الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
يا بني لا تقصص رؤياك
! !
وبعد أن انتهينا من الوقوف على رموز رؤيا يوسف عليه السلام نعرج على نصيحةٍ مهمّةٍ قالها يعقوب عليه السلام لابنه، وتتمثل في قوله تعالى:{يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ}
(1)
، كانت تلك النصيحة في غاية الرحمة والشفقة والحكمة من يعقوب عليه السلام مخافة وقوع الضرر على يوسف عليه السلام أو الحسد الذي سوف يأتي بما بعده من حقدٍ عليه وأذية له
(2)
، مع العلم أيضا أن بداية هذه الآية دليل قاطع على جواز قص الرؤيا على من يحسن التعبير وتتوفر فيه شروط المعبر المحسن.
وفي الحقيقة هذه النصيحة ليست خاصة ليوسف عليه السلام فقط، بل هي نصيحة لكل من كان عنده رؤيا ويريد أن يتحدث عنها.
وإذا علمنا أن التحذير من الحسد في هذا الجانب جاء مع أول آية رؤيا في القرآن الكريم، وأنه كان أول ما أجاب عنه يعقوب عليه السلام فنصح وحذر.
وكل أمر يأتي في البداية له أهمية تفوق ما سواه، بل إنه عليه السلام لم يعبر الرؤيا ولكن نصح وحذر، ومن هذا الموقف يتضح لنا أهمية هذه النصيحة النبوية، وألا نقص الرؤيا على أي أحد، وبالأخص من كان فيه داء الحسد، حتى وإن كان بارعًا في باب التعبير.
(1)
سورة يوسف الآية (5).
(2)
انظر زاد المسير (4/ 180).
ولو بحثنا في الأحاديث النبوية الشريفة لوجدنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا كثيرًا من قص الرؤيا على أي أحد.
وميراثنا النبوي اهتم بهذا الجانب والتنبيه عليه:
فقال عليه السلام في الحديث الشريف: (لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح)
(1)
.
وفي حديث آخر: (ولا يَقُصُّهَا إِلا عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ)
(2)
.
وقال عليه السلام أيضًا: (فلا تحدث بها إلا عالمًا، أو ناصحًا، أو حبيبًا)
(3)
.
وقال: (وَلا يُحَدِّثُ بِهَا إِلا لَبِيبًا أَوْ حَبِيبًا)
(4)
.
فالرؤيا الحسنة يحسد عليها المرء؛ لأنها لا تكون لأي أحد، ولا تأتي لأي إنسان، فهي من الله يرسلها لمن يشاء من عباده، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله
…
)
(5)
، فدل الحديث على أنها من الله، وكأنها هبة وهدية لعباده، فعلى
(1)
رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح حديث رقم [2280].
(2)
أبو داود حديث رقم 5020، صححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع حديث رقم 3535.
(3)
صحيح ابن حبان برقم [6055].
(4)
رواه الترمذي حديث رقم [2278].
(5)
صحيح البخاري برقم [6985](9/ 30).
المرء أن يحافظ عليها وكأنها سر من أسراره، لا يخرجه إلا لأمين، فموضوع قص الرؤيا والتعامل معها موضوع في غاية الحساسية، والكثير يتهاون في أمر قص الرؤيا فيقصها على جاهل أو حاسد، وهذا خطأ كبير.
بل وحتى من يفسرون الرؤى يُحْسَدُون على ذلك؛ لأنهم أُعطوا ما لم يأخذه غيرهم، فالرؤيا وتفسيرها محاطة بالحسد فليتنبه لذلك.