الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول: جعل ظلم جنس للشر، وإضافته إلى الناس فصل، ويدخله عدم العكس، والثاني منه: جعل الجزء المقداري جنسًا وفصلًا والخمسة جزء العشرة، ولا تحمل وحدها ولا بانضمام خمسة أخرى إليها، بل المحمول مجموع الخمستين، والعشرة لم تتركب من الجنس والفصل، وإنما تتركب من آحادها، وليس شيء منها جنسًا ولا فصلًا، ولما لم تحصل لها صورة زائدة بعد الاجتماع، لم تحد حدًا حقيقيًا، بخلاف البيت المركب من الجدار والسقف؛ لأنه وإن لم يتركب من الجنس والفصل، لكن له أجزاء مادية وجزء صوري، فيحد بها حدًا حقيقيًا، فيقال: البيت جدار مسقوف.
قال: (ويختص الرسم باللازم، الظاهر لا يخفى مثله ولا أخفى.
ولا بما يتوقف عقليته عليه، مثل الزوج عدد يزيد على الفرد بواحد. وبالعكس فإنهما متساويان، ومثل النار جسم كالنفس، فإن النفس أخفى، ومثل الشمس كوكب نهاري، فإن النهار يتوقف على الشمس. والنقص كاستعمال الألفاظ الغريبة والمشتركة والمجازية).
أقول: لما فرغ من مادة الحد وصورته، شرع في
مادة الرسم
، ولم يتكلم على صورته؛ لأنه قد لا يكون مركبًا.
فقال: (ويختص الرسمي باللازم) ، والألف واللام للعهد، أي المختص ويكون ظاهرًا، لأنه إذا لم يكن لازمًا لم ينعكس، ولو لم يختص لم يطرد.
وأما كونه ظاهرًا فلينتقل الذهن منه إلى المعرف، فمعناه: ويختص مادة الرسمي باللازم الظاهر.
وخلل مادة الرسمي خطأ، بأن يكون اللازم مساويًا للمحدود في الخفاء أو يكون أخفى منه، أو يكون مما يتوقف تعقله على المحدود، والخفي لا يعرف الخفي، لامتناع الترجيح من غير مرجح، ولا يعرف الأخفى الأظهر لامتناع ترجيح المرجوح، ولا ما تتوقف عقليته على الشيء للزوم الدور، ولا مدخل / لهذا النوع من الخلل في الحقيقي، على أنه لا يبعد ذلك أيضًا فيه.
مثال الأول: تعريف الزوج بأنه عدد يزيد على الفرد بواحد، على رأي من جعل تقابلهما تقابل الضدين، أما من جعل تقابلهما تقابل العدم والملكة فيصح تعريف الفرد بأنه عدد ينقص عن الزوج بواحد؛ لأن الملكة أعرف دون العكس لأنه أخفى.
قيل: المراد بقوله: (وبالعكس) أي ما يزيد على الفرد بواحد فهو زوج، ورجحه بتقديم قوله: وبالعكس، فإنهما فيه متساويان، وهذا فيه حقيقة العكس، والأول بناء على أنهم يطلقون على المقابل عكسًا، مع أن تعريف الفرد لا يصح [به]، سواء قلنا: عدد يزيد على الزوج بواحد أو قلنا: ينقص على الزوج بواحد؛ لأن الواحد فرد وليس بعدد [عند
الحكماء، وإن كان عددًا عند المصنف].
ومثال التعريف بالأخفى: النار جسم كالنفس، ويعنى عنصر النار للجزء المشاهد، والنفس أخفى، إذ لا شيء من جزئياتها بمرئي بخلاف النار والمحسوس أجلى من المعقول.
الثالث: تعريف الشمس بأنه كوكب نهاري، والنهار مدة طلوعها، فقد عرفها بما يتوقف تعقله عليها، وكل واحد منهما أردأ مما قبله.
والنقص في المادة بحسب اللفظ، لما لم يختص بالحد، أتى به عقبهما.
قلت: ويعني إذا كان مع القرينة أو مفسرًا فيكون تطويلًا بلا فائدة، فأثر نقصًا وليس حدًا ناقصًا بالمصطلح، ولا رسميًا ناقصًا، ولو كان من غير قرينة كان خطأ، لا معروفًا ناقصًا.
قال: (ولا يحصل الحد ببرهان، لأنه وسط يستلزم حكمًا على المحكوم عليه، ولو قدر في الحد لكان مستلزمًا عين المحكوم عليه.
ولأن الدليل يستلزم تعقلًا ما يستدل عليه، فلو دل عليه لزم الدور.
فإن قيل: فمثله في التصديق.
قلنا: دليل التصديق على حصول ثبوت النسبة أو نفيها، لا على تعقلها، ومن ثم لم يمنع الحد، ولكن يعارض ويبطل بخلله.
أما إذا قيل: الإنسان حيوان ناطق، وقُصد مدلوله لغة أو شرعًا فدليله العقل، بخلاف تعريف الماهية).
أقول: لما فرغ من مباحث مادة الحد وصورته وخللهما، ختم ذلك بخاتمة وهي: أن الحد - يعني الحقيقي - لا يحصل ببرهان، خلافًا لبعض القدماء، وظاهر كلامه أنه يمتنع أن يبرهن عليه فقط، وإن كان ما استدل به يعطي أنه [لا] يستدل عليه لا ببرهان ولا أمارة، ولكنه لا ينفي أن يثبت له بطريق القسمة، واحتج عليه بوجهين:
الأول: لو برهن عليه، لزم أن يكون حمل الشيء على نفسه مطلوبًا بالبرهان، والثاني باطل فالمقدم مثله، أما الملازمة؛ فلأن البرهان وسط بين المحكوم عليه وبه؛ لأنه مستلزم للحكم على المحكوم، وكل مستلزم واسطة لثبوت لازمه.
أو نقول: البرهان ذو وسط، والوسط يستلزم حكمًا على المحكوم، فلو قدر البرهان أو الوسط في إثبات الحد [للمحدود] ، لكان الوسط مستلزمًا عين المحكوم عليه إن كان الحد مجموع الأجزاء المادية أو الصورية، أو جزؤه إن كان الحد بالمادية فقط، ومحال أن يتوقف ثبوت الشيء لنفسه أو ثبوت جزؤه له على غيره.
ولم يذكر المصنف غير الأول، بناءً على أن الحد مجموع الأجزاء المادية
والصورية، ولا يلزم من ذلك الترادف؛ لأن أحدهما دل من طريق الإجمال، والآخر من طريق التفصيل، مع أن الترادف من خواص اللفظ المفرد، ولفظ الحد مركب.
قلت: وفي هذا الدليل نظر؛ لا لما قيل: لا نسلم أن البرهان له وسط كذلك لجواز كونه شرطيًا اقترانيًا أو استثنائيًا.
لأنا نقول: أما على التقرير الأول فلا إشكال، وأما على الثاني فلابد / في البرهان مطلقًا من أمر يوجب العلم بثبوت النسبة المجهولة بين طرفي المطلوب، وهو المتكرر في الاقتراني والاستثنائي.
قيل: لأن المثبت بالبرهان كون الحيوان الناطق حدًا؛ لأن إثباتنا الحيوان النطاق للإنسان هو إثبات لأمر خارج؛ لأن كونه حدًا وكون هذه أجزاؤه أمر عرضي، وفرق بين إثبات جزء الشيء للشيء وبين إثبات كون الشيء جزء الشيء، الأول لا يطلب بالدليل بخلاف الثاني، ولأن توقف ثبوت الشيء لنفسه باعتبار تفصيله على غيره لا يمتنع، إذ قد يجهل مثلًا كون الإنسان حيوان ناطق، فيبرهن له عليه.
ويدل أيضًا على ذلك: أنا نحمل الحيوان الناطق على الإنسان، وذلك حكم مفيد، بخلاف قولنا: الإنسان إنسان، فيكون الدليل يستلزم هذا الحكم لمن جهل ذلك، مع أنه دعوى أن هذا حد لهذا، فيفتقر إلى ما يدل على صلاحيته للحد.
وأيضًا: يتضمن دعوى أن هذا جنس وفصل لهذا، فيفتقر إلى برهان.
وقد استدلوا على كون هذا الشيء جنسًا لكذا، وعلى كون هذا الشيء فصلًا لكذا، فنشأ من ذلك برهان: أن هذا حد لهذا.
فيقال: هذا جنس كذا قيد يفصله، وجنس الشيء إذا قيد بفصله كان حدًا له.
قيل: الإنسان حيوان ناطق ليس بحكم وليس بدعوى، بل هو تصور شيء مفصل، ودعوى الحدية يفتقر إلى دليل، وتعريف الماهية لا يفتقر، والتعريف كون كذا كذا، والدعوى كون هذا الشيء هو كذا وكذا، وهذا لا طائل تحته.
الوجه الثاني: أن الدليل يستلزم تعقل ما يستدل عليه، وهو ثبوت الحد للمحدود، فيكون الدليل متوقفًا على تعقل المحدود، والحد، وثبوت الحد له فلو دل الدليل على ثبوت الحد للمحدود، لكان ثبوت الحد للمحدود موقوفًا على الدليل، وتعقل المحدود موقوف على ثبوت الحد له؛ لأن تصوره مستفاد من إثبات الحد له على ذلك التقدير فيدور.
قلت: وفيه نظر؛ لا لما قيل: إن المتوقف عليه تصور المحدود، والذي أنتجه الدليل كونه حدًا.
لأنا نقول: إذا كان متصورًا بحقيقته فالاستدلال على كون هذا حدًا له إنما هو لتعلم حقيقته مع أنها معلومة، بل لأن الدليل موقوف على تصور المحدود باعتبار، وتعقل الحقيقة موقوف على الدليل، فلا دور.
وما قيل: من أن المثبت بالدليل بثبوت الحد للمحدود من حيث هو حد فيجب تصوره من هذه الحيثية، وتصوره بهذه الحيثية يوجب تصور المحدود بحقيقته، فيكون الدليل عليه موقوفًا على تصور المحدود بحقيقته فيلزم الدور فباطل، لأنا لا نسلم أن تصوره بتلك الحيثية يوجب تصور المحدود بحقيقته، لجواز أن يتصور مثلًا الإنسان باعتبار، وتتصور حقيقة الحيوان الناطق، ويتصور أن معنى كونه حدًا للإنسان أنه مشتمل على جنسه وفصله، ويجهل كون جنسه وفصله حتى يثبت بالدليل، وأنت تعلم أنه لو صح هذا لزم ألا يحصل أيضًا بأمارة، ولزم منه ألا يحصل الرسمي لا ببرهان ولا بأمارة.
ثم أورد المصنف نقضًا على الدليل الثاني، وهو: أن ما ذكرتم لو صح لم يكتسب تصديقًا، والتالي باطل فالمقدم مثله؛ لأن الدليل على التصديق متوقف على تعقل النسبة، فلو اكتسبت بالدليل لتوقفت عليه ولزم الدور.
والجواب: أن الذي يتوقف عليه الدليل تعقل النسبة، والمتوقف على الدليل ثبوت النسبة أو نفيها لا تعقلها، وأتى بلفظي حصول ثبوت النسبة بمعنى حصول نسبة الثبوت، أو حصول نسبة النفي.
فقوله: (أو نفيها) أي حصول نفيها، فلا يكون أحدهما حشوًا.
ثم قال: (ومن ثم لم يمنع الحد) لما ثبت أنه لا يطلب بالدليل لم يمنع الحد لأن معنى / المنع طلب الدليل، وهو لا يكتسب بالدليل.
وإنما الحاد في مقام التفصيل، مثل من يعمد إلى جواهر في خزانة
الصور للمخاطب فينظمها قلادة بمرآى منه ولا يزيد.
والراسم مثل من يعمد إلى صورة فيضع أصبعه عليها، فكيف يمنع؟ .
وفيه نظر؛ لأنه ما منعه من نظمها، ولكن منع أن هذه الجواهر تساوي كذا.
ثم قال: (ولكن يعارض ويبطل بخلله) أي يعارض بحدّ آخر، فإن اعترف به الخصم بطل الأول؛ لأنه لا [يكون] لشيء حدان حقيقان، إلا أن يكون من طريق العبارة.
فنقول أيضًا: هذا أخصر فهو أولى.
وإن لم يعترف به الخصم، فلا معارضة، ويبطله أيضًا بأنه غير مطرد، أو غير منعكس، أو [بما] تقدم، من [جعل] العرض مكان الجنس إلى آخرها.
أما لو قال: الإنسان حيوان ناطق ولم يقصد به تعريف حقيقة الإنسان، وإنما قصد أنه مدلوله لغةً أو شرعًا، فهو حكم بأن المسمى بهذا اللفظ في اللغة أو في الشرع هو كذا، فهو حكم على اللفظ بالمعنى، فيفتقر إلى نقل عن اللغة أو الشرع.
بخلاف تعريف الماهية؛ لأن معناه: أن ماهية الإنسان متصورة من الحيوان الناطق، فلا يستدل عليه.
وأيضًا: في اللفظي اشتمل على دعوى الوضع، بخلاف الحقيقي فإنه يعود إلى إشارة العقل ولا حكم عليها، وفيه ما تقدم.
قال: (ويسمى كل تصديق قضية، ويسمى في البرهان مقدمة.
والمحكوم عليه فيها إما جزئي معين أو لا، والثاني إما مبين جزئيته أو كليته أو لا صارت أربعة: شخصية، وجزئية محصورة، وكلية، ومهملة كل منها موجبة أو سالبة، والمتحقق في المهملة الجزئية فأهملت).
أقول: لما فرغ من التصور، شرع في التصديق، والقضية مأخوذة من القضاء بأمر على أمر، ويرادفها التصديق، ويسمى بذلك تسمية له بأشرف عارضيه، ويسمى خبرًا، وعلمًا، وكلامًا، فإن كانت ملفوظًا بها سميت بذلك وبالقول الجازم، فإن جعلت جزء قياس سميت مقدمة بفتح الدال وكسرها، وظاهر كلام المصنف أنها لا تسمى مقدمة حتى يكون في البرهان، فإن وضعت ليستدل عليها سميت دعوى ومطلوبًا، فإن استنتجت بالعقل سميت نتيجة ولازمًا.
ثم المحكوم عليه في القضية إن كان جزئيًا معينًا أي حقيقًا فهي الشخصية، وترادفها المخصوصة.
وإن لم يكن جزئيًا معينًا فهو كلي، فإن بين كمية أفراده كانت محصورة ومسورة، وإلا فهي مهملة.
ثم المحصورة إما بلفظ يدل على جميع أفراد الموضوع فهي الكلية، أو على بعضها فهي الجزئية، وكان الأولى أن يقول: إما مبين كمية أفراده بالكلية والجزئية أو لا، ولا يعطي هذا المعنى قوله:(إما مبين كليته)؛ لأنه كلي ولابد عند كونه ليس جزئيًا حقيقًا، لكنه لا يريد بالكلي امتناع الشركة أو جوازها، ولا كل الأجزاء ولا بعضها.
واللفظ الدال على كمية الأفراد يسمى سورًا، وحاصرًا، لإحاطته بتلك الأفراد.
فسور الإيجاب الكلي «كل» ، وسور الإيجاب الجزئي «بعض» و «واحد» ولم يستعمل المصنف إلا الأول. وسور السلب الكلي «لا شيء» ، و «لا واحد» ، وذكر المصنف «كل شيء» وحكاه الخنجي عن الشيخ.
وسور السلب الجزئي «ليس بعض» ، و «بعض ليس» ، و «ليس كل» .