المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة أربع وأربعين ومائة - تاريخ الإسلام - ت تدمري - جـ ٩

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد التاسع (سنة 141- 160) ]

- ‌الطَّبَقَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ

- ‌سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

- ‌بِنَاءُ بَغْدَادَ

- ‌سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ

- ‌تَرَاجِمُ أَهْلِ هَذِهِ الطَّبَقَةِ عَلَى الْحُرُوفِ

- ‌حَرْفُ الألف

- ‌[حرف الْبَاءِ]

- ‌[حرف التَّاءِ]

- ‌[حرف الثَّاءِ]

- ‌[حرف الْجِيمِ]

- ‌[حرف الحاء]

- ‌[حرف الْخَاءِ]

- ‌[حرف الدَّالِ]

- ‌[حرف الرَّاءِ]

- ‌[حرف الزَّايِ]

- ‌[حرف السين]

- ‌[حرف الشين]

- ‌[حرف الصَّادِ]

- ‌[حرف الضَّادِ]

- ‌[حرف الطَّاءِ]

- ‌[حرف الْعَيْنِ]

- ‌[حَرْفُ الْغَيْنِ]

- ‌[حرف الفاء]

- ‌[حرف القاف]

- ‌[حرف الْكَافِ]

- ‌[حرف اللامِ]

- ‌[حرف الْمِيمِ]

- ‌[حرف النُّونِ]

- ‌[حرف الْهَاءِ]

- ‌[حرف الْوَاوِ]

- ‌[حرف الياء]

- ‌[الْكُنَى]

- ‌الطَّبَقَةُ السَّادِسَةُ عَشْرَةَ

- ‌سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ ثَلاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَةٍ

- ‌تَرَاجِمُ أَهْلِ هَذِهِ الطَّبَقَةِ عَلَى الْحُرُوفِ

- ‌[حَرْفُ الأَلِفِ]

- ‌[حرف الْجِيمِ]

- ‌[حرف الحاء]

- ‌[حرف الزاي]

- ‌[حرف السِّينِ]

- ‌[حرف الشين]

- ‌فصل هَؤُلاءِ الرواة عَن شعبة

- ‌[حرف الصاد]

- ‌[حرف الضاد]

- ‌[حرف الطاء]

- ‌[حرف العين]

- ‌[حرف الغين]

- ‌[حرف الفاء]

- ‌[حرف القاف]

- ‌[حرف الكاف]

- ‌[حرف اللام]

- ‌[حرف الميم]

- ‌[حرف النون]

- ‌[حرف الهاء]

- ‌[حرف الواو]

- ‌[حرف الياء]

- ‌الكنى

الفصل: ‌سنة أربع وأربعين ومائة

‌سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

فِيهَا تُوُفِّيَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ أَحَدُ الضُّعَفَاءِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ فِي قَوْلٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِلَسْطِينِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ الْحَرَّانِيُّ، وَسَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ. وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ فِي قَوْلٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ فِي قَوْلٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ الْمَدَنِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُبْرُمَةَ الْفَقِيهُ. وَعُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ الأَيْلِيُّ. وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ السَّمْحِ الْفَقِيهُ بِمِصْرَ. وَعَمْرُو ابن عُبَيْدٍ فِي قَوْلٍ. ومجالد بن سَعِيد. وَهِلالُ بْنُ حُبَابٍ. وَوَاصِلُ بْنُ السَّائِبِ الرَّقَاشِيُّ. وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الدِّمَشْقِيُّ.

وَفِيهَا غَزَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّفَّاحِ الدَّيْلَمَ بِجَيْشِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَوَاسِطَ وَالْجَزِيرَةِ.

وَفِيهَا قَدِمَ الْمَهْدِيُّ مِنْ خُرَاسَانَ فَدَخَلَ بِابْنَةِ عَمِّهِ رَيْطَةَ بِنْتِ السَّفَّاحِ.

وَفِيهَا حَجَّ الْمَنْصُورُ وَخَلَفَ عَلَى الْعَسَاكِرِ خَازِمُ بْنُ خُزَيْمَةَ فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ رِيَاحَ بْنَ عُثْمَانَ الْمُرِّيَّ وَعَزَلَ مُحَمَّدًا الْقَسْرِيَّ.

وَكَانَ الْمَنْصُورُ قَدْ أَهَمَّهُ شَأْنُ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حسن بن الحسن

ص: 14

ابن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِتَخَلُّفِهِمَا عَنِ الْحُضُورِ عِنْدَهُ مَعَ الأَشْرَافِ، فَقِيلَ إِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ أَنَّ الْمَنْصُورَ لَمَّا حَجَّ فِي حَيَاةِ أَخِيهِ السَّفَّاحِ كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ لَهُ لَيْلَةَ اشْتَوَرَ بَنُو هَاشِمٍ بِمَكَّةَ فِيمَنْ يَعْقِدُونَ لَهُ الْخِلافَةَ حِينَ اضْطَرَبَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ فَسَأَلَ الْمَنْصُورُ زِيَادًا مُتَوَلِّي الْمَدِينَةَ عَنِ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ. فَقَالَ: مَا يَهِمُّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْرِهِمَا أَنَا آتِيكَ بِهِمَا، فَضَمَّنَهُ إِيَّاهُمَا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاثِينَ وَمِائَةٍ [1] .

قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ الْمَنْصُورُ لَمْ يَكُنْ هَمُّهُ إِلا طَلَبَ مُحَمَّدٍ وَالْمَسْأَلَةَ عَنْهُ بكل طريق، فدعا بني هَاشِمٍ وَاحِدًا وَاحِدًا كُلُّهُمْ يُخْلِيهِ وَيَسْأَلُهُ عَنْهُ فَيَقُولُونَ:

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمَ أَنَّكَ قَدْ عَرَفْتَهُ بِطَلَبِ هَذَا الشَّأْنِ قَبْلَ الْيَوْمِ فَهُوَ يَخَافُكَ وَهُوَ الآنَ لا يُرِيدُ لَكَ خِلافًا وَلا مَعْصِيَةً. وَأَمَّا حَسَنُ بْنُ زَيْدٍ فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِهِ وَقَالَ: لا آمَنُ أَنْ يَخْرُجَ. فَذَكَرَ يَحْيَى الْبَرْمَكِيُّ أَنَّ الْمَنْصُورَ اشْتَرَى رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِ الأَعْرَابِ فَكَانَ يُعْطِي الرَّجُلَ مِنْهُمُ الْبَعِيرَ وَالْبَعِيرَيْنِ وَفَرَّقَهُمْ فِي طَلَبِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِأَطْرَافِ الْمَدِينَةِ يَتَجَسَّسُونَ أَمْرَهُ وَهُوَ مُخْتَفٍ.

وَذَكَرَ السِّنْدِيُّ مَوْلَى الْمَنْصُورِ قَالَ: رَفَعَ عُقْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ الأَزْدِيُّ عِنْدَ الْمَنْصُورِ وَاقِعَةً وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ حَفْصٍ أَوْفَدَ مِنَ السِّنْدِ وَفْدًا فِيهِمْ عُقْبَةُ فَأَعْجَبَ الْمَنْصُورَ هَيْئَتُهُ فَاسْتَخْلَى بِهِ وَقَالَ: إِنِّي لأَرَى لَكَ هَيْئَةً وَمَوْضِعًا وَإِنِّي لَأُرِيدُكَ لِأَمْرٍ وَأَنَا بِهِ مُعَنًّى لَمْ أَزَلْ أَرْتَادُ لَهُ رَجُلا عَسَى أَنْ تَكُونَ، فَإِنْ كَفَيْتَنِيهِ رَفَعْتُكَ. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ أُصَدِّقَ ظَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِيَّ. قَالَ: فَاخْفِ شخصك واستر أمرك وأتني يَوْمَ كَذَا، فَأَتَاهُ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ. فَقَالَ لَهُ: إِنَّ بَنِي عَمِّنَا هَؤُلاءِ قَدْ أَبَوْا إِلا كَيْدًا لِمُلْكِنَا وَاغْتِيَالا لَهُ وَلَهُمْ شِيَعَةٌ بِخُرَاسَانَ بِقَرْيَةِ كَذَا يُكَاتِبُونَهُمْ وَيُرْسِلُونَ إِلَيْهِمْ بِصَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ بِكِسْوَةٍ وَأَلْطَافٍ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ بكتاب مبتكر

[1] تاريخ الطبري 7/ 518.

ص: 15

تكتبه عن أهل هذه الْقَرْيَةِ، ثُمَّ تَسِيرُ إِلَى بِلادِهِمْ فَإِنْ كَانُوا قَدْ نَزَعُوا عَنْ رَأْيِهِمْ فَأَحبِبْ وَاللَّهِ بِهِمْ وَأَقْرِبْ وَإِنْ كَانُوا عَلَى رَأْيِهِمْ عَلِمْتُ ذَلِكَ وَكُنْتُ عَلَى حَذَرٍ فَاشْخَصْ حَتَّى تلقَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنٍ مُتَقَشِّفًا مُتَخَشِّعًا فَإِنْ جَبَهَكَ- وَهُوَ فَاعِلٌ- فَاصْبِرْ حَتَّى يَأْنَسَ بِكَ وَيُلِينُ لَكَ نَاحِيَتَهُ. فَإِذَا ظَهَرَ لَكَ مَا فِي قَلْبِهِ [1] فَاعْجَلْ عَلَيَّ.

قَالَ: فَشَخَصَ عُقْبَةُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَلَقِيَهُ بِالْكِتَابِ فَأَنْكَرَهُ وَانْتَهَرَهُ وَقَالَ: مَا أَعْرِفُ هَؤُلاءِ، فَلَمْ يَزَلْ يَنْصَرِفْ وَيَعُودُ إِلَيْهِ حَتَّى قَبِلَ الْكِتَابَ وَأَلْطَافَهُ وَأَنِسَ بِهِ فَسَأَلَهُ عُقْبَةُ الْجَوَابَ، فَقَالَ: أَمَّا الْكِتَابُ فَإِنِّي لا أَكْتُبُ إِلَى أَحَدٍ، وَلَكِنْ أَنْتَ كِتَابِي إِلَيْهِمْ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ ابْنَيَّ خَارِجَانِ لِوَقْتِ كَذَا وَكَذَا. فَأَسْرَعَ عُقْبَةُ بِهَذَا إِلَى الْمَنْصُورِ.

وَقِيلَ: كَانَ مُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ مَنْهُومَيْنِ بِالصَّيْدِ.

وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: قَدِمَ مُحَمَّدٌ الْبَصْرَةِ مُخْتَفِيًا فِي أَرْبَعِينَ رَجُلا فأتى عبد الرحمن ابن عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِشَامٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَهْلَكْتَنِي وَشَهَّرْتَنِي فَانْزِلْ عِنْدِي وَفَرِّقْ أَصْحَابَكَ، فَأَبَى عَلَيْهِ فَقَالَ: أَنْزِلْ فِي بَنِي رَاسِفٍ، فَفَعَلَ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: أَقَامَ مُحَمَّدٌ يَدْعُو النَّاسَ سِرًّا.

وَقِيلَ: نَزَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ الْمُرِّيِّ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ فَسَارَ الْمَنْصُورُ حَتَّى نَزَلَ الْجِسْرَ.

وَكَانَ الْمَنْصُورُ لَمَّا حَجَّ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ أَكْرَمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ ثُمَّ قَالَ لعقبة: تراءى لَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ عَلِمْتُ مَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعُهُودِ أَنْ لا تَبْغِيَ سُوءًا. قَالَ: فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ، فَاسْتَدَارَ لَهُ عُقْبَةُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَتَاهُ مِنْ وَرَائِهِ فَغَمَزَهُ بِأَصْبُعَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ بَغْتَةً فَمَلأَ عَيْنَهُ مِنْهُ فَوَثَبَ حَتَّى جلس

[1] في نسخة القدسي 6/ 7 «ما قبله» والتصحيح عن الطبري 7/ 120.

ص: 16

بَيْنَ يَدَيِ الْمَنْصُورِ، فَقَالَ: أَقِلْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقَالَكَ اللَّهُ. قَالَ: لا أَقَالَنِي اللَّهُ إِنْ أَقَلْتُكَ ثُمَّ سَجَنَهُ.

وَجَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الْمَنْصُورَ أَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: أَرَى ابْنَيْكَ قَدِ اسْتَوْحَشَا مِنِّي وَإِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَأْنَسَا بِي وَأَنْ يَأْتِيَانِي فَأُخْلِطُهُمَا بِنَفْسِي، فَقَالَ:

وَحَقِّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لِي بِهِمَا عِلْمٌ وَلا بِمَوْضِعِهِمَا وَلَقَدْ خَرَجَا عَنْ يَدِي.

فَبَقِيَ فِي سِجْنِ الْمَنْصُورِ ثَلاثَةَ أَعْوَامٍ.

وَقِيلَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَإِبْرَاهِيمَ هَمَّا بِاغْتِيَالِ الْمَنْصُورِ بِمَكَّةَ وَوَاطَأَهُمَا قَائِدٌ كَبِيرٌ مِنْ قُوَّادِهِ فَنُمِيَ الْخَبَرُ إِلَى الْمَنْصُورِ، فَاحْتَرَزَ وَطَلَبَ الْقَائِدَ فَهَرَبَ، وَأَقْبَلَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ يُلِحُّ فِي طَلَبِ مُحَمَّدٍ حَتَّى أَعْيَاهُ وَجَعَلَ زِيَادُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُدَافِعُ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَبَضَ الْمَنْصُورُ عَلَى زِيَادٍ وَاسْتَأْصَلَ أَمْوَالَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ الْقَسْرِيَّ وَأَمَرَهُ بِبَذْلِ الأَمْوَالِ فِي طَلَبِ مُحَمَّدٍ وَأَخِيهِ، فَبَذَلَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا وَلا قَدِرَ عَلَيْهِمَا فَاتَّهَمَهُ الْمَنْصُورُ، فَعَزَلَهُ، وَوَلَّى رِيَاحَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ الْمُرِّيَّ، فَدَعَا الْقَسْرِيَّ فَسَأَلَهُ عَنِ الأَمْوَالِ، فَقَالَ: هَذَا كَاتِبِي وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا فَقَالَ: أَسْأَلُكَ وَتُحِيلُنِي عَلَى كَاتِبِكَ! فَأَمَرَ بِهِ رِيَاحٌ فُوجِئَتْ عُنُقُهُ وَضُرِبَ أَسْوَاطًا ثُمَّ بُسِطَ الْعَذَابُ عَلَى كَاتِبِهِ وَعَلَى مَوْلاهُ فَأَسْرَفَ وَجَدَّ فِي طَلَبِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فِي شِعَبٍ مِنْ شِعَابِ رَضْوَى وَهُوَ جَبَلُ جُهَيْنَةَ مِنْ أَعْمَالِ يَنْبُعَ. قَالَ: فَاسْتَعْمَلَ عَلَى يَنْبُعَ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ الْجُهَنِيَّ وَأَمَرَهُ بِتَطَلُّبِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ عَمْرٌو إِلَيْهِ لَيْلَةً بِالرِّجَالِ فَفَزِعَ مُحَمَّدٌ وَفَرَّ مِنْهُمْ، فَانْفَلَتَ، وَلَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ، وُلِدَ لَهُ هُنَاكَ مِنْ جَارِيَةٍ فَوَقَعَ الطِّفْلُ مِنَ الْجَبَلِ مِنْ يَدِ أُمِّهِ فَتَقَطَّعَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:

مُنْخَرِقُ السِّرْبَالِ يَشْكُو الْوَجَى

تَنْكُبُهُ أَطْرَافُ مَرْوٍ حِدَادْ

شَرَّدَهُ الْخَوْفُ وَأَزْرَى [1] بِهِ

كَذَاكَ مَنْ يكره حرّ الجلاد

[1] في تاريخ الطبري 7/ 535 «فازرى» .

ص: 17

قَدْ كَانَ فِي الْمَوْتِ لَهُ رَاحَةٌ

وَالْمَوْتُ حَتْمٌ فِي رِقَابِ الْعِبَادْ

فَلَمَّا طَالَ أمْرُ الأَخَوَيْنِ عَلَى الْمَنْصُورِ أَمَرَ رِيَاحًا بِأَخْذِ بَنِي حَسَنٍ وَحَبْسِهِمْ، فَأَخَذَ حَسَنًا وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ حَسَنٍ بْنِ حَسَنٍ وَحَسَنَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، وَسُلَيْمَانَ وَعَبْدَ اللَّهِ ابْنَيْ دَاوُدَ بْنَ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، وَأَخَاهُ عَلِيًّا الْعَابِدَ، ثُمَّ قَيَّدَهُمْ وَجَهَرَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسَبِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَخِيهِ فَسَبَّحَ النَّاسُ وَعَظَّمُوا مَا قَالَ، فَقَالَ رِيَاحٌ: أَلْصَقَ اللَّهُ بِوُجُوهِكُمُ الْهَوَانَ لأَكْتُبَنَّ إِلَى خَلِيفَتِكُمْ غِشَّكُمْ وَقِلَّةَ نُصْحِكُمْ، فقالوا: لا سمع منك يا بن الْمَحْدُودَةِ [1] وَبَادَرُوهُ يَرْمُونَهُ بِالْحَصَى، فَنَزَلَ وَاقْتَحَمَ دَارَ مَرْوَانَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ، فَحَفَّ بِهَا النَّاسُ فَرَمَوْهُ وَشَتَمُوهُ، ثُمَّ أَنَّهُمْ كَفُّوا، ثُمَّ إِنَّ آلَ حَسَنٍ حُمِلُوا فِي أَقْيَادِهِمْ إِلَى الْعِرَاقِ، وَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ وَهَمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ مِنْ دَارِ مَرْوَانَ جَرَتْ دُمُوعُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لا تُحْفَظُ للَّه حُرْمَةٌ بَعْدَ هَؤُلاءِ، وَأُخِذَ مَعَهُمْ أَخُوهُمْ مِنْ أُمِّهِمْ محمد ابن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَهُوَ ابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتُ الْحُسَيْنِ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَا رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنٍ وَأَهْلَ بَيْتِهِ يَخْرُجُونَ مِنْ دَارِ مَرْوَانَ وَهُمْ فِي الْحَدِيدِ فَيُجْعَلُونَ فِي الْمَحَامِلِ عُرَاةً لَيْسَ تَحْتَهُمْ وِطَاءٌ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ رَاهَقْتُ الاحْتِلامَ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي- وَأُخِذَ مَعَهُمْ يَوْمَئِذٍ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ نَفْسٍ مِنْ جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ، فَأَرَاهُمْ بِالرَّبَذَةِ مُلْتَفِّينَ فِي الشَّمْسِ- وَسُجِنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ فَوَافَى الْمَنْصُورَ الرَّبَذَةَ مُنْصَرِفًا مِنَ الْحَجِّ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنٍ مِنَ الْمَنْصُورِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ فَامْتَنَعَ، ثُمَّ دَعَانِي الْمَنْصُورُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ عَمُّهُ عِيسَى بْنُ عَلِيٍّ فَسَلَّمْتُ، فَقَالَ الْمَنْصُورُ: لا سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، أَيْنَ الْفَاسِقَانِ ابنا الفاسق، فقلت: هل ينفعني

[1] في تاريخ الطبري 7/ 537 «لا نسمع منك يا بن المحدود» .

ص: 18

الصِّدْقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قلت: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَلَيَّ وَعَلَيَّ إِنْ كُنْتُ أَعْرِفُ مَكَانَهُمَا، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنِّي، وَأَقَمْتُ بَيْنَ الْعِقَابَيْنِ، فَضَرَبَنِي أَرَبَعَمِائَةِ سَوْطٍ، فَغَابَ عَقْلِي وَرُدِدْتُ إِلَى أَصْحَابِي، ثُمَّ أُحْضِرَ الدِّيبَاجُ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُثْمَانِيُّ فَسَأَلَهُ عَنْهُمَا فَحَلَفَ لَهُ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ، وَجَعَلَ فِي عُنُقِهِ غِلا فَأُتِيَ بِهِ إِلَيْنَا وَقَدْ لَصَقَ قَمِيصَهُ عَلَى جِسْمِهِ مِنَ الدِّمَاءِ، ثُمَّ سُيِّر بِنَا إِلَى الْعِرَاقِ. فَأَوَّلُ مَنْ مَاتَ بِالْحَبْسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ أخوه حسن، ثُمَّ مات حسن بعده فصلّى عليه الديباج، ثم مات الديباج فَقُطِعَ رَأْسُهُ وَأُرْسِلَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الشِّيعَةِ لِيَطُوفُوا بِهِ بِخُرَاسَانَ وَيْحِلُفوا أَنَّ هَذَا رَأْسُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوهمون الناس أنه رأس محمد ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ الَّذِي كَانُوا يَجِدُونَ فِي الْكُتُبِ خُرُوجَهُ فِيمَا زَعَمُوا عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ.

وَقِيلَ: لَمَّا أُتِيَ بِهِمُ الْمَنْصُورُ نَظَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَسَنٍ فَقَالَ:

أَنْتَ الدِّيبَاجُ الأَصْفَرُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لأَقْتُلَنَّكَ قَتْلَةً مَا قُتِلَهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ، ثُمَّ أَمَرَ بِاسْطُوَانَةٍ فَنُقِرَتْ، ثُمَّ أُدْخِلَ فِيهَا ثُمَّ شُدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ، وَكَانَ مُحَمَّدُ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صُورَةً.

وَقِيلَ: إِنَّ الْمَنْصُورَ قَتَلَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الدِّيبَاجَ وَجَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ فاللَّه أَعْلَمُ.

وَرَوَى عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ. قَالَ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ فِي الْحَبْسِ أَوْقَاتِ الصَّلاةِ إِلا بِأَجْزَاءٍ كَانَ يَقْرَؤُهَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ.

وَقِيلَ: إِنَّ الْمَنْصُورَ أَمَرَ بِقَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ سِرًّا.

وَقَالَ ابْنُ عَائِشَةَ: سَمِعْتُ مَوْلًى لِبَنِي دَارِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِبَشِيرٍ الرَّحَّالِ:

مَا تَسَرُّعُكَ إِلَى الْخُرُوجِ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالَ: إِنَّهُ أَرْسَلَ إليّ بعد أخذه عبد الله

ص: 19

ابن حَسَنٍ، فَأَتَيْتُهُ، فَأَمَرَنِي بِدُخُولِ بَيْتٍ فَدَخَلْتُهُ فَإِذَا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ مَقْتُولا.

فَسَقَطْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَلَمَّا أَفَقْتُ أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لا يَخْتَلِفَ فِي أَمْرِهِ سَيْفَانِ إِلا وَكُنْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ لِلرَّسُولِ الَّذِي مَعِي مِنْ قِبَلِهِ: لا تُخْبِرُهُ بِمَا أَصَابَنِي فَيَقْتُلَنِي.

وَيُقَالُ: إِنَّ الْمَنْصُورَ سَقَى السُّمَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.

ص: 20