الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها مرض الحَسَن بْن سهل مرضًا شديدًا، وأعقبه السوداء، وتغير عقله حتّى رُبِط وحُبِس. وكتب قُوّاده بذلك إلى المأمون، فأتاهم الخبر أنّ يكون عَلَى عسكره دينار بْن عَبْد اللَّه، وها أَنَا قادم إليكم [1] .
[الخلاف بين ابن المهديّ وعيسى بْن محمد]
وأما عيسى بْن محمد بْن أَبِي خَالِد فشرع بمكاتبة حُمَيْد، والحَسَن بْن سهل سرًا. وبقي إبراهيم بْن المهديّ كلّما لحّ عَلَيْهِ في الخروج إلى المدائن لقتال حُمَيْد يعتل عَلَيْهِ بأرزاق الْجُنْد مرة، وحتى يستغلوا مرة. حتّى إذا توثق بما يريد ممّا بينه وبين حُمَيْد والحسن فارقهم، وكان قد ناوشهم بعض القتال في الصورة، ثمّ وعدهم أنّ يسلم إليهم إبراهيم بْن المهديّ. فلمّا وصل بغداد قَالَ للناس: إني قد سالمت حميدًا وضمنت لَهُ أنّ لا أدخل عمله ولا يدخل عملي.
ثم خندق عَلَى باب الجسر وباب الشام. فبلغ إبراهيم ما هُوَ فيه فحذر [2] .
وقيل: إنّ الّذي نم إِلَيْهِ هارون أخو عيسى، فطلبه إبراهيم، فاعتل عَلَيْهِ عيسى. ثمّ ألح عَلَيْهِ في المجيء، فأتاه، فحبسه بعد معاتبةٍ بينهما، وبعد أنّ ضربه وحبس [3] معه عدة من قواده في آخر شوّال. فمضى بقية أصحابه ومواليه بعضهم إلى بعض، وحرضوا إخوته عَلَى إبراهيم بْن المهديّ، فتجمعوا، وكان رأسهم عَبَّاس نائب عيسى، فطردوا كل عاملٍ لإبراهيم في الكرخ وغيره. ثمّ كثروا عَلَى عامل باب الجسر وطردوه. فدخل إلى إبراهيم وقطع الجسر. ثمّ ظهر الأوباش والشطار [4] .
وكتب عيسى إلى حُمَيْد يحثه عَلَى المجيء ليتسلم بغداد. ولم يصلوا جمعة بل ظهرًا. فقدم حُمَيْد وخرج للقيه عبّاس وقوّاد أهل بغداد، فوعدهم
[1] الطبري 8/ 568، 569، العيون والحدائق 3/ 357، النجوم الزاهرة 2/ 174.
[2]
تاريخ الطبري 8/ 569، الكامل في التاريخ 6/ 351، 352.
[3]
حتى هنا من «تاريخ الإسلام» للمؤلّف، والآتي من «المنتقى» لابن الملّا، لوجود خرم في نسخة الأصل للمؤلف.
[4]
تاريخ الطبري 8/ 569، 570، العيون والحدائق 3/ 357، الكامل في التاريخ 6/ 352، البداية والنهاية 10/ 249.
ومناهم وأن ينجز لهم العطاء عَلَى أنّ يصلوا الجمعة فيدعون للمأمون، ويخلعوا إبراهيم، فأجابوه.
فبلغ إبراهيم بْن المهديّ الخبرٌ، فأخرج عيسى من الحبْس، وسأله أنّ يكفيه أمر حُمَيْد، فأبى عَلَيْهِ.
فلمّا كَانَ يوم الجمعة بعث عَبَّاس إلى محمد بْن أَبِي رجاء الفقيه فصلّى بالناس ودعا للمأمون، ووصل حُمَيْد إلى الياسريّة [1] ، فعرض بعض الْجُنْد وأعطاهم الخمسين درهمًا التي وعدهم بها، فسألوه أنّ ينقصهم عشرة عشرة لأنهم تشاءموا لما أعطاهم عليّ بْن هشام خمسين خمسين، فغدرهم وقطع العطاء عَنْهُمْ. فقال حميد: بل أزيدكم عشرة عشرة وأعطيكم ستين.
فدعا إبراهيم عيسى، وسأله أيضًا أنّ يقابل حميدًا فأجابه، فخلى سبيله وضمن عَلَيْهِ. فكلَّم عيسى الْجُنْد أنّ يُعطيهم كعطاء حُمَيْد فأَبَوْا عَلَيْهِ. فعبر إليهم هُوَ وإخوته إلى الجانب الغربيّ وقال: أزيدكم عَنْ عطاء حميد. فسبّوه، وقالوا:
لا نريد إبراهيم.
فدخل عيسى وأصحابه المدينة وأغلقوا الأبواب، وصعدوا السور وقاتلوا ساعة. ثمّ انصرفوا إلى ناحية باب خراسان، فركبوا في السفن.
وردّ عيسى كأنه يريد مقاتلتهم، ثمّ احتال حتّى صار في أيديهم شبه الأسير، فأخذ بعض قواده فأتى بِهِ منزله، ورجع فرقة إلى إبراهيم فأخبروه بأسر عيسى، فاغتمّ.
وكان قد ظفر في هذه الليالي بالمُطَّلِب بْن عَبْد اللَّه وحبسه ثلاثة أيّام، ثمّ إنّه خلّى عَنْهُ [2] .
وكان النّاس يذكرون أنّ إبراهيم قد قتل سهل بْن سلامة المطَّوِّعيّ، وإنّما هُوَ في حبسه. فأخرجه إبراهيم، فكان يدعو النّاس في مسجد الرّصافة إلى
[1] الياسريّة: قرية كبيرة على ضفّة نهر عيسى، بينهما وبين بغداد ميلان. منسوبة إلى رجل اسمه ياسر. (معجم البلدان 5/ 425) .
[2]
تاريخ الطبري 8/ 570، 571، الكامل في التاريخ 6/ 353، 354.