المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: التأمل في قوله تعالى: {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا} - تأملات في رؤيا يوسف عليه السلام

[أحمد قشوع]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌البداية

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: مكانة رؤيا يوسف

- ‌المبحث الأولأهم ضوابط تعبير الرؤى

- ‌المبحث الثانيالرابط بين رؤيا يوسف عليه السلام وأنها من الغيب وسورة هود عليه السلام

- ‌المبحث الثالثرؤيا يوسف هي أول آية رؤيا نزلت في القرآن الكريم

- ‌المبحث الرابعمن أحسن القصص رؤيا يوسف عليه السلام

- ‌المبحث الخامسالرؤيا المرموزة، سمة لما رآه يوسف عليه السلام في منامه

- ‌المبحث السادسهل عبرت رؤيا يوسف عليه السلام؟(تحقيق وتدقيق)

- ‌المطلب الأول: نبدأ بالآية الكريمة ونتأمل في قوله تعالى {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}

- ‌المطلب الثاني: التأمل في قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}

- ‌المطلب الثالث: لماذا تعبير رؤيا يوسف عليه السلام كان مختلفًا أو غير واضح

- ‌الفصل الثانيمعاني رموز يوسف عليه السلام

- ‌المبحث الأولالإشارات الخاصة بيوسف عليه السلام

- ‌المطلب الأول: الإشارة من معنى العصبة والعدد أحد عشر

- ‌المطلب الثاني: رمز الكواكب وإشاراتها العميقة، وفيه ستة فوائد

- ‌أولاً: (الوصول للعظمة) من أول هذه الإشارات لمعنى الكوكب

- ‌ثانيًا: من إشارات معنى الكواكب الهمة العالية، والطموح الكبير

- ‌ثالثًا: الشهرة وانتشار الصيت

- ‌رابعًا: الانتصار يؤخذ من الكواكب:

- ‌خامساً: الدراية في أمور الزراعة تؤخذ من معاني رمز الكواكبيقول تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}

- ‌سادسًا: الهداية الشرعية والهداية الكونية

- ‌المبحث الثانيالصفات المتعلقة بإخوة يوسف

- ‌المطلب الأول: إخوة يوسف والجمال والكواكب

- ‌وقوع دلالة الجمال على إخوة يوسف:

- ‌لاحظ المقارنة بين القمر والكواكب والدلالة على الحسن

- ‌المطلب الثاني: إخوة يوسف عبّادٌ موحدون .. ليسوا علماءَ ولا أنبياءَ

- ‌المبحث الثالثالشمس والقمر والسجود

- ‌المطلب الأول: يوسف عليه السلام حسابيٌّ بارع

- ‌المطلب الثاني: تأثير الزمن في تعبير الرؤيا

- ‌أن الشمس والقمر تعبران عن أصل الزمان:

- ‌المطلب الثالث: النَّصَبُ والتعب والشقاء من الإشارات التي ترمز لمعاني الشمس

- ‌المطلب الرابع: الأهوال والشدائد من الإشارات التي ترمز لها معاني الشمس

- ‌المطلب الخامس: من الإشارات الأخرى لمعاني الشمس والقمر أنهما يرمزان للجمال أيضًا

- ‌المطلب السادس: الإفحام والتحدي(1)وذكر الشمس

- ‌المطلب السابع: الشمس تشير إلى ظهور الحقائق

- ‌المطلب الثامن: رمز السجود وعظمة شأن يوسف عليه السلام وفيه فائدتان

- ‌الفصل الثالثكيف نتعلم تفسير الأحلام من خلال رؤيا يوسف عليه السلام

- ‌المبحث الأوليا بني لا تقصص رؤياك

- ‌المبحث الثاني(قواعد يسيرة في تفسير الأحلام وفوائده)

- ‌أولاً: الرؤيا عالم غيبي والإيمان بها من صلب العقيدة

- ‌ثانيًا: تذكير الرائي بعد سماع الرؤيا

- ‌ثالثًا: من علامات الرؤيا الصحيحة ترابط رموزها ومعانيها

- ‌رابعًا: على المعبّر أيضًا الاجتهاد في تحليل تلك الروابط

- ‌خامسًا: إذا رأى المرء في أحلامه شيئًا غريبًا وغير مرتب

- ‌سادسًا: تكرار المعنى له دلالة خاصة:

- ‌أولاً: تأكيدٌ لأمرٍ ما

- ‌ثانيًا: له دلالةٌ على زيادةٍ في هذا الأمر كزيادةٍ في المال أو في الجمال .... إلخ

- ‌سابعًا: الرؤيا فيها البشارة وفيها التحذير:

- ‌ثامنًا: ننوه على فائدة التجاهل في الرؤيا، فلعل يوسف عليه السلام لم يكن له أخت:

- ‌تاسعًا: الصلاح والتقوى له أثرٌ كبيرٌ في الرؤيا:

- ‌عاشرًا: وفي الجانب الآخر إذا كثرت أضغاث الأحلام وحديث النفس عند الرائي

- ‌الحادي عشر: التعبير بإجمالي معنى رموز الرؤيا:

- ‌الثاني عشر: إن ظهر شيء غير جيد في الرؤيا فلا يفسَّر

- ‌الثالث عشر: الاهتمام برؤى أهل المناصب وخصوصًا الدينية:

- ‌الرابع عشر: الاهتمام بأمر الرؤيا وإن جاءت لمرة واحدة فقط:

- ‌الخامس عشر: على الرائي أن يقص الرؤيا بنفسه:

- ‌السادس عشر: التركيز على الأعداد والأرقام في الرؤيا وعدم إهمالها

- ‌السابع عشر: أحيانا ترمز الرؤيا على أحداث يعيشها الفرد أو المجتمع ويحتاج لحلول لها فيظهر ذلك في الرؤيا:

- ‌الخاتمة

- ‌النماذج

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: التأمل في قوله تعالى: {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا}

‌المطلب الثاني: التأمل في قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}

(1)

يقول الإمام الطبري ـ يرحمه الله

(2)

: قال يوسف لأبيه: يا أبت، هذا السجود الذي سجدتَ أنت وأمّي وإخوتي لي {تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} ، يقول: ما آلت إليه رؤياي التي كنت رأيتها، وهي رؤياه التي كان رآها قبل صنيع إخوته به ما صنعوا: أنَّ أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر له ساجدون {قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} ، يقول: قد حقّقها ربي، لمجيء تأويلها على الصحَّة

(3)

.

وينقل ـ يرحمه الله ـ عن ابن زيد

(4)

في قوله: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ}

(5)

، قال: "يأتي تحقيقه. وقرأ قول الله تعالى: {تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ}

(6)

،

قال: هذا تحقيقها. وقرأ قول الله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}

(7)

، قال: ما يعلم حقيقته ومتى يأتي إلا الله تعالى".

(1)

سورة يوسف الآية (100).

(2)

تفسير الطبري (13/ 69).

(3)

بعد التحقيق تبين أن رؤيا يوسف عليه السلام لم تعبر، ولم يظهر تأويلها في السورة الكريمة، والله أعلم انظر ص (73).

(4)

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد

(5)

سورة الآعراف الآية (53).

(6)

سورة يوسف الآية (100).

(7)

سورة آل عمران الآية (7).

ص: 69

وإذا سلمنا (أن رؤيا يوسف عليه السلام عبرت) نجد أن ذلك العكس بالنسبة لباقي الرؤى التي ذكرت في سورة يوسف، فكل رؤيا جاء معها التعبير الخاص بها، ولم ترد رؤيا في سورة يوسف إلا وعبرت، عدا رؤيا يوسف عليه السلام فتعبيرها كان مغايرًا، فها هي رؤيا السجينان عبرتا في نفس السورة، يقول تعالى في محكم تنزيله:

{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}

(1)

.

وبعدها بخمس آيات جاء التفسير في قوله تعالى:

{يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}

(2)

.

(1)

سورة يوسف الآية (36).

(2)

سورة يوسف الآية (41).

ص: 70

أريد من القارئ الكريم ملاحظة عدة أمور منها:

1 ـ أن يوسف عليه السلام لما عبر رؤيا السجينين، ذكر ما هو المآل الذي سوف يحدث لهذين السجينين بالضبط، مثلاً: السجين الأول، تأويل رؤياه: أنه سيسقي ربه خمرًا، بمعنى أنه سيكون ساقي الملك والمقرب منه، وفي الواقع حصل هذا الأمر، كما فسره يوسف عليه السلام بحذافيره. إذًا هنا نستطيع أن نسمي هذا تفسيرًا؛ لأنه فيه المآل الذي سوف يصل إليه صاحب الرؤيا بدقة متناهية.

وهناك أمر آخر، إذ إن تعبير النبي أو الرسول يكون في غاية الدقة، ويكون بتفاصيل كثيرة، على سبيل المثال ننظر كيف عبر يوسف عليه السلام رؤيا السجينين، وذكر فيها بعض التفاصيل، فإذا قارنّا هذا التعبير للرؤيا، وتعبير يعقوب عليه السلام (بحسب اجتهاد بعض المفسرين)، نجد أن رؤيا يوسف تعبيرها كان مغايرًا، وليس فقط عندما نقارن رؤيا يوسف عليه السلام بل إذا قارنّا باقي الرؤى التي ذكرت في سورة يوسف.

ومثالٌ آخر في نفس السورة، وهي رؤيا ملك مصر أيضًا عبرت، وعبرها يوسف عليه السلام بل إنه عليه السلام أسهب في تعبيرها وشرحها وبيانها. يقول الله تعالى في محكم تنزيله: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ

ص: 71

وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}

(1)

.

وهنا جاء التعبير مباشرة من غير فاصل: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ}

(2)

.

نعود للنقطة التي ذكرناها سابقًا، لو قارنّا هذا التعبير بتعبير رؤيا يوسف عليه السلام لوجدنا أن رؤيا يوسف عليه السلام تعبيرها كان مغايرًا.

إذًا نستطيع أن نقول أن رؤيا يوسف عليه السلام كان تعبيرها مختلفاً، مع العلم أنه جاء تحققها

(3)

.

(1)

سورة يوسف الآية (46).

(2)

سورة يوسف الآيتان (47، 48).

(3)

تحقق الرؤيا: نقصد به المآل الذي أصبح واقعًا، أي صار حقيقة أو انتقل إلى عالم اليقظة بعد ما كان في عالم الغيب، فهو ما يحصل في المستقبل، أما التعبير: فهو اجتهاد المعبر في فك رموز هذه الرؤيا، ومحاولة معرفة ما الذي سوف تؤول إليه، فهناك فرق بين التحقق والتعبير فهذه حقيقة صارت على الواقع وتلك تفرس وإلهام.

ص: 72

يقول صاحب أضواء البيان في تعليقه على الآية التي ذكر فيها رؤيا يوسف عليه السلام: "لم يبين هنا تأويل هذه الرؤيا

(1)

، والعجيب أنه قال: "ولكنه بينه في هذه السورة في قول الله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}

(2)

.

ويقول الإمام السعدي ـ يرحمه الله ـ في معنى الآية السابقة الذكر (فهذا وقوعها الذي آلت إليه ووصلت)

(3)

، بمعنى أنه ليس تعبيرًا ولكن تحققًا للرؤيا.

(1)

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (3/ 39)، وقال صاحب التحرير والتنوير، ولم يعلم يوسف تأويلها إلا يوم قال:{وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} سورة يوسف الآية (100) يشير إلى سجود أبويه له (23/ 218).

قلت: إن هذا الرأي يدل أن رؤيا يوسف عليه السلام لم تعبر، وأن يوسف عليه السلام لم يسمع تعبيرها والله أعلم.

(2)

سورة يوسف الآية رقم (100).

(3)

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (405).

ص: 73

وإذا دققنا نجد أن قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)}

(1)

، يستدل به على تحقق رؤيا يوسف عليه السلام لا تعبيرًا لرؤياه، فهناك فرق بين تعبير الرؤيا وبين تحقق الرؤيا، ويدل على ذلك عدة أمور منها:

1 ـ أن يوسف عليه السلام لما قال {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} لم يقلها عليه السلام إلا بعد تحقق رؤياه (بمعنى أن الموقف هنا تحقق للرؤيا التي رآها) مع العلم أنه كانت هناك بوادر في تحقق رؤياه عندما عبر رؤيا السجينين ورؤيا الملك؛ فقد جاء أن يعقوب عليه السلام بشره بأنه سيكون معبرًا بحسب أقوال بعض المفسرين، لماذا لم يتذكر في هذا الموقف تعبير يعقوب عليه السلام وتبشيره؟ !

(1)

سورة يوسف الآيتان: (99، 100).

ص: 74

أيضًا في الآية الكريمة {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} لم يذكر تعبير الرؤيا التي رآها. أو أنه قال هذا تأويل رؤياي بعد تحقق كل التعبير بإجماله، أو أن المقصود ليس تعبير الرؤيا في تعليق يعقوب عليه السلام على رؤيا يوسف عليه السلام كما أوردنا في بحثنا هذا، ولعل الموقف لما رأى أباه كان أولى بأن يتذكر تعبير رؤياه والله أعلم.

2 ـ قوله تعالى في قصة يوسف: {قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} الإشارة هنا تدل على أن الرؤيا صارت حقيقة على أرض الواقع (وليس التعبير)، فنعود للشرح الأول، أن المقصود هنا هو تحقق للرؤيا والله أعلم، لذلك ذكر الإمام الطبري في الأقوال في تفسيرها قوله (هذا تحقيقها)

(1)

أي تحققًا لرؤياه عليه السلام على الواقع.

غير أن هناك مواقف كثيرة لم تذكر في تعبير يعقوب عليه السلام لرؤيا يوسف عليه السلام بتفاصيل واضحة ودقيقة، فلم يذكر في تفسيره أنه سيكون ملكًا ومسئولاً كبيرًا مثلاً، وأنه سوف يتعرض للفتن أو يسجن.

(1)

نقل الطبري في تفسيره: قال ابن زيد في تفسير قوله تعالى: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} هذا تحقيقها (8/ 204)، ..... بمعنى أنه ليس تعبيرها والله أعلم.

ص: 75

وكأن الموقف يحكي فصلاً من المحادثة التي كانت بين يوسف ويعقوب عليهما السلام أن هذا الحدث هو تحقق لرؤياي التي رأيتها قبل أربعين سنة.

وكان هذا أول ما لفت انتباهي (لماذا تعبير رؤيا يوسف عليه السلام كان مغايرًا) وبدأت أبحث في هذا الموضوع وكنت أفكر، يا ترى ما الخطب؟ وبدأت الأسئلة والأفكار تتزاحم في ذهني، وبدأت أقف وقفات المتأني لأتعرف على الأمور بدقائقها حسب استطاعتي وجهدي جهد المقل.

ص: 76