المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تراجع النفوذ البيزنطي من بلاد الشام عشية الفتوح الإسلامية: - تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية

[محمد سهيل طقوش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌الباب الأول: أبو بكر الصديق 11-13هـ-632-634م

- ‌الفصل الأول: الأوضاع السياسية في الجزيرة العربية عقب وفاة النبي

- ‌الأوضاع السياسية في المدينة

- ‌اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة

- ‌الأوضاع السياسية خارج المدينة:

- ‌الفصل الثاني: تفشي ظاهرة التنبؤ في المجتمع العربي

- ‌الفصل الثالث: حروب الردة

- ‌مدخل

- ‌ملابسات حوادث بني تميم:

- ‌القضاء على ردة بني حنيفة:

- ‌الفصل الرابع: أوضاع الدولتين الفارسية، والبيزنطية عشية الفتوح الإسلامية:

- ‌أوضاع الدولة الفارسية

- ‌تراجع النفوذ البيزنطي من بلاد الشام عشية الفتوح الإسلامية:

- ‌الفصل الخامس: الفتوح في عهد أبي بكر

- ‌فتوح العراق:

- ‌فتوح بلاد الشام:

- ‌الفصل السادس: استئناف الفتوح في عهد عمر:

- ‌فتوح العراق:

- ‌معركة القادسية:

- ‌الفصل السابع:‌‌ استكمال فتوح العراق-فتوح فارس "إيران

- ‌ استكمال فتوح العراق

- ‌فتوح فارس "إيران

- ‌الفصل الثامن: استكمال فتوح بلاد الشام-فتوح الجزيرة وأرمينية والباب

- ‌مدخل

- ‌معركة اليرموك

- ‌فتح بيت المقدس

- ‌الفصل التاسع: فتوح مصر

- ‌مدخل

- ‌أثر الفتح الإسلامي على أوضاع الأقباط:

- ‌التوسع نحو الغرب:

- ‌الفصل العاشر: الدولة الإسلامية في عهد عمر-مقتل عمر

- ‌مدخل

- ‌الإدارة في عهد عمر:

- ‌الموظفون الإداريون:

- ‌الوالي:

- ‌الدواوين:

- ‌القضاء:

- ‌القضاء في عهد عمر:

- ‌إدارة البلاد المفتوحة من خلال عقود الصلح:

- ‌الفصل الحادي عشر: الفتوح في عهد عثمان

- ‌الفصل الثاني عشر: الفتنة الكبرى ومقتل عثمان

- ‌الباب الرابع: علي بن أبي طالب 35-40هـ/ 656-661م

- ‌الصراع بين علي وأصحاب الجمل:

- ‌المواجهة المسلحة الأولى بين المسلمين:

- ‌وقعة الجمل:

- ‌الصراع بين علي، ومعاوية، والخوارج

- ‌معركة صفين:

- ‌مرحلة التجهيز، والاستعداد:

- ‌معركة النهروان:

- ‌الخاتمة:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌محتوى الكتاب:

الفصل: ‌تراجع النفوذ البيزنطي من بلاد الشام عشية الفتوح الإسلامية:

حطمت معركة نينوى القوى الميدانية للجيش الفارسي، ولم يعد لفارس ما كان لها من أهمية سياسية، وعسكرية في الوقت الذي كانت فيه تعاني من الإفراط في الثقة بالنفس جعلها تقف عاجزة أمام زحف المسلمين، كما أن الحملات الإسلامية التي جاءت بسرعة في أعقاب انتصار هرقل لم تسمح باستعادة التوازن الإمبراطوري، وقد أدى توالي الأزمات الداخلية، والخارجية السريعة إلى عدم الاستقرار، والتناقضات والتقلب، وهي الأمور التي فرضت على هرقل أن يظل في حالة مضطربة، صحيح أن هرقل حافظ على وحدة الإمبراطورية البيزنطية، وحال دون تفككها، إلا أنه لم يذلل الصعاب الاقتصادية التي تفاقمت من جزاء ست سنوات من الحملات العسكرية التي أدت إلى الإفلاس، ولم يتخلص من المصاعب الدينية التي أذكاها الاحتلال الفارسي.

ولا شك بأن هذه الحروب بين فارس، وبيزنطية أنهكت الدولتين، واستنفدت طاقتهما دون أن تحقق لأحدهما ما كانت تهدف إليه من زعامة في الشرق الأدنى.

ص: 110

‌تراجع النفوذ البيزنطي من بلاد الشام عشية الفتوح الإسلامية:

عوامل التراجع:

يتحدث المؤرخون عن خصائص الإمبراطورية البيزنطية، وأسباب ضعفها عشية الفتح الإسلامي لبلاد الشام، والواقع أن الدراسة الموضوعية تدفعنا إلى استعراض أوضاع هذه البلاد، من خلال علاقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالقبائل الضاربة على الحدود مع الجزيرة العربية، وسياسة الدولة البيزنطية في هذه المنطقة.

ويمكن للباحث أن يرصد ثلاثة عوامل في تراجع النفوذ البيزنطي، إذا استثنينا التأثير الضعيف نسبيًا للاضطرابات الدينية في الإمبراطورية على أوضاعها الداخلية، وقوتها العسكرية، على الرغم من أن ما حدث من القلاقل الدينية بسبب ما جرى من محاولة لتنفيذ قرارات مجمع خلقدونية لعام 451م1، اتخذ صفة الثورات الوطنية العنيفة، بدليل استمرار تحالف القبائل العربية النصرانية، المخالفة للعقيدة الملكانية الرسمية مع بيزنطية2.

1 انظر قرارات مجمع خلقدونية عند الأنبا بيشوي: مجمعا أفسس وخلقدونية، مقال في كتاب: المسيحية عبر تاريخها في المشرق ص211- 213.

2 من المعروف أن النصارى في بلاد الشام انقسموا منذ مجمع خلقدونية إثر الخلاف على صياغة =

ص: 110

الأول عامل المفاجأة:

فقد نجح البيزنطيون في حل المشكلة العربية على حدودهم الجنوبية حلًا جذريًا، بنظام الأحلاف التي عقدوها مع القبائل الضاربة على مشارف بلاد الشام، لحراسة هذه البلاد من هجمات قد تنطلق من الجزيرة العربية، وقامت القبائل المعنية بدور ناجح، واقتصرت مهمة الفرق البيزنطية النظامية المتواجدة في قواعد ثابتة، ومتفرقة على الإشراف على تنقلات القبائل، ومساعدتها في التصدي لغزوات البدو عند الحاجة، ونسي البيزنطيون بعد ذلك، عرب الجزيرة، وأنهم قد يشكلون خطرًا عليهم في المستقبل.

والحقيقة أن الإمبراطور البيزنطي هرقل لم يدرك مدى خطورة الوضع على جبهته الجنوبية بعد تنامي قوة المسلمين حتى رأى نفسه يواجه، فجأة، زحفهم باتجاه بلاد الشام، ولم تنفع تدابيره التي اتخذها على عجل في وقفهم، حيث كان من الصعب تجريد الحدود مع فارس في الشرق والصقالبة، والآقار في الغرب، المعرضة للخطر، من الجنود، ونقلهم للدفاع عن بلاد الشام في ظل محدودية نقلهم، واختيار مواقعهم، وكانت أي محاولة لتدريب السكان المدنيين في هذه البلاد وتسليحهم، قضية معقدة وبطيئة، ولا يمكنها أن تواجه التهديدات الخارجية المفاجئة والعنيفة، ويعد المدى الذي يمكن للقوات النظامية أن تتكيف فيه مع الأوضاع الطبيعية والمناخية، قضية أخرى، ورأى هرقل أن أفضل وسيلة للدفاع عن بلاد الشام في القرن السابع تكمن في:

- تجنيد البدو العرب المقيمين على أطراف الإمبراطورية، وبخاصة أنهم يتمتعون بصفة إضافية هي معرفة طبيعة الأرض، ومناخها بالإضافة إلى أساليب القتال. وتبنى النظرية القائلة إن خير وسيلة لقتال العرب هي استخدام عرب آخرين إزائهم، لذلك كان من الضروري لبيزنطية أن تحتفظ بصداقة بعض القبائل، وتنويع صلاتها بالعرب.

- تجنيد الأرمن، والمعروف أن عدد الجيش البيزنطي النظامي في بلاد الشام لم يكن كبير الحجم، ولا يمكن للإدارة العسكرية البيزنطية توفير أكثر من عشرين ألف

= العقيدة الخاصة بطبيعتي المسيح واتحادهما، إلى سريان أو يعاقبة وملكية أو روم، ويشير المؤرخون إلى أن المذهب اللاخلقدوني "اليعقوبي" انتشر بين القبائل العربية مثل أياد وربيعة وقضاعة، أما القائلون بالمذهب الخلقدوني "الملكية"، فكانوا بمعظمهم يعيشون في المدن التي اصطبغت بالثقافة الهلينية، مثل أنطاكية وسلوقية، واللاذقية وبعلبك، وبيروت وقيصرية وفلسطين، وبيت المقدس، ولا بد من الإشارة إلى أن نسبة عالية من اليعاقبة كانت مستاءة من الحكم المركزي.

ص: 111

جندي للدفاع عن هذه البلاد، في ظل الأخطار التي تتعرض لها الولايات الأخرى في آسيا، وأوروبا ومصر، ولا يمكن الحصول على جنود منها، ولم يكن ثمة مجال في البحث عن قوى عسكرية لبلاد الشام سوى أرمينية القريبة التي يمكن الاعتماد عليها.

ويقودنا هذا العامل إلى ضرورة البحث في نقطتين:

الأولى: التواجد القبلي في بلاد الشام عشية الفتح الإسلامي.

الثانية: اهتمام النبي محمد صلى الله عليه وسلم ببلاد الشام.

ففيما يتعلق بالنقطة الأولى، فقد انتشرت بعض القبائل العربية في مناطق الحدود الفاصلة بين الجزيرة العربية، وبلاد الشام مشكلة سدًا استغلته بيزنطية لصد غارات البدو على المناطق الزراعية.

فقد سكن بنو عذرة، وبنو سعد هزيم على الطريق الممتد من شمالي الحجاز إلى بلاد الشام، وامتد بعض أفخاذهم، وبطونهم إلى وادي القرى1 في الشمال، واتصلوا بالمسلمين في أواخر حياة النبي، واعتنق بعض بني عذرة الإسلام قبل غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة2.

وسكنت إراشة وهي فرع من بلي في منطقة البلقاء في الشمال، فجاورت البيزنطيين، وأقامت حلفًا معهم، وساهمت في قتال المسلمين في معركة مؤتة3، فأرسل إليهم النبي سرية بقيادة عمرو بن العاص، فقاتلهم وفرقهم، وهي الغزوة التي عرفت بذات السلاسل4، اضطرت بعدها إراشة إلى الدخول في الإسلام، ثم ارتدت بعد وفاة النبي5.

وأشارت روايات المصادر إلى نزول لخم بين مدين6، وتبوك امتدادًا إلى أذرح7

1 وادي القرى، واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة، كثير القرى. الحموي: ج5 ص345.

2 تذكر روايات المصادر أن أحد قادة المسلمين في معركة مؤتة كان رجلًا من بني عذرة يقال له: قحطبة بن قتادة -انظر سيرة ابن هشام ج4 ص72. وتبوك: موضع بين وادي القرى، والشام وهو بين الحجر وأول الشام، المصدر نفسه: ج2 ص14.

3 مؤتة: قرية من قرى البلقاء في حدود الشام، وقيل: مؤتة من مشارف الشام، المصدر نفسه: ج5 ص219، 220.

4 ابن هشام: ج4 ص239.

5 تتحدث المصادر من غارة قام بها عمرو بن العاص أثناء حروب الردة على بلي، وبعض القبائل الأخرى، الطبري: ج3 ص305.

6 مدين: قرية تجاه تبوك بين المدينة والشام، الحموي: ج5 ص77.

7 أذرح: اسم بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة، ثم من نواحي البلقاء. المصدر نفسه: ج1 ص129.

ص: 112

وانتشر اللخميون في المنطقة الواقعة غرب البحر الميت ونهر الأردن1، وسكنت قبيلة جذام في المنطقة الممتدة من تبوك إلى شرق وادي عربة، والبحر الميت حتى منطقة البلقاء، حول عمان، فتداخلت مع سكن بعض فروع لخم، شكلت هاتان القبيلتان جزءًا من التحالف القبلي الخاضع لبيزنطية الذي حارب المسلمين في معركة مؤتة، وكانت غزوة تبوك ردًا على تحرك القبائل العربية، والبيزنطيين باتجاه المناطق الجنوبية2، ويبدو أن بعض بطون لخم هالهم قيام تحالف قبلي -بيزنطي موجه ضد إخوان لهم من العرب؛ فأسلم نفر منهم في السنة التاسعة للهجرة3، واعتزلت حدس، وهي إحدى بطون لخم، القتال في مؤتة، لكن هذين الحدثين لا يكفيان لإقامة الدليل على قيام علاقات طيبة بين المسلمين، وقبيلة لخم.

وأغرى تعاظم قوة المسلمين بعد فتح مكة بعض الجذاميين، فاعتنقوا الإسلام، وأقاموا علاقات طيبة مع المسلمين، مثل فروة بن عمرو الجذامي حاكم معان4 من قبل بيزنطية5، وساند بنو الضبيب، وهم رهط من جذام، اعتنقوا الإسلام، زيدًا بن حارثة عندما هاجم الجذاميين الذين اعتدوا على دحية بن خليفة الكلبي، مبعوث النبي إلى الإمبراطور البيزنطي هرقل6.

ونزلت قبيلة القين -بلقين- في المنطقة الواقعة شرق ديار لخم وجذام، أي في المنطقة الممتدة من وادي تجر شمال تيماء بمحاذاة وادي السرحان، وباتجاه الشمال إلى تخوم حوران، وجاورت بلاد بلي وعذرة، وكان بنو القين من ضمن التحالف القبلي الذي حارب المسلمين في معركة مؤتة7، ويبدو أن جماعة منهم اعتنقت الإسلام قبل وفاة النبي في السنة الحادية عشرة للهجرة، وأن النبي ولى عليهم عمرو بن الحكم8.

وفرض الغساسنة، وهم من الأزد، وجودهم في مناطق حوران، وشرق الأردن وبعض فلسطين، بعد أن تغلبوا على بني سليح الضجاعمة وكلاء البيزنطيين9، وشعر

1 المهمذاني، أبو محمد الحسن بن أحمد: صفة جزيرة العرب ص271، 272.

2 الواقدي، محمد بن عمر بن واقد، مغازي الواقدي ج3 ص1015.

3 الطبري: ج3 ص96.

4 معان: مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء، الحموي: ج5 ص153.

5 ابن هشام: ج4 ص216، 217.

6 المصدر نفسه: ص235، الطبري: ج3 ص243-389.

7 ابن هشام: ج4 ص71.

8 الطبري: ج3 ص343.

9 المسعودي، أبو الحسن علي: مروج الذهب ومعادن الجوهر ج2 ص106، 107.

ص: 113

البيزنطيون بمدى قوتهم، فخشوا أن ينضموا إلى الفرس، فاستقطبوهم، وأحلوهم محل السليحيين، وعقدوا معهم حلفًا دفاعيًا هجوميًا موجهًا ضد غارات البدو، وهجمات اللخميين، وقام الغساسنة بتنفيذ الدور الذي حددته لهم بيزنطية على الرغم من أن الطرفين كانا على خلاف مذهبي، إلا أن ذلك لم يؤثر على العلاقة السياسية بينهما، وتمتع أمراء الغساسنة بلقب فيلارك1 الذي أضفاه عليهم الأباطرة البيزنطيون.

شكل الغساسنة عماد التجمع القبلي اللخمي، والجذامي المعادي للمسلمين في غزوة تبوك، وقد رفض الحارث بن أبي شمر الغساني دعوة النبي إلى اعتناق الإسلام، واستمر في تحالفه مع البيزنطيين، والراجح أنه كان يخشى خطر التمدد الإسلامي باتجاه الشمال على وضع القبيلة الديني، والسياسي، وعلاقتها ببيزنطية.

وسكنت بعض جماعات من الغساسنة في الجنوب، في تيماء والمدينة، وقد تأثروا بالدعوة الإسلامية، وربما كان الوفد الغساني الذي قدم إلى المدينة في العام العاشر للهجرة ليبايع النبي هو من هذه الجماعات2.

ووجدت قبائل أخرى في بلاد الشام، لكنها لم تكن على قدر من القوة، والمنعة والأهمية حتى تعيرها المصادر اهتمامًا، مثل تنوخ، وقد نزلت في أواسط بلاد الشام، وشمالها على تخوم البادية الممتدة شمالًا حتى قنسرين وحلب، وقد ساند التنوخيون البيزنطيين في معركة مؤتة، وسكنت بهراء في أواسط، وشرق بادية الشام، وامتدت ديارها حتى نهر الفرات، والراجح أنها كانت موالية لبيزنطية، وأن فئة من رجالها ديارها إلى جانب البيزنطيين في معركة مؤتة.

وفيما يتعلق بالنقطة الثانية، فقد اتخذت بلاد الشام منذ العام السادس للهجرة حيزًا بارزًا في سياسة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الخارجية، بعد أن حسم الوضع السياسي الداخلي في الحجاز لصالحه إثر صلح الحديبية3، وكان اهتمامه بتلك البلاد كهدف حيوي:

- بوصفها أرضًا عربية مثل الحجاز.

- إقامة مراكز إسلامية على الأطراف الشامية لنشر الدعوة بين القبائل العربية الوثنية منها والمتنصرة، واحتوائها تحت راية الدولة الإسلامية في المدينة، أو عقد صلح معها لتمتين النفوذ الإسلامي في تلك الربوع.

1 فيلارك: معناها ملك.

2 الطبري: ج3 ص130.

3 تم صلح الحديبية في أواخر السنة السادسة للهجرة بين النبي وقريش، انظر ابن هشام ج4 ص24- 29.

ص: 114

- فك تحالفها مع الدولة البيزنطية.

- السيطرة على طريق التجارة، إذ1 إن مضاربها تعد بمثابة معاير هامة للتجارة بين بلاد الشام، وأنحاء الجزيرة العربية في الوقت الذي وصلت فيه تجارة القوافل إلى ذروة النشاط، والاستقرار.

وأخذ النبي يراقب الوضع في تلك المناطق من خلال السرايا المبكرة التي كان يرسلها، والرسائل الموجهة إلى الإمبراطور البيزنطي هرقل، والأمير الغساني شرحبيل بن عمرو، وصاحب بصرى1، وسائر رؤساء القبائل العربية.

وبتنامي القوة الإسلامية، شعرت القبائل الموالية لبيزنطية في جنوبي بلاد الشام، بحدوث تغيير ديني وسياسي في الحجاز، على مقربة منها، تمحض عن قيام حكومة مركزية قوية في المدينة، ودخلت في طاعتها معظم قبائل الجزيرة العربية، وراحت تتطلع نحو الشمال، ورأت في هذا التطور خطرًا يهدد كيانها الديني والسياسي، لذلك وثقت علاقاتها ببيزنطية.

ورأى هرقل في هذا التنامي تدخلًا في شئونه، واختراقًا لسيادته بعد انتصاره الكبير على الفرس، ومع ذلك فقد عده مجرد اندفاع قبلي، أو محاولة إمارة عربية ناشئة توسيع رقعتها الجغرافية، من ذلك النوع الذي اعتاد بدو الصحراء أن يشنوه بين وقت، وآخر على أطراف الدولة، ولا تلبث أن تتوقف تلقائيًا عندما يتصدى لها حراس الحدود من فرق الجيش الإمبراطوري، أو القبائل الموالية لبيزنطية التي تعيش على تخوم بلاد الشام.

دفعت التطورات في الحجاز القبائل القاطنة في دومة الجندل2 إلى القيام بتحرك سريع، وتزعم أكيدر بن عبد الملك الكندي النصراني تحالفًا قبليًا راح يتهيأ للزحف نحو المدينة، ولما علم النبي بتلك الاستعدادت خرج من المدينة على وجه السرعة في شهر "ربيع الأول 5هـ/ آب 626م"، وتوجه نحو دومة الجندل مستبقًا قوى التحالف، ولما وصل إليها لم يجد من يصطدم به، ويبدو أن أكيدر تهيب الموقف، فانسحب باتجاه الشمال، واستغل النبي وجوده في تلك المنطقة، فقام بعمليات استطلاعية3.

تعد هذه الغزوة الحلقة الأولى في سلسلة الصراع العسكري بين المسلمين، والقبائل الضاربة على تخوم بلاد الشام بخاصة، وبين المسلمين والبيزنطيين بعامة،

1 بصري: قصبة كورة حوران، وهي من أعمال دمشق، الحموي: ج1 ص441.

2 دومة الجندل: حصن بين الشام والمدينة على سبع مراحل من دمشق. الحموي: ج2 ص487.

3 الطبري: ج2 ص564.

ص: 115

في الصراع على بلاد الشام، يؤكد هذا ما ذكره الواقدي من أنه قيل للنبي، وهو بصدد مهاجمة دومة الجندل:"إنها طرف من أفواه الشام، فلو دنوت منها لكان ذلك مما يفزع قيصر"1.

وتكتفت هجمات المسلمين على المناطق الحدودية مع بلاد الشام في العام السادس للهجرة، نذكر منها سرية زيد بن حارثة التي انتهت إلى العيص2، وتلك التي انتهت إلى حسمي وراء وادي القرى، وقد ارتبطت كسبب بدحية بن الخليفة الكلبي، وكان عائدًا من بلاد الشام بعد أن اجتمع بهرقل، فهاجمته جماعة من جذام بقيادة الهنيد بن عارض ومعه ابنه، ولا تشير الرواية إلى دور هذا الرجل، أو علاقته بالنبي إلا أن اسمه يتردد فيما بعد كمبعوث له إلى بلاد الشام حاملًا رسالته إلى هرقل، وتدل قرائن هذه المهمة الثانية أن لها علاقة بمهمة دحية الأولى، أو هي استكمال لها، بدليل أن النبي لم يتردد في إرسال قوة عسركية للانتقام له، بقيادة زيد بن حارثة، فاجأت بني جذام، وقتل زيد الهنيد وابنه3.

ويبدو أن هذه السرية لم تكن محصورة بنتائجها الثأرية، ولكنها مهدت لقيام علاقة وثيقة بين المدينة، وقبيلة جذام سيكون لها تأثيرها في مسار السياسة التي انتهجها النبي تجاه القبائل العربية4، فقد تحدثت روايات المصادر على قدوم رفاعة بن زيد الجذامي في رهط من قومه إلى المدينة معتنقًا الإسلام، وأجرى مباحثات مع النبي تمحض عنها ما يشبه المعاهدة، لم تصلنا بنودها إنما عرفت بنتائجها، فقد وافق النبي على إطلاق سراح الأسرى، والأموال التي غنمها زيد، وأرسل عليًا بن أبي طالب مع الوفد لتنفيذ الاتفاق5، وستهيمن روح هذه المعاهدة على المعاهدات التي سوف يعقدها النبي في المستقبل مع القبائل العربية المتنصرة.

وثمة سرية أخرى خرجت في شهر "رجب 6هـ/ كانون الأول 627م" باتجاه وادي القرى بقيادة زيد بن حارثة6، وقد أغفلت روايات المصادر دوافعها ونتائجها، إنما يمكن القول بأنها تتعلق بسياسة النبي الشامية.

1 الواقدي: ج1 ص403.

2 العيص: موضع في بلاد بني سليم من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش، التي كانوا يأخذون منها إلى الشام، الحموي: ج4 ص173.

3 الواقدي: ج2 ص557.

4 بيضون، إبراهيم: دولة الرسول في المدينة، بحث في كتاب تاريخ بلاد الشام ص86، 87.

5 الواقدي: ج2 ص557.

6 طبقات ابن سعد: ج2 ص89.

ص: 116

وخرجت سرية في شهر "شعبان 6هـ/ كانون الثاني 628م"، بقيادة عبد الرحمن بن عوف باتجاه دومة الجندل لقتال قبيلة كلب النصرانية، وقد شغلت حيزًا هامًا في سياسة النبي الشامية، فقد طلب من قائدها أن يتزوج ابنة زعيم القبيلة إن استجاب هو، وقومه إلى دعوة الإسلام، وذلك بهدف استقطابهم، وتعزيزًا للعلاقات بين الطرفين، ويوضح هذا الأهمية التي يعلقها النبي على كسب قبيلة كلب إلى جانبه، فقد كانت هذه القبيلة أهم مجموعة عربية في بلاد الشام حين ظهر الإسلام كقوة سياسية، نجح عبد الرحمن في مهمته، واعتنق الإصبغ بن عمرو الكلبي الإسلام، وتبعه أكثر قومه، وتزوج من ابنته1.

تكمن أهمية هذه السرية، في الدلالة على سياسية النبي التوسعية في اتجاه بلاد الشام، نظرًا لما تمثله دومة الجندل من موقع حيوي في التجارة مع هذه البلاد لا ينافسها فيه سوى بصرى2، ويذكر بأن هذا الموقع لفت نظر النبي من قبل، فقام بغزوه في مطلع السنة الخامسة للهجرة.

وتميزت السرية المعروفة بأم قرفة بدوافعها الاقتصادية الواضحة، فقد خرج زيد بن حارثة في شهر "رمضان 6هـ/ كانون الثاني 628م" في تجارة إلى بلاد الشام، فتعرض لاعتداء من قبل جماعة من فزارة في مكان قريب من وادي القرى، وعاد إلى المدينة، بيد أنه عاد مجددًا إلى استئناف مهمته بعد إصرار النبي، ونزل في المكان نفسه، واصطدم مع الجماعة التي اعترضه، فقتل وأسر وعاد إلى المدينة3، ويعد هذا الاختراق لقبيلة كبيرة كفزارة ما تزال غير مكترثة حتى ذلك الحين، بالقوة الإسلامية النامية في المدينة، عملًا ناجحًا كان له وقعه الحسن بين المسلمين! 4.

الواضح أن النبي لم يتمكن في العام السادس الهجري من حسم الوضع لصالحه على الحدود الشمالية للحجاز، وهذا ما دفعه إلى استئناف حملاته، وأتاح له صلح الحديبية، التحول نحو هدفه الخارجي، وهو مطئمن على وضعه الداخلي. ومن جهة أخرى شهدت الجبهة القبلية -البيزنطية بعض الارتباك؛ إذ تزعزعت ثقة القبائل العربية ببيزنطية، بفعل محاولتها تغيير المعادلة في العلاقات الثنائية من واقع فرض سيطرتها المباشرة عليها، وتخفيف مساعداتها المالية لها، مما أسهم في تراجع الروح المعنوية لدى القبائل التي نشأت على الاستقلال، ورفض التدخل الخارجي في

1 طبقات ابن سعد: ج2 ص64، 65.

2 بيضون: ص88.

3 طبقات ابن سعد: ج2 ص90، 91.

4 بيضون: ص87، 88.

ص: 117

شئونها إلا ما كان في إطار التحالفات، والمصالح الخاصة، كما أن الاختلاف المذهبي أسهم في خلق وعي لديها تجاه الإسلام على الرغم من أنها وجدت فيه تحديًَا عقائديًا يفوق، مبدئيًا، التحدي البيزنطي، من هذا المنطلق تكتسب غزوات المسلمين نحو الشمال، بعد صلح الحديبية، تلك الأهمية التي فرضتها إعادة ترتيب مواقع النفوذ البيزنطي في الأطراف الشمالية1.

استأنف النبي نشاطه الجهادي في الشمال بعد صلح الحديبية، فأرسل كتابين، أحدهما إلى الإمبراطور البيزنطي، والآخر إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم بلاد الشام، وتطرق في الكتاب الذي أرسله إلى هرقل إلى أوضاع القبائل العربية الموالية لبيزنطية، الأمر الذي آثار الإمبراطور البيزنطي، ودفعه إلى استنفار قواته وحلفاته من العرب:"فلا تحل بين الفلاحين، وبين الإسلام أن يدخلوا فيه أو يعطوا الجزية".

وقد وردت أيضا عبارة الأريسيين محل الفلاحين، أي أتباع آريوس، وهم أصحاب المشيئة الواحدة المعارضة للمذهب الملكاني الذي اعتنقه البيزنطيون، إذ كانت القبائل العربية المنتصرة على مذهب الآريوسية الذي حمل اسم اليعقوبية فيما بعد، كما وردت لفظة الأكاريين للدلالة على أولئك الذين يعملون بحراثة الأرض وزراعتها2.

وهكذا ستحمل هذه المرحلة الجديدة اهتمامًا أكثر من جانب النبي بأمور بلاد الشام، وستتوج سياسته هذه بغزوتي مؤنة، وتبوك في العامين الثامن والتاسع الهجريين.

ففيما يتعلق بغزوة مؤنة، فإن أسبابها مرتبطة بالتحولات التي أسفرت عنها عودة البيزنطيين إلى بلاد الشئام من واقع سياسة هرقل الجديدة نحو القبائل العربية، والعمل على احتوائها بصورة مباشرة، وكان احتكاك المسلمين بعدد من هذه القبائل، وبخاصة كلب وجذام وقضاعة وفزارة، قد أثار حفيظة الإمبراطور، وعده تحريضًا لها على الخروج على السيادة البيزنطية3، كما أن مواقف هذه القبائل المعادية للنبي والمسلمين، والتي اتخذت صفة الغدر برسله إلى بلاد الشام؛ دفعته للعمل على تأديبها.

كان حادث اعتراض شرحبيل بن عمرو الغساني لمبعوث النبي الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بصري، وقتله عند قرية مؤتة؛ هو الذي فجر الوضع العسكري في وقت بلغ فيه التوتر ذروته بين الطرفين، وتجلى ذلك في سرعة المبادرة في إعداد

1 بيضون، إبراهيم: حملة مؤتة، المؤتمر الدولي الرابع لبلاد الشام عام 1987م، ص62، 63.

2 الطبري: ج2 ص649، ابن كثير: البداية والنهاية ج4 ص265.

3 بيضون: دولة الرسول في المدينة ص90.

ص: 118

حملة من ثلاثة آلاف مقاتل لتأديب القبائل العربية إن لم تستجب لدعوة الإسلام، وإشعارها بقوة الدولة الإسلامية، وقدرتها على ردع المعتدين والغادرين، وأوصى قائدها:"إن لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى إحدى ثلاث، فأيتهن ما أجابوك إليها، فاقبل منهم واكفف عنهم، الدخول في الإسلام، أو إعطاء الجزية أو القتال"1.

وأدرك النبي مدى الخطر الذي يهدد الحملة أمام القوات البيزنطية وخلفائها، فسمى ثلاثة قادة يخلف الواحد منهم الآخر في حال استشهاده، وهم: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة2.

حشد هرقل، الذي كان يتتبع أخبار تحرك المسلمين من مقره في أنطاكية، قوة عسكرية بيزنطية بقيادة أخيه تيودور زحفت باتجاه الجنوب، وعسكرت في مؤاب من أرض البلقاء، وانضمت إليها في هذا المكان قوات عربية موالية من بهراء، ووائل بن بكر ولخم، وجذام تقدر بمائة ألف مقاتل3.

خرجت الحملة الإسلامية من المدينة في شهر "جمادى الأولى 8هـ/ أيلول 629م"، وعسكرت في مدينة معان في طرف بادية الشام من أرض البلقاء، وترامت إلى مسامع قادتها أنباء الحشود الضخمة التي حشدها هرقل، فعقدوا مجلسًا حربيًا للتشاور في أمر الحرب، وقرروا المضي في مهمتهم، فانحازوا إلى قرية مؤتة ليتحصنوا بها، وجرى اللقاء بين الطرفين في هذه القرية4.

والواقع أن الحملة كانت أقرب إلى أن تكون حملة استطلاعية منها إلى حملة هدفها الدخول في صدام مسلح غير متكافئ، على الرغم من وصية النبي لقادتها بقتال المشركين، بدليل قلة الخسائر التي لم تتجاوز عشرة قتلى بالإضافة إلى القادة الثلاثة، وانعدام تفاصيل تتعلق بسير القتال وطبيعته، والمعروف أن خالد بن الوليد تسلم قيادة الجيش بعد استشهاده القادة الثلاثة، وتراجع من ساحة المعركة وفق خطة تكتيكية، وعاد إلى المدينة5.

لكن ذلك لا يعني التقليل من أهمية المواجهة من جانب المسلمين، حيث كان لاستشهاد القادة الثلاثة تأثير عميق في المدينة، كما شكلت حافزًا جديدًا للاستمرار في هذه السياسة، ولم ير النبي فيها إخفاقًا، أو تراجعًا لمشروعه "ليسوا بالفرار، ولكنهم

1 بالغت المصادر الإسلامية في حجم القوة البيزنطية، فجعلتها مائة ألف مقاتل. الواقدي: ج2 ص757.

2 ابن هشام: ج4 ص70.

3 الواقدي: ج2 ص760.

4 ابن هشام: ج4 ص74.

5 المصدر نفسه.

ص: 119

الكرار إن شاء الله تعالى"،1 أما من الجانب البيزنطي، فقد كانت جزءًا من عملية استطلاع تنظيمي لمناطق خلت من عمليات عسكرية مدة عقدين، كان البيزنطيون خلالها يحاولون تثبيت سلطتهم في مناطق تخلي عنها الفرس على امتداد التخوم الجنوبية لبلاد الشام، معتمدين على مساعدة القبائل العربية المتحالفة معهم، وكان تيودور هو الذي أقنعه بإرسال وحدات قتالية إلى هناك كإجراء احترازي، إزواء تهديد المسلمين الوشيك.

وتشير الروايات الواردة عن معركة مؤتة إلى أن البيزنطيين استعادوا نوعًا من السلطة في تلك المناطق البعيدة نسبيًا الواقعة شرقي نهر الأردن من أجل:

- المحافظة على جناح فلسطين.

- الاستجابة لمطالب السكان المحليين للحماية.

- عودة الإمبراطورية إلى الحدود السابقة.

- حماية الحجاج النصارى إلى بيت المقدس، وإلى جبل نبو، وهو المكان الوحيد الذي يقصده الحجاج في شرقي نهر الأردن.

- تأمين طرق التجارة مع البدو، وسكان سواحل البحر الأحمر، بفعل تذمر التجار الذين كانوا يتأذون من انعدام الأمن.

مما أثار النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ودفعه إلى اتخاذ قرار بإرسال حملة إلى تبوك في شمالي الحجاز، وواحة دومة الجندل.

وهكذا فإن حتمية مواجهة الخطر الذي فرضته التعبئة البيزنطية الواسعة في البلقاء، كانت أبرز دوافع هذا التحرك الإسلامي المضاد، تفاديًا لإثارة المشكلات الداخلية في الجزيرة العربية، وحفاظًا على انتصارات المسلمين في الداخل، وشمولية الدعوة الإسلامية.

وفي غمرة هذه التحولات، أرسل النبي حملة أخرى إلى بلاد الشام بقيادة عمرو بن العاص بعد نحو شهر، عندما بلغه أن حشودًا من بلي، وقضاعة وعاملة وكلب وغسان، ولخم وجذام تجمعت بهدف غزو المدنية، وهي التي عرفت بغزوة ذات السلاسل، وقد بلغ عديدها ثلاثمائة مقاتل، وبفعل الحشود القبلية الضخمة التي صادفها عمرو، طلب نجدة عاجلة من المدينة، فأمده النبي بمائتي مقاتل بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وبعد عدة اصطدامات مع جماعات قبلية عادت الحملة إلى المدينة2.

1 ابن هشام: ج4 ص74.

2 المصدر نفسه: ص239، وذات السلاسل وراء وادي القرى بينها، وبين المدينة عشرة أيام.

ص: 120

غطت هذه الحملة بنتائجها الإيجابية، والمتمثلة بفرض الوجود

الإسلامي بعد الانتشار الواسع للمسلمين في هذه المناطق، وتهديد بلاد الشام، وإن يشكل غير مباشر؛ النتائج السلبية لغزوة مؤتة، وأعادت الثقة إلى نفوس المسلمين في المدينة.

ووصلت إلى مسامع النبي، بعد عودته إلى المدينة في "أواخر 8هـ/ أوائل 630م"، في أعقاب فتح مكة وانتصاره في حنين؛ أنباء عن حشود بيزنطية -عربية مشتركة بهدف القيام بهجوم على المدينة، والقضاء على الدولة الإسلامية الناشئة، قبل أن يشتد ساعدها، وتشكل خطرًا جديًا على الوجود البيزنطي في بلاد الشام؛ فقرر التصدي لها، فخرج من المدينة في شهر "رجب 9هـ/ تشرين الأول 630م" على رأس جيش يقدر بثلاثين ألف مقاتل، ووصل إلى تبوك، وهي إحدى المحطات التجارية على الطريق التجارية بين وادي القرى، وبلاد الشام1.

ويبدو أن قوى التحالف تهيبت الموقف، فآثرت الانسحاب باتجاه الشمال، مستهدفة في الوقت نفسه جر القوات الإسلامية إلى عمق الأراضي الشامية، والانقضاض عليها هناك، لكن النبي لم يتح للمتحالفين تحقيق هدفهم، وعسكر في تبوك جاعلًا إياها آخر نقطة في توغله شمالًا.

وراح النبي يتصل بزعماء القبائل النصرانية المنتشرة في المنطقة في محاولة لاستقطابهم، وفك تحالفهم مع بيزنطية، وفعلًا وفدت عليه وفود القبائل المجاورة، وصالحته على الجزية نذكر منهم يوحنا بن رؤبة صاحب أيلة2، ووفود من جرباء3 وأذرح ومقنًا4، وأرسل خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك أمير دومة الجندل، فقاتله وأسره وقدم به إلى المدينة، فعفا عنه النبي وصالحه على الجزية5.

الواقع أن النبي حقق بحركته الصعبة تلك، انتصارًا على الجبهة الشمالية، فقد استقطب عددًا من القبائل العربية القاطنة في جنوبي بلاد الشام، وربطها بالدولة الإسلامية التي أظهرت تفوقًا أمامها، وامتد نفوذ هذه الدولة إلى عمق المناطق التي كان سكانها يعملون لصالح البيزنطيين، ويؤدون دورًا خطيرًا في مقاومة امتداد الإسلام

1 ابن هشام: ج4 ص173- 177.

2 أيلة: مدينة على ساحل بحر القلزم "الأحمر" مما يلي الشام، وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام، الحموي: ج1 ص292.

3 جرباء: موضع من أعمال عمان بالبلقاء من أرض الشام قرب جبال السراة من ناحية الحجاز، المصدر نفسه: ج2 ص118.

4 مقنًا: تقع قرب أيلة، الحموي: ج5 ص178.

5 الواقدي: ج3 ص1025- 1028.

ص: 121

باتجاه الشمال، ويعد خضوع هذه القبائل، وقطع علاقاتها ببيزنطية فتحًا لمنافذ الطرق إلى بلاد الشام، وبعثًا لروح المقاومة والتحرير في نفوس العرب، ويذكر الأزدي1.

أن لخمًا وجذامًا وغسانًا، وعاملة والقين وقبائل من قضاعة، اشتركوا مع المسلمين في معركتي أجنادين2 واليرموك3، كما تعد المعاهدات التي عقدها النبي مع هذه القبائل بمثابة اعتراف بالقوة الإسلامية الناشئة، كما يصح عدها نواة الفتوح الإسلامية لبلاد الشام في عهد أبي بكر الصديق4.

وجهز النبي، بعد عودته إلى المدينة من غزوة تبوك، حملة أخرى بقيادة أسامة بن زيد لإرسالها إلى التخوم الشمالية، والواضح أنه لم يستهدف فتح بلاد الشام، أو الدخول في معركة سافرة مع البيزنطيين بدليل أنها تألفت من ثلاثمائة مقاتل فقط، وإنما هدف أن تكون أشبه بمناورة عسكرية، وإظهار قوة المسلمين أمام القبائل التي ما تزال تساند البيزنطيين، لكن النبي توفي قبل أن تنطلق الحملة5.

الثاني: التغيير الإداري

عندما تسلم هرقل زمام الحكم في القسطنطينية في عام 610م، كان الخراب والدمار قد حلا بالإمبراطورية، وساءت أحوال البلاد الاقتصادية والمالية، وأصاب الشلل أجهزة الإدارة الحكومية، وأضحى النظام العسكري الذي يستند على تجنيد المرتزقة، عديم الفائدة، بعد أن عجزت الدولة، عن تجنيد المرتزقة بفعل فراغ الخزانة من الأموال، ويكمن دور المال هنا في تجنيد العرب للخدمة في الجيس البيزنطي، وضمان استمرارهم فيه، وازدادت أهميته مع تنامي الدولة الإسلامية، وتهديدها للمناطق الجنوبية من بلاد الشام، وتعرضت الأقاليم الكبيرة الواقعة في وسط الإمبراطورية لغارات الأعداء، فاستقر الصقالبة، والآقار في البلقان، في حين وطد الفرس وجودهم في قلب آسيا الصغرى، ولم يكن ثمة وسيلة لإنقاذ الإمبراطورية، التي أضحت بحاجة ماسة للدفاع عن نفسها، سوى قيام حركة إصلاح داخلية.

1 فتوح الشام: ص130، 226، 227.

2 أجنادين: موضع معروف بالشام من نواحي فلسطين، وفي رواية: أجنادين من الرملة من كورة بيت جبرين، الحموي: ج1 ص103.

3 اليرموك: واد بناحية الشام في طرف الغور يصب في نهر الأردن، ثم يمضي إلى البحيرة المنتنة، المصدر نفسه: ج5 ص434.

4 بيضون: حملة مؤتة ص123، 124.

5 ابن سعد: ج2 ص189، الواقدي: ج3 ص1117.

ص: 122

وفي الوقت الذي كانت فيه الإمبراطورية تتعرض للضغط الخارجي، وسوء الأحوال الداخلية، انصرف هرقل إلى القيام بإصلاحات بالغة الأهمية، وهبتها قوة جديدة، لقد التفت في بادئ الأمر إلى إعادة تنظيم أقاليم الدولة بما أدخله من نظام الأجناد، وترتب على ذلك التخلص من أسس النظام الإداري الذي وضعه الإمبراطوران دقلديانوس وقسطنطين، والذي لم يعد ملائمًا لسد حاجات العصر1.

وجرى تقسيم الأراضي التي لم يمسها العدو بالضرر إلى أقاليم عسكرية كبيرة، وهي المعروفة بالأجناد، يتولى حكم كل منها قائد عسكري، وبذلك اتخذت التنظيمات الإدارية الجديدة طابعًا عسكريًا خالصًا2.

ويتمثل هذا النظام في استقرار الجند في أقاليم آسيا الصغرى، وبلاد الشام، ولذا جرى إطلاق لفظ أجناد على الأقاليم العسكرية التي نشأت بعد ذلك، وأضحى هذا اللفظ الذي كان يطلق على لواء من الجند، يطلق على الأرض التي تشغلها القوات العسكرية، وتقرر منح الجند مساحات من الأرض كحل للاضطراب المالي بشرط أن تكون الخدمة العسكرية مقابل ذلك وراثية.

قسم هرقل آسيا الصغرى إلى أربعة أجناد هي: الأرمنياك ويقع إلى الشمال الشرقي، ويتاخم أرمينية، والأبسيق الذي يقع قرب بحر مرمرة على الساحل الغربي، والكاراباسيني، ويقع على الساحل الجنوبي لآسيا الصغرى، والناطليق ويقع في المنطقة الشرقية، أما الأقاليم الواقعة إلى الشرق، والجنوب من هذه الجهات، فكانت في أيدي الفرس لذلك لم يشملها نظام الأجناد3.

ويعد نظام الإقطاع العسكري الأساس الذي قام عليه جيش وطني قوي، وهو الذي حرر الإمبراطورية مما تفتقر إليه من الجند المرتزقة الذين يكلفون الدولة أموالًا طائفة، وغدا الجند الفلاحون الذين حصلوا على إقطاعات مقابل الالتزام بالخدمة العسكرية، والنازلون في الإقطاعة، عنصرًا ثابتًَا في قوات الجيش البيزنطي، وأمدتهم إقطاعاتهم بالوسائل الاقتصادية التي تكفل لهم سبل العيش، فكان كل منهم يخرج إلى الحرب بسلاحه وفرسه4، ومن النتائج التي ترتبت كذلك على قيام هذا النظام أن أصبح من اليسير تجنيد جيش من داخل الإمبراطورية البيزنطية يتراوح عديده بين

1 العريني: الدولة البيزنطية ص120.

2.

Vasilev: p227. Ostrogonky: p86

3 العريني: ص121.

4 المرجع نفسه: ص122.

ص: 123

مائة وثلاثة عشر ألفًا، ومائة وثلاثين ألفًا موزعين على مختلف المناطق التي تشكل الإمبراطورية.

وحل نظام الأجناد محل نظام حكومات الأقاليم الذي فقد أهميته، والذي كان يعد من أهم مظاهر الإدارية البيزنطية، ونتج عن ذلك أن تغلبت الصفة العسكرية على إدارة الإمبراطورية، وأعيد النظر بتنظيم القوات المسلحة، وأتاح هذا التغيير إلى قلب المعادلة العسكرية لصالح البيزنطيين أمام الفرس1.

غير أن هذا النظام الجديد لم يترسخ في بلاد الشام بفعل قصر المدة بين إقراره، ووقوع هذه البلاد بأيدي المسلمين، وبالتالي لم يتح لهذا الإقليم أن يستفيد من إيجابياته، وفوجئ البيزنطيون بالزحف الإسلامي باتجاه بلاد الشام، وهم في حالة انتقال من النظام القديم إلى النظام الجديد المستحدث.

الثالث: النظام الضريبي، وأثره على الحياة العامة

تعود أسس النظام الضريبي في الدولة البيزنطية إلى أيام الإمبرطورين دقلديانوس وقسطنطين، وكانت الضرائب المفروضة على المدن، والقرى في بلاد الشام على نوعين: ضرائب نظامية، وضرائب طارئة لمواجهة أوضاع خاصة، وأهم الضرائب النظامية اثنتان:

الأولى: ما يفرض على الأرض، وتقدر بنسبة معينة من قيمتها، ثم قدرت بنسبة "12.5%" من المحاصيل.

الثانية: ضريبة الرأس.

أما الضرائب الطارئة فتفرض في مناسبات خاصة، وتعد أكثر إرهاقًا لطبقة الشعب من الضرائب النظامية، مثل ضريبة الحرب في أيام الإمبراطور هادريان، وضريبة التاج، وضريبة الطعام لسد الحاجات المتغيرة للحاميات، وللإدارة الرومانية، وأضيفت ضريبة الأرض إلى ضريبة الرأس في عهد قسطنطين، فأضحى مجموع الوحدات التي تجمع بين الناس والأرض، أساساً للتقدير، وهذا يعني ربط الإنسان بالأرض2.

ويبدو أن هذا النظام الضريبي لم يعد يفي بسد حاجات الدولة بسبب كثرة النفقات العسكرية الإدارية، وسبب عيوب النظام الإداري انتشار الفساد، وتفشي

1 العريني: ص123.

2الدوري، عبد العزيز: تنظيمات عمر بن الخطاب، الضرائب في بلاد الشام ص457، 458، بحيث قدم في المؤتمر الدولي الرابع لتاريخ بلاد الشام.

ص: 124

السرقة، وابتزاز الأموال، وأدى ذلك إلى الفقر والخراب، وأثار الاضطرابات الداخلية، وفقدان الأمن.

وما حدث في الإمبراطورية بعد ذلك، من مشكلات اجتماعية، وتراجع الزراعة بفعل الحروب المستمرة في الخارج، والثورات الداخلية، دفع بالإمبراطور جستنيان إلى حل المشكلات المالية من خلال إصلاح النظام الضريبي، ففرض على رعاياه أن يدفعوا كل ما للحكومة من ضرائب، وأمر بمسح الأرض، وقسمها إلى وحدات متساوية في قيمة الإنتاج بغض النظر عن مساحتها، تدفع كل وحدة منها ضريبة ثابتة، ثم أحصى السكان في القرى، وفرض عليهم ضريبة الرأس، وتحددت قيمة الضريبة في بلاد الشام على الذكور من 14 إلى 65 عامًا، وعلى الإناث من 12 إلى 65 عامًا1.

وحصل الملاكون الكبار على حق جباية الضرائب المستحقة على ضياعهم، ودفعها إلى الخزينة المركزية مباشرة مما جعل سلطة الجباة عليهم منعدمة، وكلف المجلس البلدي في كل قرية بجمع الضرائب من القرى التابعة للمدينة وتوزيعها، ولقد ساهم سكان القرية في دفع الضرائب.

نتج عن هذا النظام، أن تحمل الفلاحون، والمزارعون العبء الأكبر من الضريبة، وربطوا هم، وأسرهم بالأرض التي سجلوا عليها، وذلك بهدف تيسير جمع الضرائب، ولضمان زراعة الأرض، كما أن سوء الجباية وتعسف الجباة دفع صغار الملاكين إلى طلب حماية كبار الملاكين؛ ليتولوا مسئولية دفع الضرائب عنهم مقابلت نازلهم لهم عن أملاكهم، فأصبحوا بذلك مزارعين مرتبطين بالأرض، وعمد الملاكون الكبار من جهتهم إلى مضايقة الملاكين الصغار، ودفعهم إلى طلب حمايتهم بهدف توسيع ملكياتهم، ومع أن السلطات الإمبراطورية لم تكن تشجع الحماية، وحاولت الحد منها، إلا أنها اعترفت بها في أوائل القرن الخامس الميلادي، كأمر واقع وكحل لمشكلة الضائقة الاقتصادية2.

ومن الأمثلة التي يسوقها المؤرخون المتعلقة بالظلم الاجتماعي في بلاد الشام المرتبط أساسًا بالنظام المالي، أن أبا عبيدة بن الجراح استعمل حبيبًا بن مسلمة على خراج حمص بعد أن فتحها المسلمون بموجب الصلح الذي عقد بين الطرفين، وكان من أهم بنوده أن منح الأمان لأهل المدينة مقابل "سبعين ألف دينار عاجلة، وعلى أداء الجزية عن كل محتلم في كل سنة أربعة دنانير"3.

1 الدوري: ص458.

2 المرجع نفسه: ص458، 459.

3 البلاذري: ص136، ابن أعثم: ج1 ص171.

ص: 125

وعندما اضطر المسلمون للجلاء عن حمص قبل معركة اليرموك، طلب أبو عبيدة من عامله على الخراج أن يعيد ما كان قد أخذه من أهل حمص إليهم، "فإنه لا ينبغي لنا إذا لم نمنعهم أن نأخذ منهم شيئًا"1.

واجتمع حبيب بن مسلمة بأهل حمص ورد عليهم ما لهم، فقالوا له:"ردكم الله إلينا، ولعن الذين كانوا يملكوننا من الروم، ولكن والله لو كانوا هم ما ردوا علينا بل غصبونا، وأخذوا ما قدروا عليه من أموالنا، لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم، والغشم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم"2.

الجيش البيزنطي 3:

عندما بحثنا في أوضاع الإمبراطورية الفارسية، تناولنا أوضاع الجيش الفارسي من حيث تشكيلاته، وعدته وتكتيكه العسكري، وحتى نستكمل الدراسة العسكرية للقوى المسلحة التي واجهها المسلمون أثناء الفتوح، نبحث هنا أوضاع الجيش البيزنطي.

لقد وضع الإمبراطور موريس، والقائد بلزاريوس أساس الجيش البيزنطي، وزاد الإمبراطور هرقل من كفاءته، وقدرته القتالية، وانتصر به على الفرس، والصقالبة والآفار.

أعاد الإمبراطور موريس تنظيم الهيكل العام للجيش، ووضع أسس التجنيد، ورفع عديد الوحدة القتالية إلى أربعمائة، وجعلها الوحدة الأساسية للجيش، ثم جمع عددًا من هذه الوحدات في مجموعة واحدة يتراوح عديدها بين ستة وثمانية آلاف، وسماها "الفرقة".

وتشكل فرقة الفرسان الثقيلة عماد الجيش البيزنطي بما لها من أهمية كبيرة، ويرتدي الفارس قميصًا معدنيًا من رقبته حتى الفخذين، ويحمل درعًا مستديرًا، كما يرتدي قلنسوة على رأسه، وقفازًا طويلًا يغطي اليدين إلى ما بعد الرسغ، وينتعل حذاء من الصلب، وزودت جياد الضباط، وقوات الخط الأمامي بمقدمة حديد لحمايتها، وجهزت الجياد بسروج مريحة، وركاب حديدي.

يستخدم الفارس أثناء القتال سيفًا عريضًا، وخنجرًا وقوسًا، ويحمل جعبة مملوءة بالسام وحربة طويلة، ويثبت بلطة في سرج جواده أحيانًا.

1 الأزدي: فتوح الشام، ص155.

2 المصدر نفسه: ص138، البلاذري: ص143.

3 مونتغمري، فيلد مارشال: الحرب عبر التاريخ ص194- 202.

ص: 126

وكان الزي العسكري موحدًا، يشتمل على معطف، وعلم مثلث على رأس الرمح، وخصلة من الشعر على الخوذة.

والواقع أن هذا اللباس العسكري للفرسان، الذي اتصف بثقل الوزن، شكل عاتقًا أثناء العمليات القتالية أمام القوى الإسلامية التي اتصف مقاتلوها بخفة الحركة، إذ حد من حرية حركة الفارس، وحرمه من الاستفادة من كفاءته القتالية، ولياقته البدنية.

وانقسمت فرقة المشاة في الجيش البيزنطي إلى قسمين:

الأولى: فرقة المشاة الثقيلة، ارتدى أفرادها رداء معدنيًا، وقفازات طويلة، ودروعًا للساق، وخوذة حديدية من الأمام، وحملوا دروعًا مستديرة كبيرة، وشكل الرمح والسيف، والبلطة سلاحهم الهجومي، وكان هذا اللباس عائقًا ميدانيًا لهذه الفرقة من المشاة تمامًا مثل فرقة الفرسان الثقيلة.

الثانية: فرق المشاة الخفيفة، واقتصرت مهماتها العسكرية على الدفاع عن الممرات، والمناطق الجبلية، وحماية القلاع، والمدن الهامة، وشكل الرماة عماد هذه الفرقة.

ويتناسب تنظيم الوحدات العسكرية مع التكتيل الذي ينفذونه أثناء القتال، وهو أسلوب مرن يتغير من معركة إلى أخرى، ويحدد من قبل القادة بالاستناد إلى أسلوب العدو القتالي.

وكان هناك سلم لرتب الضباط، أما المصطلحات الفنية المستخدمة في الجيش البيزنطي، فكانت خليطًا من الكلمات الرومانية، واليونانية واللاتينية.

وعرفت بيزنطية نظام الكتائب في التكتيك القتالي القائم على سلاحي الفرسان والمشاة، وذلك بعد أن أخذته عن اليونان، إلا أن في العصر الإسلامي الأول، كانت جيوش بيزنطية تقسيم إلى فرق تسمى كراديس بضم كل منها زهاء ستمائة جندي1.

1 سويد: ص80.

ص: 127

خريطة العراق

ص: 128

خريطة خطة أبي بكر لفتح العراق

ص: 129