المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصراع بين علي وأصحاب الجمل: - تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية

[محمد سهيل طقوش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌الباب الأول: أبو بكر الصديق 11-13هـ-632-634م

- ‌الفصل الأول: الأوضاع السياسية في الجزيرة العربية عقب وفاة النبي

- ‌الأوضاع السياسية في المدينة

- ‌اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة

- ‌الأوضاع السياسية خارج المدينة:

- ‌الفصل الثاني: تفشي ظاهرة التنبؤ في المجتمع العربي

- ‌الفصل الثالث: حروب الردة

- ‌مدخل

- ‌ملابسات حوادث بني تميم:

- ‌القضاء على ردة بني حنيفة:

- ‌الفصل الرابع: أوضاع الدولتين الفارسية، والبيزنطية عشية الفتوح الإسلامية:

- ‌أوضاع الدولة الفارسية

- ‌تراجع النفوذ البيزنطي من بلاد الشام عشية الفتوح الإسلامية:

- ‌الفصل الخامس: الفتوح في عهد أبي بكر

- ‌فتوح العراق:

- ‌فتوح بلاد الشام:

- ‌الفصل السادس: استئناف الفتوح في عهد عمر:

- ‌فتوح العراق:

- ‌معركة القادسية:

- ‌الفصل السابع:‌‌ استكمال فتوح العراق-فتوح فارس "إيران

- ‌ استكمال فتوح العراق

- ‌فتوح فارس "إيران

- ‌الفصل الثامن: استكمال فتوح بلاد الشام-فتوح الجزيرة وأرمينية والباب

- ‌مدخل

- ‌معركة اليرموك

- ‌فتح بيت المقدس

- ‌الفصل التاسع: فتوح مصر

- ‌مدخل

- ‌أثر الفتح الإسلامي على أوضاع الأقباط:

- ‌التوسع نحو الغرب:

- ‌الفصل العاشر: الدولة الإسلامية في عهد عمر-مقتل عمر

- ‌مدخل

- ‌الإدارة في عهد عمر:

- ‌الموظفون الإداريون:

- ‌الوالي:

- ‌الدواوين:

- ‌القضاء:

- ‌القضاء في عهد عمر:

- ‌إدارة البلاد المفتوحة من خلال عقود الصلح:

- ‌الفصل الحادي عشر: الفتوح في عهد عثمان

- ‌الفصل الثاني عشر: الفتنة الكبرى ومقتل عثمان

- ‌الباب الرابع: علي بن أبي طالب 35-40هـ/ 656-661م

- ‌الصراع بين علي وأصحاب الجمل:

- ‌المواجهة المسلحة الأولى بين المسلمين:

- ‌وقعة الجمل:

- ‌الصراع بين علي، ومعاوية، والخوارج

- ‌معركة صفين:

- ‌مرحلة التجهيز، والاستعداد:

- ‌معركة النهروان:

- ‌الخاتمة:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌محتوى الكتاب:

الفصل: ‌الصراع بين علي وأصحاب الجمل:

‌الباب الرابع: علي بن أبي طالب 35-40هـ/ 656-661م

الفصل الثالث عشر: أوضاع المسلمين العامة في ظل خلافة علي بن أبي طالب:

‌الصراع بين علي وأصحاب الجمل:

التعريف بعلي:

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، ابن عم النبي: يكنى بأبي تراب، وهو أبو الحسن الهاشمي، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، اعتنقت الإسلام، وهاجرت إلى المدينة1.

ولد علي في مكة قبل البعثة بعشر سنين ونشأ في حجر النبي، وذلك أن أبا طالب كان كثير العيال، فلما أصاب مكة جدب، طلب النبي من عمه العباس أن يخفف عن أبي طالب مشقة العيش بأن يعول بعض ولده، فذهبا إليه وعرضا عليه المساعدة فقبل، فضم العباس إليه جعفرا وضم النبي عليًا2، ولما بعث النبي كان علي أول من آمن به من الصبيان، وهو ابن عشر سنين3، وتجري روايات المصادر أن النبي عندما دعا قريشًا إلى دينه الجديد، أحجموا عن الاستجابة، وقرروا عدم مناصرته، فصاح علي في حماسة الصبي قائلًا:"أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه"4.

عرف علي بالشجاعة والبطولة، وليس أدل على ذلك من تعرضه للخطر في الليلة التي هاجر فيها النبي، إذ لبس ثوبه وبات في فراشه، مع أنه كان يعلم عزم المشركين على قتله في تلك الليلة، ثم لحق به إلى المدينة بعد أن أدى الودائع التي كانت عند النبي لأصحابها5.

وقد زوجه النبي من ابنته فاطمة في السنة الثانية للهجرة، فولدت له الحسن والحسين ومحسنًا، وقد مات صغيرًا، وزينب وأم كلثوم، ثم تزوج أم البنين بنت

1 ابن كثير: ج7 ص223.

2 ابن هشام: ج1 ص285.

3 المصدر نفسه، ص282.

4 الطبري: ج2 ص321.

5 ابن هشام: ج2 ص222، 223.

ص: 427

حزام، بعد وفاة فاطمة، فأنجبت له العباس وجعفرا وعبد الله وعثمان، وقد قتلوا مع الحسين بكربلاء، ولا بقية لهم غير العباس، وتزوج ليلى ابنة مسعود بن خالد النهشلي، فولدت له عبيد الله وأبا بكر، وقد قتلا كذلك في كربلاء. وتوزج أسماء ابنة عميس الخثعمية، فولدت له يحيى ومحمدًا الأصغر1، وعلى عادة العرب، فقد كانت له عدة زوجات كما كان له تسع عشرة سرية، وقد بلغ عدد أولاده الذكور أربعة عشر ولدًا، والإناث سبع عشرة، وقد توفيت بعض زوجاته في حياته وطلق بعضهن، وتوفي وفي بيته أربع منهن2.

اشترك علي في جميع الغزوات باستثناء تبوك؛ لأن النبي خلفه على المدينة، وقد روى كثيرًا عن النبي، كما روى عنه عدد من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، بالإضافة إلى ابنيه الحسن والحسين.

اشتهر علي بشجاعته في الحروب، وموقفه يوم خيبر معروف، ودفع إليه النبي براية القيادة، وهو ابن عشرين سنة، وكانت شجاعته تصيب أعداءه بالهلع والارتباك، ولكنه كان يفتقد إلى حزم الحاكم ودهائه، وتنقصه الحنكة السياسية، وعدم التردد في اختيار الوسائل لتثبيت مركزه، وقد سمح هذا لمنافسيه بالتغلب عليه.

ولما توفي النبي انهمك علي في تجهيزه ودفنه، وكان يرى أنه أحق المسلمين بالخلافة بعد النبي لما له من السابقة في الإسلام؛ ولأنه أقرب الناس إلى النبي نسبًا وصهرًا، فلما آلت الخلافة إلى أبي بكر بايعه بغض النظر عن المدة التي بقي فيها بدون بيعة.

كان علي موضع ثقة أبي بكر، يستشيره في الأمور الهامة، وكذلك كان في أيام عمر الذي لم يكن يقدم على عمل إلا بعد استشارته، وكان أحد أعضاء مجلس الشورى الستة الذين اختارهم عمر لانتخاب أحدهم لخلافته.

ظروف تولي علي الخلافة:

اتخذ الانقسام الذي أفرزته الثورة على عثمان طابعًا نهائيًا بفعل عمق الجرح، واتساع الهوة بين الفئات المتناقضة التوجهات في المجتمع الإسلامي، وخلق فرزًا اجتماعيًا جذريًا بين الجمهور القبلي من جانب، وبين النخبة القرشية من جانب آخر، بالإضافة إلى ولادة الفرق السياسية، ونشوء الفكر السياسي في تاريخ الإسلام3.

1 الطبري: ج5 ص153، 154.

2 ابن كثير: ج7 ص322.

3 إبراهيم: ص262.

ص: 428

كان الخيار المطروح بعد مقتل عثمان هو إما العودة إلى نظام عمر الذي اعتمد أساسًا على المصالح القبلية وقيمها، وإما الاستمرار في السير على نهج عثمان من واقع النظام الجديد الذي يعتمد على أولوية المصالح القرشية، وقد توزعت مواقف الصحابة بخاصة، والمسلمين بعامة بين هذين الخيارين، ومثل الصراع بين علي، ومعاوية هذه الثنائية المتناقضة، وقد تبنى الأول مطالب الثائرين في حين جسد الثاني الاستمرارية الحية المباشرة لنهج عثمان.

وتواجه الباحث صعوبات عديدة، وهو يرسم صورة الأحداث التي تم من خلالها اختيار الخليفة الراشدي الرابع، وذلك بفعل كثرة الروايات وتناقضها، لكن الدراسة الموضوعية تمكن من استيعاب الواقع التاريخي، إذ إن اختيار علي كان وليد الظروف التي أعقبت مقتل عثمان مباشرة، فقد خلفت حادثة القتل فراغًا سياسيًا كان لا بد من ملئه على وجه السرعة، لهذا كان ضغط الوقت شديدًا على الجميع للإسراع في الاتفاق على مرشح واحد للخلافة، تجمع عليه الأمة، وسط الذهول والانصدام، والحذر والتريث الذي خيم على أهل المدينة.

كان الثائرون ما يزالون يسيطرون على المدينة، ويملكون ناصية القرار السياسي والعسكري، إلا أنهم لم يمارسوا السلطة فعليًا، وبدوا مرتبكين وغير متوحدين أمام جسامة الحدث الذي خلقته حركتهم، وافتقروا إلى الرؤية الواضحة للخروج من المأزق، وبالتالي لم يملكوا مشروعًا للحل يمس الخلافة مباشرة، هذا في الوقت الذي أخذ فيه معظم الصحابة يتوارون عن الأنظار في عاصمة الخلافة، مفضلين الابتعاد عن التطورات التي أفلتت من أيديهم، وكان الفراغ في السلطة ينذر بأسوأ النتائج، واشتدت الحاجة إلى منقذ يتمتع بتأييد الأغلبية في التوجهات السياسية، وبخاصة الممثلة لجماعة الثائرين المعنية مباشرة بالوضع القائم1.

وهكذا، رشح المصريون عليًا، فاختبأ منهم، وطلب الكوفيون الزبير، فلم يجدوه، فأرسلوا إليه رسلًا، فباعدهم وتبرأ من مقالتهم، وطلب البصريون طلحة، فباعدهم أيضًا وتبرأ من مقالتهم، على الرغم من أن كلًا منهما كان طامعًا بالسلطة، محبًا لها، إلا أن الجو السياسي العام كان لا يسمح بتولي منصب الخلافة من دون الاتهام بممالأة الثائرين؛ الأمر الذي دفع الثائرين إلى التفاوض مع كل من عبد الله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، فرفضا وعد كل منهما نفسه قد أخرج من الأمر2، عندئذ ترك هؤلاء الأمر لأهل المدينة.

1 الطبري: ج4 ص432.

2 المصدر نفسه: ص427.

ص: 429

توجه بعض الصحابة من المهاجرين، والأنصار نحو علي وخاطبوه قائلين: "إن هذا الرجل قد قتل، ولا بد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحدًا أحق بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم1. والواضح أن معالم شخصيته وحياته العامة جعلته، آنذاك، رجل الإسلام المهم.

والواقع أن الوضع كان استثنائيًا، إذ لا يمكن أن يكون منصب الخلافة شاغرًا،والمسلمون بلا راع، في تلك الظروف العصيبة والمضطربة التي كانوا يعيشونها، ويشير ذلك إلى خطورة الحالة، والقلق من انهاير كل شيء، ولا بد من تنصيب خليفة.

كان اسم علي يفرض نفسه، فهو الأكثر نشاطًا من خلال الأزمة، والذي بدا من خلال هذ الموقع المحاور الوحيد بعد انكفاء طلحة، والزبير واعتزال سعد بن أبي وقاص2، وهم الأربعة الذين بقوا من أهل الشورى، ومثلوا النخبة السياسة في المدينة، كما أنه لم يكن موضع اتهام، غير أن الأمور لم تجر على نحو مؤسساتي، وفقًا لآلية مجلس الشورى التي وضعها عمر، ولا برضى بعض كبار الصحابة وموافقتهم، إنما جاءت كخطوة شعبية دون استشارات، فقد قال جمهور المسلمين:"علي بن أبي طالب نحن راضون به"3.

والملاحظ أن الثائرين الذين كانوا يشكلون عامل ضغط، تراجعوا عن التدخل في هذه العملية معترفين بأن أهل المدينة، وحدهم هم الذين كانوا يمنحون الشرعية، ونجحوا في طي خلافاتهم من مشكلة المرشحين، وهو ما عبر عنه المصريون بقولهم:"أنتم أهل الشورى، وأنتم تعقدون الإمامة، وأمركم عابر على الأمة، فانظروا رجلًا تنصبونه، ونحن لكم تبع"4.

لم يكن علي في البداية راغبًا في تولي الخلافة، وخاطب الذين رشحوه قائلًا:"لا تفعلوا، فإني أكون وزيرًا خير من أن أكون أميرًا"5، عندئذ صعد أهل الأمصار من ضغطهم، فهددوا أهل المدينة بقتل هؤلاء الثلاثة، علي وطلحة والزبير، وناس كثير، مما دفع عامة الناس بمطالبة علي بقبول البيعة وخوفوه الفتنة، فوافق كارهًا خشية منه على الدين، والمسلمين من مزيد من التمزق، وهدف إلى وأد الفتنة وإعادة تجميع جسم الأمة المتناثر، وترميم النظام القائم للسلطة، وتعزيز التواصل بين القوى

1 الطبري: ج4 ص432.

2 المصدر نفسه.

3 المصدر نفسه.

4 المصدر نفسه.

5 المصدر نفسه: ص427.

ص: 430

الاجتماعية الجديدة الأكثر اعتدالًا، والأقل تورطًا في القتل التي يمثلها الأشتر وأصحابه1.

واشترط علي على أهل المدينة أن تتم بيعتهم له عن عملية شورى يشترك فيها الصحابة من أهل الشورى، وأهل بدر وعامة الناس، وأن تكون علنية في المسجد2، وذلك حرصًا على جميع كافة المسلمين حوله، وهكذا بايعه من بايع من عامة المسلمين، وكبار الصحابة، ومن بينهم طلحة والزبير3، وذلك يوم الجمعة في "24 ذي الحجة 35هـ/ 23 حزيران 656م"4، من هنا لا يمكن القول بأن عليًا كان رجل الثائرين، والمنتخب منهم كما سيدعي خصومه، ومن جهة أخرى، فإنه قبل بالتولية في ظروف كهذه، وهذا يعني ضمنًا التسليم بالأمر الواقع، والتحول نسبيًا إلى رهين للثورة5.

الواضح أنه كانت هناك رغبة للعودة إلى النظام من قبل عامة المسلمين بالإضافة إلى الثائرين، لكن المعارضة السياسية لن تصدر عن علي ومن سانده، بل تحولت إلى الذين يريدون الرد على مقتل عثمان، إذا وجدت فئة من كبار الصحابة ستتراجع عن بيعتها بحجة أنها جاءت تحت ظروف قاهرة، إما تحت تهديد السلاح من قبل أهل الأمصار، أو طوعًا انجرارًا مع العامة، أو خوفًا من بطش الغوغاء، وستنخرط في الحرب الأهلية، مثل مثل الزبير وطلحة6.

ويبدو أن الذين استعدوا عليًا تحركوا من خلال دافعين:

الأول: هو افتقارهم إلى دور الشريك في السلطة، وما يترتب على ذلك من تهديد لمصالحهم الحيوية.

الثاني: هو الخوف على امتيازات لم يعد من السهولة التخلي عنها، والعودة إلى نهج عمر الصارم والمتشدد7.

لكن عليًا أضحى الخليفة الشرعي للمسلمين؛ لأن وجوه الصحابة، والمسلمين من المهاجرين، والأنصار قد بايعوه، وهم أهل الحل والعقد، وإن لم يتوفر لبيعته إجماع كالبيعات الثلاث السابقة، فقد ظل معاوية خارج إطار المبايعة، واعتزل سعد بن أبي وقاص ولم يبايع، كما رفض عدد من الصحابة مبايعته انطلاقًا من كونهم عثمانيين،

1 الطبري: ج4: ص427.

2 جعيط: ص142.

3 الطبري: ج4 ص427-430، ابن قتيبة: ج1 ص43، 44، البلاذري: ج3 ص8.

4 ابن الأثير: ج2 ص557.

5 جعيط: ص142.

6 البلاذري: ج3 ص8، 9.

7 بيضون: التيارات السياسية ص120.

ص: 431

مثل حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ومسلمة بن مخلد، وأبي سعيد الخدري، ومحمد بن مسلمة، والنعمان بن بشير، وزيد بن ثابت، ورافع بن خديج وغيرهم، وتردد الأمويون في البيعة، إذ رأوا في تولي علي الخلافة انتقالًا للسلطة من بني أمية إلى بني هاشم، ثم غادروا المدينة إلى مكة، مثل مروان بن الحكم، والوليد بن عتبة وسعيد بن العاص1، إنه موقف قبلي عشائري.

ويبدو أن المزاج العام السائد في الأمصار كان السبب الرئيسي في خلق هذه الأكثرية لصالح علي مما دفع أهل المدينة إلى مبايعته2، وتمت البيعة بعد خمسة أيام من مقتل عثمان، والواقع أن المفارقة المأساوية في حياة علي العامة هي أنه كان المرشح الأبرز، لكنه كان مع ذلك الخليفة الأكثر إنكارًا، والأشد محاربة3.

حاول علي أن يحيى من جديد نهج عمر، على الرغم من تغير الظروف الموضوعية واختلافها كثيرًا؛ لأنه كان يرى أنه الشكل التنظيمي السليم لأوضاع الأمة، وتطورها، وأمورها المصلحية، بالإضافة إلى القيم والمبادئ الدينية، والمعروف أن الرجلين كان يحملان الرؤية نفسها للعلاقة بين الإسلام كدين، وبين تنظيم معاملات الناس بموجب تعاليمه، وأدرك أن مهمته الأولى هي تنقية، وتصفية أجواء العلاقة بين الإدارة المركزية في المدينة، وبين الأمصار. ولتحقيق ذلك، كان عليه القيام بإزالة جميع الإحداثات التي أتى بها عثمان، والتي أدت إلى نهايته، وكان تنفيذها مقرونًا بتغييرات جذرية في أجهزة الحكم، وسياسة الدولة الإدارية والاقتصادية، وتشير الكثير من روايات المصادر إلى تحفظات علي على الكثير من إجراءات عثمان السياسية، والاقتصادية الجديدة؛ لأنه كان يرى فيها ابتعادًا عن نهج النبي وخليفتيه.

كان التغيير الأكثر إلحاحًا من وجهة نظر علي، هو إعادة النظر في الجهاز الإداري المسئول مباشرة، بوصفه الأداة التنفيذية للخلافة، وذلك من واقع تغيير العمال والموظفين، غير أن التصدي لرواسب النظام السابق كان يعني المواجهة مع قوى نافذة بلغت مبلغًا كبيرًا من القوة، بالإضافة إلى الاصطدام مع عدد من كبار الصحابة الذين وقفوا موقفًا سلبيًا، لذلك كان من الضروري أن يسبق هذا القرار بالتغيير اتخذا خطوات تمهد لتنفيذه من أجل تجنب إثارة المعترضين، وهذا ما أشار به عبد الله بن عباس، وهو الإبقاء على عمال عثمان، وبخاصة معاوية4، ونصحه المغيرة بن شعبة

1 الطبري: ج4 ص429، 430.

2 ملحم: ص263.

3 جعيط: ص143.

4 الطبري: ج4 ص439، 440.

ص: 432

بالتريث في هذا المر حتى تهدأ الأوضاع وتستقر، وتتوطد له أسباب الحكم، ثم ينظر ما يكون1.

والراجح أن عليًا أدرك ذلك، إلا أن موقف الثائرين في المدينة، والجو العام في الأمصار المشحون بالنقمة؛ كان ضاغطًا، بالإضافة إلى ذلك فإن مبدأ التغيير كان يعني الشمولية وعدم التجزئة2، كما كان شديدًا في الحق لا يستطيع أن "يراهن في دينه"3، ولم يكن بوسعة أن يلجأ إلى مهادنة ولاة عثمان، والمعروف أن خلع عمال عثمان كان أحد مطالب الثائرين، والمعارضين من القبائل في الكوفة، والبصرة ومصر، لهذا كانه إبعاد عمال عثمان عن الوظائف العامة مسألة مبدئية تصعب المساومة عليها، فالقضية لم تكن أساسًا قضية أشخاص، بل قضية مبدأ ونهج وتصور، بالإضافة إلى أنه كان لا يثق بهم، ولا يمكنه التعامل معهم بفعل اختلاف وجهات النظر بشأن ممارسة الخلافة4.

ومن خلال هذه الرؤية السياسية التي جاءت متسرعة، وهذا الموقف المتصلب، صدر الأمر بعزل ولاة عثمان، واستبدالهم بفئة جديدة غير متورطة في السياسة، وليست لأسمائها شهرة كبيرة خارج المدينة، فبعث قثم بن العباس واليًا على مكة، وعثمان بن حنيف واليًا على البصرة، وعمارة بن شهاب واليًا على الكوفة، وعبيد الله بن العباس واليًا على اليمن، وقيسًا بن سعد واليًا على مصر، وسهلًا بن حنيف واليًا على الشام5.

إن نظرة متأنية إلى أسماء هؤلاء الولاة، تطلعنا أنهم بأكثريتهم ينتمون إلى مجموعة الصحابة التي اتصفت بدرجة عالية من الزهد والتقشف، ولم ترتكز على جاه، أو شرف أو نسب أو مال؛ بمعنى أنهم ينتمون إلى الشريحة الاجتماعية المغايرة للشريحة "الأرستقراطية" الغنية.

والتف حول علي كبار أعلام بني طالب وبني هاشم، مثل عبد الله بن عباس ومحمد بن جعفر، ومحمد بن الحنفية، بالإضافة إلى شخصيات صحابية كبرى مثل محمد بن أبي بكر، وسليمان بن صرد الخزاعي، وأبي قتادة بن ربعي وأبي أيوب الأنصاري، وعمار بن ياسر وغيرهم.

ظهور المعارضة السياسية:

لم يصادف الولاة الجدد عقبات تذكر، باستثناء ما كان منتظرًا من معاوية والي

1 الطبري: ج4 ص438، 440، 441.

2 بيضون: ص121.

3 الطبري: ج4 ص440، 441.

4 إبراهيم: ص266.

5 الطبري: ج4 ص442.

ص: 433

الشام الذي كان يعمل بنزعة لا مركزية، ويجتهد ألا تفوته الفرصة لتحقيق منطق الاستمرارية للأسرة الأموية، وتمكن بحسن سياسته، وإغداق المال على أهل الشام، من استقطابهم، فالتفوا من حوله، وشكلوا قوة يناصرونه، ويأتمرون بأمره، والواضح أنه كان لولاية الشام مركز متفرد؛ لأن معظم العرب الذين كانوا يقطنونها لم يذهبوا إليها مهاجرين مثل باقي الأمصار، كما أنهم تأثروا بالحكم اليوناني، والروماني قبل الإسلام بوصفهم تابعين لدولة الغساسنة، ولذلك اعتادوا على النظام وطاعة الحاكم، والمعروف أن معاوية كان واليًا على هذه المنطقة منذ عهد عمر بن الخطاب، واستمر في عهد عثمان بن عفان، فارتبط مع أهل الشام برباط قوي من الولاء المتبادل، ونتيجة لذلك، لم يتمكن سهل بن حنيف من دخول الشام، واستلام منصبه كوال عينه علي، وهو مؤشر إلى فتح الصراع مع هذا الأخير تحت غطاء الدعوة إلى الاقتصاص من قتلة عثمان.

كان علي يدرك خطورة ولاء أهل الشام لمعاوية، حيث القبائل الموحدة، والجيش القوي الذي تم إعداده، والإدارة التي قطعت شوطًا في التنظيم، أي أن الشام اجتمعت فيها كل عناصر الدولة الفتية، فيما الخلافة قد انهارت دولتها، وكان عليها أن تعيد بناءها من جديد1، فدعا طلحة والزبير، وقال لهما:"إن الذي كنت أحذركم قد وقع يا قوم، وإن الأمر الذي وقع لا يدرك إلا بإمامته، وإنها فتنة كالنار، كلما شعرت ازدادت واستنارت"2.

تجاه هذا التطور السلبي لوالي الشام، أرسل علي كتابًا إلى معاوية دعاه فيه إلى الدخول في طاعته، وعدم تفريق كلمة المسلمين، لكن الأخير لم يجبه حتى انقضت ثلاثة أشهر، فأرسل إليه رسالة بيضاء في شهر "صفر 36هـ/ آب 656م" مع رجل من أنصاره ينتمي إلى عبس، مختومة ومكتوب عليها "من معاوية إلى علي"، وأوصاه بإبراز الرسالة عند دخوله إلى المدينة حتى يراه الناس. فلما وصل إليها، في غرة ربيع الأول، رفع الرسالة فرآها أهل المدينة، فعلموا أنه رفض البيعة، وتوقعوا حدوث أمر ما، ولما فتح علي الرسالة لم يجد فيها سوى البسملة، فطلب من الرجل أن يتكلم، فأخبره بأن خمسين ألف رجل يبكون تحت قميص عثمان، وهو معلق فوق منبر جامع دمشق، ويطالبون بدمه، وقد عاهدوا الله ألا يغمدوا سيوفهم، ولا يغمضوا جفونهم حتى يقتلوا قتلة عثمان، وحمل عليًا مسئولية هذا الدم، فقال علي عندئذ:"اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان"، ثم صرف مبعوث معاوية3.

1 بيضون: الإمام علي ص57، 58.

2 الطبري: ج4 ص443.

3 المصدر نفسه: ص444.

ص: 434

وفي المقابل، نجح علي في الحصول على تأييد الأغلبية في الأمصار، فالبصريون كانو منقسمين حول الموقف الواجب اتخاذه من مقتل عثمان، لكنهم قبلوا الوالي الجديد الذي أرسله علي، في حين رفض الكوفيون استقبال الوالي الجديد، وتمسكوا بواليهم الخاص أبي موسى الأشعري، إلا أنهم بايعوا عليًا، وانقسم المصريون على أنفسهم، فقبلت الأغلبية استقبال والي علي، لكن تكونت نواة من المتربصين من ذوي النزعة العثمانية المطالبين بالثأر لدم عثمان، لكنهم لم يتحركوا مفضلين موقف الاعتزال1.

وهكذا ساد القلق والاستياء كافة الأمصار من واقع الاستنكار لمقتل عثمان، لكن المسلمين حاولوا الحفاظ على وحدتهم من خلال الوقوف الحذر وراء الخليفة2.

بيد أن موقف معاوية الرافض، على خطورته، لم يكن الشاغل الوحيد للخليفة، إذ نمت في أوساط بعض الصحابة أن عليًا يتهاون في معاقبة قتلة عثمان، فئقد ذهب كل من طلحة، والزبير مع نفر من أهل المدينة، إلى علي، بعد أربعة أشهر من مقتل عثمان، وطلبوا منه إقامة الحد على قتلته3، لكن هذه القضية لم تكن من أولويات علي الذي كان يعمل على تهدئة الجو، واستقرار الأوضاع، وتثبيت أقدامه في الحكم، أولًا، بحجة أنه لا يسيطر على الوضع العام، وأن الأمور لا تزال بأيدي الثائرين والغوغاء، وعبيد أهل المدينة وأعرابها، وخاطبهم قائلًا:"إني لست أجهل ما تعلمون، ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم"4.

ويبدو أنهما لم يقتنعا بوجهة نظره، إذ إن تطبيق مبادئ الإسلام، وحدود هي من الأولويات، فاستأذناه في الخروج إلى مكة لأداء العمرة، فأذن لهما، على الرغم من وعيه لمدى ما يمكن أن يشكلاه من خطر على شرعيته5، ثم اتخذا من الأسلوب الذي تمت فيه التغييرات الأخيرة ذريعة للاحتجاج والمعارضة، فقد طلبا من الخليفة أن يشركهما في هذا الأمر، فقد كانت لطلحة رغبة في ولاية البصرة، وكانت للزبير رغبة في ولاية الكوفة، إلا أنه رفض ذلك، وقال لهما:"تكونان عندي فأتحمل بكما، فإني وحش لفراقكما"6، لكن معارضتهما بقيت ضمن الإطار الاحتجاجي، ولم تأخذ طابع العمل الفعلي إلا بعد اجتماعهما بعائشة في مكة.

1 الطبري: ج4: ص442. جعيط: ص144. كاشف: ص122.

2 جعيط: المرجع نفسه.

3 الطبري: ج4 ص452.

4 المصدر نفسه: ص437.

5 المصدر نفسه: ص444، 445.

6 المصدر نفسه: ص429. ووحش معناها متألم.

ص: 435

وسارعت عائشة إلى تحديد موقفها من الخليفة، فقد كانت في مكة عندما قتل عثمان، وانتخب علي، وبعد انتهاء موسم الحج غادرت مكة في طريقها إلى المدينة، وتلقت أخبار ما جرى فيها من الأمويين الذين هربوا إلى مكة، فقفلت راجعة إليها، وفصلت البقاء فيها، وأطلقت منها دعوة للتنديد بعملية القتل. والواضح أنها تأثرت بالدعاية الأموية التي كانت ناشطة آنذاك، وكونت رأيًا أحادي الجانب، وساندها والي مكة المعين من قبل عثمان، والذي كان لا يزال في منصبه، وهو عبد الله بن عامر الحضرمي1، والمعروف أن المكيين لم يبايعوا عليًا، متأثرين بنفوذ عائة، وبالتالي بقيت مكة خارج إطار سلطة الخليفة.

وتذرعت عائشة بأن المدينة واقعة تحت سلطة غوغاء الأمصار وبدو نهابين، وعبيد آبقين، وأنهم هم الذين ارتكبوا جريمة القتل بعد أن حصلوا من عثمان على وعد بالتراجع عن سياسته السابقة، وبالتالي لا شيء يبرر عملهم العدواني، "فسفكوا الدم الحرام، واستحلوا البلد الحارم، وأخذوا المال الحرام، واستحلوا الشهر الحرام"2، وأن الأمر لا يستقيم، ولهذه الغوغاء أمر "فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام"3، ومن المثير أن يكون هذا النداء من جانب عائشة على الثأر لعثمان في وقت كانت بعيدة عن المدينة حين حوصر، وقتل ومن دون أن تكون من قبل علي وفاق معه4.

وهكذا أبرزت عائشة فكرة أن عثمان قتل مظلومًا، والتي ستكون أساس كل المطالب لصالح قضيته سواء من جانبها، أو من جانب معاوية في وقت لاحق، أو من طرف أنصار عثمان في مصر، والواضح أنها ركيزة إسلامية شرعية أن تطالب بالقصاص لدم عثمان وفقًا لشرع الله، وهي تتوافق في هذا المقام مع موقف طلحة والزبير، إنه تعبير صادق عن طلب الحق، والعدل فيما لا يمكن التسامح به، ولا يمكن قبوله، وهو نداء إيلامي في المقام الأول، وسياسي في المقام الثاني؛ لأنه يتضمن إنكار شرعية علي التي قامت وسط هذا الجو الضاغط، ولكن هذه القضية لم تطرح صراحة، ولم يقدم توجه عائشة نفسه كمؤامرة، ولا كثورة على علي، إنما وبوصفها أما المؤمنين، فهي تمنح نفسها مسئولية تجاه أبنائها الذين يشكلون جمهور المسلمين5.

وإذا كان لنا أن نحدد دور الدوافع الشخصية مثل إرادة القوة، والرغبة في التقدم

1 الطبري: ج4 ص448، 449، 458، 459.

2 المصدر نفسه: ص449.

3 المصدر نفسه: ص448، 449.

4 المصدر نفسه: ص459.

5 جعيط: ص146.

ص: 436

إلى المقام الأول، وكراهية على المتصلة بأحداث الماضي، فقد أدت دورًا ثانويًا1، مما دفع بعض المؤرخين إلى القول بأن آثار حديث الإفك تلقي بظلالها على هذا الموقف2.

والواقع أن حركة المعارضة لم تأخذ طابع العمل الجدي إلا بمجيء طلحة، والزبير إلى مكة حيث حرضا عائشة على النهوض لمحاربة الغوغاء، وأعلماها بأن عثمان قتل مظلومًا، وأن أكثر الناس لم يرض عن بيعة علي3، فاستجابت لهذا النداء دون أن تقف مجددًا على وجهة نظر الطرف الآخر، وهو علي، وشكلت معهما تحالفًا متينًا لا يقبل الانفكاك تحت شعار رفع الظلم الذي أحاق بالخليفة عثمان، ومعاقبة قتلته، وهو مطلب عامة المسلمين، ومن واقع أنها تملك سلطة تحكيمية، ووزنًا معنويصا كبيرًا، ستكون الناطقة باسم قوى التحالف، ومحور العمل، وسيقتصر دور طلحة، والزبير على قيادة الرجال وتنظيم القتال، وكان كافيًا أن يظهر هذا التحالف في مكان ما أمام المسلمين لكن يهزوا مشاعرهم، ويستقطبوهم، وأن يشكلوا قوة ضاربة4.

وسرعان ما استقطبت دعوة عائشة كل الذين كانوا يعارضون مقتل عثمان، أو يحاولون إسقاط علي، وبخاصة أفراد الأسرة الأموية، مثل عبد الله بن عامر الحضرمي والي مكة، ويعلى بن منبه والى اليمن السابق، والوليد بن عقبة ومروان بن الحكم، وسائر بني أمية، وقد أدوا دورًا تحريضيًا، وهو أول ما تكلمت به بنو أمية في الحجاز، ورفعوا أصواتهم4، ومولوا عائشة، وربما استغلوها لصالح قضيتهم دون وعي منها.

وهكذا فإن التحرك الذي حرضت عليه عائشة، واتخذ واجهته طلحة والزبير، فيما التمويل والتعبئة، تولى أمرهما بنو أمية5؛ تحول من مطلب عام، وهو المطالبة بدم عثمان، إلى مطلب خاص لصالح الأمويين.

وبدا واضحًا أن ملامح انتفاضة قرشية بدأت تتكون ضد علي في محاولة لإسقاطه، على أن هذه المواجهة، دخل فيها أيضًا صراع المصالح، إذ وجد الأنصار

1 جعيط: ص146.

2 حسين، طه: الأعمال الكاملة ص855. قلهوزن: ص47. الأناطي، سعيد: عائشة ص61، 62، 68-218.

3 جعيط: ص147.

4 الطبري: ج4 ص449، 450.

5 قدم يعلى بن منبه خراج صنعاء البالغ ستمائة بعير، أو أربعمائة ألف دينار، وقد جمعه معه بعد إقالته، ودفع عبد الله بن عامر الحضرمي مالًا كثيرًا وإبلًا، انظر الطبري: ج4 ص452، اليعقوبي: ج2 ص78، 79.

ص: 437

في علي الأقرب إلى تحقيق طموحهم في هذا السبيل، لا سيما المشاركة الفعلية في السلطة التي حرموا منها في العهود السابقة، فيما كانت قريش تنتقض لاستعادة موقعها المميز الذي بدأ يتكرس منذ خلافة عثمان1، والمعروف أن عليًا عين رجالًا من الأنصار في بعض مراكز الولاة الأساسية في البصرة، والمدينة ومصر.

والواقع أن قريشًا، وعلى رأسها بنو أمية، التي أوصلت سابقًا عثمان للخلافة، شكلت القوة السياسية الفاعلة، وكان الجفاء واضحًا بينها وبين علي منذ وفاة عمر بن الخطاب، وقد حصرت على ألا يتسلم الخلافة بعد مقتل عثمان، لتوافق منهجه مع نهج عمر، إنها رؤية التاجر القرشي، فمصالح قريش كان قد عبر عنها بصورة أمثل في نهج عثمان لترتيب أوضاع المسلمين، وليس في نظام عمر أو علي، كان علي يدرك ذلك، لهذا كان يتوقع دائمًا معارضة قريش له في كل موقف يقفه، وفي كل قرار يتخذه، ويرى أن قريشًا تظلمه؛ لأنها تنكر فضله ومنزلته في تاريخ الإسلام2، والواضح أن في ذلك عود للصراع القديم بين بني هاشم، وبني أمية.

تقدم لنا روايات المصادر ما يكفي من المعلومات التي توضح هذه الرؤية الهامة في ترتيب القوى، وتوازنها داخل المجتمع الإسلامي في نهاية مرحلة صدر الإسلام، ففي الكتاب الذي أرسله إلى أخيه عقيل بن أبي طالب ردًا على رسالته التي أخبره فيها بخروج عائشة، وطلحة، والزبير قال له:"فإن قريشًا قد اجتمعت على حرب أخيك اجتماعها على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل اليوم، وجهلوا حقي، وجحدوا فضلي، ونصبوا لي الحرب، وجدوا في إطفاء نور الله، اللهم فاجز قريشًا عني بفعالها، فقد قطعت رحمي، وظاهرت علي، وسلبتني سلطان ابن عمي، وسلمت ذلك لمن لي في قرابتي، وحقي في الإسلام، وسابقتي التي لا يدعي مثلها مدع، إلا أن يدعي ما لا أعرف"3.

وخطب علي في أنصاره في ذي قار، عندما خرج لقتال أهل البصرة في موقعة الجمل، خطبة طويلة ذكر فيها، "ما لي ولقريش، والله لقد قاتلتهم كافرين، ولأقاتلنهم مفتونين، وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم، والله ما تزحم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم، فأدخلناهم في حيزنا"4.

1المسعودي: ج4 ص307. بيضون: افمام علي ص59.

2 إبراهيم: ص283.

3 ابن قتيبة: ج1 ص50، 51.

4 ابن أبو الحديد: نهج البلاغة ج1 ص81.

ص: 438