الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال: والحق أن كون المجاز أغلب، لا يقابله شيء مما ذكر.
قال: (مسألة: الشرعية واقعة خلافًا للقاضي، وأثبت المعتزلة الدينية أيضًا.
لنا: القطع بالاستقراء أن الصلاة للركعات، والزكاة والصيام والحد كذلك، وهي في اللغة للدعاء، والنماء، والإمساك مطلقًا، والقصد مطلقًا.
قولهم: باقية والزيادات شروط.
رد: بأنه في الصلاة، ولا داع ولا متبع.
قولهم: مجاز، إن أريد استعمال الشارع لها فهو المدعى، وإن أريد أهل اللغة فخلاف الظاهر، لأنهم لم يعرفوها، ولأنها تفهم بغير قرينة).
أقول: لا نزاع في وقوع الحقيقة اللغوية والعرفية.
وأما
[الحقيقة] الشرعية
وهي شاملة للمنقول الشرعي، وهو اللفظ الموضوع لمعنى ثم نقل في الشرع إلى معنى ثانٍ لمناسبة بينهما، وغلب استعماله في الثاني حتى صار المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق من غير قرينة، هو المعنى الشرعي، وشاملة للموضوعات المبتدأة وهي ألفاظ وضعها الشارع لمعان، إما من غير نقل من اللغة، أو معه لكن من غير اعتبار مناسبة، ولا نزاع في الإمكان، والخلاف في الوقوع.
ومختار المصنف وقوعها مطلقًا، وبه قال المعتزلة [بالمعنى] الثاني.
قال الإمام فخر الدين: «زعموا أن الحقيقة الشرعية منقسمة إلى أسماء أجريت على الأفعال كالصلاة والزكاة، وإلى أسماء أجريت على الفاعلين كالمؤمن والكافر والفاسق، وهذا الضرب يسمى بالحقائق الدينية» ، والمصنف لا يوافقهم على أن ما أجري على الفاعلين حقائق شرعية.
ونفاها القاضي، وبعض الفقهاء.
فأما القاضي فقال: «إن الواقع في الشرع من ذلك باق على حقيقته اللغوية، ولم يزد في معناها، والزيادات شروط لصحة تلك المدلولات الشرعية، والشرط خارج» .
وقال الفقهاء: إنا لشرع ما وضع ابتداء ولا نقل، وإنما تجوز عن المعاني اللغوية إلى المعاني الشرعية لمناسبة، فهي مجازات لغوية؛ لأنها على طريقتهم لا حقائق شرعية، ضرورة انتفاء الوضع الذي هو جزء مفهوم
الحقيقة، هذا تحقيق النقل في هذا المكان.
احتج المصنف: بأن القطع حصل بالاستقراء أن الصلاة اسم للركعات بما فيها من الأقوال والهيئات، والزكاة للمقدار المخرج من النصاب، والصيام للإمساك الشرعي زمانًا مخصوصًا مقرونًا بنية، والحج لقصدٍ مخصوصٍ، وهذه المعاني متبادرة إلى الذهن عند إطلاق هذه الألفاظ بدون قرينة، بعد أن كانت في اللغة الصلاة للدعاء، والزكاة للنماء، والصيام / للإمساك مطلقًا، والحج للقصد مطلقًا، وهذا ما حصل إلا بتصرف الشرع ونقله إليها، وهو معنى الحقيقة الشرعية.
قيل: قوله: (الصلاة للركعات) يبطل مذهب النافي.
وقوله: (وهي في اللغة الدعاء) يبطل مذهب المعتزلة.
وفيه نظر؛ لأنها عندهم أعم من أن تكون منقولة لم تعتبر فيها المناسبة، أو غير منقولة فجاز أن يكون المذكور لم يعتبر الشارع فيه مناسبة، نعم لم ضم
إلى ما ذكر قولنا: لو لم يعتبر الشرع المناسبة لزم الاشتراك، انتهض عليهم. واعترض على الدليل المذكور من وجهين:
أحدهما: قولكم: الصلاة للركعات، نمنعه، بل هي باقية على معانيها اللغوية، والشارع أوجب تلك المعاني اللغوية، واعتبر في إسقاط الفرض بها شروطًا لا يسقط الفرض بدونها، فلا نقل، فكانت الصلاة المجزئة شرعًا صلاة لغوية مقترنة بالركعات، لا أن الصلاة اسم للركعات.
رد: بأنها لو كانت باقية على معانيها اللغوية، لم يصح استعمالها في صورة فقدان تلك المعاني، لكن الصلاة لغةً إما الدعاء أو الاتباع، ومنه سمي المصلي وهو التالي في الحلبة، وقد فقد الأمران في صلاة الأخرس المنفرد. وفي هذا الرد نظر؛ لأن الدعاء لا يختص باللسان.
وأيضًا: الاتباع موجود؛ لأنها تابعة الإيمان، وأيضًا: لا ينحصر معنى الصلاة لغة فيما ذكر، مع أنه كلام على المستند.
الثاني من جانب الفقهاء: لا نسلم أن الاستعمال المذكور بطريق الحقيقة، وإنما بطريق المجاز والعلاقة متحققة، والدعاء جزء الركعات، وتسمية الكل باسم الجزء مجاز مشهور، والزكاة للنماء وهو سبب للشرعي، وإطلاق اسم السبب على المسبب مجاز.
وقيل: إنه من جانب القاضي، أي لو سلّم أن الزيادات داخلة في مفهومها، لزم كونها مجازًا، فلا تكون حقائق شرعية.
ثم أجاب: ما تريدون بكونها مجازًا؟ .
إن أردتم أن الشارع استعملها في معانيها لمناسبة للمعنى اللغوي اصطلاحًا لم يعهد من أهل اللغة ثم اشتهر حتى صار يفهم بغير قرينة، فهو الحقيقة الشرعية.
وإن أريد أن أهل اللغة استعملوها في هذه المعاني والشارع تبعهم فيه، فهو خلاف الظاهر لوجهين:
الأول: أنهم لا يعرفون تلك المعاني، واستعمال اللفظ في المعنى فرع معرفته.
الثاني: أن هذه المعاني تفهم من هذه الألفاظ عند الإطلاق من غير قرينة فلا تكون مجازًا.
قلت: وفيه نظر؛ إذ له أن يختار الأول، ولا يلزم من الاستعمال الوضع الذي هو جزء المفهوم الحقيقي، فقد يكون الشارع تجوز للعلاقة، واشتهر حتى صارت قرائن الأحوال دالة على أن مراد الشارع عند استعمالها المعنى المجازي، فلا يلزم أن يكون حقيقة، وهذا مدعانا لا مدعاكم.
فقوله: (وهو المدعى) ليس كذلك.
قال: (القاضي: لو كان كذلك لفهمها المكلف، ولو فهمهما لنقل
لأنا مكلفون مثلهم، والآحاد لا تفيد، ولا تواتر.
وأجيب: بأنها فهمت بالتفهيم بالقرائن، كالأطفال.
قالوا: لو كانت لكانت غير عربية، [لأنهم لم يضعوها، وأما الثانية فلأنه يلزم ألا يكون القرآن عربيًا.
وأجيب: بأنها عربية] بوضع الشارع لها مجازًا، أو أنزلناه ضمير السورة، ويصح إطلاق / اسم القرآن عليها، كالماء والعسل، بخلاف نحو: المائة والرغيف. ولو سلم، فيصح إطلاق العربي على ما غالبه عربي كشعر فيه فارسية وعربية).
أقول: قال القاضي: لا تكون هذه الأسماء حقائق شرعية، وإلا لزم أن يفهمها الشارع للمكلفين أولًا، لأن الفهم شرط التكليف، ولو فهمها لنقل إلينا، لأنا مكلفون مثلهم، والفهم شرط التكليف، ولو نقل إلينا، فإما بالتواتر ولم يوجد قطعًا، وإلا لما وقع خلاف، وإما آحاد ولا تفيد العلم.
أجاب: بأنها فهمت لنا ولهم بالترديد بالقرائن، كالأطفال يتعلمون اللغات من غير أن يصرح لهم بوضع اللفظ للمعنى، لامتناعه بالنسبة إلى من لا يعلم شيئًا من الألفاظ، وهذا طريق قطعي لا ينكر، فإن عنيتم بالتفهيم والنقل ما ذكرتم منعنا الملازمة، وإن عنيتم ما هو أعم منعنا بطلان التالي، والشارع فهمهم حال الخطاب لا قبله بالقرائن.
احتجوا أيضًا: بأن الأسماء المذكورة لو كانت حقائق شرعية، لكانت غير عربية، واللازم باطل.
أما الملازمة؛ فلأن نسبة الألفاظ إلى اللغات إنما كنسبة دلالتها بالوضع على المعاني في تلك اللغة، وواضعوا لغة العرب لم يضعوها على ذلك التقدير فلا تكون عربية، وأما الثانية؛ فلأنه يلزم ألا يكون القرآن عربيًا؛ لأن ما بعضه عربي وبعضه غير عربي لا يكون عربيًا كله، [لكنه عربي كله]، لقوله تعالى:{إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا} .
أجاب أولًا: بمنع الملازمة، أي لا نسلم أنها تكون [غير] عربية، وإنما يلزم ذلك لو لم يضعها الشارع لشيء يكون بينه وبين المعنى اللغوي مناسبة، والشارع عربي، فهي مجازات لغوية؛ لأن معنى كون اللفظ عربيًا إفادته لمعناه على طريق العرب، إما على سبيل الحقيقة أو على سبيل المجاز، فلما نقلها واشتهرت في الثاني، صارت حقائق.
سلمنا، ونمنع بطلان التالي.
قولكم: «لكنه عربي كله» نمنعه، وقوله تعالى:{إنا أنزلناه} ضمير السورة، وقوله:(ويصح إطلاق اسم القرآن عليها) جواب عن سؤال تقريره: السورة بعض القرآن، والقرآن اسم للمجموع، وبعض الشيء غيره.
أجاب: أن القرآن اسم جنس يطلق على القليل والكثير منه، ولذلك لو
حلف أن لا يقرأ القرآن حنث بسورة، وجزء الشيء إذا شارك غيره في معناه صح أن يقال هو كذا، وهو بعض كذا بالاعتبارين، كالماء والعسل، إذ القرآن الكلام المنزل للإعجاز بسورة منه، فما وجد فيه هذا المعنى أطلق عليه قرآن، بخلاف ما إذا لم يشارك الجزء الكل في المعنى، كالمائة والرغيف.
سلمنا أن الضمير للقرآن لا للسورة، لكن لم لا يجوز أن يكون بعضه غير عربي، ويطلق العربي على المجموع لكون غالبه عربيًا، كشعر فيه ألفاظ فارسية، فإنه يقال له عربي وإن كان بطريق المجاز، لكن الأصل في الإطلاق الحقيقة، فالمنع الأول أحسن، لكن بتقدير أن تكون مبتدأ من غير نقل، المنع الثاني أولى.
قال: (المعتزلة: الإيمان التصديق، وفي الشرع العبادات؛ لأنها الدين المعتبر، والدين الإسلام، والإسلام الإيمان، بدليل {ومن يبتغ} فثبت أن الإيمان العبادات، وقال تعالى:{فأخرجنا من كان / فيها من المؤمنين} ، وعورض بقوله تعالى:{قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} .
قالوا: لو لم يكن لكان قاطع الطريق مؤمنًا وليس بمؤمن؛ لأنه مخزي بدليل: {من تدخل النار فقد أخزيته} والمؤمن لا يخزى، بدليل:{يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} .
وأجيب: بأنه للصحابة، أو مستأنف).
أقول: قالت المعتزلة: «الإيمان التصديق لغة، وفي الشرع العبادات
المخصوصة» ، ولا مناسبة مصححة للتجوز قطعًا.
أما الأول: فبالإجماع.
وأما الثاني: فلأن العبادات هي الدين المعتبر، لقوله تعالى:{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} أي الملة المستقيمة المعتبرة، وذلك إشارة إلى جميع ما ذكر، فثبت أن العبادات هي الدين المعتبر، والدين المعتبر هو الإسلام، لقوله تعالى:{إن الدين عند الله الإسلام} ، فغير المعتبر لا يكون إسلامًا، والإسلام الإيمان، لأنه لو كان غيره لم يقبل من مبتغيه، لقوله تعالى:{ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه} ، لكن الإيمان مقبول من مبتغيه، ينتج: العبادات إيمان، ينعكس: الإيمان هو العبادات.
وأيضًا: الإسلام الإيمان لأنه استثنى المسلمين من المؤمنين، والمنقطع مجاز والمتصل يدل على دخول المستثنى في المستثنى منه فالمسلمون مؤمنون، فالإسلام إيمان. ثم قال. (وعورض بقوله تعالى:{قل لم تؤمنوا} ) ، وهذا يصلح أن يكون معارضة في المقدمة.
وتقريره: أن ما ذكرتم من الآيتين وإن دلتا على أن الإسلام هو الإيمان، لكن عندنا ما ينفيه؛ لأنه لو كان الإسلام هو الإيمان لما ثبت الإسلام عند
سلب الإيمان، والتالي باطل لقوله تعالى:{قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} ، يصح أن يكون معارضة للدليل.
وتقريره: الإيمان ليس العبادات والإ لكان إسلامًا بعين ما ذكرتم، وليس بإسلام لقوله تعالى:{قل لم تؤمنوا} ، وفي هذه المقدمات نظر.
أولًا: نمنع عود الإشارة إلى جميع المذكور، وظاهر أنه إلى الإخلاصفقط، سلمنا قولكم: لو كان غيره لم يقبل من مبتغيه، نمنعه، والآية دلت على أن الدين الذي هو غير الإسلام غير مقبول، لا على أن كل شيء ما عدا الإسلام غير مقبول، فجاز أن يكون غير دين فلا يلزم أن لا يكون مقوبلًا.
قلت: ونلتزمه، وهو مذهب السلف وأكثر العلماء؛ لأنهم يقولون: الإيمان في الشرع التصديق والنطق بالشهادة، بحيث لو أخل بأحدهما لم يكن مؤمنًا، وأما الآية فلا تدل إلا على أن المسلم هو المؤمن، ولا يلزم من صدق شيئين على شيء اتحاد مفهوم ذينك الشيئين، إذ شرط الاستثناء صدق أحدهما على الآخر، لا اتحاد المفهومين.
سلمنا، ولا ينعكس إلا بعض الإيمان عبادات، وليس المدعى.
قالوا: لو لم يكن نفسها، لكان قاطع الطريق مؤمنًا؛ لأنه لو لم يكن فعل العبادات، لكان نفس تصديق النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لا قائل بثالث إجماعًا، فحينئذ يكون قاطع الطريق مؤمنًا لوجود التصديق الخاص منه.
وأما بطلان التالي؛ فلأن قاطع الطريق مخزي، ولا شيء من المؤمن
بمخزي، فنتج من الثاني: لا شيء من قاطع الطريق بمؤمن.
أما الصغرى؛ فلأنه يدخل النار لقوله تعالى: {ولهم عذاب / عظيم} وهو النار إجماعًا، وكل من يدخل النار فهو مخزي، لقوله تعالى:{فقد أخزيته} .
وأما الكبرى؛ فلقوله تعالى: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} .
والجواب: منع كلية الكبرى، وسنده أن معه ظاهر في الصحابة وهو براء من قطع الطريق، هذا إذا عطف «والذين آمنوا» على ما قبله، أما إذا جعل الواو للاستئناف، لم يثبت صدقها جزئية ولا كلية.
قال: (مسألة: المجاز واقع خلافًا للأستاذ، بدليل: الأسد للشجاع والحمار للبليد، وشابت لمة الليل.
المخالف: يخل بالتفاهم، وهو استبعاد).
أقول: ذهب أكثر الأصوليين إلى أن المجاز واقع في اللغة.
ونفاه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني.
حجة الجمهور: أنهم أطلقوا الأسد على الشجاع، والحمار على البليد، وشابت لمة الليل لظهور ضوء الصبح، واستعمالها في المذكور لا يكون بطريق الحقيقة؛ لأنه يسبق منها عند الإطلاق خلاف ما استعملت فيه ولا تفهم هذه المعاني منها إلا بقرينة، وهو معنى المجاز.
احتج الأستاذ: بأنه لو وقع لزم الإخلال بالتفاهم واللازم باطل. بيان اللزوم؛ أنه عند عدم القرينة يحمل على الحقيقة، وعند وجودها قد يغفل عنها المخاطب، أو تكون حقيقة فيفهم المعنى الحقيقي فيقع الإخلال بالتفاهم. وأجيب: بمنع الملازمة، فقد يخل بالفهم التفصيلي لا بالفهم مطلقًا، ويكون الغرض منه الفوائد السابقة، سلمنا ونمنع بطلان التالي، وما ذكرتم لا يدل على استحالة الوقوع بل على استبعاده، ولا يعتبر مع القطع بالوقوع.
قال: (ووقع في القرآن خلافًا للظاهرية، بدليل:{ليس كمثله شيء} ، {واسأل القرية} ، {يريد أن ينقض} ، {فاعتدوا} ، {سيئة مثلها} ، وهو كثير.
قالوا: المجاز كذب لأنه ينفى، فيصدق.
قلنا: إنما يكذب إذا كانا معًا للحقيقة.
قالوا: يلزم أن يكون الباري تعالى متجوزًا.
قلنا: مثله يتوقف على الإذن).
أقول: القائلون بوقوعه في اللغة اختلفوا، هل وقع في القرآن أم لا؟ .
فنافاه الظاهرية، وأثبته الأكثرون.
احتج المثبتون بآيات منها قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} وهو من مجاز الزيادة؛ لأن المراد في الآية نفي المثل، لأنها لبيان الوحدانية، إذ لو كان المراد نفي المثل الذي هو حقيقة، لم تدل على الوحدانية، إذ نفي مثل المثل لا يوجب نفي المثل، بل ظاهره ثبوت المثل؛ لأن من قال: ليس لابن فلان مثل، اقتضى ثبوت ابن لفلان. وأيضًا كان يلزم نفيه تعالى لأنه مثل لمثله؛ لأن نفي مثل المثل يستلزم تعقل مثل المثل، وتعقل مثل المثل يستلزم تعقل المثل، وتعقل المثل يستلزم أن يكون تعالى مثلًا لذلك، لأن المثلية إنما تتحقق من الجانبين، فلو كان المراد الحقيقة لزم نفيه.
لا يقال: الحكم بكونه مثلًا لمثله موقوف على ثبوت مثله الذي هو محال، فلا يكون مثلًا لمثله. لأنا نقول: الحكم لا يتوقف على ثبوت المثل في الخارج، بل على تعقل ما صدق عليه أنه مثل.
والحق: أن الكاف للتشبيه فلا مجاز، ويلزم منه نفي المثل؛ لأن وجود مثل المثل لازم لوجود المثل، فلزم من نفي مثل مثله نفي مثله؛ لأنه كلما انتفى اللازم انتفى الملزوم، فهو نفي للتشبيه المستلزم لنفي الشريك، والمقصود به نفي من يشبه أن يكون مثلًا فضلًا عن المثل حقيقة، والله تعالى ليس مثلًا لمثله؛ لأن معنى مثل مثل الله، هو الشيء الثابت الذي يساويه في تمام الماهية ولوازمها، ويغايره بالعوارض فلا / يصدق هذا على الله، والمثل المتعقل إنما هو مفهوم شيء يشارك الله وهذا ليس مثلًا بالحقيقة لاختلافهما في اللوازم. وأيضًا لما ثبت بالبرهان أنه لا مثل له لم يكن مثلًا لمثله فلا يلزم نفيه. ومنها قوله:{واسأل القرية} والمراد أهلها لامتناع سؤالها، وليس القرية حقيقة في الجماعة وإلا لزم الاشتراك، ولا في القدر المشترك الذي هو المجتمع، وإلا لما تبادر الذهن إلى البناء المجتمع.
لا يقال: يحمل على الحقيقة؛ لأنه يمكن نطق القرية على سبيل المعجزة لأن ذلك إنما يقع عند التحدي، ولم يتحقق التحدي حينئذ، مع أن مثل ذلك بعيد الوقوع.
ومنها قوله تعالى: {يريد أن ينقض} والإرادة إنما يوصف بها الحي
فشبه إشرافه على السقوط بالإرادة لوجود الميل، وفيه استعارة. ط
ومنها قوله تعالى: {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} أطلق الاعتداء على القصاص مع أنه أمر جائز والآخر حرام، لكن الاعتداء سبب للقصاص أو ضد له أو مشابه له في الصورة، فالإطلاق بالاعتبار الثلاث مجاز.
وكذا {وجزاء سيئة سيئة مثلها} بعين ما ذكر.
وأيضًا قوله تعالى: {واشتعل الرأس شيبًا} ، {واخفض لهما جناح الذل} ، {كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} إلى غير ذلك.
احتج الظاهرية بوجهين:
الأول: المجاز كذب، وما هو كذب لا يقع في كلام الله تعالى، أما أنه كذب فلأنه ينفي ويصدق النفي فلا يصدق إثباته، وإلا لصدق النفي والإثبات معًا.
وجوابه: منع الصغرى، فإن النفي باعتبار الحقيقة والإثبات باعتبار المجاز، والكذب إنما يلزم لو كان الإثبات والنفي معًا بطريق المجاز أو بطريق الحقيقة، فلا استحالة للاختلاف في المحمول.
احتجوا: بأنه لو وقع، لكان الله تعالى متجوزًا، واللازم باطل.
أما الملازمة؛ فلأن من قام به فعل فإنه يشتق له منه اسم.
أجاب: بمنع الملازمة؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية.
سلمنا، ونمنع بطلان التالي؛ لأن اللازم صحته لغة وعقلًا.
قال: (مسألة: في القرآن معرب، وهو عن ابن عباس، وعكرمة، ونفاه الأكثرون.
لنا: المشكاة هندية، وإستبرق وسجيل فارسية، وقسطاس رومية.
قولهم: مما اتفق فيه اللغات كالصابون والتنور بعيد.
وإجماع أهل العربية على أن نحو إبراهيم، منع من الصرف للعجمة والتعريف يوضحه.
المخالف: بما ذكر في الشرعية، وبقوله تعالى:{أأعجمي وعربي} فنفى أن يكون متنوعًا.
وأجيب: بأن المعنى من السياق: أكلام أعجمي ومخاطب عربي لا يفهمه، وهم يفهمونها.
ولو سلم نفي التنويع فالمعنى: أعجمي لا يفهمه، وهو يفهمونها).
أقول: هذه المسألة تشارك المجاز في أن كلًا منهما ليس من الموضوعات الحقيقة للغة العرب، والجمهور على عدم وقوعه في القرآن.
وأثبته ابن عباس، ومولاه.
واختاره المصنف، واحتج عليه: بأن المشكاة هو الكوة في لغة الهند وإستبرق غليظ الديباج في لغة الفرس، [وسجيل من لغة الفرس] أيضًا، وقسطاس وهو الميزان في لغة الروم.
قيل: المذكور مما وافق فيه وضع العرب وضع غيرهم، كالصابون والتنور، فإن اللغات متفقة فيه.
أجاب: بأن هذا الاحتمال بعيد؛ لأن مثل هذا نادر، والاحتمالات البعيدة لا تدفع بالظهور.
ثم قال: / ومما يوضح أن المعرب في القرآن، إجماعهم على أن نحو «إبراهيم» منع من الصرف للعجمة والتعريف، وليس مما اتفق فيه اللغات، لكن كونه عربيًا ينافي منع صرفه للعجمة، إذ ما اتفق فيه اللغات لا يمنع
من صرفه لكونه أعجميًا أيضًا.
وفي هذا الاستدلال نظر؛ إذ الخلاف ليس في الأعلام، بل في أسماء الأجناس.
احتج المخالف: بما تقدم في الحقيقة الشرعية فإنها لو كانت لكانت غير عربية، وأيضًا لو كانت لفهمها المكلف، وقد تقدم تقريرهما وجوابهما. احتجوا أيضًا: بأنه لو وقع المعرب في القرآن، لكان القرآن متنوعًا. أما الملازمة فبينة، لكنه غير متنوع لقوله تعالى:{أأعجمي وعربي} لأنه للإنكار.
والجواب: منع بطلان التالي.
قوله: «نفى أن يكون متنوعًا» ، قلنا: إنما يلزم ذلك لو كان كله صفة للكلام وليس كذلك، إذ المعنى من السياق: أكلام أعجمي ومخاطب عربي لا يفهمه فيبطل الغرض من إنزاله، وهذه الألفاظ كانوا يفهمونها فلا تندرج تحت الإنكار، أو نقول: يجوز أن يكون انتفاء كونه أعجميًا بكونه ليس كله أعجميًا فلا يلزم نفي التنويع، ولو سلم أنهما صفتان للكلام، فلا نسلم أنه نفى التنويع مطلقًا، بل التنويع الذي لا يفهمونه وهم يفهمون المعرب.