المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أوليًا. فبالقيد الأول خرج المتباين. وبالثاني خرج المتواطئ والمشكك. وبالثالث خرج المجاز إن - تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول - جـ ١

[يحيى بن موسى الرهوني]

الفصل: أوليًا. فبالقيد الأول خرج المتباين. وبالثاني خرج المتواطئ والمشكك. وبالثالث خرج المجاز إن

أوليًا.

فبالقيد الأول خرج المتباين.

وبالثاني خرج المتواطئ والمشكك.

وبالثالث خرج المجاز إن قلنا إنه موضوع، فإنه ليس وضعًا أوليًا.

و‌

‌المشترك

إما ممتنع الوقوع، أو واجب، أو ممكن.

والممكن إما واقع أو لا، فهذه أربع احتمالات، وقال بكل واحد منها قائل، إلا أنه لا فرق عند التحقيق بين الواجب والممكن الواقع، إذ لا وجوب ذاتي هنا، والممكن ما لم يجب صدوره عن الغير لم يقع، ومنه يعلم أنه لا فرق بين الممتنع والممكن الغير واقع، إذ لا امتناع ذاتي، ولذلك لم يتعرض المصنف إلا للوقوع وعدمه.

وقد علم أن اصطلاحه، أن (لنا) للدليل الصحيح على مذهبه.

وأن (واستدل) للدليل المزيف على مذهبه، وإن كان قد وقع له في ثلاث مواضع وما أجاب عنه، ولكن لا يلزم أن يكون مرضيًا عنده.

وأن (قالوا) لدليل الخصوم.

ص: 305

والأصح عند المصنف أن المشترك واقع، وذلك يستلزم الجواز، إذ لا يمتنع أن يضع واضع لفظًا واحدًا لمعنيين على طريق البدل وضعًا [أولًا] ويوافقه عليه غيره، أو يتفق وضع إحدى القبيلتين الاسم على معنى، وتضعه قبيلة أخرى بإزاء معنى آخر، من غير شهود كل واحدة بوضع الأخرى، ثم يشتهر الوضعان، مع أن وضع اللفظ للمعنى تابع لإرادة الواضع، وكما يريد تعريف الشيء لغيره مفصلًا، فقد يريد تعريفه له مجملًا، إما لمحذور يتعلق بالتفصيل، أو لفائدة تتعلق بالإجمال.

وأما الوقوع؛ فلأن القرء للطهر والحيض معًا على البدل من غير ترجيح وكلما كان كذلك، فهو مشترك بالاشتراك اللفظي.

أما الصغرى؛ فلإطباق أهل اللغة عليه كما في المنتهى.

وأما الكبرى؛ فلأنه إذا كان لهما معًا، لا يكون بالاشتراك المعنوي / إذ ذاك لمعنى واحد، وإذا كان على البدل لا يكون للمجموع من حيث هو، وإذا كان من غير ترجيح، لا يكون حقيقة في أحدهما مجازًا في الآخر.

ولا يقال: يجوز أن يكون موضوعًا لأحدهما ونقل إلى الثاني وخفي ذلك لأن الخفاء على وجه لا يعلمه علماء اللغة بعيد، ويكفي غلبة الظن في مباحث الألفاظ.

قيل: إن أراد بقوله: (القرء للطهر والحيض) أنه موضوع لهما، منعنا

ص: 306

الصغرى؛ لأن بعض أهل اللغة نفى الاشتراك، وبعض الحنفية قال: القرء حقيقة في الحيض مجاز في الطهر.

وإن أراد أنه يستعمل لهما، فالكبرى ممنوعة، لجواز أن يكون الاستعمال على طريق المتواطئ أو الحقيقة والمجاز، وهو أولى دفعًا للاشتراك.

وجوابه: أن اللفظ واحد والمعنى متعدد قطعًا، فلا يكون متواطئًا، ولا يكون مجازًا في أحدهما، لاستلزامه ترجيح الحقيقة ولا ترجيح هنا.

وأيضًا تردد الذهن حالة سماع اللفظ بلا قرينة آية الاشتراك.

قال: (واستدل: لو لم يكن لخلت أكثر المسميات؛ لأنها غير متناهية والألفاظ متناهية؛ لأنها ركبت من الحروف المتناهية، والمركب من المتناهي متناهي.

وأجيب: بمنع ذلك في المختلفة والمتضادة، ولا يعتبر في غيرها.

ولو سلم فالمتعقل متناه، وإن سلم فلا نسلم أن المركب من المتناهي متناه، وأسند بأسماء العدد، وإن سلم منعت الثانية، ويكون كأنواع الروائح).

أقول: استدل على وقوع المشترك بأنه لو لم يقع لخلت أكثر المسميات عن الأسماء، واللازم باطل، فالملزوم مثله.

بيان اللزوم؛ أن المعاني غير متناهية لأن من جملتها معلومات الله تعالى،

ص: 307

والأعداد، وأنواع الروائح، وهي غير متناهية، والألفاظ متناهية لتركبها من الحروف المتناهية، وما تركب من المتناهي فمتناهي، وإذا وزعت على المعاني [بحيث] يخص كل معنى بلفظ، خلت أكثر المسميات عن الأسماء لعدم استغراق المتناهي لغير المتناهي.

وأما بيان بطلان اللازم؛ فلأن الحاجة ماسة إلى التعبير عن المعاني، فلابد من الوضع لها.

أجاب أولًا: بمنع الملازمة، وتقريره: أن قولكم في بيانها: المعاني غير متناهية، تريدون المعاني المتضادة، وهي الأمور الوجودية التي يمتنع اجتماعها في محل واحد في وقت واحد كالسواد والبياض، والمختلفة وهي التي حقائقها مختلفة ولا يمتنع اجتماعها في محل كالحركة والبياض، أو المتماثلة وهي الأمور المتفقة الحقائق كأفراد الأنواع.

إن أردتم الأول، فلا نسلم أنها غير متناهية، وإن أردتم الثاني فلا يفيد عدم تناهيها في بيان اللزوم، إذ يكفي الوضع للمشترك فلا يلزم الخلو.

سلمنا أن المختلفة والمتضادة غير متناهية، لكن المتعقل منها متناه، لامتناع إحاطة الذهن بما لا يتناهى، والوضع إنما يحتاج للمتعقل.

سلمنا أن المتعقل غير متناه، ولا نسلم أن الألفاظ متناهية، وكونها ركبت من متناه لا يستلزم تناهيها، والمستند أسماء العدد، فإنها اثنا عشر

ص: 308

والمركب منها غير متناه، ولم يرفض الشيخ في الشفاء من هذه الأنواع الثلاثة إلا الثاني.

قلت: وهو الحق؛ لأن أنواع الأعداد متضادة مع عدم تناهيها، وأما الاعتراض على هذا المنع بأن الوضع للقدر المشترك يوجب المجاز في الأفراد، بأنه سلم أن عدم تناهي المتماثلة يفيد الاشتراك، [ثم منعه في قوله: لا نسلم أن المتعقل غير متناه حتى يلزم الاشتراك] ، فيكون منعًا غير موجه فساقط /؛ لأن استعمال المتواطئ في كل فرد باعتبار المعنى الموجود فيه حقيقة وإنما يكون مجازًا باعتبار خصوصيته، ثم هو أولى من الاشتراك، ولأنه إنما سلم من المتضادة، والمختلفة غير متناهية فقط.

وأما المنع الثالث؛ فلأن المراد من التركيب التركيب الخاص كما هو الموجود من أن الكلمة ثلاثية ورباعية وخماسية، وأسماء الأعداد إنما لم تتناه للتكرار؛ لأنك تقول: مائة ألف ألف ألف إلى ما لا نهاية له، ولا يستقيم ذلك هنا، ثم سلم المصنف الملازمة ومنع بطلان اللازم، وإليه أشار بقوله:(منعت الثانية) فإنه يجوز خلو أكثر المسميات، إذ من المعاني المختلفة أنواع

ص: 309

الروائح ولم يوضع لها، ولم يختل المقصود من الوضع، إذا يمكن التعبير عنها بالإضافة إلى المحل.

قال: (واستدل: لو لم يكن لكان الموجود في القديم والحادث متواطئًا لأنه حقيقة فيهما، وأما الثانية؛ فلأن الموجود إن كان الذات فلا اشتراك، وإن كان صفة فهي واجبة في القديم، فلا اشتراك.

وأجيب: بأن الوجوب والإمكان لا يمنع التواطؤ كالعالم والمتكلم).

أقول: استدل أيضًا على وقوع المشترك بدليل آخر مزيف، تقريره: لو لم يكن المشترك، لكان صدق الموجود على القديم والحادث متواطئًا، واللازم باطل، فالملزوم مثله.

أما الملازمة، فلأنه يطلق على عليهما بطريق الحقيقة اتفاقًا، كما قال في المنتهى، وكما في الإحكام، وهو المراد من قوله:(لأنه حقيقة فيهما) إذ لا يريد أنه وضع لكل واحد منهما، وإلا لكان مصادرة، وهذا البيان أولى من قولهم: إذ لو كان مجازًا لصح نفيه؛ لأنها علاقة فاسدة عند المصنف وإذا كان حقيقة فيهما، فلو انتفى الاشتراك اللفظي لثبت المعنوي الذي هو أعم من المتواطئ والمشكك، وهو مراده على توسع.

ص: 310

وأما بطلان التالي وإليه أشار بقوله: (وأما الثانية)؛ فلأن المسمى بالموجود إما أن يكون عين ذات القديم وعين ذات الحادث، أو صفة زائدة عليهما، وأيًا ما كان لا اشتراك معنوي.

أما الأول؛ فلمخالفة ذاته تعالى لسائر الذوات بتمام حقيقتها، إذ لو لم تخالفها في شيء لزم وجوب الكل، وإن خالفتها في البعض لزم تركيب ذاته وهو محال.

وإن كان صفة، فهي واجبة في القديم وممكنة في الحادث، فلا تكون شيئًا واحدًا مشتركًا، وإلا لكان الواحد بالحقيقة واجبًا لذاته ممكنًا لذاته.

أو نقول: الوجوب والإمكان متنافيان، وتنافي اللوازم ملزوم لتنافي الملزومات.

وتقرير الجواب: أن نمنع بطلان الثاني، ونختار أنه صفة، والوجوب والإمكان لا ينفيان الاشتراك المعنوي إلا إذا كانت الصفة واجبة لذاتها في القديم وليس كذلك؛ لأن وجوبها لذات الموصوف، ولا ينافي الإمكان الذاتي، والمراد بوجوبها أنها ممتنعة الزوال، نظرًا إلى ذات الموصوف لا إلى ذات الوجود.

ومعنى وجوبها، أن ذات القديم من حيث هي تقتضي تلك الصفة.

ومعنى إمكانها: أن ذات الممكن من حيث هي لا تقتضيها.

ويجوز أن تكون صفة واحدة مشتركة بين مختلفين بالحقيقة، وأحدهما يقتضي تلك الصفة لذاته فتكون واجبة، والآخر لا يقتضيها فتكون ممكنة،

ص: 311

مع أن تلك الصفة مشتركة من حيث المعنى [بينهما] ، كالعالم والمتكلم اشترك فيهما القديم والحادث من حيث المعنى، مع كونه واجبًا / في القديم ممكنًا في الحادث بعين ما ذكرنا، وتنافي اللوازم لا يستلزم ألا يكون من الملزومات قدر مشترك، لجواز أن يكون مشككًا كما هنا.

قال: (قالوا: لو وضعت لاختل المقصود من الوضع.

قلنا: يعرف بالقرائن، وإن سلم فالتعريف الإجمالي مقسوم كالأجناس).

أقول: احتج المانعون: بأنه لو وضع لاختل المقصود من الوضع، واللازم باطل.

بيان اللزوم؛ أن المقصود من الوضع إفهام المخاطب مراد المتكلم، وفهم المراد من اللفظ المشترك ممتنع، لتساوي دلالته بالنسبة إلى معانيه.

وأما بطلان التالي؛ فلأنه مهما انتفى الموجب للوضع ينتفي وضع المشترك وإلا لزم وقوع الممكن بدون سببه، فثبت أنه يلزم عدم وقوعه على تقدير وقوعه، وأنه محال.

والجواب: منع الملازمة، لجواز أن يعرف مراد المتكلم بالقرائن.

سلمنا الاحتلال التفصيلي إما لخفاء القرائن أو لعدمها، لكن لا نسلم أن الإفهام التفصيلي مقصود من الوضع دائمًا، إذ قد يكون المقصود الإفهام الإجمالي، كأسماء الأجناس فإنها لا تفيد تفاصيل ما تحتها، فتفيد القدر

ص: 312

المشترك من غير تعيين جزئياته، فكذلك يكون المراد هنا أحد المعنيين لا بعينه وهو ما يقصد، والمخل بالمقصود من الوضع إنما هو عدم الفهم مطلقًا، مع أن من المقاصد الحمل على جميع معانيه، كما هو مذهب جماعة.

وأيضًا: قد يكون من واضعين، كل منهما لا يعلم أن غيره وضعه لذلك المعنى، ثم يحصل الاشتراك باشتهار الوضعين والاستعمال، فلم يختل مقصود الواضع.

قال: (مسألة: ووقع في القرآن على الأصح، لقوله تعالى:{ثلاثة قروء} ، و {عسعس} ، لأقبل وأدبر.

قالوا: إن وقع مبينًا طال بغير فائدة، وغير مبين غير مقيد.

وأجيب: بأن فائدته مثلها في الأجناس، وفي الأحكام الاستعداد للامتثال إذا بين).

أقول: القائلون بوقوع المشترك في اللغة اختلفوا في وقوعه في القرآن، والأصح عند المصنف وقوعه فيه.

والدليل عليه قوله تعالى: {ثلاثة قروء} ، والقراء مشترك بين الطهر والحيض بما تقدم.

ص: 313

وأيضًا: {والليل إذا عسعس} ، وعسعس مشترك بين إقبال الليل وإدباره، قاله الجوهري.

واحتج النافي بأنه لو وقع، فإما مبينًا بأن تذكر معه قرينة، كما يقال: ثلاثة قروء وهي الأطهار، أو غير مبين.

والأول تطويل بغير فائدة؛ إذ يمكن أن يعبر بلفظ مفرد وضع له.

والثاني يستلزم عدم الفائدة؛ لأن الغرض من الوضع إفادة المراد، وكلاهما نقص، فينزه كلام الله تعالى عنه.

وجوابه: بمنع بطلان التالي، ولا نسلم أن وقوعه غير مبين غير مفيد؛ لأن له فائدة إجمالية كما في الأجناس.

وله في الأحكام فائدة أخرى وهي الاستعداد للامتثال إذا بين، وأنه يطيع بالعزم على الامتثال والاستعداد، كما بعصي بخلافه.

ومن فوائده: نيل الثواب بالاجتهاد في حمله على بعض معانيه.

وترجيحه على الآخرين للعمل به عند من يقول: إن المشترك ليس من قبيل المجمل ويمكن التصرف فيه بالترجيح، وإلا تعينت فائدة الاستعداد، ويمكن منع القسم الأول، وإنما يلزم ذلك إذا كان له لفظ منفرد.

وأيضًا: إنما ذلك لو كان البيان وحده يدل على المراد من غير ذكر المبين.

وأيضًا: قد يشتمل على فصاحة لا تكون لغيره.

ص: 314