الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجلس الشورى للاستئناس برأي أعضائه، ومن ثم يتخذ الخليفة القرار المناسب1.
روى أبو يوسف أنه "لما قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيش العراق من قبل سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، شاور أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في تدوين الدواوين، وكان قد اتبع رأي أبي بكر في التسوية بين الناس، فلما جاء فتح العراق شاور الناس في التفضيل، ورأي أنه الرأي، فأشار بذلك عليه من رآه"2.
3-
مجلس المهاجرين:
ووجد في عهد عمر مجلس آخر مخصص لمناقشة الشئون الإدارية، والمتطلبات اليومية الخاصة الناتجة عن الفتوح، ولا يشترك فيه إلا المهاجرين من الصحابة. إنه مجلس خاص كان عمر يعرض فيه الأخبار اليومية التي كانت تصل إليه من الأقاليم والمراكز، وقد عرضت على هذا المجلس مسألة فرض الجزية على المجوس3.
والواقع أن دولة لها ذلك الاتساع وتلك الطاقات، من الصعوبة أن تدار من قهبل شخص واحد مهما كان نشيطًا، وملمًا بمرافق الحياة، وعلى الرغم من أن مفهوم عمر لنظام الحكم المستمد من النظرية الدينية، وعدم السماح بنشوء مراكز قوى داخلية؛ فإن هذا الخليفة كان يميل إلى مناقشة القضايا الهامة مع كبار الصحابة، وقد اختار بعضهم ليكونوا لصيقين به حاضرين أمامه، وجاهزين كلما احتاج إليهم للمناقشة.
تلك كانت صورة النظام السياسي في عهد عمر، حيث تمتع هذا الخليفة بنفوذ رئيسي نابع من خصوصية مركزه الجامع لكافة الوظائف الدينية، والدنيوية التي فرضها القرآن الكريم، ولما كان الخليفة هو صاحب الرأي الأخير، والقول الفصل في كل أمر؛ فقد كان عليه لقاء ذلك على التبعية عن سياسة الدولة.
1 البلاذري: ص435، 436.
2 كتاب الخراج: ص24.
3 المصدر نفسه: ص130.
الإدارة في عهد عمر:
تعريف الإدارة:
الإدارة لغة من أدرت فلانًا على الأمر إذا حاولت إلزامه إياه، وأدرته عن الأمر إذا طلبت منه تركه1، أما اصطلاحًا فالإدارة فن يعتمد على الصفات الذاتية، والمواهب الشخصية للمدير، ولكنها من حيث الاعتماد على الصفات العلمية فهي علم، ولم يتبلور ذلك إلا مؤخرًا حين أضحت الدولة تقوم على أساس الخدمة العامة لا
1 ابن منظور: لسان العرب ج4 ص229.
السلطة، وبعد أن شمل نشاطها الأحوال الشخصية للأفراد، فبدأت الدراسات الحديثة بالظهور، المتعلقة بكيفية تنظيم أجهزة الدولة، واختيار الحكام، واكتشاف مبادئ الإدارة العامة التي تكفل أداء الوظائف الحكومية في أقصر وقت، وأقل كلفة وبأقصى فاعلية، لكن الإدارة موجودة منذ وجود الدول والمجتمعات الإنسانية، فكل تجمع إنساني يقيم على أرض واحدة، له مصالح مشتركة، لا بد له من قيادة ترعاه وتسوس أمره، بالقدر الذي تتمتع به من الكفاءة، والمقدرة الشخصية.
والإدارة العامة هو فن تنظيم، وإدارة القوى البشرية، والمادية لتحقيق الأهداف الحكومية، وهي جزء لا ينفصل عن نشاط كل جماعة منظمة، وتكون جانبًا من عمل الحاكم، وتشمل كافة الواجبات، والوظائف التي تختص أو تتعلق بإدارة المشروع، من حيث تمويله ووضع سياسته الرئيسة، وتوفير ما يلزمه من معدات وإعداد الإطار الذي يعمل فيه، واختيار الرؤساء والأفراد القياديين، وذلك للوصول إلى الهدف بأحسن الوسائل وأقل التكاليف، في حدود الموارد المتاحة ويحسن استخدامها، فالإدارة إذن، تتكون من جميع العمليات التي تستهدف تنفيذ السياسة العامة1.
تطور الإدارة العامة:
ظهرت الإدارة الإسلامية بعد تأسيس الدولة في المدينة، حيث اكتملت أركانها بتوفر الأرض ووجود الشعب، وقيام السلطة بأنواعها التشريعية والقضائية والتنفيذية، متمثلة بشخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم القائد، والمؤسس الأول لدولة الإسلام، فكان يقضي بين الناس ويفتيهم، وينظم شئون الدولة من واقع هيكل تنظيمي للوظائف المختلفة.
وبرزت في عهد أبي بكر الذي تسلم الحكم بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مشكلات سياسية، وإدارية بما واجهه من ارتداد العرب، واهتمامه بالقضاء على مظاهر تلك الردة، بل إنه أنفذ جيش أسامة، وبدأ بتنظيم الجيوش لمحاربة المرتدين، وبعد أن قضى على كل مظهر للردة، ورأب الصدع، وثبت دعائم الدولة، ووطد الأمن في أرجائها؛ وجه جيوش الفتوح إلى العراق، وبلاد الشام.
واستلم عمر إدارة الدولة بعد وفاة أبي بكر، وقد أحاط بها الأعداء من كل جانب، وبخاصة الدولتان الفارسية والبيزنطية، فانتدب الناس لمحاربتهما، وانتصر المسلمون عليهما، وفتحوا العراق وفارس وبلاد الشام ومصر، فاتسعت بذلك رقعة الدولة، واختلط العنصر العربي بالعنصر الأعجمي من سكان البلاد المفتوحة، وتدفقت
1 القريشي، غالب بن عبد الكافي: أوليات الفاروق في الإدارة والقضاء ج1 ص53، 45.
الأموال على المدينة من الغنائم وغيرها؛ مما أدى إلى بروز مشكلات كثيرة تطلبت حلا، لعل أهمها: إدارة الولايات خارج الجزيرة العربية، استمرار الفتوح أو توقفها ريثما يتم استيعاب ما أنجز منها، توزيع الغنائم على المقاتلين بعد تدفق الأموال الكثيرة، إدارة أراضي الفتح، وغيرها من المشكلات، كتأسيس المدن في بعض الجهات على شكل معسكرات كالكوفة، والبصرة في العراق والفسطاط في مصر، أما اختلاط العنصر العربي بالعنصر الأعجمي، فلم يشكل مشكلة حقيقية، بخاصة بعد إسلام هؤلاء، إلا من حيث اللغة، فرأى عمر أن يقطن العنصر العربي في المعسكرات المنشأة ليحافظ على لغته وعاداته، وكان تدفق الأموال الكثيرة من الغنائم وغيرها قضية جتديدة تطلبت حلًا مرنًا لتصريفها، فأنشأ عمر بيتًا خاصًا للمال الوارد، واختص هو بمسئولية القيام عليه، وتصريفه في وجوهه، ودون الدواوين لذلك، وأمر بإنشاء دواوين في عواصم الولايات، وفرض الأعطيات، فشمل العطاء كل فرد في الدولة ابتداء بقرابة النبي، وأزواجه وانتهاء بكل مسلم، وفرض لكل مولود ولد في الإسلام عطاء، وجعل ذلك كله في ديوان منظم، وحل قضية الأراضي المفتوحة من واقع إبقائها بيد أصحابها المحليين لكنه وضع الخراج عليها ليكون ذلك موردًا ماليًا دائمًا لبيت مال المسلمين، ولما رأى عمر سرعة انتشار الفتوح، قرر التوقف عند حدود معينة ريثما يتم استيعاب ما فتح1.
التقسيم الإداري للدولة:
اتسعت الأراضي الإسلامية في عهد عمر اتساعًا كبيرًا مما اقتضى وضع تنظيم محكم حتى تسهل إدارتها، والإشراف على مواردها، والمعروف أن الخطوة الأولى لنظام الحكم، والتي يتفرع منها جميع التنظيمات هي تقسيم الدولة إلى ولايات أو أقاليم، وعين عمر أميرًا حاكمًا على كل ولاية يتحمل تبعات الحكم، ويكون نائبًا عنه، ويمضي الوقت، أدرك أن الولاة لا يستطيعون القيام بكل الأعباء التي تتطلبها الولاية، ففصل القضاء عن اختصاص الولاة، وعين قاضيًا على تلك
الولايات، وكان يمدهم بتوجيهاته، وخصصهم بالأرزاق، وقد تنقسم الولاية
أحيانًا إلى وحدات محلية تتبع الوالي أو الأمير، كما كان يطلق عليه، وكان نظام الولاية صورة مصغرة في هيكليته لنظام المدينة المنورة المركزي، فإلى جانب الوالي كان القاضي يتمتع بسلطة واسعة، وغالبًا ما كانت له صفة استقلالية، ثم صاحب بيت المال، وصاحب الديوان المسئول.
1 انظر القريشي: ج1 ص79-84.
المباشر عن مرتبات الجند، ولا بد من الإشارة إلى أن حاكم الولاية هو في الوقت نفسه قائد الجيش فيها، وكان يختار أعوانه القادة، ويشارك في الحملات العسكرية أو ينتدب ممثلًا عنه، وذلك بالتنسيق مع الحكومة المركزية في المدينة المنورة1.
أقر عمر النظم الفارسية في ما يختص بالتقسيمات الإدارية في العراق وفارس، فأبقى عليها، وكانت هذه التقسيمات تعرف بالرساتيق2، والواقع أن الأراضي الفارسية كانت تنقسم إلى ثلاثة أقاليم كبيرة باستثناء العراق هي: خراسان وأذربيجان وفارس، ثم قسم العراق إلى مصرين أي ولايتين كبيرتين هما الكوفة، والبصرة بعد تأسيسهما، كما أبقى على التقسيمات البيزنطية في بلاد الشام، وكانت تسمى نظام البنود3، وطبقه في بعض النواحي التي لم يكن موجودًا فيها من قبل، وعرف هذا النظام باسم الأجناد، كما أبقى على ما كان في مصر من نظام الكور4، أما الجزيرة العربية وبخاصة الحجاز ونجد، فقد بقيت على ما كانت عليه، ولم يدخل عليها أي تقسيم جديد، ولعل مرد ذلك يعود إلى قربها من عاصمة الدولة.
ويبدو أن عمر تصرف أحيانًا في التقسيم القديم، فكانت فلسطين تعد منذ العهد البيزنطي إقليمًا واحدًا، وتضم عشر محافظات، وفي عام "15هـ/ 636م"، قسمها عمر إلى نصفين، وجعل عاصمة إحداهما إيلياء والثاني الرملة، وولى علقمة بن محرز على الأولى، وعلقمة بن حكيم على الثانية5، أما مصر فلا نعلم يقينًا كيف كان تقسيمها قبل الفتح، لكن عمر قسمها إلى ولايتين المنطقة العليا، وهي الصعيد وتضم ثماني وعشرين محافظة، واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، والمنطقة السفلى، وتضم خمس عشرة محافظة، وولى عليها حاكمًا آخر، وكان عمرو بن العاص الحاكم العام على مصر، ويذكر ابن عبد الحكم أنه عندما توفي عمر كان على مصر أميران: عمرو بن العاص بأسفل الأرض، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح على الصعيد6.
ولنأخذ التقسيم الإداري لبلاد الشام كنموذج يمكن تطبيقه على سائر الولايات مع
1 بيضون: 96.
2 الرساتيق جمع رستاق، وهي مشتقة من اللفظ الفارسي روستا بمعنى حي أو قرية.
3 نظام البنود البيزنطية، أو ما يسمى Them، وتعني فرقة من الجيش تعسكر في إقليم، ولم يتسع معناها للدلالة على الأقاليم نفسها إلا في وقت متأخر، انظر: رنسيمان، ستيفن: الحضارة البيزنطية ص97.
ترجمة عبد العزيز جاويد مكتبة النهضة المصرية 1961.
4 نظام الكور، مفردها كورة، وهي لفظة يونانية. curia ومعناها المركز.
5 الطبري: ج3 ص610.
6 فتوح مصر وأخبارها ص298.
شيء من التعديل يتعلق بخصوصية كل إقليم، وذلك؛ لأن الجبهة البيزنطية استمرت ناشطة برا وبحرا في حين قضى المسلمون بشكل نهائي على الإمبراطورية الفارسية، ولم تعد لها بعد ذلك قائمة، فبالمقارنة مع نظام البنود البيزنطي، فإن هذه كانت أوسع من الأجناد1، وهذا النظام ليس إلا تطبيقًا لما أقامه هرقل في آسيا الصغرى، حيث قسم الأراضي التي لم تحتلها قوى أجنبية إلى مناطق عسكرية كبيرة، وضعت تحت إدارة قادة عسكريين يتمتعون بصلاحيات الحكام الإداريين، وقد استوحى عمر ما كان البيزنطيون قد بدأوا بتطبيقه في عهد هرقل من نظام البنود في آسيا الصغرى، إلا أن الضرورات العسكرية هي التي اوجبت عليه هذا التقسيم، فالساحل الشامي طويل، وبلاد الشام كانت لا تزال مهددة برًا، وبحرًا من قبل البيزنطيين، فكان لا بد من إيجاد مراكز عسكرية متعددة لكي يتمكن كل جند من الدفاع عن المدن الساحلية التابعة له، فقد كانت عرقة وجبيل وصيدا، وبيروت وطرابلس، تابعة لجند دمشق2، أما اللاذقية وجبلة وبانياس وأنطرطوس، فكانت تابعة لجند حمص3، وتبعت صور وعكا جند الأردن4، وقيسارية ويافا وعسقلان وغزة، جند فلسطين5، ويضم كل جند منطقة ساحلية وأخرى داخلية، بشكل تستطيع معه كل منطقة أن تعتمد على الأخرى عسكريًا واقتصاديًا، وبما أنه لم يكن للمسلمين في ذلك الوقت قوة بحرية قادرة على حماية السواحل؛ فإن مراكز الأجناد كلها كانت مدنًا داخلية، مثل حمص، دمشق، اللد، طبرية6.
1 المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين: التنبيه والإشراف ص150.
2 الهمذاني المعروف بابن الفقيه: كاتب صورة الأرض ص156.
3 المصدر نفسه: ص161.
4 البلاذري: ص124.
5 المصدر نفسه: ص146-148.
6 خماش، نجدة: الإدارة ونظام الضرائب في الشام في عصر الراشدين ص415. مقال في كتاب بلاد الشام في صدر الإسلام، المؤتمر الدولي الرابع لتاريخ بلاد الشام 1987.