الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبى الله ورسوله الامين، سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد، فإن كتاب ترتيب الفروق واختصارها لمؤلفه الجليل، الفقيه الأصولي الكبير، الشيخ أبي عبد الله محمد بن ابراهيم البقوري المتوفى بمراكش عام سبع وسبعمائة هجرية (707 هـ)، يعتبر تراثا فقهيا هاما بين كتب تراث الفقه الاسلامي وقواعده الفقهية العامة على مذهب الامام مالك رحمه الله.
ذلك أن مؤلفه رحمه الله اختصر فيه ورتب فيه كتاب الفروق بين القواعد الفقهية لشيخه الجليل، فريد دهره ووحيد عصره، الإمام المحقق أبي العباس، شهاب الدين احمد بن ادريس القرافي رحمه الله. ومكانة كتاب الفروق، وأهميته العلمية من المعرفة والشهرة بمكان، ولا تخفى على اصحاب الفضيلة العلماء مشرقا ومغربا، منذ تأليفه في القرن السادس الهجري، حيث ظلوا يرجعون إليه ويعتمدونه في كثير من الفروع والمسائل الجزئية، المؤسسة على القواعد الكليهَ الفقهية، ولا يكاد كتاب من الكتب الواسعة في الفقه وقواعده، وأصوله يخلو من ذكره والاشارة اليه، والاستشهاد بكلامه وقواعده.
وفد أوضع شهاب الدين القرافي نفسه هذه الاهمية والمكانة التى لكتابه الفروق في فقرات من ديباجته التى قدّم بها لكتابه هذا حيث قال فيها رحمه الله.
"أما بعد، فإن الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله تعالى منارها شرفاً وعلُوا اشتملت على أصول وفروع. وأصولها قسمان:
أحدهما المسمى: بأصول الفقه، وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الاحكام الناشئة عن الالفاظ العربية خاصة، وما يَعرِض لتلك الالفاظ من النسخ والترجيح، ونحو الامر للوجوب، والنهي للتحريم، والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك، وما خرج عن هذا النمط إلَّا كون القياس حجة، وخبر الواحد، وصفات المجتهدين.
والقسم الثاني قواعد كلية فقهية جليلة، كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء فى أصول الفقه وإن اتفقت الاشارة اليه هنالك على سبيل الاجمال، فبقِي تفصيله لم يتحصَّل.
وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع، وبقدر الاحاطة بها يعْظُمُ قدر الفقيه ويَشْرُف، ويظهر رونق الفقه ويُعرَف، وتنضِح مناهج الفتاوى وتُكْشَف، فيها تنافَسَ العلِماء، وتفاضلَ الفضلاء، وبرز القارح على الجَذَع، وحاز قصَبَ السبق من فيها بَرِع، ومَن جَعلَ يُخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تنافضت عليه الفروع واختلفت، وتزلزلت خواطره فيها وِاضطربت، وضافت نفسه لذلك وقنِطَت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التى لا تتناهى، وانتهى العُمُر ولم تقْضِ نفسُه مِنْ طلَبٍ مُنَاها. ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها فى الكليات،
واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب، وأجاب الشاسع البعيدَ وتقارب، وحصل طَلبتَة في أقرب الأزمان، وانشرح صدره لما اشرق فيه من البيان، فبَيْن المَقاميْن شأوٌ بعيد، وبين المنزلتين تفاوُتٌ شديد.
وقد ألهمنى الله تعالى بفضله أن وضعث في أثناء كتاب الذخيرة من هذه القواعِدِ شيئا كثيرا مفرَّقًا في أبواب الفقه، كلّ فاعدة في بابها وحيث تبنى عليها فروعها، ثم أوجد الله تعالى في نفسي أن تلك القواعد لو اجتمعت في كتاب وزِيدَ في تلخيصها وبيانِها والكشفِ عن أسرارها وحِكمها لكان ذلك أظهر لبهجتها ورونقها، وتكيَّفَتْ نفس الواقفِ عليها بها مجتمعةً أكئر مما إذا رآها مَفَّرقة، وربَّما لم يقِف إلَا على اليسير منها هناك لعدم استيعابه لجميع ابواب الفقه، وأينما يقف على قاعدهَ ذهب عن خاطره ما قبلها، بخلاف اجتماعها وتظافرها، فوضعت هذا الكتاب للقواعد خاصة، وزِدت قواعد كثيرة ليست في الذخيرة، وزدت ما وقع منها في الذخبرة بسطا وايضاحا، فإني في الذخيرة رغِبت في كثرة النقل للفروع لأنه أخص بكتب الفروع، وكرِهت أن أجمعَ بين ذلك وكثرةِ البسط في المباحث والقواعد فيخرج الكتاب الى حد يعْسُرُ على الطلبة تحصيله. أما هنا فالعذر زائل، والمانع ذاهب، فاستوعب ما يفتع الله به إن شاء الله تعالى، وجعلتُ مبادئ المباحث في القواعد بذكر الفروق والسؤال عنها بين فرعين أو قاعدتين، فإن وقع السؤال عن الفرق بين الفرعين فبيانه بذكر فاعدة أو قاعدتين يحصل بهما الفرق، وهما المقصودتان، وذِكْر الفرق وسيلة لنحصيلهما، وان وقع السؤال عن الفرق بين القاعدتين فالمقصود تحقيقهما، وَيكون تحقيقهما بالسؤال عن الفرق بينهما أولَى من تحقيقهما بغير ذلك، فإنَّ ضَمَّ القاعدة الي ما يُشاكلها في الظاهر ويضادها في الباطن أولى، لِأنَّ الضد يُظهر حُسْنَه الضدُّ وبضدها تتميز الأشياء، وتقدم فبل هذا كتاب لي سميته كتاب (الإحكام في الفرق بين الفتاوي والأحكام، وتَصَرُّفِ القاضي والإمام، ذكرت في هذا الفرق أربعين مسألة جامعة لأسرار هذه الفروق، وهو كتاب مستقِل يُستغنَى به عن الإعادة هنا. فمن شاء طالع ذلك الكتاب فهو حسن فِي بابه، وعوائدُ الفضلاء وضعُ كتب الفروق بين الفروع، وهذا في الفروق بَيْن القواعد وتلخيصها، فله من الشرف على تلك الكتُب شرف الاصول على الفروع، وسميته لذلك (أنوار البروق، في أنواء الفروق)، ولك أن تسمِيه كتابَ الانوار والانواء)، أو كتاب (الانوار والقواعد السّنِية في الاسرار الفقهية)، كل ذلك لَكَ، وجمعت فيه مِن القواعد خمسَمائة وثمانية وأربعين قاعدة، أوضحت كل قاعدة بما يناسبها من الفروع حتى يزداد انشراح القلب لغيرها".
ومن خلال هذه المقدمة التى أتى بها الإمام شهاب الدين القرافي عن كتابه الفروق ومكانته العلمية تتجلى كذلك نفس المكانة التى لكتاب اختصاره وترْتيبه من طرَف الشيخ أبي عبد الله محمد بن ابراهيم البقوري، حيث اختصر فيه كتاب الفروق، ورتب قواعده وفق العلوم المختلفة وعلى الابواب الفقهية، وألحق به وأضاف اليه ما يناسبهُ من القواعد والمسائل والفروع المماثلة، ونبه فيه على ما لم يذكره شيخه القرافي، فجاء كتاب الترتيب هذا صورة وصياغة جديدة لكتاب الفروق، تيسر الاستفادة منه والانتفاع به، وتسهل الرجوع الى قواعده ومسائله، وتعين على ادراكه وفهمه، وعلى استيعابه وتحصيله.
وانطلاقا من هذه المكانة التى لكتاب ترتيب الفروق كتراث فقهي جليل، وانتاج مغربى اصيل. يكشف عن اهتمام علماء الغرب الاسلامي في الاندلس والمغرب بهذا العلم المتصل بأصول الفقه وقواعده الكلية، ويبرز مدى تمكنهم منه وتعمقهم فيه، واسهامهم بالتاليف بين تلك المؤلفات القيمة الخالدة التى الفها علماء اجلاء في هذا العلم، ودونها فقهاء أعلام على اختلاف مذاهبهم الفقهية، وتنوّع
توجهاتهم العلمية. امثال قواعد الاحكام في مصالح الانام لسلطان العلماء عز الدين ابن عبد السلام، والاشباه والنظائر لكل من الامامين، جلال الدين السيوطى، وابن نجيم الحنفى، وقواعد الفقهيه ابن رجب الحنبلي، واصول الفتيا في المذهب المالكي للفقيه محمد بن حارث الخشني الاندلسى، والقواعد للفقيه المغربي الضليع محمد المقري، والكليات للفقيه ابن غازى العثماني المكناسي، وشرح المنهج المنتخب على قواعد المذهب لمؤلفه الفقهيه الشيخ احمد المنجور، وغيرُهم من العلماء النين الفوا في القواعد الفقهية، وأصَّلُوها في مؤلفاتهم القيمة، سواء منهم علماء المشرق والمغرب، رحمهم الله أجمعين.
وادراكا من وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية لتلك الأهمية العليمة التى لكتاب ترتيب الفروق واختصارها بين تلك المؤلفات القيمة التي اشرت الى بعضها فقد ارتأت طبعه ضمن كتب التراث الاسلامي والدراسات الاسلامية التى تطبعها وتصْدرها في مطلع شهر رمضان من كل عام، لتيسير الاستفادة منه والانتفاع به من طرف السادة العلماء المتمكنين، والاساتذة المتخصصين، والدراسين الباحثين المهتمين بالفقه واصوله وقواعده، وعهدتْ إلي بمراجعته وتحقيقه، فتهيبت في اول الامر القيام بمثل هذا العمل العلمي الهام، لما أعرف عن الكتاب من أنه كتاب مترامي الاطراف، واسع الموضوع، عميق الأسلوب، متضمن لعلوم كثيرة، ومصنفات عديدة، ومشتمل على أسماء واعلام علمية وفيق، جعلت منه موسوعة فقهية كبيرة، يتطلب تحقيقها جهداً كبيرا، وصبرا جميلا متواصلا.
غير أني بعد التفكر والتأمل، استحضرت الكلمة المعروفة بين العلماء، والقائلة: ما لا يُدرَك كله، لا يترَك كله او جله" فجَدَّدت الارادة، وشحنت العزيمة، وشرعت في عمل التحقيق والمراجعة، متوكلا على الله تعالى، ومعتمداً عليه سبحانه، ومستعينا به جل علاه، وسائلا منه سبحانه العون والمدد، والتوفيق إلى السداد والصواب، واضعا نصب عينى أن يكون حسبي انني ساهمت في العطاء العلمي الفقهي بتحقيق هذا الكتاب المخطوط، واخراجه الى حيز الوجود، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلتُ، واليه انيب.
وقبل المشروع في العمل كان لابد من التعرف والاطلاع على ما هو موجود من نسخ هذا المخطوط بالخزائن المغربية العامة، والتأكد والتثبت من توثيق الكتاب، وصحة نسبته الى مؤلفه، وسلوك خطة ومنهج علمي في تحقيقه واخراجه سليما في نصه، ومضمونه، فأمكن، والحمد لله، الاطلاع على ذلك من الخزانات العامة والمكتبات الاتية:
1) - نسخة الخزانة العامة بالرباط، تحمل رقم 2621 د
2) - نسخة الخزانة الحسنية بالرباط تحمل رقم 11844
3) - نسخة ثانية بالخزانة الحسنية تحمل رقم 11778
4) - نسخة خزانة القرويين بفاس تحمل رقم 1269.
5) - نسخة من الخزانة الوطنية بتونس، رقم 3380.
6) - نسخة ثانية من تونس رقم 6755.
أما نسخة الخزانة العامة بالرباط، فهي نسخة نامة مكتوبة بخط مغربي اندلسي واضح، تختلف كتابته من باب الجهاد، مما يفيد ويعطي أنها كتبت من طرف ناسخيْن، مسطرتها 25، طولها 28 × 20 يبدو عليها اثر القدم عارية، عن اسم الناسخ، وتاريخ النسخ عليها طُرَرٌ في بعض الصفحات تدل على انها مقروءة ومصححة.
أما نسخة الخزانة الحسنية رقم 11844، فهي كذلك نسخة تامة، مكتوبة بخط مغربي اندلسي واضح، عارية عن ذكر اسم الناسخ وتاريخ النسخ طولها 20 × 14 مسطرتها 21، وتبدو من حيث الخط والجدة انها متاخرة النسخ بالنسبة الى نسخة الخزانة العامة، وإلى النسخة الثانبة بالخزانة الحسنية رقم 11778، فهذه النسخة المكتوبة بخط مغربي يبدو عليها اثر القدم والقراءة من خلال الطرر الموجودة بهامشها، وهي مبتورة بعد الصفحات الاولى منها الى باب النكاح، عارية كذلك عن اسم الناسخ وتاريخ النسخ.
أما عن نسخة القرويين، فهي كذلك تامة مكتوبة بخط مغربي جميل، يبدو عليها أثر القدم، طولها 20 × 15، مسطرتها 28، مذكور فيها تاريخ النسخ بأرقام خاصة غير متعارفة عندنا.
أما نسخة الخزانة الوطنية بتونس رقم 3580، فهي نسخة تامة مكتوبة بخط شرقي، استخرجت من ميكرو فيلم بالخزانة العامة بالرباط، فجاءت صفحاتها دكناء تصْعب قراءتها وإلاستفادة منها بسهولة، وتعتبر اقدم هذه النسخ من حيث انها مذكور فيها اسم الناسخ، ومثبت فيها تاريخ النسخ بسنة 878، اي القرن التاسع الهجرى على يد ناسخها محمد أبي الفتح بن محمد الحسني المدني بالقاهرة المحروسة. طولها 20 × 15، مسطرتها 28 غير انها مليئة بالاخطاء النسخية الاملائية والنحوية، اضافة الى ما هي عليه من صعوبة القرآة، كتب على صفحتها الأولى تصويب نسبة كتاب ترتيب الفروق هذا الى مؤلفه أبي عبد الله محمد بن ابراهيم البقوري، من طرف الشيخ عمر حمدان، استدراكا على نسبته فى أول صفحة من النسخة التونسية الاخرى الى الفقيه محمد المقري.
وهذه النسخة الثانية من تونس رقم 6755، هي كذلك نسخة تامة، مكتوبة بخط شرقي مقروء طولها 23 × 15، مسطرتها 22، وهي تبدو قديمة ولكنها بعد النسخة الاولى، حيث انها مؤرخة النسخ بتاريخ صفر عام خمسين ومائة والف، على يد ناسخها محمد بن عبد القادر الفاسى رحمه الله، وهى تبْدو سليمة جدا من الاخطاء النسخية بالمقارنة مع سابقتها، وهي كذلك صعبة الفراءة لكون صفحاتها دكناء، حيث استخرجت من ميكرو فيلم وافاني به احد الاساتذة الافاضل من علماء تونس جزاه الله خيرا.
وبعد الاطلاع عليها كلِها امكن لي من خلال هذه النسخ والمفارنة بينها أن أعتمدَ في التحقيق والتصحيح على ثلاث نسخ منها: نسخة الخزانة العامة، ورمزت اليها بحرف العين هكذا ع. ونسخة الخزانة الحسنية المكتملة، ورمزت لها بحرف الحاء هكذا، ح، وذلك لما يبدو علي، الاولى من كونها قديمة الكتابة، سليمة او قليلة الاخطاء، مقروءة ومصححة من طرف بعض العلماء كما يظهر ذلك من خلال الطرر الموجودة بهامشها، فاعتبرتها الأصل، واتخذتها النسخة الاولى، وقابلتها على نسخة الخزانة الحسنية لوضوحها وسلامتها، وقلة اخطائها، واستعنت - كلَّمَا استوقفتنى كلمة او عبارة في الكتاب- بالرجوع الى النسخة التونسية 6755، لكونها اسلم وادق من الاخرى وان كانت اقدم منها. اما نسخة خزانة القرويين فلم يتَحْ لي أن احصل عليها في تحقيق هذا الجزء الاول والنصف الاول منه، على أمَلِ ان تكون بين يدي في تحقيق ومراجعة النصف الثاني منه بحول الله.
وكان لابد بعد هذا من التثبت من توثيق الكتاب والتاكد من صحة نِسبتهِ الى مؤلفه الشيخ البقوري، وكان اعتمادي ومرجعى في ذلك على امرين:
الامر الاول النُّسَخ المخطوطة للكتاب، والتي كلها تنسبه الى المؤلف المذكور،
الأمر الثانى: كتب التراجم التى ترجمت لهذا المصنف، وتنسب له هذا الكتاب بعبارة:"وله كلام على كتاب الشهاب القرافى في الاصول"، أو عبارة ولَهُ حاشية عليه، كما تنسب له كتاب إكمال الاكمال في الحديث على صحيح الامام مسلم، وهذا الكتاب نص عليه المؤلف نفسه، وذكره فى ثنايا كلامه على احدى القواعد الفقهية الواردة فيه.
وكما ورد فى حديث: الأمة لا تجتمع على ضلالة، فان اجتماع هذه النسخ الخطية وكتب التراجم كها على نسبة هذا الكتاب الى مؤلفه البقوري لهو مما يفيد اليقين ويبعث على الاطمئنان. والاشكالية التى تشغل البال، ولم يقع التاكد منها بعد، خاصة بعد الاتصال باصحاب الفضيلة العلماء ذوي البحث والاختصاص في التراث العلمي والتاريخ الاسلامي، هي نسب المؤلف البقوري بالياء المثناة او البقوري بالباء الموحدة، حيث نجد نفح الطيب للمقري بذكره بالياء، وينسب ذلك للمقري في كتابه الخطط، بينما الديباج لابن فرحون، وكل من ينقل عنه من الأعلام للفقيه القاضي محمد بن ابراهيم المراكشي، والاعلام لمؤلفه العلامة الزركلي يذكرونه بالباء الموحدة وينصون على ذلك، وكلهم يتفقون على ان يقورة بالياء او الباء والقاف المشددة بلد بالاندلس هي مولد صاحب هذا الكتاب، على أن البحث العلمي المتواصل سيصل بنا الى تحقيق هذه المسألة، وان كان يبدو أن الراجح هو ما ذكره ابن فرحون في الديباج، ونقله عنه المتأخرون من كونه البقوري بالباء الموحدة وتشديد القاف، وهو ما وقع الميل اليه والاطمئنان اليه، وجعله فى عنوان الكتاب، على امل ان يصادف الحق والصواب.
أما عن النهج الذي سلكته في التحقيق فيمكن اجماله في النقط الاتية:
1) الاكتفاء بالمقابلة على نسختين، والاستعانة بنسخة ثالثة كلما دعت الضرورة لذلك، نظرا لكون هذه النسخ متساوية في مضمون الكتاب ومحتواه، ولتعذر المقابلة على اكثر من ذلك من طرف شخص واحد، وبالنسبة لكتاب اكبر الحجم مثل هذا الكتاب.
2) الحرص على تصحيح النص وسلامته من الاخطاء النسخية الاملائية والنحوية التي لا تخلو منها نسخة من هذه النسخ كلها على تفاوت بينها في ذلك.
3) ربط كل قاعدة من قواعد هذا الكتاب بالفرق المقابل لها في الكتاب الاصلي الذي هو الفروق للإمام القرافي، والاشارة الى ذلك في الهامش، والى الجزء والصفحة التى يوجد فيهَا الفرق بالنسبة للطبعة الاولى لكتاب الفروق، التى صدرت عن مطبعة دار احياء الكتب العربية بتاريخ رجب الفرد سنة 1344 هـ. على انه اذا تعددت الطباعة واختلفت نسخها، فان ذكر الفرق وحدَه يُقربُ الرجوع اليه بقطع النظر عن الصفحة التى يوجد فيها بالنسبة لهذه الطباعة او طبعة اخرى جديدة. بحيث يسهل الرجوع الى ذلك الفرق عند ارادة التوسع فيه او استيضاح ما يكون فد غمض على الدارس والباحث فى مطالعته ومراجعته لترتيب الفروق واختصارها، إذْ الإيجازْ والاختصار فد يبقى معه المعنى احيانا غامضا غير واضح يحتاج الى مزيد من التفصيل والبيان.
4) ومراعاة لذلك، فقد كنت احيانا آتى بعبان من كتاب القرافي لتوضع عبارة او مسألة عند الشيخ البقوري، واذكر ذلك في الهامش.
5) نظرا لما لحاشية عمدة المحققيين سراج الدين ابي القاسم قاسم بن عبد الله الانصارى المعروف بابن الشاط، والمسماة أدرار الشروق على أنوار الفروق من اهمية ومكانة، في تصويب
وتصحيح كثير مما ورد في كتاب الفروق للقرافي حتى قال أهل التحري والاحتياط. في شأن هذه الحاشية: "عليك بفروق القرافى، ولا تقبل منها إلا ما قبله ابن الشاط، وذكر بعض الافاضل الموثوق بهم أن قائل هذه العبارة هو الشيخ أحمد بابا النتبكتي صاحب نيل الابتهاج بتطْرِيزِ الديباج، وغيره من المؤلفات العلمية القيمة، نظرا لذلك فقد كنت في كثير من الأحيان التى بتعليقاته في الهامش، وأذكر تحقيقاته فيه، لما فيها من تدقيق وتصويب في المسألة وفائدة علمية جديدة، فجاء هذا الكتاب في تحقيقه جامعا بين ما عند البقوري في اختصاره، وما عند القرافي في أصل كتابه، وما عند ابن الشاط في تعقيبه وإفاداته الدقيقة.
6) أحيانا قليلة كنت بكل تواضع أعقب على كلام ابن الشاط حين ما أراه يستنتج من كلام القرافي ما قد يكون بعيدا عن مراده وقصده من القاعدة او العبارة، وحينما أراه يقسو عليه في أسلوبه، فأحاول التصويب والتوفيق بين كلام هذين العالمين الجليلين اللذين لهما من التمكن والتضلع في العلوم النقلية والنقلية ما هو غني عن كل بيان.
7) خرجت ما في الكتاب من الآيات القرآنية وذكرت السورة ورقم الآية في المصحف الكريم، كما خرَّجت كُلَّ مَا امكن لي تخريجُهُ من الاحاديث النبوية الواردة في الكتاب، إفادة للقارئ وتسهيلا عليه في البحث عن موضوع الآية او راوى الحديث ومُخرِجه.
8) كنت أستطرد احيانا، فأصحح كلمة او عبارة، او أشرح مصطلحات علمية أو بلاغية او منطقية أو نحوية، وأستشهد لها بابيات من منظومة المنطق، او منظومة الفقيه ابن مالك، بقصد الاستشهاد لذلك التصويب والتصحيح، وتذكيرا لبعض الدارسين والباحثين بتلك القواعد والمصطلحات، وتيسيرا لهم على استحضارها واستيعابها، علما مني بأنها من المعلومات البديهية والضرورية لدى علمائنا الاجلاء، ولكنها مفيدة لبعض الدارسين.
9) لم أتعرضْ لما في الكتاب من مؤلفات واعلام ترِدُ في ثناياه، فلم أتعرض للبحث عنها كلها، ولترجمتها كلها، نظرا لكونها موجودة في الكتب المتخصصة في تراجم العلماء وطبقاتهم على اختلاف مذاهبهم، وحتى لا يخرج الكتاب عن الحجم المطلوب والهدف المنشود.
ذكرت بعض التراجم القليلة حين يرد ذِكرهم بوصف أوْ اضابة كتاب كأن يقال: صاحب القبس، أو صاحب المقدمات، او صاحب الطراز مثلا، وهي تراجم قليلة بالمقارنة مع وفرة التراجم الاخرى الموجودة داخل الكتاب، والتى لم اتعرض لها اختصارا وايجازا.
هذا هو المنهج الذى نهجته وسلكته، والمجهُود الذىِ بذلته في تحقيق هذا الجر الاول وتصحيحه من كتاب ترتيب الفروق واختصارها.
وسيلاحظ القارئ أني لم اتعرض لدراسة عن هذا الكتاب ومؤلفه، تبرز بتفصيلٍ، الجوانبَ التى يتميز بها بالنسبة الى الاصل الذى هو كتاب الفروق، فقد رأيت أن ارجئها الى حين استكمال الكتاب كله بإتمام تحقيق النصف الثاني منه في الشهور القادمة بحول الله، لتتم الصورة الكاملة والنظرة العامة عن الكتاب، ويمكن استيعاب جوانب الاختصار والتعقيبات التي جاءت فيه، وتكون الدراسة بذلك وافية، وتصدر في جزء خاص بها ان شاء الله تعالى وبعونه وتوفيقه، خاصة اذا ما علمنا ان شخصية الشيخ البقورىِ مغمورة، وأن الكتب التى تعرضت لترجمته لم تتوسع فيها، وانّما تقتصر على
تناولها بايجاز لا يمكن من تكوين دراسة شاملة ومعمقة عنه، ولا يساعد مما يتطلب المزيد من البحث والوقت الكافي لذلك.
واذا كنت أقدمت على تحقيق هذا الكتاب بانجاز لجزء الاول منه، ومواضلة العمل في الجزء الثاني فإني لا أدعى أنه قد بلغت الكمال في هذا العمل العلمي الواسع، فحسبى كما ذكرت، أن اكون قد عملت على اخراجه من عالم المخطوط، ويسرته ليكون ضمن ما هو مطبوع، وآمل وارْجُو ان يرونه اصحاب الفضيلة العلماء والاساتذة الاجلاء المتخصصون في مجال تحقيق التراث ونشره بما يرونه من ثغرات او يبدو لهم من ملاحظات، حتى يمكن تداركها فى الجزء الثاني من هذا الكتاب.
وأختم هذه المقدمة بالعبارة التى أتى بها الشيخ خليل بن اسحاق المالكي فى مقدمة مختصره الفقهي حيث قال رحمه الله:
والله المسؤول ان ينفع به كل من قرأه أو حصله او سعى في شيء منه، فَمَا والله يعصمنا من الزلل، ويوفقنا في القول والعمل، وأعتذر لذوي الالباب من التقصير الواقع في هذا العمل، فَمَا كان من نقص كملوه، ومن خطأ اصلحوه، فقلما يخلص مصنف من الهفوات او ينجو مؤلف من العثرات. وفي معنى ذلك: قلما ينجو محقق من الهفوات، أو يسلم باحث من الملاحظات. والاعمال بالنيات، والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل ويدعو الى دار السلام، ويهدى من يشاء الى صراط مستقيم.
المحقق: ذ. عمر ابن عباد