الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: نبدأ بالآية الكريمة ونتأمل في قوله تعالى {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}
(1)
. يقول الإمام الطبري ـ يرحمه الله ـ في هذه الآية في معنى يجتبيك
(2)
: بمعنى يصطفيك.
وينقل في تفسيره ـ يرحمه الله ـ أيضًا زيادة على الاصطفاء
(3)
في معنى الآية السابقة
(4)
: وعلّمه من عبر الأحاديث، وهو تأويل الأحاديث وهو قول عن الإمام قتادة.
ويقول ـ يرحمه الله
(5)
ـ عن ابن زيد قال
(6)
: تأويل الكلام: العلم والحُكمُ، وكان يوسف أعبر الناس. وقرأ:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}
(7)
. انتهى، ولعل هذا أقرب الأقوال.
والإمام البغوي ـ يرحمه الله ـ له نفس النقل
(8)
.
(1)
سورة يوسف الآية (6).
(2)
تفسير الطبري (12/ 153).
(3)
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة.
(4)
سورة يوسف الآية (6).
(5)
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد.
(6)
السابق.
(7)
سورة يوسف الآية (22).
(8)
تفسير البغوي (2/ 417).
ويلخص الإمام ابن الجوزي ـ يرحمه الله ـ آراء بعض المفسرين
(1)
، في قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} .
قال الزجاج، وابن الأنباري: ومثل ما رأيت من الرفعة والحال الجليلة، يختارك ربك ويصطفيك من بين إِخوتك.
وقد شرحنا في الأنعام معنى الاجتباء
(2)
. وقال ابن عباس: يصطفيك بالنّبوّة.
قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه تعبير الرؤيا، قاله ابن عباس ومجاهد، وقتادة، فعلى هذا سمي تأويلاً؛ لأنه بيان ما يؤول أمر المنام إِليه.
والثاني: أنه العلم والحكمة، قاله ابن زيد.
والثالث: تأويل أحاديث الأنبياء والأمم والكتاب، ذكره الزّجّاج. قال مقاتل: و «مِن» ها هنا صلة.
يقول صاحب أضواء البيان: (الظاهر أن الآيات المذكورة تشمل ذلك كله من تأويل الرؤيا، وعلوم كتب الله وسنن الأنبياء، والعلم عند الله تعالى)
(3)
.
(1)
زاد المسير (4/،181).
(2)
وَاجْتَبَيْناهُمْ مثل اخترناهم واصطفيناهم، وهو مأخوذ من جبيت الشيء: إذا أخلصته لنفسك. وجبيت الماء في الحوض: إذا جمعته فيه، (زاد المسير 3/ 80).
(3)
أضواء البيان (3/ 203).
إذًا لعل القول في تفسير الآية فيه خلاف، والخلاف واضح وجلي
(1)
.
وقد أعطى الله عز وجل يوسف عليه السلام الملك والحكمة، والعلم، وتفسير الرؤى، والجمال، فلم يكن نبيًّا فقط، ولم يكن معبرًا للرؤى ومفسرًا للأحلام فقط
(2)
! !
(1)
لعله اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، راجع كتاب مقدمة التفسير للعلامة الإمام ابن عثيمين، فصل اختلاف السلف في التفسير وأنه اختلاف تنوع ص (29).
(2)
يقول الزمخشري في تفسيره الكشاف: عرف يعقوب عليه السلام دلالة الرؤيا على أن يوسف يبلغه الله مبلغًا من الحكمة، ويصطفيه للنبوّة، وينعم عليه بشرف الدارين، كما فعل بآبائه، فخاف عليه حسد الإخوة وبغيهم (2/ 418). فهو لم يفصح، ولعل ذلك سبب لاختيارنا أن الرؤيا لم تعبر.
ثم يقول: ومثل ذلك الاجتباء {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} يعنى وكما اجتباك لمثل هذه الرؤيا العظيمة الدالة على شرف وعز وكبرياء شأن، كذلك يجتبيك ربك لأمور عظام.
ويقول: والاجتباء. الاصطفاء، افتعال من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك، وجبيت الماء في الحوض: جمعته. والأحاديث: الرؤيا: لأنّ الرؤيا إمّا حديث نفس أو ملك أو شيطان. انظر الكشاف (2/ 419).
قلت: لعل الأقرب أن الناس تتحدث بها لأن الرؤيا من الله وليست حديث ملك، فلا دليل صحيح السند على ذلك، وإن قلنا إن المقصود بتأويل الأحاديث (لأن منها حديث نفس وشيطان) وهذا خطأ ظاهر إذ إن حديث النفس وتخويف الشيطان لا تأول من الأصل، ولكن يستفاد منها في أمور أخرى ليس هذا مجال ذكرها، فقياس معنى الأحاديث على هذا لا يصح والله أعلم.
وقد أفاد في شرح كلمة (الأحاديث) الإمام ابن عاشور في التحرير والتنوير، يقول ـ يرحمه الله: والأحاديث يصح أن تكون جمع حديث بمعنى الشيء الحادث، فتأويل الأحاديث: إرجاع الحوادث إلى عللها وأسبابها بإدراك حقائقها على التمام. وهو المعني بالحكمة، وذلك بالاستدلال بأصناف الموجودات على قدرة الله وحكمته، ويصح أن يكون الأحاديث جمع حديث بمعنى الخبر المتحدث به، فالتأويل: تعبير الرؤيا. سميت أحاديث لأن المرائي يتحدث بها الراؤون، وعلى هذا المعنى حملها بعض المفسرين. واستدلوا بقوله في آخر القصة {يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ} من قبل [سورة يوسف: 100]. ولعل كلا المعنيين مراد بناء على صحة استعمال المشترك في معنييه وهو الأصح، أو يكون اختيار هذا اللفظ إيجازًا معجزًا، إذ يكون قد حكي به كلام طويل صدر من يعقوب عليه السلام = =بلغته يعبر عن تأويل الأشياء بجميع تلك المعاني (12/ 216)، يلاحظ أن الإمام ابن عاشور. يرحمه الله. جعل لكلمة الأحاديث أكثر من معنى.