الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثامن: رمز السجود وعظمة شأن يوسف عليه السلام وفيه فائدتان
في قوله تعالى: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}
(1)
.
السجود لغةً: التطامن والخضوع والتذلل، يقال: سجد البعير إذا خفض رأسه عند ركوبه، وسجد الرجل إذا وضع جبهته على الأرض.
والسجود في الاصطلاح: وضع الجبهة أو بعضها على الأرض، أو ما اتصل بها من ثابت مستقر على هيئةٍ مخصوصةٍ في الصلاة
(2)
.
ولنا في هذا المبحث وقفات:
الوقفة الأولى: آيتان ذكر فيهما موقف السجود في سورة يوسف عليه السلام:
الآية الأولى: في رؤيا يوسف عليه السلام في قوله {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}
(3)
.
الآية الثانية: تحقق الرؤيا {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}
(4)
(1)
سورة يوسف الآية (4).
(2)
الموسوعة الفقهية الكويتية (23/ 126).
(3)
والرؤيا منامية فيجوز فيها ما لا يجوز في اليقظة.
(4)
سورة يوسف الآية (100).
في قوله تعالى: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} ما هو معنى السجود هنا؟ وكيف كان؟
أعدل الأقوال أن يوسف عليه السلام رآهم يسجدون له كما يسجد البشر لربهم، وما دام أن الرؤيا جاء تحققها في نهاية السورة بسجود إخوته له {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}
(1)
، فلعل لهذا دلالة أنه رأى الكواكب والشمس والقمر على هذه الهيئة في منامه.
الوقفة الثانية: نقف مع رمز السجود من وجهين:
أولاً: إخوة يوسف وأبوه وأمه سجدوا ليوسف عليه السلام: إذًا هم سيكونون خاضعين له.
ثانيًا: أن يوسف عليه السلام سُجد له في الرؤيا إذاً
…
هو سوف يكون عظيمًا وذا شأن.
والسجود
(2)
كان للعظماء والملوك والوجهاء في زمنهم لتعظيمهم.
(1)
السابق.
(2)
وأوضح دليل هو حديث معاذ رضي الله عنه (عن عبدالله بن أبي أوفى، قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما هذا يا معاذ؟ قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه) سنن ابن ماجة حديث رقم [1853].
وليس لعبادتهم والشرك بهم مع الله
(1)
.
سجود الكواكب ليوسف عليه السلام يعني أن شأن يوسف سوف يكون أعظم من إخوته (هذا في العلاقة بينه وبين إخوته فقط، والأمور الأعظم فصلناها في باقي الكتاب)، وهذه الكواكب سجدت ليوسف في منامه فهذا معناه أن عبادًا سوف يخضعون له وسيكونون تحت إمرته، مما يدل على أنه سيكون أعظم منهم، والسجود هنا ليس للعبادة، ولكن للمنصب الأعلى منهم مرتبة، فكان نبيًّا ـ وهذا الأعلى على جميع المراتب
(2)
، وكان ملكًا ومفسرًا للرؤى
(3)
.
(1)
فقد كان هذا لا يحرم في عقيدتهم، وهو محرم في الإسلام، ولا يكون إلا لله عز وجل، وكان عندهم مباحًا، وهو بمعنى التحية والتوقير، وليس للعبادة عند الموحدين، والكثيرون بحثوا هذه المسألة بإسهاب فليُرجع لها في مراجعها.
(2)
قد كان هذا مشروعًا في الأمم الماضية، ولكنه نسخ في ملتنا، (تفسير ابن كثير 1/ 232).
(3)
وكيف جمع تعبير الرؤى مع هذه الصفات، وكأنها إشارة أنها من الأهمية بمكان.