‌ثانيا: من إشارات معنى الكواكب الهمة العالية، والطموح الكبير - تأملات في رؤيا يوسف عليه السلام

‌

‌ثانيًا: من إشارات معنى الكواكب الهمة العالية، والطموح الكبير

ـ إن من معاني رؤياها في المنام ما يدل على الهمة العالية، والطموح الكبير.

يقول المتنبي

(1)

متمثلاً ببيتٍ جميل يَقرِنُ فيه الهمة العالية مع ذكر النجوم:

إذا غامرت في شرف مروم

…

فلا تقنع بما دون النجوم

فالنجوم يضرب بها المثل على الهمة العالية.

ألم يذكر في الآية الكريمة أن الكواكب تسجد له؟ ومن البلغاء من عرف الكواكب بأنها النجوم، وها هو المتنبي يربط الهمة العالية بالنجوم؛ لأنها من الأشياء التي تعلو علينا، والوصول لها يحتاج إلى مشقة وهمة وجهد كبير، فجمع ذلك بين الهمة العالية والطموح الكبير اللذين يتمتع بهما يوسف عليه السلام لا محالة.

ولو لاحظنا قياسًا علميًّا وفلكيًّا، سنجد أن الكواكب فوقنا وأعلى مِنَّا، والوصول إليها لا يكون إلا بالنظر ونحن على الأرض، والطلوع لها إن صح يكون بجهد كبير جدًّا، وهمة عالية وتكلفة ضخمة للغاية تصل إلى ملايين المصروفات.

ـ وقوع معنى دلالة الهمة العالية والطموح الكبير ليوسف عليه السلام في قصته:

لو قارنَّا ذلك بما كان ليوسف عليه السلام سوف نجد أن هذا ما حصل له بالفعل، فكانت همته عالية وطموحه كبيرًا، ويدل على ذلك طلبه من ملك مصر في ذلك الوقت أن يجعله على خزائن الأرض، ويتضح هذا في قوله تعالى:{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}

(1)

، ولا يتقدم لمثل هذا الطلب إلا من كان طَموحًا وذا همةٍ عالية.

ومن طموحه الكبير أيضًا أنه صار له مناصبٌ عدة، حتى وصل به الأمر أنه عليه السلام كان هو الآمر الناهي في مصر

(2)

.

ومن قبل ذلك نصيحته للسجناء، فمن له القدرة على النصح وهو سجين محروم بين جدران معدودة إلا من كان ذا همةٍ عالية؟ ! .

فتبين بعد التحقيق أن من إشارات رؤيا الكواكب ما يدل على المناصب العالية في الدنيا، وهي المناصب التي وصل إليها يوسف عليه السلام هذا غير همته عليه السلام بالصبر على الابتلاءات التي مرت به من ظلم إخوته، والسجن الذي تعرض له.

ورأس الأمر، أن همته العالية جعلته يقف على قدميه من جديد، ولم يجعل من تلك المواقف ما يؤثر عليه سلبًا.