المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أثر الفتح الإسلامي على أوضاع الأقباط: - تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية

[محمد سهيل طقوش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌الباب الأول: أبو بكر الصديق 11-13هـ-632-634م

- ‌الفصل الأول: الأوضاع السياسية في الجزيرة العربية عقب وفاة النبي

- ‌الأوضاع السياسية في المدينة

- ‌اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة

- ‌الأوضاع السياسية خارج المدينة:

- ‌الفصل الثاني: تفشي ظاهرة التنبؤ في المجتمع العربي

- ‌الفصل الثالث: حروب الردة

- ‌مدخل

- ‌ملابسات حوادث بني تميم:

- ‌القضاء على ردة بني حنيفة:

- ‌الفصل الرابع: أوضاع الدولتين الفارسية، والبيزنطية عشية الفتوح الإسلامية:

- ‌أوضاع الدولة الفارسية

- ‌تراجع النفوذ البيزنطي من بلاد الشام عشية الفتوح الإسلامية:

- ‌الفصل الخامس: الفتوح في عهد أبي بكر

- ‌فتوح العراق:

- ‌فتوح بلاد الشام:

- ‌الفصل السادس: استئناف الفتوح في عهد عمر:

- ‌فتوح العراق:

- ‌معركة القادسية:

- ‌الفصل السابع:‌‌ استكمال فتوح العراق-فتوح فارس "إيران

- ‌ استكمال فتوح العراق

- ‌فتوح فارس "إيران

- ‌الفصل الثامن: استكمال فتوح بلاد الشام-فتوح الجزيرة وأرمينية والباب

- ‌مدخل

- ‌معركة اليرموك

- ‌فتح بيت المقدس

- ‌الفصل التاسع: فتوح مصر

- ‌مدخل

- ‌أثر الفتح الإسلامي على أوضاع الأقباط:

- ‌التوسع نحو الغرب:

- ‌الفصل العاشر: الدولة الإسلامية في عهد عمر-مقتل عمر

- ‌مدخل

- ‌الإدارة في عهد عمر:

- ‌الموظفون الإداريون:

- ‌الوالي:

- ‌الدواوين:

- ‌القضاء:

- ‌القضاء في عهد عمر:

- ‌إدارة البلاد المفتوحة من خلال عقود الصلح:

- ‌الفصل الحادي عشر: الفتوح في عهد عثمان

- ‌الفصل الثاني عشر: الفتنة الكبرى ومقتل عثمان

- ‌الباب الرابع: علي بن أبي طالب 35-40هـ/ 656-661م

- ‌الصراع بين علي وأصحاب الجمل:

- ‌المواجهة المسلحة الأولى بين المسلمين:

- ‌وقعة الجمل:

- ‌الصراع بين علي، ومعاوية، والخوارج

- ‌معركة صفين:

- ‌مرحلة التجهيز، والاستعداد:

- ‌معركة النهروان:

- ‌الخاتمة:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌محتوى الكتاب:

الفصل: ‌أثر الفتح الإسلامي على أوضاع الأقباط:

الجيوب المنتشرة في أماكن متفرقة من الدنيا، إلا أنها كانت محصورة ومعزولة لا فاعلية لها، وحتى يحافظ المسلمون على مكتسبات الفتح كان عليهم إحكام سيطرتهم على قرى الساحل، وطرد الحاميات البيزنطية من هذه الجيوب.

والواقع أن هذه المسالح البيزنطية لم تقاوم المسلمين باستثناء بعض القرى الساحلية، أو القريبة من الساحل أمثال: إخنا القريبة من الإسكندرية، وبلهيب الواقعة في جنوبي رشيد، والبرلس، ودمياط، وتنيس، ولكن سرعان ما أخضعها المسلمون، فأمنوا بذلك الساحل من العريش إلى الإسكندرية، وتحطمت مقاومة البيزنطيين1.

1 ابن عبد الحكم: ص170، 171.

ص: 315

‌أثر الفتح الإسلامي على أوضاع الأقباط:

الأثر الديني:

تعرض الأقباط في مصر قبل الفتح الإسلامي لاضطهاد قاس على أيدي البيزنطيين، ومن ثم رأوا في القوة الإسلامية الداخلة، الأمل بالخلاص مما هم فيه، فساندوها، ورحبوا بدخول المسلمين أرض مصر، لكن هذه المساندة كانت صامتة في بادئ الأمر، أي حيادية.

وشكلت انتصارات المسلمين وإخضاعهم البلاد، نصرًا دينيا للأقباط حيث غادر البلاد عدد كبير من البيزنطيين، ولما استقرت الأوضاع، وكانت أخبار العهدة العمرية الخاصة ببيت المقدس قد تسربت إلى مصر، لقي الأقباط من الحكم الجديد ما شعروا معه بكثير من الحرية.

ولعل أول عمل قام به عمرو بن العاص بعد استقرار الأوضاع الداخلية؛ الإعلان بين الناس جميعًا أن لا إكراه في الدين، وأن حرية العقيدة أمر مقدس، فلن يتعرض لأحد في حريته، أو في ماله بسبب دينه أو مذهبه، وخيرهم بين الدخول في الإسلام والبقاء على دينهم، فمن يدخل في الإسلام يكون له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم.

والواقع أن عمرًا انتهج سياسة المساواة الدينية بين المذهبين النصرانيين اللذين استمرا في مصر، وتذكر روايات المصادر أن كثيرًا من كنائس الملكانيين بقيت موجودة، واستمرت في إقامة الشعائر الدينية، وأن عددًا كبيرًا من الملكانيين فضلوا البقاء في مصر؛ وأن أسقفًا ملكانيًا بقي على مذهبه حتى مات لم يمسه أحد بأذى، وأن البطريرك القبطي بنيامين الذي عاد إلى الإسكندرية بعد أن قضى ثلاثة عشر عامًا

ص: 315

لاجئًا متخفيًا خشية أن يقبض عليه، أعيد إلى مركزه، وأضحى بإمكانه أن يقوم بواجباته الدينية وهو مطمئن، وكان يستقطب الناس إلى مذهبه بالحجة والإقناع، واستطاع ان يحصل على بعض الكنائس التي تركها الملكانيون بعد خروجهم، وضمها إلى كنائس البطريركية، ولما عاد إلى الإسكندرية قال لأتباعه:"عدت إلى بلدي الإسكندرية، فوجدت بها أمنًا من الخوف، واطمئنانًا بعد البلاء، وقد صرف الله عنا اضطهاد الكفرة وبأسهم"1.

كان من أثر الحرية الدينية، والمعاملة السمحة أن أقبل كثير من الأقباط على النظر في المذاهب المختلفة، ثم انتهى أكثر هؤلاء إلى قبول الإسلام، والدخول فيه.

الأثر الإداري:

خلت بخروج البيزنطيين بعض الوظائف الحكومية التي كان يشغلها هؤلاء؛ ولأن المسلمين لم يكن لهم عهد بعد بالشئون الإدارية، وكان يهمهم أن تستمر الإدارة في العمل، وأن تجمعل الضرائب، بغض النظر عما يختص بالعاملين في الحقل الوظيفي؛ فقد فتحوا أبواب العمل أمام القادرين، والراغبين من الأقباط، والمعروف أن الإدارة الإسلامية الجديدة احتفظت بثلاثة موظفين بيزنطيين في مراكز إدارية كبيرة هي: حاكمية مصر السفلى وتولاها ميناس، وحاكمية منطقة الفيوم، وتولاها فيلوخينوس، وحاكمية الريف الغربي، وتولاها سنيوتيوس2.

وبفعل هيمنة الموظفين الأقباط على العمل الإداري، أضحت اللغة القبطية اللغة الرئيسة في الإدارة، ولغة الدواوين، فحلت بذلك محل اللغة اليونانية، وحافظ المسلمون على الأساليب البيزنطية في تدوين الدواوين وجمع الضرائب، فانتعشت الثقافة القبطية مجددًا، وأخذت تملأ الفراغ الذي نتج عن الخروج البيزنطي، واعتنى الأقباط بتعلم اللغة العربية؛ لأنها كانت لغة الفاتحين، واحتفظ المسلمون بقيادة الجند والقضاء.

الأثر الاقتصادي:

كانت مصر تتعرض بين سنة، وأخرى لضائقة اقتصادية ناتجة عن انخفاض ماء النيل مما يسبب خلًا في المعادلة الاقتصادية، وقد عانى المصريون كثيرًا من هذه

1 المقريزي: ج4 ص407، 408، بتلر: ص456-460.

2 بتلر: ص384.

ص: 316

الظاهرة، وقد أدرك عمروبن العاص ذلك، فخفف عن المصريين كثيرًا من الضرائب التي فرضها البيزنطيون عليهم، والمعروف أن الضرائب البيزنطية، كانت كثيرة ومتنوعة، وتناولت معظم النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وسوى بينهم في أدائها، كما أعفى بعضهم منها.

ويذكر في هذا المقام أن الخليفة كتب إلى عمرو أن يسأل المقوقس في خير وسيلة لحكم البلاد وجباية أموالها، فأشار عليه المقوقس بالشروط التالية:

- أن يستخرج خراج مصر في وقت واحد، عند فراغ الناس من زروعهم.

- أن يرفع خراجها في وقت واحد، عند فراغ أهلها من عصر كرومهم.

- أن تحفر خلجانها كل عام.

- أن تصلح جسورها وتسد ترعها.

- ألا يختار عامل ظالم ليلي أمورها1.

ونتيجة لهذه التوصيات رسم المسلمون خطة جباية الخراج، واعتنوا بهندسة الري، من حفر الخلجان وإصلاح الجسور، وسد الترع، وبناء مقاييس للنيل، وإنشاء الأحواض والقناطر، ولعل من أشهر ما قام به عمرو، هو حفر خليج تراجان الذي يصل النيل بالبحر الأحمر، ويسهل الاتصال بالجزيرة العربية، ويؤمن طريقًا أفضل للتجارة الشرقية، يبتدئ هذا الخليج من شمالي بابليون، ويتجه شمالًا بشرق إلى بلبيس، ثم ينحرف شرقًا إلى بحيرة التمساح ليخرج من جنوبي هذه البحيرة إلى البحيرات المرة، ويبلغ البحر الأحمر عند السويس.

وكان من أثر هذه الإصلاحات أن تحسنت حالة الأقباط، وزادت ثرواتهم، واطمأنوا على أرواحهم، وممتلكاتهم ومستقبلهم، ونعموا بالهدوء والاستقرار، وازدادت إلفتهم بالمسلمين مع مرور الوقت، ودخل كثير منهم في الإسلام.

ويبقى أن نذكر أن الرأي السائد آنذاك، كان أن يبقى المسلمون على رباطهم لا يشتغلون بالزراعة، ولا يحلون بالبلاد كأهلها، فلما اطمأنوا في البلاد أخذ ذلك الحظر يرفع عنهم، وأبيح لهم أن يمتلكوا الأراضي.

بناء الفسطاط 2:

بعد أن فرغ عمرو بن العاص من فتح الإسكندرية، وأجلى البيزنطيين عنها

1 ابن عبد الحكم: ص280.

2 الفسطاط: للعرب ست لغات في الفسطاط، يقال: فُسطاط وفِسطاط وفُساط وفِسّاط وفُستاط، وفَستاط =

ص: 317

وطردهم من مصر، هم أن يستقر بها لما فيها من عمران، وكتب بذلك إلى عمرو في المدينة، فسأل عمر رسول عمرو "هل يحول بيني وبين المسلمين ماء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين إذا جرى النيل، فكتب إلى عمرو: إني لا أحب أن تنزل بالمسلمين منزلًا يحول الماء بيني وبينهم في شتاء ولا صيف"، لا تجعلوا بيني وبينكم ماء، متى أردت أن أركب إليكم راحلتي حتى أقدم عليكم، قدمت"1.

الواقع أن مدينة الإسكندرية لم تكن صالحة، لأن تكون حاضرة مصر الإسلامية إذ إن انتقال السيادة عليها من البيزنطيين إلى المسلمين المنطلقين من الجزيرة العربية، يحتم على هؤلاء أن يختاروا مكانًا لإقامتهم يقع إما على ساحل البحر الأحمر، وإما في مكان يسهل معه الاتصال ببلاد العرب، ولما لم يكن للمسلمين عهد بالبحر بعد، لذلك كان الاختيار الثاني هو الحل المناسب.

كان عمرو قد أقام قبة إلى جوار حصن بابليون أثناء حصاره، وسمى المسلمون الذين معه هذه القبة الفسطاط، فلما فتحوا الحصن وقرر عمرو الزحف نحو الإسكندرية أمر بنزع الفسطاط، فإذا به يمام قد أفرخ، فقال:"لقد تحرم منها بمحترم، فأمر به فأقر كما هو" حتى يطير الفراخ، وأوصى به حاكم القصر. فلما عاد من الإسكندرية بعد فتحها أمر جنوده أن ينزلوا عند الفسطاط، وأن يختطوا دورهم فيها2.

والواقع أن عمرًا أراد أن يبني مدينة جديدة للمسلمين في السهل الذي يلي حصن بابليون، وبينه وبين جبل المقطم، وكان هذا المكان هو موضع معسكره، وذلك لعدة أسباب لعل أهمها:

- تجنب السكن داخل الحصن، إذ ليس من العدل أن يخرج المسلمون أهله منه ليحلوا محلهم.

- عدم الإقدام على تصرف من شأنه أن يشير التذمر، أو الشكوى من جانب المصريين.

= وبجمع فساطيط، وأما معناه فإن الفسطاط الذي كان لعمرو بن العاص هو بيت من أدم أو شعر، وقال صاحب العين: الفسطاط ضرب من الأبنية، قال: والفسطاط أيضًا مجتمع أهل الكورة حوالي مسجد جماعتهم، يقال: هؤلاء أهل الفسطاط، وفي الحديث: عليكم بالجماعة فإن يد الله على الفسطاط، يريد المدينة التي يجتمع فيها الناس، وكل مدينة فسطاط، قال: ومنه قيل لمدينة مصر التي بناها عمرو بن العاص الفسطاط، الحموي: ج4 ص263، 264، ويذكر بعض العلماء أن كلمة الفسطاط مأخوذة من كلمة Fossatum البيزنطية الأصل، ومعناها العسكر أو المدينة المحصنة، وأن العرب سموها في الشام، وفي مصر، فأدخلوها لغتهم، بتلر: ص361.

1 ابن عبد الحكم: ص179، 180.

2 المصدر نفسه: ص181.

ص: 318

- خلق بيئة مناسبة لسكن المسلمين يعيشون فيها على نحو مألوف، وتقيم فيها أسرهم.

يقع الفسطاط على ملتقى فروع النيل المنتشرة في الدلتا مع المجرى الرئيسي للنهر، تحيط به البساتين والأشجار والنخيل، وهو على حافة الصحراء، لا يفصل بينه وبين الحجاز ماء، وفي استطاعة الخليفة أن يركب إليه راحلته حتى يبلغه دون أن يعبر ماء في طريقه، كما يؤمن المركز المشرف على قسمي الديار المصرية الشمالي والجنوبي.

روى البلاذري أن الزبير هو الذي اختط المدينة، واتخذ لنفسه دارًا فيها وجعل فيها السلم الذي صعد عليه إلى سور الحصن، وبقي ذلك السلم فيها حتى احترق في السلم الذي صعد عليه إلى سور الحصن، وبقي ذلك السلم فيها حتى احترق في حريق1، وذكر الحموي أن عمرو بن العاص ولى على الخطط، معاوية بن حديج، وشريك بن سمي، وعمرو بن قحزم، وجبريل بن ناشرة المعافري، فكانوا هم الذين نزلوا القبائل، وفصلوا بينهم2.

من المستبعد أن تكون مدينة الفسطاط قد جعلت عند اختطاطها مدينة كبيرة، أو أنه كان يقصد منها أن تكون عاصمة للمسلمين، لكنها وإن ابتدأت صغيرة، قد نمت نموًا سريعًا بعد سنة من تأسيسها، فقد رأى المسلمون أنهم يستطيعون البناء خارج أسوار الحصن، ويتوسعون لا يخافون شيئًا بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وأمنوا الغدر من أن يأتيهم من جانب المصريين.

بناء المسجد الجامع:

كان أول عمل يقوم به المسلمون عادة بعد أن يؤسسوا مدينة، بناء المسجد الجامع ودارًا للحكومة، ثم يختطون حولهما، وهكذا بنى عمرو بن العاص المسجد الجامع في محلة الراية3 وسط البساتين والكروم، وهو أول مجسد أسس في الديار المصرية.

وكان قد نزل في هذا المكان أبو عبد الرحمن قيسبة بن كلثوم التجيبي، أحد بني سوم، سار من الشام إلى مصر مع عمرو بن العاص، ولما اختط عمرو داره مقابل تلك الجنان التي نزل بها قيسية، وتشاور المسلمون أين يكون المسجد الجامع، رأوا أن يكون منزل قيسبة، فلما طلبه عمرو منه تنازل عنه صدقة للمسلمين4.

1 فتوح البلدان: ص215.

2 معجم البلدان: ج4 ص263.

3 نسبة إلى الراية التي أقامها عمرو بن العاص لبعض البطون، إذ لم يكن لكل بطن منهم من العدد ما ينفرد بدعوة من الديوان، فكره كل بطن منهم أن يدعي باسم قبيلة غير قبيلته، فجعل لهم عمرو راية ولم ينسبها إلى أحد، يكون موقفهم تحتها، فسميت المحلة بمحلة الراية.

4 المقريزي: ج4 ص6.

ص: 319