الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ
فِيهَا مَاتَ أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَحَيَّوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ المصري، وسعيد ابن عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ الله بن محمد المنصور، وعبد الله ابن عَيَّاشٍ الأَخْبَارِيُّ الْمَشْهُورُ بِالْمَنْتُوفِ، وَجُبَيْرٌ الْقَصَّابُ، وَحَاجِبُ ابن عُمَرَ، وَزُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ الْفَقِيهُ، وَعَوَانَةُ بْنُ الْحَكَمِ أَخْبَارِيٌّ عَلامَةٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مَبْرُورٍ الأَيْلِيُّ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَمَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ الْكُوفِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ قَاضِي الأَنْدَلُسِ.
وَفِيهَا وَجَّهَ الْمَنْصُورُ وَلَدَهُ إِلَى الرِّقَّةِ، فَعَزَلَ مُوسَى بْنَ كَعْبٍ عَنِ الْجَزِيرَةِ، وَوَلِيَهَا يَحْيَى بْنُ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكٍ، فَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: كَانَ الْمَنْصُورُ قَدْ أَلْزَمَ خَالِدَ بْنَ بَرْمَكٍ بِثَلاثَةِ آلافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ نَذْرَ [1] دَمِهِ، وَأَجَّلَهُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَقَالَ خَالِدٌ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ قَدْ تَرَى مَا حَلَّ بِنَا فَانْصَرِفْ إِلَى أَهْلِكِ، فَمَا كُنْتَ فَاعِلا بِهِمْ بَعْدَ مَوْتِي فَافْعَلْ، وَالْقَ إِخْوَانَنَا، وَمُرْ بِعُمَارَةَ بْنِ حَمْزَةَ، وَصَالِحٍ صَاحِبِ الْمُصَلَّى، وَمُبَارَكٍ التُّرْكِيِّ، فأعلمهم حالنا.
قال ابن عطية: فَحَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ: أَتَيْتُهُمْ فَمِنْهُمْ من تجهّمني وأرسل
[1] في الأصل «ندر» ، وفي نسخة القدسي «هدر» 6/ 193 نقلا عن البداية والنهاية 10/ 121، والتصحيح عن الطبري 8/ 54.
الْمَالَ سِرًّا، وَاسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَارَةَ، فَدَخَلْتُ وَسَلَّمْتُ، فَرَدَّ رَدًّا ضَعِيفًا وَقَالَ:
كَيْفَ أَبُوكَ؟ قُلْتُ: بِخَيْرٍ، يَسْتَسِلْفُكَ لِمَا نَزَلَ بِهِ، فَسَكَتَ، فَضَاقَ بِي مَوْضِعِي وَلَعَنْتُهُ عَلَى تِيهِهِ وَكِبْرِهِ، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ بَعَثَ عُمَارَةُ مَعَ رَسُولِهِ مِائَةَ أَلْفٍ، وَجَمَعْنَا فِي يَوْمَيْنِ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَسَبْعَمِائَةِ ألف.
فو الله إِنِّي لَعَلَى الْجِسْرِ مَارًّا وَأَنَا مَهْمُومٌ، إِذْ وَثَبَ إِلَيَّ زَاجِرٌ فَقَالَ فَرْخُ [1] الطَّائِرِ أَخْبَرَكَ، فَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَتَعَلَّقَ بِاللِّجَامِ، فَقَالَ: أَنْتَ وَاللَّهِ مَهْمُومٌ، وَلَيُفَرِّجَنَّ اللَّهُ هَمَّكَ وَلَتَمُرَّنَ غَدًا هُنَا وَاللِّوَاءُ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَأَقْبَلْتُ أَعْجَبُ مِنْهُ، فَقَالَ: فَإِنْ تَمَّ ذَلِكَ فَلِي خَمْسَةُ آلافِ دِرْهَمٍ، قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَضَيْتُ، فورد على المنصور انتقاض الموصل، وانتشار الأكراد بها، فقال: من لها؟ فقال له المسيب بن زهير- كان صديقنا-: عندي يا أمير المؤمنين رأي، إنك لا تَنْتَصِحُهُ وَسَتَلْقَانِي بِرَدِّهِ، قَالَ: قُلْ فَلَسْتُ أَسْتَغِشُّكَ، قَالَ: مَا رَمَيْتَهَا بِمِثْلِ خَالِدِ بْنِ برمك، قال: ويحك! ويصلح لنا بعد ما أَتَيْنَا إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ، فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ، وَصَفَحَ عَنِ الثَّلاثِمِائَةِ أَلْفٍ الْبَاقِيَةِ، وَعَقَدَ لَهُ، وَأَعْطَيْتُ الزَّاجِرَ خَمْسَةَ آلافٍ، وَأَمَرَنِي أَبِي بِحَمْلِ الْمَالِ وَهِيَ مِائَةُ أَلْفٍ إِلَى عُمَارَةَ، فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى هَيْئَةٍ مِنَ الْبَأْوِ وَالْكِبْرِ، فَسَلَّمْتُ، فَمَا رَدَّ، بَلْ قَالَ: كَيْفَ أَبُوكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، وَذَكَرْتُ لَهُ رَدَّ الْمَالِ، فَاسْتَوَى جَالِسًا، ثُمَّ قَالَ: أَكُنْتُ صَيْرَفِيًّا لِأَبِيكَ يَأْخُذُ مِنِّي إِذَا شَاءَ وَيَرُدُّ إِذَا شَاءَ، قُمْ عَنِّي لا قُمْتَ! فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي فَأَعْلَمْتُهُ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ إِنَّهُ عُمَارَةُ، وَمَنْ لا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ.
وَعَنْ بَعْضِ الْمَوَاصِلَةِ قَالَ: مَا هِبْنَا أَمِيرًا قَطُّ مَا هِبْنَا خَالِدَ بْنَ برمك.
واستعمل المهدي على أذربيجان يَحْيَى بن خَالِد بن برمك، واتصلت وِلايَتُهُ بِوِلايَةِ أَبِيهِ، وَكَانَ الْمَنْصُورُ يَقُولُ: وُلِدَ النَّاسُ أبناء وولد خالد أبا.
[1] في نسخة القدسي 6/ 163 «فرج» ، والتصحيح عن الطبري 8/ 54، وابن الأثير 6/ 16.
وَفِيهَا نَزَلَ الْمَنْصُورُ قَصْرَهُ الْخُلْدَ، وَسَخِطَ عَلَى صاحب شرطته المسيّب ابن زُهَيْرٍ وَقَيَّدَهُ وَسَجَنَهُ لِكَوْنِهِ قَتَلَ أَبَانَ بْنَ بِشْرٍ الْكَاتِبَ تَحْتَ السِّيَاطِ، ثُمَّ شَفَعَ الْمَهْدِيُّ فِيهِ فَرُدَّ إِلَى مَنْصِبِهِ.
وَفِيهَا سَقَطَ الْمَنْصُورُ عَنْ فَرَسِهِ، فَشُجَّ بَيْنَ حَاجِبَيْهِ.
وَفِيهَا أَمَرَ الْمَنْصُورُ نَائِبَ مَكَّةَ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيَّ بِحَبْسِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَعَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ، فَحَبَسَهُمَا، وكان يسامرهما خُفْيَةً، ثُمَّ أهَمَّهُ أَمْرُهُمَا، وَخَافَ أَنْ يَحُجَّ الْمَنْصُورُ فَيَقْتُلُهُمَا، فَنَفَّذَ رَاحِلَةً وَذَهَبًا فِي السِّرِّ إِلَى عَبَّادِ وَسُفْيَانَ، وَإِلَى شَخْصٍ عَلَوِيٍّ لِيَهْرَبُوا أَوْ يَخْتَفُوا. وَقَدِمَ الْمَنْصُورُ بِآخِرِ رَمَقٍ، فَمَاتَ وَوَقَى اللَّهُ شَرَّهُ، تَمَرَّضَ فِي أَثْنَاءِ الدَّرْبِ وَحَمِيَ مِزَاجُهُ، وَكَتَمَ الرَّبِيعُ الْحَاجِبُ مَوْتَهُ، وَمَنَعَ النِّسَاءَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَمَعَ الأُمَرَاءَ وَأَخَذَ الْبَيْعَةَ لِلْمَهْدِيِّ.
وَأَقَامَ الْمَوْسِمَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يحيى بن محمد العباسي ابن أَخِي الْمَنْصُورِ، وَهُوَ شَابٌّ أَمْرَدُ.
وَفِيهَا مَاتَ طَاغِيَةُ الرُّومِ لَعَنَهُ اللَّهُ.