المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[غضب المهدي على الوزير أبي عبيد الله] - تاريخ الإسلام - ت تدمري - جـ ١٠

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد العاشر (سنة 161- 170) ]

- ‌الطَّبَقَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ

- ‌سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ وَمَا جَرَى فِيهَا مِنْ كِبَارِ الْحَوَادِثِ

- ‌[ظُهُورُ عَطَاءٍ الْمُقَنَّعِ]

- ‌[ظَفَرُ نَصْرِ بْنِ الأَشْعَثِ بِابْنِ مَرْوَانَ الْحِمَارِ]

- ‌[تَجْيِيشُ الرُّومِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[عِمَارَةُ الْمَهْدِيِّ طَرِيقَ مَكَّةَ]

- ‌[نَكْبَةُ الْوَزِيرِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ]

- ‌[اسْتِعْمَالُ الْقُضَاةِ]

- ‌[اسْتِعْمَالُ الْعُمَّالِ]

- ‌[وزَارَةُ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ]

- ‌[الحج هذا الموسم]

- ‌سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ

- ‌[مَقْتَلُ عَبْدِ السَّلامِ الْيَشْكُرِيِّ]

- ‌[إِجْرَاءُ الأَمْوَالِ عَلَى الْمَجْذُومِينَ]

- ‌[وُصُولُ الرُّومِ إِلَى الْحَدَثِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْحَسَنِ بْنِ قَحْطَبَةَ فِي الرُّومِ]

- ‌[غَزْوَةُ قَالِيقَلا]

- ‌[وِلايَةُ الْيَمَنِ]

- ‌[وِلايَةُ مِصْرَ]

- ‌[ظُهُورُ الْمُحَمِّرَةِ]

- ‌سَنَةَ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ

- ‌[مَقْتَلُ الْمُقَنَّعِ]

- ‌[وِلايَةُ الْجَزِيرَةِ]

- ‌[قَتْلُ الزَّنَادِقَةِ]

- ‌[وِلايَةُ هَارُونَ]

- ‌[وِلايَةُ خُرَاسَانَ]

- ‌[الْحَجُّ هَذَا الْمَوْسِمَ] [4]

- ‌سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ

- ‌[غَزْوَةُ عَبْدِ الْكَبِيرِ إِلَى الْحَدَثِ]

- ‌[عَطَشُ الْحَجِيجِ]

- ‌[وِلايَةُ الْبَصْرَةِ وَفَارِسَ]

- ‌سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ

- ‌[غَزْوَةُ هَارُونَ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ]

- ‌سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ

- ‌[عَوْدَةُ هَارُونَ بِالْغَنَائِمِ]

- ‌[قَضَاءُ الْبَصْرَةِ]

- ‌[غضب المهدي على الوزير أبي عبيد الله]

- ‌[قَضَاءُ الْعَسْكَرِ]

- ‌[ضَرْبُ الْمَهْدِيِّ الدَّنَانِيرَ وَإِقَامةُ الْبَرِيدِ]

- ‌[قَتْلُ ابْنِ الْوَزِيرِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ]

- ‌سَنَةَ سَبْعٍ [1] وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ

- ‌[تَتَبُّعُ الزَّنَادِقَةِ]

- ‌[عَزْلُ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ الْوَزِيرِ]

- ‌[الطَّاعُونُ بِالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ]

- ‌[الزِّيَادَةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ]

- ‌[الْحَجُّ هَذَا الْمَوْسِمَ]

- ‌سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ

- ‌[نَقْضُ الرُّومِ لِلصُّلْحِ]

- ‌[تَجْهِيزُ الْحَرَشِيِّ إِلَى طَبَرِسْتَانَ]

- ‌[مَوْتُ عَرِّيفِ الزَّنَادِقَةِ]

- ‌[الْحَجُّ هَذَا الْمَوْسِمَ]

- ‌سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ

- ‌[مَوْتُ الْمَهْدِيِّ وَخِلافَةُ الْهَادِي]

- ‌[التَّشْدِيدُ فِي طَلَبِ الزَّنَادِقَةِ]

- ‌[وَقْعَةُ فَخٍّ]

- ‌[بَدْءُ الأُسْرَةِ الإِدْرِيسِيَّةِ بِالْمَغْرِبِ]

- ‌[بَعْضُ سِيرَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ]

- ‌[ثَوْرَةُ ابْنِ مُغَصَّبٍ بِصَعِيدِ مِصْرَ]

- ‌[الْعُمَّالُ عَلَى الأَمْصَارِ]

- ‌سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ

- ‌[مَوَالِيدُ هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[وَفَاةُ الْخَلِيفَةِ الْهَادِي]

- ‌رِجَالُ هَذِهِ الطَّبَقَةِ مُرَتَّبُونَ عَلَى الْحُرُوفِ

- ‌[حَرْفُ الأَلِفِ]

- ‌[حرف الْبَاءِ]

- ‌[حرف الثاء]

- ‌[حرف الْجِيمِ]

- ‌[حرف الْحَاءِ]

- ‌[حرف الْخَاءِ]

- ‌[حرف الدَّالِ]

- ‌[حرف الراء]

- ‌[حرف الزَّايِ]

- ‌[حرف السين]

- ‌[حرف الشين]

- ‌[حرف الصَّادِ]

- ‌[حرف الضَّادِ]

- ‌[حرف الطَّاءِ]

- ‌[حرف الْعَيْنِ]

- ‌[حرف الْغَيْنِ]

- ‌[حَرْفُ الْفَاءِ]

- ‌[حرف الْقَافِ]

- ‌[حرف الْكَافِ]

- ‌[حرف الْمِيمِ]

- ‌[حَرْفُ النُّونِ]

- ‌[حرف الْهَاءِ]

- ‌[حَرْفُ الْوَاوِ]

- ‌[حرف الْيَاءِ]

- ‌الْكُنَى

الفصل: ‌[غضب المهدي على الوزير أبي عبيد الله]

[قَضَاءُ الْبَصْرَةِ]

وَفِيهَا عُزِلَ عَنْ قَضَاءِ الْبَصْرَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ وَوَلِيَهَا خَالِدُ بْنُ طَلِيقِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَلَمْ يُحْمَدْ [1] .

[غضب المهدي على الوزير أبي عبيد الله]

وَفِيهَا غَضِبَ الْمَهْدِيُّ عَلَى الْوَزِيرِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ طَهْمَانَ، وَكَانَ وَالِدُهُ دَاوُدُ كَاتِبًا لِنَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ، فَلَمَّا كانت أيّام خروج يَحْيَى بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ كَانَ دَاوُدُ يُنَاصِحُهُ سِرًّا، فَلَمَّا ظَهَرَ أَبُو مُسْلِمٍ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ وطلب بدم يحيى بن زيد وَتَتَبَّعَ قَتَلَتَهُ، كَانَ دَاوُدُ هَذَا مُطْمَئِنًّا، فَصَادَرَهُ أَبُو مُسْلِمٍ ثُمَّ أَمَّنَهُ، فَخَرَجَ أَوْلادُهُ أُدَبَاءَ فُضَلاءَ، وَلَمْ يَرَوْا لَهُمْ مَنْزِلَةً عِنْدَ بَنِي الْعَبَّاسِ وَهَلَكَ أَبُوهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَظْهَرُوا مَقَالَةَ الزَّيْدِيَّةِ، وَانْضَمُّوا إِلَى آلِ حَسَنٍ، وَتَرَجَّوْا أَنْ يَقُومَ لَهُمْ دَوْلَةٌ [2] .

وَكَانَ يَعْقُوبُ بْنُ دَاوُدَ يَجُولُ فِي الْبِلادِ، وَكَتَبَ أَخُوهُ عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ وَقْتَ ظُهُورِهِ، فَلَمَّا قُتِلَ إِبْرَاهِيمُ اخْتَفَوْا مُدَّةً، ثُمَّ ظَفِرَ الْمَنْصُورُ بِهَذَيْنِ الأَخَوَيْنِ، فَحَبَسَهُمَا حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِمَا الْمَهْدِيُّ، وَكَانَ مَعَهُمَا فِي الْمُطَبَّقِ إِسْحَاقُ بْنُ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيُّ، وَكَانَا يَلْزَمَانِهِ، وَبَقِيَ الْمَهْدِيُّ مُدَّةً يَتَطَلَّبُ عِيسَى بْنَ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَدُلَّ عَلَى أَنَّ يَعْقُوبَ بْنَ دَاوُدَ تَحَصَّلَ لَهُ حَسَنًا، فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ وَعِمَامَةُ قُطْنٍ، فَفَاتَحَهُ فَوَجَدَهُ رَجُلا كَامِلا بَارِعًا، فَسَأَلَهُ عَنْ عِيسَى، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ وَعَدَهُ بِأَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَعَظَّمَهُ الْمَهْدِيُّ وَاخْتَصَّ بِهِ، فَلَمْ يَزَلْ أَمْرُهُ يَرْتَفِعُ لَدَيْهِ حَتَّى اسْتَوْزَرَهُ، وَفَوَّضَ إِلَيْهِ الأُمُورَ وَتَمَكَّنَ، فَوَلَّى الزَّيْدِيَّةَ الْمَنَاصِبَ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ:

بَنِي أُمَيَّةَ هُبُّوا طَالَ نَوْمُكُمُ

إِنَّ الْخَلِيفَةَ يعقوب بن داود

[1] تاريخ الطبري 8/ 154، الكامل في التاريخ 6/ 69، تاريخ ابن خلدون 3/ 212.

[2]

تاريخ الطبري 8/ 154، 155، الكامل في التاريخ 6/ 69، 70.

ص: 21

ضَاعَتْ خِلافَتُكُمْ يَا قَوْمِ فَاطَّلِبُوا [1]

خَلِيفَةَ اللَّهِ بين الدّن [2] وَالْعُودِ [3]

ثُمَّ إِنَّ مَوَالِيَ الْمَهْدِيِّ حَسَدُوا يَعْقُوبَ وَسَعَوْا بِهِ [4] .

وَمِمَّا حَظِيَ بِهِ يَعْقُوبُ عِنْدَ الْمَهْدِيِّ أَنَّهُ أَحْضَرَ لَهُ الْحَسَنَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِمَكَّةَ، وَدَخَلَ فِي الطَّاعَةِ، فَاسْتَوْحَشَ أَقَارِبُ حَسَنٍ مِنْ صنيع يعقوب، فعلم أنّه إن كانت لَهُمْ دَوْلَةٌ لَمْ يُبْقُوهُ، وَعَلِمَ أَنَّ الْمَهْدِيَّ لا يُنظِرُهُ لِكَثْرَةِ السُّعَاةِ فِي شَأْنِهِ، فَمَالَ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ، وَأَقْبَلَ يُرَبِّصُ لَهُ الأُمُورَ، وَسَعَوْا إِلَى الْمَهْدِيِّ حَتَّى قَالُوا: الْبِلادُ فِي قَبْضَةِ يَعْقُوبَ وَأَصْحَابِهِ، إِنَّمَا يَكْفِيهِ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِمْ فَيَثُورُوا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَلَى مِيعَادٍ، فَيَمْلُكُوا الدُّنْيَا، وَيُسْتَخْلَفُ إِسْحَاقُ بْنُ الْفَضْلِ، فَمَلأَ هَذَا الْقَوْلُ مَسَامِعَ الْمَهْدِيِّ [5] .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيُّ: فَذَكَرَ لِي بَعْضُ [6] خَدَمِ الْمَهْدِيِّ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا عَلَى رَأْسِ الْمَهْدِيِّ، إِذْ دَخَلَ يَعْقُوبُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَرَفْتَ اضْطِرَابِ مِصْرَ، وَأَمَرْتَنِي أَنْ أَلْتَمِسَ لَهَا رَجُلا، وَقَدْ أَصَبْتُهُ، قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟

قَالَ: عَمُّكَ إِسْحَاقُ بْنُ الْفَضْلِ، فَتَغَيَّرَ الْمَهْدِيُّ، وَرَأَى يَعْقُوبُ تَغَيُّرَهُ، فَقَامَ وَخَرَجَ، وَأَتْبَعَهُ الْمَهْدِيُّ بَصَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَتَلَنِي اللَّهُ إِنْ لم أقتلك، ثم رفع رأسه وقال لي: أكتم ويلك هذا [7] .

[1] في الكامل «فالتمسوا» .

[2]

في الكامل ونهاية الأرب: «الناي» ، وفي الأصل:«الذل» ، وفي البداية والنهاية «الخمر» .

[3]

البيتان في: تاريخ الطبري 8/ 156، والكامل في التاريخ 6/ 70، والبداية والنهاية 10/ 147، وقد ورد البيتان على هذا النحو في: الإنباء في تاريخ الخلفاء 71:

يا قوم لا تطلبوا يوما خليفتكم

إِنَّ الْخَلِيفَةَ يَعْقُوبُ بْنُ دَاوُدَ

ضَاعَتْ خِلافَتُكُمْ يا قوم فالتمسوا

خليفة الله بين الناي والعود

[4]

تاريخ الطبري 8/ 155، 156، الكامل في التاريخ 6/ 69، 70، البداية والنهاية 10/ 147، 148، نهاية الأرب 22/ 116، والمختصر في أخبار البشر 2/ 10.

[5]

تاريخ الطبري 8/ 156، الكامل في التاريخ 6/ 70، وفي الأصل زيادة بعد «المهدي» : وقف شعره.

[6]

في الأصل «فذكر لي أن بعض» .

[7]

تاريخ الطبري 8/ 156.

ص: 22

وَقِيلَ: كَانَ يَعْقُوبُ قَدْ عَرَفَ مِنَ [1] الْمَهْدِيِّ خُلُقَهُ وَنُهْمَتَهُ فِي النِّسَاءِ وَالْجِمَاعِ، وَكَانَ يُبَاسِطُهُ فِي ذَلِكَ، فَذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ الْمَهْدِيُّ فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ فِي مَجْلِسٍ مَفْرُوشٍ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَبُسْتَانٍ فِيهِ أَنْوَاعُ الأَزْهَارِ، وَإِذَا عِنْدَهُ جَارِيَةٌ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهَا، فَقَالَ:

كَيْفَ تَرَى؟ قُلْتُ: مَتَّعَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَمْ أر كاليوم، فقال: هو لك، خذ الْمَجْلِسَ بِمَا فِيهِ وَالْجَارِيَةَ. فَدَعَوْتُ لَهُ ثُمَّ قَالَ: وَلِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ. قُلْتُ:

الأَمْرُ لَكَ، فَحَلَّفَنِي باللَّه، فَحَلَفْتُ لَهُ، فَقَالَ: ضَعْ يَدَكَ عَلَى رَأْسِي وَاحْلِفْ.

فَفَعَلْتُ، فَقَالَ: هَذَا فُلانٌ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تُرِيحَنِي مِنْهُ وَتُسْرِعُ، قُلْتُ: أَفْعَلُ. قَالَ: فَحَوَّلْتُهُ إِلَيْهِ وَحَوَّلْتُ الْجَارِيَةَ وَالْمَفَارِشَ، وَأَمَرَ لِي بِمِائَةِ أَلْفٍ.

فَمَضَيْتُ بِالْجَمِيعِ، فَلِشِدَّةِ سُرُورِي بِالْجَارِيَةِ تَرَكْتُهَا عِنْدِي فِي الْمَجْلِسِ، وَأَدْخَلْتُ عَلِيَّ الْعَلَوِيَّ، فَأَخْبَرَنِي بِجُمَلٍ مِنْ حَالِهِ، فَإِذَا أَلَبُّ النَّاسِ وَأَحْسَنُهُمْ إِبَانَةً، وَقَالَ لِي: وَيْحُكَ، تَلْقَى اللَّهَ غَدًا بِدَمِي، وَأَنَا ابْنُ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: فَهَلْ فِيكَ خَيْرٌ؟، قَالَ: إِنْ فَعَلْتَ بِي خَيْرًا شَكَرْتُ، ذَلِكَ عِنْدِي دعاء واستغفارا، قُلْتُ: فَأَيُّ الطَّرِيقِ تُحِبُّ؟ ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ مَالا، وَهَيَّأْتُ مَعَهُ مَنْ يُوصِلُهُ فِي اللَّيْلِ، فَإِذَا الْجَارِيَةُ قَدْ حَفِظَتْ عَلَيَّ قَوْلِي، فَبَعَثَتْ بِهِ إِلَى الْمَهْدِيِّ، فَشَحَنَ تِلْكَ الطَّرِيقَ بِرِجَالٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءُوهُ بِالْعَلَوِيِّ.

قَالَ: فَلَمَّا طَلَعَ النَّهَارُ طَلَبَنِي الْمَهْدِيُّ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَأَحْضَرَ الْعَلَوِيَّ وَالْمَالَ، بَعْدَ أَنْ كَانَ حَلَّفَنِي أَنَّنِي قَتَلْتُهُ، فَحَلَفْتُ، قَالَ: فأُسْقِطَ فِي يَدِي، فَقَالَ لِي: قَدْ حَلَّ دَمُكَ، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي الْمُطْبَقِ دَهْرًا، وَأُصِبْتُ بِبَصَرِي، وَطَالَ شَعْرِي حَتَّى اسْتَرْسَلَ، قَالَ: فَإِنِّي لَكَذَلِكَ، إِذْ دُعِيَ لِي، فَمَضَوْا بِي إِلَى مَوْضِعٍ، فَقِيلَ: سَلِّمْ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ- وَقَدْ عَمِيتُ- فَسَلَّمْتُ، فَقَالَ لِي: أَيُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا؟ قُلْتُ: الْمَهْدِيُّ، قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْمَهْدِيَّ. قُلْتُ:

فَالْهَادِي، قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْهَادِي. قُلْتُ: فَالرَّشِيدُ، قَالَ: نَعَمْ، سَلْ حَاجَتَكَ، قُلْتُ: الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ، قَالَ: نَفْعَلُ، فَهَلْ غَيْرُ هذا؟ قلت: ما بقي في

ص: 23

مُسْتَمْتَعٌ لِشَيْءٍ وَلا بَلاغَ، قَالَ: فَرَاشِدًا. فَخَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ ابْنُهُ: فَلَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ بِهَا حَتَّى مَاتَ [1] .

قُلْتُ: مَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ.

وَعَنْ يَعْقُوبَ الْوَزِيرِ قَالَ: كَانَ الْمَهْدِيُّ لا يُحِبُّ النَّبِيذَ، لَكِنْ يَتَفَرَّجُ عَلَى غِلْمَانِهِ وَهُمْ يَشْرَبُونَ، فَأَعِظُهُ فِي سَقْيِهِمُ النَّبِيذَ وَفِي الطَّرَبِ وَأَقُولُ: مَا عَلَى ذَا اسْتَوْزَرْتَنِي، أَبَعْدَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْجَامِعِ يُشْرَبُ النَّبِيذُ عِنْدَكَ وَتَسْمَعُ السَّمَاعَ؟! فَكَانَ يَقُولُ: قَدْ سَمِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، فَأَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ [2] .

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ: كَانَ أَبِي قَدْ أَلَحَّ عَلَى الْمَهْدِيِّ فِي حَسْمِهِ عَنِ السَّمَاعِ حَتَّى ضَيَّقَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي قَدْ ضَجِرَ مِنَ الْوَزَارَةِ وَتَابَ وَنَوَى التَّرْكَ، قَالَ: فَكُنْتُ أَقُولُ لِلْمَهْدِيِّ: وَاللَّهِ لَخَمرٌ أَشْرَبُهُ وَأَتُوبُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْوَزَارَةِ، وَإِنِّي لأَرْكَبُ إِلَيْكَ، فَأَتَمَنَّى يَدًا خَاطِئَةً تُصِيبُنِي، فَاعْفِنِي وَوَلِّ مَنْ شِئْتَ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أسلّم عليك أنا وولدي، فما أتفرّغ [3] ، وَلَّيْتَنِي أُمُورَ النَّاسِ وَإِعْطَاءَ الْجُنْدِ، وَلَيْسَ دُنْيَايَ عِوَضًا عَنْ آخِرَتِي.

وَقَالَ: فَكَانَ يَقُولُ: اللَّهمّ غُفْرًا، اللَّهمّ أَصْلِحْ قَلْبَهُ.

وَقَالَ قَائِلٌ:

فَدَعْ عَنْكَ يَعْقُوبَ بْنَ دَاوُدَ جَانِبًا

وَأَقْبِلْ عَلَى صَهْبَاءَ طَيِّبَةِ النَّشْرِ [4]

وَلَمَّا حَبَسَهُ الْمَهْدِيُّ عَزَلَ أصحابه، وسجن أهل بيته [5] .

[1] تفاصيل الخبر في تاريخ الطبري 8/ 157- 160، والكامل في التاريخ 6/ 71، 72، والبداية والنهاية 10/ 148، وتاريخ ابن خلدون 3/ 211.

[2]

تاريخ الطبري 8/ 160.

[3]

العبارة في تاريخ الطبري: «وو الله إنّي لأتفزّع في النوم» .

[4]

تاريخ الطبري 8/ 160، الكامل في التاريخ 6/ 73، البداية والنهاية 10/ 149.

[5]

تاريخ الطبري 8/ 161.

ص: 24