الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مبادئ اللغة
، ومن لطف الله تعالى / إحداث الموضوعات اللغوية).
أقول: إضافة المبادئ إلى اللغة من إضافة الشيء إلى جنسه، فهي بمعنى [خاتم من فضة] ، ولما فرغ مما تمس الحاجة إليه من القواعد المنطقية، التي هي من تتمة مبادئ هذا الكتاب، شرع الآن فيما تستمد منه أصول الفقه من المباحث اللغوية، ولما كان المستمد منه على ما تقدم من المبادئ لهذا العلم، قال:(مبادئ اللغة).
ولم يظهر لتغير عبارته وجه حيث قال أولًا: (من الكلام والعربية والأحكام)، وقال الآن:(مبادئ اللغة)، ولم يقل: مبادئ العربية، ولم يذكر المصنف شيئًا من مباحث المبادئ الكلامية؛ لأن المبادئ الكلامية على ما سبق: معرفة الباري، وصدق المبلغ، ودلالة المعجزة على صدقه، وقد جرت عادة العلماء أن يبحثوا عن ذلك في تصانيف علم الكلام خوفا من الانتشار وخلط العلوم.
والمبحوث عنه في المبادئ اللغوية هنا، ولما لم يكن مبحوثًا عنه في تصانيف علوم العربية، لم يمكنه أن يحيل الكلام فيه على فن آخر، بخلاف مبادئ الكلام، ولذلك أيضًا ذكر مبادئ الأحكام، وقدم المصنف مقدمة على المباحث اللغوية.
واعلم أن الإنسان لما كان شريفًا لكونه خلق الله تعالى، كما قال عليه السلام حاكيًا عن الله تعالى: «كنت كنزًا مخفيًا، فأحببت أن أعرف،
فخلفت خلقًا لأعرف به» ولا يتم ذلك للخلق بدون الاطلاع على المقدمات النظرية، والخلق متفاوتون في مقتضى أفكارهم، فمست الحاجة إلى إعلام بعضهم بما في ضمير بعض، لتكمل المعارف بتشارك الأفكار، وأيضًا للإنسان قوة حسية ترتسم فيها صور الأشياء الخارجية وتتأدى عنها إلى النفس فترتسم ارتسامًا ثانيًا في النفس، وقد ترتسم في النفس لا من جهة الحس، فللأشياء وجود في الخارج ووجود في النفس، وكما أن الحاجة ماسة إلى التحصيل في العقل لما ليس بحاصل فيه، مست إلى إبراز ما حصل في النفس لمن لم يحصل عنده، إذ الإنسان لا يستقل بأمر نفسه في تحصيل معارفه وتسهيل معايشه، بل يحتاج إلى معاون، ولا يتيسر ذلك له إلا بإبراز ما في ضميره، ولما لم يكن ما يتوصل به إلى ذلك أخف من أن يكون فعلًا، ولم يكن أخف من أن يكون صوتًا لعدم ثباته وازدحامه، ولأنه كيفية للنفس الضروري فخفت المؤونة وعمت الفائدة، لتناوله الموجود والمعدوم والمحسوس والمعقول، ولأنه مقدر بقدر الحاجة وينقضي عند انقضائها، إذ لو بقي بعد الحاجة ربما اطلع عليه من لا يريد اطلاعه عليه، قاده الإلهام الإلهي إلى استعمال الصوت وتقطيع الحروف بالآلة المعدة له، ليدل غيره على ما عنده من المدركات بحسب تركيباتها على وجوه شتى موضوعة لها، فالعبارة دالة على الصور الذهنية وهي على الأمور الخارجية، لكن الأولى لما كانت وضعية اختلف الدال بحسب الواضعين دون المدلول، [ولما كانت الثانية طبيعية، لم
يختلف الدال ولا المدلول] وأيضًا [وضع] الذهن لأن اللفظ دائر معه أما في المفردات فلأن من رأى شبحًا فظنه إنسانًا يسميه إنسانًا، ثم إذا تبين له أنه حجر سماه حجرًا، فقد دار الاسم مع الذهن وجودًا وعدمًا، فالواضع له إذ لو كان الواضع للخارجي ما تبدل بتبدل الظن، وكان يلزم تغير الأمر الخارجي.
وأما المركب فلأنه لو دل زيد قائم على الخارجي، كان كل حكم صدقًا / بل على الذهني، فإن طابق الخارجي فصدق، وإلا فكذب، ولقوة العلاقة بين اللفظ والمعنى، قلما ينفك تعقل الشيء عن تخيل اللفظ، وكأن المفكر يناجي نفسه بألفاظ متخيلة، وسبب القوة كثرة الاحتياج وتوقف الاستفادة عليه.
قيل: قوله (ومن لطف الله) إشارة إلى أن اللغة عنده توقيفية.
قلت: وفيه نظر؛ إذ التوقيف والإقدار في كونه لطفًا سواء.
قال: (فلنتكلم على حدها، وأقسامها، وابتداء وضعها، وطريق معرفتها.
الحد: كل لفظ وضع لمعنى.
أقسامها: مفرد، ومركب).
أقول: أمر المتكلم نفسه قليل، ومنه قوله تعالى:{ولنحمل خطاياكم} وحصر المصنف النظر في الموضوعات اللغوية في أربعة أقسام:
الأول: الحد، إذ هو طريق معرفة الماهية.
الثاني: أقسامها، من كونها مفردة ومركبة.
الثالث: في ابتداء الوضع، أهي توقيفية أو اصطلاحية، ليتفرع على ذلك التغير والنقل.
الرابع: طريق معرفتها أهو النقل، أو العقل، أو المركب منهما.
أما الحد: فكل لفظ وضع لمعنى.
(كل) لا تدخل في الحد؛ لأنه للماهية من حيث هي، ولا يدخل فيها عموم؛ ولأنه يجب صدقه على كل فرد، ولا يصدق بصفة العموم، فذكرها إما للإشعار بأنه لا يختص بقوم دون قوم، أو لأنه يحد الموضوعات
بصفة العموم، فوجب اعتبارها فيه، فيكون للكل المجموعي؛ لأن الموضوعات مجموع الألفاظ لا كل واحد.
فلفظ ومعنى، مصدران يدل كل منهما على القليل الكثير.
فكأنه قال: مجموع ألفاظ وضعت لمعانٍ.
قيل: إن أريد كل واحد لم يتناول المركب، ويلزم أن يكون العارف بكلمة لغويًا، وإن أريد الكل المجموعي لزم أن لا يوجد لغوي أصلًا.
وفيه نظر؛ لأن المعنى ما صدق عليه أنه لفظ موضوع، [والمركب صدق عليه أنه لفظ موضوع] لمعنى، ضرورة أن أجزاءه وضعت لأجزاء المعنى، أو نختار الثاني، ويكون اللغوي المستعد للعلم بالجميع.
والوضع: اختصاص شيء بشيء، بحيث إذا أطلق الأول فهم الثاني من علم الاختصاص.
وبقوله: (وضع لمعنى) خرج المهمل، وهذا يشمل ما مدلوله لفظ كالاسم والفعل والحرف؛ لأنه معنى أيضًا، إذ المعنى هو المقصود بشيء، وهو أعم من كل منهما، وظهر أن مذهبه أن المركبات موضوعة أيضًا، إذ المعنى بالوضعي ما للوضع فيه مدخل وأجزاء اللفظ موضوعة لأجزاء المعنى،
وليس المراد بالوضعي ما وضع اللفظ له، وإلا لم يكن الدال بالتضمن والالتزام وضعيًا.
قيل: أن أريد أن المركب وضع وضعًا شخصيًا، لم تنحصر الوضعية في الدلالات الثلاث لعدم وضع المركب بالشخص؛ لأن المشخصات لا تدخل في الوضع المذكور، وإن أريد الوضع النوعي، يلزم انحصار الموضوع في الدال بالمطابقة؛ لأن المدلول التضمني والالتزامي مجازي، واللفظ موضوع بإزاء المعنى المجازي وضعًا نوعيًا.
قلت: نمنع الوضع للمجاز، وإنما استعمل اللفظ في المدلول فقط، ولا يلزم من كون دلالة اللفظ عليه بسبب الوضع أن يكون اللفظ موضوعًا له، ودلالة المركب لا تخرج عن الدلالات الثلاث؛ لأن دلالة المركب إما على مدلول مفرديه، أو على مدلول أحد مفرديه، أو على لازم مجموعهما، لا يكون مدلول واحد منهما، والأول إما أن يدل على مدلول مفرديه، أو على مدلول واحد لمفرديه، والأول من هذين ينحصر في ستة أقسام، لأن دلالتي المفردين على مدلوليهما إما بالمطابقة، أو بالتضمن، أو بالالتزام، أو دلالة أحدهما بالمطابقة، والآخر بالتضمن، أو دلالة أحدهما مطابقة /
والآخر التزام، أو دلالة أحدهما بالتضمن والآخر بالالتزام، والأول مطابقي.
والثاني والرابع تضمني؛ لأن مجموع الجزء وجزء الجزء جزء.
والثالث والخامس والسادس التزامي؛ لأن مجموع الجزء والخارج خارج. والثاني منهما ينحصر في خمسة أقسام؛ لأن ذلك المدلول الذي دل عليه المركب، إن كان خارجًا عن كل واحد منهما فدلالته عليه التزام إلا فتضمن وهو أربعة أقسام: تضمن لهما، ومطابقي لأحدهما وتضمني للآخر، ومطابقي لأحدهما والتزامي للآخر، وتضمني لأحدهما والتزامي للآخر.
والثاني ينحصر في ثلاثة أقسام: قسمان تضمن، وقسم التزام، فإن كانت دلالة المفرد بالمطابقة فتضمن، وإن كانت بالتضمن فتضمن، وإن كانت بالالتزام فالتزام، والثالث لا يكون إلا التزامًا؛ لأن مدلوله المطابقي هو من مدلولات مفرداته المطابقية، ومدلوله التضمني إنما هو جزء من مدلولات مفرداته، فالأقسام تنحصر في خمسة عشر، لا تخلو كلها عن الدلالات الثلاث، وعليك استخراج الأمثلة.
قيل: لم يوضع عين اللفظ لعين المعنى في المركب، ولم توضع أجزاؤه لأجزاء المعنى؛ لأن منها الجزء الصوري وليس موضوعًا لمعنى، وإلا لتوقف كل تركيب على معرفة وضعه، فلا يكون المركب موضوعًا.
وجوابه: أن الأجزاء المادية موضوعة للأجزاء المادية، والجزء الصوري موضوع للجزء الصوري؛ لأن المعنى أيضًا مركب من مادة وصورة، غير أنها ليست موضوعة بالشخص لكنها موضوعة بالنوع، ولذلك تختلف