الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَلِكَ يتحَرَّى فِي منازلتهم الْعَدو؛ وَمَا هُوَ أرْفق بهم مقَاما، وَأكْثر ماءاً، وَأَعْدل هواءاً وأحرس أكنافا، وَأقرب إِلَى الظفر، وأعون على الْعَدو. ويراعي مصلحَة ضعيفهم وقويهم، وأميرهم وسوقيهم، فَإِن بَعضهم عون لبَعض.
فصل
(15)
156 -
يسْتَحبّ أَن يشاور أهل التجارب والرأي فِيمَا أعضل، وَيرجع إِلَى ذَوي الحزم وَالْعلم فِيمَا أشكل، وَيَأْخُذ مَا عِنْدهم، فَإِن ذَلِك أقرب إِلَى الحزم وَالظفر، وَأبْعد عَن الْخَطَأ والخطر. قَالَ الله تَعَالَى لنَبيه [صلى الله عليه وسلم] :{وشاورهم فِي الْأَمر} .
قَالَ الْحسن: كَانَ وَالله غَنِيا عَن مشاورتهم، وَلَكِن أَرَادَ أَن يسن للْأمة، وَعنهُ: مَا تشَاور قوم إِلَّا هُدُوا لأَرْشَد أُمُورهم. وَقيل: من كثرت مشاورته، حمدت إمارته.
وَلِأَن فِي المشورة تطييب الْقُلُوب (59 / أ) ، واجتماع الْكَلِمَة، وَظُهُور الحكم، وَرب رَأْي صَحِيح لَا يبديه صَاحبه قبل أَن يسْأَل عَنهُ، وَلَا سِيمَا مَعَ الْمُلُوك والعظماء، لما فِي النُّفُوس من مهابتهم وتعظيمهم، وَلِأَن الْأَدَب مَعَهم يَقْتَضِي ذَلِك، فَإِذا بسطوا بِسَاط الْمُشَاورَة انْشَرَحَ الصَّدْر لإِظْهَار الرَّأْي.
والحكماء يعدون المشورة من أساس المملكة وقواعد السلطنة وَمَا زَالَت الْمُشَاورَة من عادات الْأَنْبِيَاء، حَتَّى أَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام أَمر بِذبح وَلَده عَزمَة، وَمَعَ ذَلِك لم يدع مشاورته مَعَ صباه. قَالَ بعض الْحُكَمَاء: يَنْبَغِي للْملك أَن يستشير خَالِيا، فَإِنَّهُ أحزم فِي الرَّأْي، وَأبْعد عَن غائلة الحقد من بعض على بعض، ثمَّ يظْهر ذَلِك للْجَمَاعَة، وَيرجع إِلَى مَا يتَرَجَّح أَنه الصَّوَاب. وَقيل: من طلب الرُّخْصَة عِنْد المشورة أَخطَأ رَأْيه، أَو فِي المداواة زَاد مَرضه، أَو فِي الْفتيا أَثم. وَقيل: أصدق الْخَبَر تصدقك المشورة.
الْبَاب الثَّانِي عشر فِي كَيْفيَّة الْقِتَال (59 / ب) وَالصَّبْر على مقارعة الْأَبْطَال
157 -
قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم فِئَة فاثبتوا واذْكُرُوا الله كثيرا لَعَلَّكُمْ تفلحون وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله وَلَا تنازعوا فتفشلوا وَتذهب ريحكم واصبروا إِن الله مَعَ الصابرين} وَقَالَ بعض الْعلمَاء: جمع الله تَعَالَى لنا فِي هَذِه الْآيَة جَمِيع آدَاب الحروب. أول مَا يبْدَأ السُّلْطَان أَو نَائِبه بِقِتَال من يَلِيهِ من الْكفَّار، لقَوْله
ثمَّ كَذَلِك الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب. وَإِذا دخل الْجَيْش دَار الْحَرْب أَمر بالتعبئة لَهُ، والتحصن بِلبْس آلاته، وسلاحه، كَمَا فعل النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] بِأَصْحَابِهِ ببدر؛ وَلِأَن ذَلِك أحوط، وأهيب عِنْد نزُول الْعَدو. وَأَن يَجْعَل لكل طَائِفَة شعاراً يعْرفُونَ بِهِ، ليتميز الْمُسلم عَن الْكَافِر عِنْد اللِّقَاء. وَكَانَ شعار الْمُسلمين يَوْم بدر (حم لَا ينْصرُونَ) وَفِي غَزْوَة أُخْرَى (يَا مَنْصُور (60 / أ) أمت)