المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌‌ ‌فصل (2)   20 - إِذا استولى ملك بِالْقُوَّةِ والقهر والشوكة على - تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام

[البدر ابن جماعة]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(الْبَاب الأول)

- ‌(فِي وجوب الْإِمَامَة وشروط الإِمَام وَأَحْكَامه)

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْبَاب الثَّانِي

- ‌فِيمَا للخليفة وَالسُّلْطَان وَمَا عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ مفوض إِلَيْهِ

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْبَاب الرَّابِع فِي اتِّخَاذ الْأُمَرَاء لجهاد الْأَعْدَاء

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْبَاب الْخَامِس فِي حفظ الأوضاع الشَّرْعِيَّة وقواعد مناصبها المرضية

- ‌فصل

- ‌الْبَاب السَّادِس فِي اتِّخَاذ الأجناد، وإعدادهم وتفريغهم للْقِيَام بِفَرْض الْجِهَاد

- ‌الْبَاب السَّابِع فِي عَطاء السُّلْطَان وجهاته وأنواع اقطاعاته

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الإقطاع

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْبَاب الثَّامِن فِي تَقْدِير عَطاء الأجناد وَمَا يسْتَحقّهُ أهل الْجِهَاد

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْبَاب التَّاسِع

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْبَاب الْعَاشِر فِي وضع الدِّيوَان وأقسام ديوَان السُّلْطَان

- ‌فصل

- ‌ديوَان السُّلْطَان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْبَاب الْحَادِي عشر فِي فضل الْجِهَاد، ومقدماته، وَمن يتأهل لَهُ من حماته

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْبَاب الثَّالِث عشر فِي الْغَنِيمَة، وأقسامها، وتفاصيل أَحْكَامهَا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْقسم الثَّالِث من الْغَنِيمَة: الأرضون

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْبَاب الرَّابِع عشر فِي قسْمَة الْغَنِيمَة ومستحقيها، وَمَا يجب على الْحُكَّام فِيهَا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْبَاب الْخَامِس عشر فِي الْهُدْنَة وَالْأَمَانَة، وَأَحْكَام الاستئمان

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: ‌ ‌‌ ‌فصل (2)   20 - إِذا استولى ملك بِالْقُوَّةِ والقهر والشوكة على

‌‌

‌فصل

(2)

20 -

إِذا استولى ملك بِالْقُوَّةِ والقهر والشوكة على بِلَاد، فَيَنْبَغِي للخليفة أَن يُفَوض أمورها إِلَيْهِ استدعاء لطاعته، ودفعا لمشاققته وخوفاً من اخْتِلَاف الْكَلِمَة، وشق عَصا الْأمة، فَيصير بذلك التَّفْوِيض صَحِيح الْولَايَة، نَافِذ الْأَحْكَام.

فَإِن لم يكن أَهلا لذَلِك لفقد الصِّفَات الْمُعْتَبرَة جَازَ للخليفة إِظْهَار تَقْلِيده لما ذَكرْنَاهُ من الْمصَالح. وَيَنْبَغِي أَن يعين لَهُ نَائِبا أَهلا لتقليد الْولَايَة، ينفذ الْأُمُور لتَكون صِفَات (8 / ب) النَّائِب جَائِزَة لما فَاتَ من صِفَات المستولي قهرا، فتنتظم الْمصَالح الدِّينِيَّة والدنيوية.

فصل (3)

22 -

للسُّلْطَان والخليفة على الْأمة عشرَة حُقُوق، وَلَهُم عَلَيْهِ عشرَة حُقُوق.

23 -

أما حُقُوق السُّلْطَان الْعشْرَة:

فَالْحق الأول:

بذل الطَّاعَة لَهُ ظَاهرا وَبَاطنا، فِي كل مَا يَأْمر بِهِ أَو ينْهَى عَنهُ، إِلَّا أَن

ص: 61

يكون مَعْصِيّة؛ قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} .

وأولو الْأَمر هم: الإِمَام ونوابه عِنْد الْأَكْثَرين. وَقيل: هم الْعلمَاء. وَقَالَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] : " السّمع وَالطَّاعَة على الْمُسلم فِيمَا أحب أَو كره مَا لم يُؤمر بِمَعْصِيَة ". فقد أوجب الله تَعَالَى وَرَسُوله: طَاعَة ولي الْأَمر، وَلم يستثنِ مِنْهُ سوى الْمعْصِيَة، فَبَقيَ مَا عداهُ على الِامْتِثَال.

الْحق الثَّانِي: بذل النَّصِيحَة لَهُ سرا وَعَلَانِيَة. قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : " الدّين النَّصِيحَة " قَالُوا: لمن؟ (9 / أ)" قَالَ لله، وَلِرَسُولِهِ، ولأئمة الْمُسلمين، وعامتهم ".

ص: 62

الْحق الثَّالِث:

الْقيام بنصرتهم بَاطِنا وظاهراً ببذل المجهود فِي ذَلِك لما فِيهِ نصر الْمُسلمين وَإِقَامَة حُرْمَة الدّين، وكف أَيدي الْمُعْتَدِينَ.

الْحق الرَّابِع: أَن يعرف لَهُ عَظِيم حَقه، وَمَا يجب من تَعْظِيم قدره، فيعامل بِمَا يجب لَهُ من الاحترام وَالْإِكْرَام، وَمَا جعل الله تَعَالَى لَهُ من الإعظام، وَلذَلِك كَانَ الْعلمَاء الْأَعْلَام من أَئِمَّة الْإِسْلَام يعظمون حرمتهم، ويلبون دعوتهم مَعَ زهدهم وورعهم وَعدم الطمع فِيمَا لديهم، وَمَا يَفْعَله بعض المنتسبين إِلَى الزّهْد من قلَّة الْأَدَب مَعَهم، فَلَيْسَ من السّنة.

الْحق الْخَامِس: إيقاظه عِنْد غفلته، وإرشاده عِنْد هفوته، شَفَقَة عَلَيْهِ، وحفظاً لدينِهِ وَعرضه، وصيانةً لما جعله الله إِلَيْهِ من (9 / ب) الْخَطَأ فِيهِ.

الْحق السَّادِس:

تحذيره من عَدو يَقْصِدهُ بِسوء، وحاسد يرومه بأذى، أَو خارجي يخَاف عَلَيْهِ مِنْهُ، وَمن كل شَيْء يخَاف عَلَيْهِ مِنْهُ على اخْتِلَاف أَنْوَاع ذَلِك وأجناسه، فَإِن ذَلِك من آكِد حُقُوقه وأوجبها.

ص: 63

الْحق السَّابِع:

إِعْلَامه بسيرة عماله: الَّذين هُوَ مطَالب بهم، ومشغول الذِّمَّة بسببهم لينْظر لنَفسِهِ فِي خلاص ذمَّته، وللأمة فِي مصَالح ملكه ورعيته.

الْحق الثَّامِن: إعانته على مَا تحمله من أعباء الْأمة ومساعدته على ذَلِك بِقدر المكنة، قَالَ الله تَعَالَى {وتعانوا على الْبر وَالتَّقوى} وأحق من أعين على ذَلِك وُلَاة الْأُمُور.

الْحق التَّاسِع:

رد الْقُلُوب النافرة عَنهُ إِلَيْهِ، وَجمع محبَّة النَّاس عَلَيْهِ؛ لما فِي ذَلِك من مصَالح الْأمة وانتظام أُمُور الْملَّة.

الْحق الْعَاشِر:

الذب عَنهُ بالْقَوْل وَالْفِعْل، وبالمال وَالنَّفس والأهل فِي الظَّاهِر (10 / أ) وَالْبَاطِن، والسر وَالْعَلَانِيَة. وَإِذا وفت الرّعية بِهَذِهِ الْحُقُوق الْعشْرَة الْوَاجِبَة، وأحسنت الْقيام بمجامعها والمراعاة لموقعها، صفت الْقُلُوب، وأخلصت، وَاجْتمعت الْكَلِمَة وانتصرت.

ص: 64

24 -

وَأما حُقُوق الرّعية الْعشْرَة على السُّلْطَان:

فَالْأول: حماية بَيْضَة الْإِسْلَام والذب عَنْهَا، إِمَّا فِي كل إقليم إِن كَانَ خَليفَة، أَو فِي الْقطر الْمُخْتَص بِهِ إِن كَانَ مفوضاً إِلَيْهِ، فَيقوم بجهاد الْمُشْركين وَدفع الْمُحَاربين والباغين، وتدبير الجيوش، وتجنيد الْجنُود، وتحصين الثغور بالعدة الْمَانِعَة وَالْعدة الدافعة، وبالنظر فِي تَرْتِيب الأجناد فِي الْجِهَات على حسب الْحَاجَات وَتَقْدِير إقطاعهم، وأرزاقهم، وَصَلَاح أَحْوَالهم.

الْحق الثَّانِي:

حفظ الدّين على أُصُوله المقررة، وقواعده المحررة، ورد الْبدع، والمبتدعين، (10 / ب) وإيضاح حجج الدّين، وَنشر الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة، وتعظيم الْعلم وَأَهله، وَرفع مناره وَمحله، ومخالطة الْعلمَاء الْأَعْلَام، النصحاء لدين الْإِسْلَام، ومشاورتهم فِي موارد الْأَحْكَام،

ومصادر النَّقْض والإبرام. قَالَ الله تَعَالَى لنَبيه [صلى الله عليه وسلم]{وشاورهم فِي الْأَمر} قَالَ الْحسن: كَانَ

ص: 65

وَالله غَنِيا عَن الْمُشَاورَة، وَلَكِن أَرَادَ أَن يستن لَهُم.

الْحق الثَّالِث:

إِقَامَة شَعَائِر الْإِسْلَام: كفروض الصَّلَوَات، وَالْجمع وَالْجَمَاعَات، وَالْأَذَان، وَالْإِقَامَة، والخطابة، والإمامة، وَمِنْه النّظر فِي أَمر الصّيام وَالْفطر، وأهلّته، وَحج الْبَيْت الْحَرَام وعمرته. وَمِنْه: الاعتناء بالأعياد، وتيسير الحجيج من نواحي الْبِلَاد، وَإِصْلَاح طرقها وأمنها فِي مَسِيرهمْ، وانتخاب من ينظر أُمُورهم.

الْحق الرَّابِع:

فصل القضايا وَالْأَحْكَام، بتقليد الْوُلَاة والحكام لقطع المنازعات بَين الْخُصُوم، وكف الظَّالِم عَن الْمَظْلُوم، وَلَا يولي (11 / أ) ذَلِك إِلَّا من يَثِق بديانته وأمانته وصيانته من الْعلمَاء والصلحاء، والكفاة النصحاء،

ص: 66

وَلَا يدع السُّؤَال عَن أخبارهم والبحث عَن أَحْوَالهم، ليعلم حَال الْوُلَاة مَعَ الرّعية، فَإِنَّهُ مسؤول عَنْهُم، مطَالب بِالْجِنَايَةِ مِنْهُم. قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم](كل رَاع مسؤول عَن رَعيته) .

الْحق الْخَامِس: إِقَامَة فرض الْجِهَاد بِنَفسِهِ، وبجيوشه أَو سراياه وبعوثه، وَأَقل مَا يجب فِي كل سنة مرّة إِن كَانَ بِالْمُسْلِمين قُوَّة، فَإِن دعت الْحَاجة إِلَى أَكثر مِنْهُ وَجب بِقدر الْحَاجة، وَلَا يخلي سنة من جِهَاد إِلَّا لعذر كضعف بِالْمُسْلِمين - وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى - واشتغالهم بفكاك أَسْرَاهُم، واستنقاذ بِلَاد استولى الْكفَّار عَلَيْهَا. وَيبدأ بِقِتَال من يَلِيهِ من الْكفَّار إِلَّا إِذا قَصده الْأَبْعَد، فَيبْدَأ بقتاله لدفعه.

الْحق السَّادِس: إِقَامَة الْحُدُود الشَّرْعِيَّة على الشُّرُوط (11 / ب) المرعية، صِيَانة لمحارم الله عَن التجريء عَلَيْهَا، ولحقوق الْعباد عَن التخطي إِلَيْهَا. ويسوّي فِي الْحُدُود بَين الْقوي والضعيف، والوضيع والشريف. قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : " إِنَّمَا أهلك من كَانَ قبلكُمْ أَنهم كَانُوا يُقِيمُونَ الْحُدُود

ص: 67

على الوضيع، ويتركون الشريف، وَايْم الله لَو أَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد سرقت لقطع مُحَمَّد يَدهَا ".

الْحق السَّابِع: جباية الزكوات والجزية من أَهلهَا، وأموال الْفَيْء وَالْخَرَاج عِنْد محلهَا، وَصرف ذَلِك فِي مصارفه الشَّرْعِيَّة، وجهاته المرضية، وَضبط جِهَات ذَلِك، وتفويضه إِلَى الثِّقَات من الْعمَّال.

الْحق الثَّامِن:

النّظر فِي أوقاف الْبر والقربات، وصرفها فِيمَا هِيَ لَهُ من الْجِهَات، وَعمارَة القناطر وتسهيل سبل الْخيرَات.

الْحق التَّاسِع:

النّظر فِي قسم الْغَنَائِم وتقسيمها، وَصرف أخماسها إِلَى

ص: 68

مستحقيها، كَمَا سَيَأْتِي تفصيلها فِي بَاب (12 / أ) الْغَنَائِم إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

الْحق الْعَاشِر:

الْعدْل فِي سُلْطَانه، وسلوك موارده فِي جَمِيع شَأْنه. قَالَ تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} . وَقَالَ تَعَالَى:{وَإِذا قُلْتُمْ فاعدلوا} وَفِي كَلَام الْحِكْمَة: عدل الْملك حَيَاة الرّعية، وروح المملكة، فَمَا بَقَاء جَسَد لَا روح فِيهِ. فَيجب على من حكّمه الله تَعَالَى فِي عباده، وملّكه شَيْئا من بِلَاده، أَن يَجْعَل الْعدْل أصل اعْتِمَاده، وَقَاعِدَة استناده، لما فِيهِ من مصَالح الْعباد وَعمارَة الْبِلَاد، وَلِأَن نعم الله يجب شكرها، وَأَن يكون الشُّكْر على قدرهَا، ونعمة الله على السُّلْطَان فَوق كل نعْمَة، فَيجب أَن يكون شكره أعظم من كل شكر.

وَأفضل مَا يشْكر بِهِ السُّلْطَان لله تَعَالَى؛ إِقَامَة الْعدْل فِيمَا حكمه فِيهِ، وَلذَلِك رُوِيَ فِي الحَدِيث (عدل الإِمَام فِي رَعيته يَوْمًا وَاحِدًا أفضل من عبَادَة (12 / ب) سِتِّينَ سنة) . وَرُوِيَ:(مائَة سنة) .

ص: 69

وَلما كَانَ خطر السُّلْطَان جسيماً، ونفعه عميماً، كَانَ أجره عِنْد الله عَظِيما، ومقامه فِي الْجنَّة كَرِيمًا، وَلَو لم يكن فِي أجر الْعدْل مَا فِيهِ، لكَانَتْ مصَالح الْملك وَعمارَة الممالك تَقْتَضِيه، وَلذَلِك كَانَ كسْرَى وَغَيره من كفرة الْمُلُوك فِي غَايَة الْعدْل، مَعَ أَنهم لَا يَعْتَقِدُونَ ثَوابًا وَلَا عقَابا، لأَنهم علمُوا أَن بِالْعَدْلِ صَلَاح ملكهم، وَبَقَاء دولتهم، وَعمارَة بِلَادهمْ.

قَالَ الْحُكَمَاء: الْملك بِنَاء أساسه الْجند، والجند جَيش يجمعهُمْ المَال، وَالْمَال رزق تجلبه الْعِمَارَة، والعمارة عمل يَنْمُو بِالْعَدْلِ.

وَقَالَ الْحُكَمَاء: الْعَالم بُسْتَان سياجه الدولة، والدولة سُلْطَان يعضده الْجَيْش، والجيش جند يجمعهُمْ المَال، وَالْمَال رزق تجمعه الرّعية، والرعية عبيد ينشئهم الْعدْل.

وَقد اتّفقت شرائع الْأَنْبِيَاء وآراء الْحُكَمَاء والعقلاء أَن الْعدْل سَبَب لنمو البركات ومزيد (13 / أ) الْخيرَات، وَأَن الظُّلم والجور سَبَب لخراب الممالك، واقتحام المهالك وَلَا شكّ عِنْدهم فِي ذَلِك.

قيل: نزل ملك متخفياً فَمر بِرَجُل لَهُ بقرة، تحلب حلاب ثَلَاثِينَ بقرة فَعجب مِنْهَا، وعزم على أَخذهَا، فحلبت فِي الْغَد نصف حلبها، فَسَأَلَهُ الْملك عَن سَبَب ذَلِك فَقَالَ: أَظن أَن سلطاننا عزم على أَخذهَا، وظلم الْملك يذهب الْبركَة، فَنوى السُّلْطَان تَركهَا، وَعَاهد الله عَلَيْهِ، فجلبت من الْغَد عَادَتهَا، فعاهد السُّلْطَان ربه أَن يعدل مَا بقى.

ص: 70