فِي حَال ناقله بِأَن قَالَ بَعضهم صَدُوق مثلا، وَبَعْضهمْ يَقُول ثِقَة اقْتضى للمجتهد أَن لَا يصفه بِأحد الوصفين (لكَونه لم يتَرَجَّح عِنْده وَاحِد مِنْهُمَا، أَو ترجح لكنه يُرِيد الْإِشَارَة إِلَى كَلَام النَّاس فِيهِ) .

فَيُقَال فِيهِ حسن بِاعْتِبَار وَصفه عِنْد قوم (لِأَن رَاوِيه عِنْدهم صَدُوق) صَحِيح بِاعْتِبَار وَصفه عِنْد قوم آخَرين لِأَن رَاوِيه عِنْدهم ثِقَة،

ص: 399

(فَهَؤُلَاءِ غير مترددين فِي صِحَّته وَأُولَئِكَ مترددين فِيهَا)، وَهَذَا نَظِير قَول الْفُقَهَاء: فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ، أَو وَجْهَان.

أَو يكون ذَلِك بِحَسب تردد الْمُجْتَهد بِعَيْنِه فِي الرَّاوِي فَتَارَة يُؤَدِّيه اجْتِهَاده بِاعْتِبَار حَدِيثه وَعرضه على حَدِيث الْحَافِظ - وَنَحْو ذَلِك - إِلَى قُصُور ضَبطه، وَتارَة إِلَى تَمَامه.

ثمَّ إِن مَا ذكره الْمُؤلف اعْتَرَضَهُ الشَّيْخ قَاسم بِأَنَّهُ يرد عَلَيْهِ مَا لَو كَانَ الرَّاوِي جَامعا لشروط بِاتِّفَاق، أَو لم يتَرَدَّد فِيهِ.

وَقَالَ غَيره: قد جزم الْجَزرِي بِأَن هَذَا أَعلَى رتبه مِمَّا قيل فِيهِ حسن، قَالَ هَكَذَا سَمِعت مَعْنَاهُ من شَيخنَا ابْن كثير. وَغَايَة مَا فِيهِ

ص: 400

أَنه حذف مِنْهُ حرف التَّرَدُّد

... لِأَن حَقه أَن يَقُول حسن أَو صَحِيح وَمثل ذَلِك سَائِغ شَائِع فِي كَلَامهم.

وَهَذَا كَمَا حذف الْعَطف من الَّذِي بعده كَمَا قَالَ ابْن مَالك فِي حَدِيث عدي بن حَاتِم - رَفعه - " تصدق رجل (من درهمه) ، من ديناره، من صَاع تمره

" إِلَى آخِره.

وكما فِي أثر عمر فِي الصَّحِيح: صلى فِي قَمِيص وَإِزَار،

ص: 401

فِي تبان، فِي رِدَاء، فِي كَذَا.

وكما فِي مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة - رَفعه - " اللَّهُمَّ إِنِّي / أَتَّخِذ عنْدك عهدا فَأَي مُسلم أذيته شتمته لعنته جلدته

" الحَدِيث.

وعَلى هَذَا: فَمَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح دون مَا قيل فِيهِ صَحِيح فَقَط لِأَن هَذَا غير مُتَرَدّد فِي صِحَّته وَذَاكَ مُتَرَدّد فِيهَا والجزم أقوى من التَّرَدُّد وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْمُؤلف للْجمع بِهِ تبعا لجمع وَنقض ذَلِك: بِأَن التِّرْمِذِيّ يجمع بَينهمَا فِي الحَدِيث الَّذِي لَا خلاف فِي رُوَاته.

ص: 402

قَالَ ابْن الْجَزرِي - تبعا لِابْنِ كثير - وَالظَّاهِر أَن مُرَاده اسْتِوَاء الصَّحِيح وَالْحسن فِي الحكم حَيْثُ اجْتمعَا فِي متن فَيلْزم من الحكم بِالصِّحَّةِ الْحسن لدُخُوله تبعا. انْتهى.

وَجرى على ذَلِك - أَيْضا - بَعضهم حَيْثُ قَالَ: يرد عَلَيْهِ أَن التِّرْمِذِيّ يجمع بَينهمَا فِي الحَدِيث الَّذِي لَا خلاف فِي رُوَاته.

وَهَذَا (من) حَيْثُ (يحصل) التفرد وَإِلَّا أَي إِن لم يحصل التفرد فإطلاق الوصفين مَعًا على الحَدِيث يكون بِاعْتِبَار إسنادين (أَو أَسَانِيد) أَحدهمَا صَحِيح وَالْآخر حسن فَكَأَنَّهُ قيل: حَدِيث حسن بِالْإِسْنَادِ الْفُلَانِيّ، صَحِيح بِالْإِسْنَادِ الْفُلَانِيّ.

وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم بِأَنَّهُ يرد عَلَيْهِ مَا إِذا كَانَ كلا الإسنادين

ص: 403

على شَرط الصَّحِيح. قَالَ: وَمن تتبع وجد صدق مَا قلت فيهمَا.

وَوَافَقَهُ (على ذَلِك) غَيره فَقَالَ: يرد عَلَيْهِ مَا إِذا كَانَ الإسنادان على شَرط الصَّحِيح، أَو كَانَ الْمُنْفَرد جَامعا لشروط الصِّحَّة.

وعَلى هَذَا فَمَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح فَوق مَا قيل فِيهِ صَحِيح فَقَط إِذا كَانَ فَردا لِأَن كَثْرَة الطّرق تقوى.

لَكِن ضعف بقَوْلهمْ: الحكم على الإٍ سناد بِالصِّحَّةِ لَا يقْضِي بِهِ على الْمَتْن / إِذْ قد يَصح الْإِسْنَاد لثقة رِجَاله وَلَا يَصح الْمَتْن لشذوذ أَو عِلّة، وَقد ضعف غير وَاحِد من الْمُحدثين أَحَادِيث مَعَ حكمهم على إسانيدها بِالصِّحَّةِ.

فَإِن قيل: قد صرح التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه بِأَن شَرط الْحسن أَن يرْوى من غير وَجه، فَكيف يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث: حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه؟ فَالْجَوَاب: إِن التِّرْمِذِيّ لم يعرف

ص: 404

الْحسن مُطلقًا وَإِنَّمَا عرفه بِنَوْع خَاص مِنْهُ وَقع فِي كِتَابه وَهُوَ مَا يَقُول فِيهِ حسن من غير صفة أُخْرَى. ثمَّ أَخذ فِي بَيَان الْمُدعى - وَهُوَ أَكثر عرف نوعا مِنْهُ بقوله: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث: حسن، وَفِي بَعْضهَا: صَحِيح وَفِي بَعْضهَا: غَرِيب، وَفِي بَعْضهَا: حسن صَحِيح، وَفِي بَعْضهَا: حسن غَرِيب، وَفِي بَعْضهَا: صَحِيح غَرِيب، وَفِي بَعْضهَا: حسن صَحِيح غَرِيب.

وتعريفه إِنَّمَا وَقع على الأول فَقَط، وَعبارَته ترشد إِلَى ذَلِك حَيْثُ قَالَ فِي آخر كِتَابه " الْجَامِع " وَمَا قُلْنَا فِي كتَابنَا: حَدِيث (حسن) فَإِنَّمَا أردنَا بِهِ حسن إِسْنَاده عندنَا.

قَالَ المُصَنّف: فَفِي هَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ حسن الْإِسْنَاد

ص: 405

فَانْتفى أَن يُرِيد حسن اللَّفْظ الَّذِي ادَّعَاهُ بَعضهم وَحمل كَلَامه عَلَيْهِ. انْتهى.

(وأتى بنُون العظمة لإِظْهَار بلزومها الَّذِي هُوَ نعْمَة من تَعْظِيم الله تَعَالَى لَهُ بتأهيله للْعلم امتثالا لقَوْله: (وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث) .

فَكل حَدِيث يرْوى وَلَا يكون رَاوِيه مُتَّهمًا بكذب، ويروى من غير وَجه نَحْو ذَلِك، وَلَا يكون شاذا فَهُوَ عندنَا حَدِيث حسن. فَعرف بِهَذَا أَنه إِنَّمَا عرف الَّذِي يَقُول فِيهِ حسن فَقَط، أما مَا يَقُول فِيهِ حسن صَحِيح، أَو حسن غَرِيب، أَو حسن (صَحِيح) غَرِيب، فَلم يعرج على تَعْرِيفه / كَمَا لم يعرج على تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ صَحِيح فَقَط، أَو غَرِيب فَقَط.

قَالَ: ويوضح ذَلِك مَا ذكره فِي الْفِتَن من حَدِيث خَالِد الْحذاء

ص: 406

عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: " من أَشَارَ على أَخِيه بحديدة

... " الحَدِيث قَالَ فِيهِ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، فاستغربه من حَدِيث خَالِد لَا مُطلقًا.

وَكَأَنَّهُ ترك ذَلِك اسْتغْنَاء بشهرته عِنْد أهل الْفَنّ، وَاقْتصر على تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ فِي كِتَابه: حسن فَقَط، إِمَّا لغموضه، وَإِمَّا لِأَنَّهُ اصْطِلَاح جَدِيد وَلذَلِك قَيده بقوله عندنَا وَلم ينْسبهُ لأهل الحَدِيث كَمَا فعل الْخطابِيّ، وَبِهَذَا التَّقْرِير ينْدَفع كثير من الإيرادات الَّتِي طَال الْبَحْث فِيهَا وَلم يسفر وَجه توجيهها وَللَّه الْحَمد على مَا ألهم وَعلم.

وَهَذَا كُله مركب من أجوبة ثَلَاثَة: لِابْنِ الصّلاح، وَابْن دَقِيق

ص: 407

الْعِيد، وَابْن كثير، وَلَيْسَ للمؤلف (من ذَلِك) إِلَّا الْجمع والتركيب وَالتَّلْخِيص.

وَأما الْجَواب بِأَن المُرَاد بالْحسنِ: اللّغَوِيّ لَا الاصطلاحي كَمَا وَقع لِابْنِ عبد الْبر حَيْثُ روى حَدِيث معَاذ مَرْفُوعا: " تعلمُوا الْعلم فَإِن تعلمه لله خشيَة

... " الحَدِيث ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن جدا لَكِن لَيْسَ إِسْنَاده قوي. فَأَرَادَ بالْحسنِ حسن اللَّفْظ فَقَط لِأَنَّهُ من رِوَايَة الْبُلْقَاوِيُّ وَهُوَ كَذَّاب.

فَرد بِأَنَّهُ يُطلق على الْمَوْضُوع إِذا كَانَ حسن اللَّفْظ أَنه حسن وَهَذَا لَا يَقُوله أحد.

ص: 408