الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الرابط بين رؤيا يوسف عليه السلام وأنها من الغيب وسورة هود عليه السلام
نذكر مثالاً يسيرًا لنبين ترابط آيات القرآن العظيم مع بعضها؛ وبخاصة القريبة من موضوع بحثنا:
ذكر الله تعالى وتقدس في نهايات سورة هود عليه السلام:
…
{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
(1)
، وهذه السورة الكريمة تسبق سورة يوسف عليه السلام مباشرة، يلاحظ هنا أن الآية تتكلم عن الغيب! ! وأيضًا لا يزال الحديث عن الغيب معنا، ففي بداية سورة يوسف عليه السلام يقول تعالى:{بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}
(2)
، والوحي من الغيب، وأيضًا في قوله تعالى في رؤيا يوسف عليه السلام:{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}
(3)
الرؤيا من الغيب وفي نهاية سورة يوسف يقول تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}
(4)
.
(1)
سورة هود الآية (123).
(2)
سورة يوسف الآية (3).
(3)
سورة يوسف الآية (4).
(4)
سورة يوسف الآية (102).
وفيها أيضًا أن الرؤيا من أقسام الوحي
(1)
، ولعل تسلسل الآيات يوضح ذلك فبعد قوله تعالى:{بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}
(2)
ـ والآية تتكلم عن الوحي ـ جاءت رؤيا يوسف عليه السلام، فلعلها إشارة إلى أن الرؤيا من أقسام الوحي.
ولعل من الفوائد المستنبطة، أن الحكمة من لفظ الرؤيا تطلق على الأمر الذي يُرى في عالم الغيب عمومًا
(3)
، ولفظها ليس خاصًّا بالرؤيا المنامية، مثل قوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا}
(4)
، وهذا يزيل الإشكال والخلاف في تفسير الآية، فرسول الله
(1)
يقول الإمام محمد بن عبدالوهاب ـ يرحمه الله ـ: (إن الرؤيا الصالحة من أقسام
…
الوحي)، راجع كتاب القول المفيد شرح كتاب التوحيد للشيخ ابن عثيمين ـ يرحمه الله (2/ 237).
ولا ضير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول: "هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا، إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة)، والحديث في مسند الإمام أحمد حديث برقم [8313] وغيره، وصححه الإمام الألباني، والحديث في السلسلة الصحيحة:(قال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا)(1/ 845).
(2)
سورة يوسف الآية (3).
(3)
ويحتمل أن تكون الحكمة في تسمية ذلك رؤيا لكون أمور الغيب مخالفة لرؤيا الشهادة فأشبهت ما في المنام، فتح الباري للحافظ ابن حجر (12/ 352).
(4)
سورة الإسراء الآية (60).
ـ صلى الله عليه وسلم صعد إلى عالم غيبي لا نراه نحن، فناسب ذلك إطلاق لفظة الرؤيا عليه، والله أعلم.
وقد امتدح الله تعالى وتقدس الذين يؤمنون بالغيب في سورة البقرة، فقال عز من قائل:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}
(1)
، فدل ذلك على أهمية الإيمان بالغيب وأنه من صلب عقيدتنا.
والشّاهد من ذكر المثال السابق يوضح كيف أن القرآن الكريم له تسلسل للأفكار وترتيب للفوائد يجب علينا الوقوف عندها وتدبرها، فسبحان من أنزله
(2)
.
(1)
سورة البقرة الآية (2.3).
(2)
بل سبقنا بذلك علماء لهم مؤلفات في تناسب الآيات والسور، مثل كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، بل هو علم يدافع عن القرآن المجيد ويرد على شبهات الضلال.